السبت، 14 أبريل 2018

نحن الشعب والهوية .. نحن سوريا المُستَهدَفة الآن

طشقند 14/4/2018 أعدها للنشر أ.د. محمد البخاري. تحت عنوان "نحن الشعب والهوية .. نحن سوريا المُستَهدَفة الآن" نشرت جريدة الوطن العمانية اليوم مقالة للمفكر والأديب السوري علي عقلة عرسان جاء فيها:
علي عقلة عرسان
إن ما يجري من تجييش وتهييج اليوم، قد يأتي على ما تبقى من سوريا الوطن، والدولة، والأمل.. وسوريا المُستَهدَفة، هي نحن.. نحن المستهدفون موقفا ووجودا وهوية وعقيدة.. سوريا نحن، مصيرنا فيها ومصيرها فينا.. وكل ما يتصل بنا ـ بها.. منوط، بدرجة كبيرة بوعينا، بنا، بتفاعلنا الخلاق، تفاعل الإنسان مع الأرض والحدث والعقل والنقل.. ومن سوء التدبير والتفكير، إهمال الوعي، وإهمال الانتماء والمسؤولية، وإهمال العقل، وإهمال النقل بحمولاته المعرفية ودروسه وعظاته ومخزوناته التجاربية..
سوريا، شعبا ودولة، تقع في بؤرة الاستهداف الشديد، ليس منذ أيام فقط، بسبب تهديدات ترامب الأخيرة، و”المشاجرة السياسية؟!” الحادة، حول موضوع استخدام الغاز السَّام أو عدم استخدامه، في دوما.. وإنما منذ بداية الأزمة، الحرب، الكارثة.. طوال سنوات مثقلة بسفك الدم، والخرائب، والتشريد، والمآسي.. التي دمرت البلد، وأشقت الشعب، وفرَّقت الصفوف، ليس بين أبناء هذا الشعب الذي كان متآلفا، بل وبين صفوف الأمة العربية من حوله.. وما زالت الحرب تهدد وحدة هذا البلد العزيز، واستقلاله، ووجوده ذاته. وأخطر ما في المرحلة الأخيرة من تطور الأحداث على جغرافيته ومن حوله، وفيه وعليه ومن حوله، أنها ستجعله مركز حرب ضروس، مرشحة لأن تشمل المنطقة، وربما تتطور ـ إن هي بدأت ـ لتصبح حربا عالمية ثالثة، بين الدولتين الأعظم وتحالفات كل منهما.. هذا إذا ما استمرّت التحديات المجنونة، واستعراضات القوة الصاروخية، والأهلية التقنية التدميرية، والسياسة غير المسؤولة.. التي لساسة مأزومين، يرفعون أنفسهم، ومصالحهم، ثمَّ مصالح بلدانهم وشعوبهم.. فوق الشعوب والبلدان، وفوق هيئة الأمم المتحدة “المسكينة”، وفوق القوانين والمواثيق الدولية، وفوق القيم والأديان، ومعاناة البشر، وأرواح الناس.
لم تعد مصلحة سوريا، شعبا ودولة.. ولم يعد السلم والأمن فيها، ولا أرواح مواطنيها، ولا حاضرها وماضيها، ولا مصالحها ومستقبلها وسيادتها، بوصفها دولة مستقلة.. لم يعد كل ذلك وسواه.. قضية تهم دولا عُظمى، في المعسكرين اللذين يتكوّنان، ويتهيآن لصراع خطير.. فمنذ زمن تم تحويل بلدنا، سوريا، إلى مرتكز لتكاسر الإرادات السياسية، وساحة لاستعراض القوة العسكرية، ولتقنيات الأسلحة والمعدات الحربية، وميدان لتدريب الجيوش والميليشيات بالذخيرة الحية، وساحة لإنجاز المهام بكفاءة عالية، ولتجريب الأسلحة وتطويرها، والدعاية لها في أسواق القتل والتدمير.. تلك أصبحت من أهداف أطراف دولية ومن مهامها وبرامجها.. دول تملك القوة، وتتطلع لتوسيع انتشارها ونفوذها، وتعزيز قدراتها، واستعادة مكانتها، وتأكيد “ندِّيتها السياسية”، أو إثبات وجودها، كأطراف فاعلة وحاكمة، في السياسة الدولية.. وهي تتنازع على جسدنا السوري، ذي العراقة الثقافية والحضارية، بلا أية محاذير، في حرب على الإنسان والعمران، على الهوية والتاريخ والدور العربي، على الذات الوطنية والقومية.. وتلك الدول لا تهمها سوى انتصاراتها، في صراعاتها حول قضايا وأزمات واستراتيجيات ومواقع، في أماكن من العالم، ولا يهمها شيء، بقدر ما تهمها مصالحها ومكاسبها.. لكنها، للإنصاف، لا تنسى أبدا، وهي تخوض في جداول من دمنا، وتتصارع على جسدنا السوري، أن تتكلم عن الأمن والسلم في بلدنا، وعن دور شعبنا في ذلك كله، وعن الحلول لأزمتنا، تلك الأزمة التي “لا يمكن أن تكون حلولها إلا سياسية”؟! وتلك ملامح ((تجميلية – دعائية، ومتعاطفة، ورحيمة))؟!، تنداح في الإعلام، والتصريحات، والمؤتمرات.. بينما الذَّبح مستمر، ذبحنا نحن البشر، ذبح العمران، وكل أشكال الحياة والآمال في الحياة.. من خلال حرب وحشية، نحن من صلباها، تجرجر جسدها الثقيل في وطننا، منذ ما يزيد على سبع سنوات من نار، مرشحة للزيادة، كما يبدو بوضوح؟!.. هناك قضايا كثيرة ورئيسة، وبعضها “قضايا مصيرية”، للمتصارعين في سوريا وعليها، لكن ليس من أجلها.. إذ لو كان الأمر كذلك، لاتفقوا وتوافقوا على سياسة، من شأنها الوصول إلى حلول سلمية، بتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة، أو من خلال تطويرها، بحسن نية، وسلامة طويّة، بما يحقق الغايات – وذلك فق المرجعيات الدولية المُعّتَمَدَة، التي ما زالوا يتشدقون بها، ويكررونها، ويعلنون أنها المخرج الوحيد من المأزق الذي زجونا، وزجوا أنفسهم فيه.
قضايا الكبار كثيرة ومتشعبة، ومتجددة، ومتوالدة.. إذ هناك دائما ما “يحبلون به”، ولا تتفتق عنه الأرحام، إلا بعد طَلق طويل الأمد، أو صعبٍ للغاية، ونزيف دم شعوب تدفع الثمن.. للكبار قضايا كبيرة، لكن نارها الحامية تشتعل الآن في سوريا، وتحرق السوريين أولا، والعرب والمسلمين ثانيا.. لا شيء مما هو رئيس لديهم، في الصراعات التي تخصهم وتهمهم، يشتعل.. وإذا ما اندلعت شرارة ما، هنا أو هناك، في منطقة أو موقع من تلك المناطق المواقع الحساسة الخاصة بهم، وبالقضايا التي يختصمون حولها.. فإنهم يتلافونها من تحت الطاولة أو من فوقها، فلا نار هناك.. ولا يجب أن يفكر بذلك أحد.. النار الحرَّاقة من نصيبنا، يضرونها في بلداننا وأكبادنا.. فلا مواقع انتشار الصواريخ البالستية الأميركية ـ الأوروبية المنشورة في بلدان أوروبية، على مقربة من حدود روسيا الاتحادية، موضوعة على نار حامية هناك، في مواقعها تلك المثيرة للجدل والخطر.. لكن نارها تعسُّ، بل تشتعل عندنا. ولا أوكرانيا، ذات الشأن في خلافاتهم البينيَّة، مشتعلة أو يمكن أن تشتعل.. ومسألة الكوريتين، على ما فيها من “نووي” مثير، قيل من قبل “إنه يهدد العالم كله”، إلى حل.. ولا نار تفرقع من ملفات ساخنة كثيرة، منها ملفات التدخل في الانتخابات وغيرها.. ولا يعني ذلك أنها منسية، أو بلا نار.. لأن عسيس نارها، وعتمة دخانها، ينبعثان فينا، ويعميان أنظارنا وقلوبنا.. فأرض الله واسعة، لكن مراكز البراكين السياسية ـ العسكرية، أصبح مركزها سوريا، وبلدان عربية أخرى، بقدرة قادر؟!
الكل الآن، في هذا المفصل الحاد، من الزمان العالمي الرديء، ينقل صراعه إلى سوريا، ويريد أن يحوِّلها، من أتون مشتعل يحرقها ويحرق شعبها منذ سنوات، ومن بؤرة لتصفيةً حسابات بين دول وتحالفات.. إلى ساحة مواجهة بين القوى الفائقة العنف والقدرة، والمصممة على إبادة شعوب وبلدان بالوكالة، محسوبة عليها، لكن نارها لا تخرج خارج جسدها الخاص بها..
وفي هذا المعترك الدولي، يجد عدونا اللدود، العدو الصهيوني العنصري المُحتل لأرضنا، المُضطَهِد لشعبنا الفلسطيني.. العدو الأول لسوريا ولدورها العربي والإقليمي، وصاحب الدور الأكبر في التآمر عليها، والحرب الدائرة فيها، وعدو العرب الأصحاء، والمسلمين المنتمين لعقيدتهم.. في هذا المُعْتَرَك، تجد “إسرائيل” حقولها الخصبة، وفرصها التاريخية، فتبطش بالفلسطينيين بطش الوحوش، وتعتدي على سوريا كما تشاء، وفي الوقت الذي تشاء.. بتغطية ضافية، كافية، شاملة، كاملة، شافية.. من أطراف دولية على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، بقيادة العنصري ـ الصهيوني ترامب، تلك الدولة الضالعة في إرهاب “إسرائيل” وعدوانها وجرائمها.. وتفعل ذلك أيضا بتنسيق مع أطراف دولية أخرى، مضادة للسياسة الأميركية.. لكنها تحرص الحرص كله، على أن “تراعي خاطر الدولة العنصرية المحتلة لأرض سوريا، إسرائيل”، كما تحرص على ألا يمسها ضرر، وعلى أن تنال ما تريد أن تناله، مِمَّن تسميهم هي، أي “إسرائيل” أعداءها”؟!
في هذا المعتَرَك الدولي الحاد، قامت “إسرائيل” بعدوان جديد على سوريا، يضاف إلى ما يزيد على مئة عدوان عليها، منذ بداية الأزمة ـ الحرب، فقصفت مطار الـ”تي. فور T. 4″ السوري، شرق مدينة حمص، وأوقعت ضحايا.. بذريعة مهاجة أهداف إيرانية؟! وقالت في تصريحات رسمية، بعد ذلك، على ألسنة مسؤولين من جهاز الأمن لديها، مهددة سوريا، وسوريا للتأكيد والتحديد، بقولها: “نظام الأسد والأسد نفسه سيختفيان عن الخريطة وعن العالم، إذا حاول الإيرانيون بالفعل المس بإسرائيل أو بمصالحها من الأراضي السورية.. نحن نوصي إيران ألا تجرب هذا لأن إسرائيل مصممة على السير في هذا الموضوع حتى النهاية”.. وقال وزير جيش الذَّبح الإسرائيلي، أفيجدور ليبرمان: “لن نسمح بتثبيت وجود إيران في سوريا، مهما كان ثمن ذلك، فالموافقة على ذلك هو كالموافقة على أن يضعوا خاتم خنق على رقبتنا، وهذا لن يحصل”.(معاريف – الأربعاء ١١/٤/٢٠١٨).
والغريب العجيب، هنا في هذا الموقف “إسرائيلي”، وفي موقف الولايات المتحدة الأميركية، الحامي الأول للعدوان والإرهاب الصهيونيين، الدولة الأعظم التي لا تكف عن إطلاق التهديد لإيران، بذريعة حماية حليفها الصهيوني.. الغريب العجيب.. أنه إذا ردت إيران على عدوان إسرائيل، تقول الأخيرة إنه موجه إليها، فلماذا يتم التهديد بضرب سوريا؟! ولماذا، خلال كل تلك السنوات من إعلان العداء المتبادل، لم يوجه أي من العدوين ناره إلى الآخر؟! ولماذا يتبنى البعض قضية “عداء إسرائيل”، ومن ثم الولايات المتحدة لإيران، ولا يترك الطرفين المتعاديين وشأنهما في العداء، فذلك أخف وطأة عليه.. حتى لو كان يشتكي من عداوة إيران، فهناك مَن يعاديها، ويكفيه ويكافيها، فلماذا حمل حمل الآخرين على ظهورنا ونحن أكثر من منهكين؟!
الكل يضربنا في هذا الوطن المنكوب بأعدائه، وبآخرين، وببعض أبنائه.. والكل يخوض صراعا داميا في بلدنا، حتى لا يخوضه في بلده.. هكذا قال الأميركيون، والأوروبيون، وهكذا قالت روسيا الاتحادية، وهكذا قال الإيرانيون والأتراك. عباءة الإرهاب تتسع، وكأنها سماء سوريا التي تشمل العالم.. لكن لا يُراد لمواجهتها أن تتم إلا في سوريا، وبالإنابة عن العالم. كل تلك القوى المتحالفة أو المتصارعة، أو المتنافسة.. تتمركز في مفاصل من جسدنا، والكل يتذرع بأنه يفعل ما يفعل لينقذنا.. ولا يحدث ذلك كله، بهذا التعميم، والتصميم على التذرع بنا وبإنقاذنا.. من دون أدنى مؤشرات أو أسباب، فنحن، أو بالأحرى بعضنا، أطراف في ما جرى ويجري لنا.. فقد “توزّعنا”، ولا آخذ بالتعميم، على أطراف الصراع الدولي، وساهمنا معها في حربها بنا، نيابة عنها، وفي حربها علينا.. لقد ساهمنا في تدميرنا أنفسنا وبلدنا وأمتنا، ولم نستفد مما حصل سابقا في العراق، وانتقل الداء الفتاك، من بلد عربي لآخر، وتوزع العرب على الأحلاف.. وصدقوا كل ما يقال لهم، بألسنة معادين لهم.. فترامب الذي لوَّح بالانسحاب من سوريا “شرق الفرات وشماله”، لا يريد الانسحاب، فهو يعزز وجوده، وينشئ قواعد عسكرية في بلدنا، وعلى حساب وحدة وطننا أرضا وشعبا. وحينما أشار إلى ذلك، فإنما فعل ليبتزَّ مالا، يموِّل به احتلاله، وتدخله، وصراع بلاده مع روسيا، وليحمي مصالحه، ويحقق مشاريع صهيونية، منها إقامة إسرائيل ثانية على حساب سوريا والعرب.. وذلك بأموال حصل عليها تحت عباءة “الصراع ضد إيران.
الحرب بالوكالة تستمر بنا وعلينا وفي أرضنا، وعلى حساب حاضرنا ومستقبلنا.. أمَّا ماضينا، فقد ساهمنا في تشويهه وتدميره واتهامه، مع من فعلوا ذلك ويفعلونه، ويسخِّرون البعض منا لفعله.. لنصبح وما نمثله، شجرة بلا جذور، تقصفها الريح، فتهوي جذع نخل منقعر.
إن ما يجري من تجييش وتهييج اليوم، قد يأتي على ما تبقى من سوريا الوطن، والدولة، والأمل.. وسوريا المُستَهدَفة، هي نحن.. نحن المستهدفون موقفا ووجودا وهوية وعقيدة.. سوريا نحن، مصيرنا فيها ومصيرها فينا.. وكل ما يتصل بنا ـ بها.. منوط، بدرجة كبيرة بوعينا، بنا، بتفاعلنا الخلاق، تفاعل الإنسان مع الأرض والحدث والعقل والنقل.. ومن سوء التدبير والتفكير، إهمال الوعي، وإهمال الانتماء والمسؤولية، وإهمال العقل، وإهمال النقل بحمولاته المعرفية ودروسه وعظاته ومخزوناته التجاربية.. إن العقل والنقل مهمان لنا، في تفاعلهما وتكاملهما، وإهمالهما قد يأتي عليهما معا، وعلى دورهما الحيوي في نهاية المطاف، ولسنا بحاجة لفقدان هذا الدور.. إن النقل لا يغني عن العقل بل يثريه، وإذا كان لا بد منهما معا، ومن تفاعلهما الخلاق.. فلِكي نعرف أكثر، ولكي نتعظ، ونستنتج، ونطبق الأفضل لنا في عصرنا، ومن أجل إنساننا.. فلكل عصر مادة للعقل، تشغله وتطرح نفسها عليه، وتطلب منه رأيا ورؤية وحلا وقواعد للعمل والتعامل.. ومن ثم فإن علينا مسؤولية وطن وشعب، ومسؤولية حيال أبنائنا وإنساننا، حيال أمتنا وديننا وحضارتنا، والإنسان جمعاء، ومن ضرورات الطريق وأولياته ألا نفقد الأمل، أو أن نستسلم للقهر والعدوان والكراهية والغباء.. فنحن الشعب والهوية والعقيدة.. نحن سوريا المُستَهدَفة الآن.
والله من وراء القصد

تاريخ النشر: 14 أبريل,2018
المقالة مطبوعة من جريدة الوطن  : http://alwatan.com
رابط المقالة الأصلية : http://alwatan.com/details/255480
جميع حقوق النشر محفوظة لجريدة الوطن © 2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق