الاثنين، 17 سبتمبر 2018

إدلب السورية وتقاطع مصالح القوى العالمية

طشقند 17/9/2018 أعدها للنشر أ.د. محمد البخاري
تحت عنون "إدلب السورية وتقاطع مصالح القوى العالمية" نشرت جريدة الوطن العمانية يوم 17/9/2018 مقالة كتبها: محمد بن سعيد الفطيسي، وجاء فيها:


محمد بن سعيد الفطيسي

تعد محافظة ادلب السورية من ابرز الامثلة الحاضرة اليوم على ما يطلق عليه بالمناطق الجغرافية الاكثر نزوعا للحرب وصراع المصالح الدولية في منطقة الشرق الاوسط, حيث تتقاطع عليها مصالح اقوى واهم القوى الدولية والاقليمية في القرن 21, بداية من الولايات المتحدة الاميركية وروسيا, مرورا بتركيا وايران وبعض القوى الاوروبية والعربية, وبكل تأكيد وهو الاهم مصلحة الدولة السورية التي ادلب جزء لا يتجزأ منها, ومن الطبيعي ان تكون الدولة السورية حاضرة بكل ادواتها السياسية والعسكرية لإعادتها بشكل كامل الى سيادتها.
ما يهمنا في الامر هو ان تلك التقاطعات والمصالح المتداخلة لتلك القوى والفاعلين الاقليميين والدوليين تؤكد اهمية هذه البقعة الجغرافية من الدولة العربية السورية بالنسبة لتلك الوحدات السياسية الدولية من جهة, وكذلك خطورة الوضع وفوضويته على الارض في مقبل الايام من جهة اخرى, بحيث يمكن القول والتأكيد على ان ادلب السورية يمكن ان تتحول في لحظة انفعال او غطرسة الى منطقة تتجاوز فيها تلك القوى الدولية مرحلة تصفية الحسابات او اثارة بعض العمليات الاستخباراتية التي يراد من ورائها اطالة امد الصراع والتدخل الدولي في الاراضي السورية, إلى تصعيد ينتقل فيه الصراع إلى دول الجوار.
والمتتبع لحال الوضع السياسي والعسكري في ادلب يلحظ صعوبة تحقيق تقارب او توازن بين مصالح تلك الدول دون تنازلات وخسائر جيوسياسية كبيرة بعد كل هذه السنوات من الصراع والتدخل في الارض العربية السورية, وهذا الامر بحد ذاته يشكل عقبة في وجه الاستقرار والامن في منطقة الشرق الاوسط, فللولايات المتحدة الاميركية على سبيل المثال مصلحة قوية في عدم تمكين الروس من هذه المنطقة من العالم, وهو ذات المنطق بالنسبة لروسيا التي دعمت النظام السوري طيلة سنوات الصراع, ومن الاستحالة على روسيا ترك المنطقة دون حصولها على نصيب الاسد من المصالح السياسية والعسكرية والاقتصادية. اذ تعد سوريا اليوم بالنسبة للروس اخر مناطق النفوذ الحقيقي لها في الشرق الاوسط.
كذلك الوضع بالنسبة لإيران التي دعمت الحكومة السورية منذ البداية, ولا شك في صعوبة خروجها من دائرة الصراع دون مكاسب, وتركيا التي تشرعن وجودها وتدخلها في الارض السورية تحت صفة حماية امنها القومي, وبكل تأكيد هناك اطراف عربية واوربية تعمل على نيل ما يمكن الحصول عليه من مكاسب من هذا الصراع. يضاف الى ذلك اولئك اللاعبين الثانويين العابرين للحدود الوطنية من تجار السلاح ووكالات الاستخبارات العالمية وغير ذلك.
على ضوء ذلك يتضح ان تلك القوى الدولية – اقصد الرئيسية منها – سالفة الذكر ستعمل في مقبل الايام على تسريع حسم خلافاتها وتضارب مصالحها في محافظة ادلب بحيث يمكن القول بان ما تبقى من العام 2018 ستكون فترة التحركات السياسية والدبلوماسية الاهم والابرز حولها, وبتصوري ان استحالة نجاح المعارضة السورية المدعومة من تركيا وبعض القوى الدولية والاقليمية في هذا الوقت سيزيد من قوة الاوراق الرابحة للحكومة السورية من جهة, وقوة الجبهة الروسية الايرانية من جهة اخرى. على ان ذلك لن يعني ان تركيا ستخرج دون حصولها على مكاسب سياسية وامنية من هذا الصراع على اقل تقدير. وهو ما سيتضح من اجتماع متوقع اليوم بين كل من الرئيس بوتين والرئيس التركي اردوغان. الا انه وفي حال فشل هذا الاجتماع, فإن المسألة ستتعقد كثيرا على الارض بالنسبة لتركيا والمعارضة, حيث ان الحكومة السورية ستدفع باتجاه التدخل المسلح وحسم الصراع بالقضاء على المعارضة بدعم ايراني روسي, في وقت لا اعتقد فيه ان من مصلحة تركيا الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع كل من روسيا وايران وسوريا دفاعا عن المعارضة. بالتالي ليس من صالح اردوغان اطالة امد الصراع, خصوصا ان النظام السوري اليوم في اوج قوته ونفوذه, وهذا ما سيجعل اردوغان باعتقادي يميل اكثر إلى حسم الأمر بالطرق السياسية والدبلوماسية, والابقاء على المناطق الحدودية التي يسيطر عليها على الحدود التركية السورية ليتم حسم تداخل المصالح الامنية والسياسية حولها الى وقت لاحق عبر اتفاقيات امنية ومعاهدات حدودية بين تركيا وسوريا.
الا ان الخوف في جانب اخر يكمن من الولايات المتحدة الاميركية وبعض القوى الدولية المستفيدة من الفوضى, والتي هي الاخرى تبحث لها عن مكاسب من هذا الصراع, حيث يمكن ان تثير بعض الفوضى او تتدخل باتجاه اطالة امد الصراع عبر عملية استخباراتية يمكن ان تقضي على الاستقرار والسلام في المحافظة, خصوصا ان احد اطراف المواجهة والصراع في ادلب هو الحليف الايراني الذي تتواجه معه الولايات المتحدة في معركة اخرى, هي الملف النووي الايراني, وليس من صالح اميركا كذلك ان يكون لإيران اي توسع في النفوذ في الاراضي السورية. على ان ذلك يمكن ان يحسم بسيطرة النظام على محافظة ادلب بشكل كامل, بحيث لا يكون امام الولايات المتحدة الاميركية غير القبول بالأمر الواقع على الارض, وهو جانب تدركه كل من روسيا وايران والحكومة السورية.
هكذا تم تحويل محافظة ادلب الى اكثر مناطق العالم فوضى وصراعا على تقاسم المصالح والنفوذ بين القوى الدولية والاقليمية الشرق اوسطية القائمة في القرن 21.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق