الأربعاء، 6 مارس 2019

باختصار سوريا العميقة

باختصار  سوريا العميقة
طشقند 6/3/2019 أعده للنشر أ.د. محمد البخاري
تحت عنوان "باختصار: سوريا العميقة" نشرت جريدة الوطن العمانية يوم 6/3/2019 تعليقاً كتبه: زهير ماجد، أعيد نشره للمهتمين بالقضية السورية، وجاء فيه:

زهير ماجد 

لكل دولة أسرارها العميقة، ولها الأهم قوتها وحضورها في التاريخ .. كأنما الولايات المتحدة الأميركية كسرت هذه القاعدة، بوصولها إلى المكانة التي وصلتها خلال عدد قليل من القرون .. قدمت هذه الدولة فهما معاكسا للمكانة في التاريخ وللدور اللاحق لها، صارت المرجع الدولي الذي يفتي ويضمن الحياة للدول وللأفراد، صارت منجما من العلوم والتكنولوجيا، ولها كل الصفات التي يقال دائما إن اختراعاتها في معظمها السبب في حياة الدول .. ويا ليتها بقيت على تلك الصورة ولم تنتج سياسة خارجية لا تتماشى مع حقيقتها بل معاكسة هشمت صورتها في كل مكان.. وفي كل الحالات فهي ليست بدولة عميقة.
في كل الأحوال، ليس هذا مربط الفرس في ما نكتب، بل لنقول إن الدولة العميقة أكثر تجذرا وأقوى وأصلب. هي نتاج تطور تاريخي قدمت من خلاله علامات دور لا يشبهه أي دور وأنتجت فيه ما هو الأقوى في تصنيفها بلدا رائدا عميق الجذور إلى ما لا نهاية الكلام.
في هذه المنطقة تبرز سوريا وكأنها هي المقصودة بتلك الأوصاف، لا يمكن مثلا لأنطون سعادة أن يطلق على حزبه اسم الحزب السوري القومي الاجتماعي لولا اكتشافه لهذه النظرية التي ليست مثالية ولا هي انحياز بل حقيقة علمية تاريخية إنسانية اجتماعية.
سوريا أول الكلام وآخره، أول مكان سكن فيه كما يقال قابيل وهابيل وعلى أرضها تقاتلا كما يقال أيضا .. إذا أردنا أن نعدد أول الأول الذي وجد في سوريا لكان لدينا الكثير الذي يثبت كلامنا عنها. أينما تأملت في سوريا التي نفهمها وليس فقط تلك التي نراها في خريطتها الجغرافية حاليا، ستجد ما يستند إلى نظريتنا تلك، ولذلك هي غير ما جرى على المسرح العربي من متغيرات داهمة خلال السنوات التي مرت والتي ستمر.
سندخل خلال أيام في السنة التاسعة للحرب على سوريا وبيدنا كل الوثائق التي تؤكد أن الجاني لا يريد من هذا الوطن الذي أرخ التاريخ بوجوده الجغرافي، مجرد الإطاحة بالنظام والدولة والمؤسسات والجيش، بل بالشعب الذي توالد منذ تأسيسها إلى اليوم ليقدم حالة، بل أيضا بالعمق المتشكل في صورة حضارة متوالدة، قدمت شهاداتها داخل جغرافيتها، كما قدمت للعالم أنصع حضارة في التاريخ فكانت في بلاد الأندلس.
صحيح أن الدمار الذي لحق بمدن وقرى وريف لا يتصوره عقل، إلا أن الجاني ابتدع هذا المشهد ثأرا أولا من التاريخ العميق، وثانيا من طبيعة الريادة التي شكلتها، وثالثا من احتضانها لحقائق من صلب قناعتها بما هو انتماؤها، ورابعا بفكرة العروبة ومندرجاتها وفي هذا بحث آخر لكنه المتراس الذي حمى هذا العمق العميق.
أؤمن بأن ما جرى لسوريا هو التراكم الذي تم صبه دفعة واحدة بعدما تراكم زمنا لم يتمكن فيه الجاني وهو متعدد الرؤوس من تفجيره لأجمل صورة بلغته سوريا وهي تقدم حالها كمميزة بين الكثير من الدول التي كانوا يسمونها بالعالم الثالث فإذا هي في أول العالم الأول حسبما جاء توصيفنا في البدايات.
يغريني كثيرا الكلام عن سوريا، أفهم حماستي بل وعاطفتي إضافة لفهمي لها .. العرب بدون سوريا كمن يخسر قيمته المعنوية وقيمه الحضارية وما هو الساحر في التاريخ .. في السابق رددنا أن لهذه الدولة لعنة لها أبعادها المقروءة لكل من يفهم معنى الدولة العميقة. كثير من الجناة الذين ساهموا في العمل على قتلها، تغيروا أو سقطوا أو أسقطوا، ألا هي ظلت عالما فيه خدوش من فعل الآخر الذي أراد لها أن تكون ما يشبه سقوطه الأخلاقي والإنساني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق