الأحد، 10 مارس 2019

سوريا وخريطة الطريق الأميركية

سوريا وخريطة الطريق الأميركية
طشقند 10/3/2019 أعده للنشر أ.د. محمد البخاري
تحت عنوان "سوريا وخريطة الطريق الأميركية" نشرت جريدة الوطن العمانية يوم 10/3/2019 تعليقاً كتبه: د. أسامة نور الدين، وجاء فيه:


د. أسامة نور الدين:
بعد فترة طويلة من السكون والبعد عن ملف الأزمة السورية التي اعتقدنا أن الولايات المتحدة قد سلمته راضية مرضية إلى روسيا تارة والأمم المتحدة تارة أخرى، عادت الإدارة الأميركية وأرسلت مبعوثها الخاص جيمس جيفري إلى سوريا للتباحث حول عملية الانسحاب وتطبيق خريطة الطريق المتعلقة بمنبج، وتفاصيل المنطقة الآمنة المزمع إقامتها وسبل سحب الأسلحة التي قدمتها واشنطن للفصائل المسلحة في تلك المناطق، فضلا عن التوفيق بين المصالح الأميركية من جهة والتركية والروسية من جهة أخرى، وهي مهمة شاقة ومتأخرة، وتحمل وجهات نظر تتعارض مع الوقائع الماثلة على الأرض.
فالولايات المتحدة التي سبق وأن فشلت في التوصل لاتفاق مع روسيا بشأن مستقبل الأوضاع في سوريا، وقتما كان ذلك ممكنا، عادت لترسل مبعوثها الخاص وفي نيتها أن تنسف كل المجهودات التي أسفرت عنها اتفاقات سوتشي وأستانا، وهي وإن نجحت في التوصل إلى اتفاق خريطة طريق حول بعض المناطق كمنبج مع الشريك التركي، يضمن توفير الأمن والاستقرار في تلك المنطقة المشتعلة، فإن فك التحالفات والتفاهمات الخاصة بمسار أستانا خصوصا ما يتعلق بعلاقة تركيا بإيران وكذلك بروسيا تبدو عملية صعبة؛ للعديد من الأسباب في مقدمها الثقة المفقودة بين الطرفين، فالولايات المتحدة منزعجة بسبب تقرب تركيا من روسيا في الملف السوري، وفي نفس الوقت تركيا تعلم أن الولايات المتحدة لا تملك حلولا حقيقية بخصوص الأزمة السورية، فضلا عن الخلافات السابقة بين الطرفين والتي لا تزال تترك آثارها على العلاقة حتى اليوم.
يضاف إلى ذلك أن ما تريده واشنطن من تركيا يبدو صعب المنال كذلك، فتركيا التي تعتمد في استمرار دورها في سوريا على عملية التوازن ما بين روسيا وإيران من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، وتعتقد أن استمرار تباين وجهات النظر بين الطرفين يلعب دورا في بقائها واستمرار دورها، لا يمكنها أن تبعد عن هذا الحلف فقط لأن واشنطن ترى فيه ضررا لمصالحها ومستقبل وجودها في سوريا، وفي ذلك تنسى الولايات المتحدة أن المصلحة التركية تكمن في قوة العلاقة التي تجمعها بكل من روسيا وإيران في الوقت الراهن، خصوصا وأن الإدارة الأميركية الحالية متقلبة ولا تعرف الثبات في سياستها الخارجية، ما يجعل شركاءها في حالة قلق دائم من حدوث تحول غير مدروس يضر بمصالحها في المنطقة وخارجها.
كما وتنسى الإدارة الأميركية التي يبدو من شكل خطتها المطروحة أن الهدف الأساسي منها إخراج إيران من سوريا، أن الوجود الإيراني أصبح جزءا من المشهد السوري الراهن، ولا يمكن في الوقت الحالي لا للولايات المتحدة ولا روسيا ولا حتى تركيا أن تقضي على هذا الوجود، وليس أدل على ذلك من الزيارة السريعة التي قام بها الرئيس بشار الأسد إلى إيران، والتي أغضبت وزير خارجيتها ودفعته للاستقالة بسبب تجاهله من قبل الحكومة التي ترى في سوريا وحكومتها الحالية جزءا من الأمن الاستراتيجي لإيران لا يمكن مقايضته بأي شيء آخر.
إن الواضح من زيارة المبعوث الأميركي أنها ليست من أجل تحقيق السلام والاستقرار لسوريا وشعبها بقدر ما هي محاولة لفك الارتباط التركي والروسي مع إيران، لتأمين الانسحاب الأميركي والحفاظ على مصالحها في الداخل السوري، وفي نفس الوقت تطمين الحليف الإسرائيلي الذي يبدو عليه القلق الشديد بسبب عجزه عن توجيه ضربة قاصمة للوجود الإيراني بالرغم من استهدافه المستمر لمناطق تمركز القوات الإيرانية في سوريا، ما يدفعه لاستبدال المسار العسكري بآخر سياسي لعله ينجح في وضع حد لهذا الوجود.

لذلك لا يتوقع لخريطة الطريق الأميركية النجاح في سوريا، وحتى وإن كتب لها النجاح

فسيكون في منطقة السيطرة التركية في إدلب ومنبج وضواحيها، وحتى هذا النجاح قد لا يستمر بسبب الأوضاع غير المستقرة للإدارة الأميركية الحالية، والإصرار الروسي والإيراني على التوصل لاتفاق شامل مع تركيا يعيد توحيد الأراضي السورية تحت مظلة واحدة من جديد.

كاتب صحفي وباحث علاقات دولية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق