من
حفر حفرة لأخيه وقع فيها
نشرت صحيفة الوطن العمانية الصادرة صباح اليوم 24/11/2012
تعليقاً في زاوية "رأي الوطن" تحت عنوان "من حفر حفرة لأخيه
وقع فيها"!، وأعتقد أنه يتسحق المطالعة والتأمل. وجاء فيه: منذ نشوب الأزمة
السورية لم تتوقف أو تنكفئ التدخلات الغربية والعربية عامة والتدخلات التركية
خاصة في الأزمة التي كلما مر يوم أفرزت وضعًا جديدًا، وكشفت حقائق جديدة تفضح
الدول المتدخلة في الشأن الداخلي السوري وحقيقة الأهداف والمصالح التي
تبتغيها من وراء هذا التدخل، لتعطي صورة تلك التدخلات واقعًا مكشوفًا وواضحًا
من جميع زواياه لا تخطئه عين، ولا يمكن لصاحب عقل ومنطق أن يحيد عن حقائقه
بما يجعله يميل إلى طرف دون آخر. فالتدخلات التركية خاصة في الشأن
الداخلي السوري، تعد سابقة في تاريخ العلاقات التي تربط تركيا وسوريا
الدولتين الجارتين، حيث تعد الأخيرة بمثابة الرئة التي تتنفس بها الأولى،
وصاحبة فضل في تقديم تركيا إلى المشهد العربي، وحافظت على حسن الجوار واحترام
السيادة التركية واحترام المصالح المشتركة ورعايتها، ومن يُقلِّبْ أوجه حقيقة
التدخل التركي في الشأن الداخلي السوري حتمًا سيقف على الأسباب التي جعلت حكومة
رجب طيب أردوغان تقلب ظهر المجن على سوريا، ومنافاة الواقع جملة وتفصيلًا عن
ما يعلنه القادة الأتراك بالانتصار للشعب السوري ومطالبه. لأن من يهمه مصالح
شعب صديقًا كان أو شقيقًا، لديه الكثير من الوسائل التي تدفعه إلى تحقيق
مساعيه، بعيدًا عن التهديدات العسكرية واللغات الاستعراضية والتصريحات
العدائية النارية والمنافية والمخالفة لمفاهيم وقيم العلاقات الأخوية وحسن
الجوار.
وليس هناك اليوم أفضل وأجدى سبيلًا من الحوار القائم على الندية
وعلى صوت العقل والمنطق، إن بإمكان تركيا بحكم جوارها وبحكم ما كان يربطها
بسوريا أن تلعب دورًا محوريًّا في حل الأزمة وإيصال جارها السوري إلى بر
الأمان، وبالتالي تأمين نفسها من أي قلاقل ممكنة، بل ومؤكدة، وتتقصى الحقائق
لما يمكن أن يجلبه التدخل في الشأن الداخلي الخارج عن السياق السياسي
والدبلوماسي مستقبلًا من اضطرابات واهتزازات تطيح بكل الإنجازات التركية
الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تحققت للشعب التركي. ولكن من المؤسف
حقًّا أن تختار تركيا الخندق الغربي المعادي لسوريا وتركب موجة العداء،
ومناصبة الجار الشقيق العداء والتنكر لكل الروابط التي تربط أنقرة ودمشق.
ومؤلم أن تحتضن تركيا المعارضة السورية المسلحة وبقية العصابات الإرهابية،
وتنشئ لها معسكرات تدريب وتسليح، وتستقبل السفن المحملة بشتى أنواع الأسلحة
وتعمل على تأمين إيصالها لهذه العصابات، وكذلك تمارس عمليات الاستفزاز
باختراق سيادة جارها السوري تارة عبر طائرات حربية، وتارة ثانية بقصف القرى
السورية المحاذية للحدود التركية، وهي تعرف أن دمشق ليست في وضع يؤهلها
وليست في وارد أن تستفز جارها التاريخي التركي، وتعلم تركيا أيضًا أن المنطقة
التي تنطلق منها القذائف داخل سوريا باتجاه القرى التركية هي خاضعة للعصابات
التي تدعمها أنقرة وتدربها وتسلحها، وتارة ثالثة بتقديم طلب لحلف شمال
الأطلسي لنشر منظومة صواريخ باتريوت على الحدود السورية ـ التركية.
ومن المؤسف أن لا تكون الحكومة التركية قد أدركت حتى الآن
أن موقفها وتعاملها مع الأزمة السورية بهذه الصورة الفجة والممجوجة قد أدت
الى تأزيم الأزمة وليس الى حلها، بل أنها يمكن أن تجني إرتداداتها السلبية
على قاعدة المثل العربي" من حفر حفرة لأخيه وقع فيها" والحقيقة أن
التجارب الإقليمية في الاستعانة بالمرتزقة وفتح معسكرات التدريب وإقامة قواعد
انطلاق لهم للقيام بالاعمال الإرهابية ضد الخصوم يمكن أن ترتد على الحاضنين
فيما بعد. ونعتقد أنه لن يطول بنا الزمن حتى نشهد مثل هذا الارتداد، خاصة
عندما يتجرع هؤلاء المسلحين الهزيمة المتوقعة على يد الشعب السوري وجيشه، لأن
السوريين بمختلف أطيافهم السياسية، لن يقبلوا أن تستمر بلادهم تدفع هذا الثمن
الباهظ لتنفيذ أجندات تخدم أعداء سوريا والأمة العربية، لذلك نعتقد أنه آن
الآوان للعقلانية التركية أن تحل محل هذا الشطط والزيغ في التعامل مع الأزمات
لأن النهج العقلاني الحكيم هو الذي يجنب شعوبنا العربية والاسلامية الوقوع في
مستنقع الضغائن والاحقاد والتناحرات التي تفرح وتخدم أعداء هذه الشعوب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق