الدراسات الإعلامية وتحليل المضمون الإعلامي
طشقند – 2009
يستعرض هذا الكتاب أهم الدراسات الإعلامية ونظريات تحليل المضمون الإعلامي التي جرت خلال القرن الماضي ويدعو للقيام بدراسات علمية مقارنة تبحث في تأثيرات استخدام تقنيات أنظمة المعلوماتية الإلكترونية الحديثة في مجالات العلوم والبحث العلمي والتعليم إلى جانب فروع الأنشطة الإنسانية المختلفة في الدول النامية وما نتج عنها من تطورات فرضها التطور العلمي في القرن الحادي والعشرين قرن المجتمع المعلوماتي. والكتاب يهم الطلاب والباحثين في مجالات: العلاقات العامة، تقنيات الاتصال والإعلام والمعلوماتية، والمهتمين بالدراسات الإعلامية وتحليل المضمون الإعلامي.
تأليف: أ.د. محمد البخاري: دكتوراه علوم في العلوم السياسية DC اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD، اختصاص: صحافة. أستاذ بقسم العلاقات العامة، كلية الصحافة، جامعة ميرزة أولوغ بيك القومية الأوزبكية
المحتويات: المقدمة؛ الفصل الأول: وسائل الإعلام الجماهيرية: وظائف وسائل الإعلام الجماهيرية؛ تفاوت المقدرة الإقناعية لوسائل الإعلام الجماهيرية؛ الخصائص المميزة لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية؛ الإعلام المقروء؛ الإعلام المسموع؛ الإعلام المرئي (التلفزيون)؛ الفصل الثاني: جمهور وسائل الإعلام الجماهيرية: أهمية دراسة جمهور وسائل الإعلام الجماهيرية؛ خصائص الشخصية؛ القائم بالاتصال؛ نظرية " حارس البوابة " الإعلامية؛ الفصل الثالث: دراسات القائم بالاتصال: دراسات تأثير الظروف المحيطة على القائمين بالاتصال؛ دراسات تأثير النواحي المهنية على القائمين بالاتصال؛ دراسات الجوانب الفنية والمادية لعمل القائمين بالاتصال؛ دراسات اختبار وقياس القائمين بالاتصال؛ نموذج تصور القوى الاجتماعية والسيكولوجية المؤثرة على اختيار القائم بالاتصال للمادة الإعلامية؛ دور وسائل الإعلام الجماهيرية في المحافظة على القيم الاجتماعية، وتحقيق الانصهار الثقافي والاجتماعي في المجتمع؛ القائمون بالاتصال والمصادر الإعلامية؛ قادة الرأي من وسائل الإعلام الجماهيرية؛ تأثير الضغوط المهنية على القائم بالاتصال؛ تأثير الجمهور الإعلامي؛ الفصل الرابع: نظريات مراحل انتقال المعلومات: مضمون المادة الإعلامية؛ الإستمالات العاطفية، والإستمالات المنطقية؛ إستمالات التخويف؛ العوامل المؤثرة على إثارة التوتر العاطفي؛ مضمون الرسالة وأسلوب تقديمها؛ الوضوح والضمنية؛ تقديم الرسالة الإعلامية لأدلة وشواهد؛ عرض جانب واحد من جوانب الموضوع أو عرض الجانبين المؤيد والمعارض في نفس المادة الإعلامية؛ ترتيب الحجج الإعلامية؛ استخدام الاتجاهات أو الاحتياجات الموجودة؛ تأثير رأي الأغلبية؛ التكرار بتنويع وتأثير تراكم التعرض للمادة الإعلامية؛ المصدر الإعلامي؛ عناصر تصديق المصدر؛ الفصل الخامس: تطور الأبحاث الإعلامية واتجاهاتها الحديثة: أبحاث الاتصال؛ تطور أبحاث الإعلام والاتصال؛ تطور الدراسات العلمية الإعلامية واتجاهاتها؛ الاتجاه النظري الفلسفي للدراسات الإعلامية؛ الاتجاه السياسي للدراسات الإعلامية؛ الاتجاه السيكولوجي الاجتماعي للدراسات الإعلامية؛ المجال الإصلاحي؛ المجال التاريخي ؛ المجال الصحفي؛ مجال دراسة فلسفة اللغة والمعاني؛ دور وسائل الإعلام الجماهيرية في مجال نشر الأفكار المستحدثة؛ الفصل السادس: نماذج عملية الاتصال الجماهيري: تعريف الاتصال؛ تعريف جماهيري؛ تعريف عملية الاتصال؛ وظائف الاتصال الأساسية ؛ أهداف الفرد من عملية الاتصال؛ طبيعة تأثير الرسالة الإعلامية؛ لماذا نستخدم نماذج لدراسة عملية الاتصال ؟؛ طبيعة النماذج ؛ وظائف النماذج؛ الوظيفة التنظيمية لنماذج دراسة عملية الاتصال؛ النماذج تعمل على تطوير الأبحاث العلمية؛ وظيفة التنبؤ؛ وظيفة التحكم؛ صعوبات تصميم نماذج عملية الاتصال؛ الأنواع المختلفة لنماذج عملية الاتصال؛ النماذج اللفظية؛ النماذج الرياضية ؛ النماذج اللفظية المصورة؛ النماذج التفسيرية؛ نماذج الاتصال الذاتي؛ نماذج الاتصال بين فردين؛ نماذج الاتصال الجماهيري؛ الفصل السابع: نماذج الاتصال الذاتي: خلفية عملية الإدراك واكتساب المعاني؛ عنصر تخصيص المعاني وإعطاء الصفات ؛ عنصر الخروج بتوقعات؛ العنصر العاطفي؛ نموذج وايزمان وباركر؛ نموذج صامويل بويس؛ نموذج بولدينج؛ نموذج بارنلند؛ نموذج الإنسان كمركز لتنسيق المعلومات؛ نماذج الاتصال بين فردين؛ نموذج ر. س. روس؛ نموذج شانون وويفر ؛ التشويش الميكانيكي؛ التشويش الدلالي؛ مفهوم النظام في عملية الاتصال؛ مفهوم الحشو أو الإطالة؛ مفهوم رجع الصدى؛ علم التحكم الأوتوماتيكي؛ نموذج ديفيد برلو؛ نموذج الاتصال في الإطار الشخصي (نموذج التعلم) ؛ نموذج بارنلند، للاتصال بين فردين؛ نموذج وستلي وماكلين؛ الفصل الثامن: نماذج الاتصال الجماهيري: نموذج ولبر شرام؛ نموذج تشارلس رايت التحليل الوظيفي والاتصال الجماهيري؛ النتائج المطلوبة وغير المطلوبة من نشر المواد الإعلامية على الفرد والمجتمع؛ النتائج المطلوبة للمجتمع؛ النتائج المطلوبة للفرد؛ نتائج نشر المعلومات غير المطلوبة اجتماعياً؛ نتائج نشر المعلومات غير المطلوبة فردياً؛ نموذج ملفن دوفلور وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية كأنظمة اجتماعية؛ النماذج التفسيرية؛ نموذج التوازن في الاتصال؛ نموذج التوازن عند فريتز هيدر؛ عملية الاتصال في نموذج تيودور نيو كومب؛ نموذج الاتفاق عند أسجود وتاننباوم؛ موضوع الائتلاف (التوافق)؛ مسار التغيير الذي يحقق أو لا يحقق التآلف (الاتفاق) ؛ مدى الضغط اللازم لتحقيق التآلف؛ نواحي القصور في مبدأ التآلف؛ الفصل التاسع: نموذج التعارض في المعرفة: ظرف فرض الخضوع؛ ظرف التعرض الانتقائي للمعلومات؛ ظرف التأييد الاجتماعي؛ الإقناع في نموذج كرونكيت؛ نموذج الحكم الاجتماعي لشريف وهوفلاند؛ نموذج تحصين المتلقي ضد الإعلام المضاد؛ مقارنة نماذج الإدراك المعرفي؛ الخاتمة؛ المراجع المستخدمة في الكتاب.
المقدمة: ارتبط ظهور وسائل الإعلام الجماهيرية ارتباطاً وثيقاً بعملية نمو الثقافات الوطنية والقومية، ورافقه تطور الثورة المعلوماتية ابتداء من اختراع الطباعة مروراً بتطور وسائل الاتصال المسموعة والمرئية إلى آخر ما أنتجته تقنيات تكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية الحديثة من حاسبات إلكترونية أصبحت مرتبطة مع بعضها البعض عبر الأقمار الصناعية المخصصة لأغراض الاتصال من خلال شبكة "الإنترنيت " العالمية التي ما إن ظهرت حتى أصبحت جزأً لا يتجزأ وطرفاً رئيسياً في شبكات التبادل الإعلامي الدولي في عصر العولمة والانفتاح والتدفق الإعلامي الدولي متعدد الأطراف. وكان المفكرون ينظرون ولا يزالوا إلى وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية على أنها الشريك الفاعل والقوي والمسيطر الذي يشكل اتجاهات الرأي العام، من خلال تأثر القائم بالاتصال وتأثيره بالساحات الإعلامية المعنية. وتنبه الباحثون في مجالات الاتصال الجماهيري إلى تأثير العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع على النتائج التي يحققها مضمون المادة الإعلامية التي تحملها إليهم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. ومع ازدياد أهمية تقنيات المعلوماتية في العصر الحديث والتطور الهائل لوسائل الاتصال وتقنياتها الحديثة أصبحت المعلومات تحيط بنا من كل جانب حتى أصبحت طبقة تحيط بالكرة الأرضية كالغشاء الهوائي الذي يوفر لنا الحياة، ولكن قلة من الناس يتعاملون مع هذه الطبقة المعلوماتية ويدركون مدى فاعليتها وتأثيرها معتبرين أن الإذاعة المرئية كانت أساساً للانفجار المعرفي والمعلوماتي والاتصالي لأن محطات البث التلفزيوني أصبحت منذ مطلع تسعينات القرن العشرين في متناول المشاهد الذي يستقبل اليوم مئات القنوات التلفزيونية عبر الهوائيات المنزلية لاستقبال بث الإذاعات المرئية من الأقمار الصناعية مباشرة، أو عبر أنظمة نقل البث التلفزيوني بالكابلات أو عبر شبكات الانترنيت العالمية. ولو أن الطباعة كوسيلة إعلامية جماهيرية فعالة لم تتراجع أبداً. ولا أحد ينكر أن انتشار وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بشكل واسع أحدث تغييرات جذرية على تصورات الإنسان في جميع أنحاء العالم، واتسع من خلالها إطاره الدلالي بشكل لم يسبق له مثيل ولم يعد بالإمكان عزل الناس عن بعضهم البعض بأي شكل من الأشكال. لأن ما يحدث في أي نقطة من العالم لابد أن يترك أثاره على جميع أجزاء المعمورة. وببساطة تحول عالم اليوم إلى قرية الأمس من حيث شمولية المعرفة. واتسعت تصورات الفرد وأصبحت تلزمه باستيعاب وفهم سيل هائل من المعلومات تغمره بها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الحديثة عما يجري في جميع أنحاء العالم، وعن مختلف الثقافات والعادات والشعوب.
وأصبحت الضغوط الاجتماعية التي يتعرض لها الفرد في المجتمع، تولد ردود فعل متباينة لدى الأفراد. وردود الفعل هذه ارتبطت ليس بمصدر المادة الإعلامية فقط، بل وبمضمونها أيضاً، وأصبحت تحدد طبيعة ردود الفعل والخصائص الاجتماعية والفردية لكل المتعرضين للمادة الإعلامية. لأن العولمة فرضت على العالم مع نهاية القرن العشرين شبكات المؤسسات الإعلامية العالمية الضخمة، التي تتصارع داخلها المصالح الحيوية للدول المتطورة الغنية المهيمنة من خلال إمكانياتها الاقتصادية والتقنية والتكنولوجية وكلها تركت تأثيراتها السلبية والايجابية على الدول النامية. وهو ما دفعنا للقيام بهذه الدراسة المتواضعة مستعرضينً فيها: وسائل الإعلام الجماهيرية؛ وجمهور وسائل الإعلام الجماهيرية؛ ودراسات القائم بالاتصال؛ ونظريات مراحل انتقال المعلومات؛ وتطور الأبحاث الإعلامية واتجاهاتها الحديثة؛ ونماذج عملية الاتصال الجماهيري، والاتصال الذاتي؛ والاتصال الجماهيري؛ ونموذج التعارض في المعرفة. سائلاً الله (جل) أن أكون قد وفقت بوضع مادة علمية تساعد الطلاب والباحثين على إجراء دراسات مقارنة وتطوير أبحاث الاتصال والمعلوماتية الهامة جداً في القرن الحادي والعشرين.
طشقند 11/4/2009 المؤلف أ.د. محمد البخاري
الفصل الأول: وسائل الإعلام الجماهيرية. أوجدت تقنيات وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الجديدة قنبلة معلومات تنفجر بيننا وتمطرنا بشظايا من الصور تغير بشكل مؤثر جداً الطريقة التي يدرك بها كل منا عالمه الخاص وتصرفنا تجاهه حتى أصبحنا نغير تكويننا النفسي. وتعتبر الإذاعة المرئية أساس الانفجار الاتصالي. لأنه خلال الحرب العالمية الثانية، لم يكن هناك سوى ست محطات تبث برامج الإذاعة المرئية في كل الولايات المتحدة الأمريكية يومياً لمدة ساعة أو ساعتين لقلة أجهزة استقبال بث الإذاعة المرئية المتوافرة آنذاك. وخلال فترة لم تتجاوز الخمسة عشر عاماً أصبحت 90% من العائلات الأمريكية تملك أجهزة لاستقبال بث برامج الإذاعة المرئية. وفي تسعينات القرن العشرين أصبح المشاهد يستطيع استقبال ما بين 30 وحتى 100 قناة بث برامج الإذاعة المرئية عبر الهوائيات المنزلية المعدة لاستقبال بث الإذاعة المرئية من الأقمار الصناعية مباشرة، أو عبر أنظمة نقل بث برامج الإذاعة المرئية بالكابلات. ومع هذا لم تتراجع الطباعة كوسيلة إعلامية جماهيرية، إذ يصدر في الوقت الحاضر أكثر من 10,000 دورية، وحوالي 40,000 كتاب جديد في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها. ولا أحد يستطيع أن ينكر حقيقة أن انتشار وسائل الإعلام الجماهيرية بشكل واسع، أحدث تغييرات جذرية على تصورات الإنسان في جميع أنحاء العالم، اتسع من خلالها إطارهم الدلالي بشكل لم يسبق له مثيل ولم يعد بالإمكان عزل الناس عن بعضهم البعض بأي شكل من الأشكال. لأن ما يحدث في أي نقطة من العالم لابد أن يترك أثاره على جميع أجزاء المعمورة. وببساطة تحول عالم اليوم إلى قرية الأمس من حيث شمولية المعرفة. واتسعت تصورات الفرد وأصبحت تلزمه باستيعاب وفهم سيل هائل من المعلومات تغمره بها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الحديثة عما يجري في جميع أنحاء العالم، وعن مختلف الثقافات والعادات والشعوب.
وظائف وسائل الإعلام الجماهيرية: من الأمور الهامة التي تميز البشر عن غيرهم من المخلوقات الحية قدرتهم على خلق نظم معقدة للاتصال بينهم. فالإنسان كان ولم يزل يحتاج دائماً لوسائل تساعده على مراقبة الظروف المحيطة به، تنذره بالأخطار التي تنتظره، أو الفرص المتاحة للاستفادة منها. ووسائل تساعده على نشر المعلومات والقرارات والآراء والحقائق بين أفراد الجماعة الواحدة من البشر، أو بين الجماعات المتقاربة والمتباعدة. ووسائل تحفظ وتنقل تراث الأجيال السابقة إلى الأجيال الناشئة، ووسائل ترفه عن الإنسان وتشد عضده أمام الصعاب التي تواجهه في حياته اليومية. وكانت وظائف الاتصال من مهام بعض الأفراد في القبائل البدائية، عندما كان بعضهم يقوم بوظيفة الحراسة وتنبيه القبيلة كجهاز للإنذار المبكر عن الأخطار المحدقة بها عند اقتراب عدو ما، أو فرصة متاحة للصيد عند اقتراب قطيع من الحيوانات. وكان مجلس القبيلة يتمتع بسلطة اتخاذ القرارات والتأكد من تنفيذها. وكان من بين أفراد القبيلة من ينقل الأخبار والرسائل لأفراد القبيلة والقبائل المجاورة. وكان الشيوخ ينقلون للأجيال الصاعدة في القبيلة تراثها الديني والثقافي وعاداتها وتقاليدها. وكانت الأمهات تعلمن بناتهن أصول تحضير الطعام وتجهيز الملابس. وكان الآباء يعلمون أبنائهم أصول الصيد والقنص وفنون محاربة الأعداء. بينما تولى الرواة نقل القصص الشفهية المثيرة عن أمجاد القبيلة، والمغنون الأغاني المحببة لأفراد القبيلة، والراقصون الرقصات الدينية في المناسبات المختلفة. وقد بقيت وظائف الاتصال تلك التي كانت موجودة في المجتمعات البدائية، وانتقلت إلى المجتمعات الحديثة. بفارق تطور وسائل وتقنيات الاتصال الحديثة التي أصبحت متشابكة ومعقدة وأكثر اتساعاً وشمولية مقارنة بتلك الوسائل التي كانت متاحة للإنسان في الماضي. وأصبحت وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية اليوم، نظاماً مفتوحاً أمام قوى التغيير. وأصبحت تصل إلى جمهور كبير يشمل كل سكان العالم تقريباً. وأصبحت تؤثر على آراء الناس وتصرفاتهم واتجاهاتهم وأسلوب حياتهم. والمادة المطبوعة التي كان يقرؤها في الماضي عدد محدود من البشر، أصبحت اليوم بمتناول ملايين البشر. واتسع نطاق شبكات البث الإذاعي منذ أن بدأت أولى الشبكات الإذاعية عملها عندما بدأت هيئة الإذاعة البريطانية بثها المنتظم عام 1922، لتجد الصحافة المطبوعة نفسها مضطرة للتكيف مع المنافس الجديد (الإذاعة المسموعة)، وحينما ظهر بث الإذاعة المرئية بعد الحرب العالمية الثانية، كيفت الصحافة المطبوعة نفسها مرة أخرى، ولم تستطع هذه الوسيلة الحديثة للاتصال من إلغاء دور الصحافتين المطبوعة والمسموعة، وكل ما حدث أنها ساعدت على تطويرهما شكلاً ومضموناً. الأمر الذي جعل الكثيرين يؤمنون بقدرة وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية على التأثير في المجتمع وتغييره جذرياً. خاصة بعد أن دخلت تكنولوجيا الحاسب الآلي عالم الاتصال الجماهيري وتمكن خبراء الحاسوب الخارق من زيادة سرعته إلى أربعمائة مليار عملية حسابية في الثانية في منتصف عام 1996. وقدر الخبراء أن تبلغ هذه السرعة ألف مليار عملية حسابية في الثانية قبل نهاية عام 1998 مما يفتح آفاقاً واسعة أمام شبكات الكمبيوتر لنقل وتخزين المعلومات بسرعة خارقة.
تفاوت المقدرة الإقناعية لوسائل الإعلام الجماهيرية: دلت الأبحاث العلمية في مجال وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، على أن لكل وسيلة من وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، قوة إقناع تميزها عن غيرها من الوسائل. تتفاوت تبعاً لنوعية الجمهور الإعلامي الموجهة إليه، والموضوع الذي تتناوله. وأثبتت أن الاتصال المباشر هو أكثر قدرة على الإقناع من الإعلام المسموع، وأن الإعلام المسموع أكثر قدرة على الإقناع من الإعلام المقروء، وأن الإعلام المرئي أكثر قدرة على الإقناع من الإعلامين المقروء والمسموع. وأن القدرة على الإقناع تزيد كلما أزداد الطابع الشخصي للوسيلة الإعلامية المستخدمة في الاتصال. كما وأظهرت التجارب أن الإنسان الذي يتعرض لعدة وسائل إعلامية مهيأ للاقتناع أكثر من غيره. تبعاً لظروف التعرض للوسيلة والمادة الإعلامية. وقد توصل الباحث الأمريكي صمويل ستوفر عام 1940 إلى نتيجة هامة، تقول: أن المادة المطبوعة تصل إلى جمهور مستوى تعليمه أعلى من مستوى جمهور المادة الإعلامية المسموعة، لأن الإنسان الذي كان نصيبه من التعليم ضئيلاً، أقل قدرة على الانتقاء، وأكثر استعدادا لتقبل الإيحاء. وجاءت الإذاعة المرئية بعد ذلك كوسيلة إعلامية أكثر كمالاً، تجمع بين الصوت والصورة والحركة، ولتكون أكثر فاعلية وقدرة على الإقناع من أية وسيلة إعلامية أخرى. والاختلافات في التأثير بين وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في الطريقة التي يتم بها نقل المضمون الإعلامي. وكلما كانت الوسيلة المستخدمة في الاتصال أكثر قدرة على جعل عملية الاتصال أكثر حيوية وواقعية، كلما كان تأثيرها أكبر وأكثر فاعلية على الفرد والعلاقات الاجتماعية.
الخصائص المميزة لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية: الإعلام المقروء: يعد الإعلام المطبوع من أقدم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. وسبق الإعلام الجماهيري المسموع والمرئي بأكثر من قرنين ونيف. وللصحف خصائص وسائل الإعلام الجماهيرية الأخرى، ولكنها لا تستطيع تقديم الخبر بنفس السرعة التي تقدمها بها الإذاعة المسموعة، ولا تستطيع الاحتفاظ بالمعلومات كالكتاب، ولا تستطيع تقديم وجهات النظر بنفس الحجم الذي تقدمه بها المجلات، ولا تستطيع تقريب الواقع من المشاهد كما فعلته الإذاعة المرئية، ولكنها تفعل كل ذلك بصورة قد تكون أفضل من كل الوسائل الأخرى. ولهذا أصبحت الصحف جزءا لا يتجزأ من حياة الإنسان في كل المجتمعات. ويرجع الاتصال المطبوع إلى عام 1454م عندما اخترعت الطباعة بواسطة الحروف المتحركة، بعد أن تمكن الإنسان من اختراع آلة قادرة على إعطاء صوراً كثيرة مطابقة للأصل يمكن تبادلها بين القراء. وخدم هذا الاختراع الجديد في وقته مركز السلطة آنذاك، والمتمثل بسلطة الكنيسة. وسرعان ما انتشر استخدام المطابع على نطاق واسع. لتخدم عصر الإصلاح الديني خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، من خلال تمكينها من نشر الحوار وتبادل الأفكار في أمور الدين والدنيا. ونشرت المطابع كتب أرسطو التي بقيت حبيسة المكتبات منذ القرون الوسطى، ونشرت روائع أدب عصر النهضة. ونقلت الأخبار التجارية للتجار في أوروبا. وساعدت المطابع في طباعة المنشورات مجهولة الهوية والمصدر، والتي كان لها دور المحرض الأساسي إبان الثورتين الفرنسية والأمريكية. حتى قيل أنه دون الصحافة كان من المحتمل حدوث عصر النهضة، ولكن كان من غير المحتمل حدوث الثورة الفرنسية أو الثورة الأمريكية من دون الصحافة. وسرعان ما تحولت الصحف إلى حارس للديمقراطية، وأصبحت من القوى الكامنة وراء التربية والتعليم. وأصبح بفضلها سكان المدن على اتصال ببعضهم البعض، موفرة فرص العمل للباحثين عنها، واليد العاملة اللازمة لتحقيق الثورة الصناعية. وساعدت الإعلانات التي نشرت على صفحات الصحف على تصريف السلع وخلق مبررات إنتاجها على نطاق كبير. ومع مطلع القرن العشرين وفرت الثورة الصناعية للصحف المطبعة البخارية أولاً، ومن ثم المطبعة الكهربائية التي مكنت من تخفيض تكاليف الطباعة وساعدت على خفض قيمة النسخة الواحدة، وعلى زيادة الأرباح لأصحاب الصحف. وأدى زيادة عدد النسخ الموزعة وانتشار الصحف على نطاق واسع إلى جذب المعلنين الذين راحوا يشترون المساحات الكبيرة من صفحات الصحف لنشر الدعاية والإعلانات عن سلعهم وخدماتهم. وكل هذه الظروف خلقت قناة اتصال جماهيري وفرت: 1- وسيلة إعلام جماهيرية رخيصة الثمن يستطيع الإنسان العادي دفعه؛ 2- وتوزيع عدد ضخم من النسخ لتصبح واسعة الانتشار؛ 3- والحصول على إعلانات مربحة؛ 4- وأدت إلى قيام مؤسسات نشر ضخمة.
ومن الخصائص المميزة للصحف أو المواد المطبوعة بشكل عام. أنها الوسيلة الإعلامية الجماهيرية الوحيدة التي تسمح للقارئ بالسيطرة على ظروف التعرض الإعلامي. وتتيح الفرصة له بإعادة القراءة مرات ومرات. كما أن المادة المطبوعة تسمح أكثر من غيرها من وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بتطوير المواضيع بأي حجم تتطلبه الحاجة. وهو ما أشارت إليه التجارب من أنه من الأفضل تقديم المواضيع المعقدة مطبوعة من تقديمها شفهياً، رغم أن هذه الميزة لا تشمل المواضيع البسيطة والسهلة. كما ويعتبر استخدام المادة المطبوعة للوصول للقارئ المتخصص وللجماعات الصغير أفضل من غيرها من الوسائل لرخص تكاليفها ومرونتها.
الإعلام المسموع: وتعتبر الإذاعة المسموعة من وسائل الاتصال القومية التي يمكنها الوصول لجميع السكان أينما كانوا بيسر وسهولة، متخطية كافة الحواجز الجغرافية والسياسية والحضارية. شاملة الجميع صغاراً وكباراً، متعلمين وأميين وأنصاف متعلمين، وجماعات يصعب الوصول إليها عبر وسائل الاتصال الأخرى. ولا تحتاج الإذاعة المسموعة لأي مجهود من قبل المستمعين، خاصة أنها لا تتطلب أوقات فراغ ولا أوضاع معينة للاستماع. لهذا اعتبرت الوسيلة السهلة التي تبقي المستمعين على اتصال دائم مع الأحداث والمتغيرات الجارية من حولهم. والمادة الإعلامية المسموعة قد تكون أكثر فاعلية وتأثيراً من المادة الإعلامية المنقولة بالاتصال الشخصي، لأنه يمكن تقويتها بالمؤثرات الصوتية (موسيقى) التي تترك انطباعاً أقوى لدي المستقبل. وهو ما أثبتته التجارب العلمية، من أن المواد الإعلامية البسيطة التي تقدم عن طريق الإذاعة المسموعة يسهل تذكرها أكثر من المادة التي تقدم مطبوعة، خاصة بين الأفراد الأقل تعليماً والأقل ذكاءً. كما يؤمن البعض بأن الإذاعة المسموعة من الوسائل الإعلامية الجماهيرية القادرة على جعل المستمعين يشعرون بالمساهمة والاقتراب الشخصي والواقعية، التي تشبه الاتصال الشخصي، وربما كانت الإذاعة المسموعة من أسهل وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية استخداماً على الإطلاق. رغم أنه في بعض المجتمعات المتقدمة أصبحت الإذاعة المسموعة من الوسائل الإعلامية التي يعرض الإنسان نفسه لها دون اهتمام أو اكتراث أو تركيز، أي أنه يستخدمها أساساً كمصدر للترفيه لا يحتاج لا للتركيز ولا للاهتمام. ومن الخصائص الأخرى التي تميز الإذاعة المسموعة، أن المتلقي يكيف المضمون بطريقة تجعله يتفق مع توقعاته الخاصة. وظاهرة الإسقاط معروفة في علم النفس، وهي من الخصائص المألوفة في حياة الإنسان اليومية. ويلعب الإسقاط دوراً هاماً في استجابة الناس للفنون الشعبية الجماهيرية. التي يفسرونها ويدركون مضمونها مع ما يتناسب ودوافعهم اللاشعورية وتوقعاتهم ورغباتهم. وهذا ينطبق على الإذاعة المسموعة أكثر من أية وسيلة إعلامية أخرى، لآن الإذاعة المسموعة تنشط الخيال إلى أقصى حد.
الإعلام المرئي (التلفزيون): هناك اعتقاد بأن الإعلام المرئي له فاعلية فريدة لأنه من وسائل الاتصال الجماهيرية التي تعتمد على حاستي السمع والبصر في آن معاً. وقد لوحظ أن هذه الوسيلة المرئية تستحوذ على اهتمام المشاهد الكامل، أكثر من أية وسيلة اتصال أخرى وخاصة بين الأطفال واليافعين. وأن الكثير من الكبار يقبلون دون أي تساؤل على جميع المعلومات التي تعرضها عليهم الشاشة الصغيرة وكأنها واقعية. ويتذكرون المواد الإعلامية المعروضة عليهم عبر الشاشة الصغيرة بشكل أفضل. والفارق بين الإذاعتين المرئية والمسموعة، هو في اختلاف طبيعة الاهتمام والتركيز أثناء التعرض للمواد الإعلامية. فالإذاعة المرئية تحتاج لانتباه أكثر تشمل حاستي السمع والبصر عكس الإذاعة المسموعة. ولا يستطيع المشاهد القيام بأي عمل آخر أثناء المشاهدة، بينما يستطيع المستمع السماع في أي ظرف كان. والمشاهد يندمج تماماً مع المواد الإعلامية المحددة المضمون التي يشاهدها عبر الشاشة الصغيرة، ولا يحتاج للتصور الذي يتحمل مشقته عند الاستماع فقط. إضافة لأن الإعلام المرئي يتطلب وقت تعرض أكبر، وتركيز أكبر، لدى المشاهدين عكس وسائل الاتصال الجماهيرية الأخرى. ومن المزايا الأساسية التي يتمتع بها الإعلام المرئي: 1- أنه أقرب وسيلة للاتصال الشخصي، فهو يجمع بين الرؤية والصوت والحركة واللون والتأثير. ويتفوق على الاتصال الشخصي بتكبير الأشياء الصغيرة، وتحريك الأشياء الثابتة؛ 2- وينقل الحدث فور وقوعه من مكان الأحداث مباشرة؛ 3- ويسمح بأساليب متعددة للدعاية والإعلان؛ 4- وهو الوسيلة القوية التي تهم كل الجمهور الإعلامي في المجتمعات المتقدمة، التي أصبحت فيها الوسائل الإعلامية الأخرى تتجه لجمهور إعلامي محدد ومتخصص.
الفصل الثاني: جمهور وسائل الإعلام الجماهيرية. من المعروف أن ظهور وسائل الإعلام الجماهيرية ارتبط ارتباطاً قوياً بعملية نمو الثقافات الوطنية والقومية، ومع تطور ثورة وسائل الاتصال الجماهيرية ابتداء من اختراع الطباعة مروراً بتطور وسائط الاتصال الإذاعي والتلفزيوني، إلى آخر ما أنتجته تكنولوجيا الاتصال الحديثة من حاسبات إلكترونية وأقمار صناعية مخصصة لأغراض الاتصال، إلى أن توجتها أحدث شبكة عالمية للحاسبات الإلكترونية "شبكة الإنترنيت العالمية" التي ما إن ظهرت حتى أصبحت جزأً لا يتجزأ وطرفاً رئيسياً في شبكة التبادل الإعلامي الدولي بعصر العولمة والانفتاح والتدفق الإعلامي متعدد الأطراف. وكان المفكرون ينظرون لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية دائماً، على أنها الشريك الفاعل والقوي والمسيطر، الذي يشكل اتجاهات الرأي العام. وعلى الرغم من ذلك فإننا نجد أن القائم بالاتصال تأثر وأثر بالجمهور الإعلامي، في عملية تبادلية تشبه في كثير من جوانبها عملية الاتصال بين فردين، إلا أنه لا يستطيع أن يرى جمهوره، ولا يستطيع أن يكيف نفسه وفقاً لراجع الصدى الذي يصل إليه عبر مختلف الأقنية الإعلامية. لأن عملية التفاعل بين القائم بالاتصال، والجمهور الإعلامي تصبح معقدة جداً عندما يكون القائم بالاتصال مؤسسة ضخمة غاية في التعقيد. ومن العقبات التي تواجه القائم بالاتصال في محاولاته لمعرفة طبيعة جمهوره الإعلامي، ومدى التأثير الذي يمكن أن توقعه المادة الإعلامية عليه: 1- أن وسائل الإعلام الجماهيرية هي مؤسسات ضخمة واسعة الانتشار، وتستخدم لأداء وظيفتها الإعلامية جماعة متميزة اجتماعياً لها مستوى معين من التعليم والثقافة، لا تربطها في أكثر الأحيان أي جوانب مشتركة مع قطاعات واسعة من الجمهور الإعلامي. 2- وأن القائم بالاتصال لا يستطيع اختيار الجمهور الذي يود التوجه إليه بدقة. 3- وضآلة راجع الصدى المتاح للقائم بالاتصال، رغم الأساليب الحديثة في التعامل مع الجمهور الإعلامي التي أتاحتها وسائل الاتصال الحديثة للقائم بالاتصال وهي مشاركة الجمهور الإعلامي من أي مكان في العالم عن طريق الاتصال المباشر مع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بواسطة أجهزة الهاتف الثابتة والمحمولة والبث الإذاعي المسموع والمرئي المباشر، وسهولة استقبال ما يرسله الجمهور الإعلامي من مواد إعلامية بواسطة الفاكس والبريد الإلكتروني. ومن المعروف أن تأثيرات عمليات الاتصال الجماهيري لا تقتصر على تأثير القائم بالاتصال، وتأثير المادة الإعلامية على الجمهور الإعلامي أثناء تلقيه المادة الإعلامية فقط، بل وتتعداها أيضاً إلى تأثير الجمهور الإعلامي على القائم بالاتصال أثناء إعداده للمادة الإعلامية وإرسالها عبر قنوات الاتصال الجماهيرية، من خلال توقعات القائم بالاتصال عن ردود الفعل المحتملة من قبل الجمهور الإعلامي. لأن ردود الفعل المحتملة من قبل الجمهور الإعلامي تلعب دوراً كبيراً وإيجابياً في عملية الاتصال.
أهمية دراسة جمهور وسائل الإعلام الجماهيرية: وسائل الإعلام الجماهيرية تهتم كثيراً بمعرفة مدى اتساع جمهورها، والفئات والشرائح التي يتكون منها هذا الجمهور، لعدة أسباب منها: 1- جذب المعلنين، وتحديد السياسة السعرية للإعلان. 2- وإنتاج مواد وبرامج إعلامية شيقة تجذب الجمهور الإعلامي، وبالتالي تجذب المعلنين. 3- وإنتاج مواد إعلامية وبرامج شبيهة بتلك المواد والبرامج الناجحة. 4- والتأكد من مدى الإقبال وقبول المواد والبرامج الإعلامية من قبل الجمهور الإعلامي. 5- والاستغناء عن إنتاج المواد والبرامج الإعلامية التي فشلت في كسب الجمهور الإعلامي، أو تلك التي بدأ الجمهور الإعلامي بالانصراف عنها، واستبدالها بمواد وبرامج أفضل. ودراسة الجمهور الإعلامي مرتبط تاريخياً بعلم النفس التطبيقي، وأول دراسة علمية لقياس الجمهور الإعلامي للصحافة، كانت الدراسة التي قام بها الباحث الأمريكي جورج جالوب بجامعة أيوا. وأول دراسة علمية لقياس الجمهور الإعلامي للإذاعة المسموعة كانت الدراسة التي قام بها عالما النفس الأمريكيين لملي وستانتون. وبدأت بعدها دراسات قياس القراء والمستمعين والمشاهدين بالاتساع والتطور والدقة في الأهداف والمرامي والأبعاد. ففي مجال قياس عادات القراءة كان جورج جالوب أول من ابتكر في الثلاثينات من القرن العشرين أسلوباً علمياً للتعرف على عادات قراءة الصحف والمجلات وهي "طريقة التعرف". عندما كانت وسائل الإعلام الجماهيرية آنذاك تعتمد في التعرف على اهتمامات الجمهور الإعلامي على البريد الوارد من الجمهور الإعلامي، وخاصة الشكاوي. أو من خلال استطلاعات الرأي التي كانت تنظمها الصحف والمجلات بين الحين والآخر. أو من خلال دراسة أسباب عدم تجديد الاشتراكات، والمسابقات ... الخ. وقد اعتمد جالوب في طريقته العلمية على أسلوب الاستفتاء المباشر، طالباً من القارئ الإشارة إلى المواد التي قرأها من الصحيفة التي بين يديه خلال الاستفتاء. وهي طريقة غاية في الصعوبة ومرهقة جداً للباحث. وقام قسم الأبحاث بكلية الصحافة بجامعة منسوتا في الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك بتطوير أساليب البحث العلمي في هذا الاتجاه، بشكل أكثر دقة وسهولة لدراسة اهتمامات الجمهور الإعلامي (القراء) خلال النصف الأول من القرن العشرين، وبالتحديد من عام 1941 وحتى عام 1952، بإشراف: رالف نافزجر من عام 1944 وحتى عام 1949، وتشارلس سوانسون من عام 1949 وحتى عام 1952، وروبيرت جونز من عام 1952 وحتى عام 1972. وتركزت التطويرات على أساليب جمع المادة ميدانياً، وتبويبها، وقياس عادات المطالعة بشكل أكثر دقة وتفصيلاً من ذي قبل. كما قام المركز الأمريكي للتحقق من انتشار الصحف Audit Bureau of circulation بتوفير أول أرقام عن توزيع المجلات الأمريكية. ولكن سرعان ما اكتشف قصور هذه الطريقة، لأن عدد القراء فعلياً هو أكثر من أرقام التوزيع الفعلي، لسبب بسيط أن النسخة الواحدة يطالعها عدة أشخاص. ومن ثم تطورت الأبحاث لتشمل تصنيف الصحف والمجلات وفقاً لعادات المطالعة، إضافة لإلقاء الضوء على نوعية القارئ. أما في مجال دراسة الجمهور الإعلامي للإذاعتين المسموعة والمرئية، فقد بدأت بأبحاث لزرزفيلد في مركز الأبحاث التطبيقية بجامعة كولومبيا. وقامت بتطويرها فيما بعد مؤسسات الأبحاث التجارية، مستخدمة أساليب متعددة من دراسة عادات الاستماع والمشاهدة، كالمقابلة والحديث التلفوني أثناء بث البرامج على الهواء. وتحديد عدد محطات البث، وعدد أجهزة الاستقبال ... وغيرها من الأساليب. كما واهتم الباحث برأي الجمهور الإعلامي بالبرامج المختلفة التي تبثها الإذاعتين المسموعة، والمرئية. لأن راجع الصدى للقائم بالاتصال ضئيل جداً ولا يعرف كاتب ومعد ومخرج ومقدم البرنامج رأي الجمهور الإعلامي بما قدموه لهم، إن لم يستطلع رأي الجمهور الإعلامي بين الفينة والأخرى للوقوف على آراء المستمعين والمشاهدين من البرامج المختلفة المقدمة لهم. وطبيعي أن آراء الجمهور الإعلامي هي بمثابة المعيار الذي يحدد ملامح قيمه وأذواقه واحتياجاته. ويقسم الجمهور الإعلامي عند دراسته عادة إلى ثلاثة فئات هي: 1- حسب الجنس، والعمر، والتعليم والدخل المادي. 2- وحسب الميول الشخصية في التعامل مع وسائل الإعلام الجماهيرية المختلفة. 3- وحسب احتياجاته الإعلامية وطريقة حصوله عليها. ومن الدراسات المبكرة في هذا الاتجاه الهام من دراسة الجمهور الإعلامي، الدراسات التي قام بها الباحث الأمريكي ولبر شرام خلال أربعينات القرن العشرين، وتناول فيها العلاقة بين العمر والتعليم والوضع الاقتصادي ومطالعة الصحف. وتوصلت نتائج أبحاثه إلى: 1- أن قراءة الأخبار بشكل عام ترتفع طرداً مع ازدياد السن والتعليم، والإمكانيات المادية. 2. وأن قراءة الأخبار تزيد بسرعة كبيرة خلال فترة المراهقة، وتصل أعلى مدى لها خلال فترة العمر من 30 إلى 50 سنة، ثم تبدأ بالهبوط. 3. وأن الحاصلين على التعليم الجامعي هم أكثر قراءة من الحاصلين على التعليم الثانوي. 4- وأن القراء صغار السن ما بين 10 و 15 عاماً، أكثر اهتماماً بالصور والمواد الفكاهية والطرائف المصورة. 5- وأن أقصى مدى في مطالعة الأخبار في سن مبكرة، هي أكثر بين الرجال بالمقارنة مع النساء. 6- وأن التعليم هو السبب الرئيسي لاختلاف عادات المطالعة بين الرجال والنساء في آن معاً. 7- وأن الوضع الاقتصادي يسبب اختلافاً جوهرياً في عادات المطالعة بين الرجال والنساء. 8- وأن المراهقون، وذوي التعليم الابتدائي، والجماعات منخفضة الدخل والمستوى الاقتصادي، هم أكثر اهتماماً بمطالعة أخبار الجريمة والكوارث والحوادث من الأخبار الأخرى. 9. وأن هذا الوضع يستمر بالازدياد حتى سن الثلاثين، حيث يستقر بعد ذلك، ولا يتأثر بتحسن الوضع الاقتصادي، بينما ينخفض مع ارتفاع مستوى التعليم. 10- وأن ازدياد مطالعة الافتتاحيات والشؤون العامة مرتبط بازدياد السن والتعليم، وتحسن الوضع الاقتصادي. 11- وأن أعلى مستوى لمطالعة المواد الفكاهية هو في سن المراهقة، وتبدأ بالانخفاض من سن الخامسة عشرة، وزيادة مستوى التعليم وتحسن الوضع الاقتصادي. 12- وأن الاهتمام بالأخبار المصورة يبدأ في سن مبكرة، ويستمر في الزيادة حتى منتصف العمر. 13. وأن زيادة مستوى التعليم وتحسن الوضع الاقتصادي يساهم في ارتفاع الاهتمام بالأخبار المصورة. 14- وأن الاهتمام بالافتتاحيات السياسية يبدأ في سن المراهقة، ويستمر في زيادة ونقصان مع تحسن الوضع الاقتصادي. 15- وأن مطالعة أخبار المجتمع تنخفض في سن المراهقة وترتفع بشكل ملحوظ مابين سن الثلاثين، وسن الستين. وتزداد عند النساء مع تحسن الوضع الاقتصادي. 16- وأن مطالعة أخبار الرياضة تصل أقصى مدى لها في العقد الثاني من العمر، وخاصة بين طلاب المدارس الإعدادية والثانوية، وتبدأ بعد ذلك بالتناقص تدريجياً. وتتحسن مع تحسن الوضع الاقتصادي. 17- وأن مطالعة رسائل القراء المنشورة في الصحف هي أكثر عند كبار السن من الشباب. 18- وأن مطالعة الصحف في سن متأخرة هي أكثر منها للترفيه، من أنها مصدراً للمعلومات ووجهات النظر.
كما وتوصلت بحوث ولبر شرام إلى نتائج عن أهمية: 1- افتتاحيات الصحف والأخبار الرئيسية. 2- والصحف التي تهتم بالطرائف والأخبار المصورة. 3- وعلاقة الصحف وتعرض القراء لوسائل الإعلام الجماهيرية الأخرى. 4- وطبيعة الأخبار نفسها، التي قسمها ولبر شرام إلى فئتين متقاربتين تتفق مع تقسيم سيجموند فرويد للسلوك الإنساني، ومبدأ الحقيقة، ومبدأ اللذة (الاستمتاع). وذكر شرام في هذا الصدد: "أن القراء والمستمعين يتعاملون مع الأخبار وفق احتياجاتهم ورغباتهم العاجلة أو الآجلة. وأن الأخبار العامة والاقتصادية والمشاكل الاجتماعية والعلوم والتعليم والصحة هي للرغبات والحاجات الآجلة. أما أخبار الجريمة والفساد والحوادث والكوارث الطبيعية والرياضة والترفيه والاهتمامات الاجتماعية والإنسانية فهي لإشباع حاجات ورغبات عاجلة أي مباشرة". 5- وتأثير الجنس على عادات المطالعة. 6- وعمق المطالعة. 7- والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية. 8- وتأثير التعرض لوسائل الإعلام المختلفة. 9- وتأثير مضمون المادة الإعلامية على أذواق الجمهور الإعلامي.
خصائص الشخصية: من الحقائق المعروفة أن الضغوط الاجتماعية التي يتعرض لها الفرد في المجتمع، تولد ردود فعل متباينة لدى الأفراد. وردود الفعل هذه ترتبط ليس بمصدر المادة الإعلامية فقط، بل وبمضمون المادة الإعلامية أيضاً. وتحدد طبيعة ردود الفعل هذه الخصائص الاجتماعية والفردية لكل المتعرضين للمادة الإعلامية. وتبقى الشخصية الفردية كعامل مؤثر من عوامل الاستعداد للاقتناع وتغيير السلوك والمواقف وفق الإستمالات والحجج المستخدمة في المادة الإعلامية. وقد عكف علماء الاتصال على دراسة الاختلافات الفردية لدى الجمهور الذي تعرض لنفس المادة الإعلامية لمعرفة مدى الاستعداد الفردي لديه. فاكتشفوا نوعين من الاستعداد الفردي للاقتناع بمضمون المادة الإعلامية هما: 1- الاستعداد لتقبل أو رفض وجهة نظر معينة عن موضوع معين تتم مناقشته. 2- والاستعداد بشكل عام للاقتناع بصرف النظر عن الموضوع. ومن السمات الشخصية التي تجعل من الفرد أكثر تقبلاً أو مقاومة للمادة الإعلامية: 1- العلاقة بين المستويات الذهنية والاستعداد للاقتناع: وهي أدلة قدمها هوفلاند وزملاؤه عن: آ - الأفراد الذين يتمتعون بمستوى عال من الذكاء، ويتأثرون أكثر من الذين يقل مستوى الذكاء عندهم. لأنهم أقدر على الخروج باستنتاجات عن المواد الإعلامية المعتمدة على حجج منطقية مؤثرة. ب - والأفراد الأكثر ذكاء، هم أكثر قدرة على المحاكمة وأقل تأثراً بالمواد الإعلامية السطحية المدعمة بحجج غير منطقية. 2- والعوامل المتصلة بالحوافز المثيرة للاستعداد العالي للاقتناع: آ - كانخفاض تقدير الفرد لذاته. ب - والإحساس بالقلق وعدم الاستقرار. ج - وخصوبة الخيال. د - والتفتح الذهني. هـ - والتأثر بالآخرين. 3- والدوافع المتصلة بالاستعداد المنخفض للاقتناع، وتشمل السمات الشخصية التالية: آ - الشعور بالعداء للآخرين. ب - والميل للعزلة الاجتماعية. ج - والحالات العصبية الشديدة. 4- والحاجة للمعلومات، وطرق الحصول عليها، وغموض عملية الاتصال، وهي أبحاث عكف عليها الباحثون كوهين، وكلمان، وكوهلر الذين توصلوا عام 1959 إلى أن طبيعة هذه الفئة تركز على التبسيط وتمييز التفاصيل لحاجتهم الماسة لوضوح المادة الإعلامية وليس غموضها.
القائم بالاتصال: في ظروف العولمة التي أحاطت بالعالم مع نهاية القرن العشرين أصبحت المؤسسات الإعلامية عبارة عن شبكات عالمية ضخمة، تتصارع داخلها المصالح الحيوية للدول الغنية المهيمنة من خلال إمكانياتها الاقتصادية والتقنية والتكنولوجية. وتحولت كل مؤسسة إعلامية إلى نظام شديد التعقيد. فشبكات الإنترنيت التي تستقبل وتخزن وترسل معلومات مكثفة من جميع أنحاء العالم، رغم المسافات الشاسعة التي تفصل بينها، وتضعها في متناول الراغبين أينما كانوا، تعاني من محدودية الطلب على موادها الإعلامية مقارنة بالعرض الذي يتزايد كل دقيقة. وقد لا ينطبق هذا الوضع على الولايات المتحدة الأمريكية والدول الصناعية المتقدمة. لأن التقدم التكنولوجي المتلاحق في هذه الدول قد غير مسار الإنتاج ونشر المواد الإعلامية من خلال استخدام أجهزة الاتصال والكمبيوتر، عبر الأقمار الصناعية، ووسائل الاتصال المتطورة لجمع ونشر المعلومات التي تطالعنا بها الأخبار اليوم بالحرف والصوت والصورة. وأصبح تدفق المعلومات في وضع يصعب مقاومته مهما بلغت قوة الدولة التي تسعى لاحتواء هذه المعلومات أو مصادرتها. ولكن هذا الكم الهائل من المعلومات لا يجعلنا نصدق أن كل سكان العالم يستقبلون المعلومات من خلال شبكات الاتصال العالمية. كشبكة التلفزيون العالمية CNN، التي يعمل فيها 35 مراسلاً أجنبياً موزعين في 23 وكالة أجنبية، مقابل 500 مراسل لـ 100 وكالة أنباء مدعمة بالمحطات السلكية الرئيسية. وتصل أخبارها إلى 3% من سكان العالم فقط، لأن أربعة أخماس سكان العالم لا يملكون أجهزة استقبال لبث الإذاعات المرئية. ورغم النبوءة بزيادة عدد الذين يستخدمون شبكة المعلومات الإلكترونية الانترنيت من خلال أجهزة الكمبيوتر إلى ستة ملايين نسمة حتى مطلع القرن الحادي والعشرين. إلا أن التقرير السنوي للأخبار السلكية سجل نقصاً في عدد المراسلين والصحفيين في وكالات الأنباء المحلية والعالمية، وحتى في أكبر الشبكات الإخبارية العالمية كـ Reuters، وCNN، وAFP لتغطية الأنباء من جميع أنحاء العالم. ومن الملاحظ أيضاً أن ظهور الإعلام المرئي قد أدى إلى هبوط الطلب على الإعلام المطبوع. وظل عدد نسخ الصحف في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً من عام 1965 وحتى عام 1995 على حاله 59 مليون نسخة، رغم زيادة عدد السكان من 185 مليون نسمة إلى 260 مليون نسمة. أما بالنسبة للمادة الإخبارية ومحتوياتها، فإن التحول من الكلمة المطبوعة إلى الكلمة المرئية قد أصبح ظاهرة أكبر من كونها مجرد تغيير في وسيلة الاتصال الجماهيرية. والكل يعلم بأن جهاز استقبال بث الإذاعة المرئية احدث تغييراً جذرياً في طريقة تفاعل الجمهور الإعلامي مع الأحداث. وأن السياسيين والدبلوماسيين فهموا أن الإذاعة المرئية أكثر ملامسة للمشاعر والأحاسيس من غيرها. وأن لها تأثير فعال على صناعة السياسة الخارجية أكثر من أي وسيلة إعلام جماهيرية أخرى. وعلى سبيل المثال حذر السياسيون عبر قنوات الإذاعة المرئية السياسة الخارجية الأمريكية من التورط بأي تدخل عسكري خارجي بعد التدخل العسكري الأمريكي في حرب فيتنام، والهجوم الشرس الذي شنه الرأي العام داخل الولايات المتحدة الأمريكية، على الإدارة الأمريكية. وهي الأسباب نفسها التي دفعت بالرئيس جورج بوش الأب لوقف العمليات العسكرية الناجحة ضد العراق عام 1991 خشية تصاعد سخط الشعب الأمريكي إذا ما تورط أكثر من اللازم في حرب الخليج، وهو الموقف الذي اعتمد عليه الرئيس كلينتون في الامتناع عن ما أقدم علية الرئيس جورج بوش الابن عام 2003 بعد التعاطف الذي حصل عليه نتيجة للأحداث الإرهابية التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001 وصدمت الشعب الأمريكي ليؤيد بمعظمه اجتياح القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي بموافقة الشرعية الدولية لأفغانستان في نفس العام، واجتياح العراق رغم اعتراضات الشرعية الدولية عام 2003 وما رافقها من مخالفات صريحة لمبادئ الحقوق الدولية التي تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية نفسها المدافع الأول عنها. والصورة الإعلامية اليوم تختلف كثيراً عنها بالأمس، بعد انتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفييتي السابق. والتي تعتبر نقطة التحول في تحول الاستهلاك الإعلامي الأجنبي حتى في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. فقد كانت وسائلها الإعلامية الجماهيرية تركز في السابق على قطبي الحرب الباردة، وكان الجانب الذي تمثله الولايات المتحدة الأمريكية يعتبر الجانب الطيب في مضمونها، بينما مثل الإتحاد السوفييتي السابق الجانب الشرير في مضمونها. وكانت الصورة في مضمون المادة الإعلامية تمثل أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعو إلى الحرية والديمقراطية وزيادة الثروة والرخاء، وأن التحالف معها إيجابي. بينما انعكست صور الإتحاد السوفييتي السابق في مضمون تلك المادة الإعلامية كمثال لمساوئ النظم الشمولية والقمع والحرمان، وأن التحالف معه سيء. وأنهى انهيار الإتحاد السوفييتي السابق قضية التحيز في مضمون المادة الإعلامية لوسائل الإعلام الجماهيرية الأمريكية. وفتر حماس الجمهور الإعلامي داخل الولايات المتحدة الأمريكية نحو أخبار وأحداث الشعوب الأخرى، مع زوال التهديد النووي السوفييتي ضد الولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما أثبتته الدراسات العلمية التي نفذتها المنظمات المهنية والعلمية، وتناولت تأثير انتهاء الحرب الباردة على شبكات الإذاعة المرئية العالمية، وأظهرت انخفاض كمية المواضيع والأخبار الأجنبية من 35% إلى 23%. بينما كانت هذه الشبكات تخصص خلال السبعينات من القرن العشرين 40% من الوقت المتاح لتغطية الأنباء الأجنبية. وانخفض هذا الوقت عام 1995 إلى 13,5%، كما وتراجعت بعض الشبكات الإخبارية الرئيسية في الولايات المتحدة كـ NBC، و CBS، و ABC عن تسجيل وتغطية الأخبار والأحداث الجارية في الدول الأجنبية، بينما استمرت شبكة CNN في محاولاتها لتغطية الأنباء العالمية، رغم تزايد عدد الأقمار الصناعية ووسائل الاتصال المتطورة تكنولوجياً. وعندما ندرس ما يحدث داخل المؤسسات الإعلامية نشعر بمدى تعقد وتشابك أعمالها. ففي داخل تلك المؤسسات الإعلامية تتخذ كل دقيقة قرارات هامة وخطيرة. ونظراً لأهمية تلك القرارات فلابد أن نعرف الأسلوب الذي يتم من خلاله اتخاذ تلك القرارات، ومن يتخذها فعلاً، وطبيعة القائم بالاتصال في تلك المؤسسات، والعوامل التي تؤثر على اختياره للمواد الإعلامية. وتحليل وسائل الإعلام الجماهيرية كمؤسسات لها وظيفة اجتماعية، ودراسة دور ومركز القائم بالاتصال، والظروف والعوامل التي تؤثر على اختيار مضمون المادة الإعلامية. وكيف يصنع الصحفيون الأخبار، والجوانب الأخلاقية والمهنية التي يتمسكون بها، وطبيعة السيطرة البيروقراطية المفروضة عليهم. وتعتبر دراسة "مراسلي واشنطن" التي نفذها ليو روستن عام 1937 أول دراسة كلاسيكية عن سيكولوجية المراسل الصحفي، تناولت بالشرح والتحليل القائمين بالاتصال في الولايات المتحدة الأمريكية. وتتالت الدراسات إلى أن نشر الباحث الأمريكي ديفيد مانج وايت دراسته "حارس البوابة وانتقاء الأخبار" التي أعطت دفعة قوية لبحوث القائمين بالاتصال. والفضل الأكبر بتطوير ما عرف بعد ذلك بنظرية "حارس البوابة" يعود لعالم النفس الأمريكي النمساوي الأصل كورت لوين. وذكر لوين أن "المادة الإعلامية عبر رحلتها الطويلة حتى تصل للجمهور الإعلامي، تمر في نقاط أو بوابات يتم فيها اتخاذ قرارات تتعلق بما يدخل وما يخرج. وأنه كلما طالت المراحل التي تقطعها الأخبار حتى ظهورها في وسيلة الإعلام الجماهيرية، كلما ازدادت المواقع التي يصبح فيها من سلطة فرد أو عدة أفراد تقرير ما إذا كانت المادة الإعلامية ستنقل بنفس الشكل التي هي عليه، أو بعد إدخال بعض التغييرات عليها. لهذا يصبح نفوذ من يديرون هذه البوابات والقواعد التي تطبق عليها، والشخصيات التي تملك بحكم عملها سلطة اتخاذ القرار ذات أهمية كبيرة بالنسبة لانتقال المعلومات". أي أن دراسات "حارس البوابة" هي دراسات تجريبية ومنتظمة لسلوك أولئك الذين يسيطرون في نقاط مختلفة على مصير المادة الإعلامية.
نظرية حارس البوابة الإعلامية: تمر المادة الإعلامية بمراحل عديدة وهي تنتقل من المصدر الإعلامي حتى وصولها للمتلقي "الجمهور الإعلامي"، وتشبه هذه المراحل السلسلة المكونة من عدة حلقات. ومن أبسط أنواع السلاسل الإعلامية، سلسلة الاتصال المباشر بين فرد وآخر. بينما تدخل سلسلة الاتصال الجماهيري شبكة اتصالات معقدة تمر عبر العديد من حلقات وأنظمة الاتصال. وعادة ما تخرج المواد الإعلامية من تلك الحلقات والأنظمة أكثر مما دخل منها، مما سمح لشانون بأن يطلق عليها تسمية (أجهزة تقوية) لأنها تضاعف وتزيد من كميات المواد الإعلامية التي تدخل إليها وتوصلها بالتالي للجمهور الإعلامي. ووسائل الإعلام الجماهيرية بحد ذاتها هي شبكات من الأنظمة داخل أنظمة متصلة ببعضها بطرق معقدة، يقوم من خلالها القائمين بالاتصال واستقبال وإعداد وإرسال المواد والرسائل الإعلامية، التي يستقبلها المتلقي الذي هو جزء من شبكة علاقات قائمة داخل الجماعة التي ينتمي إليها. ومن دراسة لأسلوب عمل هذه الشبكة نستطيع التنبؤ باستجابة المستقبل للمادة الإعلامية. ولنتعرف على الطريقة التي تعمل فيها سلاسل الاتصالات التي تنقل المواد الإعلامية لجميع أنحاء المجتمع، من خلال الإشارة للحقائق الأساسية التي أشار إليها كرت لوين: بأنه في كل حلقة من السلسلة، فرداً معيناً يتمتع بحق تقرير ما إذا كان سينقل أو لا ينقل المادة الإعلامية التي تلقاها، وما إذا كانت المادة الإعلامية التي تلقاها ستصل إلى الحلقة التالية تماماً بنفس الشكل الذي وصلت به، أم سيدخل عليها بعض التغييرات والتعديلات. وحارس البوابة تعني السيطرة على موضع استراتيجي معين في سلسلة الاتصال، بحيث يتمتع فيها حارس البوابة بسلطة اتخاذ القرار والتحكم فيما يمر عبر بوابته، يمر أو لا يمر، وكيف يمر، حتى نهاية السلسلة إلى الوسيلة الإعلامية ومنها إلى الجمهور الإعلامي. وذكر لوين أن المواد الإعلامية تمر بمراحل مختلفة حتى ظهورها على صفحات الصحف والمجلات، أو عبر وسائل الإعلام الجماهيرية الإلكترونية، وأطلق على هذه المراحل تسمية بوابات. وذكر أن هذه البوابات تقوم بتنظيم كمية وقدر المواد الإعلامية التي تمر من خلالها. وأشار إلى أن فهم وظيفة البوابة، يعني فهم المؤثرات والعوامل التي تتحكم في القرارات التي يتخذها حارس البوابة. بما معناه بأنه هناك مجموعة من حراس البوابات، يقفون في جميع مراحل سلسلة الاتصال التي تنقل المواد الإعلامية عبرها. ويتمتع كل منهم بحق فتح أو إغلاق بوابته أمام المادة الإعلامية التي تصله، وأن من حق كل منهم إجراء تعديلات على المواد الإعلامية التي ستمر عبر بوابته. ومن نظرة في سلسلة الاتصال التي تنقل الأخبار، نرى أن المحرر في وكالة الأنباء، أو في الصحيفة، أو في برامج الإذاعتين المسموعة أو المرئية، يتلقى كمية كبيرة من المواد الإخبارية التي تحتاج لاتخاذ قرارات حارس البوابة. ويتوقف ذلك على مدى مستوى وموضوعية هذا المحرر، لأن له الدور الهام في توجيه الرأي العام وتحديد آرائه عن أحداث العالم المختلفة.
الفصل الثالث: دراسات القائم بالاتصال. تنقسم دراسات السيطرة الاجتماعية، أو حارس البوابة إلى أربعة أقسام رئيسية، وهي: 1- دراسات تأثير الظروف المحيطة على القائمين بالاتصال: وتهتم بالظروف التي تؤثر على اختيار وسيلة الإعلام لمادتها الإعلامية، وكيفية تأثير اهتمام وسيلة إعلامية معينة بموضوع إعلامي معين على اهتمام وسائل إعلامية أخرى بنفس الموضوع. والطريقة التي يتم فيها نقل أو توصيل السياسة إلى حجرة الأخبار والمحررين، ومدى قبول أو رفض الصحفيين لهذه السياسة، ونتائج هذا الرفض أو القبول عليهم. والموضوعات التي تهملها الوسيلة الإعلامية، وتتعمد عدم نشرها، وأهمية هذا الحذف على القيم الثقافية واستمرارها. وبشكل عام أفكار الصحفيين والضغوط التي تفرض عليهم. 2- دراسات تأثير النواحي المهنية على القائمين بالاتصال: وتهتم بالطريقة التي يؤثر بها نظام إخراج المادة الإعلامية على المحرر الذي يتلقى المادة الإعلامية، الأمر الذي يحد من مجالات اختياره وتأثير التدريب المهني للصحفي على إدراكه للأخبار. وتأثير الجوانب المهنية على المادة الإعلامية. وأداء القائم بالاتصال لعمله تحت تأثير الضغوط النفسية. 3- دراسات الجوانب الفنية والمادية لعمل القائمين بالاتصال: وتتناول أسلوب صياغة الأخبار، وانتقالها والميكانيكية التي تتحكم بنشرها. 4- دراسات اختبار وقياس القائمين بالاتصال: وتتناول خصائص الصحفيين وتوافقهم مع العمل المسند إليهم.
وسنستعرض من نماذج تلك الدراسات: نموذج تصور القوى الاجتماعية والسيكولوجية المؤثرة على اختيار القائم بالاتصال للمادة الإعلامية. يتعرض القائم بالاتصال لضغوط مختلفة، تتنوع بين مجتمع وآخر. ومن هذه الضغوط: 1- المحافظة على قيم وتقاليد المجتمع: لأن النظام الاجتماعي الذي تعمل في إطاره وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، يعتبر من القوى الأساسية التي تؤثر على القائمين بالاتصال. ومن المعروف أن لكل نظام اجتماعي جملة من القيم والمبادئ التي يعتز بها ويعمل على ترسيخها بين أفراده، ووجهت نحو التنشئة الاجتماعية وللمحافظة على القيم والثقافية والاجتماعية، سواء في الدول المتقدمة أم في الدول النامية. 2- تحقيق الاتفاق حول الأساسيات في المجتمع: بهدف الحفاظ على الوحدة الوطنية وتماسك المجتمع داخلياً. ومن أجل ذلك يختار القائمون بالاتصال في وسائل الإعلام الجماهيرية المواد الإعلامية التي تحقق هذا الهدف، عن طريق اختيار الأنباء والإغفال المتعمد لبعضها. ويتحقق هذا الهدف أيضاً عن طريق المصادر الإعلامية المؤثرة على القائمين بالاتصال، لأن الصحفي يسعى دائماً لاستقاء المعلومات من مصادرها الهامة. فيتجهون لمن يشغل المناصب القيادية، الذين بدورهم يعطون المعلومات التي تخدم أهدافهم. وكثيراً ما يلجأ القائمون بالاتصال إلى تقديم تلك المعلومات منسوبة لمصادرها، أو تأجيل التعليق عليها رغبة في الظهور بمظهر الحياد، وتحقيق هدف الإجماع والاتفاق في المجتمع. 3- تأثير المؤسسات الإعلامية الكبيرة، على الصغيرة: فهناك مؤسسات إعلامية جماهيرية تتحكم بتدفق المعلومات من خلال إمكانياتها البشرية، والتقنية والمادية، وبالتالي تسيطر من خلال ما تقدمه من مواد إعلامية على المؤسسات الإعلامية الأصغر حجماً والأقل إمكانية. وتؤثر على القائمين بالاتصال من خلال ذلك. 4- دور وكالات الأنباء، والوكالات المتخصصة في زيادة التماثل في مواد مختلف الوسائل الإعلامية الجماهيرية: فهي تقدم موادها الإعلامية لكل أنواع وأشكال وسائل الإعلام الجماهيرية في نفس الوقت، مما يؤدي إلى تشابه المواد المنشورة عن نفس الموضوع فيما لو نشرته أكثر من وسيلة إعلامية. 5- تأثير الاعتبارات الذاتية والضغوط المهنية على القائم بالاتصال: ويتضمن: أ- الضغوط التي يتعرض لها القائم بالاتصال في حجرة الأخبار. ب- تأثير سياسة الناشر. ج- طموح القائم بالاتصال ورغبته في تحسين أوضاعه الوظيفية بسرعة، وتطوير نفسه. د- اعتبارات آلية العمل، وضرورة تقديم المواد في موعد محدد ليتم نشرها في الوقت المناسب دون تأخير. 6- الجمهور الإعلامي: من خلال تأثيره على القائم بالاتصال عند مراعاته لرغبات الجمهور الإعلامي في اختيار المادة الإعلامية المناسبة للنشر وإعدادها.
دور وسائل الإعلام الجماهيرية في المحافظة على القيم الاجتماعية، وتحقيق الانصهار الثقافي والاجتماعي في المجتمع: ذكر وارين بريد في دراسته التي نشرها عام 1964، إلى أن كل نظام في شبكة الاتصال الجماهيرية مهما كان نوعه، مقيد بجملة من الظروف والأحداث المتصلة ببعضها البعض. ويتوجب علينا دراسة مدى اعتماد كل نظام على الأنظمة الأخرى المتصلة به، والأحداث التي تدور من حوله. وأن القائم بالاتصال يعمد في بعض الأحيان إلى عدم تغطية الأحداث التي تقع من حوله كاملة، منطلقاً من ضميره وشعوره بالمسؤولية حيال المجتمع. وحتى أن وسائل الإعلام الجماهيرية تضحي بالسبق الصحفي، من أجل تدعيم التقاليد والقيم الاجتماعية، وخلق الاتفاق والإجماع والاندماج في المجتمع، وتجنب ما يضر بمؤسساته. وتعمل وسائل الإعلام الجماهيرية على تحقيق الاستقرار والإجماع الثقافي في المجتمعات المعقدة متعددة الأنماط الثقافية وأساليب الحياة، بتأكيدها على كل تلك الأنماط انطلاقاً من فرضية أن المادة الإعلامية: آ- تعكس صورة المجتمع؛ ب- وتشكل المجتمع؛ ج- وتحافظ على المجتمع وتجعله أكثر استقراراً. فوسائل الإعلام الجماهيرية تخدم أهدافاً اجتماعية وثقافية محددة، وتقرب بين الناس وتوثق علاقاتهم، وتساعد على تنشئتهم اجتماعياً، وتعودهم على أنماط من السلوك المقبولة اجتماعياً. وقد كان الاعتقاد السائد أن وسائل الإعلام الجماهيرية تعمل على تحقيق الاستقرار والاجتماع الثقافي في المجتمع عن طريق التأكيد على الأنماط والأساليب المثالية السائدة داخل المجتمع. وهو ما أثبتته دراسات تحليل مضمون المواد الإعلامية المنشورة. وكان وارين أول من ساهم في تغيير اتجاه دراسات تحليل مضمون المادة الإعلامية عندما قام في دراساته بتحليل المواد الإعلامية غير المنشورة، أي المحذوفة، مستعيناً بآراء الصحفيين. فتوصل بذلك إلى افتراض جديد، يقول: أن وسائل الإعلام الجماهيرية تعمل على تحقيق الاتفاق الثقافي والاجتماعي عن طريق الحذف وإبعاد المواد الإعلامية التي تهدد البناء الاجتماعي والثقافي، وتهدد ما يؤمن به الفرد. وقد أظهرت الدراسات التي قام بها وارين أن ثلث المواد الإعلامية المحذوفة تتعلق بالموضوعات السياسية والاجتماعية، وأن خمس المواد الإعلامية المحذوفة تتعلق بالأمور الدينية، بينما تناولت بقية المواد الإعلامية المحذوفة قضايا الأسرة، والبطولة الفردية، والصحة، والقضاء، وكرامة الفرد. ونستنتج من ذلك أن وسائل الإعلام الجماهيرية تقوم بحماية الأنماط الثقافية والقيم الاجتماعية منطلقة من موقفها ومن وجهة نظرها الخاصة. وأن ما لا تقدمه وسائل الإعلام الجماهيرية من مواد إعلامية لا يقل أهمية عن المواد الإعلامية التي تقدمها. وفي هذا تبرير لاستخدام الكذب الأبيض من قبل وسائل الإعلام الجماهيرية، وتجنبها لذكر الحقائق التي تجرح الشعور العام.
القائمون بالاتصال والمصادر الإعلامية: ومن العوامل المؤثرة على القائمين بالاتصال في النموذج التصوري، العلاقة بين القائمين بالاتصال والمصادر الإعلامية التي تعمل على تحقيق مبدأ الاتفاق الاجتماعي. وهي: آ) أن يبقى المراسلون مستقلين عن مصادر الأنباء؛ ب) وأن يجد المراسلون والمصادر الإعلامية مجالات يتعاونون فيها من أجل تحقيق مصالحهم المشتركة؛ ج) وأن لا تسيطر المصادر الإعلامية على المراسلين، وبالعكس. وقد وجد ولتر جيبر الذي درس العلاقة بين المراسلين والمصادر الإعلامية، أن كلاً من القائم بالاتصال والمصدر الإعلامي يعتبرون وسائل الإعلام الجماهيرية حارساً للديمقراطية. وأنهما يؤيدان إبقاء قنوات الاتصال الجماهيرية مفتوحة انطلاقاً من اهتمامهما المشترك بالمصلحة العامة. وأدرك الفوارق بينهما والتي تتلخص في: 1- أن المصدر الإعلامي يعتبر نفسه حارساً لرفاهية المجتمع؛ 2- وأن القائم بالاتصال يعتبر نفسه حامياً للجمهور الإعلامي؛ 3- وأن لكل منهما فكرة مهزوزة وإدراك نمطي عن الجمهور الإعلامي؛ 4- وأن كلاً منهما قد طور إدراكاً خاصاً لدوره العام، وإطار دلالي خاص به يحدد من خلاله عملية الاتصال بينهما؛ 5- وأن كلاً منهما يدعي لنفسه الدور الأساسي في الاتصال بالجمهور الإعلامي؛ 6- وأنهما معاً مسؤولان عن انهيار عملية الاتصال.
فبالنسبة للمصدر الإعلامي: يجب تطهير المواد الإعلامية من المعلومات التي تهدد اتفاق الرأي العام، وأن تلك المواد الإعلامية يجب أن تساعد على تحقيق الاتفاق في المجتمع. وبما أن وسائل الإعلام الجماهيرية هي الشريان الرئيسي للاتصال بالجمهور الإعلامي، فيجب أن يكون الهدف الأساسي للمصدر الإعلامي استخدامها لتحقيق الأهداف عن طريق الإقناع، واستغلال العلاقة التي تربط بينه وبين القائم بالاتصال. أما بالنسبة للقائم بالاتصال: فهو ينظر إلى نفسه كموزع مستقل للمواد الإعلامية، وأن وظيفتهم هي مراقبة وحماية أعمال الحكومة، والتعاون مع المصادر الإعلامية. بينما يتوقع الجمهور الإعلامي من وسائل الإعلام الجماهيرية أن تغطي الأخبار بشكل موضوعي ونقدي، وبتقييم مستقل. وهذا يتطلب أن تبقى وسائل الإعلام الجماهيرية حرة بعيدة عن ضغوط المصادر الإعلامية، ومتحررة من القيود البيروقراطية.
قادة الرأي من وسائل الإعلام الجماهيرية: ومن العوامل المؤثرة على القائمين بالاتصال في النموذج التصوري هو تأثير وسائل الإعلامية الجماهيرية الضخمة، على وسائل الإعلام الجماهيرية الأصغر منها. لأن الأخيرة وكما هو معروف تقلد الأولى في أسلوب اختيارها لمضمون المادة الإعلامية. وقد توصل وارين بريد نتيجة للأبحاث التي درس فيها صحف النخبة التي تعتبر من قادة الرأي، إلى فرضية تقول أنه هناك عملية شريانية من التأثير تزيد من التشابه والتماثل بين الصحف الصادرة في الولايات المتحدة الأمريكية، سببه تقليد الصحف الصغيرة لأسلوب اختيار الأخبار في الصحف الكبيرة. ووجد المخرج من هذا الوضع بتعيين مراسلين ومحررين أفضل وبمستويات مهنية أرقى للعمل في الصحف الصغيرة. وهي نفس النتائج التي أكدتها البحوث اللاحقة، ووجدت: آ) أن وسائل الإعلام الجماهيرية تتضمن نفس المواد الإعلامية أو مواد إعلامية مشابهة لها؛ ب) وأته هناك تماثل في طرق صياغة وأساليب ترتيب تلك المواد الإعلامية. ومن العوامل الكثيرة المسببة لهذا التماثل في المضمون الإعلامي وطرق معالجة المواد الإعلامية: 1- لأن مختلف الوسائل الإعلامية الجماهيرية تعتمد على خدمات نفس وكالات الأنباء التي تزودها بنفس المواد الإعلامية، مما يسبب ظهورها في تلك الوسائل الإعلامية في وقت واحد؛ 2- وتوزيع مواد الإعلانات والدعاية المتشابهة على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام الجماهيرية المختلفة؛ 3- وتركز ملكية وسائل الإعلام الجماهيرية في أيدي قلة من الأفراد، أو تبعيتها لإشراف إدارة مركزية واحدة؛ 4- وتشابه السياسات التحريرية المحافظة سياسياً في مختلف وسائل الإعلام الجماهيرية، رغم استقلال المحررين في اختيارهم للمواد الإعلامية بناءً على اعتباراتهم الذاتية. ومن الأدلة التي تثبت التأثير الشرياني بين وسائل الإعلام الجماهيرية، متابعة الصحفيين لما تنشره وسائل الإعلام الجماهيرية، للحصول على معلومات جديدة والاستفادة منها في عملهم. ومن الدوافع الكثيرة التي تدفع الصحفي لمتابعة ما تنشره وسائل الإعلام الجماهيرية المختلفة، الحاجة لمعرفة آخر التطورات في أساليب تقديم المواد الإعلامية، بهدف رفع سوية عمله وزيادة فاعليته من خلال متابعة الأحداث الجارية، ومقارنة عمل الغير بالعمل الذي يقوم به، والبحث والتنقيب عن الجديد الذي هو من مميزات الصحفي، فالصحفي يبحث دائماً عن شيء لا يستطيع تحديده بشكل مسبق لأنه يبحث عن الحدث الجديد والمادة الجديدة التي تهم الجمهور الإعلامي. وقد يجد ضالته في ما تنشره الوسائل الإعلامية الجماهيرية الكبرى من مواد إعلامية، وهذا حافز يدفعه إلى التقليد.
تأثير الضغوط المهنية على القائم بالاتصال: والعامل المؤثر الآخر على القائم بالاتصال في النموذج التصوري، هو: الضغوط المهنية التي يتأثر بها القائم بالاتصال أثناء عمله وتجعله يقبل بسياسة وسلة الإعلام الجماهيرية التي يعمل فيها. ومن هذه الضغوط: 1- ظروف العمل في القسم الإعلامي، التي يفرضها البناء البيروقراطي للعمل الصحفي. ومنها السياسة الإعلامية للوسيلة الإعلامية التي يتبعها القسم، وخاصة عند حدوث تناقض في تلك السياسة. 2- التعارض بين سياسات الناشر وتطلعات القائم بالاتصال: فلكل وسيلة إعلامية جماهيرية سياسة معينة، سواء اعترفت بتلك السياسة أم لا. وتظهر هذه السياسة بوضوح من خلال صياغة المواد الإعلامية وطرق عرضها أو نشرها، ومن خلال إهمالها المتعمد لبعض المواد الإعلامية الأخرى التي تتناول موضوعاً معيناً أو حدثاً معيناً يتعارض وسياستها الإعلامية. ودراسة السياسة الإعلامية لأي وسيلة إعلامية، هام جداً لأن المجتمع الديمقراطي يحتاج إعلام حر ومسؤول يحيط الجمهور الإعلامي بما يحدث من حوله في هذا العالم سريع التطور والتغيير، دراسة تتناول أسباب ودوافع تحيز السياسة الإعلامية التي تتبعها الوسيلة الإعلامية أثناء أدائها لعملها. وكذلك أسباب ودوافع تقيد القائم بالاتصال بتلك السياسة الإعلامية غير المعلنة في أكثر الحالات.
تأثير الجمهور الإعلامي: ويأتي الجمهور الإعلامي كأحد العوامل المؤثرة على القائم بالاتصال في النموذج التصوري. وقد توصل أثيل دوسولا بول، وشولمان، إلى نتيجة مفادها أن الجمهور الإعلامي يؤثر على القائم بالاتصال، وأن القائم بالاتصال يؤثر في الجمهور الإعلامي. فالمواد الإعلامية التي يقدمها القائم بالاتصال للجمهور الإعلامي تتحكم بها توقعاته لردود الفعل المحتملة من قبل الجمهور الإعلامي. وتصور القائم بالاتصال للجمهور الإعلامي يؤثر كثيراً في نوعية المادة الإعلامية التي يعدها أو يقدمها. وأظهرت الدراسات التجريبية التي قام بها ريموند باور أن نوعية الجمهور الإعلامي الذي يعتقد القائم بالاتصال أنه يقدم له المادة الإعلامية تؤثر كثيراً على الطريقة التي يتم بمقتضاها اختيار وإعداد المادة الإعلامية. لأن للجمهور الإعلامي خصائصه واحتياجاته، ولأن ظروف السوق تفرض على وسائل الإعلام الجماهيرية أن تشبع حاجات الجمهور الإعلامي وتلبي رغباته. بنفس الطريقة التي يؤثر فيها العرض والطلب على الإنتاج في الاقتصاد، ويؤثر الناخبون على رجال السياسة في النظام الديمقراطي. فوسائل الإعلام يجب أن ترضي أذواق جمهورها، ولهذا عليها التعرف على الجمهور الذي تتوجه إليه كأحد الجوانب الرئيسية في عملية الاتصال. ولأن الاتصال لا يمكن أن يتم في المجتمعات المتفككة التي لا تعاون فيها ولا اهتمامات مشتركة تجمعها. ولابد من توافر العلاقات الاجتماعية، واللغة المشتركة، والأفكار المشتركة، والعلاقات المحددة اللازمة لتتم من خلالها عملية الاتصال. ولهذا يتحتم على القائم بالاتصال تكوين فكرة وتصور عن الجمهور الذي يريد أن يوصل إليه مادته الإعلامية. وقد يعاني القائم بالاتصال العامل في أي وسيلة إعلامية جماهيرية اليوم من صعوبة التعرف على الجمهور الإعلامي الذي يتوجه إليه، بعد التطور الهائل الذي حدث في عالم تقنيات الاتصال الحديثة، التي ضيقت المسافات واخترقت الحدود اللغوية والجغرافية. وارتفعت بدور وسائل الإعلام الجماهيرية لتصبح من الأدوات الهامة والأساسية التي يتم من خلالها تحقيق الحوار الثقافي والاجتماعي بين مختلف الشعوب والأمم.
الفصل الرابع: نظريات مراحل انتقال المعلومات. كان الاعتقاد لوقت قريب بأن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية تتعامل مع أفراد منعزلين عن بعضهم البعض، متصلين بوسائل الإعلام الجماهيرية مباشرة. ولم يتنبه الباحثون في الاتصال الجماهيري إلى تأثير العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع على النتائج التي يحققها مضمون المادة الإعلامية التي تحملها إليهم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. ولكن الأبحاث العلمية التي أجريت خلال العقود الماضية وما رافقها من تطور هائل في وسائل وتقنيات الاتصال أثبتت أن العلاقات المباشرة القائمة بين الأفراد المتصلين في الأسرة أو العمل أو الشريحة الاجتماعية قد تساعد أو تعرقل الوصول لأهداف عملية الاتصال. وهو ما عرف بنظرية انتقال المعلومات على مرحلتين. وكان مؤلفي كتاب "اختيار الناس"، قد توصلوا إلى نتيجة مفادها أن سريان مفعول مضمون المادة الإعلامية التي تحملها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية قد لا يكون مباشراً كما كان مفترضاً من قبل، بل يصل أولاً إلى قادة الرأي في الشريحة الاجتماعية المعنية، ومن ثم ينتقل عن طريقهم إلى الآخرين. وأطلقوا على هذه العملية اسم "انتقال المعلومات على مرحلتين". وذلك أثناء تحليلهم لعملية اتخاذ القرار أثناء الحملات الانتخابية في المجتمع الديمقراطي، وتوصلوا إلى أن الأفراد مازالوا متأثرين بالجدال والأخذ والرد مع الآخرين، أكثر تأثرهم بوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. مما سمح لهم بتكوين فكرة تقضي بأن الأفراد يشكلون شبكات متصلة فيما بينهم، ينتقل من خلالها مضمون المادة الإعلامية التي تحملها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. ومنذ عام 1957 حاول مركز الأبحاث الاجتماعية التطبيقية في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية أن يدرس هذه النتائج ويعمل على تطويرها. فظهرت نتائج دراسات مرتون عن التأثير الشخصي والسلوك الاتصالي في منطقة روفير، ودراسة ديكاتور عن اتخاذ القرار في مجال ترويج موضة الأزياء، وعادات التردد على صالات السينما، والشؤون العامة، التي قام بها كاتز، ولزرزفيلد، ودراسة كولمان، وكاتز، ومينزل عن أسلوب تعميم الأدوية الجديدة بين الأطباء. وهي الدراسات التي اعتمد عليها كاتز ليعرض فرضيته عن انتقال المعلومات على مرحلتين وهي: 1- وقع التأثير الشخصي، وسريان التأثير الشخصي؛ والعلاقة بين قادة الرأي ووسائل الإعلام الجماهيرية. وحاولت دراسة روفير تحديد دور قائد الرأي وتأثيره على المحيط، ودراسة سلوكهم الاتصالي، وتحديد طبيعة التفاعل بين القادة والتابعين الذين قاموا أصلاً باختيار القادة. وأجريت دراسة ديكاتور خلال عامي 1945و1946 وجاءت خطوة بعد دراسة روفير، وشملت إضافة للتصويت في الانتخابات، القرارات في مجالات التسويق والتردد على صالات السينما، والشؤون العامة للأفراد. وتركز محور الدراسة على: الأهمية النسبية للتأثير الشخصي، ودراسة واقع القائد والتابع. وحاولت الدراسة استخلاص ما إذا كان قادة الرأي يأتون من نفس الشريحة الاجتماعية المعنية، وكيفية انتقال التأثير. وذكرت أن حوالي ثلثي الأشخاص الذين تأثروا بآراء الآخرين حدث ذلك معهم بعد حوار جرى بينهم وبين شخص ذكروا أنه من المؤثرين بالموضوع المطروح، وعلاوة عن ذلك أكد 80% منهم أنهم تلقوا نصيحة من الغير. بينما أكد قادة الرأي أنفسهم على أنهم قد تأثروا بآخرين قبل اتخاذهم لقراراتهم. 1- واقع التأثير الشخصي: وأشارت الدراسات إلى أن التأثير الشخصي كان أكثر وقعاً من تأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وخاصة لدى أولئك الذين غيروا آراءهم خلال الحملة الانتخابية (ديكاتر). وتحكم بها عنصران أساسيان هما: الاتصال بين الأفراد، والتأييد الجماعي الذي تلعب به الشخصية المؤثرة دوراً أساسياً. وتآلف الرأي في الجماعات التحتية: العائلة، الأقارب، الأصدقاء، العمل .. الخ؛ والأدوار المختلفة لتأثير وسائل الاتصال والإعلام فوسائل الإعلام تلعب دوراً تدعيمياً في تقوية الاتجاهات السابقة والقرارات التي تتخذ فعلاً. لأنه لوسائل الإعلام دوراً إخبارياً تضفي من خلاله الشرعية على القرارات المتخذة (إسناد). 2- سريان التأثير الشخصي: لأن قادة الرأي موجودين في كل الشرائح الاجتماعية. ويتمتعون: بالقيم الشخصية الذاتية؛ والقدرة والكفاءة والمعرفة والخبرة؛ والموقع الاجتماعي المتميز. 3- قادة الرأي ووسائل الإعلام الجماهيرية: وأن قادة الرأي يتعرضون لوسائل الإعلام الجماهيرية أكثر من أعضاء الجماعة. ويتراوح تأثرهم ما بين الوسائل الإعلامية الجماهيرية المحلية والقومية والعالمية. والخلاصة: أن قادة الرأي يتعرضون مثلهم مثل أفراد الجماعة الآخرين لآراء الغير، إضافة لتأثرهم بمضمون المادة الإعلامية التي تحملها لهم وسائل الإعلام الجماهيرية. ووسائل الإعلام الجماهيرية هي: وسائل لنقل المعلومات؛ ومصادر للضغوط الاجتماعية؛ ومصادر للتأييد الاجتماعي.
مضمون المادة الإعلامية: اهتم علم البلاغة بفن الخطابة وفن الإقناع منذ القدم، وعرف أفلاطون علم البلاغة بأنه علم (كسب العقول بالكلمات)، بينما عرفه أرسطو بأنه (القدرة على كشف جميع السبل الممكنة للإقناع في كل حالة على حدى) كما وأدرك كلاً من أفلاطون وأرسطو ارتباط فن الإقناع بعلم النفس (علم العقل) الذي كان يحبو خطواته الأولى في ذلك الزمان، وهو ما يفسر اهتمام أرسطو بفن الإقناع ومحاولته دراسة الطريقة التي يعمل بها العقل، معتمداً على علم العقل كما كان معروفاً آنذاك، محاولاً القيام بتحليل موضوعي لتلك الطريقة مبتعداً عن المعرقلات والاعتبارات الأخلاقية التي كانت سائدة آنذاك أيضاً. ولم يختلف علم البلاغة الحديث عن سواه، إلا بتوفر الحقائق العلمية التي كان يفتقر لها علم البلاغة القديم. بعد أن وفرتها له العلوم الحديثة ومكنته من معرفة السلوك الإنساني الذي اهتم به علم النفس الحديث. واستطاع الإعلاميون توظيفها في رسائلهم الإعلامية لإقناع الجمهور الإعلامي المستهدف بتأثير أكبر. وقد شهد الربع الثاني من القرن العشرين العديد من التجارب والأبحاث التي استهدفت تغيير الاتجاهات السيكولوجية، وقام بقدر كبير منها البروفيسور كارل هوفلاند وزملائه وتلامذته بجامعة بيل في الولايات المتحدة الأمريكية، وساعدت على بناء أسس نظرية حديثة للاتصال، وعلم بلاغة حديث يعتمد على أسس علمية واضحة. وحينما نتحدث عن الرسالة الإعلامية، فهذا يعني أننا نتحدث عن مضمونها. منطلقين من فرضية أنه على القائم بالاتصال أن يتخذ عدة قرارات هامة قبل تقديم مادة مقنعة. وعليه أن يحدد الأدلة التي سوف يستخدمها والأدلة التي سيصرف النظر عنها أو يستبعدها، والحجج التي سيعتمد عليها، أو يسهب في وصفها أو يأخذ باختصارها. وماهية الأساليب التي سوف يتبعها لاستمالة المستهدف من المادة الإعلامية. ومنه نفهم أن أية رسالة إعلامية يقصد منها الإقناع هي نتاج عدة قرارات مسبقة يتخذها القائم بالاتصال للوصول إلى الغرض المطلوب، وتتعلق ليس بالشكل وحده بل وبالمضمون والأسلوب، وتمليها كلها خصائص الجمهور الإعلامي ومهارات القائم بالاتصال. والهدف من تقديم مضمون المادة الإعلامية بالأساس هو جعل المتلقي يقبل الآراء التي تقدم له، أو أن يعدل من معتقداته واتجاهاته، منطلقين من فرضية أن بعض العوامل المتصلة بالدوافع الشخصية سوف تلعب دوراً بارزاً في هذه العملية. لأن التجارب الفردية تجعل من المستهدف يفضل الأشياء التي تشبع احتياجاته، ويبتعد عن الأشياء التي لا تشبع تلك الاحتياجات. مطوراً معتقداته السياسية والاجتماعية والأخلاقية مكتسباً الجديد منها، من خلال الاتصال الشخصي والاتصال الجماهيري الذي يحدث من خلال وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. وبالرغم من أن علماء السياسة والاجتماع وعلم النفس أكدوا وباستمرار على أهمية الدوافع في تكوين الرأي العام، وعلاقتها بالتغيير الاجتماعي، إلا أنه ليس هناك سوى قدر قليل من المعلومات الدقيقة عن الظروف التي يتم في إطارها تسهيل العوامل ذات الصلة بدوافع تغيير الرأي. ولا يتوفر سوى قدر ضئيل جداً من الدراسات التجريبية التي تتناول تأثير مضمون الرسالة الإعلامية بمختلف صورها على الدوافع الفردية المختلفة.
الإستمالات العاطفية، والإستمالات المنطقية: ولا توجد قاعدة ثابتة تعمم على أساسها أي من الإستمالات أفضل، إذ تشير التجارب المختلفة إلى أن الإستمالات المنطقية أفضل في بعض الأحيان من الإستمالات العاطفية، رغم أن الإستمالات العاطفية قد تصلح في بعض الظروف أكثر من غيرها. وقد قارنت التجربة التي قام بها هارتمان بين نوعين من الإستمالات من خلال فاعليتهما في دفع الناخبين للإدلاء بأصواتهم لصالح الحزب الاشتراكي في انتخابات عام 1936. واستخدم في بعض المنشورات التي وزعها في إطار الحملة الانتخابية استمالة عاطفية قوية أكدت على أن الاشتراكية تساعد للتخلص من الحروب، والفاقة، والخوف، وأن لها تأثير إيجابي على مستقبل الوطن، والرفاهية، والدولة. بينما استخدم في منشور آخر استمالة منطقية تعتمد على حجج واضحة تؤيد الاشتراكية. وزعت كلها في مجموعة من الدوائر الانتخابية. وتم الاحتفاظ ببعض الدوائر كمجموعة ضابطة ولم توزع فيها أية منشورات على الإطلاق. وكانت النتيجة أن الدوائر التي وزعت فيها منشورات الاستمالة العاطفية قد أعطت زيادة قدرها 50% أكثر مقارنة بنتائج الانتخابات التي جرت قبلها، في حين بلغت الزيادة في الدوائر التي وزعت فيها منشورات الإستمالات المنطقية 35% فقط، وأظهرت المجموعة الضابطة التي لم توزع فيها أية منشورات زيادة بلغت 24% بالمقارنة مع الانتخابات السابقة. وهو الشيء نفسه الذي توصل إليه أيضاً مانيفي، وجرينبرغ، من دلائل تثبت أن الدعاية العاطفية تتفوق على الحجج المنطقية في أكثر الحالات. بينما فشلت الدراسات الأخرى في التوصل إلى مؤشرات قاطعة تثبت تفوق نوع معين من الإستمالات المستخدمة على غيرها من الأنواع. بينما أثبتت الدراسات التي أجراها الباحث كنور أن الأسلوبين يتمتعان بنفس الفاعلية والتأثير تقريباً، في الدراسة التي أجراها على الحظر الذي كان مفروضاً آنذاك على الخمور في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن الجوانب الهامة في هذا المجال أيضاً المقارنة بين الإستمالات الإيجابية والإستمالات السلبية، لأن الاستجابة الإيجابية أصلاً معدة للوصول إلى نتيجة معينة مرغوبة أصلاً، بينما أن الاستجابة السلبية معدة لتجنب نتيجة غير سارة.
إستمالات التخويف: من بين الأنواع المختلفة للرسائل الإعلامية التي يحتمل أن يكون لها تأثير على دوافع الجمهور، تلك الرسائل الإعلامية التي تدعو بشكل محدد أو بشكل ضمني إلى قبول توصيات القائم بالاتصال لأنها سوف تجنب الفرد عدم القبول اجتماعياً أو أن يتجنب خطراً محدداً، أو حرماناً من نوع محدد. وهو ما يطلق عليه اصطلاح "استمالة التهديد" للإشارة إلى مضمون الرسالة الإعلامية التي تتناول النتائج غير المرغوب بها التي قد تحدث فيما لو امتنع متلقي الرسالة الإعلامية عن قبول توصيات القائم بالاتصال، من خلال إثارة التوتر العاطفي لدى المتلقي وجعله أكثر عرضة للتعرض لاستجابة مضمون الرسالة الإعلامية وتبنيه وفقاً لذلك مضمون الرسالة. وكثيراً ما تلجأ وسائل الإعلام الجماهيرية إلى هذا الأسلوب لإثارة المخاوف لدى الجمهور الإعلامي من أخطار الحرب لتبرير الزيادة في النفقات العسكرية المرصودة في موازنة الدولة، أو إثارة المخاوف من الأمراض الخبيثة كي تحث الجمهور الإعلامي على مراجعة الأطباء في الوقت الملائم. فما هي العوامل الأساسية التي تحدد نجاح أو فشل استعمال إستمالات التخويف للوصول إلى الهدف المحدد لمضمون الرسالة الإعلامية؟ هناك قدر كبير من الأدلة التجريبية التي تؤيد الافتراض القائل بأن أية عاطفة قوية قد تسبب اضطرابات كالخوف، أو الإحساس بالإثم (عقدة الذنب) أو الخجل أو الغضب أو الاشمئزاز.... الخ، وكلها تتمتع بخصائص الحافز الوظيفي للفرد. ولكن ماذا يحدث عندما يتعرض الفرد لمضمون رسالة إعلامية تسبب لديه ردود فعل عاطفية لا تبعث السرور لديه ؟ في هذا الظرف هناك مبررات تدفع الفرد بشدة لتجربة الاستجابات الرمزية والعلنية المختلفة حتى يقلل من وقع هذه الحالة العاطفية المرهقة. وتحدد الاستجابات المختلفة التي يجربها الفرد أساساً خبرات التعلم السابقة التي نجحت في تخليص الفرد من الحالات العاطفية المماثلة. أي استجابات تقلل من شدة الحالة العاطفية، أو تريح الفرد ويتم تدعيمها. وبهذا تصبح استجابات اعتيادية. ولهذا يفترض أن الاستمالة التي تنطوي على تهديد يحتمل أن تجعل المتلقي يقبل بنتائج القائم بالاتصال إذا كان: - التوتر العاطفي الذي أثير خلال الاتصال شديد بحيث يشكل حافزاً، - وإذا تضمنت الرسالة تأكيدات تخلق توقعات عند الفرد بأنه في الإمكان تجنب الأضرار وبالتالي تقلل التوتر العاطفي. ومن الأساليب الأساسية لإثارة الاطمئنان أن يتخيل الفرد نفسه مشتركاً في نوع من أنواع النشاط يجنبه الأخطار الناجمة عن التهديد، وبهذا يتخلص من التوتر. وكثيراً ما تسبب الرسائل التي تنطوي على تخويف تأثيرات غير مرغوبة أو عكسية. فهناك من الدلائل التي تشير إلى أنه حينما يثير القائم بالاتصال الغضب برسائل هجومية، يشعر المتلقي بالكراهية ليس نحو القائم بالاتصال فقط،، بل أيضاً نحو الجماعات والمشروعات والأهداف المقترنة به.
العوامل المؤثرة على إثارة التوتر العاطفي: مضمون الاستمالة التي تنطوي على تهديد يجب أن يكون له معنى عند المتلقي وإلا فإنه لن يستجيب له. وإذا لم يجرب الفرد أبدأً التهديد أو يسمع عنه فالتوقعات الناتجة عنه لن تثير توتراً عاطفياً. ويضاف لمضمون الاستمالة العوامل المتصلة: - بالمصدر ومدى ثقة المتلقي بقدرات القائم بالاتصال؛ - ومدى تعرض المتلقي لرسائل سابقة، سبق وناقشت وتنبأت بمضمون نفس الموضوع. لأن الافتراض الأساسي أن يثار الخوف والمشاعر غير السارة بشدة، لدفع الفرد لتجنب حالة عاطفية مؤلمة، أو تجنبها، كأن "يتخيل الفرد نفسه مثلاً يقوم بعمل دفاعي ناجح أو يصرف انتباهه بأحلام اليقظة السارة". والأفراد يتأثرون بالخوف بطرق عاطفية متعددة منها: زيادة يقظتهم واهتمامهم بالمعلومات عن الخطر، والتفكير بالتصرف المطلوب لمواجهة كل الاحتمالات؛ والبحث عن تأكيدات تبعث الطمأنينة وتخفف التوتر العاطفي؛ وزيادة احتمالات تكوين اتجاهات جديدة تعتبر حلاً وسطاً بين الحذر والميول الباعثة للطمأنينة. ويجب أن نأخذ في الاعتبار نوع استجابة الجمهور المستهدف لتحقيق أقصى قدر ممكن من الفاعلية وإثارة درجة عالية من التوتر العاطفي، والتي تعتمد على: درجة الخوف التي يستطيع الفرد تحملها؛ وما إذا كان سيطبق التهديد على نفسه؛ وقبوله للبدائل؛ وخصائص شخصيته. وباختصار يجب أن نوازن بين استخدام استمالات التخويف القوية، وخطة محددة للعمل أو السلوك ذات فاعلية واضحة. ولا يجب أن يكون التهديد معتدلاً بحيث يجعل المتلقين يتهاونون، أو مبالغاً فيه بحيث يبدو مضحكاً.
مضمون الرسالة وأسلوب تقديمها: أولاً: الوضوح والضمنية: تشير الأبحاث العلمية إلى أن الإقناع يصبح أكثر فاعلية إذا حاولت الرسالة الإعلامية أن تذكر النتائج أو الأهداف بوضوح، بدلاً من أن تترك للجمهور عبء استخلاص النتائج. ووجد الباحثان هوفلاند، وماندل، أن نسبة الأفراد الذين عدلوا اتجاهاتهم تمشياً مع مضمون الرسالة الإعلامية بلغت الضعف عند ذكر النتائج بشكل محدد، مقارنة بالرسالة الإعلامية التي تركت نتائجها ليستخلصها الجمهور الإعلامي بنفسه. وقد عرض الباحثان ماندل، وهوفلاند، على عينة من الطلبة تسجيلات لبرنامجين مستمدين من برنامج إذاعي يساند إعادة تقييم العملة، متماثلين تماماً باستثناء أن أحدهما ذكر نتائجه بوضوح وتحديد، بينما ترك الآخر نتائجه ضمنية ليستنتجها المستمع. وكانت نسبة التغيير بين أفراد المجموعة التي استمعت للبرنامج الذي ذكرت أهدافه بوضوح 47,9% في حين بلغت نسبة التغيير 19,3% فقط بين أفراد المجموعة الثانية التي استمعت إلى البرنامج الذي لم توضح أهدافه، وتركها ضمنية ليستنتجها المستمع. وهو ما أكده أيضاً كاتز، ولزرزفيلد عندما أكدا "أنه كلما كان الاقتراح الذي يقدمه القائم بالاتصال محدداً، كلما ازداد احتمال إتباع النصيحة المقدمة. وهنا يجب أن نعير اهتمامنا لاعتبارات أخرى إضافة للوضوح والضمنية في تحديد الأهداف، على سبيل المثال: مستوى الذكاء والتعليم عند المتلقي؛ ودرجة صلة الموضوع بالعينات أو أهمية الموضوع؛ ونوعية القائم بالاتصال. ثانياً: تقديم الرسالة الإعلامية لأدلة وشواهد: لتدعيم تأثيرها، مستمدة من معلومات واقعية أو آراء تنسب لمصادر أخرى غير القائم بالاتصال. ثالثاً: عرض جانب واحد من جوانب الموضوع أو عرض الجانبين المؤيد والمعارض في نفس المادة الإعلامية. وهو ما أكده هوفلاند، ولمزدين، وشيفلد، في كتابهم "تجارب على الاتصال الجماهيري" الذي تتضمن نتائج سلسلة أبحاث أجراها قسم المعلومات والتعليم في وزارة الدفاع الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية. عندما أيدوا أن تقديم الحجج المؤيدة والمعارضة هو أكثر فاعلية وأقدر على تغيير وتحويل الفرد المتعلم، خاصة عندما يكون الجمهور الإعلامي متردداً، ويكون تقديم الرأي والرأي الآخر أكثر فاعلية وتأثيراً بكثير من تقديم رأيٍ أحادي الجانب من الموضوع المطروح. بينما يختلف الوضع بالنسبة للأفراد الأقل تعليماً ويبلغ التأثير فاعلية ملحوظة عندما يتم طرح جانب واحد من جوانب الموضوع، وهذا ينطبق أيضاً على الأفراد الذين يؤيدون أصلاً وجهة النظر المعروضة في الرسالة الإعلامية، وتأثيرها هنا لا يتعدى كونه مدعماً ومعززاً للمواقف الجاهزة لديه. بينما توصل بتنجهاوس، وبيسهارت، إلى نتائج تؤكد أن تقديم الرأي والرأي الآخر في المادة الإعلامية هو أكثر فاعلية في تغيير اتجاهات الشرائح الاجتماعية الحاصلة على تعليم عالي. كما وظهر أن تقديم الرأي والرأي الآخر في حياد واضح، وإن كان هذا الحياد وهمياً، قد يحدث تأثيراً سلبياً في الحالات التالية: إذا ساور المتلقي أدنى شك بحياد المصدر؛ وإذا كان الحياد متوازناً مما يؤدي إلى ضياع التأثير المطلوب. لأن هذه الحجج تلغي بعضها بعضاً. وظهر هذا في البحث الذي أجراه شانك، وجولدمان، عندما استخدما حججاً تؤيد وتعارض الخدمة المدنية، وفي البحث الذي أجراه تستلويت، وكمنتزي، على عينة من 750 طالباً في معاهد الطيران في الولايات المتحدة الأمريكية، و400 طالب من طلبة المدارس العليا يؤيدون أصلاً اشتراك الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الكورية. والمادة الإعلامية التي تعرض الرأي والرأي الآخر أكثر قدرة على تحصين الجمهور الإعلامي من الدعاية المضادة، من المادة الإعلامية التي تعرض وجهة نظر واحدة من الموضوع. وهو ما توصل إليه لمزدين، وجانيس، في البحث الذي أجرياه عام 1954 على مجموعة من الطلبة الجامعيين، وجرى تعريض مجموعتين منهم لنصين من برنامج إذاعي واحد، تضمن أحدهما رأياً واحداً من الحقيقة، وتضمن النص الآخر الرأي والرأي الآخر، ونجحت الطريقتان في إحداث تغييرات في الاتجاه المطلوب. ومن ثم تم تعريض الجميع لمادة إعلامية تعرب عن وجهة النظر المعارضة فقط، فكانت النتيجة أن هبطت نسبة التأييد إلى 2% في المجموعة التي تعرضت لمادة إعلامية تعرض الرأي المؤيد فقط. بينما استمرت نسبة التغيير السابقة في المجموعة التي تعرضت للمادة الإعلامية التي عرضت الرأي والرأي الآخر، وهو ما يدعم وجهة النظر حول تحصين الجمهور الإعلامي ضد الدعاية المضادة. وقد لخص هوفلاند، وجانيس، وكيلي، في البحث الذي أجروه عام 1953 فوائد المواد الإعلامية التي تعرض رأياً واحدا من الموضوع، والمواد الإعلامية التي تعرض الرأي والرأي الآخر، بالتالي: عرض الرأي والرأي الآخر أكثر فاعلية على المدى الطويل من عرض جانب واحد في الأحوال التالية: عندما يتعرض الجمهور الإعلامي بغض النظر عن الرأي الأصلي لهذا الجمهور للدعاية المضادة بعد تعرضه للمادة الإعلامية التي تضمنت الرأي والرأي الآخر. وعندما لا يتفق رأي الجمهور الإعلامي أصلاً مع وجهة نظر القائم بالاتصال، بغض النظر عن تعرضه للدعاية المضادة بعد ذلك؛ وتقديم الرأي والرأي الآخر بأقل فاعلية من تقديم رأي واحد، إذا كان الجمهور الإعلامي يتفق أصلاً مع موقف القائم بالاتصال ولا يتعرض بعد ذلك للدعاية المضادة. رابعاً: ترتيب الحجج الإعلامية: في الرسالة الإعلامية التي تؤيد وجهة نظر معينة يتطلب من القائم بالاتصال أن يقرر ما إذا كان القائم بالاتصال سيقدم حججه الأساسية في بداية النص أم أنه سيحتفظ بها لنهاية النص، أما في الرسائل الإعلامية التي تعرض الرأي والرأي الآخر فالقائم بالاتصال يجد نفسه أمام مشكلة أي من الرأيين يقدم أولاً. فحينما نقدم جانباً واحداً للموضوع، إما أن نؤجل أقوى الحجج إلى نهاية الرسالة الإعلامية وهو ما يسمى بالذروة، أو تقدم الحجج الرئيسية في البداية تليها الحجج الأضعف، بترتيب عكس ترتيب الذروة. وتتوقف فاعلية الرسالة الإعلامية في تغيير الاتجاهات على مقدرة الجمهور الإعلامي على فهم وتذكر مضمون الرسالة الإعلامية، وهو ما يرتبط بدوافع التعلم لدى الفرد، في ظروف الاتصال الجماهيري. إذ يؤدي غياب اهتمام المتلقي بالرسالة الإعلامية إلى عدم تعرضه لها، والذي يفسره بإغلاقه لجهاز الاستقبال الإذاعي المسموع أو المرئي أو تحوله لقنال أو برنامج آخر، أو انصرافه عن مطالعة المادة المطبوعة. فعندما لا يهتم المتلقي بما يقال فمن الأفضل البدء بالحجج القوية والأكثر إثارة للاهتمام، لإثارة انتباهه. أما عندما يكون المتلقي مهتماً فالأفضل تأجيل الحجج القوية إلى نهاية المادة الإعلامية وفق ترتيب الذروة لتهيئته للحجج الأقوى. ومعنى ذلك أن ترتيب الحجج يخضع لتقييم الجمهور الإعلامي، وأنه لا توجد قاعدة ثابتة لترتيب الحجج في عملية الإقناع. خامساً: استخدام الاتجاهات أو الاحتياجات الموجودة: وهي ربط المادة الإعلامية بالاتجاهات القائمة لدى الجمهور الإعلامي. والسعي لإعادة تشكيل القيم السائدة، وليس استخدام تلك القيم، وهو ما يجعل من العملية الإعلامية أكثر صعوبة. ولكنها تجعل الجمهور الإعلامي يشعر بالراحة وبإمكانية إشباع احتياجاته القائمة. سادساً: تأثير رأي الأغلبية: حيث أثبتت التجارب أن الجمهور الإعلامي يميل ببساطة لتلك الآراء التي تتفق ورأي الأغلبية أو الرأي الشائع. سابعاً: التكرار بتنويع وتأثير تراكم التعرض للمادة الإعلامية، وخاصة التكرار على فترات مدروسة ومتنوعة، مما يزيد من فاعلية المادة الإعلامية، وتذكر الجمهور الإعلامي بالهدف المقصود، وتثير رغباته واحتياجاته في الاتجاه المطلوب. وهو ما أيدته بحوث روز، وعالم النفس ثورندايك، وجوزيف جوبلز، وبارتليت، وفيري مرتون، وكيت سميث، ولزرزفيلد، وأنيس، وماير.
المصدر الإعلامي: قد يكون المصدر الإعلامي فرداً ينقل أو مؤسسة إعلامية تنقل رسالة ما بقصد أو بغير قصد، لفرد واحد أو مجموعة أفراد. والمصدر الإعلامي قد يكون محاضراَ أو خطيباً أو شخصية سياسية أو اجتماعية، أو معلقاً في إذاعة مسموعة أو مرئية، أو مدونة إلكترونية... الخ. ومن الصعب تحديد مدى تأثير المصدر على المادة الإعلامية وتأثير المادة الإعلامية على المتلقي، إلا أننا نستطيع تحديد السمات الواضحة لناقل المادة الإعلامية، من خلال استجابة الجمهور الإعلامي لها، ومدى إيمانهم بصدق هذا المصدر أو ذاك. وأفضل طريقة لتحديد مدى تأثير المتغيرات المتعلقة بالمصدر، هي دراسة المتلقي. ومنذ أيام أرسطو استخدم مصطلح الأخلاقيات للتعبير عن عنصر التصديق لدى الجمهور، وتطور هذا المصطلح مع الأيام وأصبح اليوم يستخدم تعبيرات كثيرة منها: تصور، مكانة، إعجاب، للتعبير عن تصديق المصدر. لأن عنصر التصديق هو صلب عملية الاتصال، وهو الذي يحدد أهمية ومكانة القائم بالاتصال، وتأثيره على الحدث الاتصالي بشكل عام. وعنصر التصديق يتضمن كل المتغيرات التي تحيط بالمصدر الإعلامي، التي يدركها المتلقي والتي تؤثر على استجابته لعملية الاتصال. عناصر تصديق المصدر: حاول عدد من العلماء تحديد الخصائص التي تجعل المتلقي يصدق المصدر الإعلامي. منهم أرسطو الذي وصفها بأنها: القدرة على التمييز الحسن والأخلاق الطيبة. وأن حسن نية المصدر تجعل المتلقين يستجيبون بشكل إيجابي للرسالة الإعلامية نفسها. وأضاف هوفلاند، وجانيس إلى تلك الخصائص وهي: الخبرة، والكفاءة، ومدى الثقة بالمصدر الإعلامي. والمتلقي يدرك الخبرة والكفاءة اللتان يتمتع بهما المصدر الإعلامي من الطريقة التي تقدم بها المادة الإعلامية، ومدى معرفة المصدر الإعلامي لموضوع مادة عملية الاتصال. أما الثقة بالمصدر الإعلامي فتأتي من خلال إدراك نوايا القائم بالاتصال، وهدفه من عملية الاتصال، والحجج والعبارات التي يستخدمها للوصول لهدفه. بينما حدد كلاً من برلو، ومرتز، ولمبرت، ثلاثة عوامل اعتبروها من خصائص صدق المصدر الإعلامي، وهي: الإحساس بالأمان والطمأنينة للمصدر الإعلامي. وهو عامل الأمان والطمأنينة الذي يدخله المتحدث إلى نفوس متلقي المادة الإعلامية. والنابع من إحساس الجمهور الإعلامي بعدل وأمانة وطيبة ونزاهة المصدر الإعلامي؛ ومؤهلات المصدر الإعلامي. وهي المؤهلات والكفاءة، النابعة من خبرة المصدر الإعلامي ومهارته في تناول الموضوع وقدرته على عرضه أمام الجمهور الإعلامي؛ وديناميكية المصدر الإعلامي. وهي الحالة التي يبدي فيها القائم بالاتصال طاقة وجرأة ونشاط وحيوية، أو خجل أو خمول أو كسل أو تعب أو إرهاق، أو عدوانية وغطرسة وتكبر. وكلها عوامل هامة تنعكس سلباً أو إيجاباً على المصدر الإعلامي وتؤدي إلى تصديقه أو الانصراف عنه. وهي التي تحدد العلاقة بين المتلقي والمصدر الإعلامي. والتصديق يمر عبر عدة مراحل من خلال متغيرات تنبع من ظروف الموقف الاتصالي، وهي: التصديق المبدئي الذي يشعر به المتلقي قبل أن يبدأ القائم بالاتصال في تقديم الرسالة الإعلامية. وتتعلق بالتجارب الشخصية للقائم بالاتصال، ومظهره الخارجي؛ والتصديق النابع من الظرف الاتصالي، وهي التي تتكون أثناء عملية الاتصال؛ والتصديق بعد انتهاء عملية الاتصال، أي بعد أن يكون المتلقي قد كون صورة شاملة عن القائم بعملية الاتصال. وهو التصديق النهائي. ولتصديق المصدر الإعلامي أهمية وتأثير كبيرين، قام على دراستها خلال نصف قرن من الزمن العديد من الباحثين، نذكر منهم: هيمن، وكلمان، وهوفلاند، وماندل، وأثبتت كلها أن تقسيم تصديق المصدر الإعلامي إلى ثلاثة مراحل تعتبر طريقة مثلى لفهم تأثير صدق المصدر من خلال العملية الاتصالية. فالتصديق المسبق للقائم بالاتصال يؤثر على استعداد المتلقي لتلقي المادة الإعلامية. فإذا كانت استجابة المتلقي المبدئية فيها تأييد للمصدر الإعلامي، فقد يتلقى المادة الإعلامية على الأقل. ولكن إذا كانت استجابته الأولى سلبية، فقد يعزف عن تلقيها. وإذا كان المتلقي غير مهتم بالمادة الإعلامية، فسيعجز المصدر الإعلامي عن إقناعه بالمشاركة في عملية الاتصال وبالتالي عن تحقيق أي تأثير عليه. والمتلقي يحدد بنفسه المشاركة أو عدم المشاركة في عملية الاتصال. ويأتي قراره بالمشاركة أو عدم المشاركة على أساس إدراكه لمواقف القائم بالاتصال، وللمادة الإعلامية ومدي صدق المصدر الإعلامي، وجدارة القائم بالاتصال بالثقة ومدى الخبرة والديناميكية لديه. وبقدر القناعة المتولدة بالمصدر الإعلامي والقائم بالاتصال والمادة الإعلامية بقدر ما يكون التأثير أكبر أو أقل حسب الظروف. ومع مرور الزمن يضعف تأثير المصدر الإعلامي والقائم بالاتصال والمادة الإعلامية لسبب بسيط هو أن الناس بحكم طبيعتهم ميالون مع مرور الوقت إلى عدم ربط المضمون الإعلامي بالمصدر الإعلامي، وهو ما يطلق عليه "التأثير القائم" أو "التأثير النائم".
الفصل الخامس: تطور الأبحاث الإعلامية واتجاهاتها الحديثة. ازدادت أهمية المعلوماتية وتقنياتها في العصر الحديث بشكل كبير، بفضل تطور وسائل الاتصال وتقنياتها الحديثة. فالمعلومات أصبحت تحيط بنا في كل مكان ومن كل اتجاه حتى أصبحت طبقة تحيط بالكرة الأرضية كالغشاء الهوائي الذي يوفر لنا الحياة، طبقة تعود الإنسان عليها حتى كاد ينساها أو يجهل وجودها، عدا قلة من الناس الذين يتعاملون معها ويدركون مدى فاعليتها وتأثيرها. وقد أطلق خبير الاتصال بيير تايلهارد على هذه الطبقة المعلوماتية التي تحيط بالكرة الأرضية اسم الـ"نوسفير"، ويستفيد الإنسان المعاصر من هذه الطبقة متلقياً سيلاَ من المعلومات تتضمن حقائق وآراء مختلفة يستخدمها في مواقف اتصالية يدخل فيها مع آخرين كمتحدث ومستمع، ولكنه لا يؤثر في عملية الاتصال كغيره من الفئات الاجتماعية الأكثر تأثيراً في عملية الاتصال كالمفكرين والصحفيين والكتاب والسياسيين ورجال الدين والأساتذة والمعلنين الذين يعطون من خلال وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية أفكاراً ومعلومات معينة في مواقف اتصالية أكثر مما يأخذون من معلومات، بحكم أدوارهم الاجتماعية التي تسمح لهم بالتأثير وتوجيه تفكير غيرهم من الناس. وأصبح الاتصال اليوم حقيقة طاغية في حياتنا اليومية المعاصرة، وأصبح الناس أداة فاعلة في عملية الاتصال المستمرة على مدار الساعة مرسلين ومستقبلين على حد سواء بفضل تقنيات الاتصال الحديثة التي حولت العالم بأسره من خلال عمليات الاتصال المباشرة والمعقدة إلى ما يشبه قرية الأمس، قرية كونية لم تعد تعترف لا بالحدود الجغرافية ولا بالحدود السياسية لمختلف الدول في العالم. وفرض تطور تقنيات الاتصال الحديثة على الإنسان المعاصر تعلم مهارات جديدة لم يكن بحاجة لتعلمها قبل عدة عقود فقط، وأصبحت ضرورية له لمواكبة العصر واستخدام وسائل الاتصال الحديثة المعقدة حتى في اتصالاته الشخصية عبر شبكات الحاسبات الإلكترونية (الكمبيوتر) التي جعلت من عملية الاتصال سريعة وفورية وسهلة بالاتجاهين. ومع تزايد أهمية الاتصال في حياتنا اليومية المعاصرة، ازدادت أهمية أبحاث الاتصال. فما هي أبحاث الاتصال ؟
أبحاث الاتصال: يميل بعض علماء الاجتماع إلى التفريق بين الأبحاث الصحفية، والأبحاث الإعلامية رغم امتداد الدراسات التي استهدفت الصحافة خلال القرن العشرين إلى سائر مجالات الإعلام وقنواته انطلاقاً من مفهوم وحدة الفنون الصحفية والإعلامية رغم تشعبها. ورغم اهتمام بعض المعاهد الصحفية في العالم بدراسة مجال واحد من المجالات الإعلامية، كدراسة الإذاعتين المسموعة والمرئية، أو الصحافة المطبوعة، أو الاتصال الشخصي كل على حدى. إلا أننا نعتبر أن مثل هذه الدراسات الناقصة لا تلبي حاجة البحث العلمي في مجال الإعلام والاتصال بشكله الملائم والمطلوب في القرن الواحد العشرين، في زمن تشعبت فيه قنوات الاتصال والمعلوماتية وتداخلت من خلال شبكات الاتصال الحديثة سمة الحقبة الأخيرة من القرن العشرين. فالأسلوب العلمي الصحيح اليوم يربط بين أساليب الاتصال وتقنياته الحديثة كوحدة واحدة تتلاقى فيها قنوات الاتصال والإعلام أصولاً وفروعاً. رغم التقسيم الذي سار عليه بعض الباحثين حينما فرقوا بين الأبحاث الصحفية، التي حاولوا حصرها بدراسة وسائل الإعلام أو الرسائل الإعلامية فقط، بينما حاول البعض الآخر حصر أبحاث الاتصال بعملية الاتصال فقط. لأنه من الصعب جداً دراسة وسائل الإعلام الجماهيرية دون الاهتمام بعمليات الاتصال والمواقف الاتصالية التي يتم من خلالها توجيه وتبادل المعلومات. فأي بحث يتناول الاتصال يجب أن يهتم بالجانبين معاً. فنحن لا نستطيع فهم ما تنشره وما تنقله أو تذيعه أو تبثه وسائل الإعلام الجماهيرية، دون أن ندرك عملية الاتصال، وكيف يؤثر مضمون وسائل الإعلام الجماهيرية على الأفراد والجماعات المختلفة. وحينما نحاول أن نعرِّف المادة الإعلامية نجد صعوبة بالغة في وضع حدود واضحة تحدد الأبحاث الإعلامية وتميزها عن غيرها من أبحاث العلوم الإنسانية. فأهداف واهتمامات أبحاث الاتصال واسعة جداً، لأنها لا تدرس وسائل الاتصال فقط، بل تتعداها لدراسة عمليات الاتصال. وهذا يحتم علينا الاهتمام بعلوم إنسانية أخرى منها: علم التربية، وعلم النفس الفردي، وعلم النفس الاجتماعي، والعلوم الاقتصادية، والعلوم الأنثروبولوجية، وعلم القانون، والعلوم الستسيولوجية، والعلوم السياسية... الخ، فالصحافة أو الإعلام يشارك العلوم الإنسانية مسؤولية الكشف عن مختلف أوجه المشاكل التي تتضمنها عملية الاتصال في مختلف مراحلها. ولقد أدرك علماء الاتصال منذ أواسط القرن العشرين، حقيقة أنه لا يمكن فهم الاتصال عن طريق وسائل الإعلام الجماهيرية بدون فهم عملية الاتصال المباشر بين شخص وآخر، وعملية الاتصال داخل الجماعات الصغيرة. فبدون إدراك وفهم عملية الاتصال الفردي، والاتصال داخل الجماعة الصغيرة، لا يمكن فهم عملية الاتصال الجماهيري عن طريق مؤسسات ووسائل الإعلام الجماهيرية، ولا نستطيع كذلك تقدير تأثير تلك المؤسسات والوسائل. ومن المسلم به أن فهم ودراسة وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية هو من مسؤولية المختصين في شؤون الإعلام أساساً، ولكننا لا نستطيع أن ننكر اشتراك علماء السياسة والاقتصاد والمجتمع في هذه المسؤولية بشكل أو بآخر. ولكن المسؤولية تبقى أساساً على عاتق المختصين في الإعلام والاتصال المسؤولين عن دراسة عمليات الاتصال الجماهيري، والتعرف على تنظيم مؤسسات الاتصال والإعلام الجماهيرية، وأساليب السيطرة الاجتماعية عليها، ومركز تلك المؤسسات في التنظيم الاجتماعي بشكل عام، ووظيفة تلك المؤسسات وجمهورها ومسؤوليتها، وطريقة اضطلاعها بتلك المسؤوليات، ودراسة طبيعة تأثير تلك المؤسسات. واكتشاف السبل لتحقيق فاعلية الإعلام والاتصال، واختيار أنجع الوسائل، والتعرف على طبيعة كل وسيلة منها. وطبيعة الجمهور المتلقي، ومشاكل نقل المعاني والرموز عبر وسائل الاتصال.
تطور أبحاث الإعلام والاتصال: يمر التطور التاريخي لأي علم من العلوم الحديثة، بمراحل تطور متشابهة تبدأ من المرحلة الفلسفية التي ينصب الاهتمام فيها على تحديد المسارات الأساسية، وتكوين مفاهيم كلية وافتراضات أساسية، وتحديد طرق وأساليب البحث العلمي، بشكل يمكن بواسطتها جمع المعلومات والحقائق عن العلم المقصود. وتنتهي هذه المرحلة عند التوصل إلى اتفاق عام على بعض المبادئ والافتراضات الأساسية وبعض طرق وأساليب البحث العلمي. وينتقل الاهتمام في المرحلة الثانية إلى تطبيق أساليب جديدة للبحث، مهمتها قياس صحة الافتراضات التي تم الاتفاق عليها في المرحلة الأولى الفلسفية، يرافقها تجميع حقائق مفصلة عن تلك الافتراضات. وتنتهي المراحل التجريبية بجمع جملة من الحقائق تستخدم في بناء نظرية علمية محددة، وهي المرحلة الثالثة التي تتابع فيها الأبحاث والتجارب وتؤدي إلى تطور البحث العلمي والوصول إلى نتائج جديدة ومقترحات تؤدي للوصول إلى نظريات علمية جديدة. وقد بدأت الأبحاث العلمية الإعلامية في أوروبا وانتقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال عشرينات القرن العشرين، وركزت الأبحاث الأولى فيها على دراسة وصفية لتاريخ الصحافة، والشخصيات الصحفية التي قامت بإصدار وتحرير صحف كل مرحلة من المراحل المدروسة، وركزت الأبحاث التي جرت خلال تلك المرحلة على مفاهيم فلسفية معينة كحرية الصحافة وحق الأفراد في نشر آرائهم بدون تدخل السلطات، ودور الصحافة في المجتمع وغيرها من الاهتمامات العلمية. وظهرت في المرحلة التالية دراسات علمية اعتمدت على نتائج الأبحاث التجريبية والميدانية الكمية وأعطت دراسات موضوعية بعيدة عن تحيز الباحث معتمدة على حقائق علمية ثابتة، واستخدمت أساليب القياس والتجربة للوصول إلى نتائج علمية مقنعة. وبالنتيجة توصل العلماء إلى تكوين نظرية علمية تم تطويرها خلال خمسينات وستينات القرن العشرين. وتوسع البحث العلمي بعد ذلك في مجال الاتصال ليشمل دراسات في الإعلام الدولي وطبيعة الإعلام في الدول الأخرى وخاصة تلك التي تختلف مع الولايات المتحدة الأمريكية إيديولوجياً، أو التي تدخل ضمن مجال اهتمامات سياستها الخارجية والمصالح الأمريكية في العالم بشكل عام. ورافق تطور الأبحاث العلمية في مجال الإعلام اهتمام علماء السياسة والاقتصاد والمجتمع وعلم النفس والأنثروبولوجيا بعلوم الاتصال، وساهموا في تطويرها وبناء نظريات ومفاهيم أساسية لعلم الاتصال مما أعطى الدراسات الإعلامية طابعاً متميزاً ساهم في اتساعها وشموليتها وإثرائها خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
تطور الدراسات العلمية الإعلامية واتجاهاتها: الاتجاه النظري الفلسفي للدراسات الإعلامية: استخدم اصطلاح أبحاث الاتصال الجماهيري في مطلع ثلاثينات القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية. ولكننا لا نستطيع اعتبار هذا التاريخ بداية للأبحاث العلمية في مجال علوم الاتصال والإعلام. لأن الاهتمام بفهم وتفسير عملية الاتصال بدأ قبل ذلك بكثير. فأرسطو (284-322 ق.م) مثلاً عرَّف في كتابه "فن البلاغة"، دراسة البلاغة (أي الاتصال بمفهوم اليوم) بأنه: " البحث عن جميع وسائل الإقناع المتوافرة "، وحدد عملية الاتصال بالمواقف التالية: متحدث؛ وحديث؛ ومستمع. في الوقت الذي كان فيه الاتصال الجماهيري يعتمد على فن الخطابة لتحقيق أغراض الاتصال السياسي في المدينة الإغريقية الصغيرة. ولم تخرج النماذج الاتصالية فيما بعد عن الإطار العام الذي وضعه وسار عليه أرسطو. أما بدايات الاهتمام بالأبحاث العلمية الإعلامية فتعود لأوائل القرن العشرين، التي بدأت كما سبق وأشرنا بالدراسات التاريخية والفلسفية والقانونية والأدبية. ورافق ذلك ظهور أولى الكتب عن الرأي العام، وكان أهمها كتاب جابريل تارد "الرأي العام" الذي صدر في عام 1910، وكتاب جراهام ولاس "الطبيعة البشرية في مجال السياسة" الذي صدر في عام 1909، ومن الكتب الهامة التي تناولت دور الجماعات المنظمة في عملية اتخاذ القرار كتاب بنتلي "عملية الحكم" الذي صدر في عام 1908، وتناول موضوع ما عرف فيما بعد بجماعات الضغط وعلاقتها بالرأي العام والسياسة. وشكلت الحرب العالمية الأولى نقطة البداية التي سمحت للدول الكبرى وخاصة بريطانيا باستخدام الإعلام كسلاح للتأثير على العقول عن طريق الدعاية المنظمة من خلال الإعلام الموجه، وازداد الاهتمام بعد ذلك تباعاً بدراسة الإعلام بشكل لم يسبق له نظير. ولفتت الحرب أنظار الباحثين إلى أبعاد جديدة للعمل الدعائي، وازداد الاهتمام بوسائل الاتصال وأساليب التأثير على الرأي العام واعتبرت الفترة الممتدة من عام 1920 وحتى عام 1930 نقطة التحول الهامة على طريق الدراسات العلمية الإعلامية، وبداية حقيقية لتطبيق مناهج البحث التجريبية الحديثة في مجال دراسة الإعلام ووسائله وأساليبه وتقنياته. وظهرت بعد الحرب العالمية الأولى عدة مؤلفات لباحثين أمثال: جورج كريل، وهارولد لازويلد، وج. برنشتورف، وجورج ديمرشيل، وهانز ثيم، وشونمان، وكميل ستيوارت، وادغار شترن، وولتر ليبمان. وفرضت الحاجة ضرورة استخدام طرق جديدة في البحث العلمي لمعرفة أفضل طرق جذب المعلنين، ولكن الدفعة القوية للبحث العلمي في مجال وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية بدأت مع اهتمام الحكومات بالدعاية خلال الحرب ودراسة الروح المعنوية للقوات المسلحة والمدنيين، وسيكولوجية القيادة ومشاكلها، والعلاقة بين الضباط والجنود وما رافقها من حاجة للأبحاث التجريبية. وكان هذا الاهتمام بمثابة الحافز الذي دفع الباحثين والخبراء والعلماء إلى تطوير بحوثهم العلمية لتشمل مجالات السياسة وعلم النفس، وقياس تأثير الرسائل الإعلامية، فظهرت أسماء جديدة من الباحثين العلميين كان لهم أبلغ الأثر في تطوير البحوث العلمية في مجال الاتصال والإعلام واستخدام أساليب حديثة في البحث كجون لونج، وبارنيز، وريس، وأبراهام ليسكي، وايفي لي، ورالف كيس، وغيرهم. كما وشهدت عشرينات القرن العشرين بداية تطبيق أساليب حديثة في البحث الميداني لدراسة سلوك المستهلكين، واهتمامات قراء الصحف والمجلات ومستمعي الراديو ورواد صالات السينما والرأي العام. وبدأت مجلة Literary Digest باستطلاعات الرأي العام في تلك الفترة بطريقة غير رسمية لمعرفة المرشح الذي سيصوت لصالحه الجمهور، وهو ما عرف آنذاك باسم "أصوات سترو" Straw Votes. وشهدت نفس الفترة تطور أساليب القياس وطرق إعداد استطلاعات الرأي العام والدراسات التجريبية، واخترعت بعض الآلات البسيطة لاستخراج النتائج وتلخيص كميات كبيرة من المعلومات بصورة أسرع من الطرق التقليدية المتبعة آنذاك، وهو ما ساعد على القيام بدراسات إحصائية كمية، رافقتها محاولات لقياس الآراء والاتجاهات، لعب فيها الباحثان لويس ثرستون في مجال علم النفس، وستيوارت رايس في مجال السياسة والإحصاء دوراً بارزاً. وفي نفس الوقت لفتت نجاحات الدعاية السوفييتية، والفاشية الإيطالية، والنازية الألمانية، أنظار الباحثين إلى استخدام الدعاية كسلاح من أسلحة السياسة الخارجية للدولة، وكوسيلة ناجحة للسيطرة على الجماهير في الداخل، والتقدم الهائل للإعلان التجاري في الولايات المتحدة الأمريكية. وهي الدروس التي استفاد منها أدولف هتلر في كتابه "كفاحي" الذي صدر الجزء الأول منه عام 1925، وصدر الجزء الثاني منه عام 1927، لتستخدم وسائل الاتصال ببراعة فائقة في الدعاية الألمانية النازية. وشهد عام 1925 صدور أول مجلة ربع سنوية متخصصة تعنى بتشجيع ونشر الأبحاث والدراسات الإعلامية في الولايات المتحدة الأمريكية حملت اسم "الصحافة الفصلية" Journalism Quarterly. ورافق حالة الكساد الاقتصادي التي سادت العالم في ثلاثينات القرن العشرين، وانتهت باندلاع الحرب العالمية الثانية المدمرة التي استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية فيها ولأول مرة في تاريخ الإنسانية القنبلة الذرية لتدمير مدن يابانية بأكملها وقتل سكانها الأبرياء، دخول الإذاعات الموجهة الدولية إلى جانبها كسلاح من الأسلحة الهامة في الحرب استعملتها بنجاح كبير الدول الكبرى آنذاك إيطاليا الفاشية، وألمانيا النازية، واليابان، والإتحاد السوفييتي، وبريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية. وبدأت الإذاعات الموجهة الدولية بالبث باللغات الأجنبية كاللغات: الإنكليزية، والفرنسية، والعربية، والإسبانية، والبرتغالية، وغيرها من لغات العالم. بهدف التأثير على شعوب الدول الأخرى وكسب الرأي العام العالمي لصالح قضاياها ومصالحها في العالم وهو ما ساعد على تطوير أساليب تحليل المضمون الإعلامي بمختلف الطرق والوسائل كمياً وموضوعياً. وكان من العوامل الهامة التي ساعدت على تطوير البحوث العلمية الإعلامية والاتصالية آنذاك: - ازدياد اهتمام الهيئات الحكومية بالدعاية الأيديولوجية، وتشجيعها على تطوير مناهج البحث وتطبيقها على نطاق واسع لقياس تأثير المادة الإعلامية. وتشجيع دراسات التسويق والإعلان على نطاق واسع. - قلق المجتمعات الديمقراطية من السيطرة السياسية على وسائل الإعلام الجماهيرية في الإتحاد السوفييتي، وألمانيا النازية، وإيطاليا الفاشية، واستخدام هذه الدول لها لدعم نفوذها السياسي في الداخل والخارج، الوضع الذي استغله بعض علماء الاجتماع لتضخيم قدرات وسائل الإعلام الجماهيرية في التأثير على العقول والسيطرة عليها. - وأدى تركز ملكية وسائل الإعلام الجماهيرية المقروءة والمسموعة والمرئية، في أيدي قلة من المالكين في الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، لاختفاء المنافسة في السوق الإعلامية للمجتمعات الغربية. ورافقها قلق واضح من احتكار وسيطرة أقلية من المالكين لوسائل التوجيه والإعلام الجماهيري مما أبرز الحاجة لدراسة ظاهرة الاحتكار الإعلامي. - ومع اشتداد المنافسة بين وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية المقروءة والمسموعة والمرئية للحصول على أكبر قدر من الدخل والتمويل عن طريق جذب الإعلانات والدعاية إليها، زادت الحاجة لدراسات قياس تأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية كل على حدى، ومقارنة تلك الوسائل بعضها ببعض من حيث الانتشار والتأثير الفعلي. ورافقها خلال خمسينات القرن العشرين التركيز على دراسة تأثير الإذاعة المرئية على الأطفال، وتأثير برامج العنف والجريمة على انحراف الأحداث، ودور الإذاعة المرئية في التعليم. - وأدى الاهتمام بدراسة التأثير السياسي لوسائل الإعلام الجماهيرية، وخاصة أثناء الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى دفع مركز الدراسات الاجتماعية والتطبيقية بجامعة كولومبيا، ومؤسسات البحث العلمي في جامعات ييل، وستانفورد، وآلينوي، للقيام بدراسات لاكتشاف الحقائق عن الدور الذي يلعبه الاتصال الشخصي في المجتمعات المتقدمة، ودور الجماعة في التأثير على أعضائها، وتأثير الإشاعة، وخصائص وسائل الإعلام الجماهيرية المختلفة. والعمل على تطوير تلك الأبحاث. ومن الأساليب الشهيرة التي اتبعت خلال ثلاثينات القرن العشرين، كان أسلوب جورج جالوب في قياس اهتمامات قراء الصحف، والذي عرف باسم "أسلوب التعرف" واستخدمته مؤسسة أبحاث الإعلان في دراساتها المستمرة لقراء الصحف في الفترة من عام 1939 وحتى عام 1953 وشملت عينات من قراء 130 صحيفة يومية من جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، لخصت نتائجها في 138 تقريراً. وقد شملت "الدراسة المستمرة" تطور الإعلانات في الصحف، وأسلوب تحرير الصحف بشكل عام، وجمعت معلومات كبيرة عن قراء الصحف، والمواد الأكثر قراءة في الصحف وأدى تكرار هذه الدراسات إلى تراكم المادة العلمية وتطوير أساليب البحث المتبعة. وطور كلاً من: سوانسون، وجونز، وبلدو، أساليب علمية لقياس اهتمامات قراء الصحف، وابتكروا طرقاً سهلة لتسجيل وتفريغ البيانات. - وبدأ في النصف الثاني من القرن العشرين خطوات تعاون بين مؤسسات التعليم العالي وهيئات البحث العلمي في مجال الدراسات الإعلامية، ومن أبرزها كان البحث الذي موله معهد الصحافة الدولي في زيورخ IPI دراسة طبيعة الأخبار الدولية في عينة من صحف الولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا الاتحادية، وبريطانيا، وفرنسا، وهولندا، وبلجيكا، وسويسرا، والسويد، والهند. ونشرت نتائجه تحت عنوان "تدفق الأخبار" عام 1953. وأدى تراكم البحوث الإعلامية إلى ظهور أكثر من خمسين وصفاً لعملية الاتصال الجماهيرية، وإلى وضع نماذج كثيرة تشرح عملية الاتصال الجماهيري، منها النموذج الرياضي لكلود شانون عام 1948، ونظرية الاتصال الرياضية لشانون، وويفر. وتجنبت الأبحاث دراسة الدور الاجتماعي لوسائل الإعلام الجماهيرية، رغم أن الدور الاجتماعي لوسائل الإعلام الجماهيرية هو الأساس لمعرفة دور وسائل الإعلام الجماهيرية في إقناع الجماهير في أي مجتمع من المجتمعات. ورغم استخدام أساليب التحليل الوظيفي في دراسة طبيعة ودور الاتصال الجماهيري على الفرد والمجتمع في الإتحاد السوفييتي السابق.
الاتجاه السياسي للدراسات الإعلامية: يعتبر عالم السياسة الأمريكي هارولد لازويل، الذي تدرب ومارس التدريس في جامعة شيكاغو، وعمل لسنوات طويلة في جامعة ييل، ممثلا للاتجاه السياسي الذي اهتم باستخدام تحليل المضمون الإعلامي كأسلوب من أساليب القياس في الدراسات الإعلامية. وقد درس لازويل الدعاية الأيديولوجية ودور وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في المجتمعات والدول، والنفوذ السياسي للقائمين بالاتصال، وتحليل المضمون على أسس علمية. ومن الموضوعات التي اهتم لازويل بدراستها: وظيفة الاتصال في المجتمع؛ وعلاقة الاتصال بالحكومات؛ والسلطة ممارستها وتوزيعها؛ وعوامل الإشراف والسيطرة على وسائل الإعلام الجماهيرية؛ واستخدام الحكومات لوسائل الاتصال كأداة سياسية؛ ومقارنة نظم الاتصال بين الثقافات والدول المختلفة؛ واقتصاديات وسائل الاتصال؛ وطبيعة عمل القائمين على عملية الاتصال؛ ومضمون وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. ومن بين الذين درسوا عملية التحضير للاتصال السياسي دانيل لون، ولوشيان باي. ودرس كلاً من أثيل دوسولا بول، وكارل دويتش، أنظمة الاتصال في الدول النامية من خلال دراستهم للإعلام الدولي. الاتجاه السيكولوجي الاجتماعي للدراسات الإعلامية: يعتبر علم النفس الاجتماعي من المجالات الأساسية والهامة في الدراسات الإعلامية. ويعتبر كارل هوفلاند، وبول لزرفيلد، وكرت لوين، من أوائل الباحثين في هذا المجال الهام. وركز هوفلاند عالم الاجتماع في جامعة ييل، على عملية الإقناع في دراساته. بينما ركز لوين عالم الاجتماع في جامعة أيوا، وجامعة ماساتشوسيت للتكنولوجيا دراساته على الجماعات والأدوار الاجتماعية. بينما ركز لزرفيلد في مركز الأبحاث الاجتماعية التطبيقية بجامعة كولومبيا، دراساته على استقصاء الرأي العام، وتأثير وسائل الإعلام الجماهيرية، وعلى العلاقة بين التأثير الشخصي وتأثير وسائل الإعلام الجماهيرية على الجمهور الإعلامي. ولد لزرفيلد في فيينا وتعلم فيها حتى حصل على درجة الدكتوراه، وفي عام 1923 ترك مسقط رأسه مهاجراً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث صب اهتمامه على دراسة الساحة الإعلامية وتأثير الوسيلة الإعلامية الجماهيرية الجديدة آنذاك. وكان الباحثون هناك مهتمون فعلاً بقياس مدى نجاح الإذاعة المسموعة كوسيلة إعلامية جديدة لفتت انتباه المعلنين. وانصبت دراسات القياس على معرفة عدد المستمعين والبرامج التي يفضلون الاستماع إليها. واهتم لزرفيلد بمعرفة الأسباب التي دفعت المستمعين لسماع برامج إذاعية بعينها، واستنباط الطريقة التي تمكنه من معرفة كيفية استخدامهم للمعلومات التي يحصلون عليها عبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وتأثيرها على أذواقهم واتجاهاتهم الاجتماعية وتأثير الحملات الانتخابية على خياراتهم الانتخابية، وعلاقة الاتصال الشخصي بوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. وبدأ اهتمام لزرفيلد بالإذاعة المسموعة عام 1937 عندما عين مديراً لمركز أبحاث الإذاعة المسموعة الذي أفتتح للتو في جامعة برنستون بتمويل من مؤسسة روكفلر. مستفيداً من خبرة فرانك ستانتون المدير السابق لشبكة س. ب. إس، في الإذاعة الأمريكية. وفي عام 1940 انتقل المركز الذي يشرف عليه لزرفيلد إلى جامعة كولومبيا وأصبح مركزاً للأبحاث الاجتماعية التطبيقية. وأثمرت أبحاث لزرفيلد عن مجموعة من الكتب ذات المستوى الرفيع في موضوعات كالتصويت، والبطالة، والاتصال، ومناهج البحث في العلوم الاجتماعية التطبيقية، إضافة لتدريب مجموعة من الباحثين الشباب الذين ذاع صيتهم فيما بعد. أما عالم النفس والخبير بوسائل وأساليب إجراء التجارب العلمية، وعلم النفس الاجتماعي كورت لوين فقد هاجر في مطلع الثلاثينات من مسقط رأسه في أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن أتم تحصيله العلمي في فيينا. وتمتع بتأثير كبير هناك على طلبته في جامعة أيوا ومعهد ماساتشوسيت للتكنولوجيا، حيث اهتم خلال الحرب العالمية الثانية بدراسة حركة الجماعة، والاتصال داخل الجماعة، وتأثير جماعات الضغط الاجتماعي، وتأثير الجماعة على اتجاهات وتصرفات أعضائها. وركزت أبحاث لوين في علم النفس الاجتماعي على الفرد في ظروف المحيط الاجتماعي، وتحليل المؤثرات الاجتماعية على الطفل، وطبيعة الاختلافات القومية بين الأمريكيين والألمان، والمشاكل الاجتماعية الناتجة عن انتماء الفرد لأقلية اجتماعية. أما كارل هوفلاند فقد تخرج من جامعة ييل وبرز بين علماء النفس التجريبي قبل الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1942 استدعي للخدمة العسكرية والتحق بقسم الأبحاث الإعلامية في الجيش، وهناك ركز اهتمامه على بحوث الاتصال وتغيير الاتجاهات. وبعد الحرب عاد هوفلاند إلى جامعة ييل ووضع برنامجاً للبحث في عناصر الاتصال وتغيير الاتجاهات، وتمتع برنامجه بأسلوب دقيق للقياس يعتمد على التجربة المنظمة. ودرس هوفلاند تأثير القائم بالاتصال الذي يؤمن الجمهور الإعلامي بصدقه، والقائم بالاتصال الذي يتمتع بالنفوذ، وتأثير عرض الجانب الذي يسعى القائم بالاتصال لترويجه، من خلال عرض الجانبين المؤيد والمعارض في آن واحد، وتأثير بواعث الرسائل الإعلامية المثيرة للخوف الشديد لدى المستقبل، ومقارنة تأثير الرسائل الإعلامية التي تثير خوفاً معتدلاً أو خفيفاً، وأساليب تحصين الجماهير ضد الدعاية المضادة. وتعتبر كتبه من أهم ما وضع من كتب في علم الاتصال حتى وقت قريب. وتوفي هوفلاند عام 1961 متأثرا بمرض السرطان عن 48 عاماً، ولم تتوقف أبحاثه التي استمرت على أيدي تلاميذه الذين استمروا على تطويرها والتوسع بها من بعده. ومن دراستنا لأبحاث الرواد الأربعة في تطوير أبحاث الاتصال الجماهيري: لازويلد، ولزرفيلد، ولوين، وهوفلاند، فإننا نستنتج أن أبحاث لازويل اتسمت بالشمول الذي يهتم بالمجال العام. أما لزرفيلد، وهوفلاند، فقد اتسمت بالمجال الأضيق الذي يهتم بالتفاصيل، أما أبحاث لوين عن الجماعات الصغيرة، فقد جاءت في الوسط بين المجالين. وأضاف الباحث الأمريكي برنارد ولسون إلى المجالين أنفي الذكر خمسة مجالات فرعية للبحوث الإعلامية وهي: - المجال الإصلاحي: الذي مثلته لجنة حرية الصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية التي شكلت عام 1943، وأصدرت تقريرها عام 1947 واهتم التقرير بتنظيم وسائل الاتصال وتكوينها، وأساليب السيطرة عليها، ومسؤولية وسائل الإعلام الجماهيرية اتجاه المجتمع، وهو المجال الذي تجاهلته الجامعات، ووقفت وسائل الاتصال التجارية ضده، وضد لجنة حرية الصحافة. - والمجال التاريخي: الذي تمثل بدراسات ديفيد رايسمان، وهارولد إنيس، واهتم بالتأريخ لحياة القائمين بالاتصال عبر وسائل الإعلام الجماهيرية. وتدخل ضمنها مؤلفات فرانك لوترموت، وأرنولد هاوسر، التي اعتمدت على السرد والسير الشخصية. - والمجال الصحفي: ويمثله نشاط معاهد الصحافة ومراكز البحث العلمي في مجال الإعلام، وبعض الأساتذة أمثال: كيسي، وريمو ب. نيكسون، وولبر شرام. واهتم بالسيطرة على وسائل الاتصال الجماهيرية، وخصائص القائم بالاتصال، واهتمامات قراء الصحف، ومسؤولية الإعلام اتجاه المجتمع. - ومجال دراسة فلسفة اللغة والمعاني: الذي حاول من خلاله الباحثون تطبيق نظرية المعرفة على الاتصال الجماهيري، واشتغل فيه إضافة للفلاسفة، علماء الأنثروبولوجيا، واللغويين، وعلماء النفس، وعلماء الرياضيات. - ودور وسائل الإعلام الجماهيرية في مجال نشر الأفكار المستحدثة: الذي اهتم أصلاً بالمجتمعات الزراعية ونشر الأفكار المستحدثة، وله علاقة كبيرة باهتمامات الدول النامية وأساليب التغيير السريع للمعتقدات والقيم. ومن رواده روجر، وكير، وشوميكر. ويبقى من مميزات الربع الأخير من القرن العشرين التركيز على دراسات الاتصال والإعلام الجماهيري الدولي على ضوء التطورات الهائلة لوسائل الاتصال الجماهيرية وخروجها من إطار المحلية إلى إطار الدولية، وما نتج عن ذلك من مشاكل معقدة تحتاج للدراسة والبحث لمعرفة وفهم المتغيرات التي طرأت على نظم الاتصال والإعلام الجماهيري في مختلف دول العالم. ويبقى التصنيف الذي وضعه كتاب "نظريات الإعلام الأربع" الذي صدر عام 1956، قائماً في تصنيفه رغم انهيار الإتحاد السوفييتي السابق ومعه المنظومة الاشتراكية التي كان يقودها في مطلع تسعينات القرن العشرين، واتجاه معظم الدول المستقلة إلى تبني نظم ديمقراطية في سياساتها الإعلامية. وتبقى في حاجة لدراسات تركز تأثير الانفتاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي على وسائل الإعلام الجماهيرية، وتأثير وسائل الإعلام الجماهيرية في شكلها الراهن على هذا الانفتاح وتحليل المتغيرات في التعليم والدخل القومي وتوزيع الثروات والاستقرار السياسي والاجتماعي ومشاكل البيئة والتلوث... وغيرها من البحوث التي لها علاقة مباشرة بنظم الاتصال والإعلام الجماهيري في دول المنظومة الاشتراكية السابقة ومقارنتها مع النظم القائمة في مختلف دول العالم. وهو ما سبق وتنبهت له الدول الأوروبية وانعكست صورته في ما نشرته مجلة اتحاد الإذاعات الأوروبية E. B. U. Review، ومجلة معهد الإذاعة الدولي Inter Media في لندن، ومجلة Gazette في هولندا، وغيرها من المجلات المتخصصة.
الفصل السادس: نماذج عملية الاتصال الجماهيري. ظاهرة الاتصال بين الأفراد والأمم والشعوب ظاهرة قديمة قدم الإنسان والأمم، لكن الاهتمام بدراسة الاتصال والإعلام والدعاية والرأي العام دراسة منهجية منتظمة اتضح في الفترة التي رافقت الحرب العالمية الثانية كما سبق وأشرنا، وظهرت خلال خمسينات وستينات القرن العشرين بعض الكتب والدراسات القيمة التي تناولت مواضيع الاتصال والإعلام الجماهيري الدولي، وانصب الاهتمام فيها على دراسة الإنتاج الفكري للفترة الممتدة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية. ولكن قبل أن نتحدث عن نماذج الاتصال لابد أن نوضح ما المقصود من اصطلاحات الاتصال، والجماهيري، وعملية الاتصال بحد ذاتها.
تعريف الاتصال: الاتصال هو من أقدم النشاطات الإنسانية على الإطلاق، وهو من الظواهر المألوفة لدى الإنسان ومعنى مصطلح الاتصال واضح وغامض في نفس الوقت، والمعنى يصبح واضحاً حينما نستخدمه بشكل تقليدي ضيق، ولكنه يتسم بالغموض عندما نستخدمه بشكل شمولي واسع. فإذا تحدث فرد مع آخر وأدى هذا الحديث إلى تفاهم متبادل بين الطرفين، فيمكننا القول أنه حدث اتصال، أي تحقق الهدف من الحديث. أما إذا أدى الحديث إلى حدوث سوء تفاهم، فيمكننا القول أنه لم يحدث اتصال أي لم يتحقق الهدف من الحديث. أو نصبح غير واثقين مما إذا حدث الاتصال فعلاً أم لا. ويقول كارل هوفلاند، أن الاتصال هو عملية ينقل من خلالها الفرد (القائم بالاتصال) مثيرات (رموز لغوية، رسالة ما)، لكي يعدل من سلوك الأفراد الآخرين (مستقبلي الرسالة). وفي هذه الحالة ينقل القائم بالاتصال الرسالة عمداً، أي بشكل هادف لإحداث تأثير معين. أما تشارلس موريس، فيقول اصطلاح الاتصال حينما أن نستخدمه بشكل واسع النطاق، لأنه يتناول أي موقف يشارك فيه عدة أفراد بموضوع معين. ولكنه يحصر الاتصال في استخدام الرموز لكي يحقق انتشاراً ومشاركة ذات مغزى. أي أن يتحقق تفاهم حول موضوع معينٍ، سواء عن طريق الرموز أو أية وسيلة أخرى سماها تشارلس موريس Communization، كأن ينتقل الغضب من شخص إلى شخص آخر، أو أن لا يغضب الشخص فعلاً ولكنه يبدي دلائل توحي بالغضب، وهذا الموقف ينطوي على إحساس ومشاركة نسميها اتصال. ويعتبر جورج لندبرج أن الاتصال هو نوع من أنواع التفاعل يحدث بواسطة الرموز، ويستخدم للإشارة إلى التفاعل بواسطة العلامات والرموز، التي يمكن أن تكون حركات أو صور أو لغة أو أي شيء آخر يمكن أن يثير السلوك الإنساني. والسلوك الناتج عن هذا التفاعل قد لا يكون بسبب التعرض للرموز نفسها، إن لم يكن المتلقي مهيأً للاستجابة للرمز بصورة معينة. وأن الاتصال يختلف عن التوصيل، وأن الاتصال الحقيقي هو نوع من التفاعل يتم بواسطة الرموز والعلامات، ويؤدي إلى تخفيف أو زيادة التوتر والشك وزيادة أو تشويش الفهم لدى الأفراد. أما إدوار سابير فكتب عن الاتصال المحدد، والاتصال الضمني، أن الاتصال المحدد، هو: اتصال بالمعنى التقليدي، أما الاتصال الضمني، فهو: التفسير البديهي للرموز اللاشعورية نسبياً، والاستيعاب اللاشعوري للأفكار والسلوك في ثقافة الفرد. بينما اعتبر بعض علماء الاتصال أن مفهوم الاتصال يتضمن كل العمليات التي يؤثر من خلالها الناس على بعضهم البعض. بينما عرف ستيفنز الاتصال باستجابة الكائن الحي لمنبه معين بشكل متميز، ويقوم بنتيجتها باستجابة أو ردة فعل متميزة. والرسالة التي لا تحظى باستجابة لدى المستقبل لا تعتبر اتصالاً عكس نوبرت وينر الذي يقول: أن الاتصال بمعناه الواسع يتضمن كل الإجراءات التي يمكن بمقتضاها أن يؤثر عقل بشري على عقل آخر، أو يؤثر جهاز على جهاز آخر كأجهزة الرصد والتوجيه الأوتوماتيكي، وأجهزة الاستشعار عن بعد مثلاً. ولكننا نرى ورغم الاختلافات في التعريف نرى أنه هناك اتفاق على استخدام مصطلح اتصال لنقل المعاني، ويستخدم للإشارة إلى عملية الاتصال، وللإشارة إلى الرسائل الإعلامية ومؤسسات الاتصال والإعلام الجماهيري بشكل عام.
تعريف جماهيري: يشير مصطلح جماهيري إلى جمهرة أو حشد أو مجموعة كبيرة من الناس مؤلفة من جميع الطبقات والشرائح الاجتماعية، يختلف أفرادها في مراكزهم الاجتماعية ومهنهم وثقافاتهم وثرواتهم، ومجهولي الهوية ولا يتفاعل الواحد منهم مع الآخرين ولا يتبادل معهم المشورة والخبرة، وغير منظمين ولا يمكن أن يعملوا ككتلة واحدة، ولا تتاح لهم فرصة الاختلاط والتقارب، وكل ما يشدهم إلى بعضهم البعض هو حدث يعنيهم جميعاً وطني أو قومي هام ويشدهم إلى متابعة تطوراته. وقد ازداد حجم الجماهيري وأهميته في ظروف التطور العلمي والتقني والتكنولوجي الصناعي الحديث. ولعدة قرون خلت كان المجتمع البشري منغلقاً في مجتمعات صغيرة، في المزارع والقرى والمدن، وكان عدد المدن الكبيرة محدود جداً حتى أن روما في قمة مجدها لم يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة، عاشت غالبيتهم في جماعات صغيرة مكونة من الأقارب والأصدقاء وجماعات العمل والجيش. ولكن الحروب والغزوات والاحتلال والهجرات الجماعية أدت إلى اتصال الجماعات المعزولة نسبياً ببعضها البعض. بينما نجد في حياتنا المعاصرة اليوم أنه وخلال جيل واحد وبسبب الحروب الحديثة وانتقال قوات ضخمة العدد من قارات إلى قارات أخرى، وما رافقها من تطور لوسائل المواصلات والاتصالات الحديثة وخاصة شبكة الانترنيت العالمية، وانتشار وسائل الإعلام الجماهيرية الحديثة في جميع أنحاء العالم، أدى إلى خروج الناس عن إطار ثقافاتهم الأصلية المغلقة، ليعيشوا في عالم منفتح جديد وواسع.
تعريف عملية الاتصال: عملية الاتصال هي ظاهرة تتغير بشكل مستمر خلال فترة محددة من الزمن، لا بداية ولا نهاية لها، ولا تسلسل لأحداثها، وإذا رجعنا إلى ثورة الفلسفة العلمية التي أحدثها اينشتين، وراسل، ووايت هيد، نجد أن الثورة العلمية قد نفت نظرية ثبات الأشياء، كما نفت وجود أشياء مستقلة تقوم بعملها بشكل منفرد. وأدى هذا إلى ظهور نظرية النسبية التي تقول: أولاً: أن أي ظاهرة يمكن تحليلها ووصفها على ضوء ظاهرة أخرى متصلة بها أو عمليات تدخل في ملاحظتها فقط. ثانياً: وأن الملاحظة القوية أظهرت أن الأشياء الثابتة مثل الأثاث المنزلي يمكن النظر إليها كظواهر خاضعة لعوامل غير مستمرة، فهي تتغير تماماً مثل الإنسان الذي يقوم بملاحظتها، وتعود أسباب عدم القدرة على ملاحظة التغييرات إلى قصور أعضاء الحس لدى الإنسان نفسه. فالكون يتغير دائماً ويتأثر بعوامل عديدة، نعرف بعضها ونجهل بعضها الآخر، والعلم كنشاط إنساني يهدف إلى كشف العلاقات المشتركة بين الظواهر المختلفة، وتجعلها تؤثر على بعضها البعض. واكتشاف علاقة الظواهر بعضها ببعض وفهمها هما شيء واحد لأن فهم الظواهر معناه كشف العلاقة التي تربط بينها وبين ظواهر أخرى. أما إذا لم نعثر على تلك العلاقة فستبقى غير مفهومة لدينا أو بدون تفسير محدد لتلك الظواهر لأن المعرفة والفهم لا يتمان من دون اكتشاف العلاقات المختلفة بين المتغيرات وموضوع الفهم والمعرفة. كما لا يمكن فهم جانب واحد من السلوك البشري دون ربطه بالجوانب السلوكية الأخرى. ونحن نفهم معنى الأحداث من خلال ربطها بالأحداث الأخرى التي سبقتها والظروف المحيطة بها فالفهم إذن يتم بعملية ربط أو إدراك العلاقات بين الظواهر المطلوب تفسيرها، وربطها بالأحداث الأخرى التي تلازمها والتي سبقتها والتي تؤثر فيها. فالفهم لن يتحقق إلا بربط الظاهرة بالمتغيرات والظروف الأخرى الخارجة عنها، والتي يعتبر وجودها مسؤولاً عن تسلسل أحداث الظاهرة نفسها. والأسلوب الوظيفي لدراسة التفاعل البشري يفترض أن الناس عندما يتصلون ببعضهم البعض يستخدمون كل إمكانياتهم وطاقاتهم، لأن عملية الاتصال تتطلب استغلال كل إمكانيات وطاقات الفرد، من مدارك وتعلم ودوافع وعواطف واتجاهات ومعتقدات وقيم ومعاني وظروف اجتماعية. فالاتصال البشري هو عبارة عن عملية واحدة مركبة تجمع العديد من العمليات والقوى المعقدة والمستمرة والتي تتفاعل في ظرف متبدل لا بداية ثابتة له ولا نهاية ثابتة له. وكل أوجه النشاط تلك تؤثر على الاتصال البشري الذي يعتبر تجميعاً لعناصر وقوى متفاعلة مادية وسيكولوجية واجتماعية وعلينا التنبؤ بكيفية تفاعل تلك المتغيرات أو ردود الفعل المحتملة لإحداث نتائج معينة. وتأثير مادة الرسالة الإعلامية لا يمكن تفسيره على ضوء نموذج المثير والاستجابة البسيط، لوجود عدة متغيرات خارجة عن عملية الاتصال ذاتها، وتؤثر على نتيجة عملية الاتصال تأثيراً مباشراً. لأننا نبحث عن تفسير ظاهرة معينة وعن مؤثرات ومتغيرات خارجة عن عملية الاتصال وتربطها بها علاقة وظيفية محددة. منطلقين من مبدأ أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية تؤثر في الجمهور الإعلامي، وأن الجمهور الإعلامي يؤثر بدوره على مضمون وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. وأن السياسة تغير الرأي العام، وأن الرأي العام يغير السياسة، وأن التغيير الاقتصادي يحدث تغييراً في الاتصال والإمكانيات الإعلامية التي بدورها تعين على التغيير الاقتصادي. وبمعنى آخر أن الأسلوب الوظيفي لتفسير عملية الاتصال يأخذ في اعتباراته ظواهر متعددة لتأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية.
وظائف الاتصال الأساسية: نستطيع دراسة أهداف عملية الاتصال من خلال وجهة نظر المرسل أو من وجهة نظر المستقبل على حد سواء. كما ونستطيع تحديد وظائف عملية الاتصال على أساس الفرد أو على أساس المجتمع. فمن وجهة نظر الفرد القائم بالاتصال، أي المرسل بشكل عام، هي: الإعلام؛ والتعليم؛ والترفيه؛ والإقناع. أما من وجهة نظر المستقبل، أي الطرف الآخر في عملية الاتصال، فهي: المشاركة في عملية الاتصال؛ وفهم ما يحيط به من ظواهر وأحداث؛ وتعلم مهارات جديدة؛ والاستمتاع والاسترخاء والهرب من مشاكل الحياة؛ والحصول على معلومات جديدة تساعده على اتخاذ القرارات والتصرف بشكل مقبول اجتماعيا. وكانت هذه الأهداف قبل اختراع الطباعة تحقق عن طريق الأفراد، ومن ثم أصبحت تتحقق تدريجياً عن طريق المادة المطبوعة ومع التطور الكبير لتكنولوجيا الاتصال أصبحت تتحقق عن طريق وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الحديثة تباعاً مع دخول تلك الوسائل ميدان الخدمة الاجتماعية، حتى أصبحت من الأجهزة المهمة والمؤثرة على حياتنا اليومية إلى جانب مؤسسات التربية والتعليم والتنشئة الاجتماعية الأخرى. وتقوم وسائل الاتصال الجماهيرية اليوم وكما كانت عليه بالسابق بمهام محددة لا تخرج عن إطار: توفير معلومات عن الأوضاع المحيطة بنا (أخبار)؛ والإسهام في نقل التراث الثقافي عبر الأجيال، والمساهمة في تنشئة الأجيال الجديدة، وصهر الوافدين الجدد في المجتمعات الوافدين إليها؛ والترفيه عن الجماهير وتخفيف أعباء حياتهم؛ وتقديم المساعدة لنظام الحكم من أجل تحقيق التفاهم، والاتفاق، والوئام بين الفئات الاجتماعية، وتحقيق الوحدة الوطنية، وتعبئة الرأي العام، عن طريق الإقناع، والحوار، بدلاً من استخدام القوة والعنف والإكراه للسيطرة على المجتمع.
أهداف الفرد من عملية الاتصال: يتعرض الفرد لمواد وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية من خلال ما تنقله إليه من خبرات وتجارب، ويتصل الفرد بأفراد آخرين بشكل مباشر، ويمر بتجارب معينة تكسبه خبرات محددة ويتحول بذلك إلى مصدر من مصادر المعلومات، ويستفيد من خبراته. وعملية الاتصال أساساً هي تفاعلات لصلات فرد معين بمحيطه. وحينما يتفاعل الإنسان مع المحيطين به، يتقاسم معهم المعلومات والتجارب، ويصبح هدفه الأساسي تغيير العلاقات القائمة بينه وبين من يحيط به. محاولاً التقليل قدر الإمكان من التأثير الخارجي عليه، مدعماً من قدراته الذاتية ليتحول إلى قوة مؤثرة في ذلك المحيط. وباختصار: نحن نتصل لنؤثر بهدف معين. والاتصال الهادف هو الذي يحقق ردود فعل أو استجابة معينة لدى المستقبل ضمن عملية الاتصال. وفشل عملية الاتصال في تحقيق أهدافها يعود عادة إلى: - ضعف قدرات القائم بالاتصال وعجزه عن تحديد هدفه بدقة؛ وسوء فهمه للهدف الحقيقي من مساهمته في عملية الاتصال. وقد أثبتت بعض الدراسات الإعلامية، عن القائمين بالاتصال في الولايات المتحدة الأمريكية، أن أغلبية القائمين بالاتصال هم مسؤولين عن الأخبار الدولية، ويهدفون من أدائهم لعملهم كسب احترام زملائهم، وتقدير رؤسائهم في العمل. أو السعي للعمل في وسيلة اتصال أكبر، أو شغل منصب في العلاقات العامة أو الإعلان يوفر لهم دخلاً مادياً أكبر، متناسين الهدف الأساسي من عملهم وهو: خدمة الجمهور الإعلامي، وبذلك نراهم قد انصرفوا عن الهدف الأساسي نحو تحقيق مكاسب شخصية لا أكثر. وتحليل أية رسالة إعلامية لا يمكن دون معرفة الهدف منها، وهذا الهدف لابد أن تكون له استجابات محددة لدى المتلقي، ودوافع تدفع المتلقين للتعرض للرسالة الإعلامية. ولابد أن تؤخذ كلها بعين الاعتبار لدى دراسة عملية الاتصال. وتنطوي عملية الاتصال عادة على نوعين من الاستجابات هما: استجابة يهدف إليها صانع الرسالة الإعلامية؛ واستجابة يقدم عليها متلقي الرسالة الإعلامية. وهنا يجب أن نراعي حقيقة مفادها أن أهداف القائم بالاتصال، لا تتلقى دائماً نفس الاستجابة التي هدف إليها في رسالته الإعلامية، ولا تحقق التأثير المطلوب على الآراء والاتجاهات كما رسمها القائم بالاتصال في رسالته الإعلامية تلك.
طبيعة تأثير الرسالة الإعلامية: ذكر الباحثان الأمريكيان ولبر شرام، وديفيد برلو، أن بعض أهداف عملية الاتصال تتحقق بمجرد استهلاك الرسالة الإعلامية، وانتهاء التعرض لها، وللتسلية وتبديد الوقت والتخلص من التوتر، وهو الهدف العاجل الاستهلاكي. وفي أحوال أخرى يسعى مضمون الرسالة الإعلامية إلى تحقيق أهداف مؤجلة كما هي الحال في المقالات السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية، لفهم الظروف التي تحيط بنا فهماً أفضل وهو الهدف البعيد المدى. ويشير ديفيد برلو إلى أنه هناك الكثير من الأدلة التي تثبت أن أهداف القائم بالاتصال والمتلقي قد تختلف، ورغم ذلك نراهما ينجحان في تحقيق ما يهدفان إليه. فقد يشتري القارئ مجلة ليطالع قصة فيها ( هدف المتلقي)، ولكنه لا يلبث أن يشتري سلعة أعلن عنها في تلك المجلة (هدف القائم بالاتصال). وقد يشاهد الجمهور دراما تلفزيونية لمجرد الاستمتاع، ولكنه قد يغير من تصرفاته مع الآخرين متأثراً بما شاهده في تلك الدراما التلفزيونية.
فلماذا نستخدم نماذج لدراسة عملية الاتصال ؟ النظرية أو النموذج محاولة لتقديم العلاقة الكامنة التي يفترض وجودها بين المتغيرات التي تصنع حدثاً معيناً، أو تؤدي إلى نظام معين. والنماذج في واقع الأمر هي أدوات ثقافية تساعدنا على فهم أي ظاهرة أو نظام، وأدوات تصورية توفر لنا إطارات للافتراضات التي تتحدد نطاقاتها من خلال المتغيرات الهامة. والنماذج المثالية تتضمن خطوات متتابعة للتجريد، تقوم على تصور الظروف المادية التي استمدت منها. طبيعة النماذج: يوفر نموذج الاتصال للخبراء والباحثين أبسط الطرق لتفسير التفاعل البشري من خلال عملية الاتصال، وللنماذج أشكال عديدة منها النماذج الإحصائية. وتختلف النماذج في المتغيرات التي تظهرها أو تؤكدها، ولكن هذه الاختلافات سطحية وتصنف النماذج ضمن فئتين أساسيتين هما: - النماذج البنائية: التي تظهر الخصائص العامة للحدث، من خلال مكوناته وحجمه وترتيب أجزائه المنفصلة عن بعضها؛ - والنماذج الوظيفية: التي تحاول تقديم صورة طبق الأصل من الأسلوب الذي يعمل من خلاله النظام الإعلامي. وهي نماذج تشرح طبيعة القوى أو المتغيرات التي تؤثر على النظام الإعلامي بشكل عام. وتعد النماذج أساساً لتوضيح ظاهرة أو حدث معين، تساعد الباحث على التنبؤ والتفسير، وفهم المعلومات المتراكمة. ويعتمد نجاح النماذج على مدى تشجيعها ودفعها للباحثين نحو إجراء بحوث إضافية، ومدى قدرتها على تنظيم الحقائق والنتائج المتنوعة بشكل يسهل فهمه. وعند تصميم أو اختيار نموذج، يجب مراعاة الواقعية والتركيز، وأن يحتوي على صورة قريبة قدر الإمكان من الواقع. مع مراعاة استخدام مصطلحات تشير إلى الخصائص الأساسية المطلوبة والتركيز على التبسيط، وعدم التعرض لبعض التفاصيل الثانوية غير الهامة. ومع اعتبارات التركيز والواقعية، يجب مراعاة اختيار النماذج التي تساعد على الخروج بتنبؤات جديدة وخطوط جديدة لدراسة عملية الاتصال.
وظائف النماذج: النماذج تخدم دراسة عملية الاتصال من خلال أربعة أهداف أساسية، وهي: الحصول على المعلومات وتنظيمها؛ وتشجيع القائم بأبحاث علمية؛ والمساعدة على التنبؤ؛ والسيطرة على الظواهر الإعلامية والتحكم بها.
الوظيفة التنظيمية لنماذج دراسة عملية الاتصال هي في: الفهم << التنظيم << التنبؤ << التحكم. والنموذج هو محاولة لإعادة العلاقات التي يفترض وجودها بين المكونات أو القوى التي ندرسها رمزياً أم مادياً. ولا يمكن وصف عملية الاتصال المتغيرة دائماً بسهولة، ولكن الإطار الذي يوفره النموذج يجدد هذه العملية ويساعد الباحث على عزل المتغيرات الهامة، ووصف دورها في عملية الاتصال بكاملها. ويساعد أيضاً على إعادة بناء الحدث أو الظاهرة الإعلامية، وتحديد عناصرها. وإعادة تقديم الخصائص الرئيسية للنظام الذي نخضعه للدراسة والتحليل. ووضع عدد كبير من المتغيرات في تكوين واضح، وربط تأثيرات تلك المتغيرات بعضها ببعض، ومحاولة استنتاج طبيعة التفاعل بينها. وهذا يضمن عدم تجزئة الأحداث المدروسة.
النماذج تعمل على تطوير الأبحاث العلمية: والنماذج تجعل من نظريات الاتصال أكثر بساطة وفهماً. فالنموذج يقدم أفكار من قام ببنائه عما يعتقد بأنه المتغيرات الهامة في عملية الاتصال، والتي تمكن الباحث من تحليل الأسلوب الذي تعمل بموجبه تلك المتغيرات. كما وتظهر المتغيرات التي يمكن تجاهلها في البحث، وتشجع على التوسع في البحث والدراسة. ومن أمثلة التشجيع على التوسع في البحث والدراسة نورد النموذج اللفظي التالي الذي يتضمن العناصر الرئيسية للاتصال وهي: المرسل، المتلقي، الرسالة، التشويش. مرسل < رسالة { تشويش } رسالة < مستقبل. ويدفع هذا النموذج الباحث لدراسة قدر التشويش في عملية الاتصال بين المرسل والمتلقي، ومدى دقة الرسالة التي تلقاها المستقبل، بأسلوب علمي دقيق.
وظيفة التنبؤ: هناك علاقة قوية بين الفهم والتنبؤ، فالتنبؤ مبني على الفهم، الذي هو نقطة البداية للوصول إلى المجهول. ومن خلال هذه العلاقة يمكن أن نفترض وجود علاقة وظيفية بين أحداث ومكونات الحدث الإعلامي، والاستفادة منها. والتنبؤ الذي هو جزء من خطة التحقق التي نختبر بها صحة معلوماتنا وتساعد من ناحية أخرى على زيادة الفهم بناء على المعلومات المتوفرة لدينا. والتأكد من قدرة النموذج على ربط العناصر غير المرتبطة بالحدث، وغير المعروفة سابقاً، وإظهار التماثل والارتباط بينها، وتنظيم المعلومات المنفصلة بشكل يسهل تخزينها في الذاكرة.
وظيفة التحكم: وبعد الفهم والتنظيم والتنبؤ، نصل للهدف الأخير من أهداف نماذج الاتصال وهو التحكم، الذي يعتبر من مستلزمات تطوير المعرفة. من خلال السيطرة على الظواهر واستخدامها لصالح الإنسان. والأهداف الثلاثة: الفهم والتنظيم والتنبؤ، تخدم التحكم من خلال معالجة الظروف التي تحدد حدوث الظاهرة، والتمكن من الوصول إلى هدف معين. والقدرة على التحكم مرتبطة بالقدرة على التنبؤ. وبدوره يساعد التحكم على اختبار صحة التنبؤات، ومدى فهم الظاهرة بشكل عام، ولكي يتحقق التنبؤ لابد من التحكم بالظروف التي تحدد الظاهرة ذاتها.
صعوبات تصميم نماذج عملية الاتصال: ومن أهم الصعوبات في تصميم نماذج عملية الاتصال: - الاضطرار إلى تجميد عملية الاتصال، لوصف عناصرها ومكوناتها. وهي أشبه بالصورة التي تجمد الحدث ولكنها لا تمثله. وتغفل العلاقات بين العناصر وتجمد حركة تفاعل الأحداث؛ - إغفال بعض العناصر بسبب تجميد عملية الاتصال، أو فصل بعض العناصر التي لا تقبل الفصل. لأن عملية الاتصال لا تتضمن خط يحدد الحدود بين أجزاء عملية الاتصال، ووضع الفواصل سيؤدي إلى إغفال طبيعة الاتصال الدائرية: < مرسل << رسالة << متلقي << راجع صدى <. - الاضطرار إلى استخدام اللغة في الوصف، واللغة كما هو معروف تخضع للتغيير من وقت لآخر، لأن استخدام اللغة لوصف شيء يتطلب استخدام كلمات بعينها، بحيث نضطر إلى تجميد العالم المادي بشكل ما، ووضع كلمات قبل أخرى، أو حذف بعض الكلمات. ولهذا لا يكون اختيار الكلمات في الوصف موضوعياً تماماً.
طشقند – 2009
يستعرض هذا الكتاب أهم الدراسات الإعلامية ونظريات تحليل المضمون الإعلامي التي جرت خلال القرن الماضي ويدعو للقيام بدراسات علمية مقارنة تبحث في تأثيرات استخدام تقنيات أنظمة المعلوماتية الإلكترونية الحديثة في مجالات العلوم والبحث العلمي والتعليم إلى جانب فروع الأنشطة الإنسانية المختلفة في الدول النامية وما نتج عنها من تطورات فرضها التطور العلمي في القرن الحادي والعشرين قرن المجتمع المعلوماتي. والكتاب يهم الطلاب والباحثين في مجالات: العلاقات العامة، تقنيات الاتصال والإعلام والمعلوماتية، والمهتمين بالدراسات الإعلامية وتحليل المضمون الإعلامي.
تأليف: أ.د. محمد البخاري: دكتوراه علوم في العلوم السياسية DC اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD، اختصاص: صحافة. أستاذ بقسم العلاقات العامة، كلية الصحافة، جامعة ميرزة أولوغ بيك القومية الأوزبكية
المحتويات: المقدمة؛ الفصل الأول: وسائل الإعلام الجماهيرية: وظائف وسائل الإعلام الجماهيرية؛ تفاوت المقدرة الإقناعية لوسائل الإعلام الجماهيرية؛ الخصائص المميزة لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية؛ الإعلام المقروء؛ الإعلام المسموع؛ الإعلام المرئي (التلفزيون)؛ الفصل الثاني: جمهور وسائل الإعلام الجماهيرية: أهمية دراسة جمهور وسائل الإعلام الجماهيرية؛ خصائص الشخصية؛ القائم بالاتصال؛ نظرية " حارس البوابة " الإعلامية؛ الفصل الثالث: دراسات القائم بالاتصال: دراسات تأثير الظروف المحيطة على القائمين بالاتصال؛ دراسات تأثير النواحي المهنية على القائمين بالاتصال؛ دراسات الجوانب الفنية والمادية لعمل القائمين بالاتصال؛ دراسات اختبار وقياس القائمين بالاتصال؛ نموذج تصور القوى الاجتماعية والسيكولوجية المؤثرة على اختيار القائم بالاتصال للمادة الإعلامية؛ دور وسائل الإعلام الجماهيرية في المحافظة على القيم الاجتماعية، وتحقيق الانصهار الثقافي والاجتماعي في المجتمع؛ القائمون بالاتصال والمصادر الإعلامية؛ قادة الرأي من وسائل الإعلام الجماهيرية؛ تأثير الضغوط المهنية على القائم بالاتصال؛ تأثير الجمهور الإعلامي؛ الفصل الرابع: نظريات مراحل انتقال المعلومات: مضمون المادة الإعلامية؛ الإستمالات العاطفية، والإستمالات المنطقية؛ إستمالات التخويف؛ العوامل المؤثرة على إثارة التوتر العاطفي؛ مضمون الرسالة وأسلوب تقديمها؛ الوضوح والضمنية؛ تقديم الرسالة الإعلامية لأدلة وشواهد؛ عرض جانب واحد من جوانب الموضوع أو عرض الجانبين المؤيد والمعارض في نفس المادة الإعلامية؛ ترتيب الحجج الإعلامية؛ استخدام الاتجاهات أو الاحتياجات الموجودة؛ تأثير رأي الأغلبية؛ التكرار بتنويع وتأثير تراكم التعرض للمادة الإعلامية؛ المصدر الإعلامي؛ عناصر تصديق المصدر؛ الفصل الخامس: تطور الأبحاث الإعلامية واتجاهاتها الحديثة: أبحاث الاتصال؛ تطور أبحاث الإعلام والاتصال؛ تطور الدراسات العلمية الإعلامية واتجاهاتها؛ الاتجاه النظري الفلسفي للدراسات الإعلامية؛ الاتجاه السياسي للدراسات الإعلامية؛ الاتجاه السيكولوجي الاجتماعي للدراسات الإعلامية؛ المجال الإصلاحي؛ المجال التاريخي ؛ المجال الصحفي؛ مجال دراسة فلسفة اللغة والمعاني؛ دور وسائل الإعلام الجماهيرية في مجال نشر الأفكار المستحدثة؛ الفصل السادس: نماذج عملية الاتصال الجماهيري: تعريف الاتصال؛ تعريف جماهيري؛ تعريف عملية الاتصال؛ وظائف الاتصال الأساسية ؛ أهداف الفرد من عملية الاتصال؛ طبيعة تأثير الرسالة الإعلامية؛ لماذا نستخدم نماذج لدراسة عملية الاتصال ؟؛ طبيعة النماذج ؛ وظائف النماذج؛ الوظيفة التنظيمية لنماذج دراسة عملية الاتصال؛ النماذج تعمل على تطوير الأبحاث العلمية؛ وظيفة التنبؤ؛ وظيفة التحكم؛ صعوبات تصميم نماذج عملية الاتصال؛ الأنواع المختلفة لنماذج عملية الاتصال؛ النماذج اللفظية؛ النماذج الرياضية ؛ النماذج اللفظية المصورة؛ النماذج التفسيرية؛ نماذج الاتصال الذاتي؛ نماذج الاتصال بين فردين؛ نماذج الاتصال الجماهيري؛ الفصل السابع: نماذج الاتصال الذاتي: خلفية عملية الإدراك واكتساب المعاني؛ عنصر تخصيص المعاني وإعطاء الصفات ؛ عنصر الخروج بتوقعات؛ العنصر العاطفي؛ نموذج وايزمان وباركر؛ نموذج صامويل بويس؛ نموذج بولدينج؛ نموذج بارنلند؛ نموذج الإنسان كمركز لتنسيق المعلومات؛ نماذج الاتصال بين فردين؛ نموذج ر. س. روس؛ نموذج شانون وويفر ؛ التشويش الميكانيكي؛ التشويش الدلالي؛ مفهوم النظام في عملية الاتصال؛ مفهوم الحشو أو الإطالة؛ مفهوم رجع الصدى؛ علم التحكم الأوتوماتيكي؛ نموذج ديفيد برلو؛ نموذج الاتصال في الإطار الشخصي (نموذج التعلم) ؛ نموذج بارنلند، للاتصال بين فردين؛ نموذج وستلي وماكلين؛ الفصل الثامن: نماذج الاتصال الجماهيري: نموذج ولبر شرام؛ نموذج تشارلس رايت التحليل الوظيفي والاتصال الجماهيري؛ النتائج المطلوبة وغير المطلوبة من نشر المواد الإعلامية على الفرد والمجتمع؛ النتائج المطلوبة للمجتمع؛ النتائج المطلوبة للفرد؛ نتائج نشر المعلومات غير المطلوبة اجتماعياً؛ نتائج نشر المعلومات غير المطلوبة فردياً؛ نموذج ملفن دوفلور وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية كأنظمة اجتماعية؛ النماذج التفسيرية؛ نموذج التوازن في الاتصال؛ نموذج التوازن عند فريتز هيدر؛ عملية الاتصال في نموذج تيودور نيو كومب؛ نموذج الاتفاق عند أسجود وتاننباوم؛ موضوع الائتلاف (التوافق)؛ مسار التغيير الذي يحقق أو لا يحقق التآلف (الاتفاق) ؛ مدى الضغط اللازم لتحقيق التآلف؛ نواحي القصور في مبدأ التآلف؛ الفصل التاسع: نموذج التعارض في المعرفة: ظرف فرض الخضوع؛ ظرف التعرض الانتقائي للمعلومات؛ ظرف التأييد الاجتماعي؛ الإقناع في نموذج كرونكيت؛ نموذج الحكم الاجتماعي لشريف وهوفلاند؛ نموذج تحصين المتلقي ضد الإعلام المضاد؛ مقارنة نماذج الإدراك المعرفي؛ الخاتمة؛ المراجع المستخدمة في الكتاب.
المقدمة: ارتبط ظهور وسائل الإعلام الجماهيرية ارتباطاً وثيقاً بعملية نمو الثقافات الوطنية والقومية، ورافقه تطور الثورة المعلوماتية ابتداء من اختراع الطباعة مروراً بتطور وسائل الاتصال المسموعة والمرئية إلى آخر ما أنتجته تقنيات تكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية الحديثة من حاسبات إلكترونية أصبحت مرتبطة مع بعضها البعض عبر الأقمار الصناعية المخصصة لأغراض الاتصال من خلال شبكة "الإنترنيت " العالمية التي ما إن ظهرت حتى أصبحت جزأً لا يتجزأ وطرفاً رئيسياً في شبكات التبادل الإعلامي الدولي في عصر العولمة والانفتاح والتدفق الإعلامي الدولي متعدد الأطراف. وكان المفكرون ينظرون ولا يزالوا إلى وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية على أنها الشريك الفاعل والقوي والمسيطر الذي يشكل اتجاهات الرأي العام، من خلال تأثر القائم بالاتصال وتأثيره بالساحات الإعلامية المعنية. وتنبه الباحثون في مجالات الاتصال الجماهيري إلى تأثير العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع على النتائج التي يحققها مضمون المادة الإعلامية التي تحملها إليهم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. ومع ازدياد أهمية تقنيات المعلوماتية في العصر الحديث والتطور الهائل لوسائل الاتصال وتقنياتها الحديثة أصبحت المعلومات تحيط بنا من كل جانب حتى أصبحت طبقة تحيط بالكرة الأرضية كالغشاء الهوائي الذي يوفر لنا الحياة، ولكن قلة من الناس يتعاملون مع هذه الطبقة المعلوماتية ويدركون مدى فاعليتها وتأثيرها معتبرين أن الإذاعة المرئية كانت أساساً للانفجار المعرفي والمعلوماتي والاتصالي لأن محطات البث التلفزيوني أصبحت منذ مطلع تسعينات القرن العشرين في متناول المشاهد الذي يستقبل اليوم مئات القنوات التلفزيونية عبر الهوائيات المنزلية لاستقبال بث الإذاعات المرئية من الأقمار الصناعية مباشرة، أو عبر أنظمة نقل البث التلفزيوني بالكابلات أو عبر شبكات الانترنيت العالمية. ولو أن الطباعة كوسيلة إعلامية جماهيرية فعالة لم تتراجع أبداً. ولا أحد ينكر أن انتشار وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بشكل واسع أحدث تغييرات جذرية على تصورات الإنسان في جميع أنحاء العالم، واتسع من خلالها إطاره الدلالي بشكل لم يسبق له مثيل ولم يعد بالإمكان عزل الناس عن بعضهم البعض بأي شكل من الأشكال. لأن ما يحدث في أي نقطة من العالم لابد أن يترك أثاره على جميع أجزاء المعمورة. وببساطة تحول عالم اليوم إلى قرية الأمس من حيث شمولية المعرفة. واتسعت تصورات الفرد وأصبحت تلزمه باستيعاب وفهم سيل هائل من المعلومات تغمره بها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الحديثة عما يجري في جميع أنحاء العالم، وعن مختلف الثقافات والعادات والشعوب.
وأصبحت الضغوط الاجتماعية التي يتعرض لها الفرد في المجتمع، تولد ردود فعل متباينة لدى الأفراد. وردود الفعل هذه ارتبطت ليس بمصدر المادة الإعلامية فقط، بل وبمضمونها أيضاً، وأصبحت تحدد طبيعة ردود الفعل والخصائص الاجتماعية والفردية لكل المتعرضين للمادة الإعلامية. لأن العولمة فرضت على العالم مع نهاية القرن العشرين شبكات المؤسسات الإعلامية العالمية الضخمة، التي تتصارع داخلها المصالح الحيوية للدول المتطورة الغنية المهيمنة من خلال إمكانياتها الاقتصادية والتقنية والتكنولوجية وكلها تركت تأثيراتها السلبية والايجابية على الدول النامية. وهو ما دفعنا للقيام بهذه الدراسة المتواضعة مستعرضينً فيها: وسائل الإعلام الجماهيرية؛ وجمهور وسائل الإعلام الجماهيرية؛ ودراسات القائم بالاتصال؛ ونظريات مراحل انتقال المعلومات؛ وتطور الأبحاث الإعلامية واتجاهاتها الحديثة؛ ونماذج عملية الاتصال الجماهيري، والاتصال الذاتي؛ والاتصال الجماهيري؛ ونموذج التعارض في المعرفة. سائلاً الله (جل) أن أكون قد وفقت بوضع مادة علمية تساعد الطلاب والباحثين على إجراء دراسات مقارنة وتطوير أبحاث الاتصال والمعلوماتية الهامة جداً في القرن الحادي والعشرين.
طشقند 11/4/2009 المؤلف أ.د. محمد البخاري
الفصل الأول: وسائل الإعلام الجماهيرية. أوجدت تقنيات وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الجديدة قنبلة معلومات تنفجر بيننا وتمطرنا بشظايا من الصور تغير بشكل مؤثر جداً الطريقة التي يدرك بها كل منا عالمه الخاص وتصرفنا تجاهه حتى أصبحنا نغير تكويننا النفسي. وتعتبر الإذاعة المرئية أساس الانفجار الاتصالي. لأنه خلال الحرب العالمية الثانية، لم يكن هناك سوى ست محطات تبث برامج الإذاعة المرئية في كل الولايات المتحدة الأمريكية يومياً لمدة ساعة أو ساعتين لقلة أجهزة استقبال بث الإذاعة المرئية المتوافرة آنذاك. وخلال فترة لم تتجاوز الخمسة عشر عاماً أصبحت 90% من العائلات الأمريكية تملك أجهزة لاستقبال بث برامج الإذاعة المرئية. وفي تسعينات القرن العشرين أصبح المشاهد يستطيع استقبال ما بين 30 وحتى 100 قناة بث برامج الإذاعة المرئية عبر الهوائيات المنزلية المعدة لاستقبال بث الإذاعة المرئية من الأقمار الصناعية مباشرة، أو عبر أنظمة نقل بث برامج الإذاعة المرئية بالكابلات. ومع هذا لم تتراجع الطباعة كوسيلة إعلامية جماهيرية، إذ يصدر في الوقت الحاضر أكثر من 10,000 دورية، وحوالي 40,000 كتاب جديد في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها. ولا أحد يستطيع أن ينكر حقيقة أن انتشار وسائل الإعلام الجماهيرية بشكل واسع، أحدث تغييرات جذرية على تصورات الإنسان في جميع أنحاء العالم، اتسع من خلالها إطارهم الدلالي بشكل لم يسبق له مثيل ولم يعد بالإمكان عزل الناس عن بعضهم البعض بأي شكل من الأشكال. لأن ما يحدث في أي نقطة من العالم لابد أن يترك أثاره على جميع أجزاء المعمورة. وببساطة تحول عالم اليوم إلى قرية الأمس من حيث شمولية المعرفة. واتسعت تصورات الفرد وأصبحت تلزمه باستيعاب وفهم سيل هائل من المعلومات تغمره بها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الحديثة عما يجري في جميع أنحاء العالم، وعن مختلف الثقافات والعادات والشعوب.
وظائف وسائل الإعلام الجماهيرية: من الأمور الهامة التي تميز البشر عن غيرهم من المخلوقات الحية قدرتهم على خلق نظم معقدة للاتصال بينهم. فالإنسان كان ولم يزل يحتاج دائماً لوسائل تساعده على مراقبة الظروف المحيطة به، تنذره بالأخطار التي تنتظره، أو الفرص المتاحة للاستفادة منها. ووسائل تساعده على نشر المعلومات والقرارات والآراء والحقائق بين أفراد الجماعة الواحدة من البشر، أو بين الجماعات المتقاربة والمتباعدة. ووسائل تحفظ وتنقل تراث الأجيال السابقة إلى الأجيال الناشئة، ووسائل ترفه عن الإنسان وتشد عضده أمام الصعاب التي تواجهه في حياته اليومية. وكانت وظائف الاتصال من مهام بعض الأفراد في القبائل البدائية، عندما كان بعضهم يقوم بوظيفة الحراسة وتنبيه القبيلة كجهاز للإنذار المبكر عن الأخطار المحدقة بها عند اقتراب عدو ما، أو فرصة متاحة للصيد عند اقتراب قطيع من الحيوانات. وكان مجلس القبيلة يتمتع بسلطة اتخاذ القرارات والتأكد من تنفيذها. وكان من بين أفراد القبيلة من ينقل الأخبار والرسائل لأفراد القبيلة والقبائل المجاورة. وكان الشيوخ ينقلون للأجيال الصاعدة في القبيلة تراثها الديني والثقافي وعاداتها وتقاليدها. وكانت الأمهات تعلمن بناتهن أصول تحضير الطعام وتجهيز الملابس. وكان الآباء يعلمون أبنائهم أصول الصيد والقنص وفنون محاربة الأعداء. بينما تولى الرواة نقل القصص الشفهية المثيرة عن أمجاد القبيلة، والمغنون الأغاني المحببة لأفراد القبيلة، والراقصون الرقصات الدينية في المناسبات المختلفة. وقد بقيت وظائف الاتصال تلك التي كانت موجودة في المجتمعات البدائية، وانتقلت إلى المجتمعات الحديثة. بفارق تطور وسائل وتقنيات الاتصال الحديثة التي أصبحت متشابكة ومعقدة وأكثر اتساعاً وشمولية مقارنة بتلك الوسائل التي كانت متاحة للإنسان في الماضي. وأصبحت وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية اليوم، نظاماً مفتوحاً أمام قوى التغيير. وأصبحت تصل إلى جمهور كبير يشمل كل سكان العالم تقريباً. وأصبحت تؤثر على آراء الناس وتصرفاتهم واتجاهاتهم وأسلوب حياتهم. والمادة المطبوعة التي كان يقرؤها في الماضي عدد محدود من البشر، أصبحت اليوم بمتناول ملايين البشر. واتسع نطاق شبكات البث الإذاعي منذ أن بدأت أولى الشبكات الإذاعية عملها عندما بدأت هيئة الإذاعة البريطانية بثها المنتظم عام 1922، لتجد الصحافة المطبوعة نفسها مضطرة للتكيف مع المنافس الجديد (الإذاعة المسموعة)، وحينما ظهر بث الإذاعة المرئية بعد الحرب العالمية الثانية، كيفت الصحافة المطبوعة نفسها مرة أخرى، ولم تستطع هذه الوسيلة الحديثة للاتصال من إلغاء دور الصحافتين المطبوعة والمسموعة، وكل ما حدث أنها ساعدت على تطويرهما شكلاً ومضموناً. الأمر الذي جعل الكثيرين يؤمنون بقدرة وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية على التأثير في المجتمع وتغييره جذرياً. خاصة بعد أن دخلت تكنولوجيا الحاسب الآلي عالم الاتصال الجماهيري وتمكن خبراء الحاسوب الخارق من زيادة سرعته إلى أربعمائة مليار عملية حسابية في الثانية في منتصف عام 1996. وقدر الخبراء أن تبلغ هذه السرعة ألف مليار عملية حسابية في الثانية قبل نهاية عام 1998 مما يفتح آفاقاً واسعة أمام شبكات الكمبيوتر لنقل وتخزين المعلومات بسرعة خارقة.
تفاوت المقدرة الإقناعية لوسائل الإعلام الجماهيرية: دلت الأبحاث العلمية في مجال وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، على أن لكل وسيلة من وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، قوة إقناع تميزها عن غيرها من الوسائل. تتفاوت تبعاً لنوعية الجمهور الإعلامي الموجهة إليه، والموضوع الذي تتناوله. وأثبتت أن الاتصال المباشر هو أكثر قدرة على الإقناع من الإعلام المسموع، وأن الإعلام المسموع أكثر قدرة على الإقناع من الإعلام المقروء، وأن الإعلام المرئي أكثر قدرة على الإقناع من الإعلامين المقروء والمسموع. وأن القدرة على الإقناع تزيد كلما أزداد الطابع الشخصي للوسيلة الإعلامية المستخدمة في الاتصال. كما وأظهرت التجارب أن الإنسان الذي يتعرض لعدة وسائل إعلامية مهيأ للاقتناع أكثر من غيره. تبعاً لظروف التعرض للوسيلة والمادة الإعلامية. وقد توصل الباحث الأمريكي صمويل ستوفر عام 1940 إلى نتيجة هامة، تقول: أن المادة المطبوعة تصل إلى جمهور مستوى تعليمه أعلى من مستوى جمهور المادة الإعلامية المسموعة، لأن الإنسان الذي كان نصيبه من التعليم ضئيلاً، أقل قدرة على الانتقاء، وأكثر استعدادا لتقبل الإيحاء. وجاءت الإذاعة المرئية بعد ذلك كوسيلة إعلامية أكثر كمالاً، تجمع بين الصوت والصورة والحركة، ولتكون أكثر فاعلية وقدرة على الإقناع من أية وسيلة إعلامية أخرى. والاختلافات في التأثير بين وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في الطريقة التي يتم بها نقل المضمون الإعلامي. وكلما كانت الوسيلة المستخدمة في الاتصال أكثر قدرة على جعل عملية الاتصال أكثر حيوية وواقعية، كلما كان تأثيرها أكبر وأكثر فاعلية على الفرد والعلاقات الاجتماعية.
الخصائص المميزة لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية: الإعلام المقروء: يعد الإعلام المطبوع من أقدم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. وسبق الإعلام الجماهيري المسموع والمرئي بأكثر من قرنين ونيف. وللصحف خصائص وسائل الإعلام الجماهيرية الأخرى، ولكنها لا تستطيع تقديم الخبر بنفس السرعة التي تقدمها بها الإذاعة المسموعة، ولا تستطيع الاحتفاظ بالمعلومات كالكتاب، ولا تستطيع تقديم وجهات النظر بنفس الحجم الذي تقدمه بها المجلات، ولا تستطيع تقريب الواقع من المشاهد كما فعلته الإذاعة المرئية، ولكنها تفعل كل ذلك بصورة قد تكون أفضل من كل الوسائل الأخرى. ولهذا أصبحت الصحف جزءا لا يتجزأ من حياة الإنسان في كل المجتمعات. ويرجع الاتصال المطبوع إلى عام 1454م عندما اخترعت الطباعة بواسطة الحروف المتحركة، بعد أن تمكن الإنسان من اختراع آلة قادرة على إعطاء صوراً كثيرة مطابقة للأصل يمكن تبادلها بين القراء. وخدم هذا الاختراع الجديد في وقته مركز السلطة آنذاك، والمتمثل بسلطة الكنيسة. وسرعان ما انتشر استخدام المطابع على نطاق واسع. لتخدم عصر الإصلاح الديني خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين، من خلال تمكينها من نشر الحوار وتبادل الأفكار في أمور الدين والدنيا. ونشرت المطابع كتب أرسطو التي بقيت حبيسة المكتبات منذ القرون الوسطى، ونشرت روائع أدب عصر النهضة. ونقلت الأخبار التجارية للتجار في أوروبا. وساعدت المطابع في طباعة المنشورات مجهولة الهوية والمصدر، والتي كان لها دور المحرض الأساسي إبان الثورتين الفرنسية والأمريكية. حتى قيل أنه دون الصحافة كان من المحتمل حدوث عصر النهضة، ولكن كان من غير المحتمل حدوث الثورة الفرنسية أو الثورة الأمريكية من دون الصحافة. وسرعان ما تحولت الصحف إلى حارس للديمقراطية، وأصبحت من القوى الكامنة وراء التربية والتعليم. وأصبح بفضلها سكان المدن على اتصال ببعضهم البعض، موفرة فرص العمل للباحثين عنها، واليد العاملة اللازمة لتحقيق الثورة الصناعية. وساعدت الإعلانات التي نشرت على صفحات الصحف على تصريف السلع وخلق مبررات إنتاجها على نطاق كبير. ومع مطلع القرن العشرين وفرت الثورة الصناعية للصحف المطبعة البخارية أولاً، ومن ثم المطبعة الكهربائية التي مكنت من تخفيض تكاليف الطباعة وساعدت على خفض قيمة النسخة الواحدة، وعلى زيادة الأرباح لأصحاب الصحف. وأدى زيادة عدد النسخ الموزعة وانتشار الصحف على نطاق واسع إلى جذب المعلنين الذين راحوا يشترون المساحات الكبيرة من صفحات الصحف لنشر الدعاية والإعلانات عن سلعهم وخدماتهم. وكل هذه الظروف خلقت قناة اتصال جماهيري وفرت: 1- وسيلة إعلام جماهيرية رخيصة الثمن يستطيع الإنسان العادي دفعه؛ 2- وتوزيع عدد ضخم من النسخ لتصبح واسعة الانتشار؛ 3- والحصول على إعلانات مربحة؛ 4- وأدت إلى قيام مؤسسات نشر ضخمة.
ومن الخصائص المميزة للصحف أو المواد المطبوعة بشكل عام. أنها الوسيلة الإعلامية الجماهيرية الوحيدة التي تسمح للقارئ بالسيطرة على ظروف التعرض الإعلامي. وتتيح الفرصة له بإعادة القراءة مرات ومرات. كما أن المادة المطبوعة تسمح أكثر من غيرها من وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بتطوير المواضيع بأي حجم تتطلبه الحاجة. وهو ما أشارت إليه التجارب من أنه من الأفضل تقديم المواضيع المعقدة مطبوعة من تقديمها شفهياً، رغم أن هذه الميزة لا تشمل المواضيع البسيطة والسهلة. كما ويعتبر استخدام المادة المطبوعة للوصول للقارئ المتخصص وللجماعات الصغير أفضل من غيرها من الوسائل لرخص تكاليفها ومرونتها.
الإعلام المسموع: وتعتبر الإذاعة المسموعة من وسائل الاتصال القومية التي يمكنها الوصول لجميع السكان أينما كانوا بيسر وسهولة، متخطية كافة الحواجز الجغرافية والسياسية والحضارية. شاملة الجميع صغاراً وكباراً، متعلمين وأميين وأنصاف متعلمين، وجماعات يصعب الوصول إليها عبر وسائل الاتصال الأخرى. ولا تحتاج الإذاعة المسموعة لأي مجهود من قبل المستمعين، خاصة أنها لا تتطلب أوقات فراغ ولا أوضاع معينة للاستماع. لهذا اعتبرت الوسيلة السهلة التي تبقي المستمعين على اتصال دائم مع الأحداث والمتغيرات الجارية من حولهم. والمادة الإعلامية المسموعة قد تكون أكثر فاعلية وتأثيراً من المادة الإعلامية المنقولة بالاتصال الشخصي، لأنه يمكن تقويتها بالمؤثرات الصوتية (موسيقى) التي تترك انطباعاً أقوى لدي المستقبل. وهو ما أثبتته التجارب العلمية، من أن المواد الإعلامية البسيطة التي تقدم عن طريق الإذاعة المسموعة يسهل تذكرها أكثر من المادة التي تقدم مطبوعة، خاصة بين الأفراد الأقل تعليماً والأقل ذكاءً. كما يؤمن البعض بأن الإذاعة المسموعة من الوسائل الإعلامية الجماهيرية القادرة على جعل المستمعين يشعرون بالمساهمة والاقتراب الشخصي والواقعية، التي تشبه الاتصال الشخصي، وربما كانت الإذاعة المسموعة من أسهل وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية استخداماً على الإطلاق. رغم أنه في بعض المجتمعات المتقدمة أصبحت الإذاعة المسموعة من الوسائل الإعلامية التي يعرض الإنسان نفسه لها دون اهتمام أو اكتراث أو تركيز، أي أنه يستخدمها أساساً كمصدر للترفيه لا يحتاج لا للتركيز ولا للاهتمام. ومن الخصائص الأخرى التي تميز الإذاعة المسموعة، أن المتلقي يكيف المضمون بطريقة تجعله يتفق مع توقعاته الخاصة. وظاهرة الإسقاط معروفة في علم النفس، وهي من الخصائص المألوفة في حياة الإنسان اليومية. ويلعب الإسقاط دوراً هاماً في استجابة الناس للفنون الشعبية الجماهيرية. التي يفسرونها ويدركون مضمونها مع ما يتناسب ودوافعهم اللاشعورية وتوقعاتهم ورغباتهم. وهذا ينطبق على الإذاعة المسموعة أكثر من أية وسيلة إعلامية أخرى، لآن الإذاعة المسموعة تنشط الخيال إلى أقصى حد.
الإعلام المرئي (التلفزيون): هناك اعتقاد بأن الإعلام المرئي له فاعلية فريدة لأنه من وسائل الاتصال الجماهيرية التي تعتمد على حاستي السمع والبصر في آن معاً. وقد لوحظ أن هذه الوسيلة المرئية تستحوذ على اهتمام المشاهد الكامل، أكثر من أية وسيلة اتصال أخرى وخاصة بين الأطفال واليافعين. وأن الكثير من الكبار يقبلون دون أي تساؤل على جميع المعلومات التي تعرضها عليهم الشاشة الصغيرة وكأنها واقعية. ويتذكرون المواد الإعلامية المعروضة عليهم عبر الشاشة الصغيرة بشكل أفضل. والفارق بين الإذاعتين المرئية والمسموعة، هو في اختلاف طبيعة الاهتمام والتركيز أثناء التعرض للمواد الإعلامية. فالإذاعة المرئية تحتاج لانتباه أكثر تشمل حاستي السمع والبصر عكس الإذاعة المسموعة. ولا يستطيع المشاهد القيام بأي عمل آخر أثناء المشاهدة، بينما يستطيع المستمع السماع في أي ظرف كان. والمشاهد يندمج تماماً مع المواد الإعلامية المحددة المضمون التي يشاهدها عبر الشاشة الصغيرة، ولا يحتاج للتصور الذي يتحمل مشقته عند الاستماع فقط. إضافة لأن الإعلام المرئي يتطلب وقت تعرض أكبر، وتركيز أكبر، لدى المشاهدين عكس وسائل الاتصال الجماهيرية الأخرى. ومن المزايا الأساسية التي يتمتع بها الإعلام المرئي: 1- أنه أقرب وسيلة للاتصال الشخصي، فهو يجمع بين الرؤية والصوت والحركة واللون والتأثير. ويتفوق على الاتصال الشخصي بتكبير الأشياء الصغيرة، وتحريك الأشياء الثابتة؛ 2- وينقل الحدث فور وقوعه من مكان الأحداث مباشرة؛ 3- ويسمح بأساليب متعددة للدعاية والإعلان؛ 4- وهو الوسيلة القوية التي تهم كل الجمهور الإعلامي في المجتمعات المتقدمة، التي أصبحت فيها الوسائل الإعلامية الأخرى تتجه لجمهور إعلامي محدد ومتخصص.
الفصل الثاني: جمهور وسائل الإعلام الجماهيرية. من المعروف أن ظهور وسائل الإعلام الجماهيرية ارتبط ارتباطاً قوياً بعملية نمو الثقافات الوطنية والقومية، ومع تطور ثورة وسائل الاتصال الجماهيرية ابتداء من اختراع الطباعة مروراً بتطور وسائط الاتصال الإذاعي والتلفزيوني، إلى آخر ما أنتجته تكنولوجيا الاتصال الحديثة من حاسبات إلكترونية وأقمار صناعية مخصصة لأغراض الاتصال، إلى أن توجتها أحدث شبكة عالمية للحاسبات الإلكترونية "شبكة الإنترنيت العالمية" التي ما إن ظهرت حتى أصبحت جزأً لا يتجزأ وطرفاً رئيسياً في شبكة التبادل الإعلامي الدولي بعصر العولمة والانفتاح والتدفق الإعلامي متعدد الأطراف. وكان المفكرون ينظرون لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية دائماً، على أنها الشريك الفاعل والقوي والمسيطر، الذي يشكل اتجاهات الرأي العام. وعلى الرغم من ذلك فإننا نجد أن القائم بالاتصال تأثر وأثر بالجمهور الإعلامي، في عملية تبادلية تشبه في كثير من جوانبها عملية الاتصال بين فردين، إلا أنه لا يستطيع أن يرى جمهوره، ولا يستطيع أن يكيف نفسه وفقاً لراجع الصدى الذي يصل إليه عبر مختلف الأقنية الإعلامية. لأن عملية التفاعل بين القائم بالاتصال، والجمهور الإعلامي تصبح معقدة جداً عندما يكون القائم بالاتصال مؤسسة ضخمة غاية في التعقيد. ومن العقبات التي تواجه القائم بالاتصال في محاولاته لمعرفة طبيعة جمهوره الإعلامي، ومدى التأثير الذي يمكن أن توقعه المادة الإعلامية عليه: 1- أن وسائل الإعلام الجماهيرية هي مؤسسات ضخمة واسعة الانتشار، وتستخدم لأداء وظيفتها الإعلامية جماعة متميزة اجتماعياً لها مستوى معين من التعليم والثقافة، لا تربطها في أكثر الأحيان أي جوانب مشتركة مع قطاعات واسعة من الجمهور الإعلامي. 2- وأن القائم بالاتصال لا يستطيع اختيار الجمهور الذي يود التوجه إليه بدقة. 3- وضآلة راجع الصدى المتاح للقائم بالاتصال، رغم الأساليب الحديثة في التعامل مع الجمهور الإعلامي التي أتاحتها وسائل الاتصال الحديثة للقائم بالاتصال وهي مشاركة الجمهور الإعلامي من أي مكان في العالم عن طريق الاتصال المباشر مع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بواسطة أجهزة الهاتف الثابتة والمحمولة والبث الإذاعي المسموع والمرئي المباشر، وسهولة استقبال ما يرسله الجمهور الإعلامي من مواد إعلامية بواسطة الفاكس والبريد الإلكتروني. ومن المعروف أن تأثيرات عمليات الاتصال الجماهيري لا تقتصر على تأثير القائم بالاتصال، وتأثير المادة الإعلامية على الجمهور الإعلامي أثناء تلقيه المادة الإعلامية فقط، بل وتتعداها أيضاً إلى تأثير الجمهور الإعلامي على القائم بالاتصال أثناء إعداده للمادة الإعلامية وإرسالها عبر قنوات الاتصال الجماهيرية، من خلال توقعات القائم بالاتصال عن ردود الفعل المحتملة من قبل الجمهور الإعلامي. لأن ردود الفعل المحتملة من قبل الجمهور الإعلامي تلعب دوراً كبيراً وإيجابياً في عملية الاتصال.
أهمية دراسة جمهور وسائل الإعلام الجماهيرية: وسائل الإعلام الجماهيرية تهتم كثيراً بمعرفة مدى اتساع جمهورها، والفئات والشرائح التي يتكون منها هذا الجمهور، لعدة أسباب منها: 1- جذب المعلنين، وتحديد السياسة السعرية للإعلان. 2- وإنتاج مواد وبرامج إعلامية شيقة تجذب الجمهور الإعلامي، وبالتالي تجذب المعلنين. 3- وإنتاج مواد إعلامية وبرامج شبيهة بتلك المواد والبرامج الناجحة. 4- والتأكد من مدى الإقبال وقبول المواد والبرامج الإعلامية من قبل الجمهور الإعلامي. 5- والاستغناء عن إنتاج المواد والبرامج الإعلامية التي فشلت في كسب الجمهور الإعلامي، أو تلك التي بدأ الجمهور الإعلامي بالانصراف عنها، واستبدالها بمواد وبرامج أفضل. ودراسة الجمهور الإعلامي مرتبط تاريخياً بعلم النفس التطبيقي، وأول دراسة علمية لقياس الجمهور الإعلامي للصحافة، كانت الدراسة التي قام بها الباحث الأمريكي جورج جالوب بجامعة أيوا. وأول دراسة علمية لقياس الجمهور الإعلامي للإذاعة المسموعة كانت الدراسة التي قام بها عالما النفس الأمريكيين لملي وستانتون. وبدأت بعدها دراسات قياس القراء والمستمعين والمشاهدين بالاتساع والتطور والدقة في الأهداف والمرامي والأبعاد. ففي مجال قياس عادات القراءة كان جورج جالوب أول من ابتكر في الثلاثينات من القرن العشرين أسلوباً علمياً للتعرف على عادات قراءة الصحف والمجلات وهي "طريقة التعرف". عندما كانت وسائل الإعلام الجماهيرية آنذاك تعتمد في التعرف على اهتمامات الجمهور الإعلامي على البريد الوارد من الجمهور الإعلامي، وخاصة الشكاوي. أو من خلال استطلاعات الرأي التي كانت تنظمها الصحف والمجلات بين الحين والآخر. أو من خلال دراسة أسباب عدم تجديد الاشتراكات، والمسابقات ... الخ. وقد اعتمد جالوب في طريقته العلمية على أسلوب الاستفتاء المباشر، طالباً من القارئ الإشارة إلى المواد التي قرأها من الصحيفة التي بين يديه خلال الاستفتاء. وهي طريقة غاية في الصعوبة ومرهقة جداً للباحث. وقام قسم الأبحاث بكلية الصحافة بجامعة منسوتا في الولايات المتحدة الأمريكية بعد ذلك بتطوير أساليب البحث العلمي في هذا الاتجاه، بشكل أكثر دقة وسهولة لدراسة اهتمامات الجمهور الإعلامي (القراء) خلال النصف الأول من القرن العشرين، وبالتحديد من عام 1941 وحتى عام 1952، بإشراف: رالف نافزجر من عام 1944 وحتى عام 1949، وتشارلس سوانسون من عام 1949 وحتى عام 1952، وروبيرت جونز من عام 1952 وحتى عام 1972. وتركزت التطويرات على أساليب جمع المادة ميدانياً، وتبويبها، وقياس عادات المطالعة بشكل أكثر دقة وتفصيلاً من ذي قبل. كما قام المركز الأمريكي للتحقق من انتشار الصحف Audit Bureau of circulation بتوفير أول أرقام عن توزيع المجلات الأمريكية. ولكن سرعان ما اكتشف قصور هذه الطريقة، لأن عدد القراء فعلياً هو أكثر من أرقام التوزيع الفعلي، لسبب بسيط أن النسخة الواحدة يطالعها عدة أشخاص. ومن ثم تطورت الأبحاث لتشمل تصنيف الصحف والمجلات وفقاً لعادات المطالعة، إضافة لإلقاء الضوء على نوعية القارئ. أما في مجال دراسة الجمهور الإعلامي للإذاعتين المسموعة والمرئية، فقد بدأت بأبحاث لزرزفيلد في مركز الأبحاث التطبيقية بجامعة كولومبيا. وقامت بتطويرها فيما بعد مؤسسات الأبحاث التجارية، مستخدمة أساليب متعددة من دراسة عادات الاستماع والمشاهدة، كالمقابلة والحديث التلفوني أثناء بث البرامج على الهواء. وتحديد عدد محطات البث، وعدد أجهزة الاستقبال ... وغيرها من الأساليب. كما واهتم الباحث برأي الجمهور الإعلامي بالبرامج المختلفة التي تبثها الإذاعتين المسموعة، والمرئية. لأن راجع الصدى للقائم بالاتصال ضئيل جداً ولا يعرف كاتب ومعد ومخرج ومقدم البرنامج رأي الجمهور الإعلامي بما قدموه لهم، إن لم يستطلع رأي الجمهور الإعلامي بين الفينة والأخرى للوقوف على آراء المستمعين والمشاهدين من البرامج المختلفة المقدمة لهم. وطبيعي أن آراء الجمهور الإعلامي هي بمثابة المعيار الذي يحدد ملامح قيمه وأذواقه واحتياجاته. ويقسم الجمهور الإعلامي عند دراسته عادة إلى ثلاثة فئات هي: 1- حسب الجنس، والعمر، والتعليم والدخل المادي. 2- وحسب الميول الشخصية في التعامل مع وسائل الإعلام الجماهيرية المختلفة. 3- وحسب احتياجاته الإعلامية وطريقة حصوله عليها. ومن الدراسات المبكرة في هذا الاتجاه الهام من دراسة الجمهور الإعلامي، الدراسات التي قام بها الباحث الأمريكي ولبر شرام خلال أربعينات القرن العشرين، وتناول فيها العلاقة بين العمر والتعليم والوضع الاقتصادي ومطالعة الصحف. وتوصلت نتائج أبحاثه إلى: 1- أن قراءة الأخبار بشكل عام ترتفع طرداً مع ازدياد السن والتعليم، والإمكانيات المادية. 2. وأن قراءة الأخبار تزيد بسرعة كبيرة خلال فترة المراهقة، وتصل أعلى مدى لها خلال فترة العمر من 30 إلى 50 سنة، ثم تبدأ بالهبوط. 3. وأن الحاصلين على التعليم الجامعي هم أكثر قراءة من الحاصلين على التعليم الثانوي. 4- وأن القراء صغار السن ما بين 10 و 15 عاماً، أكثر اهتماماً بالصور والمواد الفكاهية والطرائف المصورة. 5- وأن أقصى مدى في مطالعة الأخبار في سن مبكرة، هي أكثر بين الرجال بالمقارنة مع النساء. 6- وأن التعليم هو السبب الرئيسي لاختلاف عادات المطالعة بين الرجال والنساء في آن معاً. 7- وأن الوضع الاقتصادي يسبب اختلافاً جوهرياً في عادات المطالعة بين الرجال والنساء. 8- وأن المراهقون، وذوي التعليم الابتدائي، والجماعات منخفضة الدخل والمستوى الاقتصادي، هم أكثر اهتماماً بمطالعة أخبار الجريمة والكوارث والحوادث من الأخبار الأخرى. 9. وأن هذا الوضع يستمر بالازدياد حتى سن الثلاثين، حيث يستقر بعد ذلك، ولا يتأثر بتحسن الوضع الاقتصادي، بينما ينخفض مع ارتفاع مستوى التعليم. 10- وأن ازدياد مطالعة الافتتاحيات والشؤون العامة مرتبط بازدياد السن والتعليم، وتحسن الوضع الاقتصادي. 11- وأن أعلى مستوى لمطالعة المواد الفكاهية هو في سن المراهقة، وتبدأ بالانخفاض من سن الخامسة عشرة، وزيادة مستوى التعليم وتحسن الوضع الاقتصادي. 12- وأن الاهتمام بالأخبار المصورة يبدأ في سن مبكرة، ويستمر في الزيادة حتى منتصف العمر. 13. وأن زيادة مستوى التعليم وتحسن الوضع الاقتصادي يساهم في ارتفاع الاهتمام بالأخبار المصورة. 14- وأن الاهتمام بالافتتاحيات السياسية يبدأ في سن المراهقة، ويستمر في زيادة ونقصان مع تحسن الوضع الاقتصادي. 15- وأن مطالعة أخبار المجتمع تنخفض في سن المراهقة وترتفع بشكل ملحوظ مابين سن الثلاثين، وسن الستين. وتزداد عند النساء مع تحسن الوضع الاقتصادي. 16- وأن مطالعة أخبار الرياضة تصل أقصى مدى لها في العقد الثاني من العمر، وخاصة بين طلاب المدارس الإعدادية والثانوية، وتبدأ بعد ذلك بالتناقص تدريجياً. وتتحسن مع تحسن الوضع الاقتصادي. 17- وأن مطالعة رسائل القراء المنشورة في الصحف هي أكثر عند كبار السن من الشباب. 18- وأن مطالعة الصحف في سن متأخرة هي أكثر منها للترفيه، من أنها مصدراً للمعلومات ووجهات النظر.
كما وتوصلت بحوث ولبر شرام إلى نتائج عن أهمية: 1- افتتاحيات الصحف والأخبار الرئيسية. 2- والصحف التي تهتم بالطرائف والأخبار المصورة. 3- وعلاقة الصحف وتعرض القراء لوسائل الإعلام الجماهيرية الأخرى. 4- وطبيعة الأخبار نفسها، التي قسمها ولبر شرام إلى فئتين متقاربتين تتفق مع تقسيم سيجموند فرويد للسلوك الإنساني، ومبدأ الحقيقة، ومبدأ اللذة (الاستمتاع). وذكر شرام في هذا الصدد: "أن القراء والمستمعين يتعاملون مع الأخبار وفق احتياجاتهم ورغباتهم العاجلة أو الآجلة. وأن الأخبار العامة والاقتصادية والمشاكل الاجتماعية والعلوم والتعليم والصحة هي للرغبات والحاجات الآجلة. أما أخبار الجريمة والفساد والحوادث والكوارث الطبيعية والرياضة والترفيه والاهتمامات الاجتماعية والإنسانية فهي لإشباع حاجات ورغبات عاجلة أي مباشرة". 5- وتأثير الجنس على عادات المطالعة. 6- وعمق المطالعة. 7- والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية. 8- وتأثير التعرض لوسائل الإعلام المختلفة. 9- وتأثير مضمون المادة الإعلامية على أذواق الجمهور الإعلامي.
خصائص الشخصية: من الحقائق المعروفة أن الضغوط الاجتماعية التي يتعرض لها الفرد في المجتمع، تولد ردود فعل متباينة لدى الأفراد. وردود الفعل هذه ترتبط ليس بمصدر المادة الإعلامية فقط، بل وبمضمون المادة الإعلامية أيضاً. وتحدد طبيعة ردود الفعل هذه الخصائص الاجتماعية والفردية لكل المتعرضين للمادة الإعلامية. وتبقى الشخصية الفردية كعامل مؤثر من عوامل الاستعداد للاقتناع وتغيير السلوك والمواقف وفق الإستمالات والحجج المستخدمة في المادة الإعلامية. وقد عكف علماء الاتصال على دراسة الاختلافات الفردية لدى الجمهور الذي تعرض لنفس المادة الإعلامية لمعرفة مدى الاستعداد الفردي لديه. فاكتشفوا نوعين من الاستعداد الفردي للاقتناع بمضمون المادة الإعلامية هما: 1- الاستعداد لتقبل أو رفض وجهة نظر معينة عن موضوع معين تتم مناقشته. 2- والاستعداد بشكل عام للاقتناع بصرف النظر عن الموضوع. ومن السمات الشخصية التي تجعل من الفرد أكثر تقبلاً أو مقاومة للمادة الإعلامية: 1- العلاقة بين المستويات الذهنية والاستعداد للاقتناع: وهي أدلة قدمها هوفلاند وزملاؤه عن: آ - الأفراد الذين يتمتعون بمستوى عال من الذكاء، ويتأثرون أكثر من الذين يقل مستوى الذكاء عندهم. لأنهم أقدر على الخروج باستنتاجات عن المواد الإعلامية المعتمدة على حجج منطقية مؤثرة. ب - والأفراد الأكثر ذكاء، هم أكثر قدرة على المحاكمة وأقل تأثراً بالمواد الإعلامية السطحية المدعمة بحجج غير منطقية. 2- والعوامل المتصلة بالحوافز المثيرة للاستعداد العالي للاقتناع: آ - كانخفاض تقدير الفرد لذاته. ب - والإحساس بالقلق وعدم الاستقرار. ج - وخصوبة الخيال. د - والتفتح الذهني. هـ - والتأثر بالآخرين. 3- والدوافع المتصلة بالاستعداد المنخفض للاقتناع، وتشمل السمات الشخصية التالية: آ - الشعور بالعداء للآخرين. ب - والميل للعزلة الاجتماعية. ج - والحالات العصبية الشديدة. 4- والحاجة للمعلومات، وطرق الحصول عليها، وغموض عملية الاتصال، وهي أبحاث عكف عليها الباحثون كوهين، وكلمان، وكوهلر الذين توصلوا عام 1959 إلى أن طبيعة هذه الفئة تركز على التبسيط وتمييز التفاصيل لحاجتهم الماسة لوضوح المادة الإعلامية وليس غموضها.
القائم بالاتصال: في ظروف العولمة التي أحاطت بالعالم مع نهاية القرن العشرين أصبحت المؤسسات الإعلامية عبارة عن شبكات عالمية ضخمة، تتصارع داخلها المصالح الحيوية للدول الغنية المهيمنة من خلال إمكانياتها الاقتصادية والتقنية والتكنولوجية. وتحولت كل مؤسسة إعلامية إلى نظام شديد التعقيد. فشبكات الإنترنيت التي تستقبل وتخزن وترسل معلومات مكثفة من جميع أنحاء العالم، رغم المسافات الشاسعة التي تفصل بينها، وتضعها في متناول الراغبين أينما كانوا، تعاني من محدودية الطلب على موادها الإعلامية مقارنة بالعرض الذي يتزايد كل دقيقة. وقد لا ينطبق هذا الوضع على الولايات المتحدة الأمريكية والدول الصناعية المتقدمة. لأن التقدم التكنولوجي المتلاحق في هذه الدول قد غير مسار الإنتاج ونشر المواد الإعلامية من خلال استخدام أجهزة الاتصال والكمبيوتر، عبر الأقمار الصناعية، ووسائل الاتصال المتطورة لجمع ونشر المعلومات التي تطالعنا بها الأخبار اليوم بالحرف والصوت والصورة. وأصبح تدفق المعلومات في وضع يصعب مقاومته مهما بلغت قوة الدولة التي تسعى لاحتواء هذه المعلومات أو مصادرتها. ولكن هذا الكم الهائل من المعلومات لا يجعلنا نصدق أن كل سكان العالم يستقبلون المعلومات من خلال شبكات الاتصال العالمية. كشبكة التلفزيون العالمية CNN، التي يعمل فيها 35 مراسلاً أجنبياً موزعين في 23 وكالة أجنبية، مقابل 500 مراسل لـ 100 وكالة أنباء مدعمة بالمحطات السلكية الرئيسية. وتصل أخبارها إلى 3% من سكان العالم فقط، لأن أربعة أخماس سكان العالم لا يملكون أجهزة استقبال لبث الإذاعات المرئية. ورغم النبوءة بزيادة عدد الذين يستخدمون شبكة المعلومات الإلكترونية الانترنيت من خلال أجهزة الكمبيوتر إلى ستة ملايين نسمة حتى مطلع القرن الحادي والعشرين. إلا أن التقرير السنوي للأخبار السلكية سجل نقصاً في عدد المراسلين والصحفيين في وكالات الأنباء المحلية والعالمية، وحتى في أكبر الشبكات الإخبارية العالمية كـ Reuters، وCNN، وAFP لتغطية الأنباء من جميع أنحاء العالم. ومن الملاحظ أيضاً أن ظهور الإعلام المرئي قد أدى إلى هبوط الطلب على الإعلام المطبوع. وظل عدد نسخ الصحف في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً من عام 1965 وحتى عام 1995 على حاله 59 مليون نسخة، رغم زيادة عدد السكان من 185 مليون نسمة إلى 260 مليون نسمة. أما بالنسبة للمادة الإخبارية ومحتوياتها، فإن التحول من الكلمة المطبوعة إلى الكلمة المرئية قد أصبح ظاهرة أكبر من كونها مجرد تغيير في وسيلة الاتصال الجماهيرية. والكل يعلم بأن جهاز استقبال بث الإذاعة المرئية احدث تغييراً جذرياً في طريقة تفاعل الجمهور الإعلامي مع الأحداث. وأن السياسيين والدبلوماسيين فهموا أن الإذاعة المرئية أكثر ملامسة للمشاعر والأحاسيس من غيرها. وأن لها تأثير فعال على صناعة السياسة الخارجية أكثر من أي وسيلة إعلام جماهيرية أخرى. وعلى سبيل المثال حذر السياسيون عبر قنوات الإذاعة المرئية السياسة الخارجية الأمريكية من التورط بأي تدخل عسكري خارجي بعد التدخل العسكري الأمريكي في حرب فيتنام، والهجوم الشرس الذي شنه الرأي العام داخل الولايات المتحدة الأمريكية، على الإدارة الأمريكية. وهي الأسباب نفسها التي دفعت بالرئيس جورج بوش الأب لوقف العمليات العسكرية الناجحة ضد العراق عام 1991 خشية تصاعد سخط الشعب الأمريكي إذا ما تورط أكثر من اللازم في حرب الخليج، وهو الموقف الذي اعتمد عليه الرئيس كلينتون في الامتناع عن ما أقدم علية الرئيس جورج بوش الابن عام 2003 بعد التعاطف الذي حصل عليه نتيجة للأحداث الإرهابية التي حدثت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001 وصدمت الشعب الأمريكي ليؤيد بمعظمه اجتياح القوات الأمريكية وقوات التحالف الدولي بموافقة الشرعية الدولية لأفغانستان في نفس العام، واجتياح العراق رغم اعتراضات الشرعية الدولية عام 2003 وما رافقها من مخالفات صريحة لمبادئ الحقوق الدولية التي تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية نفسها المدافع الأول عنها. والصورة الإعلامية اليوم تختلف كثيراً عنها بالأمس، بعد انتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفييتي السابق. والتي تعتبر نقطة التحول في تحول الاستهلاك الإعلامي الأجنبي حتى في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. فقد كانت وسائلها الإعلامية الجماهيرية تركز في السابق على قطبي الحرب الباردة، وكان الجانب الذي تمثله الولايات المتحدة الأمريكية يعتبر الجانب الطيب في مضمونها، بينما مثل الإتحاد السوفييتي السابق الجانب الشرير في مضمونها. وكانت الصورة في مضمون المادة الإعلامية تمثل أن الولايات المتحدة الأمريكية تدعو إلى الحرية والديمقراطية وزيادة الثروة والرخاء، وأن التحالف معها إيجابي. بينما انعكست صور الإتحاد السوفييتي السابق في مضمون تلك المادة الإعلامية كمثال لمساوئ النظم الشمولية والقمع والحرمان، وأن التحالف معه سيء. وأنهى انهيار الإتحاد السوفييتي السابق قضية التحيز في مضمون المادة الإعلامية لوسائل الإعلام الجماهيرية الأمريكية. وفتر حماس الجمهور الإعلامي داخل الولايات المتحدة الأمريكية نحو أخبار وأحداث الشعوب الأخرى، مع زوال التهديد النووي السوفييتي ضد الولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما أثبتته الدراسات العلمية التي نفذتها المنظمات المهنية والعلمية، وتناولت تأثير انتهاء الحرب الباردة على شبكات الإذاعة المرئية العالمية، وأظهرت انخفاض كمية المواضيع والأخبار الأجنبية من 35% إلى 23%. بينما كانت هذه الشبكات تخصص خلال السبعينات من القرن العشرين 40% من الوقت المتاح لتغطية الأنباء الأجنبية. وانخفض هذا الوقت عام 1995 إلى 13,5%، كما وتراجعت بعض الشبكات الإخبارية الرئيسية في الولايات المتحدة كـ NBC، و CBS، و ABC عن تسجيل وتغطية الأخبار والأحداث الجارية في الدول الأجنبية، بينما استمرت شبكة CNN في محاولاتها لتغطية الأنباء العالمية، رغم تزايد عدد الأقمار الصناعية ووسائل الاتصال المتطورة تكنولوجياً. وعندما ندرس ما يحدث داخل المؤسسات الإعلامية نشعر بمدى تعقد وتشابك أعمالها. ففي داخل تلك المؤسسات الإعلامية تتخذ كل دقيقة قرارات هامة وخطيرة. ونظراً لأهمية تلك القرارات فلابد أن نعرف الأسلوب الذي يتم من خلاله اتخاذ تلك القرارات، ومن يتخذها فعلاً، وطبيعة القائم بالاتصال في تلك المؤسسات، والعوامل التي تؤثر على اختياره للمواد الإعلامية. وتحليل وسائل الإعلام الجماهيرية كمؤسسات لها وظيفة اجتماعية، ودراسة دور ومركز القائم بالاتصال، والظروف والعوامل التي تؤثر على اختيار مضمون المادة الإعلامية. وكيف يصنع الصحفيون الأخبار، والجوانب الأخلاقية والمهنية التي يتمسكون بها، وطبيعة السيطرة البيروقراطية المفروضة عليهم. وتعتبر دراسة "مراسلي واشنطن" التي نفذها ليو روستن عام 1937 أول دراسة كلاسيكية عن سيكولوجية المراسل الصحفي، تناولت بالشرح والتحليل القائمين بالاتصال في الولايات المتحدة الأمريكية. وتتالت الدراسات إلى أن نشر الباحث الأمريكي ديفيد مانج وايت دراسته "حارس البوابة وانتقاء الأخبار" التي أعطت دفعة قوية لبحوث القائمين بالاتصال. والفضل الأكبر بتطوير ما عرف بعد ذلك بنظرية "حارس البوابة" يعود لعالم النفس الأمريكي النمساوي الأصل كورت لوين. وذكر لوين أن "المادة الإعلامية عبر رحلتها الطويلة حتى تصل للجمهور الإعلامي، تمر في نقاط أو بوابات يتم فيها اتخاذ قرارات تتعلق بما يدخل وما يخرج. وأنه كلما طالت المراحل التي تقطعها الأخبار حتى ظهورها في وسيلة الإعلام الجماهيرية، كلما ازدادت المواقع التي يصبح فيها من سلطة فرد أو عدة أفراد تقرير ما إذا كانت المادة الإعلامية ستنقل بنفس الشكل التي هي عليه، أو بعد إدخال بعض التغييرات عليها. لهذا يصبح نفوذ من يديرون هذه البوابات والقواعد التي تطبق عليها، والشخصيات التي تملك بحكم عملها سلطة اتخاذ القرار ذات أهمية كبيرة بالنسبة لانتقال المعلومات". أي أن دراسات "حارس البوابة" هي دراسات تجريبية ومنتظمة لسلوك أولئك الذين يسيطرون في نقاط مختلفة على مصير المادة الإعلامية.
نظرية حارس البوابة الإعلامية: تمر المادة الإعلامية بمراحل عديدة وهي تنتقل من المصدر الإعلامي حتى وصولها للمتلقي "الجمهور الإعلامي"، وتشبه هذه المراحل السلسلة المكونة من عدة حلقات. ومن أبسط أنواع السلاسل الإعلامية، سلسلة الاتصال المباشر بين فرد وآخر. بينما تدخل سلسلة الاتصال الجماهيري شبكة اتصالات معقدة تمر عبر العديد من حلقات وأنظمة الاتصال. وعادة ما تخرج المواد الإعلامية من تلك الحلقات والأنظمة أكثر مما دخل منها، مما سمح لشانون بأن يطلق عليها تسمية (أجهزة تقوية) لأنها تضاعف وتزيد من كميات المواد الإعلامية التي تدخل إليها وتوصلها بالتالي للجمهور الإعلامي. ووسائل الإعلام الجماهيرية بحد ذاتها هي شبكات من الأنظمة داخل أنظمة متصلة ببعضها بطرق معقدة، يقوم من خلالها القائمين بالاتصال واستقبال وإعداد وإرسال المواد والرسائل الإعلامية، التي يستقبلها المتلقي الذي هو جزء من شبكة علاقات قائمة داخل الجماعة التي ينتمي إليها. ومن دراسة لأسلوب عمل هذه الشبكة نستطيع التنبؤ باستجابة المستقبل للمادة الإعلامية. ولنتعرف على الطريقة التي تعمل فيها سلاسل الاتصالات التي تنقل المواد الإعلامية لجميع أنحاء المجتمع، من خلال الإشارة للحقائق الأساسية التي أشار إليها كرت لوين: بأنه في كل حلقة من السلسلة، فرداً معيناً يتمتع بحق تقرير ما إذا كان سينقل أو لا ينقل المادة الإعلامية التي تلقاها، وما إذا كانت المادة الإعلامية التي تلقاها ستصل إلى الحلقة التالية تماماً بنفس الشكل الذي وصلت به، أم سيدخل عليها بعض التغييرات والتعديلات. وحارس البوابة تعني السيطرة على موضع استراتيجي معين في سلسلة الاتصال، بحيث يتمتع فيها حارس البوابة بسلطة اتخاذ القرار والتحكم فيما يمر عبر بوابته، يمر أو لا يمر، وكيف يمر، حتى نهاية السلسلة إلى الوسيلة الإعلامية ومنها إلى الجمهور الإعلامي. وذكر لوين أن المواد الإعلامية تمر بمراحل مختلفة حتى ظهورها على صفحات الصحف والمجلات، أو عبر وسائل الإعلام الجماهيرية الإلكترونية، وأطلق على هذه المراحل تسمية بوابات. وذكر أن هذه البوابات تقوم بتنظيم كمية وقدر المواد الإعلامية التي تمر من خلالها. وأشار إلى أن فهم وظيفة البوابة، يعني فهم المؤثرات والعوامل التي تتحكم في القرارات التي يتخذها حارس البوابة. بما معناه بأنه هناك مجموعة من حراس البوابات، يقفون في جميع مراحل سلسلة الاتصال التي تنقل المواد الإعلامية عبرها. ويتمتع كل منهم بحق فتح أو إغلاق بوابته أمام المادة الإعلامية التي تصله، وأن من حق كل منهم إجراء تعديلات على المواد الإعلامية التي ستمر عبر بوابته. ومن نظرة في سلسلة الاتصال التي تنقل الأخبار، نرى أن المحرر في وكالة الأنباء، أو في الصحيفة، أو في برامج الإذاعتين المسموعة أو المرئية، يتلقى كمية كبيرة من المواد الإخبارية التي تحتاج لاتخاذ قرارات حارس البوابة. ويتوقف ذلك على مدى مستوى وموضوعية هذا المحرر، لأن له الدور الهام في توجيه الرأي العام وتحديد آرائه عن أحداث العالم المختلفة.
الفصل الثالث: دراسات القائم بالاتصال. تنقسم دراسات السيطرة الاجتماعية، أو حارس البوابة إلى أربعة أقسام رئيسية، وهي: 1- دراسات تأثير الظروف المحيطة على القائمين بالاتصال: وتهتم بالظروف التي تؤثر على اختيار وسيلة الإعلام لمادتها الإعلامية، وكيفية تأثير اهتمام وسيلة إعلامية معينة بموضوع إعلامي معين على اهتمام وسائل إعلامية أخرى بنفس الموضوع. والطريقة التي يتم فيها نقل أو توصيل السياسة إلى حجرة الأخبار والمحررين، ومدى قبول أو رفض الصحفيين لهذه السياسة، ونتائج هذا الرفض أو القبول عليهم. والموضوعات التي تهملها الوسيلة الإعلامية، وتتعمد عدم نشرها، وأهمية هذا الحذف على القيم الثقافية واستمرارها. وبشكل عام أفكار الصحفيين والضغوط التي تفرض عليهم. 2- دراسات تأثير النواحي المهنية على القائمين بالاتصال: وتهتم بالطريقة التي يؤثر بها نظام إخراج المادة الإعلامية على المحرر الذي يتلقى المادة الإعلامية، الأمر الذي يحد من مجالات اختياره وتأثير التدريب المهني للصحفي على إدراكه للأخبار. وتأثير الجوانب المهنية على المادة الإعلامية. وأداء القائم بالاتصال لعمله تحت تأثير الضغوط النفسية. 3- دراسات الجوانب الفنية والمادية لعمل القائمين بالاتصال: وتتناول أسلوب صياغة الأخبار، وانتقالها والميكانيكية التي تتحكم بنشرها. 4- دراسات اختبار وقياس القائمين بالاتصال: وتتناول خصائص الصحفيين وتوافقهم مع العمل المسند إليهم.
وسنستعرض من نماذج تلك الدراسات: نموذج تصور القوى الاجتماعية والسيكولوجية المؤثرة على اختيار القائم بالاتصال للمادة الإعلامية. يتعرض القائم بالاتصال لضغوط مختلفة، تتنوع بين مجتمع وآخر. ومن هذه الضغوط: 1- المحافظة على قيم وتقاليد المجتمع: لأن النظام الاجتماعي الذي تعمل في إطاره وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، يعتبر من القوى الأساسية التي تؤثر على القائمين بالاتصال. ومن المعروف أن لكل نظام اجتماعي جملة من القيم والمبادئ التي يعتز بها ويعمل على ترسيخها بين أفراده، ووجهت نحو التنشئة الاجتماعية وللمحافظة على القيم والثقافية والاجتماعية، سواء في الدول المتقدمة أم في الدول النامية. 2- تحقيق الاتفاق حول الأساسيات في المجتمع: بهدف الحفاظ على الوحدة الوطنية وتماسك المجتمع داخلياً. ومن أجل ذلك يختار القائمون بالاتصال في وسائل الإعلام الجماهيرية المواد الإعلامية التي تحقق هذا الهدف، عن طريق اختيار الأنباء والإغفال المتعمد لبعضها. ويتحقق هذا الهدف أيضاً عن طريق المصادر الإعلامية المؤثرة على القائمين بالاتصال، لأن الصحفي يسعى دائماً لاستقاء المعلومات من مصادرها الهامة. فيتجهون لمن يشغل المناصب القيادية، الذين بدورهم يعطون المعلومات التي تخدم أهدافهم. وكثيراً ما يلجأ القائمون بالاتصال إلى تقديم تلك المعلومات منسوبة لمصادرها، أو تأجيل التعليق عليها رغبة في الظهور بمظهر الحياد، وتحقيق هدف الإجماع والاتفاق في المجتمع. 3- تأثير المؤسسات الإعلامية الكبيرة، على الصغيرة: فهناك مؤسسات إعلامية جماهيرية تتحكم بتدفق المعلومات من خلال إمكانياتها البشرية، والتقنية والمادية، وبالتالي تسيطر من خلال ما تقدمه من مواد إعلامية على المؤسسات الإعلامية الأصغر حجماً والأقل إمكانية. وتؤثر على القائمين بالاتصال من خلال ذلك. 4- دور وكالات الأنباء، والوكالات المتخصصة في زيادة التماثل في مواد مختلف الوسائل الإعلامية الجماهيرية: فهي تقدم موادها الإعلامية لكل أنواع وأشكال وسائل الإعلام الجماهيرية في نفس الوقت، مما يؤدي إلى تشابه المواد المنشورة عن نفس الموضوع فيما لو نشرته أكثر من وسيلة إعلامية. 5- تأثير الاعتبارات الذاتية والضغوط المهنية على القائم بالاتصال: ويتضمن: أ- الضغوط التي يتعرض لها القائم بالاتصال في حجرة الأخبار. ب- تأثير سياسة الناشر. ج- طموح القائم بالاتصال ورغبته في تحسين أوضاعه الوظيفية بسرعة، وتطوير نفسه. د- اعتبارات آلية العمل، وضرورة تقديم المواد في موعد محدد ليتم نشرها في الوقت المناسب دون تأخير. 6- الجمهور الإعلامي: من خلال تأثيره على القائم بالاتصال عند مراعاته لرغبات الجمهور الإعلامي في اختيار المادة الإعلامية المناسبة للنشر وإعدادها.
دور وسائل الإعلام الجماهيرية في المحافظة على القيم الاجتماعية، وتحقيق الانصهار الثقافي والاجتماعي في المجتمع: ذكر وارين بريد في دراسته التي نشرها عام 1964، إلى أن كل نظام في شبكة الاتصال الجماهيرية مهما كان نوعه، مقيد بجملة من الظروف والأحداث المتصلة ببعضها البعض. ويتوجب علينا دراسة مدى اعتماد كل نظام على الأنظمة الأخرى المتصلة به، والأحداث التي تدور من حوله. وأن القائم بالاتصال يعمد في بعض الأحيان إلى عدم تغطية الأحداث التي تقع من حوله كاملة، منطلقاً من ضميره وشعوره بالمسؤولية حيال المجتمع. وحتى أن وسائل الإعلام الجماهيرية تضحي بالسبق الصحفي، من أجل تدعيم التقاليد والقيم الاجتماعية، وخلق الاتفاق والإجماع والاندماج في المجتمع، وتجنب ما يضر بمؤسساته. وتعمل وسائل الإعلام الجماهيرية على تحقيق الاستقرار والإجماع الثقافي في المجتمعات المعقدة متعددة الأنماط الثقافية وأساليب الحياة، بتأكيدها على كل تلك الأنماط انطلاقاً من فرضية أن المادة الإعلامية: آ- تعكس صورة المجتمع؛ ب- وتشكل المجتمع؛ ج- وتحافظ على المجتمع وتجعله أكثر استقراراً. فوسائل الإعلام الجماهيرية تخدم أهدافاً اجتماعية وثقافية محددة، وتقرب بين الناس وتوثق علاقاتهم، وتساعد على تنشئتهم اجتماعياً، وتعودهم على أنماط من السلوك المقبولة اجتماعياً. وقد كان الاعتقاد السائد أن وسائل الإعلام الجماهيرية تعمل على تحقيق الاستقرار والاجتماع الثقافي في المجتمع عن طريق التأكيد على الأنماط والأساليب المثالية السائدة داخل المجتمع. وهو ما أثبتته دراسات تحليل مضمون المواد الإعلامية المنشورة. وكان وارين أول من ساهم في تغيير اتجاه دراسات تحليل مضمون المادة الإعلامية عندما قام في دراساته بتحليل المواد الإعلامية غير المنشورة، أي المحذوفة، مستعيناً بآراء الصحفيين. فتوصل بذلك إلى افتراض جديد، يقول: أن وسائل الإعلام الجماهيرية تعمل على تحقيق الاتفاق الثقافي والاجتماعي عن طريق الحذف وإبعاد المواد الإعلامية التي تهدد البناء الاجتماعي والثقافي، وتهدد ما يؤمن به الفرد. وقد أظهرت الدراسات التي قام بها وارين أن ثلث المواد الإعلامية المحذوفة تتعلق بالموضوعات السياسية والاجتماعية، وأن خمس المواد الإعلامية المحذوفة تتعلق بالأمور الدينية، بينما تناولت بقية المواد الإعلامية المحذوفة قضايا الأسرة، والبطولة الفردية، والصحة، والقضاء، وكرامة الفرد. ونستنتج من ذلك أن وسائل الإعلام الجماهيرية تقوم بحماية الأنماط الثقافية والقيم الاجتماعية منطلقة من موقفها ومن وجهة نظرها الخاصة. وأن ما لا تقدمه وسائل الإعلام الجماهيرية من مواد إعلامية لا يقل أهمية عن المواد الإعلامية التي تقدمها. وفي هذا تبرير لاستخدام الكذب الأبيض من قبل وسائل الإعلام الجماهيرية، وتجنبها لذكر الحقائق التي تجرح الشعور العام.
القائمون بالاتصال والمصادر الإعلامية: ومن العوامل المؤثرة على القائمين بالاتصال في النموذج التصوري، العلاقة بين القائمين بالاتصال والمصادر الإعلامية التي تعمل على تحقيق مبدأ الاتفاق الاجتماعي. وهي: آ) أن يبقى المراسلون مستقلين عن مصادر الأنباء؛ ب) وأن يجد المراسلون والمصادر الإعلامية مجالات يتعاونون فيها من أجل تحقيق مصالحهم المشتركة؛ ج) وأن لا تسيطر المصادر الإعلامية على المراسلين، وبالعكس. وقد وجد ولتر جيبر الذي درس العلاقة بين المراسلين والمصادر الإعلامية، أن كلاً من القائم بالاتصال والمصدر الإعلامي يعتبرون وسائل الإعلام الجماهيرية حارساً للديمقراطية. وأنهما يؤيدان إبقاء قنوات الاتصال الجماهيرية مفتوحة انطلاقاً من اهتمامهما المشترك بالمصلحة العامة. وأدرك الفوارق بينهما والتي تتلخص في: 1- أن المصدر الإعلامي يعتبر نفسه حارساً لرفاهية المجتمع؛ 2- وأن القائم بالاتصال يعتبر نفسه حامياً للجمهور الإعلامي؛ 3- وأن لكل منهما فكرة مهزوزة وإدراك نمطي عن الجمهور الإعلامي؛ 4- وأن كلاً منهما قد طور إدراكاً خاصاً لدوره العام، وإطار دلالي خاص به يحدد من خلاله عملية الاتصال بينهما؛ 5- وأن كلاً منهما يدعي لنفسه الدور الأساسي في الاتصال بالجمهور الإعلامي؛ 6- وأنهما معاً مسؤولان عن انهيار عملية الاتصال.
فبالنسبة للمصدر الإعلامي: يجب تطهير المواد الإعلامية من المعلومات التي تهدد اتفاق الرأي العام، وأن تلك المواد الإعلامية يجب أن تساعد على تحقيق الاتفاق في المجتمع. وبما أن وسائل الإعلام الجماهيرية هي الشريان الرئيسي للاتصال بالجمهور الإعلامي، فيجب أن يكون الهدف الأساسي للمصدر الإعلامي استخدامها لتحقيق الأهداف عن طريق الإقناع، واستغلال العلاقة التي تربط بينه وبين القائم بالاتصال. أما بالنسبة للقائم بالاتصال: فهو ينظر إلى نفسه كموزع مستقل للمواد الإعلامية، وأن وظيفتهم هي مراقبة وحماية أعمال الحكومة، والتعاون مع المصادر الإعلامية. بينما يتوقع الجمهور الإعلامي من وسائل الإعلام الجماهيرية أن تغطي الأخبار بشكل موضوعي ونقدي، وبتقييم مستقل. وهذا يتطلب أن تبقى وسائل الإعلام الجماهيرية حرة بعيدة عن ضغوط المصادر الإعلامية، ومتحررة من القيود البيروقراطية.
قادة الرأي من وسائل الإعلام الجماهيرية: ومن العوامل المؤثرة على القائمين بالاتصال في النموذج التصوري هو تأثير وسائل الإعلامية الجماهيرية الضخمة، على وسائل الإعلام الجماهيرية الأصغر منها. لأن الأخيرة وكما هو معروف تقلد الأولى في أسلوب اختيارها لمضمون المادة الإعلامية. وقد توصل وارين بريد نتيجة للأبحاث التي درس فيها صحف النخبة التي تعتبر من قادة الرأي، إلى فرضية تقول أنه هناك عملية شريانية من التأثير تزيد من التشابه والتماثل بين الصحف الصادرة في الولايات المتحدة الأمريكية، سببه تقليد الصحف الصغيرة لأسلوب اختيار الأخبار في الصحف الكبيرة. ووجد المخرج من هذا الوضع بتعيين مراسلين ومحررين أفضل وبمستويات مهنية أرقى للعمل في الصحف الصغيرة. وهي نفس النتائج التي أكدتها البحوث اللاحقة، ووجدت: آ) أن وسائل الإعلام الجماهيرية تتضمن نفس المواد الإعلامية أو مواد إعلامية مشابهة لها؛ ب) وأته هناك تماثل في طرق صياغة وأساليب ترتيب تلك المواد الإعلامية. ومن العوامل الكثيرة المسببة لهذا التماثل في المضمون الإعلامي وطرق معالجة المواد الإعلامية: 1- لأن مختلف الوسائل الإعلامية الجماهيرية تعتمد على خدمات نفس وكالات الأنباء التي تزودها بنفس المواد الإعلامية، مما يسبب ظهورها في تلك الوسائل الإعلامية في وقت واحد؛ 2- وتوزيع مواد الإعلانات والدعاية المتشابهة على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام الجماهيرية المختلفة؛ 3- وتركز ملكية وسائل الإعلام الجماهيرية في أيدي قلة من الأفراد، أو تبعيتها لإشراف إدارة مركزية واحدة؛ 4- وتشابه السياسات التحريرية المحافظة سياسياً في مختلف وسائل الإعلام الجماهيرية، رغم استقلال المحررين في اختيارهم للمواد الإعلامية بناءً على اعتباراتهم الذاتية. ومن الأدلة التي تثبت التأثير الشرياني بين وسائل الإعلام الجماهيرية، متابعة الصحفيين لما تنشره وسائل الإعلام الجماهيرية، للحصول على معلومات جديدة والاستفادة منها في عملهم. ومن الدوافع الكثيرة التي تدفع الصحفي لمتابعة ما تنشره وسائل الإعلام الجماهيرية المختلفة، الحاجة لمعرفة آخر التطورات في أساليب تقديم المواد الإعلامية، بهدف رفع سوية عمله وزيادة فاعليته من خلال متابعة الأحداث الجارية، ومقارنة عمل الغير بالعمل الذي يقوم به، والبحث والتنقيب عن الجديد الذي هو من مميزات الصحفي، فالصحفي يبحث دائماً عن شيء لا يستطيع تحديده بشكل مسبق لأنه يبحث عن الحدث الجديد والمادة الجديدة التي تهم الجمهور الإعلامي. وقد يجد ضالته في ما تنشره الوسائل الإعلامية الجماهيرية الكبرى من مواد إعلامية، وهذا حافز يدفعه إلى التقليد.
تأثير الضغوط المهنية على القائم بالاتصال: والعامل المؤثر الآخر على القائم بالاتصال في النموذج التصوري، هو: الضغوط المهنية التي يتأثر بها القائم بالاتصال أثناء عمله وتجعله يقبل بسياسة وسلة الإعلام الجماهيرية التي يعمل فيها. ومن هذه الضغوط: 1- ظروف العمل في القسم الإعلامي، التي يفرضها البناء البيروقراطي للعمل الصحفي. ومنها السياسة الإعلامية للوسيلة الإعلامية التي يتبعها القسم، وخاصة عند حدوث تناقض في تلك السياسة. 2- التعارض بين سياسات الناشر وتطلعات القائم بالاتصال: فلكل وسيلة إعلامية جماهيرية سياسة معينة، سواء اعترفت بتلك السياسة أم لا. وتظهر هذه السياسة بوضوح من خلال صياغة المواد الإعلامية وطرق عرضها أو نشرها، ومن خلال إهمالها المتعمد لبعض المواد الإعلامية الأخرى التي تتناول موضوعاً معيناً أو حدثاً معيناً يتعارض وسياستها الإعلامية. ودراسة السياسة الإعلامية لأي وسيلة إعلامية، هام جداً لأن المجتمع الديمقراطي يحتاج إعلام حر ومسؤول يحيط الجمهور الإعلامي بما يحدث من حوله في هذا العالم سريع التطور والتغيير، دراسة تتناول أسباب ودوافع تحيز السياسة الإعلامية التي تتبعها الوسيلة الإعلامية أثناء أدائها لعملها. وكذلك أسباب ودوافع تقيد القائم بالاتصال بتلك السياسة الإعلامية غير المعلنة في أكثر الحالات.
تأثير الجمهور الإعلامي: ويأتي الجمهور الإعلامي كأحد العوامل المؤثرة على القائم بالاتصال في النموذج التصوري. وقد توصل أثيل دوسولا بول، وشولمان، إلى نتيجة مفادها أن الجمهور الإعلامي يؤثر على القائم بالاتصال، وأن القائم بالاتصال يؤثر في الجمهور الإعلامي. فالمواد الإعلامية التي يقدمها القائم بالاتصال للجمهور الإعلامي تتحكم بها توقعاته لردود الفعل المحتملة من قبل الجمهور الإعلامي. وتصور القائم بالاتصال للجمهور الإعلامي يؤثر كثيراً في نوعية المادة الإعلامية التي يعدها أو يقدمها. وأظهرت الدراسات التجريبية التي قام بها ريموند باور أن نوعية الجمهور الإعلامي الذي يعتقد القائم بالاتصال أنه يقدم له المادة الإعلامية تؤثر كثيراً على الطريقة التي يتم بمقتضاها اختيار وإعداد المادة الإعلامية. لأن للجمهور الإعلامي خصائصه واحتياجاته، ولأن ظروف السوق تفرض على وسائل الإعلام الجماهيرية أن تشبع حاجات الجمهور الإعلامي وتلبي رغباته. بنفس الطريقة التي يؤثر فيها العرض والطلب على الإنتاج في الاقتصاد، ويؤثر الناخبون على رجال السياسة في النظام الديمقراطي. فوسائل الإعلام يجب أن ترضي أذواق جمهورها، ولهذا عليها التعرف على الجمهور الذي تتوجه إليه كأحد الجوانب الرئيسية في عملية الاتصال. ولأن الاتصال لا يمكن أن يتم في المجتمعات المتفككة التي لا تعاون فيها ولا اهتمامات مشتركة تجمعها. ولابد من توافر العلاقات الاجتماعية، واللغة المشتركة، والأفكار المشتركة، والعلاقات المحددة اللازمة لتتم من خلالها عملية الاتصال. ولهذا يتحتم على القائم بالاتصال تكوين فكرة وتصور عن الجمهور الذي يريد أن يوصل إليه مادته الإعلامية. وقد يعاني القائم بالاتصال العامل في أي وسيلة إعلامية جماهيرية اليوم من صعوبة التعرف على الجمهور الإعلامي الذي يتوجه إليه، بعد التطور الهائل الذي حدث في عالم تقنيات الاتصال الحديثة، التي ضيقت المسافات واخترقت الحدود اللغوية والجغرافية. وارتفعت بدور وسائل الإعلام الجماهيرية لتصبح من الأدوات الهامة والأساسية التي يتم من خلالها تحقيق الحوار الثقافي والاجتماعي بين مختلف الشعوب والأمم.
الفصل الرابع: نظريات مراحل انتقال المعلومات. كان الاعتقاد لوقت قريب بأن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية تتعامل مع أفراد منعزلين عن بعضهم البعض، متصلين بوسائل الإعلام الجماهيرية مباشرة. ولم يتنبه الباحثون في الاتصال الجماهيري إلى تأثير العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع على النتائج التي يحققها مضمون المادة الإعلامية التي تحملها إليهم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. ولكن الأبحاث العلمية التي أجريت خلال العقود الماضية وما رافقها من تطور هائل في وسائل وتقنيات الاتصال أثبتت أن العلاقات المباشرة القائمة بين الأفراد المتصلين في الأسرة أو العمل أو الشريحة الاجتماعية قد تساعد أو تعرقل الوصول لأهداف عملية الاتصال. وهو ما عرف بنظرية انتقال المعلومات على مرحلتين. وكان مؤلفي كتاب "اختيار الناس"، قد توصلوا إلى نتيجة مفادها أن سريان مفعول مضمون المادة الإعلامية التي تحملها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية قد لا يكون مباشراً كما كان مفترضاً من قبل، بل يصل أولاً إلى قادة الرأي في الشريحة الاجتماعية المعنية، ومن ثم ينتقل عن طريقهم إلى الآخرين. وأطلقوا على هذه العملية اسم "انتقال المعلومات على مرحلتين". وذلك أثناء تحليلهم لعملية اتخاذ القرار أثناء الحملات الانتخابية في المجتمع الديمقراطي، وتوصلوا إلى أن الأفراد مازالوا متأثرين بالجدال والأخذ والرد مع الآخرين، أكثر تأثرهم بوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. مما سمح لهم بتكوين فكرة تقضي بأن الأفراد يشكلون شبكات متصلة فيما بينهم، ينتقل من خلالها مضمون المادة الإعلامية التي تحملها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. ومنذ عام 1957 حاول مركز الأبحاث الاجتماعية التطبيقية في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية أن يدرس هذه النتائج ويعمل على تطويرها. فظهرت نتائج دراسات مرتون عن التأثير الشخصي والسلوك الاتصالي في منطقة روفير، ودراسة ديكاتور عن اتخاذ القرار في مجال ترويج موضة الأزياء، وعادات التردد على صالات السينما، والشؤون العامة، التي قام بها كاتز، ولزرزفيلد، ودراسة كولمان، وكاتز، ومينزل عن أسلوب تعميم الأدوية الجديدة بين الأطباء. وهي الدراسات التي اعتمد عليها كاتز ليعرض فرضيته عن انتقال المعلومات على مرحلتين وهي: 1- وقع التأثير الشخصي، وسريان التأثير الشخصي؛ والعلاقة بين قادة الرأي ووسائل الإعلام الجماهيرية. وحاولت دراسة روفير تحديد دور قائد الرأي وتأثيره على المحيط، ودراسة سلوكهم الاتصالي، وتحديد طبيعة التفاعل بين القادة والتابعين الذين قاموا أصلاً باختيار القادة. وأجريت دراسة ديكاتور خلال عامي 1945و1946 وجاءت خطوة بعد دراسة روفير، وشملت إضافة للتصويت في الانتخابات، القرارات في مجالات التسويق والتردد على صالات السينما، والشؤون العامة للأفراد. وتركز محور الدراسة على: الأهمية النسبية للتأثير الشخصي، ودراسة واقع القائد والتابع. وحاولت الدراسة استخلاص ما إذا كان قادة الرأي يأتون من نفس الشريحة الاجتماعية المعنية، وكيفية انتقال التأثير. وذكرت أن حوالي ثلثي الأشخاص الذين تأثروا بآراء الآخرين حدث ذلك معهم بعد حوار جرى بينهم وبين شخص ذكروا أنه من المؤثرين بالموضوع المطروح، وعلاوة عن ذلك أكد 80% منهم أنهم تلقوا نصيحة من الغير. بينما أكد قادة الرأي أنفسهم على أنهم قد تأثروا بآخرين قبل اتخاذهم لقراراتهم. 1- واقع التأثير الشخصي: وأشارت الدراسات إلى أن التأثير الشخصي كان أكثر وقعاً من تأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وخاصة لدى أولئك الذين غيروا آراءهم خلال الحملة الانتخابية (ديكاتر). وتحكم بها عنصران أساسيان هما: الاتصال بين الأفراد، والتأييد الجماعي الذي تلعب به الشخصية المؤثرة دوراً أساسياً. وتآلف الرأي في الجماعات التحتية: العائلة، الأقارب، الأصدقاء، العمل .. الخ؛ والأدوار المختلفة لتأثير وسائل الاتصال والإعلام فوسائل الإعلام تلعب دوراً تدعيمياً في تقوية الاتجاهات السابقة والقرارات التي تتخذ فعلاً. لأنه لوسائل الإعلام دوراً إخبارياً تضفي من خلاله الشرعية على القرارات المتخذة (إسناد). 2- سريان التأثير الشخصي: لأن قادة الرأي موجودين في كل الشرائح الاجتماعية. ويتمتعون: بالقيم الشخصية الذاتية؛ والقدرة والكفاءة والمعرفة والخبرة؛ والموقع الاجتماعي المتميز. 3- قادة الرأي ووسائل الإعلام الجماهيرية: وأن قادة الرأي يتعرضون لوسائل الإعلام الجماهيرية أكثر من أعضاء الجماعة. ويتراوح تأثرهم ما بين الوسائل الإعلامية الجماهيرية المحلية والقومية والعالمية. والخلاصة: أن قادة الرأي يتعرضون مثلهم مثل أفراد الجماعة الآخرين لآراء الغير، إضافة لتأثرهم بمضمون المادة الإعلامية التي تحملها لهم وسائل الإعلام الجماهيرية. ووسائل الإعلام الجماهيرية هي: وسائل لنقل المعلومات؛ ومصادر للضغوط الاجتماعية؛ ومصادر للتأييد الاجتماعي.
مضمون المادة الإعلامية: اهتم علم البلاغة بفن الخطابة وفن الإقناع منذ القدم، وعرف أفلاطون علم البلاغة بأنه علم (كسب العقول بالكلمات)، بينما عرفه أرسطو بأنه (القدرة على كشف جميع السبل الممكنة للإقناع في كل حالة على حدى) كما وأدرك كلاً من أفلاطون وأرسطو ارتباط فن الإقناع بعلم النفس (علم العقل) الذي كان يحبو خطواته الأولى في ذلك الزمان، وهو ما يفسر اهتمام أرسطو بفن الإقناع ومحاولته دراسة الطريقة التي يعمل بها العقل، معتمداً على علم العقل كما كان معروفاً آنذاك، محاولاً القيام بتحليل موضوعي لتلك الطريقة مبتعداً عن المعرقلات والاعتبارات الأخلاقية التي كانت سائدة آنذاك أيضاً. ولم يختلف علم البلاغة الحديث عن سواه، إلا بتوفر الحقائق العلمية التي كان يفتقر لها علم البلاغة القديم. بعد أن وفرتها له العلوم الحديثة ومكنته من معرفة السلوك الإنساني الذي اهتم به علم النفس الحديث. واستطاع الإعلاميون توظيفها في رسائلهم الإعلامية لإقناع الجمهور الإعلامي المستهدف بتأثير أكبر. وقد شهد الربع الثاني من القرن العشرين العديد من التجارب والأبحاث التي استهدفت تغيير الاتجاهات السيكولوجية، وقام بقدر كبير منها البروفيسور كارل هوفلاند وزملائه وتلامذته بجامعة بيل في الولايات المتحدة الأمريكية، وساعدت على بناء أسس نظرية حديثة للاتصال، وعلم بلاغة حديث يعتمد على أسس علمية واضحة. وحينما نتحدث عن الرسالة الإعلامية، فهذا يعني أننا نتحدث عن مضمونها. منطلقين من فرضية أنه على القائم بالاتصال أن يتخذ عدة قرارات هامة قبل تقديم مادة مقنعة. وعليه أن يحدد الأدلة التي سوف يستخدمها والأدلة التي سيصرف النظر عنها أو يستبعدها، والحجج التي سيعتمد عليها، أو يسهب في وصفها أو يأخذ باختصارها. وماهية الأساليب التي سوف يتبعها لاستمالة المستهدف من المادة الإعلامية. ومنه نفهم أن أية رسالة إعلامية يقصد منها الإقناع هي نتاج عدة قرارات مسبقة يتخذها القائم بالاتصال للوصول إلى الغرض المطلوب، وتتعلق ليس بالشكل وحده بل وبالمضمون والأسلوب، وتمليها كلها خصائص الجمهور الإعلامي ومهارات القائم بالاتصال. والهدف من تقديم مضمون المادة الإعلامية بالأساس هو جعل المتلقي يقبل الآراء التي تقدم له، أو أن يعدل من معتقداته واتجاهاته، منطلقين من فرضية أن بعض العوامل المتصلة بالدوافع الشخصية سوف تلعب دوراً بارزاً في هذه العملية. لأن التجارب الفردية تجعل من المستهدف يفضل الأشياء التي تشبع احتياجاته، ويبتعد عن الأشياء التي لا تشبع تلك الاحتياجات. مطوراً معتقداته السياسية والاجتماعية والأخلاقية مكتسباً الجديد منها، من خلال الاتصال الشخصي والاتصال الجماهيري الذي يحدث من خلال وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. وبالرغم من أن علماء السياسة والاجتماع وعلم النفس أكدوا وباستمرار على أهمية الدوافع في تكوين الرأي العام، وعلاقتها بالتغيير الاجتماعي، إلا أنه ليس هناك سوى قدر قليل من المعلومات الدقيقة عن الظروف التي يتم في إطارها تسهيل العوامل ذات الصلة بدوافع تغيير الرأي. ولا يتوفر سوى قدر ضئيل جداً من الدراسات التجريبية التي تتناول تأثير مضمون الرسالة الإعلامية بمختلف صورها على الدوافع الفردية المختلفة.
الإستمالات العاطفية، والإستمالات المنطقية: ولا توجد قاعدة ثابتة تعمم على أساسها أي من الإستمالات أفضل، إذ تشير التجارب المختلفة إلى أن الإستمالات المنطقية أفضل في بعض الأحيان من الإستمالات العاطفية، رغم أن الإستمالات العاطفية قد تصلح في بعض الظروف أكثر من غيرها. وقد قارنت التجربة التي قام بها هارتمان بين نوعين من الإستمالات من خلال فاعليتهما في دفع الناخبين للإدلاء بأصواتهم لصالح الحزب الاشتراكي في انتخابات عام 1936. واستخدم في بعض المنشورات التي وزعها في إطار الحملة الانتخابية استمالة عاطفية قوية أكدت على أن الاشتراكية تساعد للتخلص من الحروب، والفاقة، والخوف، وأن لها تأثير إيجابي على مستقبل الوطن، والرفاهية، والدولة. بينما استخدم في منشور آخر استمالة منطقية تعتمد على حجج واضحة تؤيد الاشتراكية. وزعت كلها في مجموعة من الدوائر الانتخابية. وتم الاحتفاظ ببعض الدوائر كمجموعة ضابطة ولم توزع فيها أية منشورات على الإطلاق. وكانت النتيجة أن الدوائر التي وزعت فيها منشورات الاستمالة العاطفية قد أعطت زيادة قدرها 50% أكثر مقارنة بنتائج الانتخابات التي جرت قبلها، في حين بلغت الزيادة في الدوائر التي وزعت فيها منشورات الإستمالات المنطقية 35% فقط، وأظهرت المجموعة الضابطة التي لم توزع فيها أية منشورات زيادة بلغت 24% بالمقارنة مع الانتخابات السابقة. وهو الشيء نفسه الذي توصل إليه أيضاً مانيفي، وجرينبرغ، من دلائل تثبت أن الدعاية العاطفية تتفوق على الحجج المنطقية في أكثر الحالات. بينما فشلت الدراسات الأخرى في التوصل إلى مؤشرات قاطعة تثبت تفوق نوع معين من الإستمالات المستخدمة على غيرها من الأنواع. بينما أثبتت الدراسات التي أجراها الباحث كنور أن الأسلوبين يتمتعان بنفس الفاعلية والتأثير تقريباً، في الدراسة التي أجراها على الحظر الذي كان مفروضاً آنذاك على الخمور في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن الجوانب الهامة في هذا المجال أيضاً المقارنة بين الإستمالات الإيجابية والإستمالات السلبية، لأن الاستجابة الإيجابية أصلاً معدة للوصول إلى نتيجة معينة مرغوبة أصلاً، بينما أن الاستجابة السلبية معدة لتجنب نتيجة غير سارة.
إستمالات التخويف: من بين الأنواع المختلفة للرسائل الإعلامية التي يحتمل أن يكون لها تأثير على دوافع الجمهور، تلك الرسائل الإعلامية التي تدعو بشكل محدد أو بشكل ضمني إلى قبول توصيات القائم بالاتصال لأنها سوف تجنب الفرد عدم القبول اجتماعياً أو أن يتجنب خطراً محدداً، أو حرماناً من نوع محدد. وهو ما يطلق عليه اصطلاح "استمالة التهديد" للإشارة إلى مضمون الرسالة الإعلامية التي تتناول النتائج غير المرغوب بها التي قد تحدث فيما لو امتنع متلقي الرسالة الإعلامية عن قبول توصيات القائم بالاتصال، من خلال إثارة التوتر العاطفي لدى المتلقي وجعله أكثر عرضة للتعرض لاستجابة مضمون الرسالة الإعلامية وتبنيه وفقاً لذلك مضمون الرسالة. وكثيراً ما تلجأ وسائل الإعلام الجماهيرية إلى هذا الأسلوب لإثارة المخاوف لدى الجمهور الإعلامي من أخطار الحرب لتبرير الزيادة في النفقات العسكرية المرصودة في موازنة الدولة، أو إثارة المخاوف من الأمراض الخبيثة كي تحث الجمهور الإعلامي على مراجعة الأطباء في الوقت الملائم. فما هي العوامل الأساسية التي تحدد نجاح أو فشل استعمال إستمالات التخويف للوصول إلى الهدف المحدد لمضمون الرسالة الإعلامية؟ هناك قدر كبير من الأدلة التجريبية التي تؤيد الافتراض القائل بأن أية عاطفة قوية قد تسبب اضطرابات كالخوف، أو الإحساس بالإثم (عقدة الذنب) أو الخجل أو الغضب أو الاشمئزاز.... الخ، وكلها تتمتع بخصائص الحافز الوظيفي للفرد. ولكن ماذا يحدث عندما يتعرض الفرد لمضمون رسالة إعلامية تسبب لديه ردود فعل عاطفية لا تبعث السرور لديه ؟ في هذا الظرف هناك مبررات تدفع الفرد بشدة لتجربة الاستجابات الرمزية والعلنية المختلفة حتى يقلل من وقع هذه الحالة العاطفية المرهقة. وتحدد الاستجابات المختلفة التي يجربها الفرد أساساً خبرات التعلم السابقة التي نجحت في تخليص الفرد من الحالات العاطفية المماثلة. أي استجابات تقلل من شدة الحالة العاطفية، أو تريح الفرد ويتم تدعيمها. وبهذا تصبح استجابات اعتيادية. ولهذا يفترض أن الاستمالة التي تنطوي على تهديد يحتمل أن تجعل المتلقي يقبل بنتائج القائم بالاتصال إذا كان: - التوتر العاطفي الذي أثير خلال الاتصال شديد بحيث يشكل حافزاً، - وإذا تضمنت الرسالة تأكيدات تخلق توقعات عند الفرد بأنه في الإمكان تجنب الأضرار وبالتالي تقلل التوتر العاطفي. ومن الأساليب الأساسية لإثارة الاطمئنان أن يتخيل الفرد نفسه مشتركاً في نوع من أنواع النشاط يجنبه الأخطار الناجمة عن التهديد، وبهذا يتخلص من التوتر. وكثيراً ما تسبب الرسائل التي تنطوي على تخويف تأثيرات غير مرغوبة أو عكسية. فهناك من الدلائل التي تشير إلى أنه حينما يثير القائم بالاتصال الغضب برسائل هجومية، يشعر المتلقي بالكراهية ليس نحو القائم بالاتصال فقط،، بل أيضاً نحو الجماعات والمشروعات والأهداف المقترنة به.
العوامل المؤثرة على إثارة التوتر العاطفي: مضمون الاستمالة التي تنطوي على تهديد يجب أن يكون له معنى عند المتلقي وإلا فإنه لن يستجيب له. وإذا لم يجرب الفرد أبدأً التهديد أو يسمع عنه فالتوقعات الناتجة عنه لن تثير توتراً عاطفياً. ويضاف لمضمون الاستمالة العوامل المتصلة: - بالمصدر ومدى ثقة المتلقي بقدرات القائم بالاتصال؛ - ومدى تعرض المتلقي لرسائل سابقة، سبق وناقشت وتنبأت بمضمون نفس الموضوع. لأن الافتراض الأساسي أن يثار الخوف والمشاعر غير السارة بشدة، لدفع الفرد لتجنب حالة عاطفية مؤلمة، أو تجنبها، كأن "يتخيل الفرد نفسه مثلاً يقوم بعمل دفاعي ناجح أو يصرف انتباهه بأحلام اليقظة السارة". والأفراد يتأثرون بالخوف بطرق عاطفية متعددة منها: زيادة يقظتهم واهتمامهم بالمعلومات عن الخطر، والتفكير بالتصرف المطلوب لمواجهة كل الاحتمالات؛ والبحث عن تأكيدات تبعث الطمأنينة وتخفف التوتر العاطفي؛ وزيادة احتمالات تكوين اتجاهات جديدة تعتبر حلاً وسطاً بين الحذر والميول الباعثة للطمأنينة. ويجب أن نأخذ في الاعتبار نوع استجابة الجمهور المستهدف لتحقيق أقصى قدر ممكن من الفاعلية وإثارة درجة عالية من التوتر العاطفي، والتي تعتمد على: درجة الخوف التي يستطيع الفرد تحملها؛ وما إذا كان سيطبق التهديد على نفسه؛ وقبوله للبدائل؛ وخصائص شخصيته. وباختصار يجب أن نوازن بين استخدام استمالات التخويف القوية، وخطة محددة للعمل أو السلوك ذات فاعلية واضحة. ولا يجب أن يكون التهديد معتدلاً بحيث يجعل المتلقين يتهاونون، أو مبالغاً فيه بحيث يبدو مضحكاً.
مضمون الرسالة وأسلوب تقديمها: أولاً: الوضوح والضمنية: تشير الأبحاث العلمية إلى أن الإقناع يصبح أكثر فاعلية إذا حاولت الرسالة الإعلامية أن تذكر النتائج أو الأهداف بوضوح، بدلاً من أن تترك للجمهور عبء استخلاص النتائج. ووجد الباحثان هوفلاند، وماندل، أن نسبة الأفراد الذين عدلوا اتجاهاتهم تمشياً مع مضمون الرسالة الإعلامية بلغت الضعف عند ذكر النتائج بشكل محدد، مقارنة بالرسالة الإعلامية التي تركت نتائجها ليستخلصها الجمهور الإعلامي بنفسه. وقد عرض الباحثان ماندل، وهوفلاند، على عينة من الطلبة تسجيلات لبرنامجين مستمدين من برنامج إذاعي يساند إعادة تقييم العملة، متماثلين تماماً باستثناء أن أحدهما ذكر نتائجه بوضوح وتحديد، بينما ترك الآخر نتائجه ضمنية ليستنتجها المستمع. وكانت نسبة التغيير بين أفراد المجموعة التي استمعت للبرنامج الذي ذكرت أهدافه بوضوح 47,9% في حين بلغت نسبة التغيير 19,3% فقط بين أفراد المجموعة الثانية التي استمعت إلى البرنامج الذي لم توضح أهدافه، وتركها ضمنية ليستنتجها المستمع. وهو ما أكده أيضاً كاتز، ولزرزفيلد عندما أكدا "أنه كلما كان الاقتراح الذي يقدمه القائم بالاتصال محدداً، كلما ازداد احتمال إتباع النصيحة المقدمة. وهنا يجب أن نعير اهتمامنا لاعتبارات أخرى إضافة للوضوح والضمنية في تحديد الأهداف، على سبيل المثال: مستوى الذكاء والتعليم عند المتلقي؛ ودرجة صلة الموضوع بالعينات أو أهمية الموضوع؛ ونوعية القائم بالاتصال. ثانياً: تقديم الرسالة الإعلامية لأدلة وشواهد: لتدعيم تأثيرها، مستمدة من معلومات واقعية أو آراء تنسب لمصادر أخرى غير القائم بالاتصال. ثالثاً: عرض جانب واحد من جوانب الموضوع أو عرض الجانبين المؤيد والمعارض في نفس المادة الإعلامية. وهو ما أكده هوفلاند، ولمزدين، وشيفلد، في كتابهم "تجارب على الاتصال الجماهيري" الذي تتضمن نتائج سلسلة أبحاث أجراها قسم المعلومات والتعليم في وزارة الدفاع الأمريكية خلال الحرب العالمية الثانية. عندما أيدوا أن تقديم الحجج المؤيدة والمعارضة هو أكثر فاعلية وأقدر على تغيير وتحويل الفرد المتعلم، خاصة عندما يكون الجمهور الإعلامي متردداً، ويكون تقديم الرأي والرأي الآخر أكثر فاعلية وتأثيراً بكثير من تقديم رأيٍ أحادي الجانب من الموضوع المطروح. بينما يختلف الوضع بالنسبة للأفراد الأقل تعليماً ويبلغ التأثير فاعلية ملحوظة عندما يتم طرح جانب واحد من جوانب الموضوع، وهذا ينطبق أيضاً على الأفراد الذين يؤيدون أصلاً وجهة النظر المعروضة في الرسالة الإعلامية، وتأثيرها هنا لا يتعدى كونه مدعماً ومعززاً للمواقف الجاهزة لديه. بينما توصل بتنجهاوس، وبيسهارت، إلى نتائج تؤكد أن تقديم الرأي والرأي الآخر في المادة الإعلامية هو أكثر فاعلية في تغيير اتجاهات الشرائح الاجتماعية الحاصلة على تعليم عالي. كما وظهر أن تقديم الرأي والرأي الآخر في حياد واضح، وإن كان هذا الحياد وهمياً، قد يحدث تأثيراً سلبياً في الحالات التالية: إذا ساور المتلقي أدنى شك بحياد المصدر؛ وإذا كان الحياد متوازناً مما يؤدي إلى ضياع التأثير المطلوب. لأن هذه الحجج تلغي بعضها بعضاً. وظهر هذا في البحث الذي أجراه شانك، وجولدمان، عندما استخدما حججاً تؤيد وتعارض الخدمة المدنية، وفي البحث الذي أجراه تستلويت، وكمنتزي، على عينة من 750 طالباً في معاهد الطيران في الولايات المتحدة الأمريكية، و400 طالب من طلبة المدارس العليا يؤيدون أصلاً اشتراك الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الكورية. والمادة الإعلامية التي تعرض الرأي والرأي الآخر أكثر قدرة على تحصين الجمهور الإعلامي من الدعاية المضادة، من المادة الإعلامية التي تعرض وجهة نظر واحدة من الموضوع. وهو ما توصل إليه لمزدين، وجانيس، في البحث الذي أجرياه عام 1954 على مجموعة من الطلبة الجامعيين، وجرى تعريض مجموعتين منهم لنصين من برنامج إذاعي واحد، تضمن أحدهما رأياً واحداً من الحقيقة، وتضمن النص الآخر الرأي والرأي الآخر، ونجحت الطريقتان في إحداث تغييرات في الاتجاه المطلوب. ومن ثم تم تعريض الجميع لمادة إعلامية تعرب عن وجهة النظر المعارضة فقط، فكانت النتيجة أن هبطت نسبة التأييد إلى 2% في المجموعة التي تعرضت لمادة إعلامية تعرض الرأي المؤيد فقط. بينما استمرت نسبة التغيير السابقة في المجموعة التي تعرضت للمادة الإعلامية التي عرضت الرأي والرأي الآخر، وهو ما يدعم وجهة النظر حول تحصين الجمهور الإعلامي ضد الدعاية المضادة. وقد لخص هوفلاند، وجانيس، وكيلي، في البحث الذي أجروه عام 1953 فوائد المواد الإعلامية التي تعرض رأياً واحدا من الموضوع، والمواد الإعلامية التي تعرض الرأي والرأي الآخر، بالتالي: عرض الرأي والرأي الآخر أكثر فاعلية على المدى الطويل من عرض جانب واحد في الأحوال التالية: عندما يتعرض الجمهور الإعلامي بغض النظر عن الرأي الأصلي لهذا الجمهور للدعاية المضادة بعد تعرضه للمادة الإعلامية التي تضمنت الرأي والرأي الآخر. وعندما لا يتفق رأي الجمهور الإعلامي أصلاً مع وجهة نظر القائم بالاتصال، بغض النظر عن تعرضه للدعاية المضادة بعد ذلك؛ وتقديم الرأي والرأي الآخر بأقل فاعلية من تقديم رأي واحد، إذا كان الجمهور الإعلامي يتفق أصلاً مع موقف القائم بالاتصال ولا يتعرض بعد ذلك للدعاية المضادة. رابعاً: ترتيب الحجج الإعلامية: في الرسالة الإعلامية التي تؤيد وجهة نظر معينة يتطلب من القائم بالاتصال أن يقرر ما إذا كان القائم بالاتصال سيقدم حججه الأساسية في بداية النص أم أنه سيحتفظ بها لنهاية النص، أما في الرسائل الإعلامية التي تعرض الرأي والرأي الآخر فالقائم بالاتصال يجد نفسه أمام مشكلة أي من الرأيين يقدم أولاً. فحينما نقدم جانباً واحداً للموضوع، إما أن نؤجل أقوى الحجج إلى نهاية الرسالة الإعلامية وهو ما يسمى بالذروة، أو تقدم الحجج الرئيسية في البداية تليها الحجج الأضعف، بترتيب عكس ترتيب الذروة. وتتوقف فاعلية الرسالة الإعلامية في تغيير الاتجاهات على مقدرة الجمهور الإعلامي على فهم وتذكر مضمون الرسالة الإعلامية، وهو ما يرتبط بدوافع التعلم لدى الفرد، في ظروف الاتصال الجماهيري. إذ يؤدي غياب اهتمام المتلقي بالرسالة الإعلامية إلى عدم تعرضه لها، والذي يفسره بإغلاقه لجهاز الاستقبال الإذاعي المسموع أو المرئي أو تحوله لقنال أو برنامج آخر، أو انصرافه عن مطالعة المادة المطبوعة. فعندما لا يهتم المتلقي بما يقال فمن الأفضل البدء بالحجج القوية والأكثر إثارة للاهتمام، لإثارة انتباهه. أما عندما يكون المتلقي مهتماً فالأفضل تأجيل الحجج القوية إلى نهاية المادة الإعلامية وفق ترتيب الذروة لتهيئته للحجج الأقوى. ومعنى ذلك أن ترتيب الحجج يخضع لتقييم الجمهور الإعلامي، وأنه لا توجد قاعدة ثابتة لترتيب الحجج في عملية الإقناع. خامساً: استخدام الاتجاهات أو الاحتياجات الموجودة: وهي ربط المادة الإعلامية بالاتجاهات القائمة لدى الجمهور الإعلامي. والسعي لإعادة تشكيل القيم السائدة، وليس استخدام تلك القيم، وهو ما يجعل من العملية الإعلامية أكثر صعوبة. ولكنها تجعل الجمهور الإعلامي يشعر بالراحة وبإمكانية إشباع احتياجاته القائمة. سادساً: تأثير رأي الأغلبية: حيث أثبتت التجارب أن الجمهور الإعلامي يميل ببساطة لتلك الآراء التي تتفق ورأي الأغلبية أو الرأي الشائع. سابعاً: التكرار بتنويع وتأثير تراكم التعرض للمادة الإعلامية، وخاصة التكرار على فترات مدروسة ومتنوعة، مما يزيد من فاعلية المادة الإعلامية، وتذكر الجمهور الإعلامي بالهدف المقصود، وتثير رغباته واحتياجاته في الاتجاه المطلوب. وهو ما أيدته بحوث روز، وعالم النفس ثورندايك، وجوزيف جوبلز، وبارتليت، وفيري مرتون، وكيت سميث، ولزرزفيلد، وأنيس، وماير.
المصدر الإعلامي: قد يكون المصدر الإعلامي فرداً ينقل أو مؤسسة إعلامية تنقل رسالة ما بقصد أو بغير قصد، لفرد واحد أو مجموعة أفراد. والمصدر الإعلامي قد يكون محاضراَ أو خطيباً أو شخصية سياسية أو اجتماعية، أو معلقاً في إذاعة مسموعة أو مرئية، أو مدونة إلكترونية... الخ. ومن الصعب تحديد مدى تأثير المصدر على المادة الإعلامية وتأثير المادة الإعلامية على المتلقي، إلا أننا نستطيع تحديد السمات الواضحة لناقل المادة الإعلامية، من خلال استجابة الجمهور الإعلامي لها، ومدى إيمانهم بصدق هذا المصدر أو ذاك. وأفضل طريقة لتحديد مدى تأثير المتغيرات المتعلقة بالمصدر، هي دراسة المتلقي. ومنذ أيام أرسطو استخدم مصطلح الأخلاقيات للتعبير عن عنصر التصديق لدى الجمهور، وتطور هذا المصطلح مع الأيام وأصبح اليوم يستخدم تعبيرات كثيرة منها: تصور، مكانة، إعجاب، للتعبير عن تصديق المصدر. لأن عنصر التصديق هو صلب عملية الاتصال، وهو الذي يحدد أهمية ومكانة القائم بالاتصال، وتأثيره على الحدث الاتصالي بشكل عام. وعنصر التصديق يتضمن كل المتغيرات التي تحيط بالمصدر الإعلامي، التي يدركها المتلقي والتي تؤثر على استجابته لعملية الاتصال. عناصر تصديق المصدر: حاول عدد من العلماء تحديد الخصائص التي تجعل المتلقي يصدق المصدر الإعلامي. منهم أرسطو الذي وصفها بأنها: القدرة على التمييز الحسن والأخلاق الطيبة. وأن حسن نية المصدر تجعل المتلقين يستجيبون بشكل إيجابي للرسالة الإعلامية نفسها. وأضاف هوفلاند، وجانيس إلى تلك الخصائص وهي: الخبرة، والكفاءة، ومدى الثقة بالمصدر الإعلامي. والمتلقي يدرك الخبرة والكفاءة اللتان يتمتع بهما المصدر الإعلامي من الطريقة التي تقدم بها المادة الإعلامية، ومدى معرفة المصدر الإعلامي لموضوع مادة عملية الاتصال. أما الثقة بالمصدر الإعلامي فتأتي من خلال إدراك نوايا القائم بالاتصال، وهدفه من عملية الاتصال، والحجج والعبارات التي يستخدمها للوصول لهدفه. بينما حدد كلاً من برلو، ومرتز، ولمبرت، ثلاثة عوامل اعتبروها من خصائص صدق المصدر الإعلامي، وهي: الإحساس بالأمان والطمأنينة للمصدر الإعلامي. وهو عامل الأمان والطمأنينة الذي يدخله المتحدث إلى نفوس متلقي المادة الإعلامية. والنابع من إحساس الجمهور الإعلامي بعدل وأمانة وطيبة ونزاهة المصدر الإعلامي؛ ومؤهلات المصدر الإعلامي. وهي المؤهلات والكفاءة، النابعة من خبرة المصدر الإعلامي ومهارته في تناول الموضوع وقدرته على عرضه أمام الجمهور الإعلامي؛ وديناميكية المصدر الإعلامي. وهي الحالة التي يبدي فيها القائم بالاتصال طاقة وجرأة ونشاط وحيوية، أو خجل أو خمول أو كسل أو تعب أو إرهاق، أو عدوانية وغطرسة وتكبر. وكلها عوامل هامة تنعكس سلباً أو إيجاباً على المصدر الإعلامي وتؤدي إلى تصديقه أو الانصراف عنه. وهي التي تحدد العلاقة بين المتلقي والمصدر الإعلامي. والتصديق يمر عبر عدة مراحل من خلال متغيرات تنبع من ظروف الموقف الاتصالي، وهي: التصديق المبدئي الذي يشعر به المتلقي قبل أن يبدأ القائم بالاتصال في تقديم الرسالة الإعلامية. وتتعلق بالتجارب الشخصية للقائم بالاتصال، ومظهره الخارجي؛ والتصديق النابع من الظرف الاتصالي، وهي التي تتكون أثناء عملية الاتصال؛ والتصديق بعد انتهاء عملية الاتصال، أي بعد أن يكون المتلقي قد كون صورة شاملة عن القائم بعملية الاتصال. وهو التصديق النهائي. ولتصديق المصدر الإعلامي أهمية وتأثير كبيرين، قام على دراستها خلال نصف قرن من الزمن العديد من الباحثين، نذكر منهم: هيمن، وكلمان، وهوفلاند، وماندل، وأثبتت كلها أن تقسيم تصديق المصدر الإعلامي إلى ثلاثة مراحل تعتبر طريقة مثلى لفهم تأثير صدق المصدر من خلال العملية الاتصالية. فالتصديق المسبق للقائم بالاتصال يؤثر على استعداد المتلقي لتلقي المادة الإعلامية. فإذا كانت استجابة المتلقي المبدئية فيها تأييد للمصدر الإعلامي، فقد يتلقى المادة الإعلامية على الأقل. ولكن إذا كانت استجابته الأولى سلبية، فقد يعزف عن تلقيها. وإذا كان المتلقي غير مهتم بالمادة الإعلامية، فسيعجز المصدر الإعلامي عن إقناعه بالمشاركة في عملية الاتصال وبالتالي عن تحقيق أي تأثير عليه. والمتلقي يحدد بنفسه المشاركة أو عدم المشاركة في عملية الاتصال. ويأتي قراره بالمشاركة أو عدم المشاركة على أساس إدراكه لمواقف القائم بالاتصال، وللمادة الإعلامية ومدي صدق المصدر الإعلامي، وجدارة القائم بالاتصال بالثقة ومدى الخبرة والديناميكية لديه. وبقدر القناعة المتولدة بالمصدر الإعلامي والقائم بالاتصال والمادة الإعلامية بقدر ما يكون التأثير أكبر أو أقل حسب الظروف. ومع مرور الزمن يضعف تأثير المصدر الإعلامي والقائم بالاتصال والمادة الإعلامية لسبب بسيط هو أن الناس بحكم طبيعتهم ميالون مع مرور الوقت إلى عدم ربط المضمون الإعلامي بالمصدر الإعلامي، وهو ما يطلق عليه "التأثير القائم" أو "التأثير النائم".
الفصل الخامس: تطور الأبحاث الإعلامية واتجاهاتها الحديثة. ازدادت أهمية المعلوماتية وتقنياتها في العصر الحديث بشكل كبير، بفضل تطور وسائل الاتصال وتقنياتها الحديثة. فالمعلومات أصبحت تحيط بنا في كل مكان ومن كل اتجاه حتى أصبحت طبقة تحيط بالكرة الأرضية كالغشاء الهوائي الذي يوفر لنا الحياة، طبقة تعود الإنسان عليها حتى كاد ينساها أو يجهل وجودها، عدا قلة من الناس الذين يتعاملون معها ويدركون مدى فاعليتها وتأثيرها. وقد أطلق خبير الاتصال بيير تايلهارد على هذه الطبقة المعلوماتية التي تحيط بالكرة الأرضية اسم الـ"نوسفير"، ويستفيد الإنسان المعاصر من هذه الطبقة متلقياً سيلاَ من المعلومات تتضمن حقائق وآراء مختلفة يستخدمها في مواقف اتصالية يدخل فيها مع آخرين كمتحدث ومستمع، ولكنه لا يؤثر في عملية الاتصال كغيره من الفئات الاجتماعية الأكثر تأثيراً في عملية الاتصال كالمفكرين والصحفيين والكتاب والسياسيين ورجال الدين والأساتذة والمعلنين الذين يعطون من خلال وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية أفكاراً ومعلومات معينة في مواقف اتصالية أكثر مما يأخذون من معلومات، بحكم أدوارهم الاجتماعية التي تسمح لهم بالتأثير وتوجيه تفكير غيرهم من الناس. وأصبح الاتصال اليوم حقيقة طاغية في حياتنا اليومية المعاصرة، وأصبح الناس أداة فاعلة في عملية الاتصال المستمرة على مدار الساعة مرسلين ومستقبلين على حد سواء بفضل تقنيات الاتصال الحديثة التي حولت العالم بأسره من خلال عمليات الاتصال المباشرة والمعقدة إلى ما يشبه قرية الأمس، قرية كونية لم تعد تعترف لا بالحدود الجغرافية ولا بالحدود السياسية لمختلف الدول في العالم. وفرض تطور تقنيات الاتصال الحديثة على الإنسان المعاصر تعلم مهارات جديدة لم يكن بحاجة لتعلمها قبل عدة عقود فقط، وأصبحت ضرورية له لمواكبة العصر واستخدام وسائل الاتصال الحديثة المعقدة حتى في اتصالاته الشخصية عبر شبكات الحاسبات الإلكترونية (الكمبيوتر) التي جعلت من عملية الاتصال سريعة وفورية وسهلة بالاتجاهين. ومع تزايد أهمية الاتصال في حياتنا اليومية المعاصرة، ازدادت أهمية أبحاث الاتصال. فما هي أبحاث الاتصال ؟
أبحاث الاتصال: يميل بعض علماء الاجتماع إلى التفريق بين الأبحاث الصحفية، والأبحاث الإعلامية رغم امتداد الدراسات التي استهدفت الصحافة خلال القرن العشرين إلى سائر مجالات الإعلام وقنواته انطلاقاً من مفهوم وحدة الفنون الصحفية والإعلامية رغم تشعبها. ورغم اهتمام بعض المعاهد الصحفية في العالم بدراسة مجال واحد من المجالات الإعلامية، كدراسة الإذاعتين المسموعة والمرئية، أو الصحافة المطبوعة، أو الاتصال الشخصي كل على حدى. إلا أننا نعتبر أن مثل هذه الدراسات الناقصة لا تلبي حاجة البحث العلمي في مجال الإعلام والاتصال بشكله الملائم والمطلوب في القرن الواحد العشرين، في زمن تشعبت فيه قنوات الاتصال والمعلوماتية وتداخلت من خلال شبكات الاتصال الحديثة سمة الحقبة الأخيرة من القرن العشرين. فالأسلوب العلمي الصحيح اليوم يربط بين أساليب الاتصال وتقنياته الحديثة كوحدة واحدة تتلاقى فيها قنوات الاتصال والإعلام أصولاً وفروعاً. رغم التقسيم الذي سار عليه بعض الباحثين حينما فرقوا بين الأبحاث الصحفية، التي حاولوا حصرها بدراسة وسائل الإعلام أو الرسائل الإعلامية فقط، بينما حاول البعض الآخر حصر أبحاث الاتصال بعملية الاتصال فقط. لأنه من الصعب جداً دراسة وسائل الإعلام الجماهيرية دون الاهتمام بعمليات الاتصال والمواقف الاتصالية التي يتم من خلالها توجيه وتبادل المعلومات. فأي بحث يتناول الاتصال يجب أن يهتم بالجانبين معاً. فنحن لا نستطيع فهم ما تنشره وما تنقله أو تذيعه أو تبثه وسائل الإعلام الجماهيرية، دون أن ندرك عملية الاتصال، وكيف يؤثر مضمون وسائل الإعلام الجماهيرية على الأفراد والجماعات المختلفة. وحينما نحاول أن نعرِّف المادة الإعلامية نجد صعوبة بالغة في وضع حدود واضحة تحدد الأبحاث الإعلامية وتميزها عن غيرها من أبحاث العلوم الإنسانية. فأهداف واهتمامات أبحاث الاتصال واسعة جداً، لأنها لا تدرس وسائل الاتصال فقط، بل تتعداها لدراسة عمليات الاتصال. وهذا يحتم علينا الاهتمام بعلوم إنسانية أخرى منها: علم التربية، وعلم النفس الفردي، وعلم النفس الاجتماعي، والعلوم الاقتصادية، والعلوم الأنثروبولوجية، وعلم القانون، والعلوم الستسيولوجية، والعلوم السياسية... الخ، فالصحافة أو الإعلام يشارك العلوم الإنسانية مسؤولية الكشف عن مختلف أوجه المشاكل التي تتضمنها عملية الاتصال في مختلف مراحلها. ولقد أدرك علماء الاتصال منذ أواسط القرن العشرين، حقيقة أنه لا يمكن فهم الاتصال عن طريق وسائل الإعلام الجماهيرية بدون فهم عملية الاتصال المباشر بين شخص وآخر، وعملية الاتصال داخل الجماعات الصغيرة. فبدون إدراك وفهم عملية الاتصال الفردي، والاتصال داخل الجماعة الصغيرة، لا يمكن فهم عملية الاتصال الجماهيري عن طريق مؤسسات ووسائل الإعلام الجماهيرية، ولا نستطيع كذلك تقدير تأثير تلك المؤسسات والوسائل. ومن المسلم به أن فهم ودراسة وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية هو من مسؤولية المختصين في شؤون الإعلام أساساً، ولكننا لا نستطيع أن ننكر اشتراك علماء السياسة والاقتصاد والمجتمع في هذه المسؤولية بشكل أو بآخر. ولكن المسؤولية تبقى أساساً على عاتق المختصين في الإعلام والاتصال المسؤولين عن دراسة عمليات الاتصال الجماهيري، والتعرف على تنظيم مؤسسات الاتصال والإعلام الجماهيرية، وأساليب السيطرة الاجتماعية عليها، ومركز تلك المؤسسات في التنظيم الاجتماعي بشكل عام، ووظيفة تلك المؤسسات وجمهورها ومسؤوليتها، وطريقة اضطلاعها بتلك المسؤوليات، ودراسة طبيعة تأثير تلك المؤسسات. واكتشاف السبل لتحقيق فاعلية الإعلام والاتصال، واختيار أنجع الوسائل، والتعرف على طبيعة كل وسيلة منها. وطبيعة الجمهور المتلقي، ومشاكل نقل المعاني والرموز عبر وسائل الاتصال.
تطور أبحاث الإعلام والاتصال: يمر التطور التاريخي لأي علم من العلوم الحديثة، بمراحل تطور متشابهة تبدأ من المرحلة الفلسفية التي ينصب الاهتمام فيها على تحديد المسارات الأساسية، وتكوين مفاهيم كلية وافتراضات أساسية، وتحديد طرق وأساليب البحث العلمي، بشكل يمكن بواسطتها جمع المعلومات والحقائق عن العلم المقصود. وتنتهي هذه المرحلة عند التوصل إلى اتفاق عام على بعض المبادئ والافتراضات الأساسية وبعض طرق وأساليب البحث العلمي. وينتقل الاهتمام في المرحلة الثانية إلى تطبيق أساليب جديدة للبحث، مهمتها قياس صحة الافتراضات التي تم الاتفاق عليها في المرحلة الأولى الفلسفية، يرافقها تجميع حقائق مفصلة عن تلك الافتراضات. وتنتهي المراحل التجريبية بجمع جملة من الحقائق تستخدم في بناء نظرية علمية محددة، وهي المرحلة الثالثة التي تتابع فيها الأبحاث والتجارب وتؤدي إلى تطور البحث العلمي والوصول إلى نتائج جديدة ومقترحات تؤدي للوصول إلى نظريات علمية جديدة. وقد بدأت الأبحاث العلمية الإعلامية في أوروبا وانتقلت إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال عشرينات القرن العشرين، وركزت الأبحاث الأولى فيها على دراسة وصفية لتاريخ الصحافة، والشخصيات الصحفية التي قامت بإصدار وتحرير صحف كل مرحلة من المراحل المدروسة، وركزت الأبحاث التي جرت خلال تلك المرحلة على مفاهيم فلسفية معينة كحرية الصحافة وحق الأفراد في نشر آرائهم بدون تدخل السلطات، ودور الصحافة في المجتمع وغيرها من الاهتمامات العلمية. وظهرت في المرحلة التالية دراسات علمية اعتمدت على نتائج الأبحاث التجريبية والميدانية الكمية وأعطت دراسات موضوعية بعيدة عن تحيز الباحث معتمدة على حقائق علمية ثابتة، واستخدمت أساليب القياس والتجربة للوصول إلى نتائج علمية مقنعة. وبالنتيجة توصل العلماء إلى تكوين نظرية علمية تم تطويرها خلال خمسينات وستينات القرن العشرين. وتوسع البحث العلمي بعد ذلك في مجال الاتصال ليشمل دراسات في الإعلام الدولي وطبيعة الإعلام في الدول الأخرى وخاصة تلك التي تختلف مع الولايات المتحدة الأمريكية إيديولوجياً، أو التي تدخل ضمن مجال اهتمامات سياستها الخارجية والمصالح الأمريكية في العالم بشكل عام. ورافق تطور الأبحاث العلمية في مجال الإعلام اهتمام علماء السياسة والاقتصاد والمجتمع وعلم النفس والأنثروبولوجيا بعلوم الاتصال، وساهموا في تطويرها وبناء نظريات ومفاهيم أساسية لعلم الاتصال مما أعطى الدراسات الإعلامية طابعاً متميزاً ساهم في اتساعها وشموليتها وإثرائها خلال النصف الثاني من القرن العشرين.
تطور الدراسات العلمية الإعلامية واتجاهاتها: الاتجاه النظري الفلسفي للدراسات الإعلامية: استخدم اصطلاح أبحاث الاتصال الجماهيري في مطلع ثلاثينات القرن العشرين في الولايات المتحدة الأمريكية. ولكننا لا نستطيع اعتبار هذا التاريخ بداية للأبحاث العلمية في مجال علوم الاتصال والإعلام. لأن الاهتمام بفهم وتفسير عملية الاتصال بدأ قبل ذلك بكثير. فأرسطو (284-322 ق.م) مثلاً عرَّف في كتابه "فن البلاغة"، دراسة البلاغة (أي الاتصال بمفهوم اليوم) بأنه: " البحث عن جميع وسائل الإقناع المتوافرة "، وحدد عملية الاتصال بالمواقف التالية: متحدث؛ وحديث؛ ومستمع. في الوقت الذي كان فيه الاتصال الجماهيري يعتمد على فن الخطابة لتحقيق أغراض الاتصال السياسي في المدينة الإغريقية الصغيرة. ولم تخرج النماذج الاتصالية فيما بعد عن الإطار العام الذي وضعه وسار عليه أرسطو. أما بدايات الاهتمام بالأبحاث العلمية الإعلامية فتعود لأوائل القرن العشرين، التي بدأت كما سبق وأشرنا بالدراسات التاريخية والفلسفية والقانونية والأدبية. ورافق ذلك ظهور أولى الكتب عن الرأي العام، وكان أهمها كتاب جابريل تارد "الرأي العام" الذي صدر في عام 1910، وكتاب جراهام ولاس "الطبيعة البشرية في مجال السياسة" الذي صدر في عام 1909، ومن الكتب الهامة التي تناولت دور الجماعات المنظمة في عملية اتخاذ القرار كتاب بنتلي "عملية الحكم" الذي صدر في عام 1908، وتناول موضوع ما عرف فيما بعد بجماعات الضغط وعلاقتها بالرأي العام والسياسة. وشكلت الحرب العالمية الأولى نقطة البداية التي سمحت للدول الكبرى وخاصة بريطانيا باستخدام الإعلام كسلاح للتأثير على العقول عن طريق الدعاية المنظمة من خلال الإعلام الموجه، وازداد الاهتمام بعد ذلك تباعاً بدراسة الإعلام بشكل لم يسبق له نظير. ولفتت الحرب أنظار الباحثين إلى أبعاد جديدة للعمل الدعائي، وازداد الاهتمام بوسائل الاتصال وأساليب التأثير على الرأي العام واعتبرت الفترة الممتدة من عام 1920 وحتى عام 1930 نقطة التحول الهامة على طريق الدراسات العلمية الإعلامية، وبداية حقيقية لتطبيق مناهج البحث التجريبية الحديثة في مجال دراسة الإعلام ووسائله وأساليبه وتقنياته. وظهرت بعد الحرب العالمية الأولى عدة مؤلفات لباحثين أمثال: جورج كريل، وهارولد لازويلد، وج. برنشتورف، وجورج ديمرشيل، وهانز ثيم، وشونمان، وكميل ستيوارت، وادغار شترن، وولتر ليبمان. وفرضت الحاجة ضرورة استخدام طرق جديدة في البحث العلمي لمعرفة أفضل طرق جذب المعلنين، ولكن الدفعة القوية للبحث العلمي في مجال وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية بدأت مع اهتمام الحكومات بالدعاية خلال الحرب ودراسة الروح المعنوية للقوات المسلحة والمدنيين، وسيكولوجية القيادة ومشاكلها، والعلاقة بين الضباط والجنود وما رافقها من حاجة للأبحاث التجريبية. وكان هذا الاهتمام بمثابة الحافز الذي دفع الباحثين والخبراء والعلماء إلى تطوير بحوثهم العلمية لتشمل مجالات السياسة وعلم النفس، وقياس تأثير الرسائل الإعلامية، فظهرت أسماء جديدة من الباحثين العلميين كان لهم أبلغ الأثر في تطوير البحوث العلمية في مجال الاتصال والإعلام واستخدام أساليب حديثة في البحث كجون لونج، وبارنيز، وريس، وأبراهام ليسكي، وايفي لي، ورالف كيس، وغيرهم. كما وشهدت عشرينات القرن العشرين بداية تطبيق أساليب حديثة في البحث الميداني لدراسة سلوك المستهلكين، واهتمامات قراء الصحف والمجلات ومستمعي الراديو ورواد صالات السينما والرأي العام. وبدأت مجلة Literary Digest باستطلاعات الرأي العام في تلك الفترة بطريقة غير رسمية لمعرفة المرشح الذي سيصوت لصالحه الجمهور، وهو ما عرف آنذاك باسم "أصوات سترو" Straw Votes. وشهدت نفس الفترة تطور أساليب القياس وطرق إعداد استطلاعات الرأي العام والدراسات التجريبية، واخترعت بعض الآلات البسيطة لاستخراج النتائج وتلخيص كميات كبيرة من المعلومات بصورة أسرع من الطرق التقليدية المتبعة آنذاك، وهو ما ساعد على القيام بدراسات إحصائية كمية، رافقتها محاولات لقياس الآراء والاتجاهات، لعب فيها الباحثان لويس ثرستون في مجال علم النفس، وستيوارت رايس في مجال السياسة والإحصاء دوراً بارزاً. وفي نفس الوقت لفتت نجاحات الدعاية السوفييتية، والفاشية الإيطالية، والنازية الألمانية، أنظار الباحثين إلى استخدام الدعاية كسلاح من أسلحة السياسة الخارجية للدولة، وكوسيلة ناجحة للسيطرة على الجماهير في الداخل، والتقدم الهائل للإعلان التجاري في الولايات المتحدة الأمريكية. وهي الدروس التي استفاد منها أدولف هتلر في كتابه "كفاحي" الذي صدر الجزء الأول منه عام 1925، وصدر الجزء الثاني منه عام 1927، لتستخدم وسائل الاتصال ببراعة فائقة في الدعاية الألمانية النازية. وشهد عام 1925 صدور أول مجلة ربع سنوية متخصصة تعنى بتشجيع ونشر الأبحاث والدراسات الإعلامية في الولايات المتحدة الأمريكية حملت اسم "الصحافة الفصلية" Journalism Quarterly. ورافق حالة الكساد الاقتصادي التي سادت العالم في ثلاثينات القرن العشرين، وانتهت باندلاع الحرب العالمية الثانية المدمرة التي استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية فيها ولأول مرة في تاريخ الإنسانية القنبلة الذرية لتدمير مدن يابانية بأكملها وقتل سكانها الأبرياء، دخول الإذاعات الموجهة الدولية إلى جانبها كسلاح من الأسلحة الهامة في الحرب استعملتها بنجاح كبير الدول الكبرى آنذاك إيطاليا الفاشية، وألمانيا النازية، واليابان، والإتحاد السوفييتي، وبريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية. وبدأت الإذاعات الموجهة الدولية بالبث باللغات الأجنبية كاللغات: الإنكليزية، والفرنسية، والعربية، والإسبانية، والبرتغالية، وغيرها من لغات العالم. بهدف التأثير على شعوب الدول الأخرى وكسب الرأي العام العالمي لصالح قضاياها ومصالحها في العالم وهو ما ساعد على تطوير أساليب تحليل المضمون الإعلامي بمختلف الطرق والوسائل كمياً وموضوعياً. وكان من العوامل الهامة التي ساعدت على تطوير البحوث العلمية الإعلامية والاتصالية آنذاك: - ازدياد اهتمام الهيئات الحكومية بالدعاية الأيديولوجية، وتشجيعها على تطوير مناهج البحث وتطبيقها على نطاق واسع لقياس تأثير المادة الإعلامية. وتشجيع دراسات التسويق والإعلان على نطاق واسع. - قلق المجتمعات الديمقراطية من السيطرة السياسية على وسائل الإعلام الجماهيرية في الإتحاد السوفييتي، وألمانيا النازية، وإيطاليا الفاشية، واستخدام هذه الدول لها لدعم نفوذها السياسي في الداخل والخارج، الوضع الذي استغله بعض علماء الاجتماع لتضخيم قدرات وسائل الإعلام الجماهيرية في التأثير على العقول والسيطرة عليها. - وأدى تركز ملكية وسائل الإعلام الجماهيرية المقروءة والمسموعة والمرئية، في أيدي قلة من المالكين في الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، لاختفاء المنافسة في السوق الإعلامية للمجتمعات الغربية. ورافقها قلق واضح من احتكار وسيطرة أقلية من المالكين لوسائل التوجيه والإعلام الجماهيري مما أبرز الحاجة لدراسة ظاهرة الاحتكار الإعلامي. - ومع اشتداد المنافسة بين وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية المقروءة والمسموعة والمرئية للحصول على أكبر قدر من الدخل والتمويل عن طريق جذب الإعلانات والدعاية إليها، زادت الحاجة لدراسات قياس تأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية كل على حدى، ومقارنة تلك الوسائل بعضها ببعض من حيث الانتشار والتأثير الفعلي. ورافقها خلال خمسينات القرن العشرين التركيز على دراسة تأثير الإذاعة المرئية على الأطفال، وتأثير برامج العنف والجريمة على انحراف الأحداث، ودور الإذاعة المرئية في التعليم. - وأدى الاهتمام بدراسة التأثير السياسي لوسائل الإعلام الجماهيرية، وخاصة أثناء الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى دفع مركز الدراسات الاجتماعية والتطبيقية بجامعة كولومبيا، ومؤسسات البحث العلمي في جامعات ييل، وستانفورد، وآلينوي، للقيام بدراسات لاكتشاف الحقائق عن الدور الذي يلعبه الاتصال الشخصي في المجتمعات المتقدمة، ودور الجماعة في التأثير على أعضائها، وتأثير الإشاعة، وخصائص وسائل الإعلام الجماهيرية المختلفة. والعمل على تطوير تلك الأبحاث. ومن الأساليب الشهيرة التي اتبعت خلال ثلاثينات القرن العشرين، كان أسلوب جورج جالوب في قياس اهتمامات قراء الصحف، والذي عرف باسم "أسلوب التعرف" واستخدمته مؤسسة أبحاث الإعلان في دراساتها المستمرة لقراء الصحف في الفترة من عام 1939 وحتى عام 1953 وشملت عينات من قراء 130 صحيفة يومية من جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، لخصت نتائجها في 138 تقريراً. وقد شملت "الدراسة المستمرة" تطور الإعلانات في الصحف، وأسلوب تحرير الصحف بشكل عام، وجمعت معلومات كبيرة عن قراء الصحف، والمواد الأكثر قراءة في الصحف وأدى تكرار هذه الدراسات إلى تراكم المادة العلمية وتطوير أساليب البحث المتبعة. وطور كلاً من: سوانسون، وجونز، وبلدو، أساليب علمية لقياس اهتمامات قراء الصحف، وابتكروا طرقاً سهلة لتسجيل وتفريغ البيانات. - وبدأ في النصف الثاني من القرن العشرين خطوات تعاون بين مؤسسات التعليم العالي وهيئات البحث العلمي في مجال الدراسات الإعلامية، ومن أبرزها كان البحث الذي موله معهد الصحافة الدولي في زيورخ IPI دراسة طبيعة الأخبار الدولية في عينة من صحف الولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا الاتحادية، وبريطانيا، وفرنسا، وهولندا، وبلجيكا، وسويسرا، والسويد، والهند. ونشرت نتائجه تحت عنوان "تدفق الأخبار" عام 1953. وأدى تراكم البحوث الإعلامية إلى ظهور أكثر من خمسين وصفاً لعملية الاتصال الجماهيرية، وإلى وضع نماذج كثيرة تشرح عملية الاتصال الجماهيري، منها النموذج الرياضي لكلود شانون عام 1948، ونظرية الاتصال الرياضية لشانون، وويفر. وتجنبت الأبحاث دراسة الدور الاجتماعي لوسائل الإعلام الجماهيرية، رغم أن الدور الاجتماعي لوسائل الإعلام الجماهيرية هو الأساس لمعرفة دور وسائل الإعلام الجماهيرية في إقناع الجماهير في أي مجتمع من المجتمعات. ورغم استخدام أساليب التحليل الوظيفي في دراسة طبيعة ودور الاتصال الجماهيري على الفرد والمجتمع في الإتحاد السوفييتي السابق.
الاتجاه السياسي للدراسات الإعلامية: يعتبر عالم السياسة الأمريكي هارولد لازويل، الذي تدرب ومارس التدريس في جامعة شيكاغو، وعمل لسنوات طويلة في جامعة ييل، ممثلا للاتجاه السياسي الذي اهتم باستخدام تحليل المضمون الإعلامي كأسلوب من أساليب القياس في الدراسات الإعلامية. وقد درس لازويل الدعاية الأيديولوجية ودور وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في المجتمعات والدول، والنفوذ السياسي للقائمين بالاتصال، وتحليل المضمون على أسس علمية. ومن الموضوعات التي اهتم لازويل بدراستها: وظيفة الاتصال في المجتمع؛ وعلاقة الاتصال بالحكومات؛ والسلطة ممارستها وتوزيعها؛ وعوامل الإشراف والسيطرة على وسائل الإعلام الجماهيرية؛ واستخدام الحكومات لوسائل الاتصال كأداة سياسية؛ ومقارنة نظم الاتصال بين الثقافات والدول المختلفة؛ واقتصاديات وسائل الاتصال؛ وطبيعة عمل القائمين على عملية الاتصال؛ ومضمون وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. ومن بين الذين درسوا عملية التحضير للاتصال السياسي دانيل لون، ولوشيان باي. ودرس كلاً من أثيل دوسولا بول، وكارل دويتش، أنظمة الاتصال في الدول النامية من خلال دراستهم للإعلام الدولي. الاتجاه السيكولوجي الاجتماعي للدراسات الإعلامية: يعتبر علم النفس الاجتماعي من المجالات الأساسية والهامة في الدراسات الإعلامية. ويعتبر كارل هوفلاند، وبول لزرفيلد، وكرت لوين، من أوائل الباحثين في هذا المجال الهام. وركز هوفلاند عالم الاجتماع في جامعة ييل، على عملية الإقناع في دراساته. بينما ركز لوين عالم الاجتماع في جامعة أيوا، وجامعة ماساتشوسيت للتكنولوجيا دراساته على الجماعات والأدوار الاجتماعية. بينما ركز لزرفيلد في مركز الأبحاث الاجتماعية التطبيقية بجامعة كولومبيا، دراساته على استقصاء الرأي العام، وتأثير وسائل الإعلام الجماهيرية، وعلى العلاقة بين التأثير الشخصي وتأثير وسائل الإعلام الجماهيرية على الجمهور الإعلامي. ولد لزرفيلد في فيينا وتعلم فيها حتى حصل على درجة الدكتوراه، وفي عام 1923 ترك مسقط رأسه مهاجراً إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث صب اهتمامه على دراسة الساحة الإعلامية وتأثير الوسيلة الإعلامية الجماهيرية الجديدة آنذاك. وكان الباحثون هناك مهتمون فعلاً بقياس مدى نجاح الإذاعة المسموعة كوسيلة إعلامية جديدة لفتت انتباه المعلنين. وانصبت دراسات القياس على معرفة عدد المستمعين والبرامج التي يفضلون الاستماع إليها. واهتم لزرفيلد بمعرفة الأسباب التي دفعت المستمعين لسماع برامج إذاعية بعينها، واستنباط الطريقة التي تمكنه من معرفة كيفية استخدامهم للمعلومات التي يحصلون عليها عبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وتأثيرها على أذواقهم واتجاهاتهم الاجتماعية وتأثير الحملات الانتخابية على خياراتهم الانتخابية، وعلاقة الاتصال الشخصي بوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. وبدأ اهتمام لزرفيلد بالإذاعة المسموعة عام 1937 عندما عين مديراً لمركز أبحاث الإذاعة المسموعة الذي أفتتح للتو في جامعة برنستون بتمويل من مؤسسة روكفلر. مستفيداً من خبرة فرانك ستانتون المدير السابق لشبكة س. ب. إس، في الإذاعة الأمريكية. وفي عام 1940 انتقل المركز الذي يشرف عليه لزرفيلد إلى جامعة كولومبيا وأصبح مركزاً للأبحاث الاجتماعية التطبيقية. وأثمرت أبحاث لزرفيلد عن مجموعة من الكتب ذات المستوى الرفيع في موضوعات كالتصويت، والبطالة، والاتصال، ومناهج البحث في العلوم الاجتماعية التطبيقية، إضافة لتدريب مجموعة من الباحثين الشباب الذين ذاع صيتهم فيما بعد. أما عالم النفس والخبير بوسائل وأساليب إجراء التجارب العلمية، وعلم النفس الاجتماعي كورت لوين فقد هاجر في مطلع الثلاثينات من مسقط رأسه في أوروبا إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن أتم تحصيله العلمي في فيينا. وتمتع بتأثير كبير هناك على طلبته في جامعة أيوا ومعهد ماساتشوسيت للتكنولوجيا، حيث اهتم خلال الحرب العالمية الثانية بدراسة حركة الجماعة، والاتصال داخل الجماعة، وتأثير جماعات الضغط الاجتماعي، وتأثير الجماعة على اتجاهات وتصرفات أعضائها. وركزت أبحاث لوين في علم النفس الاجتماعي على الفرد في ظروف المحيط الاجتماعي، وتحليل المؤثرات الاجتماعية على الطفل، وطبيعة الاختلافات القومية بين الأمريكيين والألمان، والمشاكل الاجتماعية الناتجة عن انتماء الفرد لأقلية اجتماعية. أما كارل هوفلاند فقد تخرج من جامعة ييل وبرز بين علماء النفس التجريبي قبل الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1942 استدعي للخدمة العسكرية والتحق بقسم الأبحاث الإعلامية في الجيش، وهناك ركز اهتمامه على بحوث الاتصال وتغيير الاتجاهات. وبعد الحرب عاد هوفلاند إلى جامعة ييل ووضع برنامجاً للبحث في عناصر الاتصال وتغيير الاتجاهات، وتمتع برنامجه بأسلوب دقيق للقياس يعتمد على التجربة المنظمة. ودرس هوفلاند تأثير القائم بالاتصال الذي يؤمن الجمهور الإعلامي بصدقه، والقائم بالاتصال الذي يتمتع بالنفوذ، وتأثير عرض الجانب الذي يسعى القائم بالاتصال لترويجه، من خلال عرض الجانبين المؤيد والمعارض في آن واحد، وتأثير بواعث الرسائل الإعلامية المثيرة للخوف الشديد لدى المستقبل، ومقارنة تأثير الرسائل الإعلامية التي تثير خوفاً معتدلاً أو خفيفاً، وأساليب تحصين الجماهير ضد الدعاية المضادة. وتعتبر كتبه من أهم ما وضع من كتب في علم الاتصال حتى وقت قريب. وتوفي هوفلاند عام 1961 متأثرا بمرض السرطان عن 48 عاماً، ولم تتوقف أبحاثه التي استمرت على أيدي تلاميذه الذين استمروا على تطويرها والتوسع بها من بعده. ومن دراستنا لأبحاث الرواد الأربعة في تطوير أبحاث الاتصال الجماهيري: لازويلد، ولزرفيلد، ولوين، وهوفلاند، فإننا نستنتج أن أبحاث لازويل اتسمت بالشمول الذي يهتم بالمجال العام. أما لزرفيلد، وهوفلاند، فقد اتسمت بالمجال الأضيق الذي يهتم بالتفاصيل، أما أبحاث لوين عن الجماعات الصغيرة، فقد جاءت في الوسط بين المجالين. وأضاف الباحث الأمريكي برنارد ولسون إلى المجالين أنفي الذكر خمسة مجالات فرعية للبحوث الإعلامية وهي: - المجال الإصلاحي: الذي مثلته لجنة حرية الصحافة في الولايات المتحدة الأمريكية التي شكلت عام 1943، وأصدرت تقريرها عام 1947 واهتم التقرير بتنظيم وسائل الاتصال وتكوينها، وأساليب السيطرة عليها، ومسؤولية وسائل الإعلام الجماهيرية اتجاه المجتمع، وهو المجال الذي تجاهلته الجامعات، ووقفت وسائل الاتصال التجارية ضده، وضد لجنة حرية الصحافة. - والمجال التاريخي: الذي تمثل بدراسات ديفيد رايسمان، وهارولد إنيس، واهتم بالتأريخ لحياة القائمين بالاتصال عبر وسائل الإعلام الجماهيرية. وتدخل ضمنها مؤلفات فرانك لوترموت، وأرنولد هاوسر، التي اعتمدت على السرد والسير الشخصية. - والمجال الصحفي: ويمثله نشاط معاهد الصحافة ومراكز البحث العلمي في مجال الإعلام، وبعض الأساتذة أمثال: كيسي، وريمو ب. نيكسون، وولبر شرام. واهتم بالسيطرة على وسائل الاتصال الجماهيرية، وخصائص القائم بالاتصال، واهتمامات قراء الصحف، ومسؤولية الإعلام اتجاه المجتمع. - ومجال دراسة فلسفة اللغة والمعاني: الذي حاول من خلاله الباحثون تطبيق نظرية المعرفة على الاتصال الجماهيري، واشتغل فيه إضافة للفلاسفة، علماء الأنثروبولوجيا، واللغويين، وعلماء النفس، وعلماء الرياضيات. - ودور وسائل الإعلام الجماهيرية في مجال نشر الأفكار المستحدثة: الذي اهتم أصلاً بالمجتمعات الزراعية ونشر الأفكار المستحدثة، وله علاقة كبيرة باهتمامات الدول النامية وأساليب التغيير السريع للمعتقدات والقيم. ومن رواده روجر، وكير، وشوميكر. ويبقى من مميزات الربع الأخير من القرن العشرين التركيز على دراسات الاتصال والإعلام الجماهيري الدولي على ضوء التطورات الهائلة لوسائل الاتصال الجماهيرية وخروجها من إطار المحلية إلى إطار الدولية، وما نتج عن ذلك من مشاكل معقدة تحتاج للدراسة والبحث لمعرفة وفهم المتغيرات التي طرأت على نظم الاتصال والإعلام الجماهيري في مختلف دول العالم. ويبقى التصنيف الذي وضعه كتاب "نظريات الإعلام الأربع" الذي صدر عام 1956، قائماً في تصنيفه رغم انهيار الإتحاد السوفييتي السابق ومعه المنظومة الاشتراكية التي كان يقودها في مطلع تسعينات القرن العشرين، واتجاه معظم الدول المستقلة إلى تبني نظم ديمقراطية في سياساتها الإعلامية. وتبقى في حاجة لدراسات تركز تأثير الانفتاح الاقتصادي والسياسي والاجتماعي على وسائل الإعلام الجماهيرية، وتأثير وسائل الإعلام الجماهيرية في شكلها الراهن على هذا الانفتاح وتحليل المتغيرات في التعليم والدخل القومي وتوزيع الثروات والاستقرار السياسي والاجتماعي ومشاكل البيئة والتلوث... وغيرها من البحوث التي لها علاقة مباشرة بنظم الاتصال والإعلام الجماهيري في دول المنظومة الاشتراكية السابقة ومقارنتها مع النظم القائمة في مختلف دول العالم. وهو ما سبق وتنبهت له الدول الأوروبية وانعكست صورته في ما نشرته مجلة اتحاد الإذاعات الأوروبية E. B. U. Review، ومجلة معهد الإذاعة الدولي Inter Media في لندن، ومجلة Gazette في هولندا، وغيرها من المجلات المتخصصة.
الفصل السادس: نماذج عملية الاتصال الجماهيري. ظاهرة الاتصال بين الأفراد والأمم والشعوب ظاهرة قديمة قدم الإنسان والأمم، لكن الاهتمام بدراسة الاتصال والإعلام والدعاية والرأي العام دراسة منهجية منتظمة اتضح في الفترة التي رافقت الحرب العالمية الثانية كما سبق وأشرنا، وظهرت خلال خمسينات وستينات القرن العشرين بعض الكتب والدراسات القيمة التي تناولت مواضيع الاتصال والإعلام الجماهيري الدولي، وانصب الاهتمام فيها على دراسة الإنتاج الفكري للفترة الممتدة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية. ولكن قبل أن نتحدث عن نماذج الاتصال لابد أن نوضح ما المقصود من اصطلاحات الاتصال، والجماهيري، وعملية الاتصال بحد ذاتها.
تعريف الاتصال: الاتصال هو من أقدم النشاطات الإنسانية على الإطلاق، وهو من الظواهر المألوفة لدى الإنسان ومعنى مصطلح الاتصال واضح وغامض في نفس الوقت، والمعنى يصبح واضحاً حينما نستخدمه بشكل تقليدي ضيق، ولكنه يتسم بالغموض عندما نستخدمه بشكل شمولي واسع. فإذا تحدث فرد مع آخر وأدى هذا الحديث إلى تفاهم متبادل بين الطرفين، فيمكننا القول أنه حدث اتصال، أي تحقق الهدف من الحديث. أما إذا أدى الحديث إلى حدوث سوء تفاهم، فيمكننا القول أنه لم يحدث اتصال أي لم يتحقق الهدف من الحديث. أو نصبح غير واثقين مما إذا حدث الاتصال فعلاً أم لا. ويقول كارل هوفلاند، أن الاتصال هو عملية ينقل من خلالها الفرد (القائم بالاتصال) مثيرات (رموز لغوية، رسالة ما)، لكي يعدل من سلوك الأفراد الآخرين (مستقبلي الرسالة). وفي هذه الحالة ينقل القائم بالاتصال الرسالة عمداً، أي بشكل هادف لإحداث تأثير معين. أما تشارلس موريس، فيقول اصطلاح الاتصال حينما أن نستخدمه بشكل واسع النطاق، لأنه يتناول أي موقف يشارك فيه عدة أفراد بموضوع معين. ولكنه يحصر الاتصال في استخدام الرموز لكي يحقق انتشاراً ومشاركة ذات مغزى. أي أن يتحقق تفاهم حول موضوع معينٍ، سواء عن طريق الرموز أو أية وسيلة أخرى سماها تشارلس موريس Communization، كأن ينتقل الغضب من شخص إلى شخص آخر، أو أن لا يغضب الشخص فعلاً ولكنه يبدي دلائل توحي بالغضب، وهذا الموقف ينطوي على إحساس ومشاركة نسميها اتصال. ويعتبر جورج لندبرج أن الاتصال هو نوع من أنواع التفاعل يحدث بواسطة الرموز، ويستخدم للإشارة إلى التفاعل بواسطة العلامات والرموز، التي يمكن أن تكون حركات أو صور أو لغة أو أي شيء آخر يمكن أن يثير السلوك الإنساني. والسلوك الناتج عن هذا التفاعل قد لا يكون بسبب التعرض للرموز نفسها، إن لم يكن المتلقي مهيأً للاستجابة للرمز بصورة معينة. وأن الاتصال يختلف عن التوصيل، وأن الاتصال الحقيقي هو نوع من التفاعل يتم بواسطة الرموز والعلامات، ويؤدي إلى تخفيف أو زيادة التوتر والشك وزيادة أو تشويش الفهم لدى الأفراد. أما إدوار سابير فكتب عن الاتصال المحدد، والاتصال الضمني، أن الاتصال المحدد، هو: اتصال بالمعنى التقليدي، أما الاتصال الضمني، فهو: التفسير البديهي للرموز اللاشعورية نسبياً، والاستيعاب اللاشعوري للأفكار والسلوك في ثقافة الفرد. بينما اعتبر بعض علماء الاتصال أن مفهوم الاتصال يتضمن كل العمليات التي يؤثر من خلالها الناس على بعضهم البعض. بينما عرف ستيفنز الاتصال باستجابة الكائن الحي لمنبه معين بشكل متميز، ويقوم بنتيجتها باستجابة أو ردة فعل متميزة. والرسالة التي لا تحظى باستجابة لدى المستقبل لا تعتبر اتصالاً عكس نوبرت وينر الذي يقول: أن الاتصال بمعناه الواسع يتضمن كل الإجراءات التي يمكن بمقتضاها أن يؤثر عقل بشري على عقل آخر، أو يؤثر جهاز على جهاز آخر كأجهزة الرصد والتوجيه الأوتوماتيكي، وأجهزة الاستشعار عن بعد مثلاً. ولكننا نرى ورغم الاختلافات في التعريف نرى أنه هناك اتفاق على استخدام مصطلح اتصال لنقل المعاني، ويستخدم للإشارة إلى عملية الاتصال، وللإشارة إلى الرسائل الإعلامية ومؤسسات الاتصال والإعلام الجماهيري بشكل عام.
تعريف جماهيري: يشير مصطلح جماهيري إلى جمهرة أو حشد أو مجموعة كبيرة من الناس مؤلفة من جميع الطبقات والشرائح الاجتماعية، يختلف أفرادها في مراكزهم الاجتماعية ومهنهم وثقافاتهم وثرواتهم، ومجهولي الهوية ولا يتفاعل الواحد منهم مع الآخرين ولا يتبادل معهم المشورة والخبرة، وغير منظمين ولا يمكن أن يعملوا ككتلة واحدة، ولا تتاح لهم فرصة الاختلاط والتقارب، وكل ما يشدهم إلى بعضهم البعض هو حدث يعنيهم جميعاً وطني أو قومي هام ويشدهم إلى متابعة تطوراته. وقد ازداد حجم الجماهيري وأهميته في ظروف التطور العلمي والتقني والتكنولوجي الصناعي الحديث. ولعدة قرون خلت كان المجتمع البشري منغلقاً في مجتمعات صغيرة، في المزارع والقرى والمدن، وكان عدد المدن الكبيرة محدود جداً حتى أن روما في قمة مجدها لم يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة، عاشت غالبيتهم في جماعات صغيرة مكونة من الأقارب والأصدقاء وجماعات العمل والجيش. ولكن الحروب والغزوات والاحتلال والهجرات الجماعية أدت إلى اتصال الجماعات المعزولة نسبياً ببعضها البعض. بينما نجد في حياتنا المعاصرة اليوم أنه وخلال جيل واحد وبسبب الحروب الحديثة وانتقال قوات ضخمة العدد من قارات إلى قارات أخرى، وما رافقها من تطور لوسائل المواصلات والاتصالات الحديثة وخاصة شبكة الانترنيت العالمية، وانتشار وسائل الإعلام الجماهيرية الحديثة في جميع أنحاء العالم، أدى إلى خروج الناس عن إطار ثقافاتهم الأصلية المغلقة، ليعيشوا في عالم منفتح جديد وواسع.
تعريف عملية الاتصال: عملية الاتصال هي ظاهرة تتغير بشكل مستمر خلال فترة محددة من الزمن، لا بداية ولا نهاية لها، ولا تسلسل لأحداثها، وإذا رجعنا إلى ثورة الفلسفة العلمية التي أحدثها اينشتين، وراسل، ووايت هيد، نجد أن الثورة العلمية قد نفت نظرية ثبات الأشياء، كما نفت وجود أشياء مستقلة تقوم بعملها بشكل منفرد. وأدى هذا إلى ظهور نظرية النسبية التي تقول: أولاً: أن أي ظاهرة يمكن تحليلها ووصفها على ضوء ظاهرة أخرى متصلة بها أو عمليات تدخل في ملاحظتها فقط. ثانياً: وأن الملاحظة القوية أظهرت أن الأشياء الثابتة مثل الأثاث المنزلي يمكن النظر إليها كظواهر خاضعة لعوامل غير مستمرة، فهي تتغير تماماً مثل الإنسان الذي يقوم بملاحظتها، وتعود أسباب عدم القدرة على ملاحظة التغييرات إلى قصور أعضاء الحس لدى الإنسان نفسه. فالكون يتغير دائماً ويتأثر بعوامل عديدة، نعرف بعضها ونجهل بعضها الآخر، والعلم كنشاط إنساني يهدف إلى كشف العلاقات المشتركة بين الظواهر المختلفة، وتجعلها تؤثر على بعضها البعض. واكتشاف علاقة الظواهر بعضها ببعض وفهمها هما شيء واحد لأن فهم الظواهر معناه كشف العلاقة التي تربط بينها وبين ظواهر أخرى. أما إذا لم نعثر على تلك العلاقة فستبقى غير مفهومة لدينا أو بدون تفسير محدد لتلك الظواهر لأن المعرفة والفهم لا يتمان من دون اكتشاف العلاقات المختلفة بين المتغيرات وموضوع الفهم والمعرفة. كما لا يمكن فهم جانب واحد من السلوك البشري دون ربطه بالجوانب السلوكية الأخرى. ونحن نفهم معنى الأحداث من خلال ربطها بالأحداث الأخرى التي سبقتها والظروف المحيطة بها فالفهم إذن يتم بعملية ربط أو إدراك العلاقات بين الظواهر المطلوب تفسيرها، وربطها بالأحداث الأخرى التي تلازمها والتي سبقتها والتي تؤثر فيها. فالفهم لن يتحقق إلا بربط الظاهرة بالمتغيرات والظروف الأخرى الخارجة عنها، والتي يعتبر وجودها مسؤولاً عن تسلسل أحداث الظاهرة نفسها. والأسلوب الوظيفي لدراسة التفاعل البشري يفترض أن الناس عندما يتصلون ببعضهم البعض يستخدمون كل إمكانياتهم وطاقاتهم، لأن عملية الاتصال تتطلب استغلال كل إمكانيات وطاقات الفرد، من مدارك وتعلم ودوافع وعواطف واتجاهات ومعتقدات وقيم ومعاني وظروف اجتماعية. فالاتصال البشري هو عبارة عن عملية واحدة مركبة تجمع العديد من العمليات والقوى المعقدة والمستمرة والتي تتفاعل في ظرف متبدل لا بداية ثابتة له ولا نهاية ثابتة له. وكل أوجه النشاط تلك تؤثر على الاتصال البشري الذي يعتبر تجميعاً لعناصر وقوى متفاعلة مادية وسيكولوجية واجتماعية وعلينا التنبؤ بكيفية تفاعل تلك المتغيرات أو ردود الفعل المحتملة لإحداث نتائج معينة. وتأثير مادة الرسالة الإعلامية لا يمكن تفسيره على ضوء نموذج المثير والاستجابة البسيط، لوجود عدة متغيرات خارجة عن عملية الاتصال ذاتها، وتؤثر على نتيجة عملية الاتصال تأثيراً مباشراً. لأننا نبحث عن تفسير ظاهرة معينة وعن مؤثرات ومتغيرات خارجة عن عملية الاتصال وتربطها بها علاقة وظيفية محددة. منطلقين من مبدأ أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية تؤثر في الجمهور الإعلامي، وأن الجمهور الإعلامي يؤثر بدوره على مضمون وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. وأن السياسة تغير الرأي العام، وأن الرأي العام يغير السياسة، وأن التغيير الاقتصادي يحدث تغييراً في الاتصال والإمكانيات الإعلامية التي بدورها تعين على التغيير الاقتصادي. وبمعنى آخر أن الأسلوب الوظيفي لتفسير عملية الاتصال يأخذ في اعتباراته ظواهر متعددة لتأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية.
وظائف الاتصال الأساسية: نستطيع دراسة أهداف عملية الاتصال من خلال وجهة نظر المرسل أو من وجهة نظر المستقبل على حد سواء. كما ونستطيع تحديد وظائف عملية الاتصال على أساس الفرد أو على أساس المجتمع. فمن وجهة نظر الفرد القائم بالاتصال، أي المرسل بشكل عام، هي: الإعلام؛ والتعليم؛ والترفيه؛ والإقناع. أما من وجهة نظر المستقبل، أي الطرف الآخر في عملية الاتصال، فهي: المشاركة في عملية الاتصال؛ وفهم ما يحيط به من ظواهر وأحداث؛ وتعلم مهارات جديدة؛ والاستمتاع والاسترخاء والهرب من مشاكل الحياة؛ والحصول على معلومات جديدة تساعده على اتخاذ القرارات والتصرف بشكل مقبول اجتماعيا. وكانت هذه الأهداف قبل اختراع الطباعة تحقق عن طريق الأفراد، ومن ثم أصبحت تتحقق تدريجياً عن طريق المادة المطبوعة ومع التطور الكبير لتكنولوجيا الاتصال أصبحت تتحقق عن طريق وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الحديثة تباعاً مع دخول تلك الوسائل ميدان الخدمة الاجتماعية، حتى أصبحت من الأجهزة المهمة والمؤثرة على حياتنا اليومية إلى جانب مؤسسات التربية والتعليم والتنشئة الاجتماعية الأخرى. وتقوم وسائل الاتصال الجماهيرية اليوم وكما كانت عليه بالسابق بمهام محددة لا تخرج عن إطار: توفير معلومات عن الأوضاع المحيطة بنا (أخبار)؛ والإسهام في نقل التراث الثقافي عبر الأجيال، والمساهمة في تنشئة الأجيال الجديدة، وصهر الوافدين الجدد في المجتمعات الوافدين إليها؛ والترفيه عن الجماهير وتخفيف أعباء حياتهم؛ وتقديم المساعدة لنظام الحكم من أجل تحقيق التفاهم، والاتفاق، والوئام بين الفئات الاجتماعية، وتحقيق الوحدة الوطنية، وتعبئة الرأي العام، عن طريق الإقناع، والحوار، بدلاً من استخدام القوة والعنف والإكراه للسيطرة على المجتمع.
أهداف الفرد من عملية الاتصال: يتعرض الفرد لمواد وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية من خلال ما تنقله إليه من خبرات وتجارب، ويتصل الفرد بأفراد آخرين بشكل مباشر، ويمر بتجارب معينة تكسبه خبرات محددة ويتحول بذلك إلى مصدر من مصادر المعلومات، ويستفيد من خبراته. وعملية الاتصال أساساً هي تفاعلات لصلات فرد معين بمحيطه. وحينما يتفاعل الإنسان مع المحيطين به، يتقاسم معهم المعلومات والتجارب، ويصبح هدفه الأساسي تغيير العلاقات القائمة بينه وبين من يحيط به. محاولاً التقليل قدر الإمكان من التأثير الخارجي عليه، مدعماً من قدراته الذاتية ليتحول إلى قوة مؤثرة في ذلك المحيط. وباختصار: نحن نتصل لنؤثر بهدف معين. والاتصال الهادف هو الذي يحقق ردود فعل أو استجابة معينة لدى المستقبل ضمن عملية الاتصال. وفشل عملية الاتصال في تحقيق أهدافها يعود عادة إلى: - ضعف قدرات القائم بالاتصال وعجزه عن تحديد هدفه بدقة؛ وسوء فهمه للهدف الحقيقي من مساهمته في عملية الاتصال. وقد أثبتت بعض الدراسات الإعلامية، عن القائمين بالاتصال في الولايات المتحدة الأمريكية، أن أغلبية القائمين بالاتصال هم مسؤولين عن الأخبار الدولية، ويهدفون من أدائهم لعملهم كسب احترام زملائهم، وتقدير رؤسائهم في العمل. أو السعي للعمل في وسيلة اتصال أكبر، أو شغل منصب في العلاقات العامة أو الإعلان يوفر لهم دخلاً مادياً أكبر، متناسين الهدف الأساسي من عملهم وهو: خدمة الجمهور الإعلامي، وبذلك نراهم قد انصرفوا عن الهدف الأساسي نحو تحقيق مكاسب شخصية لا أكثر. وتحليل أية رسالة إعلامية لا يمكن دون معرفة الهدف منها، وهذا الهدف لابد أن تكون له استجابات محددة لدى المتلقي، ودوافع تدفع المتلقين للتعرض للرسالة الإعلامية. ولابد أن تؤخذ كلها بعين الاعتبار لدى دراسة عملية الاتصال. وتنطوي عملية الاتصال عادة على نوعين من الاستجابات هما: استجابة يهدف إليها صانع الرسالة الإعلامية؛ واستجابة يقدم عليها متلقي الرسالة الإعلامية. وهنا يجب أن نراعي حقيقة مفادها أن أهداف القائم بالاتصال، لا تتلقى دائماً نفس الاستجابة التي هدف إليها في رسالته الإعلامية، ولا تحقق التأثير المطلوب على الآراء والاتجاهات كما رسمها القائم بالاتصال في رسالته الإعلامية تلك.
طبيعة تأثير الرسالة الإعلامية: ذكر الباحثان الأمريكيان ولبر شرام، وديفيد برلو، أن بعض أهداف عملية الاتصال تتحقق بمجرد استهلاك الرسالة الإعلامية، وانتهاء التعرض لها، وللتسلية وتبديد الوقت والتخلص من التوتر، وهو الهدف العاجل الاستهلاكي. وفي أحوال أخرى يسعى مضمون الرسالة الإعلامية إلى تحقيق أهداف مؤجلة كما هي الحال في المقالات السياسية، أو الاقتصادية، أو الاجتماعية، لفهم الظروف التي تحيط بنا فهماً أفضل وهو الهدف البعيد المدى. ويشير ديفيد برلو إلى أنه هناك الكثير من الأدلة التي تثبت أن أهداف القائم بالاتصال والمتلقي قد تختلف، ورغم ذلك نراهما ينجحان في تحقيق ما يهدفان إليه. فقد يشتري القارئ مجلة ليطالع قصة فيها ( هدف المتلقي)، ولكنه لا يلبث أن يشتري سلعة أعلن عنها في تلك المجلة (هدف القائم بالاتصال). وقد يشاهد الجمهور دراما تلفزيونية لمجرد الاستمتاع، ولكنه قد يغير من تصرفاته مع الآخرين متأثراً بما شاهده في تلك الدراما التلفزيونية.
فلماذا نستخدم نماذج لدراسة عملية الاتصال ؟ النظرية أو النموذج محاولة لتقديم العلاقة الكامنة التي يفترض وجودها بين المتغيرات التي تصنع حدثاً معيناً، أو تؤدي إلى نظام معين. والنماذج في واقع الأمر هي أدوات ثقافية تساعدنا على فهم أي ظاهرة أو نظام، وأدوات تصورية توفر لنا إطارات للافتراضات التي تتحدد نطاقاتها من خلال المتغيرات الهامة. والنماذج المثالية تتضمن خطوات متتابعة للتجريد، تقوم على تصور الظروف المادية التي استمدت منها. طبيعة النماذج: يوفر نموذج الاتصال للخبراء والباحثين أبسط الطرق لتفسير التفاعل البشري من خلال عملية الاتصال، وللنماذج أشكال عديدة منها النماذج الإحصائية. وتختلف النماذج في المتغيرات التي تظهرها أو تؤكدها، ولكن هذه الاختلافات سطحية وتصنف النماذج ضمن فئتين أساسيتين هما: - النماذج البنائية: التي تظهر الخصائص العامة للحدث، من خلال مكوناته وحجمه وترتيب أجزائه المنفصلة عن بعضها؛ - والنماذج الوظيفية: التي تحاول تقديم صورة طبق الأصل من الأسلوب الذي يعمل من خلاله النظام الإعلامي. وهي نماذج تشرح طبيعة القوى أو المتغيرات التي تؤثر على النظام الإعلامي بشكل عام. وتعد النماذج أساساً لتوضيح ظاهرة أو حدث معين، تساعد الباحث على التنبؤ والتفسير، وفهم المعلومات المتراكمة. ويعتمد نجاح النماذج على مدى تشجيعها ودفعها للباحثين نحو إجراء بحوث إضافية، ومدى قدرتها على تنظيم الحقائق والنتائج المتنوعة بشكل يسهل فهمه. وعند تصميم أو اختيار نموذج، يجب مراعاة الواقعية والتركيز، وأن يحتوي على صورة قريبة قدر الإمكان من الواقع. مع مراعاة استخدام مصطلحات تشير إلى الخصائص الأساسية المطلوبة والتركيز على التبسيط، وعدم التعرض لبعض التفاصيل الثانوية غير الهامة. ومع اعتبارات التركيز والواقعية، يجب مراعاة اختيار النماذج التي تساعد على الخروج بتنبؤات جديدة وخطوط جديدة لدراسة عملية الاتصال.
وظائف النماذج: النماذج تخدم دراسة عملية الاتصال من خلال أربعة أهداف أساسية، وهي: الحصول على المعلومات وتنظيمها؛ وتشجيع القائم بأبحاث علمية؛ والمساعدة على التنبؤ؛ والسيطرة على الظواهر الإعلامية والتحكم بها.
الوظيفة التنظيمية لنماذج دراسة عملية الاتصال هي في: الفهم << التنظيم << التنبؤ << التحكم. والنموذج هو محاولة لإعادة العلاقات التي يفترض وجودها بين المكونات أو القوى التي ندرسها رمزياً أم مادياً. ولا يمكن وصف عملية الاتصال المتغيرة دائماً بسهولة، ولكن الإطار الذي يوفره النموذج يجدد هذه العملية ويساعد الباحث على عزل المتغيرات الهامة، ووصف دورها في عملية الاتصال بكاملها. ويساعد أيضاً على إعادة بناء الحدث أو الظاهرة الإعلامية، وتحديد عناصرها. وإعادة تقديم الخصائص الرئيسية للنظام الذي نخضعه للدراسة والتحليل. ووضع عدد كبير من المتغيرات في تكوين واضح، وربط تأثيرات تلك المتغيرات بعضها ببعض، ومحاولة استنتاج طبيعة التفاعل بينها. وهذا يضمن عدم تجزئة الأحداث المدروسة.
النماذج تعمل على تطوير الأبحاث العلمية: والنماذج تجعل من نظريات الاتصال أكثر بساطة وفهماً. فالنموذج يقدم أفكار من قام ببنائه عما يعتقد بأنه المتغيرات الهامة في عملية الاتصال، والتي تمكن الباحث من تحليل الأسلوب الذي تعمل بموجبه تلك المتغيرات. كما وتظهر المتغيرات التي يمكن تجاهلها في البحث، وتشجع على التوسع في البحث والدراسة. ومن أمثلة التشجيع على التوسع في البحث والدراسة نورد النموذج اللفظي التالي الذي يتضمن العناصر الرئيسية للاتصال وهي: المرسل، المتلقي، الرسالة، التشويش. مرسل < رسالة { تشويش } رسالة < مستقبل. ويدفع هذا النموذج الباحث لدراسة قدر التشويش في عملية الاتصال بين المرسل والمتلقي، ومدى دقة الرسالة التي تلقاها المستقبل، بأسلوب علمي دقيق.
وظيفة التنبؤ: هناك علاقة قوية بين الفهم والتنبؤ، فالتنبؤ مبني على الفهم، الذي هو نقطة البداية للوصول إلى المجهول. ومن خلال هذه العلاقة يمكن أن نفترض وجود علاقة وظيفية بين أحداث ومكونات الحدث الإعلامي، والاستفادة منها. والتنبؤ الذي هو جزء من خطة التحقق التي نختبر بها صحة معلوماتنا وتساعد من ناحية أخرى على زيادة الفهم بناء على المعلومات المتوفرة لدينا. والتأكد من قدرة النموذج على ربط العناصر غير المرتبطة بالحدث، وغير المعروفة سابقاً، وإظهار التماثل والارتباط بينها، وتنظيم المعلومات المنفصلة بشكل يسهل تخزينها في الذاكرة.
وظيفة التحكم: وبعد الفهم والتنظيم والتنبؤ، نصل للهدف الأخير من أهداف نماذج الاتصال وهو التحكم، الذي يعتبر من مستلزمات تطوير المعرفة. من خلال السيطرة على الظواهر واستخدامها لصالح الإنسان. والأهداف الثلاثة: الفهم والتنظيم والتنبؤ، تخدم التحكم من خلال معالجة الظروف التي تحدد حدوث الظاهرة، والتمكن من الوصول إلى هدف معين. والقدرة على التحكم مرتبطة بالقدرة على التنبؤ. وبدوره يساعد التحكم على اختبار صحة التنبؤات، ومدى فهم الظاهرة بشكل عام، ولكي يتحقق التنبؤ لابد من التحكم بالظروف التي تحدد الظاهرة ذاتها.
صعوبات تصميم نماذج عملية الاتصال: ومن أهم الصعوبات في تصميم نماذج عملية الاتصال: - الاضطرار إلى تجميد عملية الاتصال، لوصف عناصرها ومكوناتها. وهي أشبه بالصورة التي تجمد الحدث ولكنها لا تمثله. وتغفل العلاقات بين العناصر وتجمد حركة تفاعل الأحداث؛ - إغفال بعض العناصر بسبب تجميد عملية الاتصال، أو فصل بعض العناصر التي لا تقبل الفصل. لأن عملية الاتصال لا تتضمن خط يحدد الحدود بين أجزاء عملية الاتصال، ووضع الفواصل سيؤدي إلى إغفال طبيعة الاتصال الدائرية: < مرسل << رسالة << متلقي << راجع صدى <. - الاضطرار إلى استخدام اللغة في الوصف، واللغة كما هو معروف تخضع للتغيير من وقت لآخر، لأن استخدام اللغة لوصف شيء يتطلب استخدام كلمات بعينها، بحيث نضطر إلى تجميد العالم المادي بشكل ما، ووضع كلمات قبل أخرى، أو حذف بعض الكلمات. ولهذا لا يكون اختيار الكلمات في الوصف موضوعياً تماماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق