الفصل
الثاني
التبادل الإعلامي الدولي في إطار العلاقات الدولية
1.2-
الصحافة الدولية في إطار السياسة الخارجية للدولة: لوسائل الإعلام الجماهيرية الدولية مهام مختلفة في
إطار العلاقات الدولية، من خلال اضطلاعها بدورها ضمن إطار السياسة الخارجية
للدولة. ويمكن القول بأن السياسة الخارجية لأي دولة هي نتاج لعدة عوامل مشتركة،
داخلية وإقليمية ودولية. وتتناول العوامل الداخلية إضافة للتركيبة السياسية،
التراث الثقافي والتاريخي والفكري، والأوضاع الاجتماعية والسكانية، والإمكانيات
الاقتصادية والعسكرية (W. Phillips Davison: International Political
Communication. New York. Fredrick A. Paeger. 1965, pp. 3-10).
وترتبط العوامل الإقليمية، بالنظام الإقليمي السائد
في الإقليم الذي تنتمي إليه هذه الدولة، ومدى تأثر السياسة الخارجية للدولة بهذا
النظام، وتفاعل عناصر القوى داخل الإقليم، وعلاقة النظام الإقليمي بالنظام
العالمي. كأقاليم جنوب شرق آسيا، وآسيا المركزية، والعالم العربي، وحوض البحر
الأبيض المتوسط، وحوض الكاريبي، وغيرها من الأقاليم. أما العوامل القارية فترتبط
بتفاعل عناصر القوى على مستوى القارة بكاملها، والأنظمة السائدة فيها وإمكانية
تأثيرها على السياسة الدولية كما هي الحال في الاتحاد الأوروبي ومنظمة الاتحاد
الإفريقي.
وتتناول
العوامل الدولية، النظام الدولي وخصائصه، وتطوره وأبعاده، والعلاقة بين الدول
الكبيرة والدول الصغيرة، والدول الغنية والدول الفقيرة، وعناصر قوى الأطراف
المختلفة ومدى تأثيرها على السياسات الخارجية لدول العالم. واعتماداً على كل تلك
الحقائق يتم رسم وتشكيل السياسة الخارجية للدولة
من قبل أجهزة رسم
السياسة الخارجية للدولة، وكثيراً ما تكون هناك مؤسسات رسمية وأخرى غير رسمية،
وكثيراً ما يفوق دور المؤسسات غير الرسمية على دور المؤسسات الرسمية، وإن كان ذلك
يختلف باختلاف النظم السياسية ودرجة التطور في مختلف دول العالم.
ويلاحظ أن
السياسة الخارجية الحديثة، لم تعد تعتمد على فرد، بل أصبحت تعتمد على فريق عمل
متكامل، مزود بأحدث تقنيات الاتصال التي تمكنه من الوقوف على تطور الأحداث فور
وقوعها، مما أفسح المجال لصاحب القرار في مجال السياسة الخارجية، ليعتمد على فريق
عمل من المستشارين المتخصصين في تخصصات متنوعة، فتعرض عليهم الموضوعات التي تدخل
ضمن إطار تخصصاتهم، وفي بعض الأحيان يعرض الموضوع الواحد على أكثر من مستشار
بتخصصات متعددة لها علاقة بالموضوع قيد البحث، وبناءً على ذلك توضع عدة بدائل تعالج موضوع واحد مع شرح للمساوئ والمحاسن التي ترجح
كل بديل عن غيره، تاركين القرار لصاحب الحق في اتخاذ القرار في مجال السياسة
الخارجية للدولة.
ورغم اعتماد
السياسة الخارجية للدولة على الدراسة والأساليب والمناهج العلمية الحديثة المتطورة
والمنطقية في اتخاذ القرار، إلا أن هذا لم ينفي دور المؤسسات الديمقراطية من
برلمان وأحزاب وتجمعات سياسية ومهنية، واستفتاء شعبي، لإضفاء الشرعية على قرار
معين في السياسة الخارجية للدولة.
وكثيراً ما
تكون هناك سياسة خارجية معلنة للدولة وسياسة فعلية غير معلنة ولظروف معينة قد
تختلف السياسة المعلنة عن السياسة الفعلية غير المعلنة، وقد يعلن عن السياسة
الفعلية بعد زوال الظروف التي حالت دون إعلانها.
وتدخل
السياسة الخارجية للدولة حيز التنفيذ فور اعتمادها، بإتباع كل الوسائل المتاحة
سياسياً واقتصاديا وعسكرياً وإعلامياً واجتماعياً وثقافياً، ويدخل في إطار الوسائل
السياسية التمثيل الدبلوماسي المعتمد، والمقابلات والزيارات الرسمية، والمعاهدات،
ودبلوماسية القمة التي يلجأ إليها في المسائل الملحة والهامة والمصيرية. ويساعد
على ذلك اليوم التطور الهائل في وسائل المواصلات والاتصالات التي قصرت المسافات
بين الدول، ووفرت الوقت والجهد. فانتقال صورة وثيقة رسمية عبر الأقمار الصناعية من
جهاز فاكس موضوع في القارة الأمريكية إلى جهاز مماثل له موضوع في آسيا المركزية
مثلاً يستغرق دقائق لا أكثر، وعبر شبكات الكمبيوتر ثوان لا أكثر مع إمكانية تخزين
وتعديل واسترجاع وطباعة المعلومات المرسلة والمستقبلة مرات ومرات عبر شبكات الحاسب
الآلي التي تتيح خدمات البريد الإلكتروني أيضاً.
ومن الوسائل
المتبعة في تنفيذ السياسة الخارجية للدولة، اتفاقيات التعاون الاقتصادي والمالي،
وتنمية العلاقات الاقتصادية والتجارة الخارجية، وتقديم الهبات والمساعدات والقروض،
وإقامة المشروعات الاقتصادية المشتركة، وإرسال الخبراء الاقتصاديين. وهو ما يسمى
بدبلوماسية المساعدات الاقتصادية لتحقيق أغراض سياسية معينة.
وهنا أيضاً
يبرز دور شبكة الانترنيت العالمية، بعد أن تطور مفهوم التجارة الإلكترونية، وظهور
هذا المصطلح في قاموس التجارة الخارجية، في نفس الوقت مع التقدم الهائل في
تكنولوجيا الاتصال، وما رافقها من تطورات هامة تؤثر على عمليات التبادل الإعلامي
الدولي، والتبادل التجاري وتبادل السلع والخدمات بين الدول المختلفة.
وينطوي مفهوم
التجارة الإلكترونية على أي نوع من أشكال التعاملات التجارية التي تتم إلكترونيا
عبر شبكة المعلومات الدولية (انترنيت) وتتم هذه التعاملات بين الشركات بعضها
البعض، أو بين الشركات وعملائها، أو بين الشركات والإدارات المحلية.
وبهذا يمكن
للتجارة الإلكترونية أن تقوم بوظائف عديدة في عمليات التبادل الإعلامي التجاري
الدولي. من بينها الإعلان والتسويق والمفاوضات وتسوية المدفوعات والحسابات، ومنح
الامتيازات والتراخيص، وإعطاء أوامر البيع والشراء. ولهذا بدأت الشركات الكبرى في
العالم بتأسيس مواقع خاصة لها على شبكة الانترنيت، التي بدأ يتزايد عدد مستخدميها
ليصل إلى أكثر من خمسين مليون مشترك من كافة أنحاء العالم. وتشير إحصائيات نهاية
تسعينات القرن العشرين إلى أن حوالي 20 % من حجم الصفقات التجارية في الولايات
المتحدة الأمريكية، وحوالي 10 % منها في أوروبا تم من خلال التجارة الإلكترونية.
ويتوقع أن تزيد هذه النسبة في الفترة المقبلة. هذا وتتيح التجارة الإلكترونية
العديد من المزايا من شأنها تسهيل عمليات التبادل الإعلامي التجاري الدولي، وإتاحة
المزيد من الاختيارات أمام المستهلك، وتخفيض الوقت والتكلفة لكل من المستهلك
والمنتج، واتساع دائرة التسويق من السوق المحلي إلى السوق العالمي، وسهولة النفاذ
إلى الأسواق الجديدة.
وتؤدي هذه
المزايا التي تتمتع بها التجارة الإلكترونية إلى تغييرات جوهرية في طبيعة وأساليب
قيام عملية التبادل الإعلامي الدولي لأنها تعمل على تحقيق ثلاثة عناصر رئيسية
تتمثل في الكفاءة من خلال تخفيض التكاليف في مراحل عديدة من بينها تكلفة الإعلان
والتصميم والتصنيع، والفعالية من خلال توسيع نطاق السوق وتلبية احتياجات المستهلك،
والابتكار وتحسين نوعية المنتج وذلك في ظل المنافسة الشديدة وتوافر المعلومات (إيهاب السوقي: الأبعاد الاقتصادية
للتقدم التكنولوجي على أداء التجارة الخارجية. مجلة السياسة الدولية، العدد 129،
مؤسسة الأهرام ، القاهرة يوليو 1997. ص 213).
أما الوسائل
العسكرية في تنفيذ السياسة الخارجية للدولة، فتكون بالتهديد أو التلويح
باستخدامها، أو استخدامها الكلي أو المحدود في بعض الأحيان، وسياسة تقديم
المساعدات العسكرية، وإمدادات العتاد والسلاح بأنواعه المختلفة لتحقيق أهداف
سياسية معينة. واتفاقيات التعاون العسكري، والدخول في عضوية الأحلاف العسكرية.
وتبادل المعلومات لاستخدامها في الحروب المعلوماتية في ظل الثورة التكنولوجية،
التي أحدثتها تكنولوجيا الاتصال المتطورة.
غير أن
التحليل الدقيق لمفهوم الثورة التكنولوجية يظهر أن ظاهرة حرب المعلومات ليست قاصرة
على الجوانب التقنية المعقدة لنظم الاتصال والحاسبات الإلكترونية (الكمبيوتر)
الحديثة المستخدمة في إدارة العمليات الحربية، بل تتعدى ذلك لتشمل طبيعة الحرب
نفسها مع قدوم عصر المعلومات والتحولات الاقتصادية والاجتماعية الذي أفرزها. فقد
واكب الاهتمام المتزايد بحرب المعلومات داخل أروقة البنتاغون الأمريكي إدراكاً
متنامياً في أوساط المفكرين ورجال الأعمال بمدى عمق التحولات التي تشهدها مجالات
السياسة والاقتصاد وأنماط التفاعل الاجتماعي، والتي تتمثل في السمة المشتركة بينها
في زيادة الاعتماد على جمع وتحليل كم هائل من المعلومات للتعامل مع درجة التعقيد
التي وصلت إليها البيئة الإنسانية والتكنولوجية في نهاية القرن العشرين، والتي بلا
شك ستكون السمة الغالبة التي ستميز القرن القادم.
هذا الاتجاه
نحو التعقيد استمر في التأثير على حركة التطور، إلى أن أصبحت وظيفة تحليل
المعلومات تفوق في أهميتها الوظائف التقليدية التي ميزت العصر الصناعي. وهي ظاهرة
برزت بوضوح في تحول اقتصاديات بأكملها من نمط صناعي يعتمد على الإنتاج الشامل إلى
اقتصاد المعلومات تدار فيه عمليات الإنتاج والتجارة عن طريق شبكات الاتصال وتبادل
وتحليل المعلومات إلكترونياً (كريم حجاج: حرب المعلومات وتطور المذهب العسكري الأمريكي. مجلة السياسة
الدولية، العدد 123، مؤسسة الأهرام، القاهرة يناير 1996. ص 122؛ و -
Peter Drucker: The New Realities: In Government and Politics, In Economics and
Business, In Society and World View (New York: Harper & Row Publishers,
1989), Scott Lash., John Urry. The End of Organized Capitalism (Cambridge:
Polity Press, 1993).).
وتشتمل
الجوانب الإعلامية والثقافية والعلمية والاجتماعية في إطار تنفيذ السياسة الخارجية
للدولة، إضافة لاتفاقيات التعاون المشترك، على تبادل المواد الإعلامية والأفلام
التسجيلية وأفلام الفيديو والكتب والمعارض، وتدعيم التعاون بين المؤسسات الإعلامية
والاجتماعية والثقافية والتعليمية ومراكز البحث العلمي، وتبادل المنح الدراسية،
وتشجيع الدبلوماسية الشعبية وتبادل الزيارات والوفود والمجموعات السياحية.
ويعد التبادل
الإعلامي الدولي من الوسائل الفعالة لتنفيذ السياسة الخارجية للدولة، يمارسها
الجميع من رئيس الدولة إلى أصغر المناصب الإدارية في الدولة كل في اختصاصه. ووسائل
الإعلام الجماهيرية الموجهة للخارج تسعى لتحقيق أهداف السياسة الخارجية للدولة من
خلال المؤسسات الإعلامية المختصة بالإعلام الخارجي، كما وتقوم البعثات الدبلوماسية
المعتمدة، بوظيفة إعلامية بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال إصدارها للنشرات
الإعلامية، أو ما تتناقله وكالات الأنباء العالمية من تصريحات، أو ما تنشره
الإذاعات المسموعة والمرئية والصحف والمجلات واسعة الانتشار، التي أصبحت بمتناول
الجميع بسبب التطور العلمي والتقني الهائل الذي حدث خلال التسعينات من القرن
العشرين، والذي سمح باستقبال البث التلفزيوني عبر الأقمار الصناعية، ومطالعة الصحف
من خلال شبكات الاتصال الإلكترونية (الكمبيوتر) وخاصة شبكة الانترنيت العالمية.
ومن لا يعرف اليوم وكالات الأنباء العالمية ومحطات الإذاعة والتلفزيون العالمية
الأمريكية والفرنسية والبريطانية، الموجهة إلى جميع دول العالم تقريباً وبأكثر
اللغات العالمية انتشاراً، كالإنكليزية والفرنسية والإسبانية والعربية والصينية
والروسية والبرتغالية والفارسية والألمانية وغيرها من اللغات الحية.
والتبادل
الإعلامي الدولي يعكس أساساً الأوضاع القائمة من ثقافية وعلمية وسياسية وعسكرية
واقتصادية واجتماعية، ولكن لا يمكن هنا التقليل من أهمية وإمكانيات الإعلام
الموجه، وتأثيره وفعاليته من خلال التخطيط المحكم للحملات الإعلامية، وتكتيكات
وأساليب عمله، ومتابعته ورصده للإحداث وشرحها وتحليلها، ومراعاته لخصائص المستقبل
المحلي والأجنبي للرسائل والمواد الإعلامية.
ويتمتع
الإعلام الدولي بأهمية خاصة كوسيلة من وسائل تنفيذ السياسة الخارجية للدول الكبرى
والغنية، تتناسب وحجم مصالح هذه الدول على الصعيد الدولي، وتعاظم دورها وتأثيرها
في السياسة على الساحة الدولية، فهي تعمل من خلال وسائل الإعلام المتطورة التي
تملكها، وتوجهها إلى تحقيق أهداف سياستها الخارجية وحماية مصالحها في الخارج.
ومن نظرة
موضوعية في الوظيفة الإعلامية، فإننا لا نستطيع الفصل بين الإعلام الداخلي
والإعلام الخارجي، لأنهما عملياً يكملان بعضهما البعض ويقومان بعمل واحد يخدم
السياستين الداخلية والخارجية للدولة ويدعم من مواقفها على الصعيدين الداخلي
والخارجي. وتخطئ الدولة التي تدعم الإعلام الداخلي على حساب الإعلام الخارجي، أو
بالعكس، لأن هذا يضر بمصالح هذه الدولة على الصعيد العالمي ويفسح المجال واسعاً
أمام وكالات الأنباء ووسائل الإعلام العالمية، للإضرار بسياسة تلك الدولة وتشويه
سمعتها أمام الرأي العام العالمي والإقليمي وحتى المحلي، أو الإقلال من أهميتها في
المجتمع الدولي. أو على الأقل التعريف بتلك الدولة من خلال وجهات نظر تلك الوكالات
والوسائل الإعلامية الأجنبية التي لا تتطابق والمصالح القومية للدولة المعنية، حتى
وعلى الصعيد الداخلي في تلك الدولة بعد انهيار الحواجز الجغرافية واللغوية
والزمنية أمام وسائل الاتصال الإلكترونية الحديثة والمتطورة.
وكلما أمسكت
وسائل الإعلام الوطنية الموجهة للخارج بزمام المبادرة، والسرعة في الحركة، وتمشت
مع التطور العلمي والتقني. كلما كانت أكثر فاعلية وتأثيراً وخدمة لأهداف السياسة
الخارجية للدولة. ولكن هذا يخضع لعدة مؤثرات أخرى يدخل ضمنها الإعلام المضاد،
والخلفية الثقافية للمستقبل الأجنبي، التي تحدد مدى راجع صدى المادة الإعلامية
الموجهة للمستقبل الأجنبي.
وطبيعي أن
أية حملة إعلامية مهما بلغت من الدقة في الإعداد والتوجيه لتحقيق أهداف معينة،
فإنها قد تحقق جزءاً من تلك الأهداف أو كلها حسب ظروف المستقبل الأجنبي، ومدى
تعاطفه وردة فعله على مضمون المادة الإعلامية، لأن الإنسان بحد ذاته يشكل جملة
أحاسيس ومشاعر ومعتقدات وأفكار، وليس آلة يمكن توجيهها حيث يشاء صاحب المادة
الإعلامية الموجهة، وتتحكم بردة فعله من المادة الإعلامية جملة مؤثرات داخلية
وخارجية، وعلى الخبير الإعلامي السعي لمعرفتها والاستجابة لها، عند الإعداد لأية
حملة إعلامية أو عند إعداد أية مادة إعلامية للمتلقي الأجنبي.
ومن العوامل
الأخرى التي تحد من فعالية وتأثير الإعلام الوطني الموجه للخارج، التأخر في نشر
المادة الإعلامية، أو نشرها بعد فوات الأوان، أو مواجهته لإعلام مضاد قوي يستند
على حقائق تاريخية وثقافية ولغوية، ومنطق إعلامي مقبول لدى المستقبل الأجنبي، من
المنطق الذي تخاطبه به وسائل الإعلام الوطنية الموجهة للخارج. إضافة للإمكانيات
المادية الكبيرة التي يحتاجها نجاح الإعلام الخارجي الموجه في الدول الصغيرة
والفقيرة، مما يجعلها عاجزة أمام الإعلام الموجه للدول الكبيرة والمتطورة والغنية،
وهو ما يفسر نجاح الحملات الإعلامية لتلك الدول بغض النظر عن الموضوعية والمنطق
والحجج التي يلجأ إليها إعلام تلك الدول (Colin Cherry: World Communication, Threat or
Promise. A sociotechnical App-roach, London, Wiley-Interscience. 1971. pp.57-102.
- د. محمد
علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. مكتبة الأنجلو المصرية، 1990،
ص 31).
2.2-
التبادل الإعلامي والتفاهم الدولي: يتحدد الإطار المثالي للتفاهم الدولي من خلال التبادل الإعلامي الدولي،
بتوخي الموضوعية المجردة، والدقة في إبراز الوقائع والارتباط بالصدق ووضع الجوانب
المختلفة للموضوع والابتعاد عن التشويه ([1]
د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. مكتبة الأنجلو
المصرية، القاهرة 1990،ص 41 - Dinker Rao: Mankekar,
Mass Media and International Understanding as a Newly - Emerged. Underdeveloped
Country Looks at the Problem. Symposium Ljubljana 1968, op. cit. pp. 235 - 239.
- Theodore E: Kruglak. The International News Agencies and the Reduction of
International Tensions. Symposium Ljubljana 1968. op. cit., pp. 240-244. -
Khalil Sabat: Role de La Veracite del' Information Dans La Comprehension
Internationale. Symposium Ljubljana 1968. op. cit., pp. 245-252.)، والسعي نحو الحقيقة، وهو ما يصعب تحقيقه في الواقع العملي.
وتعتبر هذه الصورة مثالية بحد ذاتها وترتبط في معظم الأحيان بالحديث عن السلام
العالمي والتفاهم والتعاون الدولي، ونبذ الصراع بكل أشكاله، واللجوء إلى التفاوض
في حل المشاكل والخلافات المحلية والإقليمية والدولية، والسعي لما فيه خير البشرية،
بما فيه إقامة سلطة تتعدى سلطة الدول، وهو ما نجده في بعض نصوص القانون الدولي
وخاصة عندما توضع في محك التطبيق العملي. كما ونصادفها في كتابات الفلاسفة على مر
العصور عندما يتناولون فيها مواضيع التفاهم الدولي والتعاون بين الأمم.
وعلى كل حال
فإن العلاقات الدولية والظواهر الاجتماعية المختلفة تتسم بالمرونة وسرعة الحركة
والتغيير، وما هو مثالي صعب التحقيق اليوم قد يصبح سهلاً وواقعياً في فترة لاحقة.
وما كان مثالياً وضرباً من الخيال قبل انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة
الاشتراكية التي كان يقودها، أصبح واقعياً بعد انهيارهما السريع والمفاجئ، وانتهاء
الحرب الباردة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، بين الشرق والغرب. ومن المعروف
أن العالم المعاصر يستخدم اليوم ما يقرب من 2900 لغة (Oton Pancer: Le Roie de la
Langue International Dans La Communication Publique et Dans La Comprehension
Internationale. Symposium Ljubljana 1968, op. cit., pp. 337 - 339)، بالإضافة إلى اللهجات المحلية المنبثقة عن تلك
اللغات، تجعل من عملية التفاهم الدولي مهمة شاقة وصعبة، وباهظة التكاليف المطلوبة
للترجمة الفورية والتحريرية، إن كان في المؤتمرات واللقاءات الدولية، أم في وسائل
الإعلام الجماهيرية الموجهة للساحة الإعلامية الأجنبية. ولهذا حاول الاتحاد الدولي
للغة الاسبيرانتو وهي خليط من اللغات
الأوربية، وخاصة الفرنسية والإنجليزية والإسبانية والألمانية، لنشر هذه اللغة
وتدريسها ، واستخدامها في العلاقات الدولية، كوسيلة لتحقيق التعاون الثقافي
والتقارب بين الشعوب.
ورغم اعتراف
منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) بالنتائج التي أمكن
تحقيقها بفضل لغة الاسبيرانتو في مجال التبادل الفكري العالمي، وتحقيق التعاون بين
الشعوب، ورغم تأييد هذه المحاولة من قبل العديد من رؤساء الدول والوزراء
والبرلمانيين، وعلماء اللغة وأعضاء الأكاديميات العلمية والمعاهد وأساتذة
الجامعات، والكتاب والفنانين والصحفيين والعلماء، وعدد من الحائزين على جائزة نوبل
للسلام، لم تستطع هذه اللغة أن تنتشر بالشكل المطلوب ([1]
د.محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. مكتبة الأنجلو
المصرية، القاهرة 1990، ص 43).
لأن الدول
الكبرى تسعى إلى نشر لغاتها عالمياً بشتى الأشكال، وفق سياسات القوة في العالم وما
ارتبط بها من حركات استعمارية أدت إلى نشر لغة المستعمِر في أوساط الشعوب
المستعمَرة، لتصبح هذه اللغات من أكثر اللغات انتشاراً في العالم. ورغم انحسار
الاستعمار خلال النصف الثاني من القرن العشرين، نرى وبوضوح استمرار التراث
الاستعماري في الدول المستقلة، وبقاء لغة المستعمر السابق في الدول المستقلة،
كذريعة لضرورة الاستفادة من التقدم العلمي والتقني والثقافي في تلك الدول التي
تتحدث بتلك اللغات كلغة أم، واندفاع أبناء الشعوب الأخرى لتعلم لغات الدول الكبرى
الأكثر تقدماً في العالم لاستخدامها في الدراسة والإطلاع والبحث العلمي، والتعامل
مع وسائل الاتصال الإلكترونية المتقدمة والحديثة، وفي العلاقات الدولية والتفاهم
بين الشعوب والتبادل الإعلامي الدولي.
ويعد التبادل
الإعلامي في كثير من الحالات معوقاً للتفاهم الدولي، عندما لا يلتزم أطرافه
بالموضوعية، ويشوهون الوقائع ويبرزون وجهة نظر معينة على حساب وجهة النظر الأخرى،
وكثيراً ما يتناول أطرافه جوانب الموضوع التي تفيدهم فقط، ويتعمدون التشويه خدمة
لطرف واحد من أطراف الصراع، مهاجمين أو مواجهين الطرف الآخر من الصراع الدائر.
بطريقة يتم فيها احتكار تفكير الإنسان، وتوجيهه دون إرادة منه، بمفاهيم تحتوي على
جانب واحد من الحقيقة، وبتكرارها بصور وأشكال مختلفة يصبح الإنسان مقتنعاً بها،
معرضاً عن الجانب الآخر من الحقيقة حتى ولو اطلع عليها بطريقة أو أخرى.
ويفسر ذلك
بأن التبادل الإعلامي الدولي، بالأساس هو وسيلة من وسائل تنفيذ السياسات الخارجية
للدول، وبالتالي فهو يسعى لخدمة هذه السياسات والتفاعل من أجل ذلك مع الوسائل
الأخرى لخدمة تلك السياسات، ومن هنا فإن الموضوعية أو عدم تشويه الوقائع، أو الكذب
الذي تصاغ به المادة الإعلامية بشكل يصعب فيه اكتشاف الحقيقة، واستخدامه ببراعة
للهجوم على الخصم، من خلال توجيه جوانب الموضوع بتكتيك معين يسير في إطار تحقيق
أهداف السياسات الخارجية للدول.
ومن هنا
نستطيع إدراك الواقع المر لسوء توزيع المصادر الإعلامية في العالم، عندما توظف
الدول المتقدمة إمكانياتها الاقتصادية، وتقدمها العلمي والتكنولوجي في خدمة
سياساتها الخارجية، الأكثر نضجاً من غيرها في الدول الأقل تطوراً، ويبرز الواقع
أيضاً أن هذه الدول المتقدمة والغنية، تتحكم بوكالات الأنباء المؤثرة والرئيسية
المسيطرة على توزيع الأنباء في العالم، بالإضافة إلى محطات الإذاعة والتلفزيون
وشبكات المعلومات العالمية، والصحف والمجلات المنتشرة على نطاق عالمي، ووسائل
الاتصال الحديثة وشبكة الأقمار الصناعية المخصصة للاتصالات ونقل البث الإذاعي
والتلفزيوني، التي مكنت تلك الدول من إيصال واستقبال المعلومات الفورية دون أية
حواجز تذكر من وإلى أية نقطة في العالم.
وجعل التطور
العلمي والتكنولوجي في مجال الاتصال، من وسائل الإعلام الجماهيرية سلاحاً خطيراً
في أيدي القوى الكبرى والدول المتقدمة والغنية، للتأثير على الرأي العام العالمي
وتوجيهه، وخاصة فيما إذا استخدمت وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية القوية
والمسيطرة تلك، للتحريض على الحرب وإثارة التعصب الديني والقومي والعنصري، دون
الدعوة للسلام والتعاون والتفاهم بين الشعوب، ونبذ أي نوع من التعصب مهما كان
نوعه، خدمة للتقدم الإنساني.
3.2-
خصائص التبادل الإعلامي الدولي: أشار مارشال ماكلوهين، إلى أن مضمون الرسائل الإعلامية لا يمكن
النظر إليه بمعزل عن التكنولوجيا التي تستخدمها وسائل الإعلام الجماهيرية،
فالكيفية التي تعرض بها المؤسسات الإعلامية الموضوعات، وطبيعة الجمهور الذي توجه
إليه رسالتها الإعلامية، يؤثران على ما تنقله تلك الوسائل. وأن وسائل الإعلام
الجماهيرية التي يستخدمها المجتمع أو يضطر إلى استخدامها، تحدد طبيعة المجتمع وكيف
يعالج مشاكله. وأية وسيلة إعلامية جديدة تشكل ظروفاً جديدة محيطة تسيطر على ما
يفعله الأفراد الذين يعيشون في ظل ظروف معينة، وتؤثر على الطريقة التي يفكرون
ويعملون وفقاً لها. فوسيلة الإعلام تعتبر امتداداً لمقدرات الإنسان، فالكاميرا
التلفزيونية تمد أعيننا، والميكرفون يمد آذاننا، والآلات الحاسبة الإليكترونية
توفر بعض أوجه النشاط التي كانت في الماضي تحدث في عقل الإنسان فقط، فهي إذاً
مساوية لامتداد الوعي الإنساني (د. جيهان أحمد رشتي: الأسس العلمية لنظريات الإعلام. دار الفكر العربي،
القاهرة 1978. ص 573).
ووسائل
الإعلام الجماهيرية الحديثة، - كامتداد لحواس الإنسان - توفر للإنسان الزمن
والإمكانيات، وتشكل تهديداً له، لأنه عندما تمتد يد الإنسان وحواسه عبر وسائل
الإعلام الجماهيرية، تستطيع هذه الوسائل أن تمد يد القائمون على وسائل الاتصال
والإعلام الجماهيرية إليه، كي تستغله وتسيطر عليه. ولكي نمنع احتمال التهديد يؤكد ماكلوهين
على أهمية إحاطة الناس بأكبر قدر ممكن من المعلومات عن وسائل الإعلام
الجماهيرية، لأنه بمعرفة كيف تشكل التكنولوجيا الحديثة البيئة المحيطة بنا، نستطيع
أن نسيطر عليها ونتغلب تماماً على نفوذها أو قدرتها الحتمية.
وفي الواقع،
بدلاً من الحديث عن الحتمية التكنولوجية، قد يكون من الأدق أن نقول أن متلقي
الرسالة الإعلامية يجب أن يشعر بأنه مخلوق له كيان مستقل، قادر على التغلب على هذه
الحتمية التي تنشأ نتيجة لتجاهل الناس لما يحدث حولهم. وأنه يجب اعتبار التغيير
التكنولوجي حتمياً لا مفر منه، وهو ما يحدث فعلاً، ذلك لأننا إذا فهمنا عناصر
التغيير يمكننا أن نسيطر عليه ونستخدمه في أي وقت نريده بدلاً من الوقوف في وجهه،
كما يحدث لدى البعض أحياناً !.
ومن المشاكل
التي تواجه عملية التبادل الإعلامي الدولية، أهمية مراعاة الظروف البيئية المحيطة
بالإنسان، واختلافها من دولة إلى دولة، بل واختلافها من منطقة إلى أخرى داخل
الدولة ذاتها. ومن هنا فمن الأهمية بمكان أن يحيط خبراء الإعلام والصحفيون بالاعتبارات
البيئية والظروف المحيطة بالإنسان. وإذا كان هذا الإلمام أكثر سهولة في الإعلام
الداخلي، فإنه أكثر صعوبة بالنسبة للإعلام الدولي، حيث تتعدد الاعتبارات البيئية
وتتنوع الظروف واللغات، وتختلف من دولة إلى دولة، ومن منطقة إلى منطقة، ومن قارة
إلى قارة.
ومع تزايد
وسائل الإعلام الجماهيرية وتطورها واتساعها، أصبح العالم أقرب إلى القرية العالمية
ومما ساعد على ذلك تطور وسائل المواصلات وسهولة انتقال الأفراد والسياح، وهجرة
السكان من أماكن سكنهم الأصلية، والإقامة الطويلة لرعايا دولة معينة لدى دولة أخرى
بقصد الدراسة أو العمل، وتزايد حجم وسرعة وتنوع المراسلات، ودخولها عصر الحوار
المباشر عبر الفاكس والبريد الإلكتروني وشبكات المعلومات الدولية بين مختلف دول
العالم. وتطور البث الإذاعي والتلفزيوني واتساع استخدام الأقمار الصناعية لأغراض
الاتصال وجمع ونقل المعلومات.
وساعد الاحتكاك
بالأمم المتقدمة على حدوث تحول ثقافي واجتماعي عالمي، برزت معه قيم ومعتقدات جديدة
لم تكن متوقعة من قبل. ومن هنا فإن على خبراء الإعلام والصحفيون أن يدركوا كل تلك
المتغيرات عند إعدادهم وتنفيذهم للحملات الإعلامية الموجهة للداخل والخارج على
السواء، كي لا تحدث إخفاقات تؤدي إلى عدم استجابة المستقبل لمضمون الرسالة
الإعلامية الموجهة له، وأن لا يكون رد فعله
مغاير لأهداف الحملة الإعلامية.
وأن يؤخذ في
الحسبان أيضاً اختلاف درجات التقدم الاجتماعي والثقافي والعلمي والتكنولوجي،
وتباين النظم والمعتقدات السياسية والإيديولوجية بين دول العالم المختلفة، ودرجات
التباين بين دول النظام المتشابه.
4.2-
تأثير التبادل الإعلامي الدولي على اتخاذ القرارات: تتمتع وسائل الإعلام الجماهيرية بتأثير هام على
الجمهور وخاصة في الميدان السياسي، ولذلك كان لابد عند دراسة تأثير وسائل الإعلام
الجماهيرية على عملية اتخاذ القرار، من الأخذ في عين الاعتبار تأثير هذه الوسائل
على الزعماء السياسيين (قادة الرأي)، واستناداً لعدة أبحاث، نرى أن قائد الرأي هذا
لا يبحث غالباً عن دور قائد الرأي، وأحياناً ليس لديه شعور بدوره كقائد رأي،
ويتميز قادة الرأي هؤلاء بعدة خصائص منها:
أنهم يمثلون
الجماعات التي ينتمون إليها، ويؤثرون فيها جيداً؛
أنهم قادة
للرأي في مجال اختصاصهم، الذي يتناسب والمجموعات التي يؤثرون فيها؛
أنهم أكثر من
غيرهم من أعضاء المجموعة التي ينتمون إليها، معرضون لوسائل الإعلام الجماهيرية؛
أنهم أكثر من
غيرهم من أعضاء المجموعات التي ينتمون إليها، على اتصال مع غيرهم من قادة الرأي؛
أنهم
متواجدون في كل الأوساط الاجتماعية.
وبما أن لوسائل الإعلام الجماهيرية من خلال عملية
التبادل الإعلامي الدولي، المقدرة على تقرير ما ينبغي أن يعرف وما ينبغي الاحتفاظ
به، فإنها تتمتع بأهمية خاصة في العلاقات الدولية ([1] جواد مرقة: متخذو القرار الإعلامي
العربي والمتوسطي والإفريقي. صحيفة الدستور الأردنية، عدد 1/7/1997).
وقد تقوم
وسائل الإعلام الجماهيرية بمجرد نقل المعلومات الصادرة من قبل واضعي السياسة إلى
الجمهور الإعلامي، دون أي اعتبار لدور الرأي العام في وضع تلك السياسة، كما يحدث
في أكثر البلدان النامية. أو قد تستخدم وسائل الإعلام الجماهيرية لدعم أهداف
سياسية معينة، أو لخلق أحداث معينة من خلال التمهيد لها، والمساهمة في خلق ودعم
وجهة النظر المعارضة، وهذا يفسر قيام بعض المخططين السياسيين، في البلدان المتقدمة
بوجه الخصوص، بوضع وسائل الإعلام الجماهيرية والرأي العام في مرتبة واحدة، يؤثر
كلاً منها بالآخر ويعكس صورة الآخر. ويشمل هذا الوضع أيضاً، واضعي السياسة
الخارجية للدولة، من خلال تعاملهم مع وسائل الإعلام الجماهيرية المحلية والدولية،
والرأي العام المحلي والعالمي.
كما ويميل
المخططون السياسيون إلى اعتبار أن وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية تعكس في
الحقيقة مواقف الرأي العام، وكثيراً ما يقبل المخطط السياسي ما تنشره وسائل
الإعلام الجماهيرية على أنها انعكاس للحقيقة التي يراعيها عند رسم الخطة السياسية
المطلوبة.
ولكن الحقيقة
أن المؤسسات الإعلامية في أي بلد من بلدان العالم، غالباً ما تحدد أسبقيات ما تنشره
وما لا تنشره من خلال ظروف تقنية بحتة لا علاقة لها البتة بالموضوع المنشور،
وتتحكم بالزمن المتاح في الوسائل الإعلامية المسموعة والمرئية، والمساحة المتاحة
على صفحات الصحف والمجلات.
ويؤثر
التبادل الإعلامي الدولي على اتخاذ القرارات في السياسة الخارجية للدولة، من خلال
مساهمته بإمداد أصحاب القرار بالمعلومات اللازمة، التي يمكن على أساسها اتخاذ قرار
معين. ويبرز دور التبادل الإعلامي الدولي من خلال وكالات الأنباء والإذاعات وقنوات
التلفزيون العالمية، والصحف والمجلات الأكثر انتشاراً في العالم، إبان الأزمات
السياسية والاقتصادية، والكوارث الطبيعية، والأخطار التي تهدد بلادهم أو تهدد
البشرية، والصدامات العسكرية الساخنة، أو التهديد باستخدام القوة العسكرية على
الساحة الدولية.
حيث يعتمد
أصحاب القرارات الحاسمة عند دراستهم للظروف والأوضاع من كل الجوانب، قبل اتخاذ
القرار اللازم، على ما توفره مصادر الإعلام الدولية، والمصادر الدبلوماسية، ومصادر
أجهزة أمن الدولة، ولهذا تعكف بعض المؤسسات العلمية على دراسة العلاقة بين عملية
التبادل الإعلامي الدولي وعملية اتخاذ القرارات السياسية، من قبل الزعماء
السياسيون، كواحدة من مؤشرات العلاقات الدولية بشكل عام.
ومن البحوث
الإعلامية التي أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية، الدراسة التي قامت بها مجلة Public Opinion Quarterly لمعرفة عادات القراءة لدى
قادة الرأي الأمريكيين (رولان كايرول: الصحافة المكتوبة والسمعية البصرية. ترجمة: مرشلي محمد.
ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 1984. ص ص631-658؛ - د. محمد علي العويني:
الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة 1990. ص
65-70)، وأظهرت أن
وسائل الإعلام الجماهيرية المقروءة من قبل كبار قادة المؤسسات السياسية
والاقتصادية الأمريكية، تعتبر مصادر معلومات يؤخذ بها من قبلهم، لاتخاذ القرار
ومزاولة مختلف الأنشطة السياسية والاقتصادية. وتناولت الدراسة 545 شخصاً.
وأظهرت الدراسة أن أكثر الصحف والمجلات الأمريكية
الرئيسية قراءة لديهم هي: نيويورك تايمز، وول ستريت جورنال، واشنطن بوست، واشنطن
ستار، نيويورك بوست، شيكاغو تربيون. ومن نتائج هذه الدراسة نتبين أن الشرائح
الاجتماعية المدروسة تطالع الصحافة الدورية بنسب مؤية تتراوح ما بين 84 % و 2 %،
وأن أكثر الصحف مطالعة بين رجال الكونغرس هي الواشنطن بوست 82 %، وأقلها مطالعة هي
الوول ستريت جورنال 31 %، ومن بين المجلات يو إس نيوز إند وورلد ريبورت 70 %
وأقلها فورين إفيرز 16 % أي أن رجال الكونغرس يفضلون مطالعة الصحف أكثر من
المجلات، بفارق واضح. كما وبينت الدراسة أن أكثر الشرائح الاجتماعية الداخلة في
الدراسة مطالعة للصحف والمجلات، هي من العاملين في المؤسسات الصحفية، وأن هذه
الشريحة تميل لمطالعة المجلات أكثر من الصحف.
وبقي التأكيد
على أن دراسات عادات المطالعة والاستماع والمشاهدة، لدى قادة الرأي، ومن ثم دراسة
مضمون الرسالة الإعلامية، المبنية على نتائج تلك الدراسات، تسمح للمخططين
الإعلاميين بزيادة فاعلية وتأثير الحملات الإعلامية، وللمخططين السياسيين من زيادة
فاعلية دور وسائل الإعلام الجماهيرية، كواحدة من أدوات تنفيذ السياسة الرسمية
للدولة، وكمصدر نافع من مصادر المعلومات لرسم تلك السياسة. وتوسيع دورها في عملية
التبادل الإعلامي المحلي والدولي.
5.2-
التبادل الإعلامي الدولي وتكوين وجهات النظر: تساهم وسائل الإعلام الجماهيرية في خلق التصور وفهم
أو سوء فهم أو عدم فهم الشعوب لبعضها البعض، وقد تكونت هذه الظاهرة، كنتيجة حتمية
لانعدام التوازن في التدفق الإعلامي الدولي، ونتيجة للتشويه الناتج عن وصف الدول الأقل
تطوراً، والدول النامية من خلال المواد التي تنشرها وتبثها مصادر الأنباء المسيطرة
في العالم، بشكل سلبي يعطي صورة الاضطراب والفوضى والعنف والفساد والفشل عن تلك
الدول.
وقد خلصت بعض
الدراسات إلى أن قيام الأفراد ببناء وتقويم التصور الذهني لدى الشعوب، تماثل عملية
قيامهم ببناء الصورة الذهنية الواقعية. وأن قيمة أحكامهم ترجع إلى خليط من العوامل
الجغرافية والسياسية والعرقية أو إلى جوانب أخرى عن هذه الدول. ويميل القائمون
بالاتصال في الدول الغربية عامة، إلى التأكيد على الصراعات والأحداث المشؤومة، مع
التركيز على التأثيرات السلبية في تقويمهم للحكومات أو المجتمعات.
كما خلصت بعض
الدراسات الميدانية إلى نتيجة مفادها، أن التعليم في كل بلد يظل العامل المستقل
والمسيطر على عملية التنبؤ المعرفي، حتى وبعد إضافة عوامل التعرض لوسائل الإعلام
الجماهيرية. وأن الرجال أكثر ميلاً من النساء للتعرف على الخصائص الجغرافية
والاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بالبلاد.
ويتأثر
التصور الذهني لدى الإنسان، من خلال أخبار العالم التي يتعرض لها بأوجه القصور
التالية:
أن الأنباء
الدولية تركز على الغرب أساساً، لأن مصادر الأنباء هي غربية بشكل عام؛
وأن التغطية
الإخبارية للدول النامية يتم بطريقة سلبية واضحة؛
وأن الأنباء
الدولية تميل للتعقيد بدلاً من أن تميل للبساطة والوضوح.
ومما سبق كله
نستطيع الخروج بخلاصة مفادها، أن التدفق الإعلامي الدولي يخدم ويؤكد أساساً تكوين
التصور الذهني الإيجابي عن الغرب وحده. في نفس الوقت الذي يكون فيه التصور الذهني
السلبي عن الأقل تطوراً والدول النامية، رابطاً بين تلك الدول والجوانب السلبية من
عنف وفساد وإرهاب وعنف وفشل ... الخ، من صور التشويه في إطار التدفق الإعلامي
والتبادل الإعلامي الدولي.
6.2-
أساليب وتقنيات وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية: أشارت بعض البحوث العلمية إلى أهم عناصر نجاح حملات
الدعاية الموجهة والإعلام والموجه للجمهور
الإعلامي في الخارج، وهي الأساليب والتقنيات والتكتيكات التي يستخدمها الصحفيون
للوصول إلى النجاح، وإقناع القارئ
والمستمع والمشاهد، بما يقدمونه له وصولاً للأهداف المرسومة في الخطة الإعلامية.
وبينت أن الأساليب المستخدمة في الحملات الإعلامية والدعائية الدولية، تساعد على (Ralph k.
Whito: Propaganda, Morally Questionable and Morally Unquestionable Techniques,
The Annals of the American Academy of Political and social Science, Vol. 398,
Nov. 1971. pp. 26-35; Charles A. Siepmann: Propaganda Techniques, Voice of the
people Readings in Public Opinion and Propaganda, Edited by Reo M. Christenson
and Robert O. Mc Williams, 2nd Edition, New York, Mc Graw - Hill Book Company.
1967. pp. 331-339):
جذب انتباه
مستقبل الرسالة الإعلامية وتشده إلى
مضمونها من خلال مراعاتها لاهتماماته وميوله الثقافية. عندما تعتمد على أسلوب شيق لصياغة المادة
الإعلامية بشكل تصبح معه قابلة للتصديق بعيدة عن الشك أو التشكيك لأن ذلك يؤدي إلى
استغلال هذا الشك أو التشكيك من قبل الدعاية المضادة، ويصبح الشك أو التشكيك عنصر
إضعاف للحملة الإعلامية عائقاً لوصولها إلى النتائج المرجوة من الحملة الإعلامية
والدعائية.
واستخدام
تقنيات الكذب وحبكه بشكل محكم يحرك مشاعر مستقبل الرسالة الإعلامية ليصعب عليه
اكتشاف الكذب المخفي داخل الرسالة الإعلامية. كما وتسعى الحملات الإعلامية
الدعائية إلى توريط مستقبل الرسالة
الإعلامية، وشده للمشاركة معها في العمل مجبرة إياه على تأييد خطتها وأسلوبها في
العمل، والبحث عن تبريرات لتأييده لها. كما وتستخدم وسائل الإتصال والإعلام
الجماهيرية الدولية في حملاتها الدعائية، أسلوب التكرار وعرض الموضوع أكثر من مرة
للتأكد من وصوله إلى الجمهور الإعلامي المقصود والتأكد من تحقق أكبر قدر ممكن من
التأثير المطلوب، ويتم ذلك عادة بمراعاة الوقت الملائم والظروف المؤاتية والوسائل
الناجعة للتكرار.وتستخدم كذلك أسلوب المبالغة بشكل يصعب معه اكتشافها من قبل
القارئ والمستمع والمشاهد، للتهويل على الجمهور الإعلامي، وصولاً للحد الأقصى من
التأثير المعنوي عليه. وتستخدم معه أسلوب الكذب والتضليل لتبرير أمور أو مواقف
معينة جرت فعلاً.
ومن الأساليب
الشائعة جداً أسلوب التلميح والغمز عند توجيه الاتهام لشخص ما أو جماعة معينة أو
دولة بحد ذاتها، كون تأثير هذا الأسلوب أكبر من تأثير الاتهام المباشر على الجمهور
الإعلامي. وكذلك تستخدم أسلوب عرض المواضيع بقالب يوحي بأنها حقيقة ثابتة، لا تقبل
الجدل لمنع تسرب الشك إلى أذهان الجمهور الإعلامي.
وتسعي وسائل
الإعلام الجماهيرية الدولية دائماً للتقرب من الجمهور الإعلامي باستخدام أشخاص
يعرفون ثقافة وميول ورغبات واستعداد مستقبل الرسالة الإعلامية، ويعرضون المادة
الإعلامية بالصورة واللغة التي يفهمها جيداً الجمهور الإعلامي المستهدف، إضافة
لمحاولة تقمص شخصية القارئ والمستمع والمشاهد أثناء تنفيذ الحملات الإعلامية
والدعائية.
وتلجأ وسائل
الإعلام الجماهيرية الدولية، في حملاتها الإعلامية والدعائية إلى الاعتماد على المصادر
الموثوقة عند إعداد وصياغة المادة الإعلامية، بهدف زيادة الثقة لدى الجمهور
الإعلامي وتدعيم تقبله للمادة الإعلامية الموجهة له. أو إلى التجاهل المتعمد
لأحداث معينة أو ما تروجه وسائل الإعلام الجماهيرية والدعائية المضادة، من مواضيع
لا يمكن الرد عليها بسبب ضعف الموقف المواجهة للدعاية المضادة.
كما وتلجأ
وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية الدولية إلى استخدام لغة إعلامية واضحة من خلال
العبارات المستخدمة تجنباً للالتباس في المعاني والتفاسير، وتأكيداً للوصول إلى
الهدف المرسوم. أو تلجأ إلى الربط المزيف لترك مستقبل الرسالة الإعلامية، يتقبل
موقفاً معيناً ويرفض موقفاً آخر، معتمداً على خبراته السابقة، دون وعي أو إدراك أو
تفكير. ويزداد أثر هذا الأسلوب على
الجمهور الإعلامي الذي يتمتع بمستوى تعليمياً ضعيفاً.
وكثيراً ما
تستخدم وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية في حملاتها الدعائية، العاطفة وغريزة
القطيع في توجيه الحملة الإعلامية للجماعات الإنسانية التي تربط بينها روابط
مشتركة كالدين والعقيدة أو العنصر البشري أو الجنس أو البيئة أو المهنة أو العمل
أو الانتماء لتنظيم معين أو الاشتراك في حمل جنسية معينة.
ومعروف
للجميع أنه من الصعب جداً تحديد مدى التزام، أو عدم التزام، وسائل الإتصال والإعلام
الجماهيرية الدولية بأخلاقية العمل الصحفي، إذ قد تلجأ في بعض الأحيان مضطرة، أو
عن سابق ترصد وإصرار إلى أساليب وتقنيات تتعارض مع أخلاقيات العمل الصحفي المعروفة
والمعترف بها دولياً، في حملاتها الدعائية بقصد الوصول لأهداف معينة. في نفس الوقت
الذي تنفي فيه عن نفسها هذه التهمة، مؤكدة التزامها بأخلاقيات العمل الصحفي، لأن
اعترافها بالخروج عن مواثيق أخلاق العمل الصحفي الدولية، يعني فقدان مصداقيتها
وانتهاء دورها الإعلامي الدولي، وهذا وضع لا يستطيع قبوله أحد.
7.2-
وسائل الاتصال كمصدر للتبادل الإعلامي الدولي: التبادل الإعلامي الدولي والتعاون
الدولي: ولمواجهة
المشاكل التي خلقها التدفق الإعلامي الدولي للدول النامية، طالبت هذه الدول عبر
المحافل الدولية، بإقامة نظام عالمي جديد للتبادل الإعلامي الدولي. لتحقيق العدالة
وتحسين وضع الدول النامية في عملية التدفق الإعلامي الدولي. وقد تحقق تحسن ملحوظ
في إطار التدفق الإعلامي الدولي، بين الدول النامية والدول الصناعية المتقدمة، بعد
ظهور بعض الأنظمة الإعلامية الجديدة، وإنشاء العديد من وكالات الأنباء التابعة
للتجمعات الدولية والإقليمية. ومن ضمن تلك الوكالات، وكالة الأنباء الدولية:
المتخصصة بتوزيع أنباء الدول النامية، والعمل على تدعيم وتشجيع ربط التبادل
الإعلامي الأفقي بين الدول النامية، وتوزيع أنبائها على وسائل الإعلام في أوروبا
وأمريكا الشمالية. وافتتحت هذه الوكالة مكاتب لها في أكثر من 60 دولة ثلثيها في
الدول النامية.
وعقدت وكالة
الأنباء الدولية IPS اتفاقيات ثنائية مع 30 وكالة أنباء وطنية في الدول النامية،
لتبادل الأنباء بينها. إضافة لتركيزها على قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية
والعلمية، والتطور الحاصل في الدول النامية. كما عقدت وكالة الأنباء الدولية
اتفاقيات مع عدد من وكالات منظمة الأمم المتحدة لتغطية أخبار أنشطتها المختلفة (د. محمود علم الدين: ثورة
المعلومات ووسائل الاتصال، الـتأثيرات السياسية لتكنولوجيا الاتصال. السياسة الدولية
العدد 123، مؤسسة الأهرام، القاهرة يناير 1996؛ د. عارف رشاد: التعامل مع انترنيت:
العالم رهن إشارتك. مجلة عالم الكمبيوتر العدد 86، السنة الثامنة، فبراير 1995. ص
18-22. والعدد 87، مارس 1995. ص 18-23؛ د. عارف رشاد: انترنيت: نشأتها، تطورها،
حجمها، وسبل الولوج إليها. مجلة الكمبيوتر والاتصالات والإلكترونيات العدد 7،
المجلد 12، سبتمبر 1995. ص 26-74).
وتحصل وكالة
الأنباء الدولية IPS على 70 % من الأنباء التي توزعها، من مراسليها الموزعين في مختلف
دول النامية. أما الـ 30 % الباقية فتحصل عليها من وكالات الأنباء الوطنية في
الدول النامية، التي أبرمت معها اتفاقيات تبادل إعلامي، بالإضافة لبعض وكالات
الأنباء الصغيرة. وتوزع وكالة الأنباء الدولية IPS أخبارها يومياً، من خلال
شبكتين رئيسيتين ناطقتين باللغتين الإسبانية حوالي 30,000 كلمة يومياً،
والإنجليزية 20,000 كلمة يومياً. إضافة لترجمة وتوزيع مجموعة مختارة من تلك
الأنباء إلى اللغات الفرنسية والألمانية والعربية والبرتغالية والهولندية
والنرويجية والسويدية. ومن ذلك كله نستنتج أن وكالة الأنباء الدولية IPS تشارك بشكل مختلف تماماً في
التدفق الإعلامي الدولي، وفي عملية التبادل الإعلامي الدولي، فهي تعكس الوضع في
الدول النامية بكل مشاكله وتحدياته، وتسعى إلى خلق تأثير إيجابي في المعرفة
والآراء واتجاهات الرأي العام الدولي المتعلقة بقضايا الدول النامية.
وخلاصة القول
فإن التدفق الحر للإعلام في وضعه الراهن، ليس أكثر من تدفق لسيل من المعلومات
باتجاه واحد يخدم مصالح الدول الصناعية المتقدمة، المسيطرة على وسائل الاتصال
الحديثة. وأن الدول النامية تنظر بقلق بالغ نحو الواقع المؤلم لها، والمتمثل
بسيطرة الدول الصناعية المتقدمة على وسائل الاتصال الحديثة، ومصادر الأنباء
وتوظيفها لصالح دعايتها على حساب المصالح الوطنية للدول النامية العاجزة اقتصادياً
وتقنياً وعلمياً عن حل هذه المعضلة التي تقف عاجزة أمامها. وأن التبادل الإعلامي
الدولي بحد ذاته هو تبادل رأسي، لا يراعي متطلبات التبادل الأفقي بين كل دول
العالم، وفي أكثر الأحيان يكون تدفقاً إعلامياً باتجاه واحد، ووجهة نظر واحدة تعبر
عن رأي القوي المسيطر فقط.
ووفقاً
لنموذج جوهان جالتونج " المركز والهامش " فإن العالم مقسم إلى
جزأين غير متكافئين هما: " المركز " المسيطر وتمثله الدول الصناعية
المتقدمة، وهي قليلة العدد، و " الهامش " الأقل تطوراً والمتخلف والذي
يمثل دور التابع في النموذج، ويتفاعل مع التبادل الإعلامي الدولي رأسياً من فوق (
الدول المتطورة صناعياً ) إلى أسفل (الدول الأقل تطوراً والدول النامية). إضافة
لسيطرة الوكالات الأربع للأنباء في العالم AP, UPI, Reuter, AFP على مصادر الأنباء الأجنبية في
معظم دول العالم. من خلال توزيعها حوالي 32,850,000 كلمة في اليوم. إضافة للصور
والمواد التلفزيونية المصورة. وأن تصاعد دور تكنولوجيا وسائل الاتصال الحديثة،
وخاصة شبكات الكمبيوتر العالمية (د. محمود علم الدين: ثورة المعلومات ووسائل الإتصال. التأثيرات السياسية
لتكنولوجيا الإتصال. مجلة السياسة الدولية العدد 123- يناير 1996. ص ص 102-116)، وقنوات التلفزيون الفضائية، في عملية التبادل
الإعلامي الدولي، قد يسهم في التخفيف من أحادية الجانب المسيطرة حالياً. ويساعد
على ظهور نظام إعلامي دولي جديد مازالت الدول النامية تطالب به. لمواجهة مشاكل
التدفق الإعلامي الذي يشوه صورة الدول النامية من خلال تركيزه على السلبيات دون
الإيجابيات في تلك الدول. نظام إعلامي جديد يقوم بدور أكثر فاعلية في التفاهم
الدولي والعلاقات الدولية بشكل عام.
وهذا بحد
ذاته يحتاج إلى الاستمرارية والصبر وعدم التراجع من قبل الدول الأقل تطوراً والدول
النامية. للانتقال إلى وضع أفضل ومناسب، يستفيد من التغييرات العالمية السريعة
والتطورات التي تلت انهيار المنظومة الاشتراكية والاتحاد السوفييتي، وهيأت العالم
لتقبل نظام دولي جديد بعيد عن ظروف الحرب الباردة بين الشرق الغرب ونتائجها على
الدول النامية. وهذا يرتبط بتغييرات فعالة وجذرية في بنى وسياسات عديدة، للتخلص من
المعوقات التي تقف حائلاً دون ظهور نظام إعلامي دولي ديمقراطي جديد. يشمل تطوير
النظام الدولي للاتصال ليتمشى والتحديات القائمة، من قضايا مثل: القائم بالاتصال،
ومضمون الإتصال، ووسائل الاتصال، وجمهور الإتصال، وتأثير الاتصال، وأهداف الاتصال.
واختيار أنسب العناصر الملائمة للتبادل الإعلامي الدولي، ليسهم على المدى القريب
في تحسين وضعية الدول النامية والدول الأقل تطوراً في إطار نظام إعلامي ديمقراطي
عالمي جديد.
والدعوة إلى
نظام إعلامي جديد، ليست سوى دعوة من قبل أكثرية دول العالم لتحقيق العدالة
والتوازن في عملية التدفق الإعلامي (د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. مكتبة
الأنجلو المصرية، القاهرة 1990. ص 84. - International
Information and Communication Order. Source Book, Prague: International
Organization of Journalists, 1986.). وهي دعوة للتأثير المعنوي لا
أكثر، لأن تغيير واقع النظام الإعلامي الدولي، وتحسين ظروف التبادل الإعلامي
الدولي لا يتم إلا بالاعتماد على النفس، والسعي الدائم من قبل الدول النامية
لتطوير إمكانياتها الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية، وإقامة وسائل إعلام جماهيرية
حديثة قادرة على مخاطبة الرأي العام الدولي دون وسيط.
8.2-
التدفق الإعلامي الدولي من وجهة نظر تحليل المضمون: ومن الدراسات التي جرت وتناولت التدفق الإعلامي
الدولي، الدراسة التي قام بها جوهان جالتونج ودرس خلالها اتجاه التدفق
الإعلامي الدولي، وخرج بنتيجتها بالنمط الذي قدمه (المركز - الهامش) في دراسته عن
النظرية الهيكلية للاحتكار الدولي. وقد قسم العالم إلى جزأين " المركز "
الذي يمثل الدول المسيطرة، و" الهامش " الذي يمثل المناطق التابعة لتلك
الدول. وخرج بنتيجة مفادها أن التفاعل الرأسي يعد العامل الرئيسي الذي يؤكد انعدام
المساواة بين دول العالم. وخلص جالتونج إلى الاستنتاج التالي:
أن "
المركز " يسيطر على تدفق الأنباء في العالم؛
وأن الأنباء
الذي تتحدث عن " المركز " تشغل الحيز الأكبر من مضمون الأنباء الأجنبية
في وسائل الإعلام الجماهيرية لدول " الهامش "، أكثر مما تشغله أنباء دول
"الهامش" في وسائل الإعلام الجماهيرية لدول "المركز"؛
وأنه هناك
تدفق إعلامي أقل نسبياً للأنباء ضمن مجموعة دول "الهامش"؛
وأن التدفق
الإعلامي الدولي، يعد واحداً من المجالات الرئيسية للاتصال والتبادل الإعلامي
الدولي؛
وأن الوكالات
الأربع للأنباء AP,
AFP, UPI, Reuters تعد من المصادر الإعلامية المسيطرة على تدفق الأنباء
الخارجية لمعظم دول شمال القارة الأمريكية، وغرب القارة الأوروبية، وقارات آسيا
وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. وأن وكالة أنباء TASS السوفييتية تعتبر المصدر
الرئيسي لمعظم الدول الاشتراكية قبل انهيار المنظومة الاشتراكية والاتحاد السوفييتي
السابق.
ويتمثل الحجم الإجمالي للأنباء التي توزعها الوكالات
الرئيسية الأربع للأنباء في العالم بحوالي
32,850,000 كلمة يومياً. وهذا يوضح مدى سيطرة الوكالات الأربع الرئيسية
للأنباء في العالم، على التدفق الإعلامي
الدولي، إضافة لسيطرتها على بث المواد التلفزيونية المصورة أيضاً.
كما وتوضح
الدراسات أن هذه الوكالات تركز في أنبائها على الأخبار السلبية والسيئة عن الدول
الأقل تطوراً والنامية في العالم، كالفساد والعنف، والكوارث، أكثر من تناولها
للأنباء الخاصة بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية والعلمية وإحتياجاتها، بتأكيد على
الأحداث الجارية دون تناول العوامل المسببة لتلك الأحداث. إضافة لتركيز هذه
الوكالات على الصفوة في المجتمع، أكثر من اهتمامها بالقطاعات العريضة من المجتمع.
كما وأوضحت تأثير الفوارق الاجتماعية والثقافية بين شعوب العالم على التدفق
الإعلامي الدولي، تلك الفوارق التي تشكل عائقاً أمام التبادل الإعلامي الدولي.
وأظهرت
الدراسات أن التلفزيون يعتبر من أكثر وسائل الإعلام الجماهيرية تأثيراً على
الجمهور الإعلامي، وتؤكد تأثيره النسبة المرتفعة لساعات المشاهدة يومياً، في أوساط
المشاهدين للبرامج التلفزيونية (Hamid Mowlana: International Flow of Information:
a Global Report and Analysis, Paris: Unesco, 1985, pp. 21-23; Ithiel de Sola
Pool: The Changing Flow of Television, Journal of Communication, Spring 1977.). ويعد التدفق الإعلامي الدولي عبر القنوات التلفزيونية الفضائية،
مؤثراً بصورة خاصة على النساء والأطفال الأكثر تعرضاً للبرامج التلفزيونية في
الدول المتقدمة، ومجمل سكان الدول الأقل تقدماً، وأن النموذج الإعلامي التلفزيوني
الغربي المسيطر، أو النموذج الاشتراكي الآخذ بالأفول، لا يلبيان الحاجات الإعلامية
للدول النامية.
ويعد التبادل
الإعلامي الدولي، أحد الاتجاهات الرئيسية للتدفق العالمي للاتصال ونقل البيانات
والمعلومات، حيث يتزايد اعتماد البنوك، وشركات التأمين العالمية، وخطوط النقل
الجوي، وشركات الملاحة البحرية، والشركات متعددة الجنسية، ووكالات الأنباء ..
وغيرها، على وسائل الاتصال الحديثة من تلكس وفاكس وشبكات المعلومات الدولية عبر
خطوط الهاتف والأقمار الصناعية المخصصة لأغراض الاتصال.
وقد أصبح هذا
النوع من الاتصال الدولي ممكناً، بفضل التطور العلمي والتقني الهائل في نظم
الاتصال الإلكترونية عبر الفضاء. مما سمح للولايات المتحدة الأمريكية الأكثر
تطوراً في وسائل الاتصال الفضائية والإلكترونية، والتي تملك أوسع شبكة معلومات
منتشرة عالميــــاً ( الانترنيت )، لاحتلال موقع المسيطر في هذا المجال الحيوي
للاتصال في العالم. وعلى سبيل المثال في عام 1981 كانت الولايات المتحدة الأمريكية
وحدها مسؤولة عن نقل وتوزيع 80 % من البيانات والمعلومات في العالم. بفضل ثورة
الحاسبات الإلكترونية التي توغلت في كل مناحي الحياة وامتزجت بكل وسائل الاتصال
واندمجت معها، ولعل شبكة الانترنيت الأمريكية الشهيرة تمثل جوهر ذلك الامتزاج حيث
يتم تخزين معلومات واردة من 21 ألف شبكة معلومات بشكل منظم منسق يسهل عملية
استرجاعها بواسطة أي مستخدم، من خلال الحاسبات الإلكترونية، ثم تقوم بعد ذلك
بواسطة تقنيات الاتصال المتطورة التي توظف الخطوط الهاتفية والأقمار الصناعية في
توصيلها إلى 33 مليون مشترك في جميع أنحاء العالم (C. Anthony Giffard: The
Inter-Press Service: New Information for a New Order, Journalism Quarterly,
Spring 1985. pp. 17-18.).
فاعلية
التبادل الإعلامي الدولي: تساعد وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية الدولية، على تكوين المواقف من
القضايا المطروحة، أو تضخيمها. وتلعب دوراً كبيراً في عملية التغيير السياسي
والاجتماعي والثقافي والفكري، لدى القراء والمستمعين والمشاهدين.
كما وتساعد
وسائل الإتصال والإعلام الجماهيرية الدولية في تدعيم سلوك الجمهور الإعلامي من
موقف معين، أو التشكيك به، أو رفضه، أو تغييره لصالح موقف جديد. وهذا متوقف على
مدى تكثيف الحملة الإعلامية والوسائل المستخدمة فيها، ومدى وضوح موقف مستقبل الرسالة
الإعلامية للقائم بالاتصال. أو تعرض مستقبل الرسالة الإعلامية لموقف إعلامي غير
متماسك أو لصور نمطية سبق لمستقبل الرسالة الإعلامية وتعرض لها، ومدى تحيزه من
مضمون الرسالة الإعلامية بحد ذاتها (John Martin: Effectiveness of International
Propaganda, The Annals of the American Academy of Political and social Science,
Vol. 398, Nov. 1971, p. 61. - د. محمد علي العويني: الإعلام الدولي بين النظرية والتطبيق. مكتبة الأنجلو
المصرية، القاهرة 1990. ص 97-100).
ولابد للقائم
بالاتصال من معايير خاصة يعتمد عليها، من أجل الوصول إلى فاعلية أكبر من الحملات
الإعلامية الدولية، وإمكانيات أكثر للوصول إلى الأهداف المرسومة للحملة الإعلامية.
ولابد من مقاييس يعتمد عليها المخططون للحملات الإعلامية، والقائمون بالاتصال
لتحديد مدى نجاح أو فشل الحملة الإعلامية. ومن تلك المعايير مثلاً القدرة على
التصدي للإعلام المضاد الموجه لنفس الساحة الإعلامية، ومدى قدرة وسائل الإعلام
الجماهيرية الدولية المستخدمة من قبل القائمين بالاتصال على انتزاع المبادرة من
الإعلام المضاد والتوجه إلى الجمهور الإعلامي بشكل أكثر فاعلية في المواضيع
المطروحة.
والمعيار من
الأمور الهامة جداً لقياس راجع صدى الرسالة الإعلامية، ومعرفة مدى نجاح الحملة
الإعلامية. ولو أن الظروف الدولية من تأزم أو انفراج العلاقات الدولية، تعتبر من
الأمور الخارجة عن نطاق المعايير الإعلامية، ولكن الحملات الإعلامية قد تؤدي في
بعض الحالات إلى انفراج أو خلق الأزمات في العلاقات الدولية المتشعبة.
ومن المناهج المستخدمة لقياس راجع الصدى في الحملات
الإعلامية الدولية، نذكر:
المناهج
الاستقرائية: التي طورتها إدارة الإعلام والتعليم في جيش
الولايات المتحدة الأمريكية من خلال البحوث التطبيقية التي أجرتها إبان الحرب العالمية
الثانية، وأعقبتها أبحاث هوفلاند وزملائه. وجرى من خلال هذه الأبحاث قياس
تأثير الاتصال من خلال التجريب المحكم بالتركيز على العناصر التالية (نفس المصدر السابق. و - Joseph T. Klapper: The
Effects of Mass Communication. New York, Free Press, 1960, pp. 108-109.):
القائم
بالاتصال:
فتبين أن تأثير الرسالة الإعلامية يزداد في حالة إذا كان القائم بالاتصال ينقل
مواقف تتماشى ومواقف مستقبل الرسالة الإعلامية. وأن المستقبل يبدأ بنسيان مصدر
الرسالة الإعلامية، أو القائم بالاتصال بعد مدة وجيزة، وهو ما أطلق عليه اسم الأثر
النائم وأنه هناك عوامل مساعدة أخرى لزيادة التأثير الذي يمارسه القائم بالاتصال،
على مستقبل الرسالة الإعلامية كالسن والجنس والمظهر الخارجي للقائم بالاتصال.
الرسالة
الإعلامية:
فتبين أن زيادة فاعلية الحملة الإعلامية الدولية يمكن أن يتم في حالة إذا تمشت
الرسالة الإعلامية مع أهداف الحملة
الإعلامية الدولية، واحتياجات مستقبلي الرسالة الإعلامية، والقيم السائدة والمواقف
الفكرية والآراء والمعتقدات الخاصة بهم. ولوحظ أيضاً أن العرض الجزئي للمشكلة أكثر
تأثيراً لدى المستقبل إذا كان محدود الثقافة والتعليم. وأن عرض المشكلة من كل
جوانبها يكون أكثر تأثيراً على المستقبل الذي حصل على نسبة أعلى من التعليم
والثقافة. أو إذا كان المستقبل يعارض مبدئياً مضمون الرسالة الإعلامية، وهذا يمكن
أن يساعد على تحصين المستقبل ضد الدعاية المضادة مستقبلاً، فيما لو روعيت عناصر
اختيار المصادر الإعلامية، والطريقة التي يتم من خلالها عرض الرسالة الإعلامية، مع
التطورات السابقة واللاحقة للقضية المطروحة.
الوسيلة
الإعلامية:
فتبين أن الرسالة الإعلامية والوسيلة الإعلامية مرتبطتان الواحدة بالأخرى، لأن
طريقة عرض وتقديم الرسالة الإعلامية مرتبط بالتأثير الإعلامي إلى درجة تعادل أهمية
الرسالة الإعلامية نفسها. وأنه لابد من مراعاة مدى انتشار كل وسيلة إعلامية
جماهيرية في الأوساط المستهدفة من الحملة الإعلامية الدولية قبل استخدامها،
واختيار الوسيلة التي يمكن أن تعطي أكبر قدر ممكن من التأثير والفاعلية الإعلامية.
وهناك من يرجح الاتصال المباشر، ومن يرجح الإذاعة المسموعة، ومن يرجح الإذاعة
المرئية، وهناك من يرجح المادة المطبوعة، وكلها احتمالات يمكن الاستفادة منها في
حدودها الممكنة.
مستقبل
الرسالة الإعلامية:
ويتوقف على معرفة خصائص مستقبل الرسالة الإعلامية من النواحي الثقافية والفكرية
والمعتقدات والمواقف السياسية وأنماط السلوك والسن والجنس والوضع التعليمي والوضع
الاجتماعي والاقتصادي، والعنصري والإقليم الجغرافي والتنظيم أو النظام الذي ينتمي
إليه.
والمناهج
الاستنباطية:
المعتمدة على النظرية السلوكية، التي تركز على تغيير المواقف وتكوينها وتعديلها. ونظرية
المعرفة، التي تعمل على شرح تكوين المواقف وتعديلها والتنبؤ بأثر عملية
الاتصال، والتركيز على تعديل المواقف من خلال معتقدات وعواطف الفرد، وتحقيق
التوافق المنطقي لمعارف الفرد، تعتمد كلها على عملية الاتصال. فما هو الاتصال؟
9.2- وسائل الاتصال كمصدر للتبادل الإعلامي الدولي:
عناصر
الاتصال: عملية
الاتصال في التبادل الإعلامي الدولي، هي مجموعة الوسائل التي تربط بني البشر
ببعضهم، وتحقق التفاعل والعلاقات الإنسانية. وقد تعرَّف على أنها عمل لتغيير
المفاهيم باستعمال اللغة أو أي من الوسائل الأخرى المتيسرة. وعملية الاتصال تهدف
إلى إحداث تجاوب مع الشخص أو الأشخاص المتصل بهم. وبعبارة أخرى تحاول أن تشاركه أو
تشاركهم في استيعاب المعلومات أو في نقل فكرة أو اتجاه فكري إليه أو إليهم (ليستريبرسون: ماذا يجري في العالم الغني والعالم
الفقير. إعداد إبراهيم نافع، القاهرة، دار المعارف بمصر 1971. ص 35 وما بعدها؛ د.
جبار عودة العبيدي، هادي حسن عليوي: مدخل في سياسة الإعلام العربي والاتصال. مكتبة
الجيل الجديد، صنعاء 1993. ص 7-13.).
ويعرَّف الاتصال أيضاً بأنه عملية يتم من خلالها
تبادل المفاهيم بين الأفراد وذلك باستخدام نظام الرموز المتعارف عليها، ويعتبر
استخدام الكلمة طريقة من أكثر وسائل الاتصال شيوعاً بين المرسل والمتلقي.
وعلم الاتصال
يمتد بجذوره في التاريخ إلى أرسطو الذي وضع أسساً علمية لعملية الاتصال لم
تزل قائمة حتى الآن للتفاعل بين (الخطيب - المرسل) و (الجمهور - المستقبل) تقوم
على أن يعد المرسل (رسالته - خطبته) بصورة شيقة وجذابة ومقنعة، حتى يمكن أن تؤثر
في الجماهير بالصورة المستهدفة. وذلك لأنه لا قيمة للاتصال، من وجهة نظر أرسطو ما
لم يكن مقبولاً ومفهوماً من (الجمهور - المستقبلين) (محمد عاطف غيث: التنمية الشاملة والتغير الاجتماعي.
مطبعة كريدية. بيروت 1974؛ سها سهيل المقدم: مقومات التنمية الاجتماعية وتحدياتها.
معهد الإنماء العربي. بيروت 1978).
وهنا يتضح
محور العلاقة التي أوجدها وحددها أرسطو بين المرسل، والرسالة والمستقبل. حيث قسم
أرسطو الموقف الاتصالي إلى ثلاث مراحل:
الخطيب؛ الخطبة؛ الجمهور.
وأوجب أرسطو على (الخطيب - المرسل)
أن يدرك ما يعتمل في نفوس الجمهور من قيم ومبادئ ومعايير وسنن اجتماعية. وعلى أساس
إدراك الجمهور للرسالة يتأثر بتفسيره لهذه الرسالة. وهذا التفسير يعتمد على
الوضعية الاجتماعية للجمهور من حيث تنشئته الاجتماعية، والإطار أو النسق القيمي
الذي يأخذ به (Carlo Mongardini: A new definition of the concept of development. The New International Economic
Order, Vienna 1980. p. 41.).
أما الموقف
الاتصالي لدى ابن خلدون فينحصر بالآتي:
المرسل: ومن رأي ابن خلدون أن الناقلين " الصحفيون " لا يعرفون القصد
مما عاينوا أو سمعوا، وينقلون الخبر على ما في ظنهم وتخمينهم فيقعون في الكذب في
كثير من الأحيان.
الرسالة: والتي من الضروري مناقشتها في ذاتها للوقوف على مدى
اتفاقها مع طبيعة الأمور، ومع الظروف والملابسات التي يحكيها الراوي - المرسل -
ومناقشة مادة تلك الرواية - الرسالة.
المستقبل: وقد أوجب عليه ابن خلدون أن يتأكد من أمانة الراوي
- المرسل، وصدقه وسلامة ذهنه، وطهارة عقيدته، ومتانة خلقه، وقيمته الشخصية (حسين العودات: الإعلام والتنمية. دراسة مقدمة إلى
ندوة خبراء السياسات الإعلامية والوطنية. بنغازي 25-28 نيسان/ أبريل 1983. ص 105؛
مقدمة اين خلدون. دار القلم، بيروت 1978.).
وتسلط هذه
النظرة الضوء على حقيقة الرسالة والأمانة في المرسل، والذكاء الاجتماعي في
المستقبل، ولسنا بصدد المقارنة بين أرسطو وابن خلدون ولكننا نلاحظ أن رؤية أرسطو
أكثر شمولاً واتساعاً من نظرة ابن خلدون للاتصال التي تبدو عليها المسحة
المثالية.ولكنها مع ذلك تظل أقرب لأخلاقيات الاتصال المطلوبة (د. جبار عودة العبيدي، هادي حسن
عليوي: مدخل في سياسة الإعلام العربي والاتصال. مكتبة الجيل الجديد، صنعاء 1993. ص
8.).
وهناك عدة
نظريات حديثة للاتصال منها على سبيل المثال لا الحصر نظرية كولن في الاتصال والتي يمكن تلخيص
الموقف الاتصال فيها على النحو التالي:
المرسل: الذي يستمد من عقله الرسالة التي يرغب في توصيلها
إلى شخص آخر؛
الرسالة: الذي يستخدم الإنسان عقله وقدراته واستعداداته
النفسية مثل التذكر والإدراك والانتباه لاستيعاب تلك الرسالة؛
التغذية
العكسية: أو رجع
الصدى وهي الاستجابة للرسالة (المثير) تلك التي تعود إلى المرسل، وبذلك تكمل
الدورة الإتصالية (التقرير الختامي لندوة خبراء " اسـتـراتيجـيـة تنميـة القـوى العاملـة
العـربية في بغداد" 4-6 تشرين
أول/أكتوبر 1982. مجلة العمل العربي العدد 25/1982. ص 105).
وتعتمد هذه النظرية على عقل الإنسان باعتباره المركز
الرئيسي للاتصال سواء في الإرسال أم في الاستقبال.
أما ستيفنسون
فقد ربط بين نظريته في الاتصال و"الإمتاع" على أساس أن
"المستقبل" يشعر بالاستغراق والمتعة فيما يقرأ أو يشاهد لاسيما في
الاتصال الجماهيري، وأنه لكي تستمر المتعة فيما يقرأ أو يسمع أو يشاهد فمن الضروري
أن تتخلل العملية الاتصالية بعض القطع الموسيقية أو الأغنيات الخفيفة لتقليل حالة
الضغط الإعلامي على المستقبل. ويلاحظ أن الموقف الاتصالي في هذه النظرية من شروطه:
إلزام
المرسل بإيديولوجية المجتمع التي من أهدافها ربط المواطنين بمجتمعهم والارتقاء بأذواقهم في مختلف
النواحي الاجتماعية والثقافية؛
صياغة
الرسالة في أسلوب شيّق يعتمد على الإمتاع بشكل يجعل المستقبل على اتصال مستمر بمصادر المعلومات (د. كمال بلان، وسليمان الخطيب:
المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في الوطن العربي ومدلولاتها على التنمية. مجلة
الإعلام العربي. العدد 2 المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الأليسكو).
تونس 1982. ص 78)؛
إتاحة
الفرصة للمستقبل للدخول في حوار مع المرسل، حتى يؤدي ذلك إلى تكوين رأي عام مستنير، يعتمد على
الحقائق الواضحة، وليس على ما تقدمه له الأجهزة التنفيذية، دون أن تكون للجماهير
حق معرفة مصادر وصدق وثبات ما يقدم لها من معلومات (أوسكار لانجه: التخطيط والتنمية الاقتصادية. مركز
الدراسات الاقتصادية. دمشق 1970. ص 9 وما بعدها.).
أما نظرية لازر
سفيلن فتلخص الموقف الاتصالي على النحو التالي:
المرسل: وهو الذي يؤلف وينقل الرسالة؛
الرسالة: وهي ما يرغب المرسل إرساله إلى المستقبل من خلال
وسائل الاتصال الجماهيرية؛
المستقبل (الجمهور الإعلامي): وهذا الجمهور- من وجهة نظر تلك
النظرية لا يتأثر بالرسالة مباشرة وإنما يتأثر بها أكثر إذا ما نقلت إليه تلك
الرسالة مرة أخرى عن طريق قادة الرأي ويمكن تصور مفهوم قادة الرأي من خلال
الدراسات التي أجريت على بنية الاتصال في المجتمعات القروية. حيث يحتكر قائد الرأي
بعض الأساليب الإتصالية (القراءة) أو الأجهزة الإتصالية (راديو) مثلاً. ومن خلال
متابعته للقراءة أو الاستماع، فإنه يستطيع إعادة صياغة الرسالة بشكل يتفق مع
الحالة المعنوية للمستقبل (ليستريبرسن: ماذا يجري في العالم الغني والعالم الفقير. إعداد إبراهيم
نافع، دار المعارف بمصر، القاهرة 1971. ص 233).
أما نظرية
إسفيروس في الاتصال فقد ركزت على العملية الإتصالية كظاهرة اجتماعية تقوم على
التفاعل الذي يتحقق للمجتمع وعلى ارتباط بقية الظواهر الاجتماعية الأخرى. وبذلك
اعتبره موضوعاً إنسانياً بالدرجة الأولى (د. طلال البابا: قضايا التخلف والتنمية في العالم
الثالث. دار الطليعة. بيروت 1971. ص 74). وعلى ذلك فإن الموقف الاتصالي في هذه النظرية يقوم على:
المرسل: وهو المجتمع؛
الرسالة: وهي التعبير الموضوع عن عقلية الجماهير وروحها
وميولها واتجاهاتها؛
المستقبل: وهو المجتمع أيضاً؛
وسائل
الاتصال: كالإذاعة،
والتلفزيون والصحف، وهي المنابر التي لا يرتقيها القادة السياسيون فحسب، وإنما يجب
أن ترتقيها الجماهير أيضاً، لكي تعبر عن مطالبها وآمالها، ولكي تشترك بالرأي في
إدارة شؤون المجتمع التي ليست حكراً على أحد (محمد مصالحة: نحو مقترب علمي لحق الاتصال في الوطن
العربي. مجلة شؤون عربية العدد 24 آذار/مارس 1983).
أما ويفر
وشانون فيحددان العلاقة بين المرسل والرسالة والمستقبل بقولهما:
المرسل: (أخصائي اجتماعي) ينتخب أو يختار رسالة (مجموعة
توجيهات) يرغب في توصيلها إلى مستقبل (مبحوث) الأمر الذي يضطر المرسل إلى تحويل
رسالته إلى شكل أو هيئة أو رمز، بحيث يمكن نقلها عبر قنوات الاتصال إلى المستقبل
(المبحوث). وبذلك يكون عقل الأخصائي الاجتماعي هو مصدر المعلومات؛
الرسالة: وهي عبارة عن مجموعة توجيهات من أخصائي إلى مبحوث
يتولى صوت الأخصائي الاجتماعي توصيلها، وتقوم الموجات الصوتية بدور قناة الاتصال
الرئيسية لعملية الاتصال؛
المستقبل: وهو الذي يتلقى الرسالة ويقوم بتحويلها إلى الشكل
أو الرمز الذي كان عليه في هيئته الأولى، وبذلك يكون عقل المبحوث هو الهدف الذي
يرمي الأخصائي الاجتماعي إلى وصول التوجيهات إليه. على حين تمثل أذن المبحوث جهاز
الاستقبال الذي يتلقى المعلومات (إدوارد كوين: مقدمة إلى وسائل الاتصال. ترجمة وديع فلسطين، مطابع الأهرام،
القاهرة 1977. ص 28).
أما هودينت
فقد حدد العناصر الفعالة لعملية الاتصال في سبعة عناصر هي:
مشكلة؛
مرسل؛ رسالة؛ وسيلة؛ أحياناً ناقل؛ وسيلة مستقبل؛ استجابة (اليونسكو: التقرير الختامي للجنة الدولية لدراسة مشكلات الإعلان. باريس
1978. ص 21 وما بعدها).
والسؤال الذي يمكن طرحه الآن، هو: كيف تؤثر وسائل
الإعلام في إشباع حاجات الفرد الاجتماعية ؟
والجواب أن هذه الوسائل تنشر المعلومات وتزوِّد
الأفراد بعدد من الموضوعات التي تسهِّل على المؤسسة، الاتصال المتبادل. وهذا يعني
أن وسائل الإعلام تقدم إلى جمهور واسع من الناس، معلومات عن حوادث أو ظاهرات
معينة، وخاصة تلك التي لها أهمية اجتماعية.
وليس للإنسان
دائماً الفرصة ليكوِّن علاقات مع الآخرين وهو وحيد لأسباب مختلفة. إن هذا النقص في
الارتباط بالعالم الخارجي ربما يؤدي به إلى اليأس، ويستطيع الراديو أو التلفزيون
أن يسدي له خدمة كبرى. لأن صوت الراديو يبعد عنه شعوره بالوحدة وهي إحدى الخدمات
النفسية المهمة التي يؤديها الراديو وهذا ينطبق على التلفزيون ولو أن تأثير الأول
أوسع في هذا المجال من الثاني. ولكن لماذا يعير عدد كبير من الناس الذين يعانون من
هذا النقص في الروابط الاجتماعية، اهتماماً كبيراً لوسائل الإعلام؟ (د. الإدريس العلمي: الإعلام الذي
نريده: دراسة مقدمة إلى لجنة أليسكو لدراسة قضايا الإعلام والاتصال في الوطن
العربي. 1983. ص 11)
لأن الإنسان
يحتاج إلى الارتباط بالآخرين وهذه حقيقة لا جدال فيها، ولكن هذه الارتباطات تتطلب
منه درجة معينة من التكيف. وتستطيع وسائل الإعلام الجماهيرية أن تزوده بتعويضات
تتطلب منه درجة معينة من التكيِّف. كما وتستطيع وسائل الإعلام الجماهيرية أن
تزوِّده بتعويضات لإشباع حاجته للاتصال الاجتماعي. وليستطيع أن يكون صلات اجتماعية
مع أشخاص يتمتعون بأهمية اجتماعية كبيرة عبر وسائل الإعلام الجماهيرية، ويستطيع
كذلك أن يناقش ويجادل، ويستطيع أن ينهي المناقشة بإشارة من يديه عندما يرغب ذلك (د. سهير بركات: الإعلام الإنمائي
وإعداد البنية البشرية الإعلامية العربية. مجلة الإعلام العربي العدد 2، كانون
أول/ديسمبر 1982. ص 82).
وهكذا فإن
إشباع حاجة التكيُّف (الملائمة) عبر وسائل الإعلام الجماهيرية، قد أصبحت عنصراً
ضرورياً في حياة إنسان هذا العصر. والذي يبدو بأن قضية التكيُّف ليست متعلقة بسؤال
(ماذا) وحسب، وإنما كذلك بـ (كيف) و(لماذا) وهذا يعني أن الإنسان يحتاج أيضاً
للتكيُّف لكي يتعلم، وإن هذا التكيف يعلمه أي سلوك عليه أن يتبنى بالنسبة لمواقف
معينة، ويسدي له النصيحة في كيفية التصرف في مواقف معينة لكي يصل إلى إشباع أكبر
حاجاته. إن تأثير وسائل الإعلام الجماهيرية في هذا المجال واسع جداً بسبب أنها
تزوِّد الفرد بخلاصات مميزة لقيم المجتمع ومستجداته (ولبر شرام: وسائل الإعلام والتنمية القومية. ترجمة
أديب يوسف. وزارة الثقافة، دمشق 1969.).
ولا تكتمل
دائرة الاتصال إلا حين تتوفر للموقف التعليمي جميع العناصر اللازمة لعملية الاتصال
ويدل توافر هذه العناصر على أن الدائرة تؤدي عملها بصرف النظر عن طبيعة التعليم
المنتظر. ولتقدير فاعلية التعليم ينبغي مراعاة إعطاء انتباه خاص للتغييرات التي
تبدو متداخلة ومؤثرة على هذه العملية.
و يمكن تحديد
العلاقة بين عناصر الاتصال وفقاً لما يلي:
أولاً:
المصدر: سواء أكان فرداً أو مجموعة من الأفراد. فهو عامل هام في الاتصال
ويتوقف أداؤه لمهمته على أنواع المتغيرات التي تضمنها عملية الاتصال بصرف النظر عن
إمكانية توجيهها أو ضبطها. وقد لا تتوافر مصادر المعلومات الكافية والمناسبة،
وربما تعوز المصدر المهارة اللازمة لإعداد مضمون رسالته بدقة وفعالية.
فإذا كان
المصدر شخصاً ما، فما هي اتجاهاته نحو عمله ونحو مستقبلي الرسالة الإعلامية، ونحو
الوسيلة الإعلامية التي يستخدمها. إذا كانت هناك وسيلة إعلامية ؟ وهذه بعض العوامل
التي تؤثر على عملية الاتصال في التعليم ونقل الخبرة (د. عبد الوهاب مطر الداهري: دراسات في اقتصاديات
الوطن العربي. معهد البحوث والدراسات العربية. بغداد 1983. ص 31 وما بعدها).
ثانياً:
يتطلب استكمال دائرة الاتصال تواجد المصدر في جانب والمستقبل في جانب آخر.
ولو أن المصدر قد يكون هو المستقبل في نفس الوقت. فإننا نتحدث هنا عن شخصين
مختلفين. وكما كانت توجهات المصدر مهمة فإن اتجاهات المستقبل لا تقل أهمية عنها.
فإذا كان
للمستقبل اتجاه سلبي نحو المصدر فإن التعليم ونقل الخبرة يصبح قليل الفاعلية، وقد
تكون النتيجة مشابهة للشعور المماثل الذي يشعر به المستقبل اتجاه الكتاب أو إلى
المواد التعليمية الأخرى، عندما لا يكون في حالة تقبل للمصدر.
وأكثر من ذلك
فإن استقبال الرسالة الإعلامية يتطلب مهارات معينة، وبصرف النظر عن قدرة المستقبل
على استخلاص المعاني والقراءة المناسبة والاستماع والتفكير فإن هناك متغيرات
هامة ينبغي اعتبارها في الموقف التعليمي والاتصالي.
ثالثاً: الرسالة
الإعلامية: تعتبر عملية تضمين الرسالة واستخلاص محتواها خطوة هامة في الاتصال.
فقد يستخدم المصدر بعض المصطلحات كرموز لجميع أجزاء ومقاطع المعلومات. مما يؤدي
إلى صعوبة فهمها من قبل المستقبل، مما يؤدي إلى إضعاف عملية الاتصال. ومثال ذلك ما
يحدث في تعليم لغة أجنبية، فإذا أغفل المصدر مستوى المستقبل، وطبيعة الرسالة
والأسلوب الذي تقدم به المعلومات، والأفكار. فمن غير شك أن كثيراً من هذه
المعلومات ستتعرض للضياع، بصرف النظر عن شكل أو أسلوب الاتصال الذي يستخدم. لهذا
يجب على القائم بالاتصال أن يعالج الرسالة الإعلامية بشكل ملائم ومنسق وأن يعاد
صياغة الرسالة الإعلامية في كل مرة لضمان استقبال نافع وفعال.
رابعاً: التوافق
بين المرسل والمستقبل: يمكن أن يكون عندما يراعى في عملية الاتصال بينهما
مستوى الخبرة المتوفرة لديهما في إطار المعلومات الاجتماعية والثقافية... الخ. وفي
بعض الحالات التي لا يملك فيها المصدر الصورة الواضحة عن مستوى فهم المستقبل
وقدراته فإننا نجد أن اللغة المستخدمة والأمثلة المختارة والأسلوب الذي تقدم به
المعلومات قد لا تؤدي إلى استقبال واضح ودقيق لدى المستقبل. الذي يمكنه في هذه
الحالة أن يستجيب للمثير فقط من خلال خبراته ومعلوماته المتعلقة بموضوع الرسالة
الإعلامية (نادي
روما: من التحدي إلى الحوار. ج2، ترجمة عيسى عصفور. وزارة الثقافة والإرشاد
القومي، دمشق 1980. ص 150).
وخلاصة القول
أن وسائل الاتصال هي ركائز أساسية لتبادل الأفكار والمعلومات بين أفراد المجتمع،
وتعد أساساً لتفاعلاته الاجتماعية وتقريب وجهات النظر بين المجتمعات المختلفة وبين
مواطني البلد الواحد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق