تحت عنوان "انقاذ ثروة مخطوطات الأقصى قبل ضياعها" نشر
الموقع الإلكتروني "رصيف 22" بتاريخ 11/8/2015 تحقيقاً صحفياً كتبته: هنادي
قواسمي، من القدس المحتلة، وجاء فيه:
في الزاوية الغربيّة
الجنوبيّة من المسجد الأقصى، وبالقرب من مبنى المتحف الإسلاميّ تقع مكتبة المسجد
أو ما كان يُسمى قديماً “جامع النساء”. في تلك المكتبة التي تضمّ أنواعاً شتّى من
الكتب والمطبوعاتِ القديمة والمخطوطات التقينا يوسف الأوزبكي.
يعمل الأوزبكي
منذ مطلع العام 2013 كأمين المخطوطات والمطبوعات القديمة في مكتبة المسجد الأقصى.
قبل ذلك العام، كان الداخل إلى مكتبة المسجد الأقصى يجدُ المخطوطاتِ العربيّة
والإسلاميّة والتي يعود عمر بعضها إلى 900 عام منثورة ومبعثرة بشكل لا يليق
بقيمتها في بعض زوايا المكتبة. بعضها موضوع على الرفوف بشكل عفويّ دون أي ترتيب،
وبعضها مبعثر الأوراق وملقى على طاولات أو في أكياس وصناديق كرتونية بدون عناية
بنظافتها أو حفظها.
كانت تلك المخطوطات
المبعثرة مرتعاً للأرضة والحشرات والغبرة، حتى أنها أصابت الأوزبكي ببعض
الأعراض المرضية على جلده. منذ بداية استلامه لعمله بدأ الأوزبكي بترتيب
هذه المخطوطات وفرزها، وتجميعها، ومن ثم فهرستها. أرسلت المخطوطات إلى مركز ترميم
المخطوطات في المسجد الأقصى، حيث تم تعقيمها. ومن ثمّ أعيدت إلى المكتبة، وهي
اليوم في حالٍ أفضل، مصنفة حسب قدمها، ومرتبة في أغلفة مناسبة، ومرقمة ليسهل
الوصول إليها والبحث عنها.
يوسف
الاوزبكي، امين المخطوطات والمطبوعات القديمة في المسجد الأقصى
يقول الأوزبكي: “كانت المخطوطات قبل
ذلك مبعثرة في منطقة من المكتبة تتواجد فيها أجهزة كهربائية مما يعني درجة حرارة
مرتفعة غير ملائمة للمخطوطات”. ويضيف: “بجهود دائرة الأوقاف الإسلاميّة، تم تخصيص
جزء مناسب من المكتبة لحفظ هذه المخطوطات، بحيث لا تدخله الإضاءة أو أشعة الشمس،
وتحافظ فيه على درجة مناسبة من الحرارة”.
يظهر من حديث الأوزبكي عن المخطوطات
حبّه وتقديره الجمّ لها، يصحبنا في جولة بين الخزائن الجديدة التي تحفظ فيها اليوم
تلك المخطوطات، بينما يشير علينا بعدم التصوير بواسطة الفلاش في مقابل هذه
المخطوطات كي لا نؤذيها. على مقربة من تلك الخزائن يضع آلة من أجل مراقبة درجة
حرارة المكان ليكون مناسباً ولائقاً بالمعايير المطلوبة لضمان حفظ وصون هذه
المخطوطات. يعلق: “لقد حفظ أجدادنا هذه المخطوطات لأعوام طويلة ولم تتلف، فلماذا
نسمح نحن بضياعها في عصرنا..؟”.
ضمن هذه الجهود، تم تصوير أغلب هذه المخطوطات
والاحتفاظ بصورها الكترونياً. يقول الأوزبكي: “لا نسمح للطلاب ومراجعي
المكتبة التعامل المباشر مع المخطوطات، فذلك يؤذيها ويزيد من تعرضها للتلف، لذلك
فإن أي طالب حتى لو كان خارج فلسطين يرسل لنا للاطلاع على مخطوطة ما، نقوم بارسال
الصّور الالكترونية له، وفي حال لم نكن قد صورناها، نفعل ذلك في غضون 3- 4 أيام
ونرسلها له، تسهيلاً لعمل طلاب العلم، بدون أي مقابل مادي”.
أبرز مخطوطات المسجد الأقصى
أما أبرز تلك المخطوطات، فمنها نصف مصحف من
سورة طه إلى سورة الإخلاص خُطّ في القرن الثالث الهجري، ومعروض حالياً في المتحف
الإسلامي في المسجد الأقصى، وقد خطت على إحدى صفحاته أنه “موقوف على قبة الصخرة
المشرفة”. ويعتبر هذا المصحف أقدم مخطوطة موجودة في مدينة القدس.
لا يحب الأوزبكي إطلاق التوصيفات
اعتباطاً، فلدى سؤاله عن المزيد من المخطوطات البارزة والفريدة في المسجد الأقصى،
شرع يشرح لنا الفرق بين الأوصاف: مخطوطات “فريدة”، و “نادرة”، و”نفيسة”. يقول الأوزبكي:
“عندما نقول مخطوطة نادرة، نعني أن عدد نسخها قليل في العالم، لكن على الأقل توجد
نسخ أخرى منها. أما المخطوطة الفريدة فهي النسخة الوحيدة الموجودة في العالم حتى
اللحظة. أما المخطوطة النفيسة، فنطلق هذا الوصف على المخطوطة إذا كانت لها ميزة
معينة ترفع من قيمتها، كأن تكون المخطوطة الأقدم من بين بقية النسخ، أو تكون
مزركشة بشكل جماليّ، أو تكون منسوخة بخطّ المؤلف نفسه، وهنا يكون منبع نفاستها”.
وفي المسجد الأقصى بعض المخطوطات النّفيسة،
ومنها مخطوطة الأربعين النّوويّة. يقول الأوزبكي: “في العالم ما يقارب 200
مخطوطة للأربعين النّوويّة، ولكن نسخة المسجد الأقصى نُسِخت عن نسخة المؤلف
مباشرة، وهي قريبة من عصره، فهي تبعد عن وفاته بـ30 عاماً فقط، وتعتبر أقدم نسخة
للأربعين النّوويّة، وهذا منبع نفاستها”.ويضرب الأوزبكي مثالاً آخر للمخطوطات
النفيسة في الأقصى، وهي مخطوطة “البرهان في علوم القرآن” للإمام الزركشي،
ومنبع نفاستها أنها خطّت بيد ابن المؤلف عن نسخة أبيه.
وبحسب ما اطلع عليه الأوزبكي، فإن
مخطوطات مدينة القدس بشكل عامّ جلها عثمانيّ بنسبة تصل إلى ما يقارب الـ80%، أما
المخطوطات المملوكية فتصل إلى ما يقارب 19%، والمخطوطات الأيوبية أو ما سبقها من
عصور فلا تتجاوز نسبة الـ1%. ويرجع الأزوبكي سبب قلة المخطوطات القديمة
التي يزيد عمرها عن 900 عام في القدس إلى الاحتلال الصّليبي للمدينة الذي إما سرق
مخطوطاتها أو دمر وأتلف الأخرى. والغالبية العظمى من هذه المخطوطات هي ذات علاقة
بالعلوم الدينية واللغوية، وكتبت باللغة العربية، مع عدد قليل من المخطوطات
باللغتين التركية والألمانية.
مركز
ترميم المخطوطات
يتكامل عمل الاوزبكي في مكتبة الأقصى
مع عمل مركز ترميم المخطوطات. يقع المركز على بعد أمتار قليلة من المكتبة، في مبنى
المدرسة الأشرفية على الحائط الغربي للمسجد الأقصى بين باب السّلسلة وباب
الحديد، والتي تنسب إلى السّلطان المملوكي الأشرف قايتباي. يدير المركز رضوان
عمرو، ويعمل به 10 متدربين ومرممي مخطوطات.
يقول رضوان عمرو أن أول إشارة إلى عمل
ترميمي للمخطوطات في المسجد الأقصى كانت منذ ما يقرب 600 عام، في عهد السّلطان
المملوكي قالوون، آخر فترة المماليك، إذ أمر بالاعتناء بأجزاء من المصحف
الشريف التي كانت تقرأ في الصخرة منذ الفترة الأيوبية، إذ كان يقدر عمرها حينذاك
بحوالي 200 عام.
بدأ العمل على إنشاء هذا المركز في العام 1999
بدعم من منظمة اليونسكو. وتحضيراً لذلك ابتعثت دائرة الأوقاف الإسلامية خمسة طلاب
من القدس إلى إيطاليا في بعثة دراسية لمدة 3 سنوات ليدرسوا علم ترميم المخطوطات.
وكان منهم المرمم خضر الشهابي، وهو شاب ثلاثيني يعتبر أقدم مرمم مخطوطات في
القدس.
إحدى
المخطوطات التي يحتفظ بها مركز ترميم المخطوطات استعدادا لترميمها تصوير: رضوان
عمرو
عرقلة
الاحتلال
في حديثه لموقع رصيف 22، قال عمرو،
مدير المركز، أن رحلة إنشاء المركز وبدء عمله استغرقت وقتاً طويلاً، حتى تم تدريب
المرممين وتصنيف المخطوطات وفهرستها، ومن ثم الحصول على المعدات والأدوات اللازمة
لاتمام هذا الترميم.
يقول عمرو: “قمنا بشراء المعدات
والآلات اللازمة للترميم من إيطاليا في العام 2005، ولكن سلطات الاحتلال
الإسرائيلي قامت باحتجازها في ميناء أسدود حتى حزيران 2008”. بعد ضغوطات أردنية،
واحتجاز لمدة تقارب الأربع سنوات، حصل المركز على معداته، وتم افتتاحه رسمياً عام
2008.
عدا عن هذا التعطيل الإسرائيلي الطويل لعمل
المركز، فإن الكثير من طلبيات المركز لمواد ومستلزمات الترميم كالأوراق وغيرها يتم
تعطيلها واحتجازها في ميناء أسدود الإسرائيلي، أو حتى على أبواب المسجد الأقصى.
يقول عمرو، بأنه منذ بداية عمل المركز احتجزت 5 طلبيات بمعدل 4-6 شهور في
الميناء، عدا عن أن شرطة الاحتلال قد تعرقل دخولها لعدة أيام على أبواب المسجد
الأقصى.
عمل
المركز
يحوي المركز اليوم أربعة أقسام يعمل بها 10
متدربين ومرممين، وهي قسم التصوير والمعالجة الالكترونية، وقسم التعقيم والمعالجة
البيولوجية، وقسم المعالجة الكيميائية، وقسم الترميم اليدوي. ويشير مدير المركز
عمرو بأن المركز شرع منذ عامين بتصوير كل المخطوطات صفحة صفحة، وأرشفتها، سعياً
للوصول إلى قاعدة بيانات الكترونية تمكن جميع الباحثين في دول العالم من الوصول
إليها.
أما خضر الشهابي، أقدم المرممين في
المركز، فيشرح عن مراحل الترميم قائلاً أنها قد تصل إلى ما يقارب العشرين مرحلة، حسب
درجة التلف ونوع الإصابة التي يعاني منها المخطوط موضع الترميم. وينبه الشهابي
إلى أن العمل مع المخطوطات يحتاج بدرجة أولى إلي يد حساسة ودقيقة وإلى شخص طويل
البال يستطيع الصبر على الوقت الطويل الذي قد يستغرقه الترميم.
أما أهم مراحل ترميم المخطوطات، فهي بداية
التنظيف الجافّ الهادف إلى إزالة الأتربة، ومن ثمّ التعقيم عن طريق النيتروجين من
أجل طرد الحشرات والأرض. ويقوم المرمم كذلك بغسل المخطوطات بطريقة شديدة الدقة من
أجل الحفاظ على الأحبار وضمان عدم فقدان النصوص جراء هذا التنظيف. كما يشمل عمل
الترميم إعادة التصميغ والتجليد والخياطة والتذهيب. يختم الشهابي بالقول:
“بالمختصر.. نحن نحوّل المخطوط إلى مستقبل أكثر أمناً”
وكان أول ما أنجز المركز من أعمال ترميم،
خريطة عثمانية تعود إلى بدايات القرن العشرين تبين حدود حكم الدولة العثمانية. وقد
طبعت هذه الخريطة في برلين بست نسخ، وجدت واحدة منها في مكتبة المسجد الأقصى برفقة
خرائط عسكرية عثمانية أخرى، وهي أول ما يواجه الزائر للمركز إذ علقت على لوحة
كبيرة على يسار الداخل إليه.
يقول عمرو: “هذه الخريطة عزيزة على
قلوبنا في المركز لذلك قررنا تعليقها هنا، لقد كانت مثل قطع “البازل” مقطعة وكانت
من أوائل المخطوطات التي عمل الفريق على ترميمها، وقد استغرق ذلك فترة طويلة، لأنه
كان ترميماً وتدريباً على الترميم كذلك”.
ومن المخطوطات الهامّة المحفوظة لدى المركز
والتي سيبدأ في ترميمها وصيانتها قريباً مخطوطة كتاب “إحياء علوم الدين” للإمام الغزالي،
وهي مخطوطة منسوخة عن المخطوطة الأصلية.
يوسف بن محمد
مروان بن سليمان البخاري الأوزبكي
ولدت أنا وأبي وجدي
في مدينة القدس الشريف
حاصل على درجة
الماجستير في تاريخ العلوم الإسلامية
أعمل أمينًا لمخطوطات
مكتبة المسجد الأقصى المبارك
من كتبي المطبوعة:
1 - تاريخ المذهب الحنبلي في فلسطين، الدار الأثرية، الأردن،
1431 هـ. رسالة ماجستير.
2 – مسألة حدوث العالم: لابن تيمية، دار البشائر
الإسلامية، بيروت، 1433 هـ. تحقيق.
3 – حديث القلتين بجميع طرقه الثابتة: للحافظ الضياء
المقدسي، دار البشائر الإسلامية، بيروت، 1433 هـ. (ضمن لقاء العشر الأواخر بالمسجد
الحرام 14 ). تحقيق.
4 – العفاف عن وضع
اليد على الصدر حال الطواف: للملا علي القاري، دار البشائر الإسلامية، بيروت، 1434
هـ. (ضمن لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام 15 ). تحقيق.
5 - مجموع الحافظ
إسماعيل بن جماعة المقدسي في الحديث النبوي الشريف، دار البشائر الإسلامية،
بيروت، 1434 هـ. تحقيق.
وتحت الطبع كتابان
محققان.
بارك الله بجهودكم
ردحذفأطيب تحية
حذف