الأحد، 28 يناير 2018

على شاشات من حرير التشكيلية عناية البُخاري تُراهن على مقدرة اللون الواحد

طشقند 28/1/2018 أعده للنشر أ.د. محمد البخاري. تحت عنوان "على شاشات من حرير التشكيلية عناية البُخاري تُراهن على مقدرة اللون الواحد" نشرت صحيفة "تشرين" يوم 2018/01/27 تقريراً صحفياً كتبه: علي الرّاعي، وجاء فيه:



"لو كنت فنّاناً تشكيليّاً، لرسمت ألواناً فحسب؛ يبدو لي هذا الحقل متحرّراً بالتّساوي من القانون لا محاكاة، لا تماثل ومن الطّبيعة، أو لا تجد كلّ ألوان الطّبيعة مصدرها في الفنّانين التّشكيليّين؟".. ذلك ما تساءل عنه يوماً مُبدع بحجم رولان بارث وتمناه. وهذا ما بدا أنه شكّل الفعالية الإبداعية، أو ما يُمكن أن نطلق عليه الغواية اللونية للفنانة التشكيلية عناية البُخاري التي تُقيم هذه الأيام معرضاً لأحدث تجاربها في مسيرة هذه الغواية اللونية بمركز الفنون البصرية في دمشق.

مستويان من الجمال
في الأعمال الفنية المعروضة في هذا المعرض؛ يُمكنُ للمتلقي أن يقرأ مستويين، يتفرّع عنهما أكثرُ من اتجاه. المنحى الأول؛ أو المستوى الأول؛ حكاية الإيقاعات في شغل الفنانة البُخاري، فقد أطلقت مُصطلح «الإيقاعات» أكثر من مرة على بعض المعارض التي أقامتها إلى اليوم. منها إيقاعات بصرية، وإيقاعات شعرية، مثلما تُسمي معرضها اليوم. وهنا يُمكن أن نقرأ أكثر من إيحاء في مُفردة «الإيقاع» أولاً، ثم بالصفة التي تصفُ بها هذا الإيقاع. هذه التأويلات ما سعت الفنانة إلى تجسيدها لونياً في لوحاتها. الإيقاع الذي يوحي بالمدى الطويل والبعيد، والمحسوب الخطوات، أو المدروسة خطواته بعناية. وهذا ما بدا واضحاً في لوحة البُخاري التي تنحو باتجاه المساحات الكبيرة بعض الشيء، ثمّ في مضمون اللوحة القائم في أحد اتجاهاته صوب «الزخرفة الهندسية» بكل دقتّها وصرامتها وتواليها وتتابعها، وذلك في متواليات هندسية لانهاية لاستمرارها ومداها، وما الأبعاد التي تُعطي نهايات للوحة التشكيلية سوى أبعاد افتراضية، ذلك أنّ الإيحاء باستمرار المتوالية اللونية يبقى إلى أبعد من الأبعاد، ولما بعد الإطارات، والأخيرة – الإطارات – تبدو واهية هنا بالقماشات الحريرية التي تخلو منها، الإيقاعات التي توحي كذلك بشيء من الموسيقا والشعر الذي يبرز الرسم في اللوحة هنا أو التكوين اللوني، وكأنه شعر صامت.
الشعر الصامت
المستوى الثاني في شغل الفنانة البُخاري؛ ما تجسد في محاولتها المُعاكسة بمسألة التجريد، فقد اعتاد المجردون -ولاسيما العرب منهم- أن يجسدوا المجردات بمُعادل لها، بلون حيناً، أو بمفردة أو تركيب شعري، أو غير ذلك. وما بدا في تجريد البُخاري؛ هو أنها غالباً ما سعت لتجعل من المحسوس مُجرداً. هذا المُجرد؛ الذي تكمن بواعثه في بيئة اعتادت أن تُخفي «الجميل» خلف سور أو بابٍ يفتح للداخل. هنا تبدو البُخاري؛ متأثرة إلى حدٍّ بعيد بما يُمكن أن نطلق عليه البحث عن الجمال الداخلي. الجمال الذي تمنحه بيوت الشام العتيقة، من تغليف المحتوى بسور وحتى بحجاب، والأبواب التي تُفتح للداخل وليس للخارج. بمعنى، سيلفت انتباه القارئ أو المُتلقي للوحة عناية البُخاري الحالة الصوفية التي تبتغي المعنى الذي يتناهى ليصير مُجرداً صرفاً، ومن هنا نجد لوحة الفنانة – على الأقل في معرضها الأحدث بمركز الفنون البصرية بدمشق- افتقادها للحالة الدرامية في اللوحة، تلك الحالة التي تُنتج التعبيرية التي تُعطي للوحة حالة من المسرح أو الاحتفالية، والذهاب بعيداً صوب التجريد والبعد الواحد، وهنا التجريد ذو النتاج الهندسي، أو الحالة الهندسية التي تأخذ بالعمل صوب الفنون التطبيقية والحرفية الصارمة. لكن ما يجعل لوحة الفنانة البُخاري تنجو من هذه المطبات الذي يُمكن أن ينتجها هذا المنحى؛ مُراهنتها على اللون الواحد، المُدّعم بتدرجات لونية ليست بعيدة عنه، وإنما بألوان تأتي رديفة لإغناء الحالة البصرية المُفرحة والفرحة. وخلق تجاور لوني يذهب صوب الرُقي والسمو في متوالياتها التي تُحاول أن تُخلخل انسيابيتها أو توازنها بكتلة لونية مُضادة سعياً لتناقض يأتي كيدٍ تلوّح، أو شارد ذهب بعيداً في شروده ولتنتشله من حالة الشرود هذه، أو تأتي أحياناً كمن يُرشقك بماء على حين غفلة أو شرود، كتل لونية غالباً ما تأخذ شكل مُستطيل يُخلخل هذا الإيقاع الطويل. ألوان تسعى من خلالها لمنح عين المتلقي فرحاً تهفو روحه إليه.
مولوي ينتشي
متواليات لونية، أشبه بدوران مولوي انتشى في دورانه وانفصل إلى سمواتٍ بعيدة، أو هي أشبه بتقنية التكرار في النص السردي أو الشعري، الذي يهدف منه: كنوع من المحسنات اللفظية يتكرر فيه لفظ أو عبارة أثناء الكلام، بهدف إضفاء الموسيقا على الكلام من ناحية وبغرض توكيد اللفظ أو العبارة توكيداً لفظياً من الناحية الأخرى. وهو ما تزحمُ به الفنانة البُخاري لوحتها بتلك العناصر الزخرفية لتكوّن تشكيلات جمالية كان للحامل الإبداعي – الحاضن للعمل التشكيلي- أن شكّل حالة انجدال بيّنة التكوين التشكيلي من لون وخطوط. وهنا كانت الطباعة على شاشة حريرية في بعض اللوحات؛ دورها في إنجاز هذه المهمة التي ذهبت بالعمل التشكيلي صوب إتمام مقولته الفنية الجمالية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق