منظمة رابطة أوروآسيا للتعاون الاقتصادي منظمة اقتصادية إقليمية أحدثت لتوحيد السلطات الجمركية الموزعة على حدود الدول الأعضاء المؤسسين فيها: بيلاروسيا، وقازاقستان، وقرغيزيا، وروسيا، وطاجكستان، وإعداد سياسة إقتصادية خارجية موحدة، وتوحيد التعرفات، والأسعار وغيرها من مكونات السوق المشتركة.
ووقع رؤساء جمهوريات: بيلاروسيا، وقازاقستان، وقرغيزيا، وروسيا، وطاجكستان، على معاهدة تأسيس المنظمة في العاصمة القازاقستانية أستنه بتاريخ 10/10/2000.
وفي أيار/مايو 2002 منحت ملدافيا، وأوكرانيا، صفة عضو مراقب في المنظمة بناء على طلب قادة البلدين. وفي أكتوبر/تشرين أول 2005 تقدمت جمهورية أوزبكستان بطلب إنضمام للمنظمة، وبعد إنتهاء إجراءآت الإنضمام للمنظمة حصلت أوزبكستان على العضوية الكاملة في المنظمة بتاريخ 20/1/2006. وعلى ضوء التطورات التي حصلت في السياسة المعلنة للمنظمة واعتبرتها أوزبكستان لا تتوافق مع الأهداف المعلنة للمنظمة أعلنت عن إنسحابها من عضوية المنظمة عام 2008.
وعضوية المنظمة مفتوحة لأي دولة تقبل بمعاهدة تأسيسها والاتفاقيات الصادرة عن مجلس قادة الدول الأعضاء فيها، كما ويمكن منح صفة عضو مراقب في المنظمة للدول والمنظمات الحكومية الدولية بناء على طلبها، ويحق للعضو المراقب حضور الجلسات غير المغلقة لأجهزة المنظمة، والحصول على الوثائق والقرارات غير السرية المتخذة من قبل أجهزة المنظمة دون حق المشاركة بإجراءآت اتخاذ القرارات والتوقيع عليها خلال جلسات تلك الأجهزة.
وتعتبر المنظمة وريثة لحقوق الإتحاد الجمركي الذي تأسس استناداً لمبادئ منظمة الأمم المتحدة والقانون الدولي. وتعمل على تحقيق إتحاد جمركي، وساحة اقتصادية موحدة للدول الأعضاء فيها، وتنسيق عمليات التكامل مع الإقتصاد العالمي، والنظام التجاري العالمي. وتحقيق التطور الدائم للدول الأعضاء عن طريق الاستخدام الأمثل للقدرات الاقتصادية من أجل رفع مستوى معيشة شعوبها.
والأهداف الأساسية للمنظمة تنص على:
1. استكمال تشكيل نظام التجارة الحرة والتعرفات الجمركية الموحدة والنظام الجمركي الموحد؛
2. وضع نظام موحد لتجارة البضائع والخدمات داخل الأسواق؛
3. إتباع نظام متكامل للرقابة على تسوية أوضاع العملات؛
4. إعداد وتنفيذ برامج مشتركة للتطور الإجتماعي والإقتصادي؛
5. تهيئة الظروف المتساوية للنشاطات الإنتاجية ولرجال الأعمال؛
6. تشكيل سوقاً موحدة لخدمات المواصلات، ونظاماً موحداً للمواصلات؛
7. تشكيل سوق موحدة للطاقة؛
8. تهيئة ظروف متساوية لوصول الإستثمارات الأجنبية لأسواق الدول الأعضاء؛
9. تمتع مواطني الدول الأعضاء في المنظمة بالحقوق المتساوية في الحصول على التعليم والمساعدة الطبية في جميع دول الأعضاء؛
10. تحقيق التقارب في القوانين الوطنية.
وتعطي المنظمة أفضليات في عملها على المدى القريب في مجالات:
المواصلات: وتشمل توحيد التعرفات، وزيادة حجم الحمولات، وتسهيل الإجراءات الجمركية، وتسهيل إجراءات التوقيع على الإتفاقيات، وإنشاء تجمع دولي للمواصلات.
الطاقة: وتشمل الاستخدام المشترك لمجمعات الطاقة في آسيا المركزية وحل مشاكل التزود بالطاقة الكهربائية واستخدام المياه في مجمع الطاقة الموحد.
هجرة قوة العمل: وتشمل تحقيق الحماية الاجتماعية للمهاجرين، وإحداث نظام لتنظيم والرقابة على الهجرة والجرائم المرتكبة في هذا المجال وتطبيقه، وحل القضايا الناتجة عن تسديد الضرائب المترتبة على المهاجرين وأصحاب العمل.
مجمع التصنيع الزراعي: ويشمل تنسيق السياسة الزراعية للدول الأعضاء بالمنظمة، وتشكيل سوقاً مشتركة للمواد الغذائية في الدول الأعضاء، وتخفيض التأخر الحاصل في نقل وتخزين وتسويق المنتجات الزراعية وتشكيل أسواق جديدة لها.
أجهزة المنظمة
الأجهزة القيادية للمنظمة تضم:
1. مجلس الحكومات المشترك؛
2. لجنة التكامل؛
3. الهيئة البرلمانية المشتركة؛
4. محكمة المنظمة.
ويعتبر مجلس الحكومات المشترك الهيئة العليا في المنظمة ويضم قادة دول وحكومات الدول الأعضاء. وفي أيار/مايو 2002 انتخب الرئيس القازاقستاني نور سلطان نزارباييف لرئاسة المجلس.
وينظر المجلس المشترك للحكومات في المسائل الرئيسية المتعلقة بالمصالح المشتركة للدول الأعضاء في المنظمة، ويقوم بإعداد إستراتيجية واتجاهات وآفاق تطور التكامل بين الدول الأعضاء ويتخذ القرارات اللازمة للوصول إلى أهداف ومهام المنظمة.
ويجتمع المجلس على مستوى قادة الدول مرة واحدة في السنة على الأقل، وعلى مستوى رؤساء الحكومات ليس أقل من مرتين في السنة.
ويتخذ المجلس المشترك للحكومات قراراته بالتشاور والإجماع وتصبح بعد صدورها ملزمة للتنفيذ في الدول الأعضاء في المنظمة عن طريق إصدار القرارات والقوانين الوطنية اللازمة لتنفيذها.
وفي 28/2/2003 عقد مجلس الحكومات المشترك للدول الأعضاء في المنظمة اجتماعاً له في موسكو على مستوى رؤساء الوزارات لبحث مسائل توحيد القوانين النافذة في الدول الأعضاء في مجال الجمارك والضرائب وتم الاتفاق على إعتبار الخطوات التكاملية التي تمت في إطار رابطة الدول المستقلة من مبادئ توحيد الساحة الاقتصادية لتوحيد النظم الجمركية والضريبية.
ولجنة التكامل وهي الجهاز الدائم للمنظمة وتضم في عضويتها نواب رؤساء حكومات الدول الأعضاء في المنظمة ومهمتها الأساسية توفير إمكانية العمل المشترك لأجهزة المنظمة، وإعداد جدول أعمال اجتماعات مجلس الحكومات المشترك ومشاريع القرارات والوثائق ومتابعة تطبيق قراراته.
وتجتمع اللجنة أربع مرات في السنة على الأقل، وتتخذ قراراتها بأكثرية ثلثي الأعضاء وتوزع أصوات الدول الأعضاء وفق حصصها في تمويل المنظمة، على الشكل التالي: روسيا ولها 40 صوتاً، بيلاروسيا وقازاقستان ولكل منهما 20 صوتاً، قرغيزيا وطاجكستان ولكل منهما 10 أصوات.
ومهمة الأمانة العامة هي توفير المعلومات وتهيئة ظروف العمل لمجلس الحكومات المشترك ولجنة التكامل ويرأسها الأمين العام للمنظمة الذي يعينه المجلس الحكومات المشترك.
وبقرار من رؤساء الدول الخمسة الأعضاء في المنظمة تم في تشرين أول/أكتوبر عام 2001 تعيين غريغوري رابوتا أميناً عاماً، وبدأت الأمانة العامة عملها اعتباراً من تاريخ 1/1/2002 بمديني ألما آتا (قازاقستان)، وموسكو (روسيا).
أما لجنة الممثلين الدائمين لقادة الدول الأعضاء في المنظمة فيتم تعيين أعضائها من قبل رؤساء الدول الأعضاء في المنظمة وتعمل على تسيير عمل المنظمة خلال الفترة الممتدة بين جلسات لجنة التكامل وتعمل على تنسيق الجهود المشتركة بين أجهزة المنظمة والهيئات والأجهزة الحكومية للدول الأعضاء في المنظمة.
أما الهيئة البرلمانية المشتركة فهي إطار للتعاون البرلماني في إطار المنظمة وتعمل على تقريب وتطابق القوانين الوطنية مع الاتفاقيات المبرمة في إطار المنظمة لتحقيق أهدافها. وتتشكل من بين أعضاء برلمانات الدول الأعضاء وتضم (28) عضواً من روسيا، و(14) عضواً من كل من بيلاروسيا وقازاقستان، و(7) من كل من قرغيزيا وطاجكستان، ومقرها بمدينة سانت بيتربورغ (روسيا)
ومحكمة المنظمة تعمل على متابعة تنفيذ الإتفاقيات المعقودة بين الأطراف ومعاهدة تأسيس المنظمة وغيرها من المعاهدات النافذة وقرارات أجهزة المنظمة. وتنظر في الخلافات ذات الطابع الاقتصادي الناشئة بين أعضاء المنظمة من خلال تطبيق قرارات أجهزة المنظمة والاتفاقيات والمعاهدات النافذة فيها وتصدر التفسيرات والشروح اللازمة لها. ومقر المحكمة بمدينة منسك (بيلاروسيا).
كما وتعمل ضمن المنظمة:
رابطة "مجلس رجال أعمال أوروأسيا، التي تأسست في نيسان/أبريل 2002 بمبادرة من الأمانة العامة للمنظمة؛
والمنتدى الاقتصادي الذي إنعقد للمرة الأولى في شباط/فبراير 2003 ويعمل على تنفيذ قرارات المنظمة وخاصة في مجال توحيد عملات الدول الأعضاء في المنظمة قبل عام 2011 وحل المشاكل الجمركية وتأسيس مناطق للتجارة الحرة.
كما وتعمل ضمن المنظمة المجالس واللجان التالية:
· مجلس القيادات الجمركية ويتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· مجلس المسائل الحدودية للدول الأعضاء في المنظمة.
· مجلس وزراء العدل ويتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· مجلس سياسة التصنيع الزراعي ويتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· مجلس سياسة الطاقة ويتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· مجلس قيادات أجهزة التأمين والرقابة وتنظيم أعمال الـتأمين ويتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· مجلس قيادات الأجهزة المسؤولة عن تنظيم أسواق المستندات المالية ويتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· مجلس قيادات البنوك المركزية الوطنية للدول الأعضاء في المنظمة.
· مجلس قيادات الأجهزة الضريبية ويتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· لجنة التعرفات الجمركية وتسوية التعرفات وتتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· لجنة العمل المشترك في مجال التصدير والرقابة وتتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· لجنة حماية الأسواق الداخلية للدول الأعضاء وتتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· لجنة تسوية الأوضاع التكنولوجية، والمقاسات والمعايير، والطب البيطري وإجراءات الوقاية الصحية في التجارة وتتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· مجلس سياسة المواصلات ويتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· مجلس الاعتراف المتبادل بوثائق التعليم والدرجات والألقاب العلمية ومعادلتها ويتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· مجلس السياسة الاجتماعية ويتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· مجلس السياسة المالية والاقتصادية للدول الأعضاء في المنظمة.
وعلى ما يبدوا أن أوزبكستان كانت محقة في إنسحابها من عضوية المنظمة، لأنها ليست سوى صورة من صور هيمنة مصالح الأقوى على مصالح الآخرين من أعضاء المنظمة وهو ما أشارت إليه آراء المحللين والخبراء بعد إنقضاء عقد من الزمن على تأسيسها ومن بينها مقالة كتبها أندريه أريشيف ونشرت تحت عنوان "ماذا تنتظر موسكو من حلفائها، إتحاد أوروآسيا التوجهات والأخطار" على صفحات الإنترنيت بتاريخ 28/12/2011 وجاء فيها:
عشرون عاماً مضت منذ إنهيار الإتحاد السوفييتي، وكان الإهتمام بمشاريع التكامل بين الدول السوفييتية السابقة من النتائج المقلقة للتطور في الساحة السوفييتية السابقة.
وفي هذا المجال كانت التصريحات التي أطلقت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عندما وقع رؤساء روسيا، وبيلاروسيا، وقازاقستان، في موسكو على وثيقة إعلان إتحاد أوروآسيا للتكامل الإقتصادي، وإتفاقية تشكيل اللجنة الإقتصادية لأوروآسيا. ومن ضمنها المقالات التي نشرتها صحيفة إزفيستيا عن برنامج فلاديمير بوتين الوزير الأول في الفيدرالية الروسية وشكلت دفعة إضافية للحوار الدائر في هذا المجال.
وبغض النظر عن إختلاف التقييمات ومن ضمنها التقييمات المتشائمة لعدد من الخبراء وبعض قادة الدول الأعضاء بمنظمة رابطة الدول المستقلة، تشكلت البنية التحتية للمنظمة الإقليمية بمضامين محددة وبسرعة. وحصلت اللجنة الإقتصادية لأوروآسيا على شكلها القانوني والحقوقي. وتضمنت خطة تمنحها أكثر من 170 صلاحية وظيفية في مجالات تسوية سياسات التعرفات الجمركية. ومجال تقسيم حصص البلدان الثلاث من الرسوم الجمركية، والمصادقة على المستويات والمقاييس التكنولوجية، ووضع نظم ومقاييس للوقاية الصحية والحيوانية، وتسوية مسائل المواصلات والنقل، والطاقة، وتمويل الصناعة، والزراعة، وتنقل الأيدي العاملة، وسياسة القطع الأجنبي والأسواق المالية.
وأسندت للجنة مهمة التصدي لحل الكثير من المسائل القطاعية التي تنتقل إليها بالتسلسل من الحكومات الوطنية.
وأسندت رئاسة اللجنة الإقتصادية لأوروآسيا لمدة أربع سنوات لوزير التجارة والصناعة في الفيدرالية الروسية فكتور خريستينكو.
ومن المحتمل أن تلبي فاعلية أداء وظائف إتحاد أوروآسيا بالكامل مصالح المشاركين في الإتحاد وغيرهم من الدول التي يمكن أن تنضم إليه لاحقاً. ولكن هنا يمكن أن تبدأ جملة من الحقائق يمكنها تصعيب عمل هذه الجهاز التكاملي وسنتوقف عند بعضها.
أولاً: العمل الإقتصادي المشترك. لأنه حتى الآن غير واضح تماماً ولم يشر لإستخدام عملة مشتركة، ولا لإحداث بنك مركزي لأوروآسيا، ولا لتكامل النظم الضريبية للدول الأعضاء. وعدم حل هذه المسائل يعتبر من أسباب الأزمة الحالية لإتحاد أوروآسيا. ولم يزل موضوع كيف يمكن أن تعمل هذه المنظمة الجديدة بدون عملة موحدة على أراضي الدول الأعضاء بمنظمة إتحاد أوروآسيا غير مفهوم، وعلى سبيل المثال إستخدام الدولار الأمريكي مثلاً كإحتياط للعملات الصعبة. والأهم تأخر إعداد إستراتيجية موحدة في مجال الطاقة في الوقت الذي يجري فيه تطبيق إتفاقيات ثنائية في هذا المجال.
ثانياً: الخلفية التاريخية. لأن فكرة تكامل الجمهوريات السوفييتية السابقة كما هو معروف طرحت للمرة الأولى من قبل الرئيس القازاقستاني نور سلطان نازارباييف في مايو/أيار عام 1994 أثناء كلمته التي ألقاها في المعهد الملكي البريطاني لمشاكل العلاقات الدولية "Chatham House".
وعلى مايبدوا أنهم في قازاقستان وفي روسيا لم ينسوا حتى الآن أهمية هذه الفكرة. ولكن الذي حدث خلال تسعينات القرن الماضي الإشارة للغزو الأيديولوجي الغربي للساحة السوفييتية السابقة، ومن الصعب في هذه الحالة تصور مشروع أوروآسيا أنه لن يكون موقعاً تفصيلياً للجغرافية السياسية أو غيرها. وفي هذا المجال تكفي الإشارة إلى أنه خلال تسعينات القرن الماضي أحدثت حتى في قازاقستان نفسها عدة صناديق بمشاركة مواطنين من بريطانيا حملت تسميات مثل: أوروآسيا.
ومن الصعب تصور الأحداث الأخيرة دون الإهتمام بتعيين رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير مؤخراً مستشاراً للرئيس القازاقستاني للشؤون الإقتصادية، وهو الذي تعرف على نور سلطان نازارباييف في عام 2000، وشغل حتى الآونة الأخيرة مثل هذا المنصب عند القائد الليبي الراحل معمر القذافي.
ولابد من الإشارة إلى غرابة ظهور توني بلير في قازاقستان مع خبراته الليبية الغنية، وتصادف هذا التعيين مع تصاعد النشاط الإرهابي في العديد من المناطق القازاقستانية، وحتى أن بعض المراقبين بدأوا بالبحث عن ملامح التشابه بين البلدين، وفي بعض الحالات كانوا يجدون مثل هذا التشابه.
وهنا لا بد من الإشارة إلى حالة الفوضى التي بدأت 16/12/2011 في جاناوزين غرب قازاقستان، وتعتبر مثالاً آخر على عدم الإستقرار في النظام الإجتماعي والسياسي والإجتماعي والإقتصادي في قازاقستان التي تشترك بحدود جغرافية طويلة مع روسيا. وفي حال تصاعد التهديدات الإرهابية العابرة للحدود سيكون من الصعب تعزيز إتحاد أوروآسيا كساحة لتنقل البشر ورؤوس الأموال بحرية، ويصعب التفاهم حول مسائل توفير الأمن القومي لأعضاء إتحاد أوروآسيا.
ثالثاً: أيديولوجية إتحاد أوروآسيا المعلنة تتفق بالكامل مع مبادئ منظمة التجارة العالمية، وتعتبر في نفس الوقت شكلاً من أشكال الإنتقال إلى أوروبا الكبرى، (من لشبونة في البرتغال إلى فلادي فاستوك في الفيدرالية الروسية). وهذا يعني أن إتحاد أوروآسيا سيبنى على مبادئ التكامل الشامل كجزء لا يتجزأ من أوروبا الكبرى، التي تفرض توحيد قيم الحرية، والديمقراطية، وقوانين السوق.
ونفهم من مقالات فلاديمير بوتين الوزير الأول في الفيدرالية الروسية أن: "الدخول في إتحاد أوروآسيا، إلى جانب الفوائد الإقتصادية المباشرة، يسمح لكل دولة بالمشاركة فيه بسرعة وبمواقف قوية أكثر للتكامل مع أوروبا". لتبرز معها عدة أسئلة وهي:
1. مثل هذا الهدف على خلفية إتساع المشاكل الإقتصادية في الإتحاد الأوروبي يمكن أن يكون غير ممكن التحقيق على الأقل على مدى الآفاق المتوسطة؛
2. وإذا كان الهدف النهائي هو الإنضمام لأوروبا، فيعني هذا أن المهمة تفرض مبدئياً التكامل مع روسيا، وعندها فقط يمكن إجراء حوار مباشر مع بروكسيل؛
3. وأن العمل المشترك الوثيق بين إتحاد أوروآسيا والإتحاد الأوروبي يجري مع دول أعضاء بحلف الناتو، ويمكن أن يؤدي مع الوقت إلى تفاقم المنافسات الجغرافية السياسية مع الصين، وعلى ما يبدوا أن المستفيدة منها هي روسيا.
وخلال اللقاء الذي جرى مع الصحفيين والخبراء في البلدان التي تتابع موضوع الإتحاد الجديد، وجه أحد الصحفيين سؤالاً: ألا يعتبر مشروع إتحاد أوروآسيا غربي معادي للصين ؟
وكانت الإجابة مباشرة وأنه ستتم مواجهة المشروع الذي كان معادياً للصين على الساحة السوفييتية السابقة، لأن عدم مواجهة ذلك المشروع سيؤثر سلبياً على آليات العمل القائمة للتعاون وخاصة في مجال الأمن ضمن منظمة شنغهاي للتعاون. وبالإضافة لذلك لا تلقى الأفكار المعادية للصين أي قبول من قبل المشاركين في هذا الإتحاد، وحتى أن الصين نفسها لها موقفها الخاصة من الساحة السوفييتية السابقة.
ونعتقد أن الأساس التوحيدي لهذا المشروع الكبير يبدأ من البراغماتية الإقتصادية للدول الأعضاء. حيث أشار الخبراء إلى أنه خلال سنوات الدولة الإتحادية التي جمعت كلاً من روسيا وبيلوروسيا، لم يتم تشكل نظرة عامة لقيم الإتحاد وأسسه. ومع ذلك يعتبر الإتحاد عاملاً رئيسياً يحدد قدرته على الحياة، ويحدد آفاقه المستقبلية نحو إتحاد تكاملي، وإتحاد جمركي، وساحة إقتصادية موحدة لإتحاد أوروآسيا.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الوثائق السياسية والتكنولوجية الصادرة عن القمة هي وثائق عامودية جاءت من الأعلى إلى الأسفل ومثلت طبيعة الإتحاد الجديد، الذي لم يعزز المبادرات الإجتماعية، رغم أن الرئيس نور سلطان نازارباييف إشار إلى أنه "يمكن إقامة إتحاد أوروآسيا فقط على أساس الدعم الإجتماعي الواسع" ومع ذلك نرى أنه في تاريخ جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق سجلت حالة واحدة فقط للمبارة الشعبية الواسعة، وهي التي وجهت لتحقيق مشروع تكاملي فريد. عندما ساندت المبادرة الشعبية في روسيا، وبيلاروسيا، وأرمينيا، قبل أكثر من 10 سنوات مبادرة تكاملية جدية جداً جاءت من "الأسفل" من الساحة السوفييتة السابقة، وحصلت على دعم المواطنين العاديين والمفكرين وهو ما يثبت معني توقيع 1 مليون مواطن أرمني لدعم الإستفتاء على الإنضمام لإتحاد روسيا وبيلاروسيا الذي جمعهم قبل 14 عاماً. رغم أن التركيز في المبادرة جرى من خلال التقارب الديني للشعوب، وليس على المضامين المادية، التي أخذت مكاناً لها في عمليات التكامل عل الساحة السوفييتية السابقة.
رابعاً: المخاطرات السياسية. وترتبط بحركة التطور الداخلي في روسيا وحلفائها، وتؤثر جدياً على العوامل الخارجية. وهنا لابد من الإشارة إلى غياب الدعم الإجتماعي الواسع لمبادرات التكامل، وأنها تستند بالكامل على البيروقراطية وعلى "البراغماتية الإقتصادية" (القمه وكما هو معروف غير مقبولة ولا تتفق مع البحث عن القيم العامة وأسس التصورات العامة) وهي غير قادرة على التأثير سلباً على تحقيق مشاريع التكامل الكبيرة في الساحة السوفييتية السابقة. أو في أسوأ الحالات وبشكل نهائي تلغيها ويحدث هذا على سبيل المثال في حال إذا أيقن سكان روسيا، وبيلاروسيا، وقازاقستان، من أن إتحاد أوروآسيا بالكامل سيؤدي إلى زيادة الأسعار، وزيادة التعرفات ويمكن أن تؤدي مستقبلاً لتدهور الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية. ومثل هذه الحركة أكثر من متوقعة في حال إستمرار تطبيق النموذج الليبرالي لإصلاحات السوق، وبناء امتيازات رأس المال المسيطر، الذي سيؤدي رفضه قبل كل شيء إلى نتائج غير متوقعة.
والإنضمام إلى منظمة التجارة العالمية وهي ليست أكثر من آلية للعمل يعني نمو التعرفات على الكثير من البضائع والخدمات، ومن ضمنها الأساسية، وبالتالي زيادة تبعية الشركاء في الإتحاد لروسيا في الإستيرد. مشيرين في النهاية إلى أن الأحداث التي رافقت الإنتخابات في بريدنيستروف وجنوب أوسيتيا وضعت مهمة التقارب مع موسكو مستقبلاً موضع تساؤل، لأن منسك وآستنا وحتى إقامة الأجهزة فوق القومية في الإقتصاد، وفي السياسية، شككتا بإمكانية تجاوز تلك المسائل عن طريق الوثائق، وخاصة إذا كان الحديث يدور عن إتحاد حقيقي لأن حلها مستقبلاً سيكون أكثر صعوبة.
ووقع رؤساء جمهوريات: بيلاروسيا، وقازاقستان، وقرغيزيا، وروسيا، وطاجكستان، على معاهدة تأسيس المنظمة في العاصمة القازاقستانية أستنه بتاريخ 10/10/2000.
وفي أيار/مايو 2002 منحت ملدافيا، وأوكرانيا، صفة عضو مراقب في المنظمة بناء على طلب قادة البلدين. وفي أكتوبر/تشرين أول 2005 تقدمت جمهورية أوزبكستان بطلب إنضمام للمنظمة، وبعد إنتهاء إجراءآت الإنضمام للمنظمة حصلت أوزبكستان على العضوية الكاملة في المنظمة بتاريخ 20/1/2006. وعلى ضوء التطورات التي حصلت في السياسة المعلنة للمنظمة واعتبرتها أوزبكستان لا تتوافق مع الأهداف المعلنة للمنظمة أعلنت عن إنسحابها من عضوية المنظمة عام 2008.
وعضوية المنظمة مفتوحة لأي دولة تقبل بمعاهدة تأسيسها والاتفاقيات الصادرة عن مجلس قادة الدول الأعضاء فيها، كما ويمكن منح صفة عضو مراقب في المنظمة للدول والمنظمات الحكومية الدولية بناء على طلبها، ويحق للعضو المراقب حضور الجلسات غير المغلقة لأجهزة المنظمة، والحصول على الوثائق والقرارات غير السرية المتخذة من قبل أجهزة المنظمة دون حق المشاركة بإجراءآت اتخاذ القرارات والتوقيع عليها خلال جلسات تلك الأجهزة.
وتعتبر المنظمة وريثة لحقوق الإتحاد الجمركي الذي تأسس استناداً لمبادئ منظمة الأمم المتحدة والقانون الدولي. وتعمل على تحقيق إتحاد جمركي، وساحة اقتصادية موحدة للدول الأعضاء فيها، وتنسيق عمليات التكامل مع الإقتصاد العالمي، والنظام التجاري العالمي. وتحقيق التطور الدائم للدول الأعضاء عن طريق الاستخدام الأمثل للقدرات الاقتصادية من أجل رفع مستوى معيشة شعوبها.
والأهداف الأساسية للمنظمة تنص على:
1. استكمال تشكيل نظام التجارة الحرة والتعرفات الجمركية الموحدة والنظام الجمركي الموحد؛
2. وضع نظام موحد لتجارة البضائع والخدمات داخل الأسواق؛
3. إتباع نظام متكامل للرقابة على تسوية أوضاع العملات؛
4. إعداد وتنفيذ برامج مشتركة للتطور الإجتماعي والإقتصادي؛
5. تهيئة الظروف المتساوية للنشاطات الإنتاجية ولرجال الأعمال؛
6. تشكيل سوقاً موحدة لخدمات المواصلات، ونظاماً موحداً للمواصلات؛
7. تشكيل سوق موحدة للطاقة؛
8. تهيئة ظروف متساوية لوصول الإستثمارات الأجنبية لأسواق الدول الأعضاء؛
9. تمتع مواطني الدول الأعضاء في المنظمة بالحقوق المتساوية في الحصول على التعليم والمساعدة الطبية في جميع دول الأعضاء؛
10. تحقيق التقارب في القوانين الوطنية.
وتعطي المنظمة أفضليات في عملها على المدى القريب في مجالات:
المواصلات: وتشمل توحيد التعرفات، وزيادة حجم الحمولات، وتسهيل الإجراءات الجمركية، وتسهيل إجراءات التوقيع على الإتفاقيات، وإنشاء تجمع دولي للمواصلات.
الطاقة: وتشمل الاستخدام المشترك لمجمعات الطاقة في آسيا المركزية وحل مشاكل التزود بالطاقة الكهربائية واستخدام المياه في مجمع الطاقة الموحد.
هجرة قوة العمل: وتشمل تحقيق الحماية الاجتماعية للمهاجرين، وإحداث نظام لتنظيم والرقابة على الهجرة والجرائم المرتكبة في هذا المجال وتطبيقه، وحل القضايا الناتجة عن تسديد الضرائب المترتبة على المهاجرين وأصحاب العمل.
مجمع التصنيع الزراعي: ويشمل تنسيق السياسة الزراعية للدول الأعضاء بالمنظمة، وتشكيل سوقاً مشتركة للمواد الغذائية في الدول الأعضاء، وتخفيض التأخر الحاصل في نقل وتخزين وتسويق المنتجات الزراعية وتشكيل أسواق جديدة لها.
أجهزة المنظمة
الأجهزة القيادية للمنظمة تضم:
1. مجلس الحكومات المشترك؛
2. لجنة التكامل؛
3. الهيئة البرلمانية المشتركة؛
4. محكمة المنظمة.
ويعتبر مجلس الحكومات المشترك الهيئة العليا في المنظمة ويضم قادة دول وحكومات الدول الأعضاء. وفي أيار/مايو 2002 انتخب الرئيس القازاقستاني نور سلطان نزارباييف لرئاسة المجلس.
وينظر المجلس المشترك للحكومات في المسائل الرئيسية المتعلقة بالمصالح المشتركة للدول الأعضاء في المنظمة، ويقوم بإعداد إستراتيجية واتجاهات وآفاق تطور التكامل بين الدول الأعضاء ويتخذ القرارات اللازمة للوصول إلى أهداف ومهام المنظمة.
ويجتمع المجلس على مستوى قادة الدول مرة واحدة في السنة على الأقل، وعلى مستوى رؤساء الحكومات ليس أقل من مرتين في السنة.
ويتخذ المجلس المشترك للحكومات قراراته بالتشاور والإجماع وتصبح بعد صدورها ملزمة للتنفيذ في الدول الأعضاء في المنظمة عن طريق إصدار القرارات والقوانين الوطنية اللازمة لتنفيذها.
وفي 28/2/2003 عقد مجلس الحكومات المشترك للدول الأعضاء في المنظمة اجتماعاً له في موسكو على مستوى رؤساء الوزارات لبحث مسائل توحيد القوانين النافذة في الدول الأعضاء في مجال الجمارك والضرائب وتم الاتفاق على إعتبار الخطوات التكاملية التي تمت في إطار رابطة الدول المستقلة من مبادئ توحيد الساحة الاقتصادية لتوحيد النظم الجمركية والضريبية.
ولجنة التكامل وهي الجهاز الدائم للمنظمة وتضم في عضويتها نواب رؤساء حكومات الدول الأعضاء في المنظمة ومهمتها الأساسية توفير إمكانية العمل المشترك لأجهزة المنظمة، وإعداد جدول أعمال اجتماعات مجلس الحكومات المشترك ومشاريع القرارات والوثائق ومتابعة تطبيق قراراته.
وتجتمع اللجنة أربع مرات في السنة على الأقل، وتتخذ قراراتها بأكثرية ثلثي الأعضاء وتوزع أصوات الدول الأعضاء وفق حصصها في تمويل المنظمة، على الشكل التالي: روسيا ولها 40 صوتاً، بيلاروسيا وقازاقستان ولكل منهما 20 صوتاً، قرغيزيا وطاجكستان ولكل منهما 10 أصوات.
ومهمة الأمانة العامة هي توفير المعلومات وتهيئة ظروف العمل لمجلس الحكومات المشترك ولجنة التكامل ويرأسها الأمين العام للمنظمة الذي يعينه المجلس الحكومات المشترك.
وبقرار من رؤساء الدول الخمسة الأعضاء في المنظمة تم في تشرين أول/أكتوبر عام 2001 تعيين غريغوري رابوتا أميناً عاماً، وبدأت الأمانة العامة عملها اعتباراً من تاريخ 1/1/2002 بمديني ألما آتا (قازاقستان)، وموسكو (روسيا).
أما لجنة الممثلين الدائمين لقادة الدول الأعضاء في المنظمة فيتم تعيين أعضائها من قبل رؤساء الدول الأعضاء في المنظمة وتعمل على تسيير عمل المنظمة خلال الفترة الممتدة بين جلسات لجنة التكامل وتعمل على تنسيق الجهود المشتركة بين أجهزة المنظمة والهيئات والأجهزة الحكومية للدول الأعضاء في المنظمة.
أما الهيئة البرلمانية المشتركة فهي إطار للتعاون البرلماني في إطار المنظمة وتعمل على تقريب وتطابق القوانين الوطنية مع الاتفاقيات المبرمة في إطار المنظمة لتحقيق أهدافها. وتتشكل من بين أعضاء برلمانات الدول الأعضاء وتضم (28) عضواً من روسيا، و(14) عضواً من كل من بيلاروسيا وقازاقستان، و(7) من كل من قرغيزيا وطاجكستان، ومقرها بمدينة سانت بيتربورغ (روسيا)
ومحكمة المنظمة تعمل على متابعة تنفيذ الإتفاقيات المعقودة بين الأطراف ومعاهدة تأسيس المنظمة وغيرها من المعاهدات النافذة وقرارات أجهزة المنظمة. وتنظر في الخلافات ذات الطابع الاقتصادي الناشئة بين أعضاء المنظمة من خلال تطبيق قرارات أجهزة المنظمة والاتفاقيات والمعاهدات النافذة فيها وتصدر التفسيرات والشروح اللازمة لها. ومقر المحكمة بمدينة منسك (بيلاروسيا).
كما وتعمل ضمن المنظمة:
رابطة "مجلس رجال أعمال أوروأسيا، التي تأسست في نيسان/أبريل 2002 بمبادرة من الأمانة العامة للمنظمة؛
والمنتدى الاقتصادي الذي إنعقد للمرة الأولى في شباط/فبراير 2003 ويعمل على تنفيذ قرارات المنظمة وخاصة في مجال توحيد عملات الدول الأعضاء في المنظمة قبل عام 2011 وحل المشاكل الجمركية وتأسيس مناطق للتجارة الحرة.
كما وتعمل ضمن المنظمة المجالس واللجان التالية:
· مجلس القيادات الجمركية ويتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· مجلس المسائل الحدودية للدول الأعضاء في المنظمة.
· مجلس وزراء العدل ويتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· مجلس سياسة التصنيع الزراعي ويتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· مجلس سياسة الطاقة ويتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· مجلس قيادات أجهزة التأمين والرقابة وتنظيم أعمال الـتأمين ويتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· مجلس قيادات الأجهزة المسؤولة عن تنظيم أسواق المستندات المالية ويتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· مجلس قيادات البنوك المركزية الوطنية للدول الأعضاء في المنظمة.
· مجلس قيادات الأجهزة الضريبية ويتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· لجنة التعرفات الجمركية وتسوية التعرفات وتتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· لجنة العمل المشترك في مجال التصدير والرقابة وتتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· لجنة حماية الأسواق الداخلية للدول الأعضاء وتتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· لجنة تسوية الأوضاع التكنولوجية، والمقاسات والمعايير، والطب البيطري وإجراءات الوقاية الصحية في التجارة وتتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· مجلس سياسة المواصلات ويتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· مجلس الاعتراف المتبادل بوثائق التعليم والدرجات والألقاب العلمية ومعادلتها ويتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· مجلس السياسة الاجتماعية ويتبع لجنة التكامل في المنظمة.
· مجلس السياسة المالية والاقتصادية للدول الأعضاء في المنظمة.
وعلى ما يبدوا أن أوزبكستان كانت محقة في إنسحابها من عضوية المنظمة، لأنها ليست سوى صورة من صور هيمنة مصالح الأقوى على مصالح الآخرين من أعضاء المنظمة وهو ما أشارت إليه آراء المحللين والخبراء بعد إنقضاء عقد من الزمن على تأسيسها ومن بينها مقالة كتبها أندريه أريشيف ونشرت تحت عنوان "ماذا تنتظر موسكو من حلفائها، إتحاد أوروآسيا التوجهات والأخطار" على صفحات الإنترنيت بتاريخ 28/12/2011 وجاء فيها:
عشرون عاماً مضت منذ إنهيار الإتحاد السوفييتي، وكان الإهتمام بمشاريع التكامل بين الدول السوفييتية السابقة من النتائج المقلقة للتطور في الساحة السوفييتية السابقة.
وفي هذا المجال كانت التصريحات التي أطلقت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عندما وقع رؤساء روسيا، وبيلاروسيا، وقازاقستان، في موسكو على وثيقة إعلان إتحاد أوروآسيا للتكامل الإقتصادي، وإتفاقية تشكيل اللجنة الإقتصادية لأوروآسيا. ومن ضمنها المقالات التي نشرتها صحيفة إزفيستيا عن برنامج فلاديمير بوتين الوزير الأول في الفيدرالية الروسية وشكلت دفعة إضافية للحوار الدائر في هذا المجال.
وبغض النظر عن إختلاف التقييمات ومن ضمنها التقييمات المتشائمة لعدد من الخبراء وبعض قادة الدول الأعضاء بمنظمة رابطة الدول المستقلة، تشكلت البنية التحتية للمنظمة الإقليمية بمضامين محددة وبسرعة. وحصلت اللجنة الإقتصادية لأوروآسيا على شكلها القانوني والحقوقي. وتضمنت خطة تمنحها أكثر من 170 صلاحية وظيفية في مجالات تسوية سياسات التعرفات الجمركية. ومجال تقسيم حصص البلدان الثلاث من الرسوم الجمركية، والمصادقة على المستويات والمقاييس التكنولوجية، ووضع نظم ومقاييس للوقاية الصحية والحيوانية، وتسوية مسائل المواصلات والنقل، والطاقة، وتمويل الصناعة، والزراعة، وتنقل الأيدي العاملة، وسياسة القطع الأجنبي والأسواق المالية.
وأسندت للجنة مهمة التصدي لحل الكثير من المسائل القطاعية التي تنتقل إليها بالتسلسل من الحكومات الوطنية.
وأسندت رئاسة اللجنة الإقتصادية لأوروآسيا لمدة أربع سنوات لوزير التجارة والصناعة في الفيدرالية الروسية فكتور خريستينكو.
ومن المحتمل أن تلبي فاعلية أداء وظائف إتحاد أوروآسيا بالكامل مصالح المشاركين في الإتحاد وغيرهم من الدول التي يمكن أن تنضم إليه لاحقاً. ولكن هنا يمكن أن تبدأ جملة من الحقائق يمكنها تصعيب عمل هذه الجهاز التكاملي وسنتوقف عند بعضها.
أولاً: العمل الإقتصادي المشترك. لأنه حتى الآن غير واضح تماماً ولم يشر لإستخدام عملة مشتركة، ولا لإحداث بنك مركزي لأوروآسيا، ولا لتكامل النظم الضريبية للدول الأعضاء. وعدم حل هذه المسائل يعتبر من أسباب الأزمة الحالية لإتحاد أوروآسيا. ولم يزل موضوع كيف يمكن أن تعمل هذه المنظمة الجديدة بدون عملة موحدة على أراضي الدول الأعضاء بمنظمة إتحاد أوروآسيا غير مفهوم، وعلى سبيل المثال إستخدام الدولار الأمريكي مثلاً كإحتياط للعملات الصعبة. والأهم تأخر إعداد إستراتيجية موحدة في مجال الطاقة في الوقت الذي يجري فيه تطبيق إتفاقيات ثنائية في هذا المجال.
ثانياً: الخلفية التاريخية. لأن فكرة تكامل الجمهوريات السوفييتية السابقة كما هو معروف طرحت للمرة الأولى من قبل الرئيس القازاقستاني نور سلطان نازارباييف في مايو/أيار عام 1994 أثناء كلمته التي ألقاها في المعهد الملكي البريطاني لمشاكل العلاقات الدولية "Chatham House".
وعلى مايبدوا أنهم في قازاقستان وفي روسيا لم ينسوا حتى الآن أهمية هذه الفكرة. ولكن الذي حدث خلال تسعينات القرن الماضي الإشارة للغزو الأيديولوجي الغربي للساحة السوفييتية السابقة، ومن الصعب في هذه الحالة تصور مشروع أوروآسيا أنه لن يكون موقعاً تفصيلياً للجغرافية السياسية أو غيرها. وفي هذا المجال تكفي الإشارة إلى أنه خلال تسعينات القرن الماضي أحدثت حتى في قازاقستان نفسها عدة صناديق بمشاركة مواطنين من بريطانيا حملت تسميات مثل: أوروآسيا.
ومن الصعب تصور الأحداث الأخيرة دون الإهتمام بتعيين رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير مؤخراً مستشاراً للرئيس القازاقستاني للشؤون الإقتصادية، وهو الذي تعرف على نور سلطان نازارباييف في عام 2000، وشغل حتى الآونة الأخيرة مثل هذا المنصب عند القائد الليبي الراحل معمر القذافي.
ولابد من الإشارة إلى غرابة ظهور توني بلير في قازاقستان مع خبراته الليبية الغنية، وتصادف هذا التعيين مع تصاعد النشاط الإرهابي في العديد من المناطق القازاقستانية، وحتى أن بعض المراقبين بدأوا بالبحث عن ملامح التشابه بين البلدين، وفي بعض الحالات كانوا يجدون مثل هذا التشابه.
وهنا لا بد من الإشارة إلى حالة الفوضى التي بدأت 16/12/2011 في جاناوزين غرب قازاقستان، وتعتبر مثالاً آخر على عدم الإستقرار في النظام الإجتماعي والسياسي والإجتماعي والإقتصادي في قازاقستان التي تشترك بحدود جغرافية طويلة مع روسيا. وفي حال تصاعد التهديدات الإرهابية العابرة للحدود سيكون من الصعب تعزيز إتحاد أوروآسيا كساحة لتنقل البشر ورؤوس الأموال بحرية، ويصعب التفاهم حول مسائل توفير الأمن القومي لأعضاء إتحاد أوروآسيا.
ثالثاً: أيديولوجية إتحاد أوروآسيا المعلنة تتفق بالكامل مع مبادئ منظمة التجارة العالمية، وتعتبر في نفس الوقت شكلاً من أشكال الإنتقال إلى أوروبا الكبرى، (من لشبونة في البرتغال إلى فلادي فاستوك في الفيدرالية الروسية). وهذا يعني أن إتحاد أوروآسيا سيبنى على مبادئ التكامل الشامل كجزء لا يتجزأ من أوروبا الكبرى، التي تفرض توحيد قيم الحرية، والديمقراطية، وقوانين السوق.
ونفهم من مقالات فلاديمير بوتين الوزير الأول في الفيدرالية الروسية أن: "الدخول في إتحاد أوروآسيا، إلى جانب الفوائد الإقتصادية المباشرة، يسمح لكل دولة بالمشاركة فيه بسرعة وبمواقف قوية أكثر للتكامل مع أوروبا". لتبرز معها عدة أسئلة وهي:
1. مثل هذا الهدف على خلفية إتساع المشاكل الإقتصادية في الإتحاد الأوروبي يمكن أن يكون غير ممكن التحقيق على الأقل على مدى الآفاق المتوسطة؛
2. وإذا كان الهدف النهائي هو الإنضمام لأوروبا، فيعني هذا أن المهمة تفرض مبدئياً التكامل مع روسيا، وعندها فقط يمكن إجراء حوار مباشر مع بروكسيل؛
3. وأن العمل المشترك الوثيق بين إتحاد أوروآسيا والإتحاد الأوروبي يجري مع دول أعضاء بحلف الناتو، ويمكن أن يؤدي مع الوقت إلى تفاقم المنافسات الجغرافية السياسية مع الصين، وعلى ما يبدوا أن المستفيدة منها هي روسيا.
وخلال اللقاء الذي جرى مع الصحفيين والخبراء في البلدان التي تتابع موضوع الإتحاد الجديد، وجه أحد الصحفيين سؤالاً: ألا يعتبر مشروع إتحاد أوروآسيا غربي معادي للصين ؟
وكانت الإجابة مباشرة وأنه ستتم مواجهة المشروع الذي كان معادياً للصين على الساحة السوفييتية السابقة، لأن عدم مواجهة ذلك المشروع سيؤثر سلبياً على آليات العمل القائمة للتعاون وخاصة في مجال الأمن ضمن منظمة شنغهاي للتعاون. وبالإضافة لذلك لا تلقى الأفكار المعادية للصين أي قبول من قبل المشاركين في هذا الإتحاد، وحتى أن الصين نفسها لها موقفها الخاصة من الساحة السوفييتية السابقة.
ونعتقد أن الأساس التوحيدي لهذا المشروع الكبير يبدأ من البراغماتية الإقتصادية للدول الأعضاء. حيث أشار الخبراء إلى أنه خلال سنوات الدولة الإتحادية التي جمعت كلاً من روسيا وبيلوروسيا، لم يتم تشكل نظرة عامة لقيم الإتحاد وأسسه. ومع ذلك يعتبر الإتحاد عاملاً رئيسياً يحدد قدرته على الحياة، ويحدد آفاقه المستقبلية نحو إتحاد تكاملي، وإتحاد جمركي، وساحة إقتصادية موحدة لإتحاد أوروآسيا.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الوثائق السياسية والتكنولوجية الصادرة عن القمة هي وثائق عامودية جاءت من الأعلى إلى الأسفل ومثلت طبيعة الإتحاد الجديد، الذي لم يعزز المبادرات الإجتماعية، رغم أن الرئيس نور سلطان نازارباييف إشار إلى أنه "يمكن إقامة إتحاد أوروآسيا فقط على أساس الدعم الإجتماعي الواسع" ومع ذلك نرى أنه في تاريخ جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق سجلت حالة واحدة فقط للمبارة الشعبية الواسعة، وهي التي وجهت لتحقيق مشروع تكاملي فريد. عندما ساندت المبادرة الشعبية في روسيا، وبيلاروسيا، وأرمينيا، قبل أكثر من 10 سنوات مبادرة تكاملية جدية جداً جاءت من "الأسفل" من الساحة السوفييتة السابقة، وحصلت على دعم المواطنين العاديين والمفكرين وهو ما يثبت معني توقيع 1 مليون مواطن أرمني لدعم الإستفتاء على الإنضمام لإتحاد روسيا وبيلاروسيا الذي جمعهم قبل 14 عاماً. رغم أن التركيز في المبادرة جرى من خلال التقارب الديني للشعوب، وليس على المضامين المادية، التي أخذت مكاناً لها في عمليات التكامل عل الساحة السوفييتية السابقة.
رابعاً: المخاطرات السياسية. وترتبط بحركة التطور الداخلي في روسيا وحلفائها، وتؤثر جدياً على العوامل الخارجية. وهنا لابد من الإشارة إلى غياب الدعم الإجتماعي الواسع لمبادرات التكامل، وأنها تستند بالكامل على البيروقراطية وعلى "البراغماتية الإقتصادية" (القمه وكما هو معروف غير مقبولة ولا تتفق مع البحث عن القيم العامة وأسس التصورات العامة) وهي غير قادرة على التأثير سلباً على تحقيق مشاريع التكامل الكبيرة في الساحة السوفييتية السابقة. أو في أسوأ الحالات وبشكل نهائي تلغيها ويحدث هذا على سبيل المثال في حال إذا أيقن سكان روسيا، وبيلاروسيا، وقازاقستان، من أن إتحاد أوروآسيا بالكامل سيؤدي إلى زيادة الأسعار، وزيادة التعرفات ويمكن أن تؤدي مستقبلاً لتدهور الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية. ومثل هذه الحركة أكثر من متوقعة في حال إستمرار تطبيق النموذج الليبرالي لإصلاحات السوق، وبناء امتيازات رأس المال المسيطر، الذي سيؤدي رفضه قبل كل شيء إلى نتائج غير متوقعة.
والإنضمام إلى منظمة التجارة العالمية وهي ليست أكثر من آلية للعمل يعني نمو التعرفات على الكثير من البضائع والخدمات، ومن ضمنها الأساسية، وبالتالي زيادة تبعية الشركاء في الإتحاد لروسيا في الإستيرد. مشيرين في النهاية إلى أن الأحداث التي رافقت الإنتخابات في بريدنيستروف وجنوب أوسيتيا وضعت مهمة التقارب مع موسكو مستقبلاً موضع تساؤل، لأن منسك وآستنا وحتى إقامة الأجهزة فوق القومية في الإقتصاد، وفي السياسية، شككتا بإمكانية تجاوز تلك المسائل عن طريق الوثائق، وخاصة إذا كان الحديث يدور عن إتحاد حقيقي لأن حلها مستقبلاً سيكون أكثر صعوبة.
وعقدت قمة الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي الجمعة 10/10/2014
في مينسك للمرة الاولى منذ إنشائه في مايو الماضي، بعيد اجتماع لقادة الدول
الاعضاء في رابطة الدول المستقلة لم يشارك فيه الرئيس الأوكراني بترو بوروشنكو.
وخلال
القمة صوت اعضاء الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي على انهاء نشاطات المجموعة
الاقتصادية الأوروآسيوية التي كانت تضم ستاً من الجمهوريات السوفياتية السابقة الـ15،
هي بيلاروس وقازاقستان وقرغيزستان وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق