السبت، 6 أبريل 2013

شهادة أم إسرائيلية ثكلى


تحت عنوان "شهادة أم إسرائيلية ثكلى، أمام البرلمان الأوروبي" نشرت الصفحة الإلكترونية "ديوان أصدقاء المغرب" يوم 6/4/2013 نص كلمة نوريت بيليد الحينان وهي أم إسرائيلية ثكلى استضافها البرلمان الاوروبي في يوم المرأة العالمي لتحكي قصتها، وقد تكون قصة الزيف الديمقراطي للعالم الغربي وما فعله بإسم العالم المستنير من تصدير الإرهاب للمسلمين وللعالم برمته. من إعداد: تغريد سعادة صحفية ومخرجة فلسطينية.
د. نوريت بيليد إلحينان، هي أم سمادار، 13 عاماً، التي قتلت في هجوم عملية استشهادية في القدس في أيلول/سبتمبر 1997. وهي أستاذة اللغات والتعليم في الجامعة العبرية، وهي داعية سلام بامتياز لم تتغير حتى بعد مقتل ابنتها الوحيدة سمادار، وشقيقها ميكو داعية سلام مثلها. حصلت في عام 2001 على جائزة سخاروف لحرية الفكر والتي يمنحها البرلمان الاوروبي للأشخاص والمؤسسات الذين كرسوا حياتهم دفاعا عن حقوق الانسان وحرية الفكر. اثار كتابها "فلسطين في الكتب المدرسية الإسرائيلية: الأيديولوجية والبروباغندا في التعليم" جدلاً كبيراً في إسرائيل.
وفيما يلي نص كلمة نوريت في اليوم العالمي للمرأة في ستراسبورغ الشهر الماضي.
أشكركم على دعوتي في هذا اليوم. ودائما يشرفني ويسعدني أن أكون هنا بينكم (في البرلمان الأوروبي).


ومع ذلك، يجب أن أعترف أنه كان ينبغي أن تُدعى إمرأة فلسطينية بدلا مني، لأن معظم النساء اللواتي يعانين من العنف في بلادي هن نساء فلسطين. وأود أن أهدي خطابي لمريم وزوجها كمال، من بيت لاهيا في قطاع غزة، اللذين فقدا خمسة أطفال صغار قتلوا على يد الجنود الاسرائيليين بينما كانوا يقطفون الفراولة في حقل الأسرة. وليس ثمة من احد من تصدر لأية محاكمة لجريمة القتل هذه.
وعندما سألت الجهة التي دعتني اليوم إلى هنا لماذا لم يوجهوا دعوة لإمرأة فلسطينية ؟ كان الجوابأن ذلك من شأنه أن يثير جدلاً محلياً !
أنا لا أعرف ما هو العنف الغير محلي. قد تكون العنصرية والتمييز من المفاهيم النظرية والظواهر العالمية ولكن لها تأثيرها دائما محليا، والألم الحقيقي. هو ألم محلي، وإذلال ، واعتداء جنسي، وتعذيب وموت، وكلها داخلية جدا، وكذلك هي ندوب للحقيقة، للأسف، أن العنف المحلي الذي لحق بالمرأة الفلسطينية من قبل الحكومة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي، قد امتد الى جميع أنحاء العالم. في الحقيقة، عنف الدولة وعنف الجيش والعنف الفردي والجماعي حجمه كبير على النساء المسلمات اليوم، وهذا العنف ليس فقط في فلسطين ولكن حيثما يتواجد موطئ قدم للعالم الغربي "المستنير" وأفكاره الإستعمارية ! إن العنف الذي من الصعب أن يتم تداولة أو أن يتغاضى عنه معظم الناس في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ! وذلك بسبب ما يسمى "العالم الحر" الذي يخاف من المسلمين. فرنسا العظيمة حاملة شعار "المساواة بين الحرية والاخاء" تخشى من الفتيات الصغيرات اللاتي يرتدين الحجاب.
وإسرائيل اليهودية العظيمة تخاف من رحم المسلمات الذي اعتبره وزرائها تهديد ديموغرافي ! أمريكا القادرة على كل شيء، وبريطانيا العظمى، صدروا لمواطنيهم الخوف الأعمى من المسلمين، كما صوروهم بالصعاليك، والجهلة والمتعطشين للدماء، إضافة لكونهم غير ديمقراطيين، ووصفوهم بالشوفينيين ومنتجي "الإرهابيين" في المستقبل. وهذا على الرغم من حقيقة أن الذين يدمرون العالم اليوم ليسوا مسلمين ! فأحدهم مسيحي متدين، والآخر أنجليكاني، والآخر يهودي غير متدين. لم يجربوا أبداً المعاناة القاسية للمرأة الفلسطينية في كل يوم، وفي كل ساعة ! أنا لا أعرف ما هو نوع العنف الذي يحول حياة المرأة إلى جحيم مستمر ! هذا التعذيب النفسي اليومي والذهني للمرأة المحرومة من حقوقها الإنسانية الأساسية، واحتياجاتها الخاصة ومن الكرامة، هؤلاء النسوة اللاتي تُقتحم منازلهن في أي لحظة في الليل والنهار، اللاتي يصطففن في طوابير تحت تهديد السلاح ويُجبرن على خلع ملابسهن أمام الغرباء وأمام أطفالهن، واللاتي هُدمت منازلهن، واللاتي يُحرمن من كسب عيشهم أو من الحياة الأسرية العادية... !
وهذا ليس جزءاً من محنتي الشخصية. ولكنني ضحية العنف ضد المرأة من حيث أن العنف ضد الأطفال هو في الواقع عنف ضد الأمهات. إن نساء فلسطين والعراق وأفغانستان هن أخزاتي لأننا جميعاً في قبضة المجرمين عديمي الضمير الذين يسمون أنفسهم "قادة العالم الحر المستنير" وبغسم "الحرية والتنوير" يحرموننا أطفالنا !
وعلاوة على ذلك، فان الامهات في إسرائيل واميركا وايطاليا وبريطانيا وعلى نحو كبير هن في معظمهن مصاببن بالعمى ومعرضات لغسيل الدماغ لدرجة أنهن لا يدركن أن أخواتهن فقط، وحلفائهن الوحيدات في العالم هن الامهات المسلمات في والعراق فلسطين وأفغانستان، اللاتي قُتل أطفالهن بواسطة أبنائنا أو فجروا أنفسهم أشلاء ! مع أبنائنا وبناتنا ! كلهم جميعا أصيبت عقولهم بفيروس واحد ولد من قبل السياسيين وهذا الفيروس، على الرغم من انه قد يكون لديه أسماء مختلفة لامعة مثل الديمقراطية، والوطنية، والله، والوطن، وهي كلها واحدة.جميعها جزء من وهم وزيف الأيديولوجيات التي تهدف إلى إثراء الأغنياء وتمكين قوة الأقوياء.
نحن جميعا ضحايا العنف العقلي والنفسي والثقافي الذي بدوره تحول إلى مجموعة واحدة من الأمهات الثكلى أو أمهات ثكلى في المستقبل ! الأمهات في الغرب اللاتي تعلمن أن ارحامهن هي شيئ وطني ثمين مثلما تم تعليمهن بأن ارحام المسلمات هو تهديد عالمي ! وتعلمن أن لا يصرخن "انني أنجب ولدا، وارضعته، انه لي، ولن ادعه ليكون واحدا من الذين هم أرخض من النفط، ومن الذين لهم مستقبل أقل قيمة من قطعة الارض".
كل واحدة منا تهاب من عدوى التعليم العقلي الذي جعلها تعتقد بأن كل ما يمكننا عمله هو إما الصلاة لأبنائنا بالعودة إلى المنزل أو نفخر بجثثهم... !
وكلنا تربينا لتحمل ذلك صامتين، لاحتواء خوفنا واحباطنا، ولكن لم نُحيي الأم الشجاعة علناً. لم نكن أمهات يهوديات أو إيطاليات أو إيرلنديات حقيقيات.
أنا ضحية عنف الدولة. لقد انتهكت حقوقي الطبيعية والمدنية كأم لأنه وجب علي الخوف في اليوم الذي يبلغ عمر إبني فيه الثامنة عشرة ويؤخذ بعيدا عني ليُستخدم كأداة للعبة المجرمين امثال شارون، وبوش، وبلير وجماعتهم من المتعطشين للدماء وللنفط والجنرالات العطشى للأرض... !
في العالم الذي نعيش فيه، وفي البلد الذي أعيش فيه، وفي النظام الذي أعيش فيه، لا أجرؤ على تقديم أية أفكار للنساء المسلمات حول كيفية تغيير حياتهم. أنا لا أريد منهن خلع الحجاب، أو تعليم أبنائهن بشكل مختلف، ولن أحثهن على الديمقراطية الغربية التي تزدرئ منهن ومن أمثالهن ! فقط أريد أن أطلب منهن وبكل تواضع أن يكن أخواتي، للتعبير عن إعجابي في مثابرتهن وعلى شجاعتهن على الإستمرار في عملهن، وفي إنجاب الأطفال والمحافظة على الحياة الأسرية الكريمة على الرغم من الشروط التعجيزية التي يضعها عالمي عليهن. أريد أن أقول لهن أننا معاً مستعبدين من قبل الألم نفسه، ونحن جميعاً ضحايا نفس النوع من العنف على الرغم من أنهن يعانين أكثر بكثير، هن اللاتي يتعرضن لسوء المعاملة من قبل حكومتي وجيشها المدعومة من الضرائب التي أدفعها !
الإسلام في حد ذاته، مثل اليهودية والمسيحية، لا يشكل تهديدا بالنسبة لي أو لأي شخص. الإمبريالية الأمريكية هي ذلك، واللامبالاة الأوروبية تجعلها شريكا كذلك، والعنصرية الإسرائيلية ونظامها الوحشي الاحتلالي هو كذلك ! إنها عنصرية الدعاية التعليمية وكره الاخر التي أقنعت الجنود الإسرائيليين أن تأمر النساء الفلسطينيات بقوة السلاح لتجريدهم من ملابسهن أمام أطفالهم "لأسباب أمنية"، هو عدم الإحترام الذي سمح للجنود الأمريكيين لإغتصاب المرأة العراقية، والذي أعطي ترخيصا للسجان الإسرائيلي لإبقاء فتيات صغيرات في ظروف لا إنسانية، وبدون مساعدات صحية، وبدون كهرباء في فصل الشتاء، وبدون مياه نظيفة أو فراش نظيف وفصلهن عن اطفالهن الرضع والصغار! ومنع طريقهن إلى المستشفيات، ومنع طريقهن إلى التعلم، ومصادرة أراضيهن، وإقتلاع أشجارهن ومنعهن من زراعة حقولهن... !
لا أستطيع أن أفهم تماما المرأة الفلسطينية أو معاناتها. أنا لا اعلم كيف أنجو من هذا الإذلال، وعدم الاحترام من العالم كله. كل ما أعرفه هو صوت الأمهات الذي اختنق لفترة طويلة جدا في هذا الكوكب المنكوب بالحرب ! لا يسمع صرخة الأمهات لأنهن لم تتم دعوتهن إلى المحافل الدولية مثل هذا. هذا ما اعلمه ، وهو قليل جدا. لكن يكفي بالنسبة لي أن أتذكر أن هؤلاء النسوة هن أخواتي، ولذلك هن يستحقن مني أن اصرخ لأجلهن، وأن أقاتل من أجلهن. وعندما يفقدن أطفالهن في حقول الفراولة أو على الطرق القذرة من قبل نقاط التفتيش، عندما يطلق النار على أطفالهن وهم في طريقهم إلى المدرسة من قبل الأطفال الإسرائيليين الذين تلقوا تعليمهم وأمنوا بأن المحبة والرحمة هي فقط للعرق والدين، فإن الشيء الوحيد الذي يمكنني القيام به هو الوقوف إلى جانبهن والى جانب أطفالهن الذين خناهم، ونسأل آنا أخماتوفا*- وهي أم أخرى عاشت في نظام العنف ضد النساء والأطفال والسؤال:
لماذا هذا الشريط من الدماء، والذي قطع البتلة من على خدك؟
* آنا أخماتوفا شاعرة روسية، ومن أشهر الشعراء الروس في القرن العشرين، وشعرها عبر عن مواقفها السياسية المعارضة للثورة البلشفية.

هناك تعليق واحد: