تحت عنوان "أميركا والمراهنة
الخاسرة على الزمن" نشرت جريدة الوطن العمانية في عددها الصادر يوم
11/5/2013 في زاوية رأي الوطن مقالة تستحق المطالعة والتفكير والتأمل بالأبعاد
الحقيقية للمواقف من الصراع الدائر على الأرض السورية، وجاء فيها: إن الحقيقة
المؤكدة التي لا يمكن القفز عليها أو سترها، هي أن تدمير سوريا وتفتيتها إلى
كيانات متناحرة، واخراجها من معادلة الصراع العربي – الصهيوني التي تَمَكَّن
الصهاينة بحلفائهم وأدواتهم وعملائهم عبر "ربيعهم" من شطبها والإتيان
بمعادلة الصراع السني – الشيعي بديلاً لها، وشطب سورية من أي حسابات في المنطقة،
أضحى كل ذلك هدفاً لا تخطئه عين، بل مشروعاً استراتيجياً واضحاً في أجندة
المتدخلين في الشأن السوري، الذين لا يزالون يراهنون على عامل الوقت في أن تتمكن
أدواتهم وعملاؤهم على الأرض من تغيير المجريات لصالحهم.
ومن يتابع تصريحات مسؤولي الإدارة
الأميركية حول الأزمة السورية وخصوصاً في الآوان الأخير يجد أن ظاهره يميل إلى تغليب الحل السياسي
وبرفض العمل العسكري المباشر وتأجيج العنف، في حين أن باطنها وطبيعة اللقاءآت التي
تتم بين مسؤولين أميركيين وبين أطراف من المعارضة السورية المسلحة أو بين مسؤولي
دول داعمة للعنف والإرهاب، يخفي إصراراً على مواصلة العنف وإسقاط الدولة السورية،
ولذلك فإن ما تتميز به هذه التصريحات وبصورة دائمة الشيء ونقيضه، ويمكن تفسير هذا
الاتجاه (الشيء ونقيضه) بأن الأمريكيين مدفوعين بضغوط صهيونية وضغوط عربية
وإقليمية بالتبعية، يلعبون على عامل الزمن وضرورة مطه إلى أقصى حد، من خلال لقاء
هنا ومؤتمر صحفي هناك، وتأكيد للحل السياسي هنا، ورفضه هناك، وفبركة اتهامات
وأكاذيب وإلصاقها بالحكومة السورية من هنا، ونفي هذه الاتهامات والأكاذيب أو
التشكيك فيها من هناك، ويترافق مع كل هذه المداولات والمداورات استمرار تدفق
السلاح إلى الداخل السوري وعمليات التجنيد والتدريب للمرتزقة والتكفيريين
والإرهابيين وتشجيعهم على القتل والعنف والتدمير، ولا بأس أن يقوم كيان الإرهاب
الصهيوني بنشر شيء من إرهابه على أرض سوريا لرفع معنويات أدواته وعملائه على الأرض
مثلما حصل مؤخراً في جمرايا بريف دمشق، لعل متغيراً يحصل على الأرض يميل لصالح
معسكر التدمير، يُمكِّنهم فيما بعد من فرض شروطهم.
لقد بان هذا التناقض الذي لا يمكن وصفه
إلا بالنفاق في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي أعلن في
موسكو في المؤتمر الصحفي مع نظيره الروسي سيرجي لافروف أن واشنطن وموسكو
اتفتا على الحل السياسي وفق اتفاق جينيف، ليفاجئ كيري الجميع من روما بأن
الرئيس بشار الأسد لن يكون مشاركاً في حكومة انتقالية. التناقض ذاته بدا
على تصريحات وزير الدفاع الأميركي تشاك هيجل الذي قال كلمة له بواشنطن إن
الحلول الأكثر فعالية واستمرارية للنزاعات التي تواجهها المنطقة هي سياسية وليست
عسكرية، مناقضاً تصريحه بقوله إن دور الولايات المتحدة في هذا الإطار هو المساعدة
على التأثير في مجرى التطورات إن بالوسائل الدبلوماسية وإن العسكرية
"بالتنسيق مع حلفائنا"، معتبراً هيجل أن سوريا ومعها إيران
تشكلان تحدياً في المنطقة للولايات المتحدة وحلفائها، ما يستوجب "الرد على
هذه التحديات المشتركة بقوة تحالفات المصالح المشتركة التي تضم
"إسرائيل" وحلفاء أميركا في المنطقة". ومعنى ذلك أن العسكرة قائمة،
وليس بالضرورة أن تكون أميركية مباشرة، بل يمكن أن يقوم بها حلفاء الولايات
المتحدة، على أن تدعم هي عملية التدخل والعسكرة من الخلف.
واضح أن هناك رغبة صهيونية – أميركية
حقيقية لتمزيق سوريا، لكن ما يمنع تحقق هذه الرغبة إلى الآن، هو ذلك الصمود الوطني
الذي يبديه الشعب السوري والجيش العربي السوري ومن ورائهم الحكومة السورية، وكذلك
قوة الموقف الروسي والصيني الرافض للتدخل العسكري في سوريا، بالإضافة إلى تماسك
خطوط المقاومة التي أخذت المشاريع التدميرية الغربية تزيدها صلابة وقوة، حيث تشكل
هذه العوامل مجتمعة جدراناً حصينة لصد مؤامرات قوى الاستعمار القديم الجديد
وأذنابها، وتمثل فرصة لكسر عمودها الفقري في المنطقة والمتمثل في كيان الاحتلال
الصهيوني، لذلك على الولايات المتحدة أن تكون صادقة ومتصالحة مع نفسها وأن لا ترضخ
لضغوط حلفائها وأتباعها، وإذا كانت حريصة على أمنهم فعليها أن تحميهم أولاً من
طيشهم وجنونهم اللذين سيدمرانهم ، والتسليم بالحقيقة وهي أن الوقت لم يعد لصالحهم،
وأن الوقت للحل السياسي ولا غيره.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق