تحت
عنوان "في رحيل الفنان حيدر يازجي... بيـن
جداريتــه الملحميـة ورومانســية لوحتــه الواقعيـة" نشرت صحيفة الثورة الصادرة
في دمشق يوم الأحد 12/10/2014 في صفحته الثقافية مقالة كتبها الزميل: أديب مخزوم، ذكر فيها:
الفنان
التشكيلي حيدر يازجي
حين
تلقيت نبأ رحيل الفنان التشكيلي حيدر
يازجي رئيس
اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين، في 9/10/2014 بدأت بالبحث في متاهات أرشيفي الورقي،
عن صور لوحاته ومقاطع جداريته البانورامية الملحمية، لإيجاد فسحة جديدة في خطوات
الكتابة عن عوالمه الخطية واللونية.
وفي عودة
الى مرحلة بداياته (من مواليد 1946) نقول: إنه من الرعيل القادم من المحترف الفني
الروسي، ويعتبر أحد البارزين في مجال الرسم الأكاديمي والواقعي، أي أنه فنان الشكل
المنظور بالعين، إلا أن إيماءات الحركة الذاتية كانت تحرك، في احيان كثيرة، لمساته
اللونية الرقيقة، التي يمكن من خلالها متابعة تطور لمسته اللونية، باتجاه الرسم
الرومانسي والانطباعي في بعض لوحاته، فقد كان يسجل بعفوية هادئة وبلمسات واثقة عصب
الظل والنور، ويستعيد حيوية التأليف المتوازن والمدروس في إيقاعات الوجوه وحركة
الأجساد النسائية التي توحي بالأناقة وبأبهة أزياء أيام زمان.
ولأنه
كان يشعر دائماً بحاجة ماسة إلى انتماء لصياغة واقعية فيها قدر من العفوية، رغم كل
الانضباط والدقة التفصيلية التي كنا نجدها في لوحات أخرى له مفرطة في واقعيتها،
وأحياناً في كلاسيكيتها.
لوحة للفنان
التشكيلي حيدر يازجي
بانوراما
تشرينية
وكان
يبدو راغباً في ممارسته الفنية التملص من اللوحة التسجيلية، والوصول إلى لوحة
واقعية حديثة، تبرز في أحيان كثيرة تعاطفه مع الأحداث الوطنية والقومية، وفي هذا
النطاق يظهر كفنان ملتزم عالج بلوحاته أكثر من ملحمة عسكرية، وقد ترسخ التزامه
بشكل خاص عبر معطيات لوحته الجدارية الضخمة، المعروضة بشكل دائم في المتحف الحربي
بدمشق، وفي هذه الجدارية يسجل وبصورة بانورامية ملاحم البطولة في حرب تشرين
التحريرية، وهي (على حد قول الفنان الراحل غازي
الخالدي) أهم
لوحة رسمت عن حرب تشرين، لأنها تمثل كل أبعاد المعركة منذ بدايتها ومروراً،
بأحداثها وأهم إنجازاتها.
ولابد
قبل الدخول إلى عالم لوحاته من الوقوف عند تجربته في مجال الرسوم المتحركة، التي
اختص بها خلال دراسته الاكاديمية، لا سيما وأن فن الكرتون موهبة لا يجيده إلا
القلائل، لأنه يتطلب مرونة خطية ومهارة تلقائية في الرسم والتلوين معاً للوصول إلى
التأثيرات البصرية القريبة من عواطف وأحلام الطفل، عبر توضيح بانورامي يثير
انتباهه ويبعث أحلام القصة أو الحكاية.
تنقلات
تقنية
وعلى
صعيد صياغة اللوحة الفنية، ظهر الفنان الراحل في مراحل سابقة، متنقلاً بين معطيات
الواقعية الجديدة والتجريدية اللونية. وأعماله التجريدية كانت بمثابة إجابة صريحة
لحاجته في العودة إلى ذاته، إلى اختباره الفني الذي يقربه من العصر. حيث كان يعيد
أحياناً صياغة مشاهد الواقع المرئي في منظور وهاجس لوني تجريدي عبر مزاولة الصياغة
اللونية السريعة والتأليف الفني. كأن لا حدود نهائية لكل تجربة فنية سابقة خاضها،
فهو في محطاته التجريدية، كان يعاود رسم تلك التموجات الحاملة عفوية وتر ونغم
اللون الذي يختصر بدوره تقاسيم المفردات التشكيلية نحو تكوين لوني عفوي وعاطفي.
ورغم هذا
التعاطف مع الفنون التجريدية، كان ولا يعود إلى دراسة الواقع، كونه فنان واقعي في
الاساس، فلوحاته الواقعية التي قدمها في بعض المعارض الجماعية، أكدت رغبته في
متابعة طريقته الفنية التي بدأها في المحترف الأكاديمي الروسي، حين كان يتأمل
الموديل بوعي شديد ثم يسقطه على قماش اللوحة اوعلى الورق وهو مصبوغ بألوان روحه
التائقة نحو الجمال النفسي، وبذلك تحول الموضوع في العديد من لوحاته الى واقعية
جديدة متملصة من قشورها الخارجية نحو مسار داخلي مختلف يعبر عن الأحاسيس والمشاعر،
مثلما يعبر عن الإشارات الخارجية للموضوع.
عشق
مزمن للبورتريه
أكاديميته
وواقعيتة إذاً انسحبت من تسجيليتها الباردة، في اكثرية لوحاته عبر لمسات رومانسية
مشحونة بمشاعره الداخلية، مما منح «بورتريهاته» بشكل خاص حركة حية مقروءة في وجوه
نساء وفتيات وأطفال متميزات بنظرة لا نهائية غارقة في الفراغ والصمت، وقادرة على
اثارة التساؤلات عبر، تعابير عيونها، ورقة ملامحها الساكنة ووضعية أياديها
المتعبة.
لوحة للفنان
التشكيلي حيدر يازجي
وقوة
اللمسة الواقعية التي ظهرت في رسومات بداياته، أهلته فيما بعد للحصول على شهادة
دكتوراه فلسفة في العلوم الفنية باختصاص أفلام الرسوم المتحركة عام 1981 عبر
أطروحته الحركة في الأفلام المرسومة، ورغم كل ما يمكن أن نذكره من تلقائية في
لوحاته التجريدية، ورومانسية في بعض أعماله الكلاسيكية والواقعية، نستطيع القول:
إنه كان في مراحل سابقة يرسم أحياناً بدقة فوتوغرافية، حتى أنه حين عرض منذ سنوات
طويلة لوحتان في صالة الشعب، وضع تحت كل منهما عبارة (اللوحة الأصلية) لدقتهما
المتناهية، تلك الأعمال كانت تذكرنا بالمصور الفرنسي «دافيد» الذي كان ينصح طلابه بالابتعاد عن العاطفة أثناء الرسم، لأن
العاطفة تؤثر على الدقة في الرسم، وتلك المرحلة التي قدم فيها أعمالاً مفرطة
بواقعيتها (واقعية فوتوغرافية) شكلت امتداداً لفن «البوب آرت» أو الفن الجماهيري.
facebook.com/adib.makhzoum
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق