تحت عنوان "شراع: باسم “إسرائيل”
وبقائها تدمر دول العرب" كتب خميس التوبي على صفحات جريدة الوطن
العمانية يوم 21/9/2015 تعليقاً جاء فيه:
بين صمت تغفو عليه أجساد على مضاجع الألم
والحسرة، وبين نعيق ونحيب ونباح تصحو على وقعه مطامع الاستعمار قديمه وجديده، تلعب
فيها الرجعية والإرهاب والتكفير والصهيونية دورًا كبيرًا في تحقيقها، وبين البينين
يواصل كيان الاحتلال الإسرائيلي بناء مستعمرته الكبرى وتحقيق أحلامه التلمودية،
ليمد ناظرَيْه من النيل إلى الفرات.
هذا الواقع لم يحصل من قبل، وما كان له أن
يحصل، لولا “الحريق العربي” الذي أُعِدَّ وخُطِّطَ له بعناية فائقة في مطابخ استخبارات
الاستعمار القديم ـ الجديد، والذي تمثل عموده الفقري قوى الرجعية والإرهاب
والتكفير التي تربت وترعرعت في كنف الاستعمار ردحًا من الزمن، لتنسل خلسة في
بدايات “الحريق العربي” فتتسيد مشهده بالكامل على النحو الماثل أمام الجميع.
ومن ينظر إلى صور المشهد العربي في سوريا
والعراق وليبيا وغيرها، يظن أنها نتيجة طبيعية لأسباب داخلية تتعلق بالوضع الداخلي
الناشئ عن التجاذبات السياسية أو جراء المواجهة الشرسة بين قوات الأمن وعصابات
الإرهاب. لكن الحقيقة غير ذلك، فالصور المرسلة للرأي العام العالمي يسعى الواقفون
خلفها إلى بث عناوين وتحولات بصورة قسرية عبر أنساق حاقدة من الإعلام الخادع بهدف
الإمعان في تشويه الصورة؛ لإعطاء نوع من التوازنات ما بين الجريمة بأصلها وطريقة
التعبير عنها، ومسارات التضليل والانحراف التي تسلكها عناصر الجريمة الإرهابية
المنظمة.
إن الصور المسموح بنشرها وفق مقتضيات الحال
وما يتناسب مع الأهداف، لأولئك اللاجئين من الشعب السوري، هي في الواقع صور مكررة
ومستنسخة لما سبقها من صور التآمر بحق الشعب الفلسطيني منذ النكبة وما تلاها من
أحداث، وعند مقارنة هذه الصور ببعضها يتسنى للرائي الحذق والموضوعي والعقلاني أن يكتشف
أنها ـ وإن كثرت وتعددت فيها الوجوه العربية بين الفلسطينية والسورية والعراقية
والليبية وغيرها، وإن تعدد أيضًا مطلقوها وكثروا ـ تخدم طرفًا أصيلًا في المؤامرة،
وهو كيان الاحتلال الإسرائيلي وحلفاؤه الاستراتيجيون، والذي كان قبل تفجير مؤامرة
“الحريق العربي” يخشى الانهيار والانحسار والتآكل من الداخل جراء الأزمة
الديمغرافية التي اشتغل عليها منذ النكبة الفلسطينية والتي تبشره بمستقبل مظلم لا
يرى فيه مهاجرين أو قطعان مستوطنين جددًا، حيث كان العامل الديمغرافي شغله الشاغل،
فعمد إلى إفراغ فلسطين ولا يزال من ثقلها السكاني ليحقق التفوق الديمغرافي أو على
الأقل التوازن فيه. وفي سبيل ذلك أباد كيان الاحتلال الإسرائيلي قرى فلسطينية عن
بكرة أبيها وشرد الملايين وطردهم من أرضهم، ولا يزال يفعل فعلته إما بهدم منازل
الفلسطينيين بحجة البناء غير المرخص، وإما برفض السماح لهم بالبناء، وعدم السماح
بإدخال المواد الداخلة فيه، وإما بزجهم في معتقلاته أو إبادتهم اغتيالًا أو حصارًا
منعًا لتكاثرهم. وما يضاعف خشية كيان الاحتلال الإسرائيلي هو فشل مجرم الحرب
بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال في استغلال تداعيات هجمات فرنسا الأخيرة
المشبوهة لجلب يهود فرنسا، مع النمو المطرد في المواليد الفلسطينيين رغم الممارسات
الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني، فضلًا عن تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه وتمسكه بخيار
المقاومة.
وبتقريب الصور من بعضها نجد في فلسطين أسماء
عصابات إرهابية يهودية اشتهرت في مجال التطهير العرقي والإبادة والتهجير ضد
الفلسطينيين، وتدبير أعمال الانفجارات وإطلاق النار، ومن هذه العصابات (الهجاناة)
و(شترين) و(جولد شتاين). فكانت مذبحة كفر قاسم ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ واحدة
من أشهر المذابح التي ارتكبتها هذه العصابات لإرغام الفلسطينيين على الهجرة وترك
أراضيهم وممتلكاتهم، وتزامنت هذه المذابح مع مساعٍ دبلوماسية بالتواطؤ مع أنصار
قيام المستعمرة الكبرى “إسرائيل” في الغرب لمواصلة حملات التهجير القسري
للفلسطينيين حتى يومنا هذا. أما في سوريا والعراق نجد عصابات ما يسمى “داعش
والنصرة وجيش الفتح وجيش الإسلام وأحرار الشام والجيش الحر وغيرها”، تقوم بالدور
بالوكالة عن كيان الاحتلال الإسرائيلي أو هي بالأحرى مستنسخة من عصابات “الهجاناة
وشتيرن وجولدشتاين وحاليًّا تدفيع الثمن”، لتمارس بالنيابة والوكالة التطهير
العرقي والإبادة والتهجير القسري ضد الشعب السوري والعراقي لإفراغ سوريا والعراق
من ثقلهما السكاني وحرمانهما من كفايات شبابها وكفاءاتهم وخبراتهم ومن طاقات
مواردها البشرية، ومن الانخراط في مؤسساتها العسكرية، وكذلك لتهشيم اقتصاديهما،
فلم يكن تدمير المصانع السورية ـ على سبيل المثال ـ ومصافي النفط وآلات الحفر
وتفكيكها وبيعها خردة في السوق التركية السوداء، واستهداف المطارات والرادارات
والقواعد العسكرية سوى جزء أساسي من المؤامرة.
لكن في الوجه الآخر من الصور، ظهرت سريعًا
وتباعًا الأهداف التي أريدت من وراء تهجير السوريين تحديدًا ـ لكون رأس الدولة
السورية مطلوبًا قطعه ـ وذلك من خلال محاولة التوظيف للأزمة المفتعلة من قبل معشر
المتآمرين في سياقات خادمة لمؤامرة تدمير سوريا، حيث كانت المتاجرة بالشعب السوري
واللاجئين وحقوهم واضحة عبر محاولة النبش في الدفاتر القديمة بالعودة إلى الحديث
عن “مناطق عازلة وآمنة” في سوريا بزعم إيواء النازحين بها، والاجتماع المقبل
للجمعية العامة للأمم المتحدة سيكون على موعد مع المتاجرين بحقوق اللاجئين
السوريين ومزايداتهم.
إن كل ما يجري من تدمير وتهجير وقتل ممنهج بحق
الدول العربية المستهدفة، سواء بالأصالة أو الوكالة، إنما هو يجري باسم المستعمرة
الكبرى “إسرائيل” وأمنها وبقائها؛ ولذلك في زمن تكاثر فيه الرجعيون والعملاء
والخونة والإرهابيون والتكفيريون الخادمون لـ “إسرائيل” وأمنها وبقائها، لا غرابة
في أن يدنس المسجد الأقصى ويقسم زمانيًّا ومكانيًّا في مرحلته الأولى تمهيدًا
لتدميره في مرحلته اللاحقة ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق