السبت، 3 مايو 2014

سوريا المتجددة


تحت عنوان "سوريا المتجددة" نشرت جريدة الوطن في زاوية رأي الوطن يوم 4/5/2014 رأياً أنقله كما جاء بدقة لكل المهتمين بالقضية السورية:
في كل يوم يمر على سوريا نراها أقوى وأصلب عودا، بل وهي في عز أزمتها تتجدد، ثمة سر في الدول لا تعرفه إلا هي، يعلن عن نفسه في لحظات الحاجة إليه .. فها هي سوريا تقدم سرها وتبوح به، إنه عروبتها، إنه قدرتها العالية.
كثيرون لايرون تجدد سوريا، أما نحن فنراها، لأننا نعي أصالتها، وخبرتها التاريخية، وانتماءها الأصيل .. سوريا اليوم، هي المكان الذي تسكنه الحياة في كل خلية من خلاياه .. وهي الزمان الذي نعول عليه لحاجتنا في كل الأزمان الى قطر عربي فيه الحياة، حياة دائمة.
عالم سوريا ليس فقط تلك المشاهد المترامية للقريب والبعيد، وهي ليست تلك الصور التي تتراكم فيها الأحداث أو يتراكم فيها الدمار أو يتعالى فيها الدخان، أو تصدر فيها الأصوات المخيفة نتيجة قصف أو قتال، بل هي عالم آخر، مازال يحبك حياته في كل مكان على الأرض السورية، فمازال العامل في معمله يقدم عرقه ويضيف على ساعات عمله ساعات دون ضجيج، بل مازال ذلك الفلاح يسهر على أرضه كي تعطيه ما يقدمه لمعركة بلاده من أجل أن يظل الطعام متوافرا .. وهاهو الفنان يرسم لوحاته، وهاهو الشاعر يكتب قصائده بوطن يشتهيه ويراه منتصرا على أوجاعه وعلى أعاديه، ثم يكتب الأناشيد كي تخلد بصوت الأطفال الذين مازالت البسمة على شفاههم ومازال حلمهم الطفولي يقوى على كل ارهابي .. وهاكم الطالب يداعب الطريق الى مدرسته معتادا عليها، وهؤلاء الآخرون في جامعاتهم يحلمون بيوم التخرج ليكونوا اسيادا في بلد الاسياد، يقدمون ما تروق له العين وما يحتاجه في سبيل رفعته وجميع هؤلاء يمارسون أدوارهم وهم على اطمئنان أن خلفهم جنديا باسلا تربى على حب سوريا وهو يتفانى في التعبير عن هذا الحب ليصنع مع هؤلاء جميعا سوريا المتجددة.
عالم سوريا كثير اليوم كثيرون لايرونه، لكنه قائم، صحيح أن صوت المعارك يغطيه، لكنه موجود ومتوافر بكثرة، متشعب الاتجاهات، ومرئي دائما .. تلك الحركة في الشوارع دون قلق أليست تعبيرا عن انتصار الحياة، ففي دمشق وحدها مئات الشوارع التي تزدحم يوميا بآلاف السيارات، حتى أن أحدهم كتب من العاصمة السورية ليصف يومياتها بأنه وأنت فيها سوف تنسى ما يحصل .. فليس فيها أزمات تموين، مطاعمها متوافرة على مدار الساعة، ومخابزها تفتح ليلا نهارا، وبيع الخضار والفواكه يعجز المرء عن الاختيار عند وقوفه عند أحد بسطاتها، أما محلات الثياب فمازالت اضاءتها تملأ الشوارع والمشترون كثر، لم يغيروا عادتهم.
تتجدد سوريا… هي كانت وستكون… هي أكبر من الحرب ومن عنفوانها صنعت الحياة بكل كبريائها. تتجدد لأنها بنيت على أفق واقعي .. كانت دمشق تغسل ليلا بالماء، لايترك فيها شارع إلا ويتم غسله، كانت من أهم مدن العالم ومن أكثرها جمالا، وفي البعيد من تاريخها كانت جنة الله على الأرض .. لهذه الأسباب لن تقف عند حد، بل ستظل على تجدد خلاياها التي هي صناعة إلهية.
تلك هي سوريا اليوم، فلنتعلم منها كيفية الحياة بكل أشكالها .. هذا النوع من البلاد المتجددة لا يمكن أن تموت .. بل يقينا أنها العيش ذاته، في زمن تحتاج فيه دول كثيرة إلى فهم معنى هذا العيش.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق