الخميس، 18 ديسمبر 2014

صفحات من تاريخ ثراء أسرة روتشيلد


صفحات من تاريخ ثراء أسرة روتشيلد
عبارة "روتشيلد" تعني عند الكثيرين رابط بين الثروة والسلطة والنجاح والمال. وتاريخ هذه الأسرة اليهودية المعروفة بدأ مع نهاية القرن الثامن عشر بمدينة فرانكفورت، وكانت من أوائل الأسر التي مارست التحويلات المالية الدولية.
وماير أمشيل روتشيلد مؤسس هذه الأسرة دخل مع البنك الذي حمل اسمه ضمن قائمة مجلة Forbes لأكثر رجال الأعمال نفوذاً في تاريخ البشرية. وكان أول من مارس أساليب التعاملات العالمية في "توظيف رأس المال بمختلف أشكال السندات المالية، وتبادل المعلومات بسرعة كبيرة، مع السرية والجماهيرية". وفهم ماير وكان مستعداً لصرف الأموال من أجل الحصول على الأموال. وهذا لم يكن سهلاً خاصة وأن الكثير من صفحات تاريخ هذه الأسرة الأسطورية مجهولة حتى الآن. ولكن مجلة Business Insider استعرضت في أحد أعدادها أهم مراحل تحول أسرة روتشيلد إلى أسرة مصرفية دولية.
وأشارت إلى أن أسرة روتشيلد نشأت في الحي اليهودي بمدينة فرانكفورت. وماير أمشيل روتشيلد الأب ومؤسس هذه الأسرة ولد عام 1744م، وعاش في بيت كان في طابقه الأول دكانه التجاري، في الوقت الذي عاشت أسرته الكبيرة في طابقه الثاني.
وكان والده أمشيل موزيس باوير يمتلك دكاناً للصرافة ومحلاً صغيراً لبيع الملابس الحريرية. وكان من بين زبائنه أعضاء من الأسرة المالكة. ومع ذلك فمن الصعب القول عن أمشيل أنه رجل غني.
وبعد وفاة والديه غادر ماير وهو في سن الـ 12 من عمره إلى هانوفر واهتم بدراسة شؤون المال. وعمل تلميذاَ في مكتب Oppenheimer، الذي كان يقدم قروض لأعضاء الأسرة المالكة، وشارك في الصفقات التجارية الدولية ومن بينها صفقات بيع الذهب.
واستطاع ماير الإستفادة من علاقته مع الغراف ويليام وحصل على أموال جيدة من خلال جمع وبيع القطع النقدية النادرة. وفي عام 1769م عين ماير مصرفي خاص لويلهلم التاسع ومورد للقصر "غوففاكت". وجاء زواجه ليزيد من ثروته، وتزوج ماير البالغ من العمر 27 عاماً في عام 1770م من غوتليه شنايبير البالغة من العمر 17 عاماً، وهي إبنة مورد محلي، وأثمر زواجهما بولادة 5 صبيان و5 بنات. ووضع ماير في وصيته شروط زواج قاسية لورثته.
وخلال عمله بمحل لبيع التحف النادرة مارس ماير إقراض النقود من رأسماله. مما ساعد على زيادة ثروته من 4 آلاف غولدين عام 1795م إلى 60 ألف غولدين عام 1796م، ولكنه كان مهملاً في عمله مما أدى إلى ضياع قسم من نقوده. وقام أحد العاملين لديه بسرقة 30 ألف غولدين من أمواله خلال 3 سنوات. و أثناء المحاكمة التي جرت إعترف ماير بأنه كان يثق كثيراً بالعاملين لديه، وأنه كان يترك أكياس النقود في المكتب دون إهتمام كاف.
كون ماير ثروة ضخمة بفضل الثورات السياسية والتكنولوجية.
وأثناء الثورة الفرنسية حصل ماير على أموال طائلة من خلال تمويله للجيش النمساوي. كما اشتغل في توريد النسيج الإنكليزي، وسرعان ما بدأ بممارسة التجارة في إنكلترا وغيرها من الدول الأوروبية. وعلى أعتاب القرن الجديد افتتح ماير وأبنائه بنوك في المدن الأوروبية الكبيرة. ووضع شعاراً لأسرة روتشيلد تضمن خمسة أسهم تجمعهم سلسلة، كرمز لإتحاد أبناءه الخمسة مع مؤسس أسرتهم ماير أمشيل. ومن مطلع القرن التاسع عشر أرسل ماير أبناءه لافتتاح بنوك في فرانكفورت، ونيابولي، وفيينا، وباريس، ولندن، وكان هذا بداية لتأسيس أسرة روتشيلد المصرفية العالمية.
والشروط القاسية التي وضعها ماير في وصيته لم تقتصر على منع الزواج من خارج الأسرة، بل شجعت على الزواج داخل الأسرة التي يجمعها رابط الدم. والسبب كان خوفه من تبديد ثروة الأسرة على أعضائها الجدد. ولهذا منع في وصيته النساء من الميراث، ليشجع الزواج بين الأقرباء الذين يجمعهم رابط الدم.
وتزوجت أربعة من حفيداته من أبناء عمومتهن، وواحدة منهن تزوجت عمها. وكان ابن أمشيل روتشيلد الأكبر يدير أعمال بنك فرانكفورت. وتوفي أمشيل المعروف أكثر بين أبناء ماير، عام 1855م ولم يكن عنده أولاد، ولهذا انتقلت إدارة البنك لأبناء أخيه كارل. وقام كارل روتشيلد بتأسيس C M de Rothschild&Figli في نيابولي. وأقام أثناء وجوده في نيابولي علاقات ودية مع عائلة ميديتشي. وتزوجت إبنته شارلوتا من ابن ناتان (شقيق كارل).
وفي فيينا  أسس سلمون روتشيلد S M von Rothschild. وأسهم بنشاط في تمويل خط السكك الحديدية Nordbahn وإشتهر بهواية جمع اللوحات الفنية. وفي عام 1848م قا بتسليم إدارة البنك لإبنه. كما تزوجت إبنة سلمون من شقيقه جيمس (عمها).
وفي باريس قام جيمس روتشيلد بتأسس De Rothschild Frères. وكان فرع باريس أكثر نجاحاً بين فروع بنوك أسرة روتشيلد بسبب علاقة جيمس الوثيقة بالملك لوي فيليب.


وفي فرنسا قام جيمس بشراء قصر "لافيت" الذي لم يزل حتى الآن ضمن أملاك أسرة روتشيلد. ويقع هذا القصر في منطقة بوردو، وهي من أفضل مناطق زراعة الكرمة في فرنسا.
وحصل ناتان الإبن الأكثر نجاحاً على رأسماله الأولي من تمويله لجيش ويلينغتون. وبدأت أكثر نشاطات ناتان روتشيلد التجارية عام 1814م عندما تعاملت الحكومة البريطانية مع بنكه لتمويل حملتها العسكرية ضد نابليون.
وحول الماريشال ويلينغتون مبالغ ذهبية ضخمة (11 مليون جنيه خلال سنة) من إنكلترا إلى حلفائه عبر بنوك الإخوة روتشيلد. ولكن ناتان ورث عن أبيه الصفات التنظيمية السيئة، ورغم ذلك هذا لم يعيق نجاح أعماله. وأكثر من مرة كتب ماير لإبنه مشيراً إلى أنه يتسلم شكاوي كثيرة من معارفه يشتكون من عدم مبالاته في العمل وصرف الأموال بشكل غير مجدي. ولكن زواج ناتان عام 1806م جلب له فوائد كثيرة وأسس خلال خمس سنوات N M Rothschild & Sons. وكانت زوجته آننا كوهين إبنة تاجر ألماس شهير في لندن. وهذا الزواج حسن من أوضاع ناتان في عالم الأعمال بإنكلترا، وفي عام 1811م أسس N M Rothschild & Sons. واكتسب ثروة ضخمة بسبب هزيمة نابليون في واترلوا.
لأن الجميع كانوا مقتنعين بأن ويلينغتون سيهزم في معركة واترلو. ولهذا بدأ ناتان روتشيلد ببيع أسهمه في البورصة بسرعة، وهو ما أدى إلى حذو الآخرون حذوه مما تسبب بحالة فوضى في سوق الأوراق المالية، أدت إلى إنخفاض أسعار السندات المالية إلى الصفر. ولكن عندما علم ناتان روتشيلد بأن نابليون قد هزم في واترلو، اشترى وكلاءه الأسهم من البورصة بأسعار رخيصة، وعلى هذا الشكل حصل ناتان روتشيلد من بسبب حصوله على هذا الخبر قبل غيره على أرباح بلغت 40 مليون جنيه استرليني. وبالإضافة لذلك كان أول من بدأ تمويل الحكومة أثناء الحرب، وقام بتمويل جيش الماريشال ويلينغتون عبر بنوك إخوته، لتصبح هذه الأعمال من أنجح أعمال أسرة روتشيلد والتي زادت ثروة الأسرة من 500 ألف جنيه إسترليني في عام 1818م إلى 4,33 مليون جنيه إسترليني خلال عشر سنوات.
وقبل دخول أسرة روتشيلد إلى العالم الجديد (أمريكا) كانت مهيمنة على التمويل الدولي. وكانت NM Rothschild خلال القسم الأكبر من القرن التاسع عشر جزءاً من أضخم بنوك العالم، الذي يهيمن على السوق الدولية لمؤسسات التمويل. ومن أجل فهم هذا الإتساع بأرقام اليوم، لا بد من تصور إنصهار Merrill Lynch، Morgan Stanley، J P Morgan، Goldman Sachs، في شركة واحدة كانت أشبه بصندوق النقد دولي، لأن أسرة روتشيلد كانت تقدم مساعدات مالية للكثير من حكومات العالم في القرن التاسع عشر.
وطبعاً هذه المساعدات كانت تساعد أسرة روتشيلد على زيادة نفوذها داخل تلك الحكومات، لتفرض هيمنتها على إقتصاد وسياسة تلك الدول، وكانت تخلق الأجواء اللازمة لرسم سياسات تلك الحكومات وفق ما يتماشى مع المصالح التي تسعى إليها أسرة روتشيلد في تلك المرحلة التاريخية. وبذلك حققت الرابط الحقيقي بين الثروة والسلطة والنجاح بواسطة المال، وهو ما لم يزل سار حتى يومنا هذا على ما نعتقد.

بحث أعده أ.د. محمد البخاري، دكتوراه في العلوم السياسية تخصص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة (DC)، ودكتوراه فلسفة في الأدب، تخصص صحافة (PhD)، بروفيسور، يوم 17/12/2014 بتصرف نقلاً عن مقالة "تاريخ ثروة أسرة روتشيلد" المنشورة في صحيفة Uzbekistan Today، الصادرة بتاريخ 19/8/2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق