الخميس، 3 ديسمبر 2009

العلاقات العامة الدولية الدبلوماسية الشعبية ونظريات الاتصال والإعلام الجماهيرية


العلاقات العامة الدولية (الدبلوماسية الشعبية) ونظريات الاتصال والإعلام الجماهيرية

كتبه: أ.د. محمد البخاري: دكتوراه علوم في العلوم السياسية DC اختصاص: الثقافة السياسية والأيديولوجية، والقضايا السياسية للنظم الدولية وتطور العولمة. ودكتوراه فلسفة في الأدب PhD اختصاص: صحافة. بروفيسور قسم العلاقات العامة، كلية الصحافة، جامعة ميرزة أولوغ بيك القومية الأوزبكية. في طشقند بتاريخ 13/11/2009

مخطط البحث:

المقدمة: العلاقات العامة الدولية (الدبلوماسية الشعبية)؛ التعريف المهني المتخصص للعلاقات العامة؛ التعريف الاجتماعي الشامل للعلاقات العامة؛ دور خبير العلاقات العامة؛ نشاطات العلاقات العامة في المجال الحكومي؛ نشاطات العلاقات العامة في مجال المنظمات والهيئات الحكومية؛ العلاقات العامة في القارة الأوروبية؛ العلاقات العامة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ العلاقات العامة في بريطانيا؛ العلاقات العامة في فرنسا؛ العلاقات العامة في إيطاليا؛ العلاقات العامة في بلجيكا؛ العلاقات العامة في مصر؛ العلاقات العامة في أوزبكستان. العلاقات العامة وإدارة الأزمات؛ أهداف العلاقات العامة في ظروف الأزمات؛ مجموعات العمل المختصة بإدارة الأزمات؛ الناطق الرسمي المتخصص في مجال الأزمات الطارئة؛ مهام العلاقات العامة لدى الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني؛ ثوابت مواجهة الأزمات. وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية من أقنية العلاقات العامة؛ وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية؛ دراسات وظائف وسائل الاتصال والإعلام؛ الصحف الأولى؛ أولى وكالات الأنباء؛ الإذاعة المسموعة؛ الإذاعة المرئية؛ فن الإعلان؛ الإعلان السياسي؛ الإعلان التجاري. نظريات الاتصال وتأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية؛ التأثير التراكمي لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية؛ الاتصال الذاتي؛ الاتصال الشخصي؛ الاتصال الجماعي؛ الاتصال الجماهيري؛ تعريف الإعلام؛ عملية الاتصال. وظائف وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية؛ الوظيفة الإخبارية؛ وظيفة تكوين الرأي العام؛ وظيفة توسيع الأفق الثقافي والمعلوماتي؛ وظيفة تنمية العلاقات العامة وتقوية التماسك الاجتماعي داخل المجتمع؛ وظيفة الترفيه والتسلية وسد أوقات الفراغ؛ وظيفة الإعلان والدعاية. نظريات الاتصال؛ نماذج الاتصال الجماهيري؛ البنية الإلكترونية الأساسية في الدول المتقدمة؛ الاتصال كوظيفة اجتماعية؛ نظرية حارس البوابة الإعلامية؛ وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الحديثة كامتداد لحواس الإنسان؛ نظرية تكنولوجيا وسائل الإعلام؛ الاتصال الشفهي؛ نظرية التقمص العاطفي؛ نظرية الاستدلال العاطفي؛ نظرية أخذ الأدوار في التقمص العاطفي؛ نظرية الاستنتاج. نظريات الصحافة؛ المستويات الإعلامية؛ المستوى المعلوماتي؛ المستوى الإقناعي؛ المستوى التعبيري؛ نظرية السلطة المطلقة؛ مدخل لنظرية السلطة المطلقة؛ أسس نظرية السلطة المطلقة؛ الصحافة والسلطة المطلقة؛ الرقابة وسيطرة الأجهزة المسؤولة على الصحافة؛ التاريخ الطويل للإيديولوجية السياسية لنظرية السلطة المطلقة؛ نظرية الصحافة الحرة؛ مبادئ النظرية الحرة؛ إيديولوجية نظرية الصحافة الحرة؛ نظرية الصحافة الحرة ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية؛ النظرية الاشتراكية للصحافة؛ التيارات الاشتراكية؛ الاشتراكية الإنتاجية؛ الاشتراكية التعاونية؛ الاشتراكية العلمية؛ دعائم النظرية الاشتراكية للصحافة؛ نظرية المسؤولية الاجتماعية؛ نظرية المسؤولية العالمية للصحافة؛ نظرية المشاركة الديمقراطية؛ مصطلح المشاركة الديمقراطية؛ أفكار نظرية المشاركة الديمقراطية؛ النظرية التنموية؛ أفكار النظرية التنموية؛ نظرية التبعية الإعلامية؛ أنظمة الاتصال والإعلام في العالم الثالث؛ نظريات الإعلام والتجربة الإعلامية العربية. النظم السياسية ووسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية؛ النظام السياسي المنفتح؛ مدخل التحليل السياسي؛ النظام السياسي ووائل التكامل الاجتماعي؛ الارتباط المتبادل لعناصر الحياة السياسية؛ تنظيم العلاقات السياسية؛ الأسس الثقافية للنظم السياسية؛ الاستجابات المشتركة للنظم السياسية والتأثيرات الخارجية؛ هياكل النظم السياسية ووظائفها؛ عناصر النظام السياسي؛ المنظمات السياسية؛ الشكل القانوني للمؤسسات السياسية؛ النظام السياسي؛ وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية كسلطة رابعة؛ دور الهيئات الدينية في النظام السياسي؛ العمل المشترك للجماعات الاجتماعية، والأفراد، والهيئات الاجتماعية لبناء وإدارة المجتمع؛ القواعد الحقوقية لممارسة السياسية. الخاتمة: الوعي السياسي والثقافة السياسية.

المقدمة: العلاقات العامة الدولية (الدبلوماسية الشعبية): اتسمت العلاقات العامة في المجتمعات البدائية بالمباشرة والبساطة، وأخذت تلك العلاقات بالتعقد مع التقدم الحضاري والاجتماعي، وأدت التغييرات التقنية والعلمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية في العالم، مع نهاية ثمانينات القرن العشرين، إلى تداخل المصالح الدولية، بسبب سهولة الاتصال التي أتاحتها وسائل الاتصال الحديثة. مما زاد من أهمية دور وفاعلية العلاقات العامة في العلاقات الدولية، وتعتبر العلاقات العامة حلقة وصل بين مؤسسات المجتمع الواحد، وبين المجتمعات البشرية في العالم، عن طريق تقديم خدمات معينة مبنية على الثقة المتبادلة، وانطلاقاً من أهمية الفرد والشرائح الاجتماعية المختلفة، وقوة وتأثير الرأي العام في المجتمعات على مختلف المؤسسات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

وللعلاقات العامة تعريفين أساسيين هما: التعريف المهني المتخصص: ويقصد به إقامة علاقات جيدة داخل المؤسسات وخارجها، مبنية على التفاهم والثقة المتبادلة. من خلال إبراز والاهتمام بالوظائف الأساسية التي تضطلع بها إدارة العلاقات العامة، في مؤسسة أو منظمة حكومية كانت أم خاصة، لتكون وظيفتها بذلك إدارية بحتة. وتبلور هذا التعريف مع ظهور جماعة من المتخصصين في العلاقات العامة مع بداية القرن العشرين، أمثال: إيفي لي، وإدوارد بيرنيز، وجون هيل. وتبع ذلك قيام جمعيات واتحادات علمية ومهنية ضمت المتخصصين في العلاقات العامة في القارتين الأوروبية والأمريكية، خلال أربعينات وخمسينات القرن العشرين. وساهمت تلك الجمعيات والمنظمات بدورها في زيادة تعريف العلاقات العامة، وساعدت على تحديد مهامها ووظائفها. وفي عام 1947 نشرت مجلة أخبار العلاقات العامة Public Relation News خلاصة لتعريف العلاقات العامة، أخذته من نتائج الاستقصاء الذي أجرته بين مشتركيها، والعاملين في مجالات العلاقات العامة، وجاء فيه أن: "العلاقات العامة: هي وظيفة الإدارة التي تقوم بتقويم اتجاهات الجمهور وربط سياسات وأعمال فرد أو منشأة مع الصالح العام، وتنفيذ برنامج لكسب تأييد الجمهور وتفهمه". بينما اعتبر إيفي لي أحد رواد العلاقات العامة في الولايات المتحدة الأمريكية، أن مهمتها مزدوجة، وتبدأ من دراسة اتجاهات الرأي العام، ونصح الشركات بتغيير خططها، وتعديل سياساتها لخدمة المصلحة العامة، ثم إعلام الجمهور بما تقوم به الشركات من أعمال تهمهم وتخدم مصالحهم. أما إدوارد بيرنيز خبير العلاقات العامة الأمريكي، فيعتبر أن العلاقات العامة هي: محاولة لكسب تأييد الرأي العام لنشاط أو قضية أو حركة أو مؤسسة، عن طريق الإعلام والإقناع والتكيف، أي إيجاد التكيف والتكامل والتوافق بين مواقف مؤسسة معينة وسلوكها، مع مواقف جماهيرها ورغباتهم، بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر. أما جمعية العلاقات العامة الأمريكية فقد عرفتها بأنها: نشاط أي صناعة أو إتحاد أو هيئة أو مهنة، أو حكومة، أو أي منشأة أخرى في بناء وتدعيم علاقات سليمة منتجة بينها وبين فئة من الجمهور: كالعملاء والموظفين والمساهمين والجمهور بشكل عام، والعمل على تكييف أهداف المؤسسة مع الظروف المحيطة بها، وشرح أهدافها للمجتمع. وقدم معهد العلاقات العامة البريطاني، تعريف للعلاقات العامة بأنها: الجهود الإدارية المرسومة، والمستمرة التي تهدف إلى إقامة وتدعيم التفاهم المتبادل بين المنظمة وجمهورها. بينما جاء تعريف جمعية العلاقات العامة الفرنسية، بأن العلاقات العامة هي: طريقة للسلوك، وأسلوب للاتصال والإعلام ، اللذان يهدفان إلى إقامة علاقات من الثقة، والمحافظة عليها، وتقوم هذه العلاقات على المعرفة والفهم المتبادلين، بين المنشأة ذات الشخصية الاعتبارية، التي تمارس وظائف وأنشطة محددة، وبين الجماهير الداخلية والخارجية التي تتأثر بتلك الأنشطة والخدمات. أما جمعية العلاقات العامة الدولية، فقد توصلت إلى تعريف العلاقات العامة بأنها: وظيفة الإدارة المستمرة والمخططة، التي تسعى بها المؤسسات والمنظمات الخاصة والعامة، إلى كسب التفاهم والتعاطف مع سياساتها وأنشطتها. وكسب المزيد من التعاون الخلاق، والأداء الفعال للمصالح المشتركة باستخدام الإعلام الشامل والمخطط.

التعريف الاجتماعي الشامل: وهو الاتجاه الاجتماعي للعلاقات العامة، الذي ظهر خلال ثلاثينات القرن العشرين، إثر الأزمة الاقتصادية التي عانى منها الاقتصاد العالمي عام 1929، وعرفه د. محمد البادي، بأنه: الاتجاه الاجتماعي للعلاقات العامة، كمهنة ذات طابع خاص، ويشمل كل ما يصدر عن المؤسسة من أعمال وتصرفات وقرارات، وكل ما يتصل بها من مظاهر واستعدادات وتكوينات مادية لأن ما يصدر عن المؤسسة أو يتصل بها له تأثيراته، المعنوية على الجماهير، التي ترتبط مصالحها بها، وهذه التأثيرات هي التي تعطي لهذه العناصر طبيعتها، كأنشطة للعلاقات العامة، وهي أيضاً التي تعطي لاتجاه العلاقات العامة صفتها الاجتماعية. وهو نشاط يشترك فيه كل أفراد المؤسسة من خلال تكوين علاقات عامة مرنة في سلوكهم واتصالاتهم ومعاملاتهم مع الجماهير داخل المؤسسة وخارجها. وأن لا يكون الهدف من النشاط السعي لتحقيق الربح فقط، بل إلى تقديم خدمات للمجتمع، عن طريق إنتاج سلع وخدمات جيدة ومتطورة تناسب الأذواق، وأداء الوظيفة المسندة إليهم بشكل جيد، مراعين الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تفرضها المسؤولية الاجتماعية في مشاركة المجتمع المحلي همومه وأفراحه وأحزانه، والعمل على تقليل الأضرار الناجمة عن نشاطاتهم، والمحافظة على البيئة، والعمل على النهوض بالمجتمع ثقافياً وعلمياً وحضارياً ومادياً.

وعرف كانفيلد العلاقات العامة، بأنها: الفلسفة الاجتماعية للإدارة، التي ترغب من خلال أنشطتها وسياساتها المعلنة للجمهور كسب ثقته وتفهمه. أما نولت فقد عرف العلاقات العامة، بأنها: مسؤولية الإدارة التي تهدف إلى تكييف المنظمة مع بيئتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، كما تهدف إلى تكييف البيئة المحيطة لخدمة المنظمة لتحقيق مصلحة الطرفين.

وهو ما يظهر بوضوح في أن الربط بين المجتمع والسياسة والاقتصاد وإعطاء الأولية للاقتصاد كان ولم يزل في موقع الأهمية منذ مطلع القرن العشرين وحتى الآن. ومما سبق نستطيع استنتاج أن دور خبير العلاقات العامة ينحصر في: - إقناع الإدارة العليا للقيام بالنشاطات التي تجعل الجمهور راضياً عن المؤسسة؛ - وإقناع الجمهور بأن المؤسسة تستحق بالفعل تأييده ودعمه المعنوي والمادي. وأن دور العلاقات العامة ينحصر في: - تبني مصلحة الجمهور والمصلحة العامة؛ - ووضع السياسات الملائمة لها؛ - والسعي لإيصال المعلومات عن نشاطات المؤسسة وسياساتها للجمهور؛ - وخلق رأي عام مؤيد للمؤسسة، لدى الجمهور؛ - وإنشاء مواقف محددة ومطلوبة اتجاه المؤسسة؛ - وتقييم مواقف الرأي العام من قبل المتخصصين في العلاقات العامة؛ - وإيصال المعلومات عن تلك المواقف لإدارة المؤسسة.

ويشمل نشاط العلاقات العامة اليوم: في المجال الحكومي - التوعية والإرشاد والإعلام، في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والدبلوماسية، للوصول إلى مساندة الجماهير لها؛ - ومشاركة الجماهير معنوياً ومادياً في البرامج التنموية الشاملة التي تخطط لها الحكومة؛ - وكسب الرأي العام للسياسات الحكومية الداخلية والخارجية؛ - والتعرف على توجهات الرأي العام؛ - وتقييم الخدمات العامة لوظائفها المحددة، ومدى تلبيتها لرغبات الجمهور؛ - والعمل على دحض الشائعات؛ - والتصدي للحملات الإعلامية المضادة؛ - وإبراز الحقائق عن طريق مصارحة الجماهير؛ - والاهتمام بشؤون الموظفين الحكوميين. وفي مجال المنظمات والهيئات الحكومية - التعريف بأهدافها وسياساتها، وتوثيق الصلة والتعاون بين المواطن والمنظمة أو الهيئة الحكومية للوصول إلى الهدف المطلوب؛ - ودراسة مواقف الرأي العام، ونقل رغبات ومطالب الجماهير العريضة للمسؤولين فيها، تمهيداً لإيجاد الحلول لها، وتلبيتها وفق الظروف المتاحة؛ - والاهتمام بشؤون العاملين في تلك المنظمات والهيئات الحكومية؛ - والاتصال بالهيئات والمنظمات الحكومية المشابهة، لتحقيق أفضل صورة من التعاون بينها في الداخل والخارج؛ - وإصدار المواد الإعلامية المطبوعة والمسموعة والمرئية، عن نشاطات المنظمة أو الهيئة الحكومية، وتبادلها وتوزيعها في الداخل والخارج؛ - وتوثيق كل ما تنشره وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في الداخل والخارج؛ - وتنظيم الزيارات الرسمية والخاصة. وهناك مجالات أخرى تشمل المؤسسات الاقتصادية والإنتاجية والخيرية، والمنظمات المهنية والسياسية وغيرها، ولا تختلف من حيث نشاطات العلاقات العامة عما تم تفصيله أعلاه.

ومن الملاحظ اليوم أن العلاقات العامة في القارة الأوروبية تستخدم كوسيلة من وسائل تدعيم الوحدة الأوروبية، وزيادة التلاحم والتفاهم بين مختلف شعوب القارة الأوروبية. لأنه من المعروف أنه كلما زاد التقدم الثقافي والعلمي والتقني في أي دولة من دول العالم، زاد دور الدبلوماسية الشعبية فيها، وتوجهت تلك الدولة نحو تأسيس جمعيات وهيئات تعنى بالعلاقات العامة، وإلى تدعيم المؤسسات الحكومية بأقسام خاصة تعنى بهذا المجال الهام، يطلق عليها تسمية "أقسام العلاقات العامة". وقد تطورت العلاقات العامة في الولايات المتحدة الأمريكية، حتى أصبحت تضاهي مثيلاتها في دول العالم الأخرى، وشهدت الدول الأوروبية كفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وغيرها من دول العالم، تطوراً خاصاً لمفهوم العلاقات العامة. لتصبح ممارسة العلاقات العامة ذات مفهوم دولي يمارس فعلاً في العلاقات الدولية. ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً: تتحمل وكالة الاستعلامات الأمريكية، التي أنشئت عام 1953، مسؤولية العلاقات العامة الدولية، وغيرها من المسؤوليات، من أجل تحقيق أهداف السياسة الأمريكية، عن طريق شرح وتفسير ونشر السياسة الأمريكية، ومواجهة الدعاية المضادة الموجهة ضد الولايات المتحدة الأمريكية في العالم، ويقدم مدير الوكالة تقاريره عن سير العمل في الوكالة للرئيس الأمريكي مباشرة من خلال مجلس الأمن القومي. وفي بريطانيا جرى تأسيس المعهد البريطاني للعلاقات العامة عام 1948 بهدف تجميع جهود ممارسي وظيفة العلاقات العامة وصب الاهتمام على العلاقات العامة في أجهزة الدولة المركزية والمحلية، وفي القوات المسلحة البريطانية، والمؤسسات الاقتصادية والاستشارية. ويمارس ضباط الإعلام في البعثات الدبلوماسية البريطانية المعتمدة في دول العالم، وظيفة العلاقات العامة الدولية من خلال وظيفتهم الإعلامية الأساسية. وفي فرنسا تطورت العلاقات العامة كوظيفة هامة من وظائف المشروعات الاقتصادية والتجارية والصناعية، بعد إنشاء الجمعية الفرنسية للعلاقات العامة عام 1955، بهدف تطوير العلاقات العامة الفرنسية. وفي إيطاليا تزايد الاهتمام بالعلاقات العامة إثر إنشاء جمعية تطوير العلاقات العامة الإيطالية في روما عام 1954، ورافق ذلك تزايد اهتمام الشركات الإيطالية بوظيفة العلاقات العامة. وفي بلجيكا ظهر الاهتمام بالعلاقات العامة مع تأسيس جمعية العلاقات العامة عام 1953 لتطوير دور العلاقات العامة في بلجيكا. وفي مصر تضطلع الهيئة العامة للاستعلامات وهي هيئة حكومية تابعة لوزارة الإعلام المصرية بدورها "كجهاز للإعلام الرسمي والعلاقات العامة للدولة"، ومنذ إنشائها عام 1954 قامت الهيئة العامة للاستعلامات بأدوار عديدة على الصعيدين الداخلي والخارجي لشرح سياسة الدولة في المجالات المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومواقفها إزاء مختلف القضايا. وفى الوقت الراهن تقوم الهيئة بعدد من المهام الأساسية منها: - توفير تسهيلات للصحفيين والمراسلين الأجانب في مصر لأداء عملهم على أفضل مستوى ممكن لنقل صورة حقيقية عما يجرى في مصر إلى العالم؛ - وتقديم صورة مصر إلى الرأي العام العالمي ونقل الحقائق عنها إلى وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم. وكذلك عبر مكاتب الإعلام الملحقة بالسفارات المصرية في العديد من العواصم والمدن الكبرى؛ - وتوفير مصدر للمعلومات الدقيقة والصحيحة والحديثة عن مصر في مختلف المجالات كالتاريخ والحقائق الأساسية عن النظام السياسي والسياسة الخارجية والثقافية والمجتمع والفنون والاقتصاد والسياحة وغيرها، وإتاحتها عبر موقع الهيئة على شبكة الانترنت باللغتين العربية والانجليزية لكل من يحتاج إليها في كل مكان من العالم، كما تصدر مطبوعات عن هذه الموضوعات باللغات المختلفة؛ - وتقوم الهيئة العامة للاستعلامات أيضا بدور مهم في التثقيف السياسي والتوعية الاجتماعية للمواطنين وشرح السياسات الوطنية لهم والمساهمة في التوعية بالقضايا والمشكلات الوطنية (مثل قضية زيادة السكان وقضايا البيئة) وبالقضايا المحلية والبيئية في المناطق الريفية والنائية في أنحاء مصر من خلال مراكز النيل للإعلام ومراكز الإعلام الداخلي؛ - كما توفر الهيئة مركز معلومات يتابع الإعلام الدولي ويوفر معلومات صحيحة ودقيقة عن صورة مصر في الإعلام العالمي للمهتمين والمعنيين بذلك في أجهزة الدولة ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. وللهيئة مقر يقع في ضاحية مدينة نصر بالعاصمة القاهرة، إضافة إلى مراكز الإعلام الداخلي التي تتبعها في جميع محافظات مصر ويعمل بالهيئة عدد كبير من الإعلاميين والفنيين والإداريين المدربين على استخدام تقنيات الاتصال والإعلام الحديثة في أداء مهامهم. أما في أوزبكستان فقد بدأ الاهتمام الجدي بالعلاقات العامة الدولية بعد الاستقلال عام 1991، حيث تم في 8/11/1995 تأسيس وكالة أنباء JAHON التابعة لوزارة الخارجية: - لتوزيع الأخبار الإيجابية عن سير الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في أوزبكستان؛ - وتطوير الصلات مع وكالات الأنباء والمراكز الإعلامية الدولية؛ - وتسريع عملية دخول الجمهورية إلى الساحة الإعلامية الدولية؛ وجمع وتوزيع الأخبار داخل الجمهورية عن: - الأوضاع السياسية والحقوقية وغيرها في الدول الأجنبية؛ - واحتياجات السوق العالمية؛ - ونشاطات المنظمات الدولية؛ - ونشاطات كبريات المؤسسات والشركات الأجنبية المهتمة بالتعاون مع جمهورية أوزبكستان. وفي 21/11/1996 تم إحداث المركز الإعلامي في ديوان رئيس الجمهورية، لتعريف الرأي العام بالإصلاحات الديمقراطية الجارية في الجمهورية، والتجاوب مع التفاعلات الاجتماعية والسياسية المحلية والدولية، عبر شبكة الإنترنيت. ومع انتشار مفهوم العلاقات العامة في العالم سارعت مؤسسات التعليم العالي في مختلف دول العالم لافتتاح أقسام لتدريس مادة العلاقات العامة في جامعاتها ومعاهدها وكلياتها المتخصصة.

وتعد العلاقات العامة الدولية اليوم وظيفة من وظائف المنظمات الدولية، ويمارسها في منظمة الأمم المتحدة، مكتب الإعلام في نيويورك من خلال العلاقات الخارجية والصحافة والمطبوعات والخدمات العامة، التي تعرض من خلالها المشاكل التي تواجه منظمة الأمم المتحدة، وخلق فهم أفضل لأهداف المنظمة. كما وتمارس مكاتب منظمة الأمم المتحدة في العالم العلاقات العامة الدولية من خلال الاتصال بالمنظمات غير الحكومية في الدول المعتمدة فيها، في جميع المجالات الثقافية والفنية والعلمية والتعليم والصحة والعمل … الخ. وتوزيع الأفلام وبرامج الإذاعتين المسموعة والمرئية والمطبوعات، والإدلاء بالتصريحات الصحفية في إطار مساعيها لخلق فهم أفضل عن منظمة الأمم المتحدة. وزاد من دور العلاقات العامة الدولية دخول شبكات الكمبيوتر العالمية عالم الاتصال المعاصر، وزاد اهتمام الشركات متعددة الجنسية بالعلاقات العامة الدولية عبر شبكات الاتصال الدولية، واعتمادها عليها في العلاقات التجارية والمصرفية والنقل والتأمين، وتبادل المعلومات على الصعيد الدولي. وتساعد العلاقات العامة، وسائل الإعلام الجماهيرية في الحصول على المعلومات والمواد الإعلامية، مما يزيد من إمكانية انتشارها على الصعيد العالمي. ولعل منافذ وكالات الأنباء والصحف والمجلات والإذاعات المسموعة والمرئية، والمراكز الإعلامية الدولية عبر شبكة الإنترنيت، خير مثال على تحول العالم في مجال الاتصال والإعلام الجماهيري بالفعل إلى قرية كونية. والعلاقات العامة الدولية كوظيفة لم تستثنى من وظائف السلك الدبلوماسي، وأصبحت من المهام الأساسية للبعثات الدبلوماسية المعتمدة في الخارج، وفق ما تسمح به إمكانيات كل دولة من دول العالم.

العلاقات العامة وإدارة الأزمات: تأخذ العلاقات العامة أهمية خاصة لدى الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني عند تعرضها لأزمات تهدد مقدرتها على المنافسة والاستمرار في أداء وظائفها، وتعرضها للنقد اللاذع من قبل الشرائح الاجتماعية والقوى السياسية المختلفة ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، لأن مصالح تلك الشرائح والقوى مرهونة بنجاح الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني أو فشلها في أداء الوظائف المنتظرة منها. وتعتبر الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني الأزمات التي تتعرض لها نقطة تحول مفاجئة تؤدي إلى انهيار الاستقرار الداخلي وتهدد المصالح والبنى الأساسية للمجتمع. وينتج عن تعقد العلاقات الدولية المتشابكة نتائج غير مرغوبة تفرض على الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني ضرورة اتخاذ قرارات تتبعها إجراءات محددة خلال فترة قصيرة لمواجهة الأزمات في وقت تكون فيه جميع الأطراف المعنية غير مستعدة عملياً لذلك وغير قادرة على المواجهة ومهددة بخروج الأزمة ومشاكلها المطروحة للتداول عن نطاق السيطرة، وسرعان ما تتلاقى الأحداث، وتتشابك الأسباب ليفقد أصحاب القرار بدورهم قدرتهم السيطرة على مجريات الأمور وتصريف الأمور في الهيئة أو المؤسسة المعنية وعلى اتجاهاتها المستقبلية.

ولهذا جرت العادة أن تقوم الحكومات وإدارات مؤسسات المجتمع المدني في ظروف الأزمات بتشكيل مجموعات عمل خاصة لإدارة الأزمـات ومواجهة آثارها المحتملة والتخفيف من نتائجها، وتعنى مجموعات العمل تلك بإدارة الأزمة والبحث عن طرق للتغلب عليها والتخفيف من ضغوطاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإعلامية والعسكرية والتحكم بمساراتها واتجاهاتها وتجنب سلبياتها مستفيدة من الإيجابيات الممكنة والمتوفرة لتحقيق أقصى قدر من المكاسب في أقصر مدة ممكنة، والحدّ من الخسائر لأدنى حدّ ممكن. وتستخدم مجموعات العمل لأداء العمل المطلوب منها كل المقدرات المتاحة لوظائف العلاقات العامة، لماذا، لأن وظائف العلاقات العامة تتضمن طرقاً للحيلولة دون حدوث أزمات والتغلب عليها في حال حدوثها ضمن ما يسمى بـ (إدارة الأزمات). ويبدأ العاملون ضمن مجموعات العمل من خبراء العلاقات العامة والباحثين في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإعلامية والعسكرية الاهتمام بالقدر اللازم بالأزمة ومجرياتها ومضاعفاتها، بهدف البحث عن إمكانيات لفعل شيء ما حيال مجريات الأزمة وتحليل أسبابها ومصادرها، آخذين في اعتبارهم آخر منجزات علم إدارة الأزمات الذي بدأ وأخذ بالتطور مع ظهور نتائج التطور العلمي والتكنولوجي، التي أسهمت بتقديم وسائل وأدوات متطورة للتعامل مع الأزمات وإدارتها، والاتصال بغرض جمع المعلومات وتحليلها، ليتمكن خبراء العلاقات العامة والباحثين في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإعلامية والعسكرية من القيام بدور كبير وفعّال لمواجهة الأزمات والتغلب عليها والتخفيف من تبعاتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على البيئية المحلية. والمبدأ الأساسي للاتصال خلال الأزمات المحافظة على قدرة الاتصال والتواصل مع الجمهور المستهدف لأن الاتصال خلال الأزمات يكون أكثر فاعلية منه في أي ظرف آخر، ويمكن خبراء العلاقات العامة من الحصول على معلومات سريعة لتحليلها، وتقدم معلومات إيجابية عن الأحداث الجارية تخدم أهداف الحملات الإعلامية المخطط لها بدقة عبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بسرعة كبيرة ودون انتظار أن تطلب وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية تلك المعلومات بهدف الحد من الشائعات والتصدي للطروحات المعادية، وتهدئة الأوساط الاجتماعية والسيطرة على مستجدات الأزمة والحيلولة دون بروز أية تعقيدات جديدة للأزمة. ولتحقيق أهداف العلاقات العامة في ظروف الأزمات لابد: أولاً: من وضع حد نهائي وفوري للأزمة. وثانياً: الإقلال من الخسائر إلى الحد الأدنى. وثالثاً: إعادة الثقـة بالمؤسسة المعنية.

ويعد التخطيط للعمل أحد الشروط الهامة للنجاح والسيطرة على تداعيات الأزمة دون أية مفاجآت غير منتظرة. وهنا يؤكد خبراء العلاقات العامة أنه من الضروري أن تقوم المؤسسات المعنية بتقويم أداء وفعالية قنوات الاتصال عند نشوب الأزمات وخاصة قنوات الاتصال مع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. والحصول على أجوبة كافية على جملة من الأسئلة الهامة من بينها: 1- ما الفائدة المرجوة التي يمكن أن تجنيها الهيئة أو المؤسسة المعنية من خلال تعاونها مع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية وقنواتها المختلفة ؟ 2- وما الفائدة المتوقعة من تزويد وسيلة اتصال وإعلام جماهيرية معينة بمعلومات دقيقة طلبتها عن الهيئة أو المؤسسة صاحبة العلاقة ؟ 3- وما درجة المخاطرة التي تقدم عليها الهيئة أو المؤسسة المعنية من نشر تلك المعلومات عبر وسيلة اتصال وإعلام جماهيرية معينة ؟ 4- وما الفوائد والمصالح التي تجنيها وسيلة الاتصال والإعلام الجماهيرية تلك من إيصال المعلومات التي تحصل عليها من الهيئة أو المؤسسة إلى ساحتها الإعلامية ؟ 5- ومما تتألف تركيبة وبنية الساحة الإعلامية التي تتوجه إليها وسيلة الاتصال والإعلام الجماهيرية المعنية وإلى أي مدى تهتم تلك البنية والتركيبة بمصالح الهيئة أو المؤسسة صاحبة العلاقة ؟ 6- وما مدى استجابة قادة الرأي في القطاعات المستهدفة مع ما تطرحه وسيلة الاتصال والإعلام الجماهيرية تلك ؟ 7- وما مدى ملائمة طروحات الأنظمة والقوانين المعمول بها، ومدى تلبيتها لاحتياجات المجتمع قبل نشرها ؟ 8- وهل هناك وسيلة اتصال وإعلام جماهيرية أفضل لنشر المعلومات المقرر توجيهها إلى ساحة إعلامية أو شريحة اجتماعية معينة ؟ وكل ذلك من أجل تحقيق أفضل صورة من التعاون بين مجموعات العمل المختصة بإدارة الأزمات ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية كأفضل وسيلة للاتصال بالشرائح الاجتماعية المستهدفة من الحملة الإعلامية المعدة بدقة لمواجهة الأزمات من قبل إدارة العلاقات العامة في المؤسسة المعنية. وترتبط عملية الاتصال في ظروف الأزمات، بالتقديرات الدقيقة التي يضعها الخبراء للمخاطر، والفوائد المتوقعة من نشر المعلومات، لأن فاعلية المعلومات المنشورة ترتبط بالقدر الذي تؤخذ فيه النصائح المقدمة من كبار الخبراء، والمتخصصين العاملين في مجال العلاقات العامة. وتفرض الأزمات عادة إتباع طرقاً معينة مرتبطة بخصائص المشكلة لمواجهة الأزمة دون تقديم ضمانات تكفل الخروج السريع من الأزمة التي تواجهها الهيئة الحكومية أو مؤسسة المجتمع المدني اعتماداً على خبرات الخبراء والمتخصصين العاملين في مجال العلاقات العامة للخروج من الأزمة من خلال العوامل الرئيسية التي يمكن أن تضمن نجاح عملية الاتصال خلال الأزمة والتي تعتمد على: 1. وجود خطة محددة للاتصال من ضمن الخطة العامة المرسومة للتغلب على الأزمة؛ 2. وتشكيل فريق متخصص لمواجهة الأزمة عند نشوبها؛ 3. وتسمية شخص محدد للقيام بدور الناطق الرسمي لطرح البيانات الإعلامية والصحفية طيلة الفترة التي تمتد خلالها الأزمة. من ضمن معادلة: - من يتحدث ؟ - ومع من يتحدث ؟ - وعن ماذا يتحدث ؟ - ومتى يتحدث ؟ - وما الفائدة المرجوة من الحديث ؟.

وعلى مجموعات العمل المختصة بإدارة الأزمات عدم تجاهل العامل الاجتماعي في سياق الأزمة لأن العاملين في الجهة التي تعاني من أزمة معينة سيخوضون نقاشات دون تفويض من الجهة المعنية مع الأوساط الاجتماعية التي يعيشون ويعملون فيها وسيردون وفق إمكانياتهم الذاتية على الأسئلة التي ستوجه إليهم من مختلف الجهات، ولهذا على ما نعتقد يجب تضمين الخطة الموضوعة إشراك العاملين على مختلف مستوياتهم وتحديد أدوارهم في تنفيذ خطة مواجهة الأزمة للوصول إلى حد يمنع التصريحات الخاصة من خارج الخطة الموضوعة عن طريق شرح مساوئها للعاملين في الجهة المعنية وأخطار بث الإشاعات من قبل غير المختصين بمواجهة الأزمة، والإعلان عن الجهة المختصة للرجوع إليها داخل الجهة المعنية عد الحاجة، وعدم الاكتفاء بوسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية وحدها. ولا بد أيضاً من تسمية جهة مختصة معنية بجمع وتدقيق وتحليل وتقدير راجع صدى ومدى تأثير التصريحات الرسمية وغير الرسمية والشائعات واقتراح أساليب محددة للتعامل معها طيلة فترة الأزمة. لأنه من المعروف أن التصريحات الرسمية يقوم بإعدادها خبراء متخصصون متفرغون لمواجهة الأزمات يساعدهم مستشارون في المجالات القانونية والإعلامية والعلاقات العامة بشكل مركزي وبتفويض من إدارة الجهة المعنية في الأزمة توخياً للحذر والدقة للوصول إلى الأهداف المرسومة. وأن نأخذ بعين الاعتبار ضرورات الصراحة والعلنية في التصريحات، وتجنب نشوء نزاعات قانونية قد تثير أزمات قضائية غير متوقعة نتيجة لتلك التصريحات، لأن الخصوم يتمسكون عادة بحرفية ما يتم إعلانه لتحقيق أهدافهم وإثارة الأزمات، لأن الصراحة والعلنية من مسوغات مواجهة الأزمات من خلال وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وهو ما أكده روبرت ديلينشنايدر المدير السابق لإحدى كبريات الشركات المتخصصة في العلاقات العامة في الولايات المتحدة الأمريكية بقوله أنه: "على المؤسسة التي تتعرض لأزمة الخروج إلى الجمهور مباشرةً بعد الإعلان عن الأزمة عبر قنوات الاتصال ووسائل الإعلام الجماهيرية".

وبرأيينا هذا لا يمكن أن يتم دون ناطق رسمي متخصص في مجالات العلاقات العامة يتحرك داخل وخارج الجهة المعنية في الأزمة على حد سواء. ودور الناطق الرسمي عادة يسند لمدير الجهة المعنية بحكم وظيفته، ولكن الجهات المعنية خلال الأزمات كثيراً ما تلجأ لتعيين ناطق رسمي متخصص في مجال الأزمة الطارئة قادر على تقدير أهميتها وآثارها المحتملة وله إلمام كامل بطرق الاتصال والحوار مع الجمهور المستهدف والتعامل مع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. وعادة ما يكون الناطق الرسمي من أعضاء فريق العمل لمواجهة الأزمة، ومراعاة أن يكون هناك أكثر من بديل لاستبدال الناطق الرسمي خلال فترة الأزمة دون تعريض خطة الخروج من الأزمة لأية هزات قد لا يحمد عقباها. وعلى مدير الجهة المعنية في الأزمة أن لا ينسى أن يختار الناطق الرسمي من بين أكثر الأشخاص قبولاً من قبل القطاعات المستهدفة من الخطة المعدة للخروج من الأزمة، لأنه على عملية اختيار شخصية الناطق الرسمي تتوقف النتائج السلبية والإيجابية لعملية إدارة الأزمة. ويأتي دور العاملين في الجهة المعنية في الأزمة ضمن الخطة الموضوعة رديفاً ومكملاً لعمل الناطق الرسمي في حال لو أحسن فريق العمل مواجهة الأزمة، والعمل في أوساط العاملين في الجهة المعنية لإدخال الطمأنينة إلى نفوسهم على مصائرهم التي تهددها الأزمة العابرة، أولاً، ومن ثم رسم دور واضح لهم في عملية الاتصال الجارية مع الأوساط الاجتماعية اللذين هم جزءاً منها والاستفادة من عملية نقلهم لراجع الصدى الإعلامي للبيانات والتصريحات التي يسوقها فريق العمل من خلال نشاطاته لمواجهة الأزمة والخروج منها ومما يدور حول الجهة المعنية في الأزمة من شائعات وأقاويل لأن مصير الجهة المعنية في النهاية هو مصيرهم ومستقبلهم أيضاً وما يعنيها يعنيهم بشكل مباشر.

وتشمل مهام العلاقات العامة لدى الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني على الدوام العمل على تعزيز الثقة بين الإدارة والعاملين في الجهة المعنية وتعزيز الثقة المتبادلة بين الجهة المعنية وجمهورها، ومضاعفة العمل خلال الأزمات التي يتعقد خلالها سلوك قيادة الجهة المعنية بسبب بعض العناصر التي أشار إليها المتخصص الأمريكي بوب كاريل وتتمثل في: 1. صعوبة تحديد أبعاد الأزمة لحظة وقوعها؛ 2. وصعوبة تحديد الجهات التي قد تطالها الأزمة؛ 3. وصعوبة تفسير أسباب حدوث الأزمة والتي قد تستمر في بعض الحالات حتى نهاية الأزمة؛ 4. واستمرار شعور الأوساط الاجتماعية التي تمسها الأزمة بالخطر؛ 5. وتضخيم الشعور بالخطر لدى الأوساط الاجتماعية المعنية بالأزمة من خلال انتظارها للخبر اليقين؛ 6. واتخاذ قرارات نشر الأخبار التي تفرض نفسها من خلال الأزمة في حالة من التوتر الشديد؛ 7. وضرورة تقوية العوامل الانفعالية في سلوك من تمسهم الأزمة.

فيما يؤكد أكثرية خبراء العلاقات العامة على أن سلوك الإدارة خلال الأزمات يتحدد من خلال الانغلاق أو الانفتاح الذي تنتهجه الإدارة المعنية ومن فهمها للبعد النظري للثقافة الجماعية ومدى تلبيته لمطالب الأوساط الاجتماعية الداخلية والخارجية للجهة المعنية. والأولويات التي تضعها للاتصال بالأوساط الاجتماعية المعنية بالأزمة مركزياً وهامشياً، ومن ثوابت مواجهة الأزمات: 1. أن الأوساط الاجتماعية تتناقل الخبر عن طريق قنوات الاتصال الشخصي بين الأفراد بشكل سريع حتى قبل نشره في وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، مثال: وقوع انفجار في مصنع للكيماويات قريب من مناطق سكنية يسكنها العاملون في المصنع المذكور، أو وقوع كارثة في منجم تسكن أسر العاملين فيه بمنطقة قريبة من المنجم؛ 2. وميل البشر لتفسير مدى الأزمة وتأثيرها والأخطار التي تهدد الحياة من منظورهم الشخصي وكلها عوامل موضوعية أكثر منها ذاتية؛ 3. وهيبة المصادر الحكومية التي هي أكثر تأثيراً من المصادر الأخرى على الأوساط الاجتماعية؛ 4. وقياس جدية وحجم واتساع الأزمة من قبل الأوساط الاجتماعية، اعتماداً على مدى تغطية وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية لتداعيات الأزمة؛ 5. وتوفير أخبار عن الأزمة عبر وسائل اتصال وإعلام سهلة الانتشار، للحد من الشائعات ومساعدة الأوساط الاجتماعية على تقدير الأوضاع بدقة. ويبقي أن نقول أن إدارة الجهة المعنية بالأزمة هي المسؤولة بالكامل عن التغلب عليها من خلال تقديرها لمواقف الجهات الأخرى من الأزمة، وعلى نجاحها في إدارة الأزمة والتغلب عليها، وعلى التعامل مع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية يتوقف مدى ثقة الآخرين بها.

وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية من أقنية العلاقات العامة: مما لا شك فيه أن لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية عالية التطور والكفاءة والفعالية في عصر المعلوماتية تأثراً كبيراً على المجتمعات مهما تباينت وتعددت. حتى أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية غدت من قنوات عمل إدارات العلاقات العامة والإعلان وأصبحت تكمل بعضها بعضاً وتشترك معها بالدوافع والأهداف. ويعتبر الباحثون أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية تتألف من: - الصحافة المطبوعة؛ - والإذاعتين المسموعة والمرئية، واسعتي الانتشار عالمياً بعد دخول الأقمار الصناعية مجال نقل البث الإذاعي المسموع والمرئي؛ - وشبكة الانترنيت العالمية. وتستخدمها كلها إدارات العلاقات العامة والدعاية والإعلان. وتعد نشاطات إدارات العلاقات العامة والدعاية والإعلان لبلوغ أهدافها من أكبر الصناعات دخلاً لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في العالم. ومنذ نشوء الصحافة المطبوعة بدء الإعلان بالتسابق لشغل صفحاتها خدمة للمعلنين والقراء على حد سواء وتطور هذا السباق مع تطور وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية ورافق هذا التطور ظهور منتجين عمالقة في حقل الاتصال والإعلام والإعلان فرض معه اهتمام الباحثين بدراسات التأثير الإعلامي، ودراسات تأثير الاتصال الجماهيري، ودراسات تأثير الإعلان، ودراسات مدى تقدم الصناعات الآخذة بالتطور الدائم في مجالات الإعلام والاتصال والإعلان.

وكان من أول تلك الدراسات، دراسات وظائف وسائل الاتصال والإعلام الرئيسية في الإعلام والتثقيف والترفيه والتربية والتعليم. وأولها كانت الدراسات التي تناولت الصحف التي تعتبر القوة الاجتماعية والاقتصادية الهامة في المجتمع، والقوة الرئيسية في تشكيل الرأي العام، وتؤثر بشدة على الجهود الوطنية والدولية المبذولة من أجل التقدم الوطني والتفاهم العالمي. بعد أن تطورت الصحف من صفحة واحدة توزع محلياً إلى إنتاج متعدد الصفحات يوزع دولياً.

وأظهرت الدراسات أن الصحف الأولى صدرت في براغ، وإنفسبورغ عام 1597م، ودانيفر عام 1605 م، وبال عام 1610 م، وفيينا، وفرانكفورت عام 1615 م، وهامبورغ عام 1616م، وبرلين عام 1617م، ولندن عام 1622م، وباريس عام 1631م. ومع بداية القرن العشرين ظهرت الجمعيات الصحفية المهنية، وبدأ التطور التدريجي للصحف المملوكة من قبل الشركات المساهمة الكبرى، وتحولت الصحف إلى مؤسسات متكاملة بالتدريج. وتبعها ظهور أولى وكالات الأنباء، كوكالة هافاس، في باريس عام 1845 وكانت أول وكالة تمارس تجارة الأخبار والإعلانات في العالم؛ ووكالة رويتر للأنباء في لندن عام 1851، وتحول اسمها إلى رويترز فيما بعد؛ وجمعية أخبار الميناء Harbor News Association في نيويورك عام 1848 وتبدل اسمها إلى وكالة أنباء نيويورك أسوشيتد بريس New York Associated Press (AP) عام 1856؛ ووكالة وولف للأنباء في برلين عام 1849؛ ووكالة أنباء ستيفاني Stefani الإيطالية في عام 1853؛ ووكالة إنترناشيونال نيوز سيرفيس International News Service في نيويورك عام 1909؛ ووكالة التلغراف الروسية في موسكو عام 1918، التي تغير اسمها إلى الوكالة التلغرافية للاتحاد السوفييتي TASS تاس بعد قيام الاتحاد السوفييتي، وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي تحول إلى إيتار تاس؛ ووكالة أنباء الصين الحمراء في بكين عام 1929 التي بدلت أسمها إلى وكالة أنباء الصين الجديدة في 1/9/1937.

وتظهر الدراسات أن الصحف كانت تعتمد على مواردها من الإعلان في كل مراحل تطورها، إلا أن الإذاعة المرئية استولت فيما بعد على الحصة الأكبر من سوق الإعلان مما أثر على دخل الصحف التي تداركت الأمر وتمكنت من تطوير أساليبها في إنتاج وإخراج الإعلان، مما أعاد لها قيمتها الإعلانية المميزة. لأن قراء الصحف يتميزون بمستوى تعليمهم وقدرتهم على تدقيق وتحليل وفهم محتوى ما تنشره الصحف. وتلتها وسيلة الاتصال والإعلام الثانية ممثلة بأولى البرامج الإذاعية المسموعة اليومية المنظمة التي بدأت البث من ديتروا نيوز في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1920، وتبعتها بريطانيا التي نظم فيها دايلي مايل أول برنامج إذاعي مسموع في نفس العام. أما في فرنسا فقد نجح الجنرال فيري من إرسال أولى البرامج الإذاعية المسموعة عام 1921. ومنذ ذلك الوقت اعتبرت الإذاعة المسموعة من الوسائل التي تخاطب حاسة السمع دون الحاجة للتفرغ للقراءة كما تحتاجه الصحف، وتفوقها على الصحف باستثارة المستمع وتفاعله مع المادة المذاعة أو شخصية مقدم البرنامج وإثارة خيال المستمع لرسم الصورة الغائبة عنه من الوقائع والأحداث المذاعة فور وقوع الحدث، وإيجادها لنوع من الألفة بين المستمع والبرامج الإذاعية المسموعة. ويعتبر الخبراء أن الإذاعة المسموعة هي امتداد طبيعي للأذن. وجاء بعدها البث الإذاعي المرئي بعد أن بدأ مركز أليكساندر بلاس البريطاني للتلفزيون (كلمة التلفزيون مكونة من شقين TELE أي بُعد، VISION أي رؤية أي الرؤية عن بُعْد وهذا يسمح لنا بتسميتها بالإذاعة المرئية) بالبث لمدة ساعتين يومياً عام 1936، وتبعه المركز الفرنسي في لاتوريفال ببث برامج إذاعية مرئية يومية عام 1938، وتبعتهما الولايات المتحدة الأمريكية في العام التالي ببث إذاعي مرئي استهدف جمهور كبير. وجاءت الحرب العالمية الثانية لتؤخر البداية الفعلية لانتشار بث الإذاعة المرئية لجمهور العريض لما بعد انتهائها خلال الفترة الممتدة من عام 1945 وحتى عام 1946. وتعتبر الإذاعة المرئية امتداداً طبيعياً للعين، ومن أهم خصائص البث الإذاعي المرئي إضعاف الحاجز اللغوي، لأن الصورة تصبح مكملة للغة، والصورة بطبيعة الحال تخاطب مختلف المستويات الثقافية والاجتماعية، ومن النتائج السلبية للبث الإذاعي المرئي أنها تُعوِّد المتلقي على السلبية، وتقدم له الأخبار جاهزة، ولا تتيح له فرصة التفكير والاستعانة بتجاربه السابقة، وتفرض عليه نوعاً من التذوق أحادي الجانب، وتخضعه لضغوطات المؤسسات المالية والصناعية، ومصالح الجماعات الخاصة، أو النظم الحاكمة. بالإضافة لمقدرة الإذاعة المرئية على المزج بين قدرات الأداء المسرحي الحي بالنقل المباشر, والإمكانيات التقنية للأفلام السينمائية، وصوت الإذاعة المسموعة، لتوجيه الجمهور نحو أغراض محددة. وبذلك تمكنت الإذاعة المرئية من استخدام أفضل الإمكانيات المتوفرة لوسائل الاتصال والإعلام الأخرى التي سبقتها، ومزجت بين الموضوعية والذاتية لدى الجمهور، لأن الكاميرا ومختلف المؤثرات والوسائل الإلكترونية الأخرى التي تتمتع بها الإذاعة المرئية، مكنت كاتب ومخرج البرنامج من توجيه اهتمامات ومشاعر جمهور عريض نحو حافز معين وفق رؤيتهما الذاتية.

وأظهرت الدراسات أن فن الإعلان رافق وظائف الاتصال والإعلام على الدوام للدعوة لموضوع معين أو الإقناع بقضية معينة أو الترويج لسلعة منتج معين، أو خدمة تقدمها جهة معينة، مستفيداً من قدرتها على الاتصال الجماهيري الذي يتفوق في بعض الظروف على قدرات الاتصال الشخصي. ويعتمد فن الإعلان على قدرات الاتصال باستخدام رموز تحمل معنى مفهوم بنفس الدرجة لدى المعلن والجهة المستهدفة من الإعلان، ولكن قد لا يتم إلا إذا تحقق حد أدنى من التداخل بين مجالات خبرة المرسل (المعلن) وخبرة مستقبلي الإعلان ليؤدي لفهم مشترك لمعاني الرسالة الاتصالية بين المرسل والمستقبل، والى إحداث اتصال حقيقي مبني على المعرفة المتبادلة المشتركة للرسالة بين طرفي عملية الاتصال. وتطور استخدام الإعلان عبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وكان في مقدمة مستخدميه السياسيون والتجار على حد سواء للاستفادة منه لتحقيق أهدافهم كل في مجاله. وجاء الإعلان السياسي كوسيلة اتصال يدفع المُعْلِن ثمنها لقاء فرصة تتيحها وسيلة اتصال وإعلام جماهيرية لعرض خطاب سياسي هادف من أجل التأثير على مواقف وأفكار وسلوك مستقبلي الرسائل الإعلامية. ويعد الإعلان السياسي أكثر أنواع الاتصال تأثيراً على المجتمعات، يوظفها القادة السياسيون لتحقيق غاياتهم وأهدافهم لخداع الجماهير وإقناعهم وتسويق مرشحيهم والمبالغة في إعطائهم صفات لا تمت إلى الحقيقة بصلة. وجاء الإعلان التجاري لإقناع الجماهير والتأثير عليها لزيادة الطلب على سلعة المعلن وخلق صورة إيجابية عن المنشأة المعلنة وجهودها المبذولة لإشباع حاجات المستهلكين، وزيادة الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية.

مما دفع خبراء الاتصال لدراسة نظريات الاتصال وتأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، ويعتقد البعض أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية تتمتع بدرجة تأثير قوية على الجماهير، وأنها قادرة على تغيير العادات وسلوك وتصرفات الجماهير، وفق الآراء التي يقدمها القائمون على الاتصال الجماهيري معتمدين على مستوى شعبية وانتشار وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية القائمة آنذاك. ففي أوروبا مثلاً استخدمت الإذاعة, والصحافة, والأفلام السينمائية من قبل الأنظمة الديكتاتورية والشيوعية والفاشية لتحقيق غاياتها، واتجه خبراء الاتصال والإعلام آنذاك لاستخدام نتائج أبحاث علم النفس الاجتماعي وطرقها ومناهجها، لتحديد مدى تأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. وحرصت دراساتهم على معرفة الآثار الضارة والمحتملة لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية, ومدى تشجيعها على الانحراف والجريمة والتعصب العرقي والعدوان والانحلال والإباحية.

وفي البداية اهتم الباحثون بالتمييز بين أنواع التأثير الإعلامي الممكن على الجماهير تبعاً لخصائص الشرائح المستهدفة وصفاتها النفسية والاجتماعية، ثم تلته مرحلة اهتمام الباحثين بتأثير العوامل الوسيطة في عملية الاتصال والإعلام، ودور الاتصال الشخصي ودور البيئة الاجتماعية في تنشئة الجمهور. وتلتها دراسات بينت مدى استخدام وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية من قبل الساحات المستهدفة ومدى تأثيرها والبحث عن حوافز تدفع الجمهور لاستخدام وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية.

ورافقتها دراسات اهتمت بمدى تأثير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية وأكدت نتائجها على أن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية غدت أكثر شعبية وتأثيراً بعد انتشار الإذاعة المرئية خلال خمسينات وستينات القرن العشرين، كوسيلة اتصال وإعلام جماهيرية قوية تتمتع بشعبية جماهيرية كبيرة تفوق سابقاتها من وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التي سبقتها. ويشير د. محمد البشر أستاذ مادة نظريات التأثير الإعلامي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض في كتابه: نظريات التأثير الإعلامي. إلى نظرية ترتيب أولويات التأثير الإعلامي، ولخصها بأنها عوامل تصاحب مضامين الرسائل الإعلامية وتتمثل في ترتيب رسالة معينة من بين رسائل ومضامين مختلفة, وأنها تأخذ مساحة زمنية أو مكانية في وسيلة الاتصال والإعلام الجماهيرية, وتأخذ شكلاً معيناً لتقدم ما يميزها عن غيرها من العوامل المختلفة لإبراز والإشارة إلى اهتمام وسيلة الاتصال والإعلام الجماهيرية بقضية معينة. وأن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية تركز على موضوع معين أو شخص معين وتعطيه حيزاً كبيراً يدل على أن الموضوع أو الشخص له أهمية لدى الجمهور، الأمر الذي يجعله حاضراً باستمرار أو بكثرة في وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وأن الموضوعات الأخرى أو الأشخاص الآخرين ليس لهم أهمية تذكر لدى الجمهور. مما يؤدي إلى تضخيم تلك القضايا والأشخاص على حساب قضايا وأشخاص أهم، وبمجموعها قد تؤثر سلباً على الرأي العام حيال قضايا تهم الأمة. والحصيلة المعرفية لدى الجمهور الإعلامي تقتصر أحياناً على مسائل لا تتعدى غالباً البرامج الرياضية والترفيهية والموضوعات العاطفية, وتقديم شخصيات مزيفة هامشية غير منتجة لتقتدي بها العناصر الشابة في المجتمع عن طريق التقليد الأعمى. واعتبر د. محمد البشر أن إدمان الجمهور الإعلامي على استهلاك الرسائل الإعلامية التي تقدمها له وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية من خلال ترتيباتها الذاتية قد يؤدي إلى تشكيل رأي عام متأثر بما يقدم له من مواد وأطلق عليه تسمية التأثير التراكمي لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. وأشار إلى أن الجمهور يشارك بفاعلية في عملية الاتصال الجماهيري من خلال استخدامه لوسائل الاتصال لتحقيق أهداف مرجوة تلبي توقعاته. وأنه يمكن الاستدلال على المعايير الثقافية السائدة في المجتمع من خلال استخدامات الجمهور لوسائل الاتصال الجماهيرية, وليس من خلال محتوى الرسائل الإعلامية فقط. لأن رغبات مستقبلي الرسائل الإعلامية متعددة, والإعلام في أكثر الأحيان لا يلبي إلا بعضاً منها. وتشير نظريات الاتصال والإعلام الجماهيرية إلى أن الاتصال هو سر من أسرار الكون وتطوره، ويقول بعض الباحثين أن الاتصال هو الحياة نفسها، والاتصال هو عملية تواصل بين مرسل ومستقبل وليس عملية نقل، لأن الاتصال هو عملية مشاركة في الأفكار والمعلومات عن طريق عمليات إرسال واستقبال المعاني، وتوجيه وتيسير لها، ليتم استقبالها بكفاءة معينة، لخلق استجابة في وسط اجتماعي معين. وتتفق أغلب الدراسات التي تناولت هذا الموضوع، على تقسيم الاتصال إلى أنواع أو نماذج متعددة، منها: الاتصال الذاتي، والاتصال الشخصي، والاتصال الجماعي، والاتصال الجماهيري وكلها تستخدم وسائل وتقنيات معقدة باهظة التكاليف، منها: المواد المطبوعة والإذاعة المسموعة والمرئية والسينما ومنظومات الاتصال والمعلوماتية عبر الأقمار الصناعية، وشبكة الإنترنيت. ومع تعدد المدارس العلمية والفكرية للباحثين في هذا المجال تعددت مفاهيم ومعاني الاتصال، ومع تعدد الزوايا والجوانب التي أخذها الباحثون في اعتبارهم على المستوى العلمي يمكن الإشارة إلى مدخلين لتعريف الاتصال: المدخل الأول: ويعرف الاتصال على أنه عملية يقوم فيها طرف أول (مرسل) بإرسال رسالة إلى طرف مقابل (مستقبل) مما يؤدي إلى أحداث اثر معين على متلقي الرسالة؛ والمدخل الثاني: يعرف الاتصال على أنه تبادل للمعاني الموجودة في الرسائل الإعلامية، ومن خلاله يتفاعل الأفراد ويتبادلون ثقافات مختلفة من أجل توصيل المعاني، وفهم مضمون الرسالة الإعلامية.

بينما جاء تعريف الإعلام بأنه جزء من الاتصال، فالاتصال أعم وأشمل، ويمكن تعريف الإعلام بأنه: - عملية تبدأ بمعرفة المخبر الصحفي لمعلومات ذات أهمية، أي معلومات جديرة بالنشر والنقل، ويقوم بتجميع المعلومات من مصادرها، ومن ثم نقلها، والتعامل معها وتحريرها، ونشرها عبر صحيفة مطبوعة أو وكالة للأنباء أو إذاعة مسموعة أو مرئية إلى طرف مهتم بها وبتوثيقها؛ - وعملية الاتصال هي مشاركة، لا تنتهي بمجرد وصول الرسالة من المصدر (المرسل) إلى المتلقي (المستقبل)، لأن هناك عوامل وسيطة بين الرسالة والمتلقي تحدد تأثير الاتصال؛ - وفق ما لديهم من قيم ومعتقدات، وانتماءات اجتماعية وثقافية، تثير كلها ردود فعل معينة عند متلقي المعلومات والآراء، وتحدد مدى تأثره بتلك المعلومات والآراء. وفي هذا الإطار تطورت نماذج تشرح وتفسر عملية الاتصال، وظهر في البداية النموذج المكتوب الذي يرى أن عناصر الاتصال هي: - المرسل؛ - والرسالة؛ - والمستقبل. ولكن الدراسات التي أجريت منذ أربعينيات القرن الماضي بينت مدى قصور هذا النموذج .ومهدت تلك الدراسات لظهور نماذج تطورت بدورها من خلال الانتقال من الاتصال الثنائي إلى الاتصال الدائري، وعلى ضوئها تكونت عملية الاتصال من ستة عناصر أساسية هي: - المصدر؛ - والرسالة؛ - والوسيلة؛ - والمتلقي؛ - وراجع الصدى؛ - والتأثير. ويقصد بالمصدر الإعلامي منشئ الرسالة الإعلامية، وقد يكون فردا أو جماعة من الأفراد أو قد يكون مؤسسة إعلامية، وأطلق على المصدر تسمية القائم بالاتصال، واتفق على أن المصدر ليس بالضرورة قائم بالاتصال، وراحت الدراسات تشير إلى المراسل (ناقل الخبر)، والمحرر (صائغ الخبر)، والمذيع (ناشر الخبر)، والقارئ أو المستمع أو المشاهد (متلقي الخبر) ولكنها لم توضح دور المتلقي بعملية الاتصال. ويقصد بالرسالة المحتوى الذي ينقله المصدر إلى المستقبل برموز مفهومة ومتفق عليها (اللغة، الصورة، الإيماء، الإيحاء) تحقق الهدف من الرسالة الإعلامية. ويقصد بالوسيلة القناة التي يتم من خلالها نقل الرسالة الإعلامية وقد تكون: مادة مطبوعة في صحيفة أو مجلة أو كتاب، أو مذاعة عبر الإذاعة المسموعة أو المرئية أو غيرها من وسائل الاتصال الجماهيرية، أو عن طريق الاتصال المباشر بين المرسل والمتلقي لتكون الوسيلة اللغة والإيماءات والإيحاءات المستخدمة من الجانبين. ويقصد بالمتلقي الجمهور الذي يستقبل الرسائل الإعلامية ويتفاعل معها ويتأثر بها، وهو الهدف من عملية الاتصال. ويقصد براجع الصدى ردود فعل مستقل الرسائل الإعلامية ومدى فهمه واستجابته أو رفضه لها. وقد أصبحت ردود فعل المستقبل من أهم عناصر تقويم عملية الاتصال، وسعى الباحثون من خلالها لمعرفة مدى استقبال المتلقي للرسالة الإعلامية ومدى فهمه واستيعابه لها. ويقصد بالتأثير مدى تأثر المتلقي بالرسالة الإعلامية ونسبة التغيير الحاصلة في تفكيره وسلوكه.

ومع تطور وظائف وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية أخذت الحكومات ممثلة بوزارات الإعلام تتولى تحقيق أهدافها الداخلية والخارجية عن طريق تلك الوسائل، ورفع المستوى الثقافي للجماهير، سعياً منها لتطوير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية. وللتعرف على حضارات شعوب العالم ووجهات النظر الحكومية الرسمية من القضايا الدولية. ورافقها إنشاء كليات وأقسام في مؤسسات التعليم العالي والمتوسط تعنى بتدريس مادة الاتصال والإعلام الجماهيري. وإنشاء مراكز علمية مختصة بدراسات الاتصال والإعلام. وراحت مؤسسات المجتمع المدني الاقتصادية والسياسية والمهنية والاجتماعية تهتم بوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية وتخدمها وتساعدها على الازدهار. ليكون الإعلام القوي من دعائم تقوية نفوذ الدول على الساحة الدولية. وتشتمل وظائف وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية على: - الوظيفة الإخبارية؛ - ووظيفة تكوين الرأي العام؛ - ووظيفة توسيع الأفق الثقافي والمعلوماتي؛ - ووظيفة تنمية العلاقات العامة وتقوية التماسك الاجتماعي داخل المجتمع؛ - ووظيفة الترفيه والتسلية وسد أوقات الفراغ؛ - وأخيراً وظيفة نشر الإعلانات والدعاية. وتعني الوظيفة الإخبارية: قيام وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بنقل الأحداث والقضايا المهمة، ومتابعة تطوراتها وانعكاساتها على المجتمع، تلبية لحاجات الإنسان للتعرف على البيئة المحيطة به، والوقوف على ما يجري حوله من أحداث بحيادية ودقة ومصداقية. بينما تولت وظيفة تكوين الرأي العام إيجاد تعاون بين وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية ومؤسسات المجتمع من: عائلية واجتماعية وتعليمية ودينية واقتصادية وسياسية في مجالات توجيه الفرد وتقوية معتقداته وتكوين مواقفه واتجاهاته المهنية الخاصة، وتقوية اللغة الفصحى ضمن إطار التعلم المستمر مدى الحياة. وتقوم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بوظيفة توسيع الأفق الثقافي والمعلوماتي بالتثقيف المخطط له لرفع المستوى الثقافي والعلمي والمهني للشرائح الاجتماعية المستهدفة والبعيد عن التثقيف العفوي. كما وتهتم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بوظيفة تنمية العلاقات العامة وتقوية التماسك الاجتماعي داخل المجتمع عن طريق تنمية تبادل المعلومات بين أفراد المجتمع ومؤسساته الحكومية والمدنية والتعريف بالشخصيات الناجحة اجتماعياً، واقتصادياً، وسياسياً، وفنياً، وأدبياً، وتسليط الضوء على أسرار نجاحهم ليكونوا قدوة للأجيال الصاعدة. وتقوم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بوظيفة الترفيه والتسلية وسد أوقات الفراغ عن طريق شغل أوقات الفراغ وتوفير فرص الراحة للجمهور الإعلامي. أما وظيفة الإعلان والدعاية فتقوم بها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية عن طريق الإعلان عن السلع الجديدة التي تهم المستهلكين، والإعلان عن فرص عمل جديدة وشاغرة ومطلوبة، ومواعيد رحلات وسائل النقل البرية والبحرية والجوية، والإعلان عن إجراء المزايدات والمناقصات العلنية، ووضع التزامات الأحكام القضائية موضع التنفيذ، وتقديم نشرات الأحوال الجوية، والصيدليات المناوبة، والبرامج الإذاعية المسموعة والمرئية، وغيرها من الإعلانات. وتبقى المهمة الرئيسية لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التعريف بما هو جديد وتقديمه إلى الجمهور الإعلامي وعرض فوائده وحسناته في ظروف تعقدت فيها الحياة وتعددت الاختراعات والصناعات والاكتشافات العلمية والتكنولوجية والمعلوماتية. والاستمرار بما سبق وقام به الأب والأم، والأسرة، والمعلم والمربي، ومؤسسات التعليم العالي والمتخصص من أجل تطوير شخصية الفرد الوطنية والحيلولة دونها والانحراف عن الطريق القويم، لتكون وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية فعلاً جزءاً مهماً في عملية التعلم المستمر مدى الحياة التي تحتاجها المجتمعات بشدة من أجل التقدم والازدهار.

ومع تطور وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية تطورت نظريات الاتصال عبر التاريخ الإنساني من خلال المحاولات التي بذلها الباحثون لدراسة وتحليل عملية الاتصال ووصف أبعادها وعناصر تكونها، ودورها في تطوير وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. ونتيجة لتلك الأبحاث ظهرت نظريات ونماذج للاتصال الجماهيري من بينها: النموذج الذي وضعه الباحث ديفيد برلو، واشتمل على: - مرسل؛ - ورسالة؛ - ووسيلة اتصال؛ - ومستقبل. والنموذج الذي أعده الباحث ولبر شرام عام 1974 وطوره عام 1971، وقدم فيه العناصر الأساسية للاتصال وهي: - المصدر، صاحب الفكرة؛ - وأسلوب التعبير عن الفكرة وتحويلها لرموز وصياغتها على شكل نص رسالة إعلامية؛ - والمستقبل الذي يتلقى الرسالة ويقوم بفك رموزها؛ - وأخيراً الاستجابة لهدف الرسالة الإعلامية وراجع صداها الذي من المحتمل وصوله أو عدم وصوله للمرسل صاحب الفكرة. واعتمد شرام في نموذجه على أفكار سبق وقدمها الباحثان شانون وويفر حول راجع الصدى والتشويش الحاصل أثناء نقل الرسالة، وأضاف عليها في نموذجه النظام الوظيفي لعملية الاتصال مفاهيم جديدة مثل الإطار الدلالي، والخبرات المشتركة وأهميتها في عملية الاتصال. بينما أشار الباحث الإنكليزي ويلز H.G. Wellsإلى أن: "تطور التاريخ الإنساني هو ظاهرة اجتماعية واحدة تدفع الإنسان للاتصال بأخيه الإنسان، في مكان آخر أو مجتمع آخر" معتبراً أن تطور التاريخ البشري هو قصة رافقت تطور عملية الاتصال، وقسمها إلى مراحل هي: - الكلام؛ - والكتابة؛ - واختراع الطباعة؛ - ومن ثم مرحلة العالمية وهي مرحلة الإذاعة والاتصال الإلكتروني، وأن من مميزات هذه المرحلة من تطور الاتصال أنه أصبح للوسائل الإلكترونية دوراً مهماً في حياة المجتمعات، واستطاع الإنسان نقل أفكاره ومشاعره ومعلوماته عبر الحواجز الجغرافية باستخدام أجهزة الاستقبال الإذاعية المسموعة والمرئية؛ - لتأتي أخيراً شبكة الإنترنيت العالمية مكملة لما سبق من تطور علمي وتقني في مجال الاتصال الإنساني.

ومع ذلك تبقى نظرية مارشال ماكلوهين التي قدمها في أواسط القرن الماضي من أكثر نظريات الاتصال والإعلام انتشاراً ووضوحاً في ربطها بين الرسالة الإعلامية، والوسيلة الإعلامية، والتأكيد على أهمية الوسيلة في تحديد نوعية الاتصال وتأثيره، واعتبر ماكلوهين أن الوسيلة هي الرسالة وأوضح أنه لا يمكن النظر إلى المضامين التي تنشرها وسائل الاتصال الأعلام الجماهيرية بمعزل عن التقنيات التي تستخدمها تلك الوسائل، لأن التقنيات تؤثر على مضمون الرسائل الموجه للساحات الإعلامية وتسهم في تشكيل الرأي العام. واعتقده ماكلوهين أن تاريخ تطور الاتصال الإنساني مر بعدة مراحل هي: - مرحلة التخاطب الشفهي: أي مرحلة ما قبل اكتشاف حروف الكتابة؛ - ومرحلة ما بعد اكتشاف الكتابة ونسخ الكتب والتي استمرت لنحو ألفي عام؛ - ومرحلة اختراع الطباعة واستمرت من بداية القرن السادس عشر، وحتى نهاية القرن التاسع عشر؛ - ومرحلة عصر وسائل الاتصال والإعلام الإلكترونية التي بدأت في مطلع القرن العشرين ولم تزل مستمرة حتى الآن؛ - وأن تقنيات وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية المستخدمة في كل مرحلة من تلك المراحل ساعدت على تشكيل المجتمع أكثر من مضامينها الإعلامية. وأشار ماكلوهين إلى أن وسائل الاتصال والأعلام الإلكترونية ساعدت على تقليص الزمان والمكان على الكرة الأرضية ووصفها بـالقرية العالمية Global Villageوهي الأرضية التي ولد عليها مصطلح (العولمة) ورافقه الاتجاه الجديد للاتصال وتدفق المعلومات عالمياً، باتجاه نحو اللامركزية في الاتصال، وتقديم رسائل متعددة تلاؤم الأفراد والجماعات الصغيرة المتخصصة، واتخذت هذه اللامركزية مظهرين: الأول: ويتحكم به المرسل. والثاني: ويتحكم به المستقبل. عن طريق ربط الحاسبات الإلكترونية لتوفر خدمات متنوعة من الاتصال وتبادل المعلومات بدأت من اتساع انتشار الصحافة المطبوعة ونقل النصوص المكتوبة، والبرامج التلفزيونية والأفلام السينمائية، التي أصبح نقلها ممكناً عبر مسافات شاسعة وبسرعة فائقة.

ورأى الباحث الفن توفلر: أن البنية الإلكترونية الأساسية في الدول المتقدمة اقتصادياً تتميز بسمات تمثل مفاتيح المستقبل وهي: - التفاعلية؛ - وقابلية التحرك؛ - وقابلية التحويل؛ - وقابلية الربط؛ - وقابلية الانتشار؛ - والعولمة. ليفرض الاتصال معها خلال القرن الحادي والعشرين: - تكريس اللامركزية في الإرسال والاستقبال؛ - وتكريس الهيمنة والاندماج من خلال اتجاه وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية إلى التركيز في كيانات ضخمة وملكية مشتركة ومتعددة الجنسية؛ - وحدوث توافق بين التقنيات القديمة والتقنيات الحديثة. ومع تحول مؤسسات الاتصال والإعلام الجماهيرية في القرن الحادي والعشرين إلى شبكات ضخمة تتصارع المصالح داخلها، أصبح من الصعب دراسة ما يحدث داخل المؤسسات الإعلامية ودور القائمين بالاتصال فيها، وتحليل الاتصال كوظيفة اجتماعية، ودراسة دور ومركز العاملين في الصحيفة، أي الصحفيين والتقنيين، والظروف والعوامل التي تؤثر على اختيار مضامين الصحف، لأن الأخبار يصنعها الصحفيون، وهنا برزت أهمية دراسة الالتزامات المهنية، والأخلاقية، وطبيعة السيطرة المؤسساتية على عمل الصحفيين. وكانت أول دراسة كلاسيكية من هذا النوع الدراسة التي قام بها روس تن في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1937 وتناول فيها بالدراسة مراسلي الواشنطن بوست، وفي عام 1941 نشرت مجلة الصحافة الربع سنوية الصادرة في ولاية أيوا بالولايات المتحدة الأمريكية دراسة مهمة عن العاملين في صحيفة ملواكي، وبعد فترة طويلة ظهرت أبحاث أخرى تناولت القائمين بالاتصال والمؤسسات التي يعملون فيها.

ونشر ديفيد مانج وايت دراسته عن حارس البوابة، وجمع الأخبار، وكانت دفعة قوية للأبحاث الجارية في هذا المجال.

وبعدها طورت الأبحاث التي قام بها عالم النفس النمساوي الأصل الأمريكي الجنسية كرت لوين نظرية حارس البوابة الإعلامية. وذكر لوين: أنه على طول الرحلة التي تقطعها المادة الإعلامية حتى تصل إلى الجمهور تمر عبر نقاط أو (بوابات) يتم خلالها اتخاذ قرارات حول ما يدخل وما يخرج من تلك البوابات، وكلما طالت المراحل التي تقطعها الأخبار حتى تظهر في وسيلة الاتصال والإعلام الجماهيرية، تزداد المواقع التي يصبح فيها متاحاً لسلطة فرد أو عدة أفراد تقرير ما إذا كانت الرسالة ستنتقل بنفس الشكل أو بعد إدخال بعض التغييرات عليها، ليصبح نفوذ من يديرون هذه البوابات والقواعد التي تطبق عليها، والشخصيات التي تملك بحكم عملها سلطة اتخاذ القرار كبيراً في اتخاذ القرار حول انتقال المعلومات. ومع ذلك بقيت دراسات حارس البوابة تجريبية في الواقع وتناولت دراسات منتظمة حول سلوك الأفراد الذين يسيطرون في نقاط مختلفة، على مصير النصوص الإخبارية. وأوضحت الدراسات أن حراس البوابات الإعلامية هم صحفيون يقومون بتجميع ونقل الأنباء للتأثير على اهتمامات وإدراك الجمهور الإعلامي. وخلال خمسينات القرن العشرين أجريت سلسلة من الدراسات ركزت على الجوانب الأساسية لعمل حارس البوابة دون الإشارة للمصطلح قدمت تحليلاً وظيفياً لأساليب السيطرة والتحكم والتنظيم وأداء الوظيفة الاجتماعية في غرف إعداد الأخبار، وحللت الإدراك المتناقض لدور ومركز ووضع العاملين بالصحيفة ومصادر حصولهم على الأخبار، والعوامل التي تؤثر على اختيار المحررين للأخبار وطريقة عرضها. وقام بتلك الدراسات مجموعة من الباحثين الأمريكيين أمثال: وارن بريد جاد، وروى كارتر، وستارك، وجيبر، وروبرت جاد، ووايت، وكن مكرورى، وغيرهم. وفي عام 1951 نشر الباحث الأمريكي شارلي ميتشل دراسته عن غرف إعداد الأخبار والعاملين فيها. ونشر الباحث الأمريكي سابين دراسة عن كتّاب الافتتاحات في ولاية أوريجون. ونشر الباحث لورنس دراسة عن المحررين في كنساس. ولخص الباحث الأمريكي ولتر جيبر في مقالته "الأخبار هي ما يجعلها الصحفيون أخباراً" نتائج الأبحاث الأساسية التي أُجريت على حراس البوابة، وأجرى في عام 1956 دراسة على محرري الأنباء الخارجية في 16 جريدة يومية بولاية وسكونسن، تستقبل أنباءها من وكالة أنباء أسوشيتدبرس فقط.

وأظهرت الدراسات التي قام بها جيبر أنه إذا كان المحرر يختار عينة مما يصله من أنباء يمكننا أن نقول أنه قد وفق في أداء عمله، وأضاف: أنه يمكن عن طريق ملاحظة الأسلوب الذي يختار المحرر بمقتضاه الأنباء لفترة لا تزيد عن عدة أيام، يمكننا أن نتنبأ بما قد يختاره في يوم آخر. وكان الأمر المشترك بين جميع محرري الأنباء، الذين درسهم جيبر، الضغوط التي يفرضها الواقع البيروقراطي، وأن العمل في غرفة إعداد الأخبار يعتبر من أقوى العوامل تأثيراً، فمحرر الأنباء الخارجية يعمل دائماً من خلال حساباته الخاصة للضغوط الميكانيكية المترتبة في عملة، أكثر من اهتمامه بالمعاني الاجتماعية لتأثير الأخبار، وباختصار كانت ظروف إخراج الصحيفة والروتين البيروقراطي والعلاقات الشخصية داخل غرف إعداد الأخبار تؤثر على عمل المحرر.

وأظهرت دراسات جيبر حقيقتين تبعثان على القلق وهما: أولاً: أن محرر الأنباء الخارجية في سلوكه الاتصالي كان سلبيا ولم يلعب دورا فعالاً كقائم بالاتصال، فهو لا يدرس بشكل نقدي الأنباء التي تصله برقيا. وأنه هناك بعض الدلائل التي تشير إلى أن محرر الأنباء الخارجية كصحفي يعمل من مكتبه، وتختلف دوافعه عن المخبر الذي يتنقل من مكان إلى آخر كي يجمع الأخبار، مما يؤثر على ما يختاره المحرر من أنباء، لأن محرر الأنباء الخارجية قد يكون كسولاً، أو أنه أصبح كسولاً بسبب انعدام تشجيعه من قبل رؤساءه ليكون أكثر نشاطاً. وبشكل عام فالمحرر لا يختار برقياته بشكل يظهر معها أنه يقيّم ما يقدمه بشكل نقدي. وثانياً: أن محرر الأنباء الخارجية، كقائم بالاتصال، ليس لديه إدراك حقيقي لطبيعة الجمهور الذي يتوجه إليه، لأنه عملياً لا يتصل بذلك الجمهور. وفي حال إذا كانت المهمة الأساسية للصحيفة هي تقديم تقرير هادف عن الظروف المحيطة من أجل خدمة القارئ، فيمكن أن نقول أن أداء هذه المهمة كان بالصدفة فقط. لأن الصحيفة لم تعد تدرك أن هدفها الحقيقي هو (خدمة) جمهور معين أو الجمهور بشكل عام، لأن المجموعة التي تقوم بجمع الأخبار، والنظام البيروقراطي كثيراً ما تحدد الأهداف، أو تحدد ما يظهر على صفحات تلك الصحيفة. واستخلص جيبر أنه بدون دراسة القوى الاجتماعية المؤثرة على عملية جمع الأخبار لا نستطيع أن نفهم حقيقة تلك الأخبار.

ومن أعمق الدراسات التي أجريت على القائمين بالاتصال وتأثير القوى الاجتماعية على العاملين في الصحف، كانت الدراسة التي أجراها وارين بريد عام 1955 وخلص فيها إلى أنه هناك أدلة تشير إلى وجود عملية تأثير يسيطر أو يهيمن بمقتضاها مضمون الصحف الكبيرة والمحطات الإذاعية المسموعة والمرئية المرموقة على الطريقة التي تعالج بها الصحف الصغيرة الأخبار والموضوعات المهمة، أي أن الكبير يبتلع الصغير كما يقال في عالم الأحياء المائية، ولا شك أن هذا يحرم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية من القدرة على التغيير والتنويع وتعدد الآراء الذي يساعد على تكوين رأي عام واعي لما يدور من حول ما يقدمه القائمون بالاتصال. واستخدم بريد في دراسة أخرى التحليل الوظيفي ليظهر الكيفية التي تحذف بها الصحف الأخبار التي تهدد النظام السياسي والاجتماعي والثقافي أو تهاجمه، أو تهدد إيمان القائم بالاتصال بذلك النظام السياسي والاجتماعي والثقافي، ويقول بريد: أن سياسة الناشر عادة هي التي تطبق في أي صحيفة، بالرغم من مظاهر الموضوعية في اختيار الأخبار، وأن مصدر الجزاء الذي يناله الصحفي في الصحيفة ليس القراء الذين هم هدفه، ولكن زملاءه ورؤساءه في العمل، لذلك يعيد المحرر في الصحيفة تحديد وتشكيل قيمه لتحقق أكبر منفعة شخصية له. واستنتج بريد من تلك الدراسة: أن الظروف الموضوعية التي تحيط بالصحفي في غرفة إعداد الأخبار لا تؤدي إلى نتائج تفي بالاحتياجات التي تلبي أوسع متطلبات الديمقراطية.

بينما استخدم الباحث الأمريكي المعروف سوانسون أساليب المتابعة المباشرة والاستفسار ليحصل على معلومات عن الخصائص الشخصية ومعتقدات العاملين في صحيفة يومية صغيرة. ودرس بروس وستلي محرري الأخبار الخارجية في صحف ولاية وسكونسن باستخدام سلّم (قياس القيم)، وقارن من خلاله القيم التي يعتنقها المحررون وتؤثر على اختيارهم للأخبار. وقام بروس وستلي، ومالكلوم ماكلين بدراسة على القائمين بالاتصال، للتفرقة بين أدوار الاتصال المختلفة، وتعتبر هذه الدراسة من الدراسات المهمة في هذا المجال. والملاحظ أنه وجد في كل تلك الدراسات عنصر مشترك، يقول بأنها تركز الاهتمام على التفاعل بين الأنماط والأخلاقيات الصحفية المثالية والأساليب الاجتماعية والتنظيمية المقررة في المجتمع الأكبر، في ظروف متنوعة وأوضاع مختلفة، وقدمت تلك الدراسات فوائد كثيرة لوسائل الاتصال والأعلام الجماهيرية والخبراء لأنها ساعدت على الوصول إلى أحكام أكثر دقة عن العاملين بوسيلة الاتصال والإعلام الجماهيرية في إطار اجتماعي مباشر، وأبرزت الكثير من الأسئلة المهمة التي يجب التوصل إلى إجابات عليها.

والرسالة الإعلامية في نظرية حارس البوابة الإعلامية تمر بمراحل عديدة وهي تنتقل من المصدر حتى تصل إلى المتلقي، بسلسلة مكونة من عدة حلقات، وأبسط أنواع السلاسل هي سلسلة الاتصال المباشر، من فرد إلى فرد آخر، وفي حال الاتصال الجماهيري تكون هذه السلاسل طويلة ومعقدة جداً، لأن المعلومات التي تدخل شبكة اتصال معقدة مثل الصحيفة، أو محطة الإذاعة المسموعة والمرئية، وتمر بالعديد من الحلقات والأنظمة المتصلة، فالحدث الذي يحدث في فلسطين أو أفغانستان أو العراق أو لبنان مثلاً، يمر بمراحل عديدة قبل أن يصل إلى القارئ في أمريكا أو أوروبا أو أنحاء أخرى من الشرق الأوسط، ونجد قدر المعلومات التي تخرج من بعض الحلقات أو الأنظمة أكثر مما تدخل إليها. وأطلق عليها شانون تسمية أجهزة التقوية، فأجهزة التقوية في وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية تستطيع أن تصنع في نفس الوقت عدداً كبيراً جداً من الرسائل المتطابقة، كنسخ الصحف توصلها للجمهور، وأنه هناك نوعاً من السلاسل كشبكات معينة داخل الأنظمة، لأن وسائل الإعلام نفسها هي شبكات من الأنظمة المتصلة بطرق معقدة، تقوم بوظيفة فك الرموز والتفسير وتخزين المعلومات، ثم وضعها مرة أخرى في رموز. وهي الوظيفة التي يؤديها كل من القائمين بالاتصال، لأن الفرد الذي يتلقى رسائل وسائل الاتصال والأعلام الجماهيرية هو جزء من شبكة علاقات معقدو قائمة داخل الجماعة، ويتطلب واقع المجتمع الذي ترتفع فيه نسبة المتعلمين ودرجة التصنيع أُسلوب خاص لعمل الشبكة، يزداد معه اعتماد المجتمع المعني على سلاسل لوسائل الاتصال والأعلام الجماهيرية، أما المجتمع البدائي الذي تنخفض فيه نسبة المتعلمين ودرجة التصنيع فتنتقل فيه غالبية المعلومات عبر سلاسل الاتصال الشخصي. ومن المعروف أن يشكك الأفراد بصدق ما تنشره وسائل الاتصال والإعلام في المجتمعات التي تخضع فيها للسيطرة الحكومية، لتصبح سلاسل الاتصال الشخصي المباشر من فرد إلى فرد مهمة وطويلة جداًً تتطور إلى جانب سلاسل وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وفي هذه الحالة نجد أن سلاسل الاتصال الشخصي تنقل شائعات وأقاويل ومعلومات متنوعة من فرد إلى فرد، وتقوم بالرقابة على وسائل الاتصال والأعلام، وتحاول سد نواحي النقص المفترضة فيها.

وفي هذا الصدد أشار الباحث كرت لوين إلى أنه في سلاسل الاتصال الشخصي هناك فرد ما في كل حلقة من حلقات سلسلة الاتصال الشخصي يتمتع بحق تقرير ما إذا كانت الرسالة التي تلقاها سينقلها أو لن ينقلها، وأن تصل تلك الرسالة إلى الحلقة التالية بنفس الشكل الذي جاءت فيه أم أنه سيدخل عليها بعض التغييرات والتعديلات. وحارس البوابة الإعلامية يعني السيطرة على مكان استراتيجي في سلسلة الاتصال، بحيث تصبح لحارس البوابة سلطة اتخاذ القرار فيما سيمر من أخبار وكيف ستمر من خلال بوابته، حتى يصل الخبر في النهاية إلى وسيلة الاتصال الإعلامية ومنها إلى الجمهور الإعلامي. ويذكر لوين أن المعلومات تمر بمراحل مختلفة حتى تظهر على صفحات وسائل الاتصال والأعلام الجماهيرية، وأطلق لوين على هذه المراحل تسمية بوابات، وقال: أن هذه البوابات تقوم بتنظيم كمية من المعلومات التي ستمر من خلالها، وأشار لوين إلى مفهوم وظيفة البوابة تعني فهم المؤثرات والعوامل التي تتحكم في القرارات التي يصدرها حارس البوابة. وبمعنى آخر أنه هناك مجموعة من حراس البوابات يقفون في جميع مراحل سلسلة الاتصال التي يتم من خلالها نقل المعلومات، ويتمتع حراس البوابات بحق فتح بوابتهم أمام أي رسالة تأتي إليهم أو إغلاقها، كما أنه من حقهم أجراء تعديلات على الرسالة التي ستمر عبر بوابتهم على سبيل المثال: يستطيع أي فرد تقرير ما إذا كان سيكرر أو يردد إشاعة معينة أو لا يرددها، لأن الإشاعات حينما تنتقل من مصدر إلى مصدر تطرأ عليها في الغالب بعض التعديلات وتتلون وفق اهتمامات ومعلومات الفرد الخاصة ومن ثم يقوم بنقلها، وحينما تطول سلسلة الاتصال نجد أن بعض المعلومات التي تخرج في النهاية لا تشبه المعلومات التي دخلت منذ البداية إلا في نواح قليلة، فإذا أخذنا في اعتبارنا أن ما يحدث في سلاسل الاتصال التي تنقل الأخبار حول العالم. كالخبر المنقول من اليابان أو الهند أو أي دولة عربية إلى مدينة في ما في أمريكا الشمالية، يمر بمراحل كثيرة وأول حارس بوابة في هذه الحالة هو الفرد الذي لاحظ الحدث وقت وقوعه، ولنفترض أن ما حدث كان كارثة طبيعية وينتقي الفرد من دون شعور وصفاً لأشياء معينة لاحظها دون أشياء أخرى، أي أنه لاحظ أشياء وأغفل أشياء أخرى، ولهذا نراه يتحدث عن نواحي ويهمل نواحي أخرى. وبعد حارس البوابة الأول يأتي حارس البوابة الثاني، وقد يكون مخبراً صحفياً حصل على الخبر من شاهد عيان شاهد الحدث وقت حدوثه، وقد يتصل الصحفي بأكثر من شاهد عيان كي يكوّن فكرة كاملة عن الحدث، وفي جميع الحالات، يختار المخبر وينتقي الحقائق التي سينقلها للصحفي، والحقائق التي سيهملها، ويقرر الجوانب التي سيختارها محدداً أهمية الحدث بنفسه. وبعد ذلك يسلم الصحفي الخبر لمكتب وكالة الأنباء التي يعمل فيها. وفي وكالة الأنباء يقوم محرر آخر باتخاذ قرار معين حول الخبر ويقرر ما إذا كان سيختاره من بين مئات الأخبار لنقله إلى المشتركين في وكالة الأنباء أم أنه سيختصره ويضيف عليه أو يغيره أو ينقله كما ورد. وبعد ذلك يأتي دور محرر الأخبار الخارجية في وسيلة الاتصال والإعلام الجماهيرية التي تتلقى البرقيات، ليقرر مدى أهمية الخبر وبالتالي المساحة التي يجب أن يخصصها له. أي لا بد من اختيار مادة من بين مواد كثيرة وصلت إلى وكالة الأنباء، أو وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية لأن الأنباء تصل لهذه الوسائل من عدة مصادر ومن بينها وكالات الأنباء، والمراسلين الصحفيين في جميع أنحاء العالم، ومن الصحف الأخرى، ومن محطات الإذاعة المسموعة والمرئية. وحراس البوابة في جميع تلك المراحل يسمحون لنسبة محدودة من آلاف المواد الإعلامية التي تصلهم بالانتقال إلى المراحل التالية، وفي النهاية يختار المحرر في وسيلة الاتصال والإعلام الجماهيرية الأخبار التي سينقلها إلى المستهدفين، وكل قرار يتخذ بتوصيل أو نقل شيء ما، هو قرار فيه كبت وإخفاء لشيء آخر من الحقيقة، كنتيجة لعدد من الضغوط الذاتية، ولذا يتوجب علينا كصحفيين أن نحدد تلك الضغوط ونفهمها كي نفهم الطريقة التي تقوم بها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية لأداء عملها الوظيفي المطلوب منها.

وأشار الباحث الأمريكي مارشال ماكلوهين، إلى أن مضمون الرسائل (المواد) الإعلامية لا يمكن النظر إليه بمعزل عن التكنولوجيا التي تستخدمها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، فالكيفية التي تعرض بها المؤسسات الإعلامية الموضوعات، وطبيعة الجمهور الذي توجه إليه رسائلها الإعلامية، يؤثران على ما تنقله تلك الوسائل، وأن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التي يستخدمها المجتمع أو يضطر إلى استخدامها، تحدد طبيعة المجتمع وكيفية معالجته لمشاكله. وأن أي وسيلة إعلامية جديدة تشكل ظروفاً جديدة محيطة تسيطر على ما يفعله الأفراد الذين يعيشون في ظروف معينة، وتؤثر كلها على الطريقة التي يفكرون ويعملون وفقاً لها. لأن وسيلة الاتصال والإعلام الجماهيرية هي امتداد لحواس الإنسان، فالكاميرة التلفزيونية تمد أعيننا، والميكرفون يمد آذاننا، والآلات الحاسبة الإليكترونية (الكمبيوتر) توفر بعض أوجه النشاط التي كانت في الماضي تحدث في عقل الإنسان فقط، وهي مساوية لامتداد الوعي الإنساني. ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الحديثة، كامتداد لحواس الإنسان توفر للإنسان الزمن والإمكانيات وتشكل تهديداً لها لأنه عندما تمتد يد الإنسان وحواسه عبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، تستطيع هذه الوسائل أن تمد يد المجتمع إليها، كي تستغلها وتسيطر عليها. ولكي نمنع احتمال التهديد أكد ماكلوهين على أهمية إحاطة الناس بأكبر قدر ممكن من المعلومات عن ماهية وأداء وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، لأنه بمعرفة كيفية تشكيل التكنولوجيا الحديثة للبيئة المحيطة بنا، نستطيع أن نسيطر عليها ونتغلب تماماً على نفوذها أو قدراتها الحتمية. وبدلاً من الحديث عن الحتمية التكنولوجية، قد يكون من الأدق أن نقول أن متلقي الرسالة الإعلامية يجب أن يشعر بأنه مخلوق له كيان مستقل، قادر على التغلب على هذه الحتمية التي تنشأ نتيجة لتجاهل الناس لما يحدث حولهم. ويجب اعتبار التغيير التكنولوجي حتمياً لا مفر منه، وهو ما حدث فعلاً، ذلك لأننا إذا فهمنا عناصر التغيير التكنولوجي يمكننا أن نسيطر عليها ونستخدمها في أي وقت نريده بدلاً من الوقوف في وجهها، كما يحدث لدى البعض أحياناً !. ومن المشاكل التي تواجه عملية التبادل الإعلامي الدولية، مشكلة أهمية مراعاة ظروف البيئة الاجتماعية المحيطة بالإنسان، واختلافها من دولة إلى دولة، بل واختلافها من منطقة إلى أخرى داخل الدولة ذاتها، ومن هنا فمن الأهمية بمكان أن يحيط خبراء الإعلام والصحفيون بالاعتبارات البيئية والظروف الاجتماعية المحيطة بالإنسان. وإذا كان هذا الإلمام أكثر سهولة في الإعلام الداخلي فإنه أكثر صعوبة بالنسبة للإعلام الدولي، حيث تتعدد الاعتبارات البيئية وتتنوع الظروف واللغات، باختلاف من دولة إلى دولة، ومن منطقة إلى منطقة، ومن قارة إلى قارة. ومع تزايد وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية وتطورها واتساعها، أصبح العالم أقرب إلى القرية العالمية، ومما ساعد على ذلك تطور وسائل المواصلات وسهولة انتقال الأفراد والسياح، وهجرة السكان من أماكن سكنهم الأصلية، والإقامة الطويلة لرعايا دولة معينة لدى دولة أخرى بقصد الدراسة أو العمل، وتزايد حجم وسرعة وتنوع المراسلات، ودخولها عصر الحوار المباشر عبر الهاتف والتلكس والفاكس والبريد الإلكتروني بين مختلف دول العالم.

وتطور البث الإذاعي المسموع والمرئي واتسع باستخدام الأقمار الصناعية لأغراض الاتصال ونقل المعلومات. وساعد الاحتكاك بالأمم المتقدمة على حدوث تحول ثقافي واجتماعي عالمي، برزت معه قيم ومعتقدات جديدة لم تكن متوقعة من قبل. ومن هنا فإن على خبراء الإعلام والصحفيين أن يدركوا كل تلك المتغيرات عند إعدادهم وتنفيذهم للحملات الإعلامية الموجهة للداخل والخارج على السواء، كي لا تحدث إخفاقات تؤدي إلى عدم استجابة المستقبل لمضمون الرسالة الإعلامية الموجهة إليه، وأن لا تكون ردود فعله مغايرة لأهداف الحملة الإعلامية. وأن يؤخذ بالحسبان أيضاً اختلاف درجات التقدم الاجتماعي والثقافي والعلمي والتكنولوجي، وتباين النظم والمعتقدات السياسية والإيديولوجية بين دول العالم المختلفة، ودرجات التباين حتى بين دول النظام المتشابه. وحدد مارشال ماكلوهين في نظريته تكنولوجيا وسائل الإعلام التي تعتبر من النظريات الحديثة عن دور وسائل الاتصال والأعلام الجماهيرية وتأثيرها على المجتمعات، أربعة مراحل لتطور التاريخ الإنساني وهي وفق رأيه: - مرحلة المخاطبة الشفهية القبلية؛ - ومرحلة نسخ المخطوطات التي استمرت لنحو ألفي عام؛ - ومرحلة عصر الطباعة والتي استمرت من القرن الخامس عشر وحتى نهاية القرن التاسع عشر؛ - ومرحلة عصر وسائل الاتصال والإعلام الإلكترونية التي بدأت من مطلع القرن العشرين ولم تزل مستمرة. وأن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في كل مرحلة ساعدت على تشكيل المجتمعات عبر التطور الإنساني، واعترف ماكلوهين أن نظريته جاءت تطويراً لأعمال: أرد لويس موفورد (1934)؛ وإتش. جي. تشايتور (1945)؛ وسيغفريد غيودون (1948)؛ وهارولد أنيس (1951)؛ ويه. إتش. غومبريتش (1960). وأكد على انتقال البشرية من الاتصال الشفهي إلى الاتصال المكتوب ومن ثم العودة للاتصال الشفهي مرة أخرى. وعن الاتصال الشفهي يقول ماكلوهين أن البشر يتكيفون مع الظروف المحيطة بهم عن طريق إيجاد توازن بين حواسهم الخمس: - السمع؛ - والبصر؛ - واللمس؛ - والشم. وأن اختراع غوتينبرغ للطباعة عن طريق الحروف المتحركة خلال القرن الخامس عشر قلب التوازن القائم على الحواس الخمس لتفقد حاسة السمع سيطرتها على عملية الاتصال لتأخذ محلها حاسة البصر في القراءة عن طريق الاتصال بالكلمات المطبوعة التي أخذت تحل بالتدريج مكان ذاكرة الأجيال المتعاقبة، وليصبح خزن المعلومات المطبوعة على الورق واسترجاعها من الأساليب الناجعة للاتصال. وأطلق ماكلوهين على المرحلة المعاصرة تسمية عصر الدوائر الإلكترونية وشملت: - أجهزة الاتصال البرقية؛ - وأجهزة الهاتف؛ - والسينما؛ - والإذاعتين المسموعة والمرئية؛ - وأجهزة الفاكس؛ - والحاسبات الآلية (الكمبيوتر)؛ - والعقول الإلكترونية الناطقة؛ - والبريد الإلكتروني.وكلها أعادت الإنسان لاستخدام حواسه مجتمعة. وأن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الجديدة التي اختصرت المسافات وتخطت الحواجز حولت العالم بالفعل إلى قرية عالمية Global Village. وحولت وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الجديدة إلى وسيلة نموذجية للتعليم المستمر مدى الحياة. لأن وسيلة الاتصال تحولت إلى رسالة إعلامية غدت الأساس في تشكيل المجتمعات وقللت من شأن المضمون الإعلامي. وأشار ماكلوهين إلى أنه أضحى اتصال الجمهور الإعلامي لكل وسيلة يفوق حبه لها اهتمامه بمضمونها ساخناً كان أم بارداً (وهذا يفسر وجود علاقة عاطفية تربطه بوسيلة الاتصال والإعلام الجماهيرية). وجاءت نظرية التقمص العاطفي التي سبق وأشار إليها: أفلاطون، وسان جون، وسان أوجستين، وسان الاكويني، وسبينوزا، في مؤلفاتهم، ليعتبرها آدم سميث، وهربرت سبنسر، عملية انعكاس بدائي للمشاعر، وليناقشها الباحثين ليبس، وريبوت، وشلير، من خلال تحليلهم للعواطف. ويرجع الفضل لإدخال مصطلح العاطفة في اللغة الإنجليزية إلى تيوردور ليبس الذي سماها الشعور بالأشياء، وطوره الباحث جورج ميد في نظريته التقمص العاطفي في كتابه "العقل والنفس والمجتمع" وافترض أنه حينما نتوقع أو نستنتج مشاعر الآخرين، وما سينتج عنها من ردود فعل، وحينما نخرج بتنبؤات، عن السلوك الشخصي للإنسان، واستجاباته الخفية، وحالاته الداخلية ومعتقداته، والمعاني لديه، وأنه حينما نطور التوقعات لنتنبأ ونفترض أن لدينا مهارة ما هي حالة يطلق عليها علماء النفس التقمص العاطفي، أي القدرة على الإسقاط وتصور أنفسنا في ظروف الآخرين، وتساعدنا على تطوير تلك القدرة، والانتقال من مكان إلى مكان آخر. وتعمل وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية على تطوير المقدرة على التقمص العاطفي بين الأفراد الذين لم يغادروا مجتمعاتهم المحلية أبداً، لأن تلك الوسائل نقلت العالم الخارجي إليهم. ونظرية التقمص العاطفي هي جزء لا يتجزأ من الاتصال، لأنها تربط بين ذهن المرسل وذهن المتلقي، والتقمص العاطفي هو مقدرة فهم ما يدور في ذهن شخص آخر، كأن نقول لشخص آخر أننا نفهم مشاعرك.

فكيف يتحقق التقمص العاطفي ؟ وما هي قيمته في إطار عملية الاتصال ؟ فالفرد يكتسب المقدرة على التقمص العاطفي بالتحرك المادي من مكان إلى آخر أو عن طريق التعرض لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، التي تجعل التحرك السيكولوجي يحل مكان التحرك المادي أو الجغرافي، وقيمة التقمص العاطفي للاتصال يمكن تلخيصها بأننا كي نتصل بالآخرين يجب أن تتوافر عندنا ثلاثة عناصر على الأقل وهي: وسائل مادية للاتصال؛ وراجع صدى؛ ومقدرة على التقمص العاطفي. والمقدرة على التقمص العاطفي، هي الخروج باستنتاجات عن الآخرين، وتغيير تلك الاستنتاجات لتتفق مع الظروف الجديدة، وهذه المقدرة معروفة منذ ألفي عام، وهناك نظريتان عن التقمص العاطفي: - نظرية تقول أننا نجرب الأشياء مباشرة، ونفعل ما يفعله الآخرون وفقاً لخبراتنا الذاتية، أي أن نفترض أن جميع الناس سوف يتصرفون بنفس الطريقة التي نتصرف بها، وأننا لا نستطيع أن نتنبأ بما سيفعله الآخرون، إن لم نمر نحن أنفسنا بنفس التجارب التي يمر بها الآخرون. - والنظرية الثانية تقول أننا نحاول أن نضع أنفسنا في ظروف ومواقف الآخرين، وفي اتصالنا نتحول من الاستنتاجات إلى اخذ أدوار الآخرين، على أساس تنبؤاتنا. فكيف نطور المقدرة على التقمص العاطفي ؟ وهذا السؤال أساسي يواجهه طلبه الاتصال والإعلام والعلاقات العامة دون إيجاد رد قاطع عليه، فهناك نظريات للتقمص العاطفي تتفق مع الأدلة التي تم التوصل إليها عن طريق البحث، ولكننا نستطيع أن نعرف التقمص العاطفي بأنه عملية نتوصل من خلالها لتوقعات عن الحالات السيكولوجية الدائرة داخل الإنسان. ولمعرفة كيفية حدوث ذلك ؟ نذكر أنه هناك ثلاث وجهات نظر أساسية للتقمص العاطفي، وترى واحدة من المدارس الفكرية أن التقمص العاطفي غير موجود، لأننا لا نستطيع تطوير التوقعات، ومؤيدي هذا الرأي يؤمنون بنظرية التعلم البسيطة المكونة من منبه واستجابة، وأصحاب هذه النظرية يقولون أن كل ما لدينا في عملية الاتصال هي مجموعة من الوسائل، ورسالة يقدمها شخص ما، ليدركها شخص آخر، وبمعنى آخر أنه هناك منبهات واستجابات لها. ونظرية التعلم البسيطة تفسر التعلم عند الحيوان، ولكنها لا تفسر السلوك البشري، لأن البشر يطورون توقعاتهم ولديهم المقدرة على تصور أنفسهم في حالات وظروف نفسية للآخرين، ولهذا لا نستطيع أن نقبل الرأي الذي لا يعترف بوجود التقمص العاطفي، ولا نستطيع تطوير توقعاتنا وتنبؤاتنا، دون حدوث عملية تفسيرية تسبق الاستجابة، لأن تطوير التوقعات يحتاج إلى موهبة من نوع ما، فنحن بحاجة للتفكير بالأشياء التي لا نراها ولم نجربها، ولكي تكون لدينا توقعات لابد أن نتحدث عن أشياء غير موجودة، ونحن بحاجة لصنع تلك الرموز والتأثير عليها، لأن الإنسان يختلف عن الحيوان في تطويره لكلتا المهارتين اللتين سبق وأشرنا إليهما، وأن الإنسان قادر على أدراك الرموز والتأثير فيها، وصنع رموز تخدم أغراضه، ولهذا يستطيع إعادة تقديم أشياء غير موجودة أمامه، وتقديم ما لم يحدث وما لا يجري حدوثه الآن، وأن الإنسان يملك مهارات فردية تختلف بين البشر. ولهذا رفض الباحثون الرأي الذي لا يعترف بمفهوم التقمص العاطفي، معتمدين على أننا جميعاً نتوقع المستقبل، ونقوم بتنبؤ العلاقة بين: - السلوك الذي نقدم عليه؛ - والسلوك الذي يقدم عليه الآخرون استجابة لسلوكنا؛ - والتنبؤ بالاستجابة التالية التي نقدم عليها بناء على سلوك الآخرين. أي أننا نقوم بأفعال وردود أفعال، من خلال تطوير توقعاتنا عن الآخرين وتأثيرهم على أفعالنا قبل قيامنا بها، وهو ما يعني التقمص العاطفي.

ومن النظريات المعروفة للتقمص العاطفي نظريتان تتحدثان عن أسس التقمص العاطفي وتتفقان على أن تنبؤات الإنسان عن الحالات السيكولوجية الداخلية تعتمد على السلوك المادي الذي يمكن ملاحظته، وكلتاهما تتفقان على أن الإنسان يقوم بتكوين التنبؤات عن طريق استخدام رموز تشير إلى السلوك المادي والتأثير على تلك الرموز. وتعتمد وجهات النظر حول التقمص العاطفي على: أولا – نظرية الاستدلال العاطفي : التي تقول أن الإنسان يلاحظ سلوكه المادي مباشره، ويربط سلوكه رمزيا بحالته السيكولوجية الداخلية أي بمشاعره وعواطفه.. الخ، ومن خلال هذه العملية يصبح سلوكه الإنساني معنى بتفسيراته للمعنى. ويطور الفرد مفهومه عن ذاته بنفسه على أساس ملاحظاته وتفسيراته لسلوكه الشخصي. ومفهوم الذات يتصل بالآخرين عن طريق ملاحظة سلوكهم المادي، وعلى أساس التفسيرات السابقة للسلوك وما ارتبط به من مختلف المشاعر والعواطف، ويخرج باستنتاجات عن حالة الآخرين السيكولوجية. بمعنى أن يقول لنفسه: إذا كان سلوكي يعكس مشاعر، وإذا قام شخص آخر بهذا السلوك فهو أيضا يعكس نفس المشاعر التي أشعر بها عندما قمت بهذا العمل. ويفترض هذا الرأي في التقمص العاطفي أن الإنسان لديه معلومات مبدئية عن نفسه، وعن الناس الآخرين بالدرجة الثانية. وأن الإنسان لديه المقدرة على فهم نفسه، وعن طريق تحليله لسلوكه الذاتي يستطيع أن يخرج باستنتاجات عن الآخرين انطلاقاً من أنه هناك تماثل بين سلوك الآخرين وسلوكه الفردي. ومن الأمثلة على ذلك أنه يضرب المرء المنضدة بيده كلما شعر بالغضب وشاهد شخصاً آخر يقوم بنفس الفعل عند الغضب فتدفعه أحاسيسك الداخلية لاستنتاج ذلك اعتماداً على: - ملاحظتك لسلوكه؛ - ومقارنة سلوكه بالسلوك المماثل الذي أقدم عليه شخصاً آخر عند شعوره بالغضب. وتأخذ نظرية الاستنتاج في التقمص العاطفي هذا الافتراض من خلال أن: - الإنسان لديه معلومات مبدئية عن أحاسيسه الداخلية، ومعلومات عن الأحاسيس الداخلية للآخرين من الدرجة الثانية؛ - وأن الآخرون يعبرون عن أحاسيسهم الداخلية بأداء نفس السلوك الذي قمت به للتعبير عن مشاعرك؛ - وأن الإنسان لا يستطيع فهم الحالة الداخلية للآخرين، إن لم يجرب تلك الحالة، فالإنسان لا يستطيع أن يفهم العواطف التي لم يشعر بها والأفكار التي لم تخطر بذهنه وهكذا. فإذاً نحن بحاجة لاستخدام أسلوب آخر في معالجة التقمص العاطفي يفسر نجاحنا في تنبؤ سلوك الآخرين، وتوقع ذلك السلوك من خلال أسلوب يفترض أن الناس ليسوا متماثلين. علاوة عن أنه هناك دلائل تشير إلى عدم صحة افتراض نظرية الاستنتاج التي تقول أننا لا نستطيع أن نفهم المشاعر الداخلية للناس الآخرين ما لم نجربها بأنفسنا، وحقيقة أن الإنسان يفهم بشكل أفضل تلك الأشياء التي جربها بنفسه، ولكنه يستطيع بالرغم من ذلك أن يفهم جزئياً بعض المشاعر التي لم يجربها، على سبيل المثال نستطيع أن نحس بشعور آلام الأم وهي تلد طفلها دون المرور بالتجربة ذاتها، وأن نتصور مشاعر السعادة التي يشعر بها الفرد عند تحقيق النجاح دون المرور بتجربته، لأن التجربة تزيد فهمنا للنجاح، ولكنها ليست أساسية لفهم النجاح. وثانيا : نظرية أخذ الأدوار في التقمص العاطفي :وتقول أن الإنسان يكوّن مفهوماً معيناً عن ذاته قبل أن يتصل بالآخرين، وأننا نحاول فهم سلوك بعض الأفراد وأن نفسر نتائج ذلك السلوك من خلال التقمص العاطفي عن طريق التقليد وتوقع الثواب والعقاب، وتطويره عن طريق الاتصال، وعن طريق أخذ أدوار الآخرين وعن طريق التصرف نحو الآخرين، كمحور للاتصال، وعن طريق تطوير وتعميم المفاهيم عن الآخرين. ونظرية الاستنتاج تفترض وجود مفهوم عن الذات، يمكننا من التقمص عاطفياً باستخدام مفهوم الذات، لنخرج باستنتاجات عن حالات الآخرين الداخلية، وترى نظرية الاستنتاج أن مفهوم الذات يحدد كيفية التقمص عاطفياً، أما نظرية أخذ الأدوار فتعالج الموضوع من الناحية الأخرى تماماً. وكلا النظريتين تعطيان أهمية كبيرة لطبيعة اللغة والرموز المستخدمة في عملية التقمص العاطفي وتطوير مفهوم الذات لأن الإنسان يستخدم كل تلك الأساليب في التقمص العاطفي، ويأخذ الأدوار التي تعجبه، فكل منا يأخذ أدوار الآخرين، وكل منا يعمم خبراته على الآخرين، والطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا تحدد مفهومنا أو أسلوبنا في التعميم على الآخرين، والمضمون الاجتماعي الموجود وتوقعات الآخرين عن سلوكنا. وحينما نتقمص عاطفياً، ولا نجازى علي تقمصنا العاطفي نضطر للجوء إلى إما: - أن نحرف سلوك الآخرين الذي أدركناه لنجعله يتفق مع توقعاتنا؛ - أو أن نعيد النظر بالصورة الذهنية التي كوناها عن أنفسنا، ونعيد تعريفنا لذاتنا، أو أن نعود مرة أخرى لأخذ الأدوار السابقة. وإذا لجأنا إلى الحل الأول وحرفنا ما ندركه، فسنتحول إلى مرضى نفسيين، وتصبح تصوراتنا غير واقعية، وينتهي بنا المطاف في مستشفى الأمراض النفسية، وهذا ليس مرغوب، وهنا نستطيع التنبؤ بأن مشكلة الصحة العقلية متصلة بعدم قدرة الإنسان أو عدم رغبته في تغيير صورته الذهنية عن نفسه، حينما يجد أن هذه الصورة غير مجزية في الظروف الاجتماعية المحيطة به. وإذا لجأنا للحل الثاني وأعدنا تعريف الذات فإننا نعود لأخذ أدوار الآخرين، وتطوير مفهوم جديد للتعميم عن الآخرين، وإيجاد مجموعة جديدة من التوقعات عن سلوكنا، لنعود إلى أنفسنا ونغير سلوكنا وفقاً لذلك ومرة أخرى نخرج باستنتاجات عن الناس الآخرين.

لأن عمليتا القيام بالدور والاستنتاج تسيران سوياً دائماً، وتعني أن الإنسان يكيف نفسه، ويستطيع أن يغير سلوكه ليتفق مع الظروف المحيطة والوضع الاجتماعي الذي يجد نفسه فيه، ويطور توقعاته ويقوم بأدوار الآخرين والخروج باستنتاجات. ولوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية دور في تنمية المقدرة على التقمص العاطفي، ومن النظريات التي تناولت هذا الجانب نظرية عالم الاجتماع الأمريكي دانييل لرنر الذي افترض أن المقدرة على التقمص العاطفي تعتبر من الخصائص الأساسية اللازمة لانتقال المجتمع من الأسلوب التقليدي إلى الأسلوب الحديث، ويفترض أن هذه الخصائص كانت في الماضي تكتسب عن طريق تحرك الأفراد مادياً وانتقالهم من مكان إلى أخر واختلاطهم بالآخرين، أما في القرن العشرين فأخذت هذه الخاصية تكتسب مقوماتها أساساً عن طريق وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التي تنقل العالم الخارجي إلى الأفراد الذين لم تتح لهم فرص السفر والانتقال وترك مجتمعاتهم المحلية .وربط لرنر المقدرة على التقمص العاطفي بالتسلسل التاريخي الجاري في المجتمعات الغربية، فأشار في استعراضه لانهيار المجتمع التقليدي في الشرق الأوسط مستخدماً المواد التي جمعها له مركز الأبحاث التطبيقية في جامعة كولومبيا الأمريكية، عن ست دول في الشرق الأوسط، وبناء على المواد التعليمية التي حصل عليها من 54 دولة، على أنه هناك مراحل محددة يمر بها المجتمع ليصل إلى المرحلة الحديثة، فالمدينة تتسع لتضم القرى المجاورة، ونسبة كبيرة من الأفراد أخذت تتعلم القراءة والكتابة، وتعلم كيفية تكوين الآراء، وأن نسبة أكبر أصبحت تشتري الصحف وتستمع إلى الإذاعة المسموعة، ونسب أكبر اكتسبت القدرة على التقمص العاطفي وأخذت تصور نفسها في مواقف وظروف الآخرين، ليتسع معها نطاق المساهمة السياسية والاقتصادية. واستخلص لرنر نظريته من التطور التاريخي، مستعرضاً تطور الديمقراطيات الغربية، وأن عملية التحضر أظهرت تسلسلاً وخصائص يمكن أن تكون عالمية، تحدث في جميع المجتمعات، وفي كل مكان حدث فيه الانتقال إلى المدن زادت نسبة المتعلمين، وزيادة نسبة المتعلمين رفعت نسبة المتعرضين لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وهذه الزيادة سارت بالتوازي مع اتساع الإسهام الاقتصادي، والدخل القومي، والإسهام السياسي عن طريق المشاركة في الانتخابات، وأن هذا التسلسل حدث في الديمقراطيات الغربية وهو حقيقة تاريخية، وصحبت تلك التطورات ظهور تطور تاريخي له خاصية سيكولوجية تعبر عنها مقدرة الأفراد على تصور أنفسهم في ظروف الآخرين، وتميزت المجتمعات الغربية في مراحل تطورها الأولى بالاتسام بأوضاع غير ثابتة، وجرت فيها هجرات متواصلة للوصول إلى أراض جديدة (ونعتقد أن لرنر قصد الفترة الاستعمارية)، حيث استطاع الناس تحقيق أرباح، وأصبح الأفراد الذين تركوا أوطانهم يتميزون بشخصيات متبدلة، وبقدرات عالية على استيعاب الجوانب الجديدة في الظروف المحيطة بهم، وأنهم تحركوا وهم مهيئون ومجهزون لاستيعاب أوضاع جديدة لا يعرفونها يفرضها عليهم محيطهم الخارجي الجديد، ليواجهوا أشياء لم يجربوها من قبل، وهذا الاستعداد جعلهم قادرين على التقمص العاطفي. وأن المجتمع التقليدي مجتمع لا يساهم أفراده في النشاطات السياسية، وأن القرابة هي أساس التعامل فيها، وأن الجماعات الصغيرة منعزلة عن بعضها البعض وعن المركز في العاصمة، وأن حاجات المجتمع التقليدي قليلة، وليس هناك تبادل تجاري بين أجزاء المجتمع المختلفة، وأنه من دون الروابط التي نشأت نتيجة لاعتماد أجزاء المجتمع على بعضها البعض يضيق أفق الأفراد، وتقلل قدراتهم على التحليل، لأن اختلاطهم بالآخرين قليل إن لم يكن معدوماً، وأن إدراك الأفراد في المجتمع للحوادث الجارية يقتصر على ما عرفوه من خبراتهم القليلة السابقة المحصورة في نطاق مجتمعاتهم الصغيرة، وهم غير قادرون على فهم ما لم يجربوه بشكل مباشر، كما أن معاملاتهم كانت مقصورة على الأفراد الذين يتصلون بهم مباشرة عن طريق علاقاتهم الشخصية، لذلك لا تظهر أي حاجة للمناقشة بين الأفراد والجماعات في الأمور العامة، المتعلقة بالدولة والنظريات السياسية، أي أن الفرد لا يحتاج للنقاش وتبادل الآراء للاتفاق مع الآخرين الذين لا يعرفهم، كما أن المجتمع لا يحتاج للفرد للوصول إلى إجماع الرأي في الشؤون العامة، لأن تجربة الفرد محدودة بحدود النطاق المحلي ولا يستطيع أن يتصور ذهنه انتمائه لدولة كبيرة. وللخروج باستنتاجاته أجرى لرنر دراسة ميدانية تناولت عينة مكونة من 1357 فرد من الشرق الأوسط طلب منهم الرد على تسعة أسئلة من بينها: إذا كنت رئيساً للحكومة، أو محرراً في صحيفة، أو مديراً لمحطة إذاعية، فما الذي كنت ستفعله ؟ واكتشف أن الأفراد التقليديين يصابون بصدمة من أسئلة من هذا النوع ويستغربون توجيه مثل هذه الأسئلة لهم، أما المتميزين بمقدرة التقمص العاطفي، فكانت شخصياتهم غير ثابتة، وكانوا أكثر قدرة على التعبير عن آراء وموضوعات في مجالات كثيرة. وتوقع أن تزيد وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية من مقدرة الأفراد على التحرك النفساني وتخيل أنفسهم في مواقف لم يجربوها، وفي أماكن غير الأماكن التي اعتادوا رؤيتها، كما عودت أذهانهم على تصور تجارب أوسع من تجاربهم المباشرة المحدودة، وعلى تخيل مناطق لم يشاهدوها. وميزت هذه الخاصية الإنسان الذي تغير مع المجتمع المتطور وتميز بشخصية تتمتع بمقدرة على التقمص العاطفي. وأنه حينما يظهر عدد كبير من الأفراد القادرين على التقمص العاطفي في مجتمع من المجتمعات، يمكن القول أن هذا المجتمع في سبيله إلى التطور السريع.

والتقمص العاطفي كما يراه لرنر هو خاصية تمكن عناصر جديدة متبدلة قادرة على العمل بكفاءة في عالم متغير، ويرى أن المهارات لا غنى عنها للشعب الذي يتحرر من الإطارات التقليدية، وأن المقدرة على التقمص العاطفي هي في أسلوب الحياة السائد الذي يميز الأفراد في المجتمع الحديث الذي يملك صناعة متطورة، وتعيش نسبة كبيرة من سكانه في المدن، وترتفع فيه نسبة التعليم، ونسبة كبيرة من أفراده يساهمون في الحياة السياسية. وأن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية هي وسيلة من وسائل مضاعفة القدرة على التحرك، وأنها مكنت الفرد من الانتقال نفسانيا إلى أماكن أخرى، وأصبح بإمكانه تخيل نفسه في ظروف غريبة وفي أماكن جديدة عليه بعد أن تمكن الفرد من الانتقال عبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية من مكان إلى أخر في العالم الخارجي بعيد عن أماكن سكنهم الأصلية مما خلق لديهم استعدادات للتغيير والتكيف وتغيير التطلعات والآفاق، وتقدم خدمات ضرورية تسهم في نمو المجتمع المحلي الحديث، وتطور المجتمعات التقليدية وتساعد على التقمص العاطفي. ولتفرض العلاقة بين نظريات الإعلام والسلطة نفسها. وواضح من الاستنتاجات التي قدمها دانييل لرنر من المعلومات التي حصل عليها والاستبيان الذي قام به جهله للواقع الحقيقي القائم في الشرق الأوسط ضحية السياسة الاستعمارية وأنه يختلف تماماً عما حدث تاريخياً في الغرب المستعمر. وتفسر الغزو الاقتصادي والثقافي والاتصالي والإعلامي والعسكري الذي تتعرض له دول الشرق الأوسط منذ مطلع القرن العشرين لفرض مفاهيم غربية تتنافى وحاجات المجتمعات الشرق أوسطية. وتفسرها أيضاً النظريات الإعلامية السائدة في عالم اليوم.

والقصد من نظريات الإعلام هو خلاصات ما توصل إليه الباحثين في مجالات الاتصال والإعلام الجماهيرية ومن بينها كتاب نظريات الصحافة الأربع الذي ألفه لبيترسون، وشرام ووضعا فيه أسس العلاقة المتبادلة بين نظريات الإعلام وفلسفة الإعلام لأنه هناك علاقة متبادلة بين نظريات الإعلام وفلسفة الإعلام، ففلسفة الإعلام تبحث العلاقة الجدلية بين الإعلام وتطبيقاته في المجتمع، أي تحليل التفاعل بين الإعلام كعلم وبين ممارساته الفعلية في الواقع الاجتماعي، ورأى منظري نظريات الإعلام أنها جزء من فلسفة الإعلام لأن فلسفة الإعلام هي أعم واشمل من النظريات، لأن استخدام تعبير نظريات الإعلام كان في مجمله انعكاسا للحديث عن الأيديولوجيات والمعتقدات الاجتماعية والاقتصادية، والحديث عن أصول منابع العملية الإعلامية المؤلفة من: - مرسل؛ - ومستقبل؛ - ووسيلة. وترتبط نظريات الإعلام بالسياسات الإعلامية في المجتمع، ومدى التحكم بالوسيلة الإعلامية من النواحي السياسية، وفرص الرقابة عليها وعلى مضامينها التي تنشر أو تذاع من خلالها، ليبرز سؤال هل تسيطر الحكومة فعلاً على وسائل الإعلام ؟ أم أن لها مطلق الحرية في التحرك ؟ أم التقيد بالقواعد التي تحددها القوانين النافذة ؟. خاصة وأن مجموعة العوامل التي تشترك في تأسيس منطق النظرية العلمية في المجالات الإنسانية والحياتية المختلفة، في حقيقتها نابعة من بيئة الإنسان ومجموعة المنبهات والاستجابات التي تتكون وفقاً لها. واستطاع الإنسان تشخيص تلك العوامل البيئية والاجتماعية والنفسية بعد أن عرف اللغة ومفرداتها، لأن اللغة في شكلها الأول وبطبيعتها البسيطة البدائية كانت ضرورية لحياة الجماعة وأساساً لتكوين علاقات بين الإنسان وأخيه الإنسان، وبمرور الزمن تطورت اللغة لتصبح ذاكرة للمجتمع ومكنت الإنسان من تنسيق جهوده وتوحيدها في مجرى مشترك عام وجعلت الكتابة تداول الخبرة ممكناً بين الأفراد والأجيال والمجتمعات. واللغة بهذا المعنى الواسع أصبحت أداة اتصال رئيسية بين بني البشر، كما أنها في الجانب الثاني أصبحت أداة فكر وأداة لتبادل الآراء والأفكار بين الناس.

ومعروف أن المطبعة جاءت لتفتح الطريق أمام الثورة الصناعية بعد أن مهدت لها الثورة العلمية، وما أن دخل القرن العشرين حتى صار العالم يعيش ثورة شاملة في وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. وانحسرت المسافات الجغرافية أمام القدرات التكنولوجية لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. ومن أجل تسخير هذه القدرات وتوظيفها لخدمة المعلومات وتبادلها بين المجتمعات أخضعتها الحكومات والدول إلى نظرياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. مما دفع علماء الاتصال والإعلام الجماهيري لوضع نظريات إعلامية مستنتجة من تلك النظريات السياسية الأوسع وتطبيقاتها العملية في المجتمعات المختلفة من رأسمالية واشتراكية وهجينة وخاصة وغيرها. ولا غرابة في أن يكون لإعلام الدول النامية قولٌ في هذا المجال لاسيما وأنها ابتليت بالأوضاع التي فرضتها عليها السياسات الاستعمارية، وما تعانيه من شدة الخلافات السياسية التي انعكست بالنتيجة على فعالياتها الإعلامية. ورغم دخول العالم القرن الحادي والعشرين، وعصر المعلوماتية ووسائل الاتصال المتطورة فإننا نلاحظ استمرار تخبط الدول النامية في مشاكلها الإعلامية والاتصالية التي ازدادت صعوبة وتعقيداً. وبقي الإعلام ظلاً للسياسة في الحركة الاتصالية اليومية لتطبيق المناهج السياسية والاقتصادية والفكرية والتربوية والتعليمية والثقافية، في هذا البلد أو ذاك. وارتباط وعي الإنسان بهذه العوامل والتكوينات الاجتماعية وبتقديره للظروف الموضوعية والذاتية التي تحيط به، والتي ترتبط ارتباطاً مباشراً بلغته القومية، لاسيما وأن اللغة هي التعبير عن تقديرنا للواقع الموضوعي، وقد ظهر الوعي واللغة في مرحلة محددة من التطور الاجتماعي للبشرية، ليتمكن بنو البشر من التواصل والاتصال ببعضهم البعض. واللغة تمنح الإنسان بالإضافة إلى وراثته البيولوجية فرصة للاستثمار الأمثل للثقافة والمعرفة. وقد أتاح العلم الحديث للغة ممكنات ووسائل متعددة للتعبير عن دقائق الأحكام الفعلية في صورها النظرية والتطبيقية لمختلف الحاجات الإنسانية. ونظراً لتعدد خصوصيات تلك الحاجات الإنسانية وأساليب إشباعها من الوجهة الاتصالية والإعلامية فقد عمد رجال الإعلام إلى إتباع النظرية المناسبة لهم في خطابهم الإعلامي والاتصالي لتجسيد المستويات الإعلامية الوظيفية المطلوبة، وهي: - المستوى المعلوماتي: الذي يتوسل باللغة لتوصيل المعلومات إلى المتلقي بأسلوب مباشر وبصياغة واضحة ودقيقة؛ - والمستوى الإقناعي: والذي يقصد به إقناع المتلقي ودعوته إلى الالتزام الأولي ومن ثم تبني المضمون المطروح أو الفكرة المقصودة أو الرأي المراد إيصاله ومن ثم تدعيمه عن طريق خلق القناعات لدى الشرائح الاجتماعية؛ - والمستوى التعبيري: الذي يدخل ضمن باب فن الأدب المستخدم في وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية السمعية والمرئية والمقروءة لاسيما المستندة منها على استعمال الصورة المتحركة أو الثابتة. ومن النظريات الإعلامية السائدة في العالم:

نظرية السلطة المطلقة: والسلطة المطلقة هي من أنظمة الحكم المستبدة وتتمثل في حكم الإمبراطور المستبد أو الديكتاتور غير المؤمن بالحرية أو الديمقراطية ولا يسمح بمشاركة الشعب في الحكم على الإطلاق، وتستند السلطة باعتبارها نظاماً من أنظمة الحكم على فكرة (الحق الإلهي) وعلى الفكرة القائلة في أوروبا خلال القرون الوسطى (بأن الحاكم هو ظل الله وخليفته في الأرض).

مدخل لنظرية السلطة المطلقة: ومن المتفق عليه أن تاريخ ولادة الإعلام المطبوع هو عام 1450م وتشير المصادر إلى أنها كانت مرافقة لتاريخ ظهور الطباعة، وكان الإعلام المطبوع خاضعاً للسلطة، ومقدار هذا الخضوع مرتبط بطبيعة المجتمع الذي يتواجد فيه، فإما أن يكون المجتمع خاضع للسلطة المطلقة، أو أن الفلسفة التي تحكم هذا المجتمع تدعو إلى ذلك. وقد شهد العالم من هذه الفلسفات شتى الأنواع وعلى سبيل المثال: سيطرة الكنيسة ورجال الدين في المجتمع الأوروبي، التي جعلت للنظام السائد مجتمعاً خاضعاً للسلطة المطلقة، تحتل فيه الدولة درجة أعلى من الفرد في سلم القيم الاجتماعية ولا يستطيع الفرد في مثل هذه المجتمعات أن يحقق أهدافه أو ينمي قدراته وملكاته إلا عن طريق خضوعه للدولة خضوع الخانع الذليل. وأن يكون أسمى تفكير عنده التفكير التابعي الذي يلغي الوعي والإدراك الشخصي. حيث يشغل رجال قليلون في دولة السلطة المطلقة مراكز القيادة، ويتمتعون بسلطات مطلقة، وعلى الآخرين الطاعة والخنوع لها ولا وجود للتمثيل الشعبي في مثل هذه الدول. والحقيقة أن مجتمع السلطة المطلقة اعتمد على التفويض الإلهي المزعوم أو على الإدعاء العنصري في المجتمع، الذي يقول بوجود عرق معين يعتبر نفسه أعلى من الأعراق الأخرى ويتمتع بحكمة أكثر من غيره، وباختصار تمثلت الحقيقة في قدرة القائد أو عرق دون الأعراق الأخرى على تقدير الظروف وتفهم المخاطر وتشخيص إمكانيات تخطيها. واعتبرت الحقيقة في هذا المجتمع حكراً لهذا العرق الذي يعتبر نفسه حكيماً، ويرى أن من حقه توجيه المجتمع كيفما يشاء، أي أن الحقيقة تتمركز في مراكز القوة والسلطة، ومن غير المهم في هذه الحالة البحث عن مصدر الحقيقة التي تستمد منها الدولة المتسلطة فلسفتها وسياستها. إذ أنها مقصورة على فئة محدودة من الناس، ولا يحق لأي فرد من الأفراد البحث عنها، لأن من أهداف الدولة المتسلطة الحفاظ على وحدة الفكر والعمل حسب اجتهادات السلطة، لإبقاء المجتمع في حالة معينة كما تشاء. وتمثل تجربة هتلر وفرانكو وموسوليني التجارب الأوروبية المعاصرة لهذه النظرية، وفي ظلها عبر هتلر عن رؤيته الأساسية للصحافة بقوله: "أنه ليس المطلوب من الصحافة أن تنشر على الناس اختلاف الآراء بين أعضاء الحكومة، لقد تخلصنا من مفهوم الحرية السياسية الذي يذهب إلى القول بأن لكل فرد الحق في أن يقول ما يشاء". ومن الأفكار المهمة في هذه النظرية أن الشخص الذي يعمل في الصحافة أو وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، يعمل بها كامتياز منحه إياه الزعيم المطلق، ويتعين أن يكون ملتزما أمام الحكومة والزعامة المطلقة.

أسس نظرية السلطة المطلقة: مذهب الحق الإلهي: وترجع هذه النظرية إلى أقدم عصور التاريخ، وهي النظرية التي اعتمد عليها الأباطرة في الحكم وتوارثها النبلاء للاحتفاظ بأوضاعهم ومراكزهم وامتيازاتهم في السياسة والحكم. وجاء الإسلام ليلغي هذه النظرية في الحكم لتحل مكانه الشورى والشرعة الإلهية. ويرجع سيادة هذه الفلسفة أو النظرة إلى الإمبراطوريات الشرقية والغربية على حد سواء ما عدا بعض الاختلافات الجزئية الطفيفة التي تحدث بين كل حاكم وآخر في ممارسة السلطة على المجتمع، إذ لا ينكر أن بعضهم كان يؤمن بالحق والفضيلة وتبادل الرأي والمشورة، كما كان نقيضه يمارس الاستبداد والقسوة تحت تعبير أو فلسفة ظل الله وخليفته في الأرض، وخضعت أوروبا لهذا الحكم خلال العصور الوسطى وتحولت العامة إلى عبيد أقنان خاضعين بصورة مطلقة لهذا الحكم أو ذاك.

الصحافة والسلطة المطلقة: ولم تستطع الصحافة وأساليبها من تغيير شيء في نظرية السلطة المطلقة، بل إن سطوة هذه النظرية ازدادت وظلت تمارس تسلطاً جوهرياً على الصحافة وعلاقتها بالمجتمع ووظيفتها الإعلامية التي مارستها تحت سيطرة الحكم المطلق، ودأبت السلطة المطلقة على تعزيز نظريتها للحفاظ على سلطانها المطلق وأخذت تحيط نفسها، بالعقلاء والحكماء وأصحاب الامتيازات الفكرية القادرين على إدراك أهداف الدولة في السيطرة على المجتمع والمحافظة على الاستقرار، وأخذت تمنحهم المناصب المرموقة في المجتمع وعملوا كمستشارين للقادة والحكام واحتكروا كل الحقائق الفكرية لأنفسهم مسخرين فلسفاتهم وأفكارهم لخدمة الطبقة المسيطرة على جهاز الدولة التي أعطتهم حق مخاطبة المجتمع كألسنة للحكام تتصل بالجماهير عن طريق وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية المتاحة، ومنها الصحافة المطبوعة التي حظروا عليها كل الآراء التي توقظ الشعب من سباته العميق، للإبقاء على الأوضاع القائمة. وارتبطت هذه النظرية في العصر الحديث ارتباطاً وثيقاً بأنظمة الحكم الشيوعية في المعسكر الذي قاده الاتحاد السوفييتي حتى سقوطه، والفاشية، والنازية، كالنظام الهتلري في ألمانيا النازية، ونظام موسوليني الفاشي في إيطاليا الفاشية، ونظام فرانكو الفاشي في إسبانيا والبرتغال، حيث سيطرت الدولة المستبدة سيطرة تامة على أجهزة ووسائل الإعلام الجماهيرية وفرضت عليها تعبئة الشعب تعبئة عدوانية خدمة للأهداف التوسعية التي رسمتها لنفسها وتسببت في قيام الحرب العالمية الثانية التي أزهقت أرواح ملايين البشر.

الرقابة وسيطرة الأجهزة المسؤولة على الصحافة: وتعتبر الرقابة من الركائز الهامة في نظرية السلطة المطلقة. ويمكن أن نرجع تاريخها إلى الرقابة في العصور الوسطى في أوروبا عندما كانت الكنيسة الرومانية في أوج قوتها، وكانت مصدراً للتفويض الإلهي واستطاعت أن تسيطر في بلاد كثيرة على الرأي العام وعلى حرية التعبير لعدة قرون وسيطرت واستفادت من اختراع الطباعة، إلى أن قامت الحكومات بالسيطرة على الوسيلة الإعلامية الجديدة. وكانت السيطرة عن طريق منح التراخيص للطابعين والناشرين ومن ثم التحكم بممارسي المهنة بشكل عام، وكان الترخيص آنذاك يعتبر امتيازاً يلزم الناشر بطبع وتوزيع ما يرغبه الحاكم. غير أن هذا الأسلوب لم يجدي نفعاً، مما أدى إلى فرض الرقابة المسبقة وفحص جميع الأصول المخطوطة من قبل ممثلي الحكومة قبل الطبع والنشر لإصدار الترخيص بالطبع، بقصد السيطرة على ما تنشره الصحف ودور النشر بشكل محكم. وأخضعت الحكومات الاستبدادية عملية الاتصال بالجماهير لقيود وعقبات ومعوقات كثيرة جعلت الطريق مفتوحاً أمام الدولة فقط، وأغلقته في وجه الأفراد لاغيه بذلك أي نوع من أنواع حرية الإعلام بحجة تحقيق أمن وسلامة الدولة، وبهذه الذريعة ألغت كل الحريات، وهو ما استقت منه الفلسفات الديكتاتورية والشيوعية والفاشية والعنصرية كل المبررات لإهدار حقوق الإنسان.

التاريخ الطويل للإيديولوجية السياسية لنظرية السلطة المطلقة: يرى أفلاطون أن تقسيم السلطة بالتساوي داخل الدولة يعتبر بداية لتفكك وانهيار تلك الدول، وكانت حجة أفلاطون في ذلك أنه مادام الإنسان يتحكم بغرائزه وشهواته عن طريق العقل، فإنه يتحتم على الحكام في الدولة بالمقابل أن يمنعوا المصالح المادية والعواطف الأنانية للجماهير من أن تسيطر على المجتمع. وأكد أكثر الفلاسفة في العصور اللاحقة على قوة السلطة كميكافيلي الذي دعى إلى إخضاع كل شيء لأمن الدولة. وبرروا الأعمال اللا أخلاقية التي مارسها القادة السياسيون، والرقابة الصارمة على الحوار والمناقشة، وعلى نشر المعلومات في المجتمع، معتبرين أن لها ما يبررها مادامت تخدم مصالح الدولة وسلطة الحاكم، أي أن الغاية تبرر الوسيلة. أما جورج هيجل الذي لقب بأبو الشيوعية والفاشية الحديثة، فقد أعطى فلسفة السلطة المطلقة لمساتها النهائية حين قال: "الدولة هي روح الأخلاق وهي الإرادة وهي العقل، والدولة كحكم أو سلطة، تعتبر هدفاً في حد ذاته وبالتالي فهي تتمتع بأكبر قدر من الحقوق وهي فوق المواطنين والأفراد". وهكذا فرضت نظرية السلطة المطلقة وجوهاً فكرية صارمة تنبع من الإسهام الفكري للحكماء شريطة أن تخدم نظرياتهم في المجتمع الذي تسهر عليه الدولة بالرعاية والإرشاد واليقظة والرقابة. وهو ما صاغه الفلاسفة الأقدمون أمثال: سقراط، وأفلاطون، وأرسطو من نظريات فلسفية تخدم السلطة الاستبدادية، بدليل أن أفلاطون خلع صفة المثالية على الشكل الارستقراطي للدولة معتقداً أن طبيعة الإنسان واهتماماته المادية وعواطفه الأنانية تتسبب في تدهور الحكم من الارستقراطية إلى الديمقراطية، أي إلى التفتت والانحلال. واعتبر أن الدولة لا تجد الأمان إلا في أيدي الحكماء من رجالها، ورجال القانون من أنصارها، وأصحاب المثل الأخلاقية العليا الني يتم فرضها على كل عناصر التركيبة الاجتماعية، ليظلوا على الطريق القويم الذي رسموه لهم معتبراً أن هذه الصفوة من البشر تجعل العقل يسيطر على عواطف القلب وغرائز الجسم.

نظرية الصحافة الحرة: وسميت هذه النظرية بنظرية الصحافة الحرة كونها تؤمن بالفرد أساساً، وتعتبر أن الفرد يولد وهو مزود بحقوق طبيعية، وتؤمن وتفترض أن الفرد كائن عقلاني وأخلاقي وأن أخلاقيته تحدد له ما يجب المحافظة عليه دون قانون، أي تمتعه بالحرية المطلقة في حياته، وآرائه، والدعوة إلى العيش الكريم دون أي تدخل من السلطة، ويرى أصحاب هذه النظرية أن الفرد أسمى من الحكومة، ومن الدولة، وأن الدولة هي وسيلة فقط، أو واسطة يمارس من خلالها الفرد نشاطه، وحين تقف الدولة في وجهه عليه محاربة تلك القوة التي تمنع تحقيق أهدافه التي يرغب الوصول إليها. وقد ولدت هذه النظرية من صلب نظرية السلطة المطلقة، والاستبداد العبودي للإنسان المتمثلة بسلطة الكنيسة وطبقات معينة في المجتمع. وعانت بنتيجتها طبقات اجتماعية أخرى من الاضطهاد السياسي والاقتصادي والنفسي وحتى الديني، وكان الظلم المتمثل بنظام الأقنان من أقسى أنواع الظلم البشري، ولذلك تمتع النظام الحر أو الليبرالي في بعض التسميات، بمسحة سحرية وكأنها تمنح الفرد ومن ثم المجتمع بكامله الديمقراطية الليبرالية والتقدم بمعايير ذلك الزمن.

مبادئ النظرية الحرة: وتعتمد النظرية الحرة على مبدأين أساسيين هما: - مبدأ الفردية؛ - ومبدأ المنافسة. ويرتبط هذان المبدآن ارتباطاً وثيقاً بالنظريات الاقتصادية والسياسية. ويعتبران أن مبدأ الفردية أو الحرية الفردية هي من المبادئ الواضحة في مفهوم النظرية الحرة ويرتكزان أساساً على حرية النشاط الفردي في المجالات الاقتصادية والسياسية، كرد فعل لما ظل سائداً لقرون طويلة من اضطهاد للفرد من قبل الإقطاع وناضل الرواد الأوائل لهذه النظرية من أجل أن تظل الحكومات بمنأى عن التدخل في شؤون الأفراد ونشاطاتهم الاقتصادية والفكرية وفي شؤون وسائل الاتصال والإعلام.

إيديولوجية نظرية الصحافة الحرة: كان ظهور نظرية الصحافة الحرة نتيجة للتطورات الفكرية والأحداث السياسية والاجتماعية التي مر بها المجتمع الأوروبي، ومن أهم تلك الأحداث في التاريخ الأوروبي الحديث: - اندلاع الثورة الفرنسية عام 1789م التي أعلنت حقوق الإنسان وطرحت مبادئ كان لها تأثير كبير في التاريخ الإنساني، وسمحت للفرد بالتحرر ومزاولة نشاطاته الاقتصادية والفكرية دون أي نوع من أنواع التدخل من جانب الدولة. واعتبرت الدولة مسؤولة عن وظائف محددة هي: - المحافظة على القضاء والأمن في الداخل؛ - والدفاع عن الوطن ضد أي اعتداء خارجي؛ - واحترام حقوق المواطن في التفكير والعمل الاقتصادي والاجتماعي والفكري والسياسي. وساعد ظهور نظرية الحرية على ظهور الديمقراطيات الرأسمالية، ومن ثم ظهور الاحتكارات بأوسع معانيها. وحقق مفهوم نظرية الحرية انتصارات كبيرة على صعيد المجتمع الأوروبي وعلى صعيد الفرد فتوسع التعليم الذي لم يكن متيسراً كما هو معروف الآن قياساً بما تحقق بعد زوال العهد الإقطاعي الاستبدادي، ومنح حق الانتخاب لأكثرية المواطنين ومنها حق الفرد في ممارسة نشاطاته الاجتماعية، والتنافس للحصول على أكبر قدر ممكن من الربح المادي، وزيادة الإنتاج مما حقق للمجتمعات الرفاهية والتقدم. وظهر مفهوم الحرية بادئ الأمر في أوساط الطبقة الوسطى في المجتمع الأوروبي، التي طالبت بالحرية، وضمان حقوق الأكثرية في المجتمع. وتجلى هذا الأمر بالوضوح عندما تبنت الحركات السياسية مبدأ المناشدة بالحرية. وكان لظهور الفيلسوف جون لوك أثراً كبيراً على تطوير نظرية الحرية، عندما قال: أن الشعب هو مصدر السلطات، وفسر هذا القول بأن الشعب يمكنه أن يسحب السلطة متى شعر بأن الحكومة لا تعمل لصالحه. وجاء جون ملتون عام 1644م ليقول: أن الحقيقة لا تضمن لنفسها البقاء إلا إذا أتيحت لها الفرصة لأن تتقابل وجهاً لوجه مع غيرها من الحقائق في طرح كامل وبحرية تامة. بينما رأى جون راسكين: أن كل إنسان يسعى لتنوير الآخرين لا إلى تضليلهم، ومن حقه أن ينشر كل ما يدور في عقله وما يختلج ضميره سواء أكان في الموضوعات الحكومية أم في الموضوعات الخاصة. أما جون ستيوارت فقال: أن من حق الفرد الناضج في المجتمع أن يفكر ويتصرف كما يشاء مادام لا يؤذي أحداً بتفكيره أو تصرفه. وما دام هذا التفكير والتصرف يؤديان إلى منفعة الآخرين. وانتشرت هذه الطروحات الفلسفية في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، وكانت ترمي في الأساس إلى: - تطبيق الحرية بمعناها الواسع؛ - واحترام الإنسانية وحفظ قيمة الفرد؛ - وضمان مستقبل الفرد؛ - وتحقيق الرفاهية والسعادة للمجتمع. ولم تجد تلك المبادئ طريقها إلى التطبيق العملي إلا في العقود الأخيرة من القرن العشرين في ظل هيمنة الدول الصناعية المتقدمة وسيطرتها على الاقتصاد ووسائل الاتصال ووسائل الإعلام الجماهيرية.

نظرية الصحافة الحرة ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية: لكل نظرية من النظريات شكل معين ومفاهيم معينة تسيطر من خلالها على أساليب وأنماط الاتصال والإعلام الجماهيري. وتنبع فلسفة الإعلام عادة من فلسفة الدولة، فالإعلام في نظرية السلطة المطلقة هو إعلام استبدادي استعاضي، أي أن الدولة كما ذكرنا تحل محل الشعب عن طريق كتابها وألسنتها الناطقة باسمها، ولا تسمح إطلاقاً إلا بما يراعي مصالحها وتوجهاتها. إضافة لفرضها رقابة قسرية على وسائل الاتصال ووسائل الإعلام الجماهيرية. وقد أدى ظهور نظرية الحرية إلى صراع تمثل بين المفهوم الغربي للحرية، والمفهوم السوفييتي للحرية، إبان الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمالي الغربي الديمقراطي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والشرقي الشيوعي بقيادة الإتحاد السوفييتي والخلاف المطروح كان: أيّ المفهومين أصدق أو أقرب أو أنفع للفرد والمجتمع ؟ فكلا الجانبي كانا يتهمان بعضهما البعض باضطهاد الإنسان واستغلاله وكل منهما كان يطرح أسلوبه وأفكاره وفلسفته بين الجماهير ويروج لها بين الشعوب. وقد سَخِرَ الماركسيون من الحرية النظرية التي عرفها العالم الغربي عندما أعلن ستالين: "إنه لا معنى مطلقاً للحرية بالنسبة للمتعطل عن العمل، ولا معنى للحرية بالنسبة للجائع فإن الحرية لا توجد إلا عندما يختفي الاستغلال والتسول والخوف أو يختفي شبح البطالة من المجتمع اختفاء تاماً". وهذا كلام واضح لا يحتاج إلى تعليق. فالسخرية تبدو رافضة تماماً لهذه النظرية. بينما أعلن الغربيون أن صحافتهم تتمتع بالحرية المطلقة وأن الصحافة السوفييتية تنوء تحت وطأة السلطة المطلقة، وأنها تخضع كل الخضوع للرقابة الحكومية أو رقابة الحزب الواحد. بينما أعلن السوفيت أن صحافتهم غير مأجورة كالصحافة الأمريكية التي اتهموها بأنها مأجورة، وأن الصحافة السوفييتية ليست خاضعة لسيطرة رأس المال والاحتكار كما هو الحال في الغرب. ووصفت الصحافة الأمريكية نفسها بأنها صحافة الخبر وأنها تساير في ذلك التطور الصحفي في البلاد المتقدمة وأنها قادرة على نشر الأخبار بسرعة فائقة، وأنها أقدر من سواها على تسلية القارئ وإمتاعه وتزويده بالمعلومات النافعة. وردت الصحافة السوفييتية بأن السبق الصحفي في الأخبار وتسلية القراء لا يعتبران جزءاً من الخدمة العامة التي تقدمها الصحافة الرشيدة للشعب كون خبر التسلية والترفيه كثيراً ما يكون منافياً للشرف الصحفي وفق المفهوم السوفييتي. وعلى العموم فإن الغرب وضع الحرية في المرتبة الأولى والمسؤولية في المرتبة الثانية بينما السوفييت قبل الانفتاح الغورباتشوفي في ثمانينات القرن العشرين كانوا يضعون المسؤولية أمام الحزب الشيوعي أولاً والحرية بعد ذلك. وتغيرت الظروف والطروحات بعد انهيار المنظومة الاشتراكية والإتحاد السوفييتي السابق، ولاحت تباشير الانفتاح على المفهوم الغربي للحرية والديمقراطية في وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية للدول المستقلة التي قامت على أنقاض الإتحاد السوفييتي السابق، وأنقاض المنظومة الاشتراكية السابقة التي كان يقودها وراحت تلك الدول تبحث عن مكان لها في النظام العالمي الجديد، منفتحة على العالم بعد سنوات طويلة من العزلة والمواجهة.

النظرية الاشتراكية للصحافة: ظهر مفهوم النظرية الاشتراكية في أوروبا مع بداية عام 1830 واستمر في تطوره حتى عام 1948 وخلال هذه الفترة الطويلة التي دامت أكثر من قرن ظهر الكثير من المفاهيم والمذاهب الفلسفية والأفكار السياسية المكملة لمفهوم الاشتراكية وكان أولها ما ظهر في فرنسا إبان الثورة الفرنسية التي اعتمدت على المنشور والمطبوع في نشر أفكارها. وظهر مصطلح الاشتراكية بمعناه السياسي الحديث الدال على نظام اجتماعي واقتصادي في الصحافة لأول مرة عندما نشرت صحيفة كلوب عام 1832 مقالة عنها بقلم بيير ليرو أحد أتباع مدرسة سان سيمون الفلسفية. وأطلق مصطلح الاشتراكية للتعبير عن الفلسفة الاجتماعية الإصلاحية التي آمن بها أتباع هذه المدرسة المؤمنة بالنظرة الإنسانية إلى الطبقات المعدمة. وسرعان ما اتسع مدلول الاشتراكية بفضل فورييه، وبرودون، ولويس بلان، لتعبر عن التطلع إلى نوع جديد من النظم الاجتماعية.

التيارات الاشتراكية: وتبلورت في أوروبا ثلاثة تيارات اشتراكية هي تيارات تمثل خلاصة الصراع الإنساني ضد الاحتكار الرأسمالي وفق المفهوم الاشتراكي، وهي: - الاشتراكية الإنتاجية: التي تتبنى مشاريع تنمية الثروة القومية، وإطلاق طاقات رأس المال في المشروعات الإقليمية والعالمية. داعية الناس القادرين على الإنتاج والبذل. وفق مفهوم الكل منتج دون تدخل من الدولة، تاركين الأمر للتجار والصناعيين والمثقفين والعلماء والفنيين لتحقيق الكفاية، وتزعم هذه المدرسة الفيلسوف سان سيمون وأتباعه. - والاشتراكية التعاونية: وتزعم هذا الاتجاه في إنكلترا الفيلسوف ورجل الصناعة روبيرت أوين، وفي فرنسا شارل فورييه، واعتبر أوين أن حل المشكلة يتوقف على خلق النموذج الاشتراكي الإنساني الذي سيجذب أصحاب النوايا الطيبة من الأغنياء ورجال المال والصناعة وأعطى المثال بنفسه عندما أقام مستعمرة اشتراكية على أساس المساواة المطلقة والمشاركة في الجهود والأرباح، وانتفاء الأسلوب الرأسمالي الاستغلالي في التعامل. - والاشتراكية العلمية: الذي صاغ نظريتها الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية كارل ماركس، بعد استيعابه العلمي للفلسفة الجدلية لهيجل، ومذهب آدم سميث للاقتصاد الحر، والدراسات الفلسفية الاجتماعية لسان سيمون وتلاميذه.

دعائم النظرية الاشتراكية للصحافة: تقوم النظرية الاشتراكية للإعلام على دعائم أساسية هي: - ملكية الشعب لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية؛ - وربط مؤسسات ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بالمجتمع الاشتراكي، ربطاً وثيقاً؛ - وتحديد دور إيجابي يلتزم به جميع العاملين في الميدان الإعلامي. وبهذا الوضع وتطبيقاً لهذه الأفكار فإن الصحافة التي تؤمن بهذه الفلسفة هي صحافة واقعية لا عناية لها إلا بالموضوع أو الموضوعية الأكاديمية، لذلك فهي تؤمن بالواقع الملموس من المكاسب التي تحصل عليها الطبقة الكادحة. وتضع المسؤولية العامة اتجاه الطبقة أولاً والحرية ثانياً. وعلى هذا الأساس أصبح للحرية الصحفية في النظام الاشتراكي معنى مخالفاً تماماً لمعناها في النظام الرأسمالي، ووفقاً لمصالح الطبقة الكادحة فإن النظام الإعلامي الاشتراكي: - يؤمن بحرية القول؛ - وحرية الاجتماع بما في ذلك الاجتماعات الشعبية؛ - وحرية التجمع أو المواكبة أو التظاهر لتحقيق غرض معين. ولم يعد في الإمكان الحديث عن نظرية إعلامية اشتراكية بعد انهيار المنظومة الاشتراكية والإتحاد السوفييتي السابق، وتفكك الجمهوريات السوفييتية إلى جمهوريات مستقلة ذات سيادة واستقلال وطني، وتحول أغلبية دول المنظومة الاشتراكية إلى أنظمة ديمقراطية لها أساليبها السياسية والإعلامية الخاصة بها وعلاقاتها الدولية المبنية على مفاهيم جديدة بل أن بعض الجمهوريات الجديدة تلك أخذت تعمل على تكييف نظريات الإعلام الغربية مع ممارساتها الإعلامية الفعلية.

نظرية المسؤولية الاجتماعية: ولدت هذه النظرية نتيجة للمعاناة التي سببتها النظريات السابقة، وقد يكون أيضاً بسبب تأثير نتائج الحرب العالمية الثانية ووجد المفكرون في المبادئ والوظائف والصيغ الجديدة انعكاساً للنظرية الليبرالية، وأعتبر القرن العشرين الميدان التطبيقي لأفكار هذه النظرية في المجتمع والدولة وكان أمثل تطبيق لأفكار هذه النظرية الولايات المتحدة الأمريكية التي طبقت فيها ومن ثم أخذت بالانتشار في بقية أنحاء العالم. وتوجهت أفكار ومبادئ هذه النظرية بالنقد لأفكار النظرية الليبرالية (نظرية الحرية). ومن أهم المبادئ التي تقوم عليها هذه النظرية: - إعطاء الحقيقة إلى الفرد ولا يحق التستر عليها ولا يجوز تزويد الفرد بمعلومات كاذبة أو ناقصة؛ - وممارسة النقد البناء والقبول بأي فكرة أو طرح جديد من قبل الفرد وتقبل مناقشة ذلك الفرد، لتصحيح الخطأ إن وجد بأسلوب ديمقراطي بناء هادف وهادئ؛ - ونشر أهداف المجتمع وخططه التربوية والتعليمية والاقتصادية. فالإعلام يهدف إلى خدمة المجتمع ويبشره بالرفاهية واحترام حقوق الفرد السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية؛ - وإتاحة الفرصة للفرد للحصول على المعلومة التي يستفيد منها أو يريد أن يتعلمها أو يضيفها إلى حصيلة مستواه الثقافي والسياسي من خلال فكر الدولة أو فكره الشخصي؛ - وتتلخص الوظائف العامة لنظرية المسؤولية الاجتماعية بخدمة النظام السياسي المتفق عليه من قبل الأغلبية الساحقة للشعب؛ - وإعلام الرأي العام وإعلاء ممارسة حكم الشعب لنفسه؛ - وحماية حقوق الأفراد في المجتمع، وحقوق الدولة لخدمة المجتمع باحترام النظام العام، واحترام حق الاتصال والإعلام؛ - وخدمة النظام من خلال إبراز الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية؛ - وتقديم البرامج المتوازنة الخاصة بالتسلية والترفيه للفرد من خلال ذلك القسط من الحرية الممنوحة من الدولة بما يحقق راحة الجميع؛ - والتركيز على مبدأ تحقيق الاكتفاء الذاتي. ولقد وجهت هذه النظرية بعض أوجه النقد للنظرية الليبرالية (الحرية) وتمثل هذا النقد في: - أن الصحافة لم تؤد دورها الصحيح في عرض وجهات النظر المختلفة للأفكار المطروحة في المجتمع. بينما تؤمن نظرية المسؤولية الاجتماعية بضرورة إعطاء الحقيقة ووجهات النظر المختلفة كلها دون مراوغة أو تضليل للفرد وإنما منحه حقيقة الفكر المطروح من خلال وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية؛ - وأن نظرية الحرية الليبرالية تهدف إلى إثارة الأحاسيس والمشاعر في المجتمع. ولذلك فإنها لا تعطي الحقيقة كلها بل تجزئها وأحياناً تحرفها، بشكل يؤدي إلى خداع المجتمع في النهاية، وقد يساند الفرد ممارسات تلك الدولة أو تلك دون أن يعرف توجهها الصحيح، ولكنه يكتشف بعد فوات الأوان أنه كان مخدوعاً؛ - بينما تخالف نظرية المسؤولية الاجتماعية هذا الرأي وتؤكد على ضرورة ممارسة حرية إعلام المواطن بالخبر والحدث ومنحه حق منافسة الدولة والآخرين بشكل يؤدي إلى العمل والتعاون والتقدم؛ - وتتحمل وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بقدر من المسؤولية في ممارسة البناء والنمو الاجتماعي على أساس الالتزام بحقوق الآخرين. فالحرية تنطوي على قدر كبير من المسؤولية الاجتماعية ولهذا فالحرية ليست حقاً طبيعياً يعطى دون مقابل، بل حقاً مشروطاً بمسؤوليات يمارسها الإنسان اتجاه نفسه واتجاه المجتمع. ولا حق لأحد بالاعتداء على حريات الآخرين. أي أن الحكومة والشعب يعطيان وسائل الاتصال والإعلام حقهما في حرية التعبير، ولكن في نفس الوقت يمكن أن تفقد هذا الحق فيما لو أسيء استعماله، ولا يمكن عزل المجتمع ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية والدولة عن بعضهم البعض لأن التمتع بالحقيقة وحرية الرأي أمران ضروريان للأطراف الثلاثة: - الدولة؛ - والمجتمع؛ - ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. والغاية واضحة. وتبدأ عملية تفكير الفرد فور تسلمه للخبر، فيناقشه مع نفسه أولاً، ومن ثم مع السياسة المعلنة للدولة ووسيلة الاتصال أو الإعلام الجماهيرية المنتمية لتلك الدولة مخالفة أم مؤيدة لرأي وفكر الحكم في الدولة. وبذلك يصبح الفرد متمتعاً بالحرية الحقيقية والقدرة على التعبير عن رأيه وأفكاره ومفاهيمه ومواقفه إلا أن هذا لا ينفي وجود الرقابة الموضوعية على النشر إذ أن الرقابة موجودة ولا تسمح بنشر أي شيء يتعارض وتوجه خدمة الجماهير العريضة، ولا يهم الرقابة الآراء المتعلقة بالأفراد كأفراد، لأنها تضع مصلحة المجتمع فوق كل المصالح، وتحترم المصلحة الجماعية للمجتمع.

نظرية المسؤولية العالمية للصحافة: وتهدف نظرية المسؤولية العالمية، إلى: - ربط أجهزة الاتصال والإعلام الجماهيرية والعاملين فيها بقضية الإنسان في كل مكان؛ - ورفع مسؤولية الاتصال والإعلام الجماهيري إلى مستوى القضايا العالمية التي تحتاج إلى كلمة الحق المنزهة عن الهوى، وإلى الموضوعية التي تفتقر لها أجهزة الاتصال والإعلام الجماهيرية في المجتمعات المختلفة؛ - وتحقيق المساهمة الإيجابية لأجهزة الاتصال والإعلام الجماهيرية في معركة الوجود الإنساني نفسه؛ - ونبذ ومحاربة التهديدات الإنسانية المصيرية والمتمثلة في الحرب النووية والاحتكارات والمصالح الدولية. وأهداف وغايات هذه النظرية بالأساس تنبثق من مفهوم خدمة المجتمع الإنساني ككل وهذه النظرية تعتبر امتداداً للنظريات الإعلامية السابقة ولكنها قد تكون أكثر شمولاً منها كونها تنطلق من وإلى المجتمع الإنساني الأشمل. دون تحديد لجنس هذا المجتمع لأنها ترفض الأفكار العنصرية والعرقية والدينية وتعمل على خدمة الإنسان من كل جوانب حياته، وتؤمن بتوفير الحرية الكاملة والكافية التي تمكن الإنسان من إبداء رأيه وأفكاره، من خلال وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية المتاحة. وتتلخص فلسفة هذه النظرية بالعبارة التالية: (حب الإنسان للإنسان). ومهما تكن الاختلافات بين الإنسان والإنسان الآخر، فإن شعار هذه النظرية يؤكد على التآخي، ودعوتها الصريحة تتسم بالبساطة والوضوح فقد استندت إلى حقيقة موضوعية في ارتباط الإنسان بالإنسان الآخر، من حيث الحضارة، والمصالح، والتاريخ، والجغرافيا، والثقافة، والديانات، وكل ذلك يستدعي من الإنسان أن يحب لأخيه الإنسان ما يحب لنفسه في العالم الإنساني الواسع الفسيح الأرجاء. وقد تختلف أو لا تختلف الغاية من الأهداف التي تتضمنها هذه النظرية إلا أن الغاية الأساسية تركز على تكييف طبيعة الصراع الإنساني لتحقيق الغاية الأسمى، غير أن هذه النظرية لا يمكن تحقيقها ما لم يظهر من بين دعاتها أفراداً مخلصون لمبادئ الإنسانية عموماً، لأن الذاتية كنزعة إنسانية فردية تقود بعض المنظرين والسياسيين المتزعمين لحركة المجتمع أو المتزعمين لحركته الفلسفية والفكرية إلى ضيق الأفق. والإخلاص هنا يرتكز على مبادئ الإنسانية جمعاء، وليس على المبادئ الذاتية التي تضلل الناس المتطلعين إلى السلام والحرية ومحاربة كل وسائل الاتصال والإعلام الرأسمالية التي تعمل على استلاب حياة الناس واستلاب رغيف الخبز الذي يعيشون عليه. وتعتبر أن الإنسان المتطلع إلى مبادئ المسؤولية العالمية بحق، هو ذلك الإنسان المنادي بالحرية الحقيقية وبمفهومها الحقيقي، ومعناها المناهض للوسائل المتخلفة التي تعمل على تفكيك وتجزئة شعوب العالم من خلال النزاعات الدينية، والتوسعية، والعبودية الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، التي في النهاية تحطم الإنسان في كل مكان. لذلك ومع توسع الثورة المعلوماتية والتكنولوجية وخضوع وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية للاحتكارات أو لفئات حاكمة والسير في ركابها وعدم ارتباطها بالمجتمع وتسخير قدراتها لخدمة قضاياه، فإن تطبيق هذه النظرية العالمية يحتاج إلى أولئك الرجال الذين يستطيعون تخطي الحواجز الإقليمية والارتفاع فوق الصراعات والمصالح الشخصية والمحلية والإقليمية، والنظر إلى الإنسان كإنسان في كل مكان. وجرت محاولات فردية كالمحاولة التي قام بها الفيلسوف البريطاني برتراند راسل، وعارض فيها الحرب الفيتنامية، وجهود بعض الكتاب الأحرار في مقاومة الاحتلال والحروب والتفرقة العنصرية. ولكن الذي يحدث هنا وهناك لم تواته القوة المؤثرة بعد، ولا زالت تلك النظرية بعيدة عن الرواج أو التأثير، ونجد أن الكثير من المحاولات الإعلامية والسياسية العالمية لمناصرة حقوق الشعوب المضطهدة وقضاياها العادلة، وفضح المخططات التوسعية والعنصرية في العالم، دون المستوى المطلوب. ونرى أن الأمم المتحدة معنية في إعادة النظر في جميع الممارسات الاتصالية والإعلامية الجماهيرية الدولية المستندة على مبدأ حق امتلاك التكنولوجيا، الذي يعني حق احتكار المعلومات فالقضايا الإنسانية وحقوق الشعوب المهضومة جميعها تمثل جوهر عملية الاتصال والإعلام الإنساني الموالي للحب والسلام والوئام بين شعوب العالم على أساس الاحترام المتبادل وتبادل المنافع والمصالح الإنسانية.

نظرية المشاركة الديمقراطية: وتعد هذه النظرية من أحدث النظريات الإعلامية وأصعبها تحديداً، فقد برزت هذه النظرية من واقع الخبرة العملية كاتجاه إيجابي نحو ضرورة وجود أشكال جديدة في تنظيم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، فالنظرية قامت كرد فعل مضاد للطابع التجاري والاحتكاري لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية المملوكة ملكية خاصة، كما أن هذه النظرية قامت رداً على مركزية مؤسسات الإذاعة العامة، التي قامت على معيار المسؤولية الاجتماعية، وتنتشر بشكل خاص في الدول الرأسمالية. والدول الأوروبية التي اختارت نظام الإذاعة العامة، بديلاً عن النموذج التجاري الأمريكي كانت تتوقع قدرة الإذاعة العامة على تحسين الأوضاع الاجتماعية والممارسة العاجلة للاتصال والإعلام الجماهيري، ولكن الممارسة الفعلية لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية أدت إلى حالة من الإحباط وخيبة الأمل بسبب التوجه النخبوي لبعض المؤسسات الإذاعية المسموعة والمرئية، واستجابتها للضغوط السياسية والاقتصادية ولمراكز القوى في المجتمع، كالأحزاب السياسية ورجال المال ورجال الفكر. ويعبر مصطلح المشاركة الديمقراطية عن معنى التحرر من نظام الأحزاب والنظام البرلماني الديمقراطي في المجتمعات الغربية، الذي أصبح مسيطرا على الساحة ومتجاهلاً للأقليات والقوى الضعيفة في تلك المجتمعات، وتنطوي هذه النظرية على أفكار معادية لنظرية المجتمع الجماهيري، الذي يتسم بالتنظيم المعقد والمركزية الشديدة، والذي فشل في توفير فرص عاجلة للأفراد والأقليات في التعبير عن اهتماماتها ومشكلاتها. وترى هذه النظرية أن نظرية الصحافة الحرة فاشلة بسبب خضوعها لاعتبارات السوق التي تجردها أو تفرغها من محتواها، وترى أن نظرية المسؤولية الاجتماعية غير ملائمة بسبب ارتباطها بمركزية الدولة، ومن منظور نظرية المشاركة الديمقراطية أن التنظيم الذاتي لوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية لم يمنع ظهور مؤسسات اتصال وإعلام جماهيري تمارس سيطرتها من مراكز القوة في المجتمعات، وفشلت في مهمتها وهي تلبية الاحتياجات الناشئة من الخبرة اليومية للمواطنين أو المتلقين لما تقدمه وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. وهكذا فإن النقطة الأساسية في هذه النظرية تكمن في احتياجات ومصالح وآمال الجماهير التي تستقبل ما تنشره وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، وركزت هذه النظرية على اختيار وتقديم المعلومات المناسبة وحق المواطن في استخدام وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية من أجل التفاعل والمشاركة على نطاق صغير في منطقته ومجتمعه، ورفضت هذه النظرية المركزية أو سيطرة الحكومة على وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، ولكنها شجعت التعددية والمحلية والتفاعل بين المرسل والمستقبل والاتصال الأفقي الذي يشمل كل مستويات المجتمع. ووسائل الإعلام التي تقوم في ظل هذه النظرية ستهتم بالحياة الاجتماعية أكثر وتخضع للسيطرة المباشرة لجمهورها، وتعتبر فرصة للمشاركة على أسس يحددها الجمهور بدلا من المسيطرين عليها.

وتتلخص أفكار نظرية المشاركة الديمقراطية في التالي: - إن للمواطن الفرد والجماعات والأقليات حق الوصول إلى وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية واستخدامها، والحق في أن تخدمهم طبقا للاحتياجات التي يحددونها؛ - وأن تنظيم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية ومضامينها يجب أن لا تخضع للسيطرة الوطنية المركزية؛ - وأن سبب وجود وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية أصلا هو خدمة الجماهير وليس من أجل المؤسسات التي تسيطر على تلك الوسائل أو العاملين فيها؛ - وأن الجماعات والمنظمات والتجمعات المحلية ينبغي أن يكون لها وسائل اتصالها الإعلامية الجماهيرية الخاصة بها؛ - وأن وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الصغيرة والمتسمة بالتفاعل والمشاركة أفضل من وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية المهنية الضخمة التي ينصب مضمونها في اتجاه واحد؛ - وأن الاتصال أهم من أن يترك للإعلاميين أو الصحفيين.

النظرية التنموية: ومع اختلاف الظروف في العالم النامي، وخاصة في الدول التي ظهرت إلى الوجود في منتصف القرن العشرين، واختلفت عن الدول المتقدمة من حيث الإمكانيات المادية والاجتماعية، كان لابد من نموذج إعلامي لهذه الدول يختلف عن النظريات التقليدية التي استعرضناها، يناسب الأوضاع القائمة في المجتمعات النامية، وظهرت النظرية التنموية في ثمانينات القرن الماضي، وقامت على الأفكار والآراء التي وردت في تقرير لجنة واك برايل حول مشكلات الاتصال في العالم الثالث. وخرجت هذه النظرية عن نطاق بعدي الرقابة والحرية كأساس لتصنيف أنظمة الاتصال والإعلام الجماهيرية، فالأوضاع المتشابهة في دول العالم الثالث تحد من إمكانية تطبيق نظريات الإعلام التي أشرنا إليها سابقاً، لغياب العوامل الأساسية للاتصال والإعلام كالمهارات المهنية والمواد الثقافية والجمهور المتاح. والمبادئ والأفكار التي تضمنتها النظرية التنموية تعتبر مهمة ومفيدة لدول العالم النامي، لأنها تعارض التبعية وسياسة الهيمنة الخارجية. وهذه المبادئ تعمل على: - تأكيد الهوية الوطنية والسيادة القومية والخصوصية الثقافية للمجتمعات. وعلى الرغم من أن هذه النظرية لا تسمح إلا بقدر قليل من الديمقراطية، حسب الظروف السائدة، إلا أنها في نفس الوقت، تفرض التعاون وتدعو إلى تضافر الجهود بين مختلف القطاعات الاجتماعية لتحقيق الأهداف التنموية، وتكتسب النظرية التنموية وجودها المستقل من نظريات الإعلام الأخرى ومن اعترافها وقبولها للتنمية الشاملة والتغيير الاجتماعي.

وتتلخص أفكار النظرية التنموية في التالي: - أن وسائل الاتصال والإعلام يجب أن تقبل تنفيذ المهام التنموية بما يتفق مع السياسة الوطنية القائمة؛ - وأن حرية وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية يجب أن تخضع للقيود التي تفرضها الأولويات التنموية والاحتياجات الاقتصادية للمجتمع؛ - ويجب أن تعطي وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية الأولوية للثقافة الوطنية واللغة الوطنية في المضمون الإعلامي؛ - وأن وسائل الاتصال والإعلام مدعوة لإعطاء أولوية فيما تقدمه من أفكار ومعلومات للدول النامية الأخرى القريبة جغرافيا وسياسيا وثقافيا؛ - وأن الصحفيين والإعلاميين العاملين في وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية لهم الحرية في جمع وتوزيع المعلومات والأخبار؛ - وأن للدولة الحق في مراقبة وتنفيذ أنشطة وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية واستخدام الرقابة خدمة للأهداف التنموية. وعرف ليونارد سوسمان صحافة التنمية بأنها الصحافة التي يركز الصحفيون الموضوعيون فيها على أخبار الأحدث والتطورات في المجالات التنموية الأمر الذي يؤدي إلى نجاح التنمية الاقتصادية وتحقيق الوحدة الوطنية في الدول النامية. وأشار ناريندر أجاروالا إلى أن صحافة التنمية تفرض على الصحفي تفحص وتقييم ما يكتبه بعين ناقدة ومدى ارتباط المشروع التنموي بالحاجات المحلية والقومية وتفحص الاختلافات بين الخطة وتطبيقها، والاختلاف بين آثارها الاجتماعية الفعلية وتصريحات المسئولين، بتناقض بين الاستخدام الحكومي للصحافة في خدمة التنمية، وبين الدور الرقابي للصحافة في ظل السيطرة الحكومية وتراجع النقد وتحول أخبار التنمية إلى دعاية سياسية للحكومة وقيادتها.

وتتلخص وجهة النظر هذه في مهام وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في عملية التنمية بالتالي: - تشكيل اتجاهات الشعب وتنمية هويته الوطنية؛ - ومساعدة المواطنين على إدراك أن الدولة قامت بالفعل بأداء التزاماتها على الوجه الأكمل؛ - وأن الحكومة تنتهج سياسات هادفة للمساعدة على تحقيق التنمية الوطنية؛ - وتشجيع المواطنين على الثقة بالمؤسسات والهيئات والسياسات الحكومية مما يضفي الشرعية على السلطة السياسية ويدعم مركزها؛ - والإسهام في تحقيق التكامل السياسي والاجتماعي من خلال تجنب الصراعات السياسية والاجتماعية، وإحباط الأصوات الداعية للتشرذم والتفرقة، والتخفيف من التناقضات في القيم والاتجاهات بين الجماعات الاجتماعية المتباينة؛ - والمساعدة على الاستقرار والوحدة الوطنية وتغليب المصالح الوطنية على المصالح الذاتية؛ - وإبراز الإيجابيات وتجاهل السلبيات وتقليل حجم النقد إلى حجمه الأدنى. ومن هنا تبرز مشكلة سوء استخدام صحافة التنمية في إطار الاحتكار الحكومي للصحف، حيث تتحول طاقات الصحف لخدمة هدف تدعيم مركز السلطة السياسية وتصبح أهداف التنمية الوطنية ذات أهمية ضئيلة، وتتحول حرية الصحافة كما أشار جراهام مايتون إلى نوع من الترف الفكري من وجهة نظر المتحمسين لمفهوم صحافة التنمية، وأوضح فاروق أبو زيد أن بعض الدول العربية التي ادعت ضرورة توجيه الصحافة لخدمة التنمية والقضايا القومية انتهى الأمر فيها إلى توظيف الصحف لتدعيم النظم السياسية الحاكمة والترويج لأفكارها والدفاع عن سياساتها، وأن النظرية التنموية لم تلبي واقع الأنظمة الاتصالية في دول العالم الثالث، الأمر الذي يؤكد ضرورة صياغة نظريات جديدة ينتجها مفكرو العالم الثالث، لتخاطب الواقع في الدول النامية بمفاهيمه وتعقيداته.

نظرية التبعية الإعلامية: وظهرت في دول أمريكا اللاتينية في حقبة ما بعد الاستقلال كرد فعل لإخفاق نظريات التحديث الغربية في تفسير أسباب تخلف الدول النامية، وتتلخص في أن ما تقدمه الدول الصناعية من تكنولوجيا للاتصال والإعلام الجماهيري، وأنظمة وممارسات مهنية إعلامية ومواد وبرامج إعلامية لاستهلاكها في الدول النامية يعمل على صنع وتعميق التبعية الإعلامية لهذه الدول، وزيادة اعتمادها على الدول الصناعية المتقدمة. ومن أهم منظري هذه النظرية شيلر، وماتللارات، وبويد باريت، اللذين قالوا: أن التكنولوجيا والأنظمة والممارسات الإعلامية المنقولة من دول العالم المتقدم تعمل على تشويه البنيات الثقافية في دول العالم النامي، وتسهم في إحداث سلبيات عديدة منها: - خلق ثقافة مهجنة؛ - وتغريب ثقافي؛ - وغزو ثقافي. وفي هذا الإطار جاءت جهود منظمة اليونسكو لتسهم في تقديم منظور نقدي يتميز بالشمول والموضوعية في محاولة لتجاوز الرؤى الجزئية التي تسعى إلى سيادة الرؤية الغربية (دول الشمال) في الاتصال والإعلام الجماهيري وتجاهل وإغفال حقوق الاتصال والإعلام الجماهيري لشعوب الدول النامية (دول الجنوب). وحرصت لجنة ماكبرايد على طرح تصور شامل يتضمن رؤية ومطالب دول الجنوب في مجال الاتصال والإعلام أبرزها في تقرير اللجنة وهي: - ضرورة المبادرة لتطوير المفهوم التقليدي السائد عن سياسات الاتصال الجماهيري؛ - والعمل على تغيير الهياكل الاتصالية الجماهيرية السائدة؛ - والأخذ بالنظام المفتوح للاتصال الجماهيري الذي يتيح إشراك الجماهير في عملية الاتصال الجماهيرية. وكشفت النظرة المتعمقة لتجارب العالم الثالث لنا حقيقة الدور الذي تقوم به بعض وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في تشكيل اتجاهات الرأي العام بصورة خادعة ومضللة ومستهدفة في الأساس، ولإضفاء الشرعية على السياسات الاستبدادية للسلطات الحاكمة، واعتمادها على تكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية التي تتحكم فيها الشركات متعددة الجنسيات، والقوى المحلية المتمتعة بالنفوذ السياسي والاقتصادي. لنفهم أن نظرية التبعية الإعلامية أعطت اهتماماً كبيراً للأبعاد الثقافية والتاريخية والدولية في تفسيرها للعلاقة القائمة بين وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية والسلطات السياسية ودورها في إطار التبعية الإعلامية والغزو الثقافي. ولو أنه يمكن أن يؤخذ عليها مبالغتها في تقدير أهمية المتغيرات الخارجية وتأثيرها على الأنظمة والسياسات الاتصالية لدول العالم الثالث، وهو ما يقلل من أهمية المتغيرات الداخلية، بالرغم مما تمثله الضغوط الدولية من أهمية، إلا أن صياغة السياسات الإعلامية تبقى مسؤولية وطنية في المقام الأول ويفترض أن تعكس الإرادة الشعبية وتصون الشخصية الثقافية الوطنية. ورغم ذلك فنظرية التبعية الإعلامية بحاجة لجهود كبيرة ومراجعتها على ضوء المتغيرات الدولية التي برزت في أواخر ثمانينيات القرن الماضي ابتداءً من انهيار الشيوعية والمعسكر الاشتراكي الدائر في فلكها وسقوط القطبية الثنائية، مروراً بالنظام العالمي الجديد وعولمة الاقتصاد والسياسة والثورة التكنولوجية في عالم الاتصال، وعولمة الثقافة والدفع نحو صراع الحضارات. خاصة وأن أنظمة الاتصال والإعلام في العالم الثالث تقوم على: - نظام إعلامي تسيطر عليه الدولة في إطار مفهومي التنمية والوحدة الوطنية، والرقابة فيه على المضمون الإعلامي صارمة؛ - ونظام إعلامي موجه من الدولة وظيفته الأساسية تعبئة الجماهير من أجل التنمية وتدعيم الوحدة الوطنية لتحل المسؤولية الوطنية محل المسؤولية الاجتماعية؛ - ونظام إعلامي مستقل تتمتع فيه الصحافة بقدر من الحرية بعيداً عن التدخل المباشر للحكومة وتستطيع الصحافة في ظله أن تظهر استقلالية في مواجهة الضغوط الحكومية. ويعتبر هذا التصنيف أكثر مرونة في تصنيف الأنظمة الإعلامية في العالم الثالث، لأنه من الصعب إخضاعها لتصنيفات جامدة نظراً لما تتضمنه من تناقضات وتعقيدات كثيرة.

نظريات الإعلام والتجربة الإعلامية العربية: للصحافة العربية موروث لا تحسد عليه بحكم نشأتها في أحضان السلطة، واستمرار تطبيق الكثير مما خلفه الاستعمار من قيود وممارسات معادية لحرية الصحافة وقد أنعكس هذا المورث بشكل واضح في التشريعات والسياسات والممارسات لدرجة تطابقت فيها الأنظمة الصحفية والأنظمة السياسية، والتعامل مع ما ينشر في معظم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية العربية وكأنه يمثل وجهات نظر رسمية للحكومات العربية، وقامت بعض الدراسات الإعلامية العربية بدراسة: - قوانين المطبوعات والصحافة العربية؛ - والعلاقة بين الصحافة والسلطة السياسية؛ - وتطور الصحافة العربية، خلال مرحلتي الاستعمار والاستقلال. ومن تلك الدراسات، الدراسة التي قام بها فاروق أبو زيد للأنظمة الصحفية العربية، معتمداً على تحليل مضمون 16 قانون للمطبوعات نافذة في بعض البلدان العربية، وخلص إلى أنه نظام صحفي سلطوي، ويشكل الاتجاه الغالب للأنظمة الصحفية العربية، ولا يوجد نظام صحفي عربي نقي، لأنه تتداخل في تلك القوانين خصائص الأنظمة الليبرالية، والسلطوية، والاشتراكية، نتيجة للخلط القائم في النظم: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، في المجتمعات العربية. وفي محاولة لتطبيق نظريات الصحافة الغربية على واقع الصحافة العربية توصلت الدكتورة عواطف عبد الرحمن إلى أن هناك الكثير من أوجه الشبه بين النظرية السلطوية وممارسات الصحافة العربية، على الرغم من وجود بعض التشابه بين النظرية الاشتراكية وبين الأوضاع الإعلامية العربية إلا أنها ترى أنه من العسير إن لم يكن من المستحيل تعميم هذه النظرية. أما النظرية الليبرالية فأنها لا تصلح للتطبيق على الصحافة العربية ولا تتلاءم مع الواقع السياسي والاقتصادي العربي الراهن حيث تسود الأمية والفقر والتخلف الاجتماعي مع شيوع الأنظمة الأوتوقراطية المتسلطة. وأوضح حماد إبراهيم أن النظام الصحفي السلطوي هو النظام السائد في الوطن العربي، حيث يبرز احتكار النشاط الإعلامي من قبل السلطة السياسية، وأن أغلب وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية العربية لا تتسع إلا لوجهات النظر الرسمية والارتفاع بمكانة صانع القرار المركزي والترويج لسياسات السلطة والتشكيك في الخصوم أو المعارضين السياسيين وتشويه صورتهم أمام الرأي العام. وفي دراسة لدور وسائل الاتصال الجماهيرية في صنع القرارات في الوطن العربي انتهى بسيوني حماده إلى أنه هناك فجوة حقيقية بين النظامين السياسي والاتصالي والإعلامي الجماهيري وأن هذه الفجوة لا تلغي التبعية، وأرجع هذه الفجوة إلى ميل النظم الاتصالية والإعلامية الجماهيرية العربية للإثارة والمبالغة وعدم القدرة على التعبير عن الرأي العام، وغياب المعلومات الموثوقة من السلطة السياسية وعدم اهتمام صانعي القرار بقراءة ما تنشره وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، والنظر إلى الاستجابة لمطالب نظم الاتصال والإعلام الجماهيرية على أنه ضعف من السلطة السياسية. لنخلص بأن أزمة حرية الاتصال والإعلام الجماهيرية في الوطن العربي لا تنفصل عن أزمة الديمقراطية حيث تسود الأنظمة السلطوية التي تضع كل السلطات في يد رئيس الدولة، وغياب دور التنظيمات السياسية الشعبية والديمقراطية في إطار عدم التوازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وتحول معظم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية العربية إلى أجهزة حكومية مهمتها الدعاية لأنظمة الحكم، وتعبئة الجماهير وحشدها لتأييد سياساتها وممارساتها. ورغم ما شهدته بعض الدول العربية من تحول إلى نظام التعددية السياسية والصحفية إلا أن الأنظمة الصحفية في تلك الدول لم تتحرر حتى الآن من تراث النظرية السلطوية، حيث تهيمن الحكومة على الصحف المركزية الرسمية، وتمارس أشكالاً مختلفة من التنظيم والسيطرة، مثل التحكم في تراخيص إصدار الصحف وتعيين رؤساء التحرير وتوجيه السياسات الإعلامية والتحكم في تدفق المعلومات والإعلانات، علاوة على القيود القانونية التي تجيز مراقبة الصحف ومصادرتها وتعطيلها وحبس الصحفيين إذا تجاوزوا حق النقد الحدود المرسومة له. ومن الطبيعي أن تسود أنظمة صحفية سلطوية في تلك الدول ذات أنظمة الحكم الأوتوقراطية، ومن غير المقبول أن تستمر المفاهيم الإعلامية السلطوية في تلك الدول ولا بد أن تأخذ بالتعددية وتبنى مفاهيم الاتصال والإعلامية الحديثة.

النظم السياسية ووسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية: لكل مجتمع من المجتمعات نظامه السياسي الخاص به، ويشمل هذا النظام آليات معينة الهدف منها تحقيق وظائف السلطة السياسية كنظام اجتماعي متكامل. ومفهوم النظام السياسي هو من الأسس التي يعتمد عليها علم السياسة في دراسته لجميع أوجه الحياة السياسية وتمييزها عن غيرها من مكونات الحياة الاجتماعية في مجتمع معين بحد ذاته، تلك المكونات التي تتفاعل فيما بينها ضمن المحيط الذي تتفاعل داخله لتكوِّن نتيجة لذلك علاقات معينة تربط بين البنى التي يتكون منها المجتمع الواحد. والنظام السياسي عادة هو مجموعة من المكونات المتتالية وما يجري بينها من تفاعلات تشترك فيها كلها عبر تفاعلها مع غيرها من المكونات التي تشكل تركيبة البنى الأساسية للمجتمع من اجتماعية، واقتصادية، وفكرية، وثقافية، وتشريعية. وتعتمد درجة اتساع أي نظام سياسي على مدى الحدود المشتركة في الإطارات المتفق عليها سياسياً ضمن نظام معين ملزم وواقعي وممكن التطبيق. ويشمل هذا النظام التشريعات التي تركز على مدى فعالية القوانين النافذة في حدود معينة، داخل نظام لا مركزي تطبق من خلاله تلك الحدود، والبرامج، والقرارات المتخذة على مختلف المستويات والأصعدة. والنظام السياسي بمفهومه الحديث أخذ بالتشكل في أواسط القرن العشرين، واعتبر تطوراُ منطقياً للعلوم السياسية، وضرورة منطقية لوصف الحياة السياسية ومواقف النظم السياسية ومقارنتها مع غيرها من النظم والمواقف. ودراسة بعض نماذج النظم السياسية للوصول إلى تصور معين عن المواقف السياسية وآليات أداء الوظيفة السياسية للنظام قيد الدرس. ويعتبر الأمريكيان د. استون، وغ. ألموند من واضعي أسس نظرية النظم السياسية عالمياً. فقد وضع الأمريكي د. استون، في أعماله (النظام السياسي 1953)، و(حدود التحليل السياسي 1965)، و(التحليل المنهجي للحياة السياسية 1965) مدخلاً لتحليل النظم السياسية، التي تشمل: البرلمان، والحكومة، والإدارة المحلية، والأحزاب السياسية، والهيئات الاجتماعية. واعتبر استون أن النظام السياسي، هو نظام لآليات الضبط الذاتي المتطورة التي تضبط التأثيرات الآتية من خارج النظام. وأن النظم السياسية تحتفظ عادة بمداخل معينة تعبر عن نفسها من خلال الطرق والوسائل التي ينعكس من خلالها وتعبر عن نبضات التطور الاجتماعي، وتأتي تلك النبضات عادة على شكل مطالب اقتصادية واجتماعية معينة، يطالب بها البعض ويؤيدها أو لا يؤيدها البعض الآخر داخل تركيبة المجتمع الواحد. وتتشكل تلك المطالب عادة وتظهر من داخل الوسط الاجتماعي المحيط بدائرة السلطة الحكومية، أو من داخل النظام السياسي السائد في المجتمع. وتعبر الشرائح الاجتماعية عن تأييدها للنظام السياسي عن طريق الالتزام بدفع الضرائب، وأداء الخدمة العسكرية الإلزامية، والتقيد بالقوانين النافذة، والمشاركة الإيجابية والتصويت في الانتخابات العامة، والتعاطف مع السلطات الحكومية وشعاراتها المطروحة على الرأي العام. وبغض النظر عن وجود أو عدم وجود مطالب محددة لدى بعض الشرائح الاجتماعية فإن التأييد العام المعبر عنه من قبل أكثرية الشرائح الاجتماعية، يصبح جزء من كيان النظام السياسي الذي يلتزم بأخذ المطالب المطروحة بعين الاعتبار، بما يتفق ومصالح سائر التركيبة الاجتماعية، وتلتزم السلطة الحكومية باتخاذ إجراءات معينة لا تخل بالمصالح الوطنية العليا للدولة. كتلبية مطالب شريحة اجتماعية معينة بإعادة النظر بسلم الأجور المطبق انطلاقاً من حاجات تلك الشريحة الاجتماعية على ضوء مجريات الأحداث والتطور الاقتصادي والاجتماعي المحقق. ونتيجة لأداء النظم السياسية لوظيفتها يتحقق شكل للقرار أو الفعل سياسي. وهذا القرار والفعل يؤثران بشكل معين على الوسط المحيط. ويرتفع التأييد المقدم للنظام في حال إذا كان القرار والفعل يتفقان مع المنتظر والمطلوب من قبل الشرائح والجماعات السكانية الواسعة. ليتعزز استقرار النظام السياسي. وفي حال عدم تلبية القرار السياسي المنتظر أو المطلوب بالكامل أو جزئياً يمكن حدوث نتائج سلبية تؤدي إلى ظهور مطالب جديدة، يمكن أن تؤدي إلى أزمة جزئية أو كاملة للنظام السياسي. وفي هذه الحالة تتكاثر في المجتمع أوضاع تهدد استقرار النظام السياسي. وتشغل المطالب مكانة هامة ضمن المعلومات المتنوعة الواردة للنظام والتي تظهر الخلفيات المنتظرة ومصالح الناس. وقسمها إستون إلى مطالب توزيعية تتعلق بالرواتب وأوقات العمل، وشروط الحصول على التعليم، والخدمات، ومطالب تنظيمية تتعلق بتوفير الأمن للمجتمع، والتحكم بالسوق... إلخ، ومطالب اتصالية تتعلق بتقديم معلومات سياسية، وإظهار القوة السياسية وغيرها.

النظام السياسي المنفتح: وتحت تأثير مجموعة كبيرة من التأثيرات الآتية من الوسط المحيط يتخذ النظام السياسي القائم قرارات تحقق الاستقرار الاجتماعي. وفي حال كانت تلك التأثيرات ضعيفة ولا يملك النظام السياسي عنها معلومات كافية يمكن لهذه التأثيرات أن تدفع النظام السياسي لاتخاذ قرار لمصلحة شريحة اجتماعية معينة وباتجاه واحد، مما يؤدي إلى زعزعة الاستقرار والأوضاع الاجتماعية. وقد يكون التأثير قوياً ومغرقاً بالمعلومات مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة تؤدي إلى ردود فعل من خارج النظام السياسي، مبنية على طبيعة السلطة السياسية والمطالب الموجهة لها. وتتكون ردود الفعل على القرارات السياسية، من توزيع السلطات والقيم على شكل تقبل السكان أو عدم تقبلهم لها. لأن القرارات السياسية هي شكل من أشكال التوزيع القيمي للسلطة. وخلافاً لإستون، يرى غ. ألموند أن للنظام السياسي تأثيرات متبادلة كثيرة، نابعة عن التصرفات، الحكومية وغير الحكومية، ومن الضروري دراستها. ويذكر أن أي نظام سياسي يملك تركيبته الخاصة متعددة الوظائف، وكل نظام سياسي يحقق أو يقوم بنفس الوظائف المختلطة بالمعنى الثقافي. والخاصية الهامة تكمن في تعدد وظائف النظام بغض النظر عن المبادئ المعلنة لتقسيم السلطة، لأن الكثير من الوظائف في مختلف النظم السياسية غير مجزأة. وعلى سبيل المثال: تدخل البرلمان في السياسة الحكومية المتبعة، والتدخل بنشاطات الحكومة والرئيس عن طريق إصدار القوانين وهو ما يحدث في مختلف دول العالم. والخلط السياسي يكمن في مفهوم أنه لا يوجد سلطة خالصة، لا إدارة رئاسية خالصة، ولا سلطة حكومية خالصة، ولا سلطة برلمانية خالصة. ويتجاوز نموذج غ. ألموند بعض النقائص في نموذج د. إستون. ويراعي في نموذجه النواحي السيكولوجية الفردية للتأثيرات السياسية المتبادلة، والنبضات الآتية ليس من الخارج فقط، بل ومن الشريحة الحاكمة، ومن الحكومة. ويورد مثالاً عليها: "إقرار الكثير من المسائل المتعلقة بمصالح ومطالب المواطنين أو استخدام القوة ضد بعض الشرائح الاجتماعية، وقرار شن الحرب". والحصول على المعلومات اللازمة لاتخاذ القرار وفق غ. ألموند، يأتي من تسييس المجتمع وتعبئة السكان، وتحليل المصالح القائمة، ودراسة عملية تكامل المصالح، والاتصالات السياسية ضمن علاقات متبادلة بين مختلف القوى السياسية. والمعلومات الصادرة عن السلطة هي وظائف تنبع من الأصول الموضوعية للنشاطات القانونية، وأداء السلطة التنفيذية لنشاطاتها الحكومة، وإعطائها الصبغة القانونية، وعن المعلومات الناتجة عن النشاطات العملية للحكومة من أجل تحقيق السياستين الداخلية والخارجية. وبهذا الشكل يرتبط أداء وظائف النظم السياسية بدراسة المواقف وحساب أبعادها وخصائصها، والقرار السياسي المطلوب لحل المشاكل المكتشفة. وتوجه هذه النماذج الانتباه للمصالح المتشابكة داخل النظم، وتضارب وتوافق حسابات تلك المصالح من قبل الأنظمة. وتميز تفاعل النظم السياسية المعاصرة مع برامجها المتنوعة. لأن النظام السياسي هو نظام شامل لإدارة المجتمع، مرتبط بالعلاقات السياسية التي تضبط العلاقات المتبادلة بين الجماعات الاجتماعية لتحقيق الاستقرار في المجتمع، والنظام الاجتماعي، واستخدام السلطات الحكومية.

ويسمح مدخل التحليل السياسي بـ: أولاً: تقديم الحياة السياسية كنظام لتصرفات الناس، وتحديد آليات تأثير الفعاليات السياسية المؤثرة على طبيعة المؤسسات السياسية وهياكلها؛ وثانياً: إعطاء المفهوم السياسي كيان موحد، وفتح المجالات لتحليل الطرق المتبعة للعمل المشترك مع الوسط المحيط، والأجزاء المكونة للطبيعة الاقتصادية، والثقافية، والتركيبة الاجتماعية؛ وثالثاً: أنها واحدة من أهم الوظائف السياسة الهادفة لتأمين الوحدة الوطنية، والحفاظ على لحمة التركيبة الاجتماعية، وعدم تجاوز المداخلات والاختلافات الكثيرة، وتنوع الاتجاهات في مراحل العمل.

ويمثل النظام السياسي وسائل للتكامل الاجتماعي، ويتضمن تأثيرات متبادلة للاختلافات الاجتماعية حول أداء وظيفة الأقسام الرئيسية للتركيبة الاجتماعية. ويعكس مفهوم النظم السياسية وحدة جهتين سياسيتين وهما: المنظمات والنشاطات، أي الهياكل والأفعال. وتأخذ أشكال التكامل مدخل منظم يوفر إمكانية التحليل المقارن لمختلف وجوه مفهوم النظم السياسية من: - أشكال الحياة السياسية؛ - وتحديد مقاييس متفق عليها لوصفها وتحليلها. وتشكل النظم السياسية مرتبط بتشكل العلاقات السياسية بالتدريج إلى جانب ملامح العلاقات السياسية الحقيقية المتمثلة بـ: أولاً: الارتباط المتبادل والثابت لمختلف عناصر الحياة السياسية. وإذا كان هذا الارتباط المتبادل غير موجود، يظهر وضع معاكس يهدد وحدة التنظيم، ويؤدي إلى تحلل النظام، ويصبح المجتمع غير قابل للتكامل؛ ثانياً: تنظيم العلاقات السياسية، مع توفير إمكانية تحقيق الاستقرار والتطور. ومعناها تحقيق النظام في المجتمع ليخدم الظروف اللازمة للإنتاج والتغييرات الهادفة في العلاقات الاجتماعية. لأن الحياة السياسية هي ظاهرة نشيطة متجددة، تغيب عنها عناصر انعدام النظام، ومخالفة العلاقات المتشكلة وأساليب ضبطها، لأن أي تطور مرتبط بالأشكال المغايرة للاستقرار. دون أن تؤدي إلى انخفاض مستوى التفاعلات السياسية والاجتماعية إلى الحد الذي يمكن معه أن تظهر تهديدات لأمن المواطنين. وفي حال حدوث تقاعس من قبل السلطات الحكومية عن أداء وظيفتها فإنها ستفقد تأييد المواطنين حتماً، ليبدأ البحث عن بدائل، وكقاعدة يتم العثور عليها. لأن الرد يأتي في ظروف صعبة، ويظهر شكلاً جديداً لنظام ليس أفضل من سابقه وقد يكون أكثر خطراً منه؛ ثالثاً: للنظم السياسية أساس ثقافي يتمثل بالقيم الجماعية، والشعارات السياسية، والقناعات، المتولدة لدى أعضاء الجماعات السياسية. ويعكس الوحدة وتكامل الأجواء السياسية الممكنة من خلال توفر علاقات معنوية معينة، يتمكن الناس من خلالها فهم بعضهم بعضاً. وتظهر الخبرة التاريخية أن النظم السياسية، مهيأة للاستقرار لفترات طويلة ويتقاسم هذا الاستقرار أكثرية أعضاء المجتمع، وهي موجودة في النظم التربوية. ومن الأمثلة على ذلك: الثقافة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية التي تخدم قيم الحلم الأمريكي، والإيمان بارتباط النجاح الفردي بالجهود والإمكانيات الخاصة، وعلاقته ببلده المختار الذي اختاره الله، وما توفره للإنسان من إمكانيات نادرة من أجل تحقيق الذات، وهو موضوع معروف ويمكن قراءته على شعار الدولة في الولايات المتحدة الأمريكية، نحن نؤمن بالله، أي الرابطة بين الإيمان بالله والسياسة؛ رابعاً: وللنظم السياسية استجابات مشتركة لكل العناصر وضمنها التأثيرات الخارجية. متمثلة بالفاعلية المشتركة، والتعاون الذي يوفر للنظم السياسية إمكانية تعبئة الموارد الضرورية بسرعة لحل المشاكل العامة المشتركة. وفي هذا المجال تعتمد مساعي الأجهزة الحكومية على مساهمة المواطنين، وتستخدم تأييد المنظمات السياسية والاجتماعية المتنوعة، والأحزاب للحصول على تأييد الرأي العام. ومما سبق نرى أن فكرة المدخل الأسلوبي لتحليل الحياة السياسية يتلخص في دراسات: - النظم السياسية في إطار النظم الأكثر اتساعاً؛ - والبنية التحتية للنظام وعناصره. ويسمح هذا المدخل بتحديد المصطلحات، وتحديد مفاهيم النظريات السياسية وتحديد علاقاتها المشتركة. وارتباطات النظم السياسية المفتوحة، وما تعانيه من تأثيرات متنوعة تعتمد على حقائق التأثيرات الداخلية والخارجية، تدرسها كلها العلوم السياسية. والنظم السياسية المتنوعة تملك آليات مختلفة لمقاومة التأثيرات الخارجية، والأزمات الداخلية، والتفاعلات والتناقضات الناتجة عنها، ووجود النظم السياسية يعتمد على ضرورات تعديل السياسة، والنظم. ووجوب حصر الاهتمامات السياسية بالشخصيات والأحزاب عند ظهور الأزمات، وبطرق حصرها ضمن التفاعلات في المراحل المبكرة ليمكن ضبطها دون خسائر جدية.

هياكل النظم السياسية ووظائفها: للهيئات الدينية ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية دور في السياسة يحدده الباحثون في النظم السياسية بوظيفة تدخل في تركيبة النظم السياسية كهيآت، أو منظمات، أو مؤسسات، لها: - معايير قانونية وأخلاقية، وتقاليد سياسية؛ - ووظيفية تأخذ أشكال واتجاهات النشاطات السياسية التي تمارسها، مع اختلافات في التفاعلات السياسية، وطرق وأساليب ممارستها للسلطة؛ - واتصالية تعمل على توحيد العلاقات، وتعدد أشكال الاتصال المتبادل، كالاتصالات بين الأحزاب والحكومات، وبين النظم السياسية والاقتصادية؛ - وأيديولوجية تتضمن الأفكار التي تتبناها. ونصادف في المراجع العلمية، العربية والأجنبية، أربع مجموعات رئيسية لعناصر النظام السياسي وهي: 1) المنظمات السياسية؛ 2) والعلاقات السياسية؛ 3) والقواعد السياسية والقانونية؛ 4) والوعي والثقافة السياسية. والعناصر الرئيسية للنظم السياسية في المجتمع وآلية أدائها الوظيفي ينعكس في دستور الدولة، وفي القوانين التي تضبط مبادئ تشكل ونشاطات أجهزة السلطات الحكومية، وحقوق وواجبات المنظمات والهيئات الاجتماعية والحكومية والحزبية والاقتصادية وغيرها. وتعتبر المنظمات السياسية المكون الأكثر حيوية في النظام السياسي في المجتمع. وتتم من خلالها النشاطات السياسية بأشكال منظمة وعمل مشترك، وتنضوي تحت أهداف واحدة، وتضبطها قواعد خاصة، وحدوداً تلبيها الجماعات السياسية. ويجري تحويل القوة الأيديولوجية والأخلاقية إلى مادية عن طريق تلك التنظيمات، لتصبح الأفكار قواعد للسلوك. وبذلك تصبح المنظمة السياسية أهم وسيلة لتشكيل الإرادة الموحدة. وفي هذه الحالة تقيم الجماهير علاقات سياسية في تلك الدولة أو غيرها، وفي حال غياب المنظمات السياسية اللازمة لتطور العلاقات السياسية، تأخذ دورها ووظائفها قوى أخرى: كالجيش، والتركيبات القبلية، والجماعات الدينية. وتسمى عملية تحويل الأفكار إلى قواعد، والأساليب لتصرفات ومبادئ لاستمرار المنظمات السياسية في الحياة السياسية الشكل القانوني للمؤسسات. ومن خلال الشكل القانوني للمؤسسات يجري تأسيس منظمات سياسية في المجتمع. أما القطيعة ورفض الأفكار والتنظيمات فتولد عملية عكسية ضد الشكل القانوني للمؤسسات، وتتمثل بانهيار المنظمات السياسية، وازدياد الفجوة بين تصرفات الناس والأصول القانونية التي تضبطها. ومن الواضح أن العلاقة عضوية بين السياسة والمؤسسات، وأن النشاطات السياسية متنوعة وتتم بأشكال منظمة، وانهيارها يؤثر سلباً على السياسة. لأن النظام السياسي في المجتمع هو عبارة عن تلاحم المنظمات والمؤسسات المعنية، لتقوم بوظائف معينة، ونتيجة لعملها المشترك تتحقق السلطة السياسية في المجتمع. ويتشكل النظام السياسي من: الحكومة، والأحزاب والمنظمات والحركات الجماهيرية في المجتمع، ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، والهيئات الدينية. والحكومة والأحزاب هي منظمات سياسية، وهذا يعني أنهم بشكل مباشر يؤدون مهام السلطة السياسية بحجمها الكامل أو يسعون لأدائها، وجوهر نشاطهم يتجه نحو تحقيق السلطة أو الصراع من أجل السلطة. وترتبط المنظمات السياسية بشكل غير مباشر بعملية تحقيق السلطة السياسية، ولكن هذا ليس إلا واحداً من الاتجاهات الرئيسية لوظائفها. لأن النقابات المهنية، والمنظمات السياسية، ومنظمات الشباب تسهم في تحقيق السلطة السياسية إلى جانب الهيئات الرياضية، ومختلف التكتلات والحركات الاجتماعية. وتجري عملية تسييسها جميعاً في مراحل معينة من حياة البلاد عن طريق دعم الهيئات المهنية والاجتماعية للمرشحين لعضوية البرلمان. ووظيفة المنظمات السياسية تتمثل بالنشاطات المنظمة التي تعكسها وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التابعة لها، وتسهم في معترك الحياة السياسية في المجتمع. وفي الإطار القانوني يتم قيد كل المنظمات السياسية، وتقوم الإدارات الحكومية بمراقبة وضبط نشاطها ضمن الإطار القانوني العام. وتعمل وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية والهيآت الدينية في إطار النظام السياسي، بشكل متخصص جداً.

فوسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية: هي مؤسسات معقدة تتألف من أجهزة وعناصر متعددة موجهة لإعلام السكان عما يجري داخل الدولة وما يجري حولها في العالم من أحداث وظواهر. ويطلق على وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية صفة السلطة الرابعة، إلى جانب السلطات الثلاثة الأخرى: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية. وتوجه دورها السياسي كمؤسسات مستقلة تنتج الخبر السياسي، لتشكيل الرأي العام، وتقوم بالتأثير على التفاعلات السياسية الجارية في المجتمع، وتوفر المصادر التربوية والثقافية السياسية لأوسع الشرائح السكانية. وفي الظروف المعاصرة تحظى وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بتأثير فعال من خلال جملة حقائق تؤديها عبر وظيفتها الاجتماعية ومن خلال التوجه إلى ساحة إعلامية محددة. وتنبع التوجهات الوظيفية من خلال مراعاة طبيعة الفئات العمرية، وطبيعة الحاجة المعنوية للساحات التي تتوجه إليها. ولهذا تعتبر خصوصية أوضاعها في النظام السياسي للمجتمع موجهة وتعتبر من أجهزة المؤسسات الحكومية، والمنظمات الاجتماعية الجماهيرية، والأحزاب السياسية. وتتميز مضامين ووجهات نظر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية عن غيرها من مجالات العمل السياسي، لأنها تعمل من خلال ما خصصت من أجله تحديداً. وتطوير الفكر السياسي الموجه لأوسع ساحة وتتناول المصالح الحياتية للجماهير. وتوفر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية عملية تكامل الإدارة الاجتماعية والسياسية، وتشترك في إعداد وإقرار القوانين، واتخاذ القرارات الحكومية والإدارية. وتختار وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في مختلف النظم السياسية المعلومات بشكل دقيق دائماً. وتحاول إضفاء الشرعية على قرارات أجهزة السلطة السياسية وتراقب عملها بشتى الطرق المباشرة وغير المباشرة، وهو ما يساعدها على تعزيز الواقعية في عملها. لأن المعلومات الرسمية الآتية من الأعلى، كقاعدة تتضمن غموضاً يفرض ضرورة تنويع مصادر وقنوات المعلومات. أما سيل المعلومات الآتية من الأسفل، من خلال القنوات غير الرسمية، فتحمل حقائق عن آراء الجماهير في موضوع معين. ويتم التوحيد بين المعلومات الآتية من الأعلى، والآتية من الأسفل من خلال وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. وكثيراً ما تعبر الحاجات السياسية عن نفسها على شكل ظواهر اجتماعية أو أوضاع نفسية معينة. ويأخذ هذا الوضع باعتباره وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية، التي ترفع من مستوى الرأي العام أو على العكس تضعفه. والسلطة تسعى دائماً لمراقبة وضبط أداء وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. لأن من يسيطر على المعلومات، يمكنه التأثير على الرأي العام، ويملك القدرة على تحديد إجراءات يتم من خلالها توجيه تصرفات الجماهير. ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية في النظم الديمقراطية تعمل بشكل مستقل، وتوزع معلومات مهمة في المجتمع بشكل واسع، وقد يكون لها طابع معارض نابع عن القوى السياسية القائمة. وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك عندما أثارت مقالات في الصحف فضائح سياسية أدت إلى خلق أزمات، وحتى إلى استقالة قادة سياسيين. أما في النظم الشمولية فتقوم وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بدور الرقيب على نشاطات الشخصيات الاجتماعية، والجماعات الاجتماعية وحتى الأفراد لصالح النظام. وعلاقة وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية بالدولة والحكومة، والقادة السياسيين والأحزاب متناقضة. لأنها تلعب دوراً مهماً في الحد من استغلال السلطة وقيام الأوساط الحاكمة بأعمال سياسية معينة، وفي فضح التجاوزات القانونية، والدفاع عن حقوق المواطنين من التصرفات الحكومية غير المسؤولة. وتضطر الأجهزة الحكومية والقيادة السياسية لمنح وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية حرية واستقلالية معينة. كي لا تفقد الأجهزة الحكومية والقيادات السياسية ثقة السكان. ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية من جهتها كقاعدة تعزز شخصيتها كمصدر للمعلومات الحكومية الموجهة للأوساط الاجتماعية ولأجهزة السلطة الحكومية. وتحولت وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية في الوقت الحاضر إلى مجالات تجارية، تتمتع بحريات حصلت عليها من الدولة وخلصتها من الرقابة، وسمحت بتكتلها باتحادات إعلامية ضخمة. ولكن بقيت لدى السلطة ولدى رجال الأعمال إمكانيات واسعة للتأثير والضغط على وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية عن طريق إعطاء المساعدات وتخصيص الإعلانات التجارية. وهكذا بقيت وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية جزءاً هاماً من النظام السياسي، تؤثر إلى حد كبير على تطورات الحياة السياسية في المجتمع.

ويتضح دور الهيئات الدينية في النظم السياسية في العديد من دول العالم، وتلعبه المنظمات الدينية في المجتمع، بسبب التفاف المؤمنين حول الأفكار الدينية وأداءهم لعباداتهم الدينية الجماعية وخاصة في الأوقات العصيبة. والهيئات الدينية كالكنيسة في الدول الغربية تملك إدارة مركزية لها نظامها الخاص ومبادئها الأخلاقية والسلوكية الدينية، يخضع لها المؤمنين ورجال الدين.

وخلال قرون طويلة التقى الدين بالسياسة. ولكن درجة وطبيعة تأثير العامل الديني على السياسة كان متفاوتاً، لأن الدين كان ولم يزل موجوداً في التفاعلات السياسية والحركات الجماهيرية كجوهر وليس كظاهرة. وهذا يفسر جوهر العلاقة بين الدين والسياسة. ويعتمد الدين على جماهيريته وكثرة أتباعه، وتكوينه لوعي الجماعات الدينية. وفي مراحل تاريخية معينة كان يشكل الوعي الجماهيري، بمناطق جغرافية واسعة من العالم، وكان الوعي الديني الأكثر انتشاراً بين الجماهير، وفي بعض الأحيان فاق كل أشكال الوعي الاجتماعي. ولهذا عندما يدور الحديث عن الدين يبقى السؤال المطروح ما هو مدى تعرض الجماعات البشرية للفكر الديني. لأن السياسة أيضاً مرتبطة بجماعات غفيرة في الأوساط السكانية. ولأن الدين والسياسة ظاهرتان لم تختلطا في الحياة الاجتماعية، بل على العكس كانتا دائماً محددتان بقنوات تقليدية تتشابك من خلالها المفاهيم الدينية والسياسية. وهنا يجب أن نشير إلى أنه يجري اليوم البحث عن حداثة أكثر، ودقة أكثر للعلاقة بين الدين والسياسة، علاقة تسمح بتعايش الدين والسياسة. وهذا البحث يحمل طبيعة متنوعة لأن المجددين من المسيحيين يسعون لتحرير المسيحية من بعض الأفكار الجامدة، آخذين بعين الاعتبار منجزات العلوم الحديثة. ليتمكنوا من مسايرة توجهات أتباع مختلف العبادات غير التقليدية، والوعي الديني للمحافظ على البيئة الاجتماعية.

وإلى جانب المنظمات السياسية في تركيبة النظام السياسي للمجتمع هناك علاقات سياسية. يحددها العمل المشترك للجماعات الاجتماعية، والأفراد، والهيئات الاجتماعية من أجل بناء وإدارة المجتمع. ويمكن تقسيم جوهرها الايجابي إلى مجموعات وهي: المجموعة الأولى: وتتمثل بالعلاقة بين الطبقات، والجماعات الكبيرة في المجتمع، وبين القوميات والدول. والعلاقات بين الطبقات والجماعات، والعلاقات داخل الطبقات، والعلاقات بين القوميات التي تؤلف جوهر النظام السياسي وتنعكس في ممارسات المنظمات السياسية وعلاقاتها المتبادلة. والمجموعة الثانية: وتتألف من العلاقات الشاقولية، التي تتراكم من خلال عمليات تحقيق السلطة السياسية، تحت تأثير أجهزة السلطة المركزية والمحلية والقيادات والإدارات والتفاعلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. والمجموعة الثالثة: وتتألف من العلاقات السياسية التي يمكن أن تتضمن علاقات متراكمة بين المنظمات والمؤسسات السياسية.

وتعتبر القواعد الحقوقية لممارسة السياسية العنصر الفاعل في النظم السياسية، وتتمثل بالدستور، والنظم الداخلية وبرامج الأحزاب السياسية، والتقاليد السياسية والإجراءات التي تضبط التفاعلات السياسية. وكلها تعتبر قاعدة أساسية، لأن الأنظمة السياسية تختلف عن بعضها البعض كالشمولية وسلطة الحزب الواحد، وتعددية الآراء في النظام السياسي، ومبادئ وقواعد الممارسات تختلف في النظم السياسية. والقواعد السياسية والقانونية الضابطة للعلاقات السياسية، تعطي شكلاً منظماً، يحدد ما هو مرغوب فيه وما هو غير مرغوب فيه، والممكن وغير الممكن من وجهة نظر النظم السياسية. ومن خلال القواعد السياسية والتشريعية يتم الاعتراف الرسمي بالمصادر السياسية. ومن خلال قواعد أجهزة السلطة السياسية يجري الوصول للمجتمع ولأهداف الجماعات الاجتماعية، والأفراد. وتحدد نماذجهم الخاصة قواعد التصرفات وتبرر أسباب القرارات السياسية المتخذة من قبل القيادات المشاركة في الحياة السياسية.

الخاتمة: وهكذا نرى أن الوعي السياسي والثقافة السياسية هما من ضمن العناصر المؤلفة للنظام السياسي في المجتمع. ويعتبران انعكاساً للمنافسات الاجتماعية والسياسية التي تصور التوجهات والقيم ومواقف وأحاسيس ومنطق تفكير المشاركين في الحياة السياسية، والذي يؤثر تأثيراً كبيراً على تصرفات حركاتهم السياسية. ويخضعان لعناصر النظام السياسي. لهذا من المهم الأخذ بالمشاعر السياسية للجماهير بعين الاعتبار من خلال التفاعلات الجارية بين قيادة وإدارة المجتمع والمجتمع بحد ذاته، ووظائف النظم السياسية المتنوعة والمعقدة بسبب ظروف الحياة السياسية. وتتمثل في: - تحديد أهداف ومهام المجتمع؛ - وإعداد برامج حياتيه تتفق ومصالح الشرائح التي تدير المجتمع؛ - وتعبئة إمكانيات المجتمع بما يتفق وتلك المصالح؛ - ومتابعة توزيع القيم الاجتماعية بشكل عادل. وفي هذا المجال لابد من تحديد وتحليل الصدامات الجارية بين مصالح الشرائح التي تدير المجتمع والجماعات الاجتماعية، لتحقيق الوحدة الاجتماعية بالكامل. لأن فقدان السيطرة عليها يحدد مصير النظام الاجتماعي، وتهدده بالأزمات. ويبعد المجتمع عن الالتفاف حول الأهداف والقيم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وتحقيق هذه الوظيفة ممكن من خلال توفير إمكانيات متطورة للنظم السياسية لتجنب ظهور تناقضات داخل المجتمع، وتجنب الصراعات، وإزالة الإضرار الاجتماعية. وتحقيق نوع من الرقابة على مجالات توزيع القيم الاجتماعية، التي تشمل الموارد المادية والاقتصادية، والامتيازات السياسية، والثقافية، وإنجازاتها، للوصول إلى مختلف أشكال التعليم المستمر مدى الحياة وشغل أوقات الفراغ. الذي يجب أن تقوم به وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية. وطبعاً لا يجب أن يكون الضبط شاملاً، ولا يجب أن ينحدر إلى الجزئيات، لأن من لا يملك أشياء مشتركة يمكن توزيعها اجتماعياً، لا يمكنه الوصول للرفاهية الاجتماعية المطلوبة للجميع ولمختلف الشرائح والجماعات الاجتماعية داخل المجتمع الواحد.

طشقند في 13/11/2009

للمزيد يمكن الرجوع إلى:

1. إبراهيم إمام: الإعلام والاتصال بالجماهير،ط1، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية،1969. إبراهيم الساعدي :نظريات الاتصال والإعلام الجماهيري. الانترنيت منشورات ميديا & PR. تشارلز. ر. رايت: المنظور الاجتماعي للاتصال الجماهيري، ترجمة: محمد فتحي، القاهرة، دار المعارف، 1983. د. جبار عودة العبيدي، وهادي حسن عليوي: مدخل في سياسة الإعلام العربي والاتصال. صنعاء: مكتبة الجيل الجديد، 1993. د.جيهان أحمد رشتي: الأسس العلمية لنظريات الإعلام، ط2، القاهرة، دار الفكر العربي، 1978. د. حامد ربيع: أبحاث في نظرية الاتصال والتفاعل السلوكي، القاهرة، مكتبة القاهرة الحديثة،1973. عبد العزيز حمد عبد الله الحسن: وسائل الإعلام والإعلان وصف نظري للعلاقة والتأثير. مدير عام الإعلان التجاري - تلفزيون المملكة العربية السعودية - الرياض. منتديات ستار تايمز الانترنيت. عثمان الأخضر العربي :النظريات الإعلامية المعيارية ماذا بعد نظريات الصحافة الأربع، حوليات كلية الآداب، الحولية 16، الرسالة 112، الكويت مجلس النشر العلمي بجامعة الكويت 1996. أ.د. محمد البخاري: مقدمة في الإعلان والعلاقات العامة الدولية. مقرر جامعي لطلاب مرحلة الماجستير. طشقند: الجامعة القومية الأوزبكية. 2009. (باللغة الروسية)؛ العلاقات الدولية المعاصرة والتبادل الإعلامي. بحث لم ينشر بعد؛ وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية كأدوات للنظم السياسية. http://bukhari2009.blogspot.com/؛ العلاقات الدولية المعاصرة والتبادل الإعلامي. http://bukhari2009.blogspot.com/؛ الدراسات الإعلامية وتحليل المضمون الإعلامي. http://bukhari2009.blogspot.com/؛ مؤتمر هام في مجال تقنيات الاتصال الحديثة استضافته جامعة الملك سعود. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ الإعلام وتحديات العولمة في الدول الأقل حظاً. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ المعلوماتية وأمن الموارد الإعلامية بين التخصص والاختصاص. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ الأمن الإعلامي وهموم المجتمع المعلوماتي في عصر العولمة. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ محاضرات في الدراسات الإعلامية وتحليل المضمون الإعلامي. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ قضايا الأمن الوطني في إطار العولمة والتبادل الإعلامي الدولي. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ البحث العلمي ضروري لتطوير الأداء الإعلامي. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ وسائل الإعلام الجماهيرية والتبادل الإعلامي الدولي. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ وكالات الأنباء العالمية وتحديد أطر تنفيذ السياسات الخارجية. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ النظم السياسية ووسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ العلاقات العامة (الدبلوماسية الشعبية) والمجتمع المعلوماتي. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ دور وكالات الأنباء العالمية في تحديد أطر السياسات الخارجية وتنفيذها. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ الإعلام الدولي والسياسة الخارجية. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ العلاقات العامة كوظيفة من وظائف التبادل الإعلامي الدولي. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ التبادل الإعلامي الدولي واتخاذ القرارات في السياسة الخارجية. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ وسائل الإعلام والاتصال الجماهيري كأدوات للنظم السياسية. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ التدفق الإعلامي الدولي وتكوين وجهات النظر. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ التبادل الإعلامي من وجهة نظر الأمن القومي. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ العولمة وقضايا التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العولمة. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ العلاقات الدولية في ظروف الثورة المعلوماتية. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ آفاق التبادل الإعلامي الدولي في إطار العلاقات الدولية. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ العلاقات الدولية والتبادل الإعلامي. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ العلاقات العامة في إطار التبادل الإعلامي الدولي. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العولمة والعلاقات الدولية المعاصرة. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ محاضرات في العلاقات العامة الدولية والتبادل الإعلامي الدولي. http://bukharimailru.blogspot.com/؛ مبادئ الصحافة الدولية. http://www.seminar.ps/library/cat:89؛ الأمن الإعلامي العربي وهموم المجتمع المعلوماتي في عصر العولمة. بالاشتراك مع د. صابر فلحوط. دمشق: 2008؛ التبادل الإعلامي والعلاقات الدولية. http://www.dardolphin.org؛ وسائل الإعلام الجماهيرية والتبادل الإعلامي الدولي وكالات الأنباء العالمية والصحافة الدولية. http://www.dardolphin.org؛ العلاقات العامة الدولية في إطار التبادل الإعلامي الدولي. http://www.dardolphin.org؛الإعلام وتحليل المضمون الإعلامي. http://www.dardolphin.org؛ الصحافة الدولية والتبادل الإعلامي الدولي. http://www.dardolphin.org؛ المجتمع المعلوماتي وتحديات العولمة في الدول الأقل حظاً. http://www.albukhari.com/muhammad/؛ مبادئ الصحافة الدولية والتبادل الإعلامي الدولي. http://www.albukhari.com/muhammad/؛ الإعلام والتبادل الإعلامي الدولي. http://www.albukhari.com/muhammad/؛ التبادل الإعلامي الدولي والعلاقات الدولية. مقرر جامعي. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006. (باللغة الروسية)؛ التفاعلات السياسية في وسائل الإعلام الجماهيرية. مقرر جامعي. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006. (باللغة الروسية)؛ مبادئ الصحافة الدولية في إطار العلاقات الدولية. مقرر جامعي. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، 2006. (باللغة الروسية)؛ قضايا التبادل الإعلامي الدولي في ظروف العلاقات الدولية المعاصرة. مقرر جامعي. طشقند: معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، مطبعة بصمة، 2004. (باللغة الروسية)؛ العلاقات العامة الدولية كهدف من أهداف التبادل الإعلامي الدولي. مقرر لطلاب الدراسات العليا (الماجستير)، معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية. طشقند 2000. (باللغة الروسية)

2. د. محمد فلحي: صناعة العقل في عصر الشاشة، عمان(الأردن) ، دار الثقافة، 2002.

3. د . نزار ميهوب: العـلاقـات العامـة في الأزمــات. مجلة عالم الاقتصاد : دراسات تاريخ: www.ecoworld-mag.com

4. ولبر شرام: أجهزة الإعلام والتنمية الوطنية، ترجمة: محمد فتحي، القاهرة، الهيئة العامة للتأليف والنشر،1974.

5. د. يوسف مرزوق: مدخل إلى علم الاتصال،الإسكندرية (مصر)، دار المعرفة الجامعية، 1988.

6. Alln wells: Mass communications, Aword view pola Alto, California national press books,1974.

7. Defleur and Dennis: Understanding mass communication, Houghton Mifflin company,1996

8. UNESCO: Final Report. Intergovernmental Conference on Communication in Latin American & the Caribbean. San Jose Costa July 1976.


هناك تعليق واحد: