تحت عنوان "إسلامو – فوبيا" نشرت صحيفة
تشرين الدمشقية بتاريخ 10/10/1999 مقالة المفكر السوري الكبير المرحوم برهان
بخاري، ومع ما يجري من أحداث في عالم اليوم عاد ونشر مقتطفات منها مشكوراً ابنه
عرفان بخاري على صفحته الإلكترونية بالإنترنيت. أعود وأنشرها خدمة للمهتمين
بالموضوع.
أنا على ثقة تامة بأن نسبة عالية جداً من علماء الدين
الإسلامي ورجاله وشيوخه وشيخاته لم تسمع بهذا المصطلح أو لا تعرف عنه شيئاً أو
أنها لا تفقه دلالاته أو لا تقدر مدى خطورة انتشاره في العالم، رغم أنه أصبح
متداولاً على نطاق واسع في الغرب.
ولعل هذه الحقيقة البشعة تلقي بعض الأضواء على أسباب
نجاح أعداء الإسلام في النيل منه وفي تشويه سمعته، إذ كيف يمكن أن تجري عملية
التصدي لمثل هذا الاتهام الخطير إذا كان معظم أولي الرأي والناطقين الرسميين وشبه
الرسميين باسم الإسلام يجهلون أس المسألة وألفباءها؟ فهل يعقل أن يقوم عالم دين
يفتي مثلاً بتحريم الاعتقاد بكروية الأرض بالتصدي إلى مجابهة مسألة بهذا القدر من
الإشكال والتعقيد؟
حين تقدمت بأطروحتي حول إسلام ما قبل المذاهب لم يكن
قصدي العودة إلى الوراء بحثاً عن الجذور بل الإنطلاق إلى الأمام، بمعنى أن تقوم
كتلة ما من المتنورين والغيارى من المسلمين على اختلاف مذاهبهم وتباين درجات
تدينهم بتشكيل نواة تسعى إلى الدفاع عن الإسلام كوحدة عضوية متماسكة، بصفته أحد
الأديان السماوية الثلاثة، وبحكم كونه يشكل حضارة عالمية ناجزة ومتكاملة، وأن يمتد
هذا الدفاع ليشمل الداخل والخارج، أي المجتمعات الإسلامية والمجتمعات غير
الإسلامية، لأن عملية تشويه سمعة الإسلام لا تقتصر على المجتمعات غير الإسلامية
فقط بل تجري بشكل أكثر شناعة داخل المجتمعات الإسلامية نفسها.
إن إنصاف الإسلام من أعدائه يقتضي أولاً إنصافه من
أدعيائه، وما أكثر هؤلاء الأدعياء مع الأسف الشديد، فمن الوقت الذي جرى فيه هذا
الفلتان المريع والمريب ونحن نعيش هذه الفوضى الشاملة في جلوس من هب ودب من
الأميين وأشباههم على كراسي الوعظ والإرشاد والإفتاء، وفي القطاعات النسائية
بخاصة، وكان واضحاً أن هذه الإقطاعيات الدينية تتراوح بين الهزالة، باقتصارها على
مشيخات تضم بعض المريدين، وبين الضخامة باعتمادها على جمهور عريض من مشاهدي
التلفزيون متباين ثقافياً ومعرفياً، أو على فصائل في أحزاب متعصبة وموتورة ومتأهبة
دائماً لتنفيذ الأوامر بارتكاب الاغتيالات والمجازر، أو ناطقين رسميين باسم
الإسلام لا نعرف من قام بتنصيبهم أو بتعيينهم، من شاكلة " أبو حمزة "
وأشباهه.
ولقد كان واضحاً أن مثل تلك التشكيلات هي أعجز بكثير من
أن تنطلق إلى الفضاءات الرحبة للإسلام وأن تستوعب جوانبه الفقهية والتاريخية
والتراثية والعلمية والفكرية والثقافية والحضارية والإنسانية، لأن مجال معظمها لا
يتعدى الخوض في الترغيب والترهيب القائم على الاشتطاط في الخيال وعلى المبالغة في
وصف أهوال عذاب القبر الذي تراكمت الخرافات الموروثة حوله بشكل بعيد عن أي نص أو
مستند.
لا أتردد للحظة واحدة في اتهام الصهيونية بتوليد مصطلح
إسلاموفوبيا وفي السعي لإشاعته على نطاق واسع عبر شبكات إعلامها الأخطبوطية، فكلمة"
Phobia " محصورة
إصطلاحاً ضمن حدود الإطار الطبي فقط، وهي تعني الرعب المرضي الشديد من شيء أو من
عامل ما، فثمة ما يعرف بالرعب من القذارة "Mysophobia" أو الرعب من الأماكن المغلقة "Claustropohobia" أو الرعب من الحيوانات "Zoophobia"،
وإلى ما هنالك من أشكال أخرى للرعب المرضي، أما أن يلصق الرعب بالإسلام فلا شك أنه
من أخطر ما تفتق عنه الذهن الشيطاني لحكماء صهيون الذين صاغوا بمكر بروتوكولاتهم
سيئة الذكر.
ولو لم تكن غالبية المسلمين متقوقعة وتعيش في أزمان غوابر
ولو لم تكن منهمكة بالخرافات أو مشغولة بالاقتتال في ما بينها وتكفير بعضها بعضاً
لنهضت للدفاع عن الإسلام بشكل قاطع وحاسم.
بودي أن أعرف لماذا لم يدرج مصطلح أمريكوفوبيا بعد إلقاء
أمريكا لقنبلتين ذريتين على اليابان وبعد قتلها لعشرات الملايين من البشر في مختلف
أصقاع الأرض، وبعد حصارها وتجويعها للأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ، وبودي أن أعرف
لماذا لم يدرج مصطلح صهيونوفوبيا بعد كل تلك الجرائم اللا أخلاقية التي ارتكبتها
الصهيونية بحق المجتمعات الإنسانية، والتي كان آخرها تفكيك الاتحاد السوفيتي
وتدميره بالاقتتال وبالتسلط السرطاني لشتى أنواع المافيات على مفاصله، وبودي ان
أعرف لماذا لم يدرج مصطلح إسرائيلوفوبيا، بعد كل تلك المجازر البشعة التي ارتكبها
الكيان الصهيوني خلال ما ينوف على نصف قرن، لكن من المعروف أن من يمسك بالقلم لا
يكتب نفسه بين الأشقياء، وهكذا تحول العرب والمسلمون ويا للخزي إلى مجرد أسطر
تكتبها القوى الشيطانية.
لن نخضع لعمليات الابتزاز والتزوير، وسنستمر بالتفريق
بين النضال الوطني وبين الإرهاب، لكن علينا أن نعترف بأن الإرهاب صار صفة لصيقة
ببعض الحركات الإسلامية، فحين أتناول شخصياً بعض القضايا الإسلامية بنوع من المكاشفة
أسمع من يقول: ألست خائفاً على نفسك؟ وهذا بحد ذاته دليل على الإحساس الداخلي
بوجود نوع من الإرهاب، لكن وجود عنف نتيجة للتعصب لم يكن في يوم من الأيام حكراً
على الإسلام أو على أي دين آخر، فالسيد المسيح جرت عملية صلبه أو محاولة صلبه على
يد اليهود، ومحاكم التفتيش مارست نوعاً من الإرهاب عز نظيره من سلخ للجلود وإحراق
بالزيت المغلي، لكن الأديان تنجح في العديد من الأطوار بغسل ما علق عليها من
أدران، ومن واجبنا كمسلمين أن نسعى إلى القيام بذلك.
في رأيي أن جوهر المشكلة يتمحور حول عجز المؤسسة الدينية
نفسها عن تصفية شوائبها، وعدم وضعها لمعايير دقيقة يجري عبرها تحديد من يجوز له
الإرشاد والوعظ والإفتاء، فإطلاق اللحية وارتداء الجبة والعمامة لا يجوز أن يكون
جواز مرور لمن هب ودب، فكما أن كل امرأة متحجبة ليست بالضرورة مسلمة صالحة كذلك
ليس بالضرورة أن يكون كل من يطلق لحية ويرتدي جبة وعمامة عالم دين أو رجلاً من
رجاله.
المشكلة أن غالبية علماء الدين الحقيقين وفقهائه تؤثر
الانطواء بنوع من التواضع الذي توجبه التقوى ويمليه الورع، وتتجنب مختلف أشكال
الاحتكاك والمشاحنة، وهكذا يخلو الجو للأدعياء فيملأونه جعجعة وصراخاً وهم يبثون
أنواع الإحَن والتفرقة، حيث يقومون بتسميم الأجواء بنشر الخرافات وزرع الضغائن
وتجهيل جماهير المسلمين وشحنها بالتعصب، وبتكفير كل من يخالفهم الرأي، وهكذا تتجنب
القلة من المتنورين والغيارى من فقهاء المسلمين التي تمارس الوعظ بشكل جماهيري
واسع الاحتكاك مع الأدعياء والمشبوهين مخافة أن تتهم بالمروق أو الكفر أو الزندقة،
إذا ما فكرت بالإعلان عن الحقائق التي تعريهم.
إن المعركة داخل المؤسسة الدينية هي أخلاقية بالدرجة
الأولى، وعليه لا بد من أن يتكاتف الفقهاء والغيارى وعلى اختلاف مذاهبهم إلى خلق
معايير أخلاقية ثابتة يتم عبرها إعطاء صفة واعظ أو عالم دين.
وبما أن الإسلام هو دين الحياة فلا بد لعالم الدين من أن
يرتبط بها، وبما أن الرسول (ص) بعث ليتمم مكارم الأخلاق، فلا بد أن تكون الأخلاق
هي الصفة الرئيسية لعالم الدين، وبما أن الرسول (ص) كان قدوة في الأخلاق وفي العمل
الصالح، فعلى رجل الدين أن يكون قدوة فيهما، أما ما تبقى من رصف الكلام وأفانين
القول فإلى جهنم وبئس المصير، عملاً بالآية الكريمة " كبر مقتاً عند الله أن
تقولوا ما لا تفعلون".
لقد خاطب القرآن الكريم الناس بصفة " يا أولي
الألباب " واللبيب من الإشارة يفهم، فلماذا يزعق بعضهم بملء أصواتهم؟ وهل هم
يخاطبون العقل فعلاً أم أنهم يهيجون العواطف والغرائز؟
ولا بد من الإعلان عن أن الإسلام هو دين الرحمة والإنسانية، وأنه يقف ضد جميع أشكال الإرهاب وعلى الأخص ترويع الأبرياء وقتل الأطفال والنساء والشيوخ.
ولا بد من الإعلان عن أن الإسلام هو دين الرحمة والإنسانية، وأنه يقف ضد جميع أشكال الإرهاب وعلى الأخص ترويع الأبرياء وقتل الأطفال والنساء والشيوخ.
إن المجازر التي ترتكب ضد الأبرياء من العرب والمسلمين
لا يمكن أن تسوغ ممارسة بعض المسلمين للإرهاب، فالإسلام يقف ضد قتل الأطفال حتى لو
كانوا أطفال الأعداء، وعليه لا بد من أن تصدر فتاوى إسلامية مركزية تحدد موقف
الإسلام من هذه القضايا الحساسة وتعالج مسألة انحراف الوعظ.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق