إقامة مناطق خالية من السلاح النووي
يعزز فرص الحد من انتشاره
كتبها أ.د. محمد البخاري:
مستشار في العلاقات الدولية، وأستاذ التبادل الإعلامي الدولي بقسم العلاقات
الدولية والعلوم السياسية والقانون بجامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية.
بتاريخ 21/9/2003
قد يتساءل المرء عن الأسباب
والدوافع التي دفعت بحكومات جمهوريات آسيا المركزية (أوزبكستان، وقازاقستان،
وتركمانستان، وطاجكستان، وقرغيزستان)، منذ باكورة استقلالها إثر انهيار الاتحاد
السوفييتي السابق، أحد القوتين النوويتين الرئيسيتين في العالم حتى مطلع تسعينات القرن
العشرين، للسعي إلى إعلان المنطقة المتواجدة عليها دولهم، منطقة خالية من السلاح
النووي ؟ والتساؤل كذلك عن حاجة تلك الدول حديثة الاستقلال لكل تلك الجهود الحثيثة
التي تقوم بها لإقامة مثل هذه المنطقة المنزوعة السلاح النووي في آسيا المركزية ؟
ولفهم تلك الدوافع والأسباب
لا بد من إمعان النظر في الخارطة السياسية لعالمنا المعاصر. فآسيا المركزية
جغرافياً تشغل مساحة من العالم تتوسط الاتحاد الروسي، وجمهورية الصين الشعبية،
والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وتلاصق جنوب القارة الآسيوية (الهند، وباكستان)،
وهي جميعها من الدول النووية باستثناء إيران التي تسعى للحصول على السلاح النووي
استناداً لما تنشره وسائل الإعلام العالمية بين الحين والآخر. وإذا أخذنا بعين
الاعتبار أنه وحتى وقت قريب كانت تجارب الأسلحة النووية الروسية تجري في منطقة
سيمبلاتينسك للتجارب النووية السوفييتية في جمهورية قازاقستان. ولفترة قريبة كذلك
أوقفت الصين مؤقتاً تجارب تفجيراتها النووية في منطقة تجاربها النووية قرب بحيرة
لابنور، التي تقع في الجزء الغربي من الصين، بالقرب من الحدود القازاقستانية،
والقرغيزستانية، والطاجكستانية. ناهيك عن دخول الهند وباكستان اللتان تتحكمان
بآسيا المركزية من الجنوب، والجنوب الشرقي، النادي النووي في نهاية القرن الماضي.
ومن هنا نستطيع تصور مدى
القلق الشديد الذي تشعر به حكومات المنطقة حيال مستقبل أمن واستقرار آسيا
المركزية، وضرورة إعلان المنطقة، منطقة خالية من الأسلحة النووية رغبة منها في
تحقيق أهداف أمنها الوطني وتجنب ضرورة السعي لامتلاك مثل هذا الرادع الإستراتيجي
كما تحب تسميته بعض الدول الساعية للحصول على السلاح النووي في العالم. وقد عززت
الأحداث غير المتوقعة التي جرت خلال أيام 11، و13/5/1998 عندما حملت الأنباء أخبار
التجارب النووية الخمس التي أجرتها الهند تحت سطح الأرض بمنطقة التجارب النووية في
باكهاران، بولاية راجستان، وبلغت قوة إحداها 43 كيلو طن.
ومما زاد الطين بلة استمرار
الدراما النووية في جنوب آسيا بدخول باكستان حلبة التجارب النووية بعد أن أجرت
سلسلة من التجارب النووية في ولاية بلوشستان القريبة من الحدود الإيرانية، يوم
28/5/1998، بلغ عددها نفس عدد التجارب النووية التي أجرتها الهند، ورداً على تلك
التجارب النووية الهندية التي جرت قبل أسبوعين اثنين من ذلك التاريخ. وهكذا دخلت
على حين غرة دولتين ناميتين من أكبر دول شبه القارة الهندية "النادي
النووي"، لتعلنا أمام العالم عن استعدادهما للتعامل مع أعضائه على قدم
المساواة.
هذا إن لم نتطرق إلى الخطر
الجديد الذي حملته الدولتين، وحملتاه معهما للمناطق المجاورة لشبه القارة الهندية
بامتلاكهما الأسلحة النووية، مما زاد من حدة التوتر بين الدولتين وفي شبه القارة
الهندية بأسرها. وهما الدولتان اللتان خاضتا ثلاثة حروب طاحنة خلال أعوام 1947،
و1948، و1965، و1971، في صراعهما الطويل للسيادة على ولاية جامو وكشمير المتنازع
عليها بين الدولتين، والتي أدت في النهاية كما رأينا إلى الشروع بسباق التسلح
النووي الخطير، رغم محدودية دخلهما الوطني، وانخفاض مستوى المعيشة في الدولتين،
ومع ذلك نراهما قد اختارتا السلاح النووي كأداة للردع الإستراتيجي تسعى كل منهما
من خلاله إلى تحقيق أهداف سياستهما الخارجية وفي تسوية الأمور العالقة في
علاقاتهما الثنائية منذ استقلال الدولتين قي نهاية النصف الأول من القرن العشرين.
وهذا الوضع لا يمكن أن لا يهدد الاستقرار وأمن دول المناطق المحيطة بشبه القارة
الهندية ومن بينها آسيا المركزية.
ونلمس قلق حكومات آسيا
المركزية من خلال الخطاب السياسي لقادة تلك الدول التي تجري بالقرب من حدودها
صراعات مسلحة حاولت بعض القوى نقلها إلى داخل أراضيها كما حدث على سبيل المثال في
طاجكستان منذ استقلالها، وما حدث في جنوب قرغيزستان، وفي أوزبكستان عامي 1999،
و2000، فرضت عليها كلها الانضمام الفوري إلى الجهود الدولية الجارية في العالم
لمحاربة الإرهاب والتطرف بكل أنواعه.
ولكن انتقال الصراع الدائر
حول جامو وكشمير، بين الهند وباكستان اللتان تملكان السلاح النووي ووسائل نقله إلى
أهدافه المرسومة، إلى صراع يهدد دول الجوار الإقليمي، أصبح يسبب حالة من القلق
للمجتمع الدولي بشكل عام، ودول آسيا المركزية بشكل خاص. وهو ما أشار إليه رئيس
جمهورية أوزبكستان إسلام كريموف في كتابه (أوزبكستان على أعتاب القرن الحادي
والعشرين: تهديدات الأمن، وشروط ضمان التقدم)، بقوله أن "ما يقلقنا هو أن
الدول المجاورة لنا لا تخفي مساعيها لامتلاك السلاح النووي".[1]
وهو ما يؤكد أن التفجيرات النووية الهندية والباكستانية لم تكن مفاجئة البتة،
وخلقت وضعاً جديداً قد يعرقل الجهود الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية. ويهدد
نظام منع انتشار التسلح النووي الذي يعتمد على معاهدة منع انتشار السلاح النووي
الموقعة عام 1968، ويجعله في مهب الريح بعد تلك التجارب الهندية والباكستانية، وهو
ما يبشر بنتائج لا يحمد عقباها، خاصة وأن مساعي الحصول على السلاح النووي في الهند
وباكستان على السواء جرى تحت أنظار الدول النووية والعالم بأسره، ورغم حصولهما على
الرادع الاستراتيجي النووي لم يبرز ما يبشر يحل الأزمة المستعصية بين البلدين، بل
على العكس زاد من خطورتها.
ولهذا نرى أن الخطاب
السياسي لقادة دول آسيا المركزية أصبح أكثر من أي وقت مضى متمسكاً بمبدأ وقف سباق
التسلح النووي كأساس لتحقيق الأمن النووي للمنطقة. واعتبر موضوع منع التجارب
النووية، كأساس ضروري يمكن الاعتماد عليه للوصول إلى وضع نظام لتخليص العالم من
الأسلحة النووية، ويحقق الأمن والاستقرار لجميع دول العالم.
وفي 7/5/1992 كانت
أوزبكستان أول دول في آسيا المركزية تنضم إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
وأعقبه في 8/10/1994 توقيع اتفاقية الضمانات اللازمة لتطبيق معاهدة منع انتشار
الأسلحة النووية مع الوكالة الدولية للطاقة النووية، وهي المعاهدة التي تدعو
لإقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية. وهو ماحذى بالرئيس الأوزبكستاني لإطلاق
دعوته لإقامة منطقة خالية من السلاح النووي في آسيا المركزية للمرة الأولى من على
منبر الدورة 48 للهيئة العامة لمنظمة الأمم المتحدة، في 28/9/1993، وتكررت تلك
الدعوة مرة أخرى من على منبر الجلسة الاحتفالية للهيئة العامة لمنظمة الأمم
المتحدة في 24/10/1995. ولقيت حينها ترحيب واهتمام من قبل المجتمع الدولي، ومن
الدول النووية في العالم والدول المجاورة لأوزبكستان.
وتتابعت الجهود ووزعت وثيقة
عمل حول " إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية، على أساس معاهدة توقعها دول
المنطقة"، في ختام اجتماع لجنة نزع الأسلحة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة
الذي عقد خلال مايو/أيار 1997، أعدتها وفود جمهوريات آسيا المركزية الخمس. واعتبرت
وثيقة من الوثائق الرسمية لمنظمة الأمم المتحدة، وتم كذلك توزيع نص بيان آلما آتا،
الذي وقعه قادة دول آسيا المركزية (الأوزبكي: كريموف، والقازاقي: نازارباييف،
والقرغيزي: أكاييف، والتركماني: نيازوف، والطاجيكي: رحمانوف) حول إعلان آسيا المركزية
خالية من الأسلحة النووية.
وفي يونيو/حزيران 1997
شاركت أوزبكستان للمرة الأولى في جلسة العمل التي عقدتها إدارة المنظمة الدولية
للطاقة الذرية بمدينة فيينا، وأعلن خلالها رئيس الوفد الأوزبكستاني موقف جمهوريات
آسيا المركزية من موضوع إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في المنطقة، ووزع نص
البيان الذي أعلنه على الوفود المشاركة في جلسة المنظمة الدولية للطاقة الذرية،
وأشارت الصحف حينها إلى تأييد الدول الأعضاء في المنظمة للجهود الأوزبكستانية.[2]
ورغم مرور عقد من الزمن منذ
إعلان مبادرة إعلان منطقة آسيا المركزية، منطقة خالية من الأسلحة النووية، التي
أطلقها الرئيس الأوزبكستاني في عام 1993، فإننا نرى أن المعاهدة التي وقعتها الدول
الخمس في ألما آتا لم تدخل حيز التنفيذ بعد، لأنها وببساطة لم تحصل على الضمانات
الخطية اللازمة من الدول النووية الرئيسية في العالم من أجل إعلان المنطقة، منطقة
خالية من الأسلحة النووية رسمياً. فمن المعروف أن التوسع في إقامة مناطق خالية من
الأسلحة النووية في العالم يتم تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة التي تعكف دائماً
على تشجع كل الجهود الموجهة نحو جذب الدول التي لا تملك أسلحة نووية للانضمام إلى
جهودها في إقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية، وهو ما دعى المنظمة الدولية
للترحيب ومساندة الجهود الأوزبكستانية. إذ تعتبر أوزبكستان جهود إقامة مناطق خالية
من الأسلحة النووية شكل من الأشكال المتميزة للتعاون الدولي الناجح، الذي تتساوى
فيه الهيئات الحكومية وغير الحكومية على السواء من خلال العمل المشترك من أجل
تعزيز السلام وخلق نظام عالمي تتفاهم من خلاله الإنسانية جمعاء.
وتطالعنا الخبرة العالمية
بأشكال متعددة تهدف في النهاية إلى إنشاء مناطق خالية من الأسلحة النووية، والسبب
في ذلك تنوع أهمية وخصائص المناطق التي تعلن فيها مثل تلك المناطق. ويتفق
المراقبون والباحثون على تعريف واحد تقريباً لتلك المناطق، وهو: أنها منطقة خالية
من الأسلحة النووية، أو التي تعمل على الحد من التسلح النووي، وتسهم في خفض خطر
نشوب نزاع نووي، وتعزز أمن الدول الداخلة في المنطقة الخالية من الأسلحة النووية،
وتسهم في تحقيق أهداف معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية لعام 1968.
وتعتبر المناطق منزوعة
السلاح النووي، وفقاً لقواعد الاتفاقيات الدولية الموقعة من قبل الدول المعنية
وتمنع إجراء التجارب النووية، وإنتاج ونشر الأسلحة النووية، وتمنع استخدام الأسلحة
النووية.
بينما تعتبر منظمة الأمم
المتحدة "أي منطقة تعترف بها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتشكلها مجموعة
من الدول المتمتعة بالسيادة، على شكل معاهدة أو اتفاقية جماعية" منطقة خالية
من الأسلحة النووية. وتلزم مثل تلك المعاهدات والاتفاقيات الدول المتعاقدة على
ضمان "الخلو التام للمنطقة من الأسلحة النووية، بما يتفق وإعلان المنطقة،
منطقة خالية من الأسلحة النووية"، ووضع نظام دولي "للتفتيش والرقابة"
بهدف ضمان الالتزام بمواد المعاهدة أو الاتفاقية. وتطلب منظمة الأمم المتحدة عادة
من الدول النووية إخلاء تلك المناطق تماماً من الأسلحة النووية لتجنب مخالفة شروط
إعلان تلك المناطق، مناطق خالية من الأسلحة النووية، والامتناع عن استخدام أو
التهديد باستخدام الأسلحة النووية ضد تلك الدول الداخلة ضمن المناطق الخالية من
الأسلحة النووية. وهذه من الشروط الأساسية لإعلان تلك المناطق، مناطق خالية من
الأسلحة النووية.
ومنذ عام 1975 والأمانة
العامة لمنظمة الأمم المتحدة تكثف جهودها من أجل التوسيع بإقامة مناطق خالية من
الأسلحة النووية كمناطق سلام آمنة، وشكلت لهذا الغرض مجموعة من الخبراء كلفتها
بوضع مبادئ عامة يمكن أن تكون مدخلاً للتوسع بإقامة مثل تلك المناطق. وتضمنت وثيقة
الخبراء بعض الالتزامات اللازم اتخاذها من أجل إقامة مناطق خالية من الأسلحة
النووية، وصنفت دول العالم ضمن ثلاث مجموعات، وهي: الدول الداخلة في المنطقة
الخالية من السلاح النووي؛ والدول التي تملك أسلحة نووية؛ والدول الأخرى.
وأوصت الوثيقة بإعطاء
المشاركين في المنطقة الخالية من السلاح النووي بعض الامتيازات من خلال معاهدة منع
انتشار الأسلحة النووية تعكس: أنهم يقيمون منطقة خالية من الأسلحة النووية
بالكامل، وتمنع تواجد الأسلحة النووية التي تملكها الدول النووية على أراضيها؛
وتمنح المشاركين في المناطق الخالية من الأسلحة النووية وضعاً قانونياً يلزم الدول
النووية بضمان أمن تلك الدول؛ وتطالب وثيقة الخبراء الدول الداخلة في المناطق
الخالية من الأسلحة النووية أن تلتزم من خلال وثيقة رسمية واضحة بإقامة منطقة
خالية من الأسلحة النووية بالكامل.
وخلال العقود الثلاثة
الماضية منذ تشكيل لجنة الخبراء وحتى الآن أكدت منظمة الأمم المتحدة بأن المناطق
الخالية من الأسلحة النووية تعتبر وسيلة من الوسائل الفعالة اللازمة من أجل توفير
الأمن الإقليمي والدولي، وهي لهذا تعمل على تشجيع الدول على إقامة مثل تلك
المناطق. وأصدرت الأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة قراراً خاصاً دعت فيه الدول
الأعضاء في المنظمة لاتخاذ الإجراءات والجهود الضرورية من أجل إتمام إجراءات
التصديق على المناطق القائمة حالياً، وإقامة مناطق جديدة خالية من الأسلحة
النووية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا تمتنع بعض الدول النووية الرئيسية في
العالم حتى الآن عن تشجيع المشاريع المطروحة لإقامة مناطق خالية من الأسلحة
النووية ومنها المشروع العربي لإعلان منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة
الدمار الشامل، والتصديق على الاتفاقيات القائمة والمودعة لدى منظمة الأمم المتحدة
؟ في الوقت الذي تطالب فيه الدول الأخرى بالامتناع عن الحصول على، أو إنتاج
الأسلحة النووية كرادع استراتيجي، وتهدد باستخدام القوة ضدها كالحالة الكورية الشمالية،
والإيرانية أو احتلالها عسكرياً كالحالة العراقية.
ونعتبر تصديق تلك المعاهدات
القائمة والتشجيع على إقامة مناطق جديدة خالية من الأسلحة النووية أمر غاية في
الأهمية في الوقت الحاضر، وهو الوقت الذي يتابع فيه التحالف الدولي حربه التي لا
هوادة فيها ضد الإرهاب في العالم، فماذا سيحدث لو جرى "تسريب" لأسرار
إنتاج الأسلحة النووية ومكونات تحضيرها ؟ وهي أخطار تهدد ليس الأمن الإقليمي وحسب،
بل والأمن والاستقرار في العالم بأسره، وقد أثبتت الأحداث التي تلت 11/9/2001 في
الولايات المتحدة الأمريكية ذلك. وظهر أن الدول العظمى مع نهاية "الحرب
الباردة" كانت غير مستعدة أو أنها غير جادة في الرقابة على زبائنها من مشتري
الأسلحة الفتاكة من تلك الدول. وخير مثال على ذلك التجارب النووية الهندية
والباكستانية، والاتهامات التي وجهت للعراق قبل احتلاله، وهي نفس الاتهامات التي
توجه اليوم لإيران التي تنفي، وكوريا الشمالية التي تعترف بسعيها لامتلاك سلاح
الردع الاستراتيجي لمواجهة الأخطار الخارجية المحتملة.
وأثبتت العلاقات الدولية
الحديثة تعقد وصعوبة القيام برقابة فعلية على التكنولوجيا النووية، لأن بعض الدول
الكبرى المالكة للسلاح النووي تتبع سياستها الخاصة في هذا المجال وتنظر للموضوع من
منظور مصالحها الخاصة فقط، مما يجعل من عملية تطبيق نظام صارم للرقابة والحد من
انتشار الأسلحة النووية أمر غاية في الصعوبة إن لم نقل أمر غير عادل البتة. ونعتقد
أن الرقابة الفعلية على الأسلحة النووية، والسعي للحد من انتشارها في العالم يجب
أن ينطلق من مبدأ التعددية القطبية، الذي تحترم فيه مصالح ومتطلبات الأمن القومي
لكل الدول صغيرها وكبيرها، وهذا يمكن طبعاً من خلال نظام دولي مرتبط بمعاهدات
واتفاقيات جماعية ومن خلال إتباع سياسة عادلة وواضحة المعالم تضمن إقامة مناطق
خالية من الأسلحة النووية في أنحاء مختلفة من العالم. وهذا غير جديد لأن مشاكل
الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل غدت صلب المناقشات في العديد من اللقاءات
الدولية، وأصبح الحديث عن إقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية مرادف لعبارة الحد
من انتشار التسلح النووي. وظهر هذا جلياً عندما تم مناقشة هذه المواضيع في مؤتمر
تمديد اتفاقية الحد من انتشار الأسلحة النووية عام 1995، واتفق جميع المشاركين
حينها على أن إقامة مناطق خالية من الأسلحة النووية يعزز نظام الحد من انتشار
الأسلحة النووية.
ومن هذا المنطلق نرى أن
منظمة الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية المتخصصة والمجتمع الدولي، قد اهتمت بفكرة
إقامة منطقة خالية من السلاح النووي في آسيا المركزية منذ بدايتها. وظهر هذا
واضحاً من خلال نتائج مؤتمر طشقند الدولي، الذي عقد خلال يومي 15 و16/9/1997 تحت
شعار: "آسيا المركزية: منطقة خالية من الأسلحة النووية"، وشارك فيه أكثر
من 200 مشارك، يمثلون 56 دولة، من بينها جمهورية مصر العربية التي تسعى منذ سنوات
لإقامة منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط، و16 منظمة دولية، من بينها
منظمة الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والنادي النووي، ومنظمة الأمن والتعاون
في أوروبا، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والمنظمة
الدولية للطاقة الذرية، ووكالة حظر الأسلحة النووية في أمريكا اللاتينية.
وأكد الرئيس الأوزبكستاني
إسلام كريموف حينها موقف بلاده من موضوع الأمن النووي، فقال: "واقعياً إنشاء
منطقة خالية من السلاح النووي في آسيا المركزية، يعتبر جزءاً لا يتجزأ من النظام
العالمي للأمن النووي، الذي حدد في إطار معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.
وفي الواقع هذا يعني أن الدول المشاركة في المنطقة الخالية من السلاح النووي في
آسيا المركزية، قد اندمجت في نظام منع انتشار، ونزع السلاح النووي".[3]
وهو ما يعني دعم أوزبكستان وباقي دول آسيا المركزية الموقعة على اتفاق المنطقة
الخالية من السلاح النووي، ومساندة كل الجهود العالمية المبذولة في أنحاء العالم
المختلفة لإنشاء مثل هذه المناطق بما فيها ضمناً منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر
مصر المبادر الأول لإنشاء مثل هذه المنطقة في الشرق الأوسط، وتبعتها مؤخراً سورية
التي قدمت للأمم المتحدة المشروع العربي لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في
الشرق الأوسط ضمن الخط الذي تؤمن به جميع الدول العربية على ما نعتقد.
وفي ديسمبر/كانون أول عام
1997، أصدرت الهيئة العامة للأمم المتحدة قراراً "بإنشاء منطقة خالية من
الأسلحة النووية في آسيا المركزية"، مما عزز من أهمية نتائج مؤتمر طشقند آنف
الذكر. وهنا يجب الإشارة إلى أن قراراً بهذا المستوى قد تم إصداره بمبادرة من
الدول المستقلة الجديدة، التي انضمت لعضوية منظمة الأمم المتحدة، وهي: أوزبكستان،
وقازاقستان، وقرغيزستان، وتركمانستان، وطاجيكستان، ونعتقد أن موضوع إقامة منطقة
خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط القريب من آسيا المركزية يهم تلك الدول
ويجعله في مقدمة المشاكل التي يجب أن يناقشها قادة تلك الدول عند لقائهم، لتنسيق
المواقف حولها في المحافل الدولية.
أما فيما يتعلق بموقف
جمهورية أوزبكستان من المادة السابعة من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، فهو
ثابت وأوضحه الخطاب السياسي للقيادة الأوزبكستانية ويدعوا إلى إقامة مناطق خالية
من الأسلحة النووية معترفاً بها في جميع أنحاء العالم، لتسهم في تعزيز السلام
والأمن على المستويين العالمي والإقليمي، وتضيق الخناق على إمكانية انتشار مثل تلك
الأسلحة الفتاكة، وهو ما يعزز في الوقت نفسه نظام منع انتشار الأسلحة النووية.
هوامش:
[1]
إسلام كريموف: أوزبكستان على أعتاب القرن الحادي والعشرين: تهديدات الأمن، وشروط
ضمان التقدم. طشقند: دار أوزبكستان للنشر، 1997. ص 14. (باللغة الروسية)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق