للقطاع الخاص دور هام في تحقيق أهداف الإصلاحات الاقتصادية التي لا يمكن تحقيقها دون تأمين الملكية الخاصة
قراءة في نتائج خطوات الإصلاح الاقتصادي المحققة في جمهورية أوزبكستان خلال عام 2000
كتبها أ.د. محمد البخاري: مستشار رئيس جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية في العلاقات الدولية بتاريخ 20/2/2001، ونشرت بصحيفة الاتحاد بأبو ظبي في العدد الصادر يوم 6/3/2001 تحت عنوان: "جمهورية أوزبكستان: خطوات إيجابية نحو النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي".
في الجلسة الموسعة التي عقدتها الحكومة والإدارة الحكومية خلال النصف الثاني من فبراير\شباط 2001، استعرض رئيس جمهورية أوزبكستان إسلام كريموف في تقرير مطول أهم نتائج خطوات الإصلاح والتطور الاقتصادي الاجتماعي التي تحققت في الجمهورية خلال السنة الأخيرة من القرن العشرين، التي وافقت العام التاسع لاستقلالها عن الاتحاد السوفييتي السابق.
وعبر الرئيس كريموف في تقريره عن ارتياحه لاستمرار وثبات الخطوات المستمرة منذ الاستقلال في عام 1991 وحتى اليوم، من أجل تحقيق الليبرالية وتعميق إجراءات الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الجارية في الجمهورية، وأكد على ثبات واستمرار تلك الخطوات رغم كل الصعوبات التي واجهتها كل القطاعات الهامة في الدولة والمجتمع خلال عام 2000.
وتشير الأرقام التي وردت في التقرير الذي نشرته وسائل الإعلام الجماهيرية الأوزبكستانية، أن الاقتصاد القومي الأوزبكستاني قد حقق خلال العام المنصرم ارتفاعاً ملحوظاً قدره ( 4% )، رافقه ارتفاعا في الإنتاج الصناعي بلغ نسبة ( 6,4% )، وفي الإنتاج الزراعي ( 3,2% )، وفي إنتاج السلع الاستهلاكية ( 7,7% )، بينما ارتفعت معدلات الاستهلاك بنسبة ( 7,8% )، وفي الخدمات بنسبة ( 14% ).
وأشار التقرير إلى أنه نتيجة للإجراءات التي اتبعتها الحكومة الأوزبكستانية خلال عام 2000، وأدت إلى خفض العجز في الموازنة العامة من ( 36% ) إلى ( 24% ). وفي الديون المؤجلة انخفاضا بلغت نسبته ( 41% )، وفي مديونية المؤسسات العامة انخفاضا مماثلاً بلغت نسبته ( 58% )، في الوقت الذي تمكنت فيه ( 21 ) مؤسسة اقتصادية تملكها وزارات وهيئات عامة من تسديد كامل ديونها المستحقة عليها. وانخفاض عدد المؤسسات الاقتصادية العامة المهددة بالإفلاس من ( 182 ) مؤسسة إلى ( 81 ) مؤسسة، وانخفاض عدد المؤسسات الاقتصادية العامة غير الرابحة من ( 169 ) ألف مؤسسة إلى ( 139 ) ألف مؤسسة.
وهذا مؤشر واضح يستحق التوقف عنده، لأنه يشير إلى انتعاش في الحركة الاقتصادية في الجمهورية، وإلى استقرار أوضاع المؤسسات العامة تلك، الذي لابد وأن ينعكس على غيرها من المؤسسات الاقتصادية لو استمرت تلك المؤشرات بالارتفاع. خاصة وأن معظم مؤسسات القطاع العام تعتمد على بعضها البعض في الدورة الإنتاجية التي شهدت صدمة حقيقية خلفها اقتصاد الاعتماد المتبادل بين المؤسسات الاقتصادية للاتحاد السوفييتي السابق الذي ربطها بشبكة محكمة ومتداخلة تمنع أي من الجمهوريات التابعة للمركز في موسكو المهيمن السابق على اقتصاد كل الجمهوريات السوفييتية السابقة ومن بينها أوزبكستان، من إنتاج أي سلعة جاهزة بالكامل للاستهلاك معتمدة على ثرواتها الطبيعية مواردها وإمكانياتها العلمية الخاصة.
ورافق ذلك التحسن استناداً للتقرير انتعاش حركة الدورة النقدية في المصارف الوطنية التي سجل حجم التداول النقدي فيها ارتفاعاً ملحوظاً بلغ نحو ( 1,9 ) مرة، مع مؤشرات ارتفاع ملحوظ في حجم المبالغ المتداولة من خلال حسابات المصارف الوطنية حتى يوم 1 كانون ثاني-يناير 2001 بلغت نسبته ( 56% ) من قيمة الناتج القومي الإجمالي. وهنا لابد لنا من الإشارة إلى مؤشر هام يبشر بعودة الثقة في التعامل مع المصارف الوطنية بعد فترة طويلة من حالة عدم الثقة وعدم الاستقرار التي ورثتها المصارف الوطنية في الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفييتي السابق بسبب ضياع مدخرات المواطنين التي كانت مودعة بتلك المصارف السوفييتية الحكومية، وانخفاض قيمة العملة المستمر حتى الآن، وأدت تلك الأسباب إلى خلق حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي الذي تعمل الحكومة الأوزبكستانية منذ استقلالها وحتى اليوم على تجاوزه بشتى السبل المتاحة والممكنة، ومن بينها السماح بتأسيس بنوك تجارية خاصة، وفتح فروع للبنوك الأجنبية للعمل في أوزبكستان، وفتح أبواب الاستثمار في مرافق الاقتصاد الوطني لرؤوس الأموال الأجنبية على مصراعيه.
ونعتقد أن تلك الإجراءات التي أدت إلى ذلك الانتعاش النسبي قد انعكست على المؤشرات الاقتصادية بشكل عام من خلال ظروف تحسن حجم الودائع المصرفية التي أشار إليها الرئيس كريموف في تقريره، والتي تعتبر برأيينا مؤشراً واضحاً من مؤشرات ارتفاع حجم القروض المحلية التي قدمتها المصارف الوطنية للأغراض الاقتصادية والإنتاجية من خلال توفر السيولة النقدية فيها. ولابد أنه من الأسباب الرئيسية لذلك التحسن كانت السياسة النقدية التي اتبعتها الحكومة الأوزبكستانية خلال العام المنصرم وأدت إلى انتعاش الحركة المصرفية وارتفاع حجم ودائع المواطنين في المصارف التجارية إلى أكثر من الضعف أي من ( 7,8% ) إلى ( 15,8% )، وهو ما سمح لها بتقديم المزيد من القروض اللازمة لإنعاش المؤسسات الاقتصادية والإنتاجية التي عانت أو تعاني من صعوبات مالية حتى الآن.
إضافة لزيادة عائدات التصدير التي بلغت ( 317,3 ) مليون دولار أمريكي، شكلت زيادة غير مقدرة للدخل القومي. مما ساعد على تعزيز وزيادة احتياطي الجمهورية من العملات الأجنبية إضافة لاحتياطي الذهب الذي تنتجه أوزبكستان بمشاركة مستثمرين أجانب رغم ظروف المنافسة وانخفاض أسعاره في الأسواق العالمية غير الملائمة لأوزبكستان بوضعها الراهن. ونعتقد أن هذا لابد وأن يعزز من قدرة أوزبكستان للوفاء بتعهداتها الخارجية.
ومما ساعد أيضاً على تحسين وانتعاش الأوضاع الاقتصادية في العام المنصرم، السياسة النقدية الليبرالية التي طبقتها الحكومة الأوزبكستانية من خلال سماحها للمصارف التجارية المرخصة بالقيام بعمليات بيع وشراء العملات الأجنبية خارج البورصة وبأسعار السوق التي يحكمها قانون العرض والطلب.
وعن الخصخصة ونقل ملكية الدولة إلى القطاع الخاص، أشار التقرير إلى أنه تم خلال عام 2000 خصخصة ( 374 ) منشأة حكومية، بدلاً من ( 167 ) منشأة خطط لخصخصتها خلال العام الماضي. وتم على قاعدتها إنشاء ( 152 ) شركة مساهمة، و( 103 ) مؤسسات خاصة، و( 117 ) مؤسسة متعددة أشكال الملكية. إضافة لطرح أسهم تملكها الدولة، للبيع في البورصات بلغت قيمتها الإجمالية ( 6 ) مليارات صوم ((العملة المحلية - الدولار يعادل ( 333 ) صوم وفق نشرة أسعار البنك المركزي 19\2\2001)) وهذا يشكل أكثر بـ ( 35% ) من قيمة الأسهم التي طرحت للبيع خلال عام 1999. بينما سجلت مؤشرات الدخل الحكومي، تسلم خزانة الدولة مبلغ ( 14,3 ) مليار صوم من عمليات الخصخصة ونقل ملكية الدولة التي تمت خلال عام 2000، أي أكثر بـ ( 1,6% ) من الدخل الذي وفرته عمليات الخصخصة التي جرت في عام 1999.
كما وأشار التقرير إلى أن أعمال الخصخصة التي جرت خلال العام الماضي كانت لصالح القطاع الخاص المتوسط الحجم، وصالح رجال الأعمال. وهو مؤشر لزيادة حجم ودور القطاع الخاص الآخذ بالنمو والتوسع في الاقتصاد القومي.
ومع ذلك فإن مؤشرات التحسن تلك لم تنقذ المسؤولين وحكام الولايات والمدن والمناطق، وغرفة الصناعة والأعمال الحرة، من النقد اللاذع الذي وجهه لهم الرئيس إسلام كريموف في تقريره، بسبب عدم تفهمهم للدور الهام الذي يجب أن يلعبه القطاع الخاص في الاقتصاد القومي، ولخلقهم لعوائق بيروقراطية مصطنعة وضعت العقبات في وجه عمليات الخصخصة الجارية في الجمهورية.
فقد أشار التقرير إلى أنه خلال العام المنصرم فقط ارتفع عدد المؤسسات الخاصة الصغيرة ومتوسطة الحجم بنحو (13% )، وبلغ إنتاج مؤسسات القطاع الخاص خلاله ( 21,6% ) من الإنتاج القومي. بينما سجل تطور عمل المؤسسات الخاصة الصغيرة ومتوسطة الحجم، توفير ( 193 ) ألف فرصة عمل جديدة، أي بزيادة قدرها ( 1,5 ) مرة عن عام 1999، أكثرها لأبناء المناطق الريفية المكتظة بالسكان والذين هم بحاجة ماسة لها لتحسين ظروف معيشتهم والحد من ظواهر الهجرة من الريف إلى المدينة، والمحافظة على التوازن الديمغرافي القائم في الجمهورية عن طريق التنمية المتوازنة والمتوازية.
واستناداً للمؤشرات الاقتصادية التي أعلنها الرئيس في تقريره، فإن الخطة الاستثمارية لعام 2000 قد نفذت بالكامل. وبلغ حجم الأموال الموظفة فعلاً في المشاريع الاستثمارية نحو ( 700 ) مليار صوم، ضمنها ( 810 ) مليون دولار أمريكي. وظف منها أكثر من ( 55% ) في مجالات إنتاجية بحتة، خاصة في الصناعات الخفيفة، وقطاعات المواصلات، والاتصالات، والبناء.
كما وأعلن الرئيس عن بدء الإنتاج الفعلي في الشركات المشتركة "خوباس تابو" لإنتاج الأنابيب غير المعدنية، و"أوزسماتانا-سانتيخنيكا" لإنتاج أدوات الصرف الصحي. ومنشأة إنتاج الأنابيب البلاستيكية في ولاية سمرقند، وإنتاج السماد الفسفور الآزوتي في ولاية طشقند، والشركة المشتركة "آلتين ديري" لإنتاج المصنوعات الجلدية في ولاية أنديجان، والشركة المشتركة "عشق" لإنتاج القرطاسية المدرسية، ومصنع إنتاج عبوات المحاليل الطبية بمدينة طشقند وغيرها من المنشآت الإنتاجية.
وأعلن عن انتهاء العمل في بناء مجمع الصناعات البيتروكيماوية والغاز في منطقة شيرتان الذي سيدخل حيز الإنتاج الفعلي قريباً، ومصنع الورق في مدينة ينغي يول، ومصنع صيانة عربات السكك الحديدية بمدينة طشقند، والمصنع الكيميائي في ولاية فرغانة، والشركة المساهمة "أنتيكس" للصناعات النسيجية بمنطقة شهريخان، والشركة الأوزبكستانية الأمريكية المشتركة "قره قول تيكس" بمنطقة قره قول، ومركز للهاتف طاقته ( 21 ) ألف خط هاتفي بمدينة أنديجان. إضافة لدخول خط أوتش كودوك - مسكين للسكك الحديدية بطول ( 226 ) كم حيز الاستثمار الفعلي.
وعن تطور الخدمات الصحية جاء في التقرير أنه تم افتتاح فروع للإسعاف السريع في كل ولايات الجمهورية، ومراكز للخدمات الطبية في المناطق الريفية، إضافة لتنفيذ برنامج كامل للرعاية الطبية لكل الأطفال دون السادسة من العمر.
وعن الوضع الصعب في القطاع الزراعي أشار التقرير إلى انخفاض إنتاج المحاصيل الزراعية الرئيسية، القطن، والأرز والخضراوات في العام المنصرم، بسبب الجفاف وقلة الأمطار ونقص المياه والعوامل الجوية، إضافة لمشاكل تصدير المحاصيل الزراعية للأسواق العالمية التي يعاني منها الاقتصاد القومي، التي نعتقد أن من أسبابها بعد أوزبكستان عن الموانئ البحرية وارتفاع تكاليف الشحن البري والجوي إضافة لمنافسة الأسعار الشديدة في الأسواق العالمية.
ونتيجة للجفاف وانخفاض نسبة الأمطار، انخفض منسوب المياه في نهر أموداريا الشريان المائي الرئيسي في الجمهورية إلى 25-40% عن المقادير المعتادة له، لتواجه أوزبكستان جفافاً لم تعرف مثيلاً له منذ مئة عام، وهو وضع زاد الطين بلة في حوض بحر الأورال الذي يعاني من أزمة بيئية حادة منذ سنوات عدة بعد انحسار شواطئه بسبب السياسة المائية الخاطئة التي اتبعتها السلطات السوفييتية منذ ستينات القرن العشرين، مما أدى إلى انهيار اقتصاد المنطقة التي كانت تعتمد في السابق على الصيد البحري وتصنيع الأسماك، وتفشي الأمراض بين السكان وارتفاع نسبة ملوحة الأراضي الزراعية.
وأدى الجفاف إلى خلق مشكلة كبيرة أخرى أشار إليها الرئيس كريموف في تقريره تتلخص بالإجراءات التي اتخذت لإنقاذ محاصيل القمح عن طريق استخدام الاحتياطي المائي المتشكل خلال سنوات طويلة في السدود السطحية العديدة في البلاد، مما حرم (50% ) من الأراضي الزراعية شمال الجمهورية من مصادر الري، ومياه الشرب. وسبب هذا الوضع في قره قلباقستان وحدها تلف المحاصيل الزراعية في ( 210 ) آلاف هكتار، أي ( 45% ) من الأراضي المزروعة فيها. ومن أصل (116 ) ألف هكتار مزروعة بالأرز، لم يبق سوى ( 15 ) ألف هكتار فقط. والظروف هذه لم تكن أفضل في ولاية خوارزم ،حيث تلفت محاصيل زراعية في أكثر من ( 65 ) ألف هكتار مزروعة. إضافة لضياع في الثروة الحيوانية، بلغت خسائره في قره قلباقستان وحدها حوالي ( 16 ) مليار صوم، وفي خوارزم ( 11 ) مليار صوم. مما تطلب السرعة في تدخل الحكومة الأوزبكستانية لإنقاذ الموقف، واتخاذ جملة من الإجراءات العاجلة منها: دفع تعويضات عن خسائر المزارعين، بلغت ( 2,6 ) مليار صوم؛ وإعفاء المنشآت الزراعية المتضررة، من القروض المستحقة عليها والبالغة 41 مليار صوم. وتأجيل تسديد القروض الممنوحة لتلك المنشآت من أجل الحصول على المعدات والخدمات الزراعية خلال عامي 1998-1999 والبالغة حوالي ( 30 ) مليار صوم، والمستحقة عام 2003، لمدة 8 سنوات؛ وإعفاء المنشآت الزراعية المتضررة من دفع المبالغ المستحقة عليها لموازنة الدولة وغيرها خارج الموازنة، والسلف التي تلقتها على حساب إنتاج عام 2000.
إضافة لتمديد فترة السماح لـ (59 ) مؤسسة اقتصادية تعرضت للخسارة بسبب الجفاف عام 2000، وأعطيت فترة سماح اعتبارا من عام 2001 لـ ( 76 ) مؤسسة زراعية. من أجل تحسين ظروف المزارعين وتمكينهم من مواجهة متطلبات واحتياجات محصول موسم العام الحالي الذي لا يبشر بظروف مثالية أيضاً. وهذا بحد ذاته يعتبر برأيينا مؤشر واضح من مؤشرات استقرار الوضع الاقتصادي، وقدرة الحكومة الأوزبكستانية على مواجهة الآثار الناتجة عن الظروف الطبيعية الطارئة.
خاصة وأن أوزبكستان تعتمد على الري في ( 90% ) من أراضيها الزراعية، وهو ما يتطلب تحسين وتجديد شبكات الري الزراعية وتحسين أدائها، وحل الكثير من مشاكلها. ولمواجهة انتشار الملوحة في الأراضي الزراعية التي بلغت مساحتها حوالي ( 2 ) مليار هكتار، وتنظيف شبكات الري والصرف داخل المنشآت الزراعية، التي تتم اليوم بنحو ( 60-70% ) من حجم الأعمال المقررة. وفي ولاية قشقاداريا تقدر بنحو 35-40% )، وفي ولايتي سيرداريا وجيزاك بنحو (30-60% ). إضافة للوضع الأصعب في شبكات الري الأفقي المطمورة في الأرض، والتي بلغ حجم المستصلح منها (1500 ) كم فقط، من أصل ( 39 ) ألف كم. إلي جانب مشاكل محطات ضخ المياه في شبكة الري الزراعية والتي مر على بنائها أكثر من 25 عاماً، وتحتاج اليوم للإصلاح والتجديد مثلها مثل قنوات المياه الإسمنتية. وهو ما يحتاج لأموال واستثمارات كبيرة تفوق قدرة المنشآت الزراعية تلك. ونعتقد أنه يمكن أن تكون مجالاً رحباً لتوظيف الأموال العربية عن طريق إقامة شبكات استثمارية وإنتاجية مشتركة، أو تقديم القروض الميسرة التي يمكن الدول العربية التي تقدم رؤوس الأموال تلك ومن خلالها أن تكون شريكاً استراتيجياً لأوزبكستان في خطط التنمية الزراعية وتصنيع المنتجات الزراعية التي ترتبط بحياة حوالي ( 60% ) من سكان الجمهورية الذين يعيشون في الأرياف ويعتمد اقتصادهم وقوت يومهم على الزراعة والثروة الحيوانية.
ومع ذلك فقد ألقى الرئيس كريموف باللائمة على وزارة الزراعة والموارد المائية وحكام الولايات والمناطق لتقصيرهم في الاهتمام بكل تلك المشاكل الحيوية في القطاع الزراعي، وعدم سعيهم لتوظيف الاستثمارات الأجنبية لإدخال التكنولوجيا الحديثة التي توفر أقل فاقد من المياه أثناء عمليات الري، وعمليات إزالة الملوحة من الأراضي الزراعية. والعمل الجاد من أجل تحقيق تطور حقيقي في الاقتصاد الزراعي، وتحقيق الأمن الغذائي للجمهورية. وطالب الرئيس كافة المؤسسات المعنية بتقديم الخطط اللازمة لتجاوز تلك الصعوبات خلال الفترة من عام 2001 إلى عام 2005، مع آفاق تطويرها حتى عام 2010، مع التركيز على تنظيف وتجهيز شبكات الري المشتركة بين مختلف المؤسسات الزراعية، وداخل تلك المؤسسات نفسها، وتطوير شبكات الري المركزية، وبناء وتجهيز وصيانة محطات ضخ المياه، وخاصة في قناة الري في قارشي وغيرها من التي تحتاج لتدخل سريع من قبل الدولة.
كما ووجه الرئيس كريموف النقد للمؤسسات الصناعية والإنتاجية التي لم تنفذ برامجها الإنتاجية بالكامل. وانتقد التباطؤ في عملية التوجه نحو إنتاج المنتجات البديلة للمستورد، وإنتاج المنتجات التي تعتمد على المواد الأولية المحلية، وخاصة في قطاعات الصناعات الخفيفة، والكيميائية، وصناعة الآلات، وإنتاج مواد البناء، والتعدين.
وركز على ضعف العمل الجاري في مجال إنشاء شركات مشتركة برأس مال وطني وأجنبي مشترك في كل أنحاء الدولة، وخاصة في المجالات التي تعتمد على إنتاج وتصنيع المواد الأولية المحلية، و المجالات التي توفر فرص عمل جديدة للسكان في كل مناطق الجمهورية. مشيراً إلى أنه من بين ( 152 ) شركة مشتركة برأس مال مشترك تم إنشاؤها خلال العام الماضي، تركز نصفها أو ( 74 ) شركة منها في مدينة طشقند وحدها، إضافة لحقيقة غياب الشركات المشتركة تماماً عن الكثير من المناطق في الجمهورية.
وركز على حقيقة عدم استيعاب الكثير من المسؤولين لجوهر عملية الانتقال إلى اقتصاد السوق، وخاصة في حالات إلغاء الإدارات الموروثة عن العهد السوفييتي السابق، وحقيقة عودة تلك الإدارات بأشكال أخرى دون فهم لجوهر عملية الانتقال تلك، من آلية الاقتصاد المركزي المخطط الخاسر، إلى آلية السوق في الاقتصاد، مما جعل نتائج خطوات الإصلاح الجارية حتى اليوم غير ملموسة. وأشار إلى أنه طالما تأخر تشكل الملكية الخاصة والمساهمة، فإنه لا يمكن الوصول لاقتصاد السوق الذي يعتمد على العرض والطلب، خاصة وأن الصفقات التجارية التي يتم ربعها تقريباً في بورصات طشقند، بسبب قلة الكوادر الخبيرة في الصفقات المعقودة ضمن بورصات البضائع والخامات في الولايات، تتم بأكثرها خارج صالات البيع في البورصات مما يتطلب اليوم إعادة النظر بالكامل في جدوى آلية عمل تلك البورصات والقائمين عليها.
ومن أجل تعزيز القدرات المالية للدولة واحتياطيها من القطع الأجنبي طالب الرئيس بالتركيز على التصدير وإنتاج بضائع التصدير التي تتطلب بشكل دائم التحديث وتجديد معدات وتكنولوجيا التصنيع، واتخاذ جملة من الإجراءات الكفيلة بتخفيض الرسوم الضريبية، وتحويل العملة الوطنية إلى العملات الأخرى دون عوائق، بما فيها التعاون مع المؤسسات المالية العالمية، وإزالة الشروط المعيقة لصرف العملات الأجنبية بشكل حر.
وعن تحقيق البرنامج الوطني لإعداد الكوادر الوطنية أشار التقرير إلى أنه تم خلال الفترة الممتدة مابين عامي 1998-2000 بناء واستثمار ( 47 ) ليتسيه أكاديمية (ثانوية متخصصة)، و( 260 ) كولليج أكاديمي (معهد متوسط مهني)، تتسع لـ (160) ألف طالب، أنفق على إنشائها ( 135 ) مليار صوم. إضافة لتخصيص مبلغ ( 6 ) مليار صوم لتجهيزها بالأجهزة والمعدات والوسائل التعليمية الحديثة، استعين في تجهيزها بالقروض التي قدمها بنك التنمية الآسيوي، وجمهورية كوريا، والحكومة اليابانية، لتبلغ الإسهامات الأجنبية في شراء تقنيات ومعدات التعليم الثانوي مبلغ ( 150 ) مليون دولار أمريكي.
وعن مقاييس التعليم الحديثة أشار التقرير إلى اعتماد ( 72 ) مقياساً جديداً في ( 11 ) اتجاه تعليمي، وافتتاح ( 223 ) مركزاً إرشادياً لمساعدة التلاميذ والطلاب في اختيار مستقبلهم العلمي والمهني، وافتتاح ( 38 ) مركزاً لتدريب وإعادة تأهيل الكوادر التربوية، تم فيها خلال السنوات الثلاثة الماضية تدريب وإعادة تأهيل ( 14 ) ألف مدرس.
وختاماً نستطيع مما سبق أن نخرج باستنتاج قد يوافقنا البعض فيه، وهو أن الخطط الطموحة التي وضعتها الجمهورية الفتية لنفسها خلال العقد الأول من استقلالها، ورغم كل الصعوبات تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق اندماج حقيقي في المجتمع والاقتصاد العالمي، والنهوض باقتصادها شبه المدمر الذي ورثته عن الحكم الاستعماري السوفييتي الذي استمر لأكثر من قرن من الزمن. وأنها تعتمد في خططها للتنمية على سياسة دعم الإنتاج الوطني دون التخلي عن سياسة الاعتماد المتبادل التي تتبعها مع الدول المتطورة والصديقة، من خلال سياسة الانفتاح الاقتصادي، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية المطبقة حنى اليوم، والتي تأخرت عنها الاستثمارات العربية بعض الشيء عن غيرها من رؤوس الأموال الأجنبية الموظفة فعلاً في الاقتصاد الوطني الأوزبكستاني، وهو الرأي الذي نتفق فيه مع رأي بعض المحللين الاقتصاديين المحليين والأجانب. ومن خلال وضعها لحوافز مناسبة تشجيع القطاع الخاص الوطني للدخول في عالم الصناعة المتطورة وعالم تصنيع المحاصيل الزراعية الكبيرة، من أجل خلق المزيد من فرص العمل لليد العاملة الفائضة في الجمهورية وخاصة في الأرياف. متبعة في نفس الوقت سياسة متزنة لإعداد الكوادر العلمية الوطنية الشابة اللازمة والقادرة على متابعة خطط التشييد والبناء والتنمية في البلاد، بشكل يتماشى وروح العصر والعولمة والانفتاح الاقتصادي، وما ينتج عنه من منافسة شديدة في الأسواق العالمية.
قراءة في نتائج خطوات الإصلاح الاقتصادي المحققة في جمهورية أوزبكستان خلال عام 2000
كتبها أ.د. محمد البخاري: مستشار رئيس جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية في العلاقات الدولية بتاريخ 20/2/2001، ونشرت بصحيفة الاتحاد بأبو ظبي في العدد الصادر يوم 6/3/2001 تحت عنوان: "جمهورية أوزبكستان: خطوات إيجابية نحو النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي".
في الجلسة الموسعة التي عقدتها الحكومة والإدارة الحكومية خلال النصف الثاني من فبراير\شباط 2001، استعرض رئيس جمهورية أوزبكستان إسلام كريموف في تقرير مطول أهم نتائج خطوات الإصلاح والتطور الاقتصادي الاجتماعي التي تحققت في الجمهورية خلال السنة الأخيرة من القرن العشرين، التي وافقت العام التاسع لاستقلالها عن الاتحاد السوفييتي السابق.
وعبر الرئيس كريموف في تقريره عن ارتياحه لاستمرار وثبات الخطوات المستمرة منذ الاستقلال في عام 1991 وحتى اليوم، من أجل تحقيق الليبرالية وتعميق إجراءات الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الجارية في الجمهورية، وأكد على ثبات واستمرار تلك الخطوات رغم كل الصعوبات التي واجهتها كل القطاعات الهامة في الدولة والمجتمع خلال عام 2000.
وتشير الأرقام التي وردت في التقرير الذي نشرته وسائل الإعلام الجماهيرية الأوزبكستانية، أن الاقتصاد القومي الأوزبكستاني قد حقق خلال العام المنصرم ارتفاعاً ملحوظاً قدره ( 4% )، رافقه ارتفاعا في الإنتاج الصناعي بلغ نسبة ( 6,4% )، وفي الإنتاج الزراعي ( 3,2% )، وفي إنتاج السلع الاستهلاكية ( 7,7% )، بينما ارتفعت معدلات الاستهلاك بنسبة ( 7,8% )، وفي الخدمات بنسبة ( 14% ).
وأشار التقرير إلى أنه نتيجة للإجراءات التي اتبعتها الحكومة الأوزبكستانية خلال عام 2000، وأدت إلى خفض العجز في الموازنة العامة من ( 36% ) إلى ( 24% ). وفي الديون المؤجلة انخفاضا بلغت نسبته ( 41% )، وفي مديونية المؤسسات العامة انخفاضا مماثلاً بلغت نسبته ( 58% )، في الوقت الذي تمكنت فيه ( 21 ) مؤسسة اقتصادية تملكها وزارات وهيئات عامة من تسديد كامل ديونها المستحقة عليها. وانخفاض عدد المؤسسات الاقتصادية العامة المهددة بالإفلاس من ( 182 ) مؤسسة إلى ( 81 ) مؤسسة، وانخفاض عدد المؤسسات الاقتصادية العامة غير الرابحة من ( 169 ) ألف مؤسسة إلى ( 139 ) ألف مؤسسة.
وهذا مؤشر واضح يستحق التوقف عنده، لأنه يشير إلى انتعاش في الحركة الاقتصادية في الجمهورية، وإلى استقرار أوضاع المؤسسات العامة تلك، الذي لابد وأن ينعكس على غيرها من المؤسسات الاقتصادية لو استمرت تلك المؤشرات بالارتفاع. خاصة وأن معظم مؤسسات القطاع العام تعتمد على بعضها البعض في الدورة الإنتاجية التي شهدت صدمة حقيقية خلفها اقتصاد الاعتماد المتبادل بين المؤسسات الاقتصادية للاتحاد السوفييتي السابق الذي ربطها بشبكة محكمة ومتداخلة تمنع أي من الجمهوريات التابعة للمركز في موسكو المهيمن السابق على اقتصاد كل الجمهوريات السوفييتية السابقة ومن بينها أوزبكستان، من إنتاج أي سلعة جاهزة بالكامل للاستهلاك معتمدة على ثرواتها الطبيعية مواردها وإمكانياتها العلمية الخاصة.
ورافق ذلك التحسن استناداً للتقرير انتعاش حركة الدورة النقدية في المصارف الوطنية التي سجل حجم التداول النقدي فيها ارتفاعاً ملحوظاً بلغ نحو ( 1,9 ) مرة، مع مؤشرات ارتفاع ملحوظ في حجم المبالغ المتداولة من خلال حسابات المصارف الوطنية حتى يوم 1 كانون ثاني-يناير 2001 بلغت نسبته ( 56% ) من قيمة الناتج القومي الإجمالي. وهنا لابد لنا من الإشارة إلى مؤشر هام يبشر بعودة الثقة في التعامل مع المصارف الوطنية بعد فترة طويلة من حالة عدم الثقة وعدم الاستقرار التي ورثتها المصارف الوطنية في الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفييتي السابق بسبب ضياع مدخرات المواطنين التي كانت مودعة بتلك المصارف السوفييتية الحكومية، وانخفاض قيمة العملة المستمر حتى الآن، وأدت تلك الأسباب إلى خلق حالة من عدم الاستقرار الاقتصادي والمالي الذي تعمل الحكومة الأوزبكستانية منذ استقلالها وحتى اليوم على تجاوزه بشتى السبل المتاحة والممكنة، ومن بينها السماح بتأسيس بنوك تجارية خاصة، وفتح فروع للبنوك الأجنبية للعمل في أوزبكستان، وفتح أبواب الاستثمار في مرافق الاقتصاد الوطني لرؤوس الأموال الأجنبية على مصراعيه.
ونعتقد أن تلك الإجراءات التي أدت إلى ذلك الانتعاش النسبي قد انعكست على المؤشرات الاقتصادية بشكل عام من خلال ظروف تحسن حجم الودائع المصرفية التي أشار إليها الرئيس كريموف في تقريره، والتي تعتبر برأيينا مؤشراً واضحاً من مؤشرات ارتفاع حجم القروض المحلية التي قدمتها المصارف الوطنية للأغراض الاقتصادية والإنتاجية من خلال توفر السيولة النقدية فيها. ولابد أنه من الأسباب الرئيسية لذلك التحسن كانت السياسة النقدية التي اتبعتها الحكومة الأوزبكستانية خلال العام المنصرم وأدت إلى انتعاش الحركة المصرفية وارتفاع حجم ودائع المواطنين في المصارف التجارية إلى أكثر من الضعف أي من ( 7,8% ) إلى ( 15,8% )، وهو ما سمح لها بتقديم المزيد من القروض اللازمة لإنعاش المؤسسات الاقتصادية والإنتاجية التي عانت أو تعاني من صعوبات مالية حتى الآن.
إضافة لزيادة عائدات التصدير التي بلغت ( 317,3 ) مليون دولار أمريكي، شكلت زيادة غير مقدرة للدخل القومي. مما ساعد على تعزيز وزيادة احتياطي الجمهورية من العملات الأجنبية إضافة لاحتياطي الذهب الذي تنتجه أوزبكستان بمشاركة مستثمرين أجانب رغم ظروف المنافسة وانخفاض أسعاره في الأسواق العالمية غير الملائمة لأوزبكستان بوضعها الراهن. ونعتقد أن هذا لابد وأن يعزز من قدرة أوزبكستان للوفاء بتعهداتها الخارجية.
ومما ساعد أيضاً على تحسين وانتعاش الأوضاع الاقتصادية في العام المنصرم، السياسة النقدية الليبرالية التي طبقتها الحكومة الأوزبكستانية من خلال سماحها للمصارف التجارية المرخصة بالقيام بعمليات بيع وشراء العملات الأجنبية خارج البورصة وبأسعار السوق التي يحكمها قانون العرض والطلب.
وعن الخصخصة ونقل ملكية الدولة إلى القطاع الخاص، أشار التقرير إلى أنه تم خلال عام 2000 خصخصة ( 374 ) منشأة حكومية، بدلاً من ( 167 ) منشأة خطط لخصخصتها خلال العام الماضي. وتم على قاعدتها إنشاء ( 152 ) شركة مساهمة، و( 103 ) مؤسسات خاصة، و( 117 ) مؤسسة متعددة أشكال الملكية. إضافة لطرح أسهم تملكها الدولة، للبيع في البورصات بلغت قيمتها الإجمالية ( 6 ) مليارات صوم ((العملة المحلية - الدولار يعادل ( 333 ) صوم وفق نشرة أسعار البنك المركزي 19\2\2001)) وهذا يشكل أكثر بـ ( 35% ) من قيمة الأسهم التي طرحت للبيع خلال عام 1999. بينما سجلت مؤشرات الدخل الحكومي، تسلم خزانة الدولة مبلغ ( 14,3 ) مليار صوم من عمليات الخصخصة ونقل ملكية الدولة التي تمت خلال عام 2000، أي أكثر بـ ( 1,6% ) من الدخل الذي وفرته عمليات الخصخصة التي جرت في عام 1999.
كما وأشار التقرير إلى أن أعمال الخصخصة التي جرت خلال العام الماضي كانت لصالح القطاع الخاص المتوسط الحجم، وصالح رجال الأعمال. وهو مؤشر لزيادة حجم ودور القطاع الخاص الآخذ بالنمو والتوسع في الاقتصاد القومي.
ومع ذلك فإن مؤشرات التحسن تلك لم تنقذ المسؤولين وحكام الولايات والمدن والمناطق، وغرفة الصناعة والأعمال الحرة، من النقد اللاذع الذي وجهه لهم الرئيس إسلام كريموف في تقريره، بسبب عدم تفهمهم للدور الهام الذي يجب أن يلعبه القطاع الخاص في الاقتصاد القومي، ولخلقهم لعوائق بيروقراطية مصطنعة وضعت العقبات في وجه عمليات الخصخصة الجارية في الجمهورية.
فقد أشار التقرير إلى أنه خلال العام المنصرم فقط ارتفع عدد المؤسسات الخاصة الصغيرة ومتوسطة الحجم بنحو (13% )، وبلغ إنتاج مؤسسات القطاع الخاص خلاله ( 21,6% ) من الإنتاج القومي. بينما سجل تطور عمل المؤسسات الخاصة الصغيرة ومتوسطة الحجم، توفير ( 193 ) ألف فرصة عمل جديدة، أي بزيادة قدرها ( 1,5 ) مرة عن عام 1999، أكثرها لأبناء المناطق الريفية المكتظة بالسكان والذين هم بحاجة ماسة لها لتحسين ظروف معيشتهم والحد من ظواهر الهجرة من الريف إلى المدينة، والمحافظة على التوازن الديمغرافي القائم في الجمهورية عن طريق التنمية المتوازنة والمتوازية.
واستناداً للمؤشرات الاقتصادية التي أعلنها الرئيس في تقريره، فإن الخطة الاستثمارية لعام 2000 قد نفذت بالكامل. وبلغ حجم الأموال الموظفة فعلاً في المشاريع الاستثمارية نحو ( 700 ) مليار صوم، ضمنها ( 810 ) مليون دولار أمريكي. وظف منها أكثر من ( 55% ) في مجالات إنتاجية بحتة، خاصة في الصناعات الخفيفة، وقطاعات المواصلات، والاتصالات، والبناء.
كما وأعلن الرئيس عن بدء الإنتاج الفعلي في الشركات المشتركة "خوباس تابو" لإنتاج الأنابيب غير المعدنية، و"أوزسماتانا-سانتيخنيكا" لإنتاج أدوات الصرف الصحي. ومنشأة إنتاج الأنابيب البلاستيكية في ولاية سمرقند، وإنتاج السماد الفسفور الآزوتي في ولاية طشقند، والشركة المشتركة "آلتين ديري" لإنتاج المصنوعات الجلدية في ولاية أنديجان، والشركة المشتركة "عشق" لإنتاج القرطاسية المدرسية، ومصنع إنتاج عبوات المحاليل الطبية بمدينة طشقند وغيرها من المنشآت الإنتاجية.
وأعلن عن انتهاء العمل في بناء مجمع الصناعات البيتروكيماوية والغاز في منطقة شيرتان الذي سيدخل حيز الإنتاج الفعلي قريباً، ومصنع الورق في مدينة ينغي يول، ومصنع صيانة عربات السكك الحديدية بمدينة طشقند، والمصنع الكيميائي في ولاية فرغانة، والشركة المساهمة "أنتيكس" للصناعات النسيجية بمنطقة شهريخان، والشركة الأوزبكستانية الأمريكية المشتركة "قره قول تيكس" بمنطقة قره قول، ومركز للهاتف طاقته ( 21 ) ألف خط هاتفي بمدينة أنديجان. إضافة لدخول خط أوتش كودوك - مسكين للسكك الحديدية بطول ( 226 ) كم حيز الاستثمار الفعلي.
وعن تطور الخدمات الصحية جاء في التقرير أنه تم افتتاح فروع للإسعاف السريع في كل ولايات الجمهورية، ومراكز للخدمات الطبية في المناطق الريفية، إضافة لتنفيذ برنامج كامل للرعاية الطبية لكل الأطفال دون السادسة من العمر.
وعن الوضع الصعب في القطاع الزراعي أشار التقرير إلى انخفاض إنتاج المحاصيل الزراعية الرئيسية، القطن، والأرز والخضراوات في العام المنصرم، بسبب الجفاف وقلة الأمطار ونقص المياه والعوامل الجوية، إضافة لمشاكل تصدير المحاصيل الزراعية للأسواق العالمية التي يعاني منها الاقتصاد القومي، التي نعتقد أن من أسبابها بعد أوزبكستان عن الموانئ البحرية وارتفاع تكاليف الشحن البري والجوي إضافة لمنافسة الأسعار الشديدة في الأسواق العالمية.
ونتيجة للجفاف وانخفاض نسبة الأمطار، انخفض منسوب المياه في نهر أموداريا الشريان المائي الرئيسي في الجمهورية إلى 25-40% عن المقادير المعتادة له، لتواجه أوزبكستان جفافاً لم تعرف مثيلاً له منذ مئة عام، وهو وضع زاد الطين بلة في حوض بحر الأورال الذي يعاني من أزمة بيئية حادة منذ سنوات عدة بعد انحسار شواطئه بسبب السياسة المائية الخاطئة التي اتبعتها السلطات السوفييتية منذ ستينات القرن العشرين، مما أدى إلى انهيار اقتصاد المنطقة التي كانت تعتمد في السابق على الصيد البحري وتصنيع الأسماك، وتفشي الأمراض بين السكان وارتفاع نسبة ملوحة الأراضي الزراعية.
وأدى الجفاف إلى خلق مشكلة كبيرة أخرى أشار إليها الرئيس كريموف في تقريره تتلخص بالإجراءات التي اتخذت لإنقاذ محاصيل القمح عن طريق استخدام الاحتياطي المائي المتشكل خلال سنوات طويلة في السدود السطحية العديدة في البلاد، مما حرم (50% ) من الأراضي الزراعية شمال الجمهورية من مصادر الري، ومياه الشرب. وسبب هذا الوضع في قره قلباقستان وحدها تلف المحاصيل الزراعية في ( 210 ) آلاف هكتار، أي ( 45% ) من الأراضي المزروعة فيها. ومن أصل (116 ) ألف هكتار مزروعة بالأرز، لم يبق سوى ( 15 ) ألف هكتار فقط. والظروف هذه لم تكن أفضل في ولاية خوارزم ،حيث تلفت محاصيل زراعية في أكثر من ( 65 ) ألف هكتار مزروعة. إضافة لضياع في الثروة الحيوانية، بلغت خسائره في قره قلباقستان وحدها حوالي ( 16 ) مليار صوم، وفي خوارزم ( 11 ) مليار صوم. مما تطلب السرعة في تدخل الحكومة الأوزبكستانية لإنقاذ الموقف، واتخاذ جملة من الإجراءات العاجلة منها: دفع تعويضات عن خسائر المزارعين، بلغت ( 2,6 ) مليار صوم؛ وإعفاء المنشآت الزراعية المتضررة، من القروض المستحقة عليها والبالغة 41 مليار صوم. وتأجيل تسديد القروض الممنوحة لتلك المنشآت من أجل الحصول على المعدات والخدمات الزراعية خلال عامي 1998-1999 والبالغة حوالي ( 30 ) مليار صوم، والمستحقة عام 2003، لمدة 8 سنوات؛ وإعفاء المنشآت الزراعية المتضررة من دفع المبالغ المستحقة عليها لموازنة الدولة وغيرها خارج الموازنة، والسلف التي تلقتها على حساب إنتاج عام 2000.
إضافة لتمديد فترة السماح لـ (59 ) مؤسسة اقتصادية تعرضت للخسارة بسبب الجفاف عام 2000، وأعطيت فترة سماح اعتبارا من عام 2001 لـ ( 76 ) مؤسسة زراعية. من أجل تحسين ظروف المزارعين وتمكينهم من مواجهة متطلبات واحتياجات محصول موسم العام الحالي الذي لا يبشر بظروف مثالية أيضاً. وهذا بحد ذاته يعتبر برأيينا مؤشر واضح من مؤشرات استقرار الوضع الاقتصادي، وقدرة الحكومة الأوزبكستانية على مواجهة الآثار الناتجة عن الظروف الطبيعية الطارئة.
خاصة وأن أوزبكستان تعتمد على الري في ( 90% ) من أراضيها الزراعية، وهو ما يتطلب تحسين وتجديد شبكات الري الزراعية وتحسين أدائها، وحل الكثير من مشاكلها. ولمواجهة انتشار الملوحة في الأراضي الزراعية التي بلغت مساحتها حوالي ( 2 ) مليار هكتار، وتنظيف شبكات الري والصرف داخل المنشآت الزراعية، التي تتم اليوم بنحو ( 60-70% ) من حجم الأعمال المقررة. وفي ولاية قشقاداريا تقدر بنحو 35-40% )، وفي ولايتي سيرداريا وجيزاك بنحو (30-60% ). إضافة للوضع الأصعب في شبكات الري الأفقي المطمورة في الأرض، والتي بلغ حجم المستصلح منها (1500 ) كم فقط، من أصل ( 39 ) ألف كم. إلي جانب مشاكل محطات ضخ المياه في شبكة الري الزراعية والتي مر على بنائها أكثر من 25 عاماً، وتحتاج اليوم للإصلاح والتجديد مثلها مثل قنوات المياه الإسمنتية. وهو ما يحتاج لأموال واستثمارات كبيرة تفوق قدرة المنشآت الزراعية تلك. ونعتقد أنه يمكن أن تكون مجالاً رحباً لتوظيف الأموال العربية عن طريق إقامة شبكات استثمارية وإنتاجية مشتركة، أو تقديم القروض الميسرة التي يمكن الدول العربية التي تقدم رؤوس الأموال تلك ومن خلالها أن تكون شريكاً استراتيجياً لأوزبكستان في خطط التنمية الزراعية وتصنيع المنتجات الزراعية التي ترتبط بحياة حوالي ( 60% ) من سكان الجمهورية الذين يعيشون في الأرياف ويعتمد اقتصادهم وقوت يومهم على الزراعة والثروة الحيوانية.
ومع ذلك فقد ألقى الرئيس كريموف باللائمة على وزارة الزراعة والموارد المائية وحكام الولايات والمناطق لتقصيرهم في الاهتمام بكل تلك المشاكل الحيوية في القطاع الزراعي، وعدم سعيهم لتوظيف الاستثمارات الأجنبية لإدخال التكنولوجيا الحديثة التي توفر أقل فاقد من المياه أثناء عمليات الري، وعمليات إزالة الملوحة من الأراضي الزراعية. والعمل الجاد من أجل تحقيق تطور حقيقي في الاقتصاد الزراعي، وتحقيق الأمن الغذائي للجمهورية. وطالب الرئيس كافة المؤسسات المعنية بتقديم الخطط اللازمة لتجاوز تلك الصعوبات خلال الفترة من عام 2001 إلى عام 2005، مع آفاق تطويرها حتى عام 2010، مع التركيز على تنظيف وتجهيز شبكات الري المشتركة بين مختلف المؤسسات الزراعية، وداخل تلك المؤسسات نفسها، وتطوير شبكات الري المركزية، وبناء وتجهيز وصيانة محطات ضخ المياه، وخاصة في قناة الري في قارشي وغيرها من التي تحتاج لتدخل سريع من قبل الدولة.
كما ووجه الرئيس كريموف النقد للمؤسسات الصناعية والإنتاجية التي لم تنفذ برامجها الإنتاجية بالكامل. وانتقد التباطؤ في عملية التوجه نحو إنتاج المنتجات البديلة للمستورد، وإنتاج المنتجات التي تعتمد على المواد الأولية المحلية، وخاصة في قطاعات الصناعات الخفيفة، والكيميائية، وصناعة الآلات، وإنتاج مواد البناء، والتعدين.
وركز على ضعف العمل الجاري في مجال إنشاء شركات مشتركة برأس مال وطني وأجنبي مشترك في كل أنحاء الدولة، وخاصة في المجالات التي تعتمد على إنتاج وتصنيع المواد الأولية المحلية، و المجالات التي توفر فرص عمل جديدة للسكان في كل مناطق الجمهورية. مشيراً إلى أنه من بين ( 152 ) شركة مشتركة برأس مال مشترك تم إنشاؤها خلال العام الماضي، تركز نصفها أو ( 74 ) شركة منها في مدينة طشقند وحدها، إضافة لحقيقة غياب الشركات المشتركة تماماً عن الكثير من المناطق في الجمهورية.
وركز على حقيقة عدم استيعاب الكثير من المسؤولين لجوهر عملية الانتقال إلى اقتصاد السوق، وخاصة في حالات إلغاء الإدارات الموروثة عن العهد السوفييتي السابق، وحقيقة عودة تلك الإدارات بأشكال أخرى دون فهم لجوهر عملية الانتقال تلك، من آلية الاقتصاد المركزي المخطط الخاسر، إلى آلية السوق في الاقتصاد، مما جعل نتائج خطوات الإصلاح الجارية حتى اليوم غير ملموسة. وأشار إلى أنه طالما تأخر تشكل الملكية الخاصة والمساهمة، فإنه لا يمكن الوصول لاقتصاد السوق الذي يعتمد على العرض والطلب، خاصة وأن الصفقات التجارية التي يتم ربعها تقريباً في بورصات طشقند، بسبب قلة الكوادر الخبيرة في الصفقات المعقودة ضمن بورصات البضائع والخامات في الولايات، تتم بأكثرها خارج صالات البيع في البورصات مما يتطلب اليوم إعادة النظر بالكامل في جدوى آلية عمل تلك البورصات والقائمين عليها.
ومن أجل تعزيز القدرات المالية للدولة واحتياطيها من القطع الأجنبي طالب الرئيس بالتركيز على التصدير وإنتاج بضائع التصدير التي تتطلب بشكل دائم التحديث وتجديد معدات وتكنولوجيا التصنيع، واتخاذ جملة من الإجراءات الكفيلة بتخفيض الرسوم الضريبية، وتحويل العملة الوطنية إلى العملات الأخرى دون عوائق، بما فيها التعاون مع المؤسسات المالية العالمية، وإزالة الشروط المعيقة لصرف العملات الأجنبية بشكل حر.
وعن تحقيق البرنامج الوطني لإعداد الكوادر الوطنية أشار التقرير إلى أنه تم خلال الفترة الممتدة مابين عامي 1998-2000 بناء واستثمار ( 47 ) ليتسيه أكاديمية (ثانوية متخصصة)، و( 260 ) كولليج أكاديمي (معهد متوسط مهني)، تتسع لـ (160) ألف طالب، أنفق على إنشائها ( 135 ) مليار صوم. إضافة لتخصيص مبلغ ( 6 ) مليار صوم لتجهيزها بالأجهزة والمعدات والوسائل التعليمية الحديثة، استعين في تجهيزها بالقروض التي قدمها بنك التنمية الآسيوي، وجمهورية كوريا، والحكومة اليابانية، لتبلغ الإسهامات الأجنبية في شراء تقنيات ومعدات التعليم الثانوي مبلغ ( 150 ) مليون دولار أمريكي.
وعن مقاييس التعليم الحديثة أشار التقرير إلى اعتماد ( 72 ) مقياساً جديداً في ( 11 ) اتجاه تعليمي، وافتتاح ( 223 ) مركزاً إرشادياً لمساعدة التلاميذ والطلاب في اختيار مستقبلهم العلمي والمهني، وافتتاح ( 38 ) مركزاً لتدريب وإعادة تأهيل الكوادر التربوية، تم فيها خلال السنوات الثلاثة الماضية تدريب وإعادة تأهيل ( 14 ) ألف مدرس.
وختاماً نستطيع مما سبق أن نخرج باستنتاج قد يوافقنا البعض فيه، وهو أن الخطط الطموحة التي وضعتها الجمهورية الفتية لنفسها خلال العقد الأول من استقلالها، ورغم كل الصعوبات تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق اندماج حقيقي في المجتمع والاقتصاد العالمي، والنهوض باقتصادها شبه المدمر الذي ورثته عن الحكم الاستعماري السوفييتي الذي استمر لأكثر من قرن من الزمن. وأنها تعتمد في خططها للتنمية على سياسة دعم الإنتاج الوطني دون التخلي عن سياسة الاعتماد المتبادل التي تتبعها مع الدول المتطورة والصديقة، من خلال سياسة الانفتاح الاقتصادي، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية المطبقة حنى اليوم، والتي تأخرت عنها الاستثمارات العربية بعض الشيء عن غيرها من رؤوس الأموال الأجنبية الموظفة فعلاً في الاقتصاد الوطني الأوزبكستاني، وهو الرأي الذي نتفق فيه مع رأي بعض المحللين الاقتصاديين المحليين والأجانب. ومن خلال وضعها لحوافز مناسبة تشجيع القطاع الخاص الوطني للدخول في عالم الصناعة المتطورة وعالم تصنيع المحاصيل الزراعية الكبيرة، من أجل خلق المزيد من فرص العمل لليد العاملة الفائضة في الجمهورية وخاصة في الأرياف. متبعة في نفس الوقت سياسة متزنة لإعداد الكوادر العلمية الوطنية الشابة اللازمة والقادرة على متابعة خطط التشييد والبناء والتنمية في البلاد، بشكل يتماشى وروح العصر والعولمة والانفتاح الاقتصادي، وما ينتج عنه من منافسة شديدة في الأسواق العالمية.
الخطوات التى يجب اتبعها عند الانتقال للعمل الحر
http://programer-sudani.blogspot.com/2014/11/Steps-that-must-be-followed-when-you-go-for-self-employment.html