الخميس، 4 فبراير 2010

الاستفتاء على تعديل الدستور في أوزبكستان

الاستفتاء على تعديل الدستور في أوزبكستان
كتبه أ.د. محمد البخاري: أستاذ بجامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية. في طشقند بتاريخ 2/2/2002
مخطط البحث: تمهيد؛ البرلمان الأوزبكستاني المنتخب الأول بعد الاستقلال؛ الانتخابات على منصب رئيس الجمهورية وعضوية البرلمان الثاني؛ القوى السياسية على الساحة الأوزبكستانية عشية الانتخابات للبرلمان الثاني؛ المشاركة في الانتخابات؛ إجراء الانتخابات البرلمانية؛ المشاركة في الانتخابات؛ نتائج الانتخابات؛ الانتخابات التكميلية؛ لماذا الاستفتاء الأخير.
تمهيد: عشية الاستقلال في عام 1989 ولأول مرة عرف التاريخ المعاصر لجمهورية أوزبكستان الحياة الديمقراطية التي دعى إليها البيان العالمي لحقوق الإنسان، عندما انتخب المجلس الأعلى لجمهورية أوزبكستان إسلام كريموف رئيساً للجمهورية، وشكل لجنة الانتخابات المركزية الدائمة، التي توضحت معالم مهامها القانونية بعد إصدار البرلمان الأوزبكستاني الأول بعد الاستقلال، قانون "اللجنة المركزية للانتخابات" في نيسان/أبريل 1998، والذي شكل البرلمان على أساسه لجنة مركزية دائمة للانتخابات برئاسة قدرة الله أحميدوف وتضم 21 عضواً، منهم ثلاثة دائمين، وجدد تشكيلها في 20/8/1999. ومهمتها إجراء الانتخابات على منصب رئيس الجمهورية وعضوية عالي مجلس (البرلمان) على أسس ديمقراطية وضمان حرية اختيار الناخبين لممثليهم من بين المرشحين المسجلين.
وعشية انتهاء فترة البرلمان الأوزبكستاني المنتخب الأول بعد الاستقلال، وفترة رئاسة الرئيس إسلام كريموف، جدد البرلمان في دورته الأخيرة اللجنة المركزية للانتخابات برئاسة الشخصية المستقلة والمعروفة في الأوساط العلمية البروفيسور نجم الدين كاميلوف لإجراء الانتخابات على منصب رئيس الجمهورية وعضوية البرلمان الثاني. وحدد البرلمان تاريخ إجراء الانتخابات التشريعية يوم 5/12/1999، وانتخاب رئيس الجمهورية يوم 9/1/2000. معلنا بدء العد التنازلي للمعركة الانتخابية بين القوى السياسية في الجمهورية التي بلغت آنذاك العام التاسع للاستقلال في إطار ديمقراطي تعددي لم يعرفه تاريخها من قبل، فقد جرت الانتخابات الأولى عام 1991 في جو من التعددية السياسية التي هيمن فيها أعضاء الحزب الشيوعي الأوزبكستاني الذي حل نفسه قبل الانتخابات، وانطلاقاً من قاعدة قانونية غير واضحة، وغياب الخبرة الديمقراطية بعد فترة طويلة من الاحتلال الروسي قاربت الـ 130 عاماً، منها أكثر من 70 عاماً من الحكم الشمولي الشيوعي المتسلط، الذي سبب لأوزبكستان عزلة دولية تامة، وجهل لأصول العملية الديمقراطية. بينما جاءت الانتخابات الأخيرة في جو من الديمقراطية الآخذة بالتبلور والمشاركة الدولية، حيث شارك فيها مراقبون من دول أجنبية ومنظمات دولية عديدة، أدلوا بآرائهم التي تؤكد حقيقة التحولات الديمقراطية رغم تفاوت منطلقاتها وأبعادها ودلالاتها السياسية، حول الانتخابات عبر وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية قبل وخلال وبعد الانتخابات.
القوى السياسية على الساحة الأوزبكستانية عشية الانتخابات: وأعلنت لجنة الانتخابات المركزية، عشية الحملة الانتخابية استناداً للقوانين النافذة في الجمهورية، أن خمسة أحزاب سياسية مسجلة في وزارة العدل الأوزبكستانية، مؤهلة قانونياً لخوض المعركة الانتخابية للفوز بمنصب رئيس الجمهورية وعضوية البرلمان، وهي:
- حزب الشعب الديمقراطي الأوزبكستاني الذي تأسس في 15/11/1991 وهو أقوى الأحزاب السياسية على الساحة الأوزبكستانية، ووريث الحزب الشيوعي المنحل.
- وحزب "وطن ترقياتي" الذي تأسس في 10/7/1992 ويمثل الشرائح الاجتماعية الجديدة من المثقفين ورجال الأعمال.
- والحزب الاجتماعي الديمقراطي الأوزبكستاني "عدالات" الذي تأسس 18/2/1995ويمثل الشرائح الاجتماعية المثقفة ورجال القانون الذين يسعون لتحقيق العدالة الاجتماعية.
- والحزب الديمقراطي "مللي تيكلانيش" الذي تأسس في 9/6/1995ويضم الشرائح الاجتماعية المثقفة التي تسعى لبعث الثقافة والتقاليد القومية الأوزبكية.
- والحزب القومي الديمقراطي "فيدوكورلار" الذي تأسس في 4/1/1999 ويضم شرائح اجتماعية متنوعة وخاصة الشباب ويجمعها هدف واحد هو دعم خطوات الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الجارية في أوزبكستان.
وأعربت جميعها آنذاك عن رغبتها للمشاركة في الحملة الانتخابية للبرلمان، بينما شهدت الحملة الانتخابية ولأول مرة حركة شعبية واسعة لتسجيل لجان المبادرة الشعبية لترشيح المستقلين، إضافة لتسجيل مجالس الإدارة المحلية الراغبة في المشاركة بالترشيح وخوض الحملة الانتخابية، وجرى قيدهم من قبل لجنة الانتخابات المركزية وفق الأصول القانونية النافذة في الجمهورية دون أية اعتراضات تذكر.
ومن المعروف أن التركيبة السكانية في جمهورية أوزبكستان خلال فترة الحكم الاستعماري الطويلة التي خضعت له، ونتيجة لسياسة التهجير القسري، وسياسة تشجيع الهجرة الداخلية التي اتبعتها الإمبراطورية الروسية والسوفييتية من بعدها، تحول المجتمع الأوزبكستاني إلى مجتمع متعددة القوميات يشكل فيه غير الأوزبك حوالي 30% من السكان، فإضافة لأبناء الشعوب الإسلامية من الأصول التركية والطاجيكية الفارسية، هناك مواطنون أوزبكستانيون من أصول سلافية مسيحية مثل: الروس، والأوكران، والبيلوروس، ومن غيرهم كالأرمن، والكوريين وسواهم من الشعوب. وكان من الطبيعي أن ينعكس هذا التركيب على التركيبة القومية للمرشحين المتنافسين لشغل المقاعد البرلمانية، فكان المرشحون بشكل رئيسي من الأوزبك، والقره قلباق، والطاجيك، والروس، والقازاق، إضافة لمرشحين ينتمون للقوميات القرغيزية، والتركمانية، والتترية، والأوكرانية، واليونانية، والأرمنية، والإيرانية، والكورية، والتركية، والويغورية، واليهود.
وشهدت القوائم المتنافسة على مقاعد البرلمان الثاني وللمرة الأولى في تاريخ أوزبكستان الحديث، نشاطاً ملحوظاً للنساء اللاتي دخلن معترك الحملة الانتخابية البرلمانية بشكل واسع، وبلغت نسبة المرشحات للتنافس على مقاعد البرلمان نسبة 14,01 % أو 174 امرأة من إجمالي عدد المرشحين.
وعشية إجراء الانتخابات البرلمانية أعلنت اللجنة المركزية للانتخابات في 4/12/1999 نتائج التحضيرات النهائية للانتخابات المقرر إجراؤها في اليوم التالي لشغل مقاعد البرلمان الثاني لجمهورية أوزبكستان، وتضمنت أن: عدد الناخبين المسجلين في القوائم الانتخابية بلغ 12,644,122 ناخب؛ وعدد الدوائر الانتخابية المركزية 250 دائرة؛ وعدد الدوائر الانتخابية الفرعية 7723 دائرة؛ وعدد المرشحين الذين سجلوا حتى نهاية فترة الترشيح 1242 مرشحاً؛ وعدد المرشحين الذين تم شطبهم من قوائم المرشحين 228 مرشحاً؛ وعدد المرشحين الذين ثبتت أسماؤهم في القوائم الانتخابية 1014 مرشحاً.
وكان أكبر عدد للمرشحين من الحزب القومي الديمقراطي وبلغ 208 مرشحين، ومرشحي مجالس الإدارة المحلية 206 مرشحين، وأقلهم كان للحزب الديمقراطي 93 مرشحاً. ولم تتقدم أية قوة سياسية بـ 250 مرشحاً المسموح بها لهم بموجب القوانين الانتخابية النافذة كما سبق وأشرت، وهذه تعتبر إشارة واضحة لحقيقة انتشار القاعدة التي تستند عليها كلاً من القوى السياسية المتنافسة فعلاً، أي ما يشير إلى غياب القوة السياسية المنتشرة في كل أنحاء الجمهورية وتشمل قاعدتها الانتخابية الدوائر الانتخابية المركزية الـ 250.
المشاركة في الانتخابات: وجرت الانتخابات بجو من الهدوء ودون حوادث أمنية تذكر، من الساعة السادسة صباحاً وحتى الساعة الثامنة مساء يوم الأحد 5/12/1999 بمشاركة مراقبين دوليين وعن الهيئات الدبلوماسية المعتمدة في جمهورية أوزبكستان، وممثلين عن المنظمات الدولية المعتمدة في الجمهورية، بلغ عددهم 120 مراقباً من 26 دولة، وممثلين عن وسائل الإعلام المحلية والدولية، الذين وضعت تحت تصرفهم كل الخدمات الفورية اللازمة وخاصة وسائل الاتصال في المركز الصحفي الذي أنشأته لجنة الانتخابات المركزية خصيصاً لهذا الهدف، واستفدت شخصياً من خدماته كأستاذ جامعي، وهو ما لم يكن موجوداً في الانتخابات السابقة.
وتم إعلان النتائج النهائية لتلك الانتخابات بعد خمسة أيام، في المؤتمر الخاص الذي عقده رئيس لجنة الانتخابات المركزية في المركز الصحفي يوم 10/12/1999، وجاء فيها:
أن الانتخابات جرت بجو من التنافس الديمقراطي في الدوائر المركزية الـ 250، و الدوائر الفرعية الـ 7723، وأن القوائم تضمنت أسماء 1010 مرشحين نتيجة لانسحاب أربعة مرشحين يوم الانتخابات. ولابد أن الأسباب كانت المساومات السياسية التي جرت وتجري عادة بين القوى السياسية و المرشحين في الدائرة الانتخابية الواحدة لتركيز الأصوات لصالح مرشح معين، أو نتيجة للتفوق الواضح لأحد المرشحين عن سواه مما يضطر المرشح الأضعف للانسحاب. لتصبح المنافسة موزعة بين مرشحي القوى السياسية الأقوى المتنافسة لشغل المقعد المخصص للدائرة الانتخابية المعنية من بين مقاعد البرلمان الـ 250.
وسجلت الانتخابات مشاركة ملحوظة للناخبين المدرجة أسماؤهم في القوائم الانتخابية والبالغ عددهم 12,692,202 ناخب، فقد أدلى بأصواتهم 12,061,266، أو 95,03 % من العدد الإجمالي للناخبين، وكانت أعلى نسبة للمشاركة الفعلية في التصويت بولايتي نمنغان وجيزاك وبلغت 98,10 %، وأقلها في العاصمة طشقند وبلغت 88,75 % ونعتقد أن أسباب انخفاض نسبة التصويت في العاصمة هو عودة الكثيرين من السكان المقيمين مؤقتاً فيها، كالطلاب مثلاً إلى مناطق سكنهم الأصلية في الولايات لدعم مرشحي معينين. ولكن الأهم من تلك الأرقام أنها تطلعنا على مدى وعي الناخب الأوزبكستاني لدوره الهام والحاسم في تحديد مصير الإصلاحات الجارية في الجمهورية من ناحية، وتمسكه بالخط الديمقراطي الذي قارب العقد الأول من عمره بقيادة الرئيس كريموف من جهة ثانية، وثقته بالدور المسؤول الذي يلعبه المشرعون في البرلمان من جهة ثالثة. وهو ما يؤكد حقيقتين هامتين هما: ارتفاع الوعي السياسي لدى المواطن الأوزبكستاني حيثما كان، في المدينة أم الريف، وشعوره وإدراكه للواجب الوطني والمسؤولية الانتخابية من خلال الإدلاء بصوته؛ ونجاح القوى السياسية المتنافسة في جذب وكسب تأييد وتعاطف الأغلبية المطلقة للناخبين وهو ما أوضحته النسبة العالية للمشاركة في التصويت، وأن تلك القوى موجودة فعلاً وتتنافس على الساحة الأوزبكستانية وتتمتع بتأييد واضح.
نتائج الانتخابات: وجاءت نتائج الانتخابات وفقاً للقوانين الانتخابية التي تفرض مشاركة أكثر من 50 % من الناخبين في التصويت، حيث ظهر نتيجة لفرز الأصوات فوز أحد المرشحين المتنافسين في 184 دائرة انتخابية مركزية، نشرت الصحف المركزية الأوزبكستانية أسماءهم بالكامل يوم إعلان النتائج. وفاز بنتيجتها مرشحي مجالس الإدارة المحلية بـ 98 مقعداً، وحزب الشعب الديمقراطي بـ 32، تلاهما الحزب القومي الديمقراطي، والمستقلون، والحزب الاجتماعي الديمقراطي، وحزب "وطن ترقياتي"، وجاء أخيراً الحزب الديمقراطي الذي حصل على ستة مقاعد فقط في البرلمان، وهذا يشير إلى دخول كل القوى السياسية الشرعية التي شاركت في الانتخابات في أوزبكستان إلى البرلمان الثاني، ويشير لتفوق مرشحي مجالس الإدارة المحلية على جميع المنافسين لهم، وفوزهم بأكثرية المقاعد، يليهم بفارق كبير حزب الشعب الديمقراطي. إضافة لدخول 11 امرأة المعترك السياسي البرلماني بعد فوزهن بمقاعد في البرلمان الجديد.
كما وأظهرت النتائج فشل أحد المرشحين المتنافسين في 66 دائرة انتخابية مركزية بالفوز بالمقعد المخصص لدائرته الانتخابية في البرلمان. وهذا الرقم بحد ذاته إشارة لمدى المنافسة الشديدة التي جرت بجو من الديمقراطية التي يعززها القانون. وهو ما تطلب وفقاً لقانون الانتخابات إعادة الانتخاب في تلك الدوائر بين المرشحين الاثنين الذين فازا بأكثرية أصوات الناخبين، حتى يقرر الناخب فوز أحدهم بأكثر من نصف الأصوات المطلوبة للفوز بالمقعد البرلماني.
الانتخابات التكميلية: وجرت الانتخابات التكميلية بين المتنافسين الاثنين الذين فازا بأكثرية الأصوات في الدورة الانتخابية الأولى للانتخابات، في الموعد الذي حددته اللجنة المركزية للانتخابات وهو يوم 19/12/1999. في كافة تلك الدوائر الانتخابية الـ 66، التي شهدت أشد التنافس بين المرشحين في جميع الولايات وعددها 14 ولاية، لشغل المقاعد الـ 66 الشاغرة بنتيجة الانتخابات الأولية.
وكان واضحاً أن التنافس الشديد شمل كافة المناطق الجغرافية في الجمهورية، مما دعى لمشاركة أكثر من ثلاثة ملايين ناخب في الجولة الانتخابية الثانية، أي ربع عدد الناخبين المسجلين في الجمهورية تقريباً. وأسفرت النتائج التي أعلنت، شغل 65 مقعداً من مقاعد البرلمان الثاني، وبقاء مقعد واحد شاغر، لعدم فوز أي من المرشحين بالعدد المطلوب من الأصوات للفوز به خلال الجولة الثانية، ووفقاً لقانون الانتخابات تحدد اللجنة المركزية للانتخابات موعد إجراء الانتخابية التكميلية لملئ المقاعد الشاغرة من بين مرشحين جدد لم يسبق وشاركوا في الجولتين السابقتين للانتخابات في الدائرة الانتخابية الشاغر مقعدها في البرلمان. وبذلك أصبح توزع مقاعد البرلمان الأوزبكستاني، بين القوى السياسية على الشكل التالي: مجالس الإدارة المحلية بـ 44و17 % من المقاعد، يليهم حزب الشعب الديمقراطي 19,27 %، فالحزب القومي الديمقراطي 13,65 %، فحزب "وطن ترقياتي" 8,03 %، فالمستقلين 6,42 %، فالحزب الاجتماعي الديمقراطي 4,41 %، وأخيراً الحزب الديمقراطي 4,01 %.
وتوضح لنا تلك الأرقام عدم تمتع أي من القوى السياسية الممثلة في البرلمان بالأكثرية المطلقة المؤثرة داخل البرلمان، وتظهر مدى شفافية ميزان القوى داخل البرلمان الذي سينعكس على المساومات السياسية التي لابد وأن تجري بين تلك القوى، أثناء التشاور والتصويت على مختلف مشاريع القوانين التي تقدم للبرلمان، وتحقيق ما وعدت به تلك القوى السياسية ناخبيها في برامجها الانتخابية، التي خاضت على أساسها الحملة الانتخابية الحرة والديمقراطية التي شهدتها أوزبكستان للمرة الأولى في تاريخها المعاصر مبنية على أسس قانونية واضحة خلافاً للانتخابات السابقة.
واكتساب القوى السياسية المشاركة في الانتخابات لخبرات لا بأس بها في التعامل مع الناخب، ولكن رغم ذلك يجب الإشارة هنا إلى أن معظم البرامج الانتخابية التي نشرتها وسائل الإعلام المحلية كانت متطابقة تقريباً في تأييدها للخط الذي رسمه الرئيس إسلام كريموف منذ بداية الاستقلال وحتى اليوم، والفارق الوحيد كان في رغبة كل من تلك القوى السياسية في تولي المسؤولية لإتباع طرق أمثل لتحقيق أهداف ذلك الخط. أي عدم وجود خلافات جوهرية بين القوى والأحزاب السياسية حول خط الإصلاحات الجارية، وأنها تؤيده بالكامل. وكأن تلك الأحزاب خاضت الانتخابات كجبهة متحدة غير معلنة تبشر بمرحلة جديدة من الاستقرار السياسي في أوزبكستان، لمدة خمس سنوات قادمة على الأقل، وتبشر باستمرار خطوات الإصلاح الاقتصادي والسياسي التي بدأت منذ باكورة الاستقلال.
ومن مؤشرات الاستقرار تلك، نتائج التصويت السري لأعضاء البرلمان الثاني بدورته الأولى والتي أدت إلى احتفاظ إيركين خليلوف برئاسة البرلمان الأوزبكستاني للمرة الثانية على التوالي.
ولكن الاتفاق والاستقرار السياسي لا يعني عدم قيام تحالفات جديدة داخل البرلمان الجديد، وهو ما حصل فعلاً وأدى إلى قيام تحالفات وتكتلات داخل البرلمان الجديد. أدت واحدة منها إلى الاندماج الكامل بين حزب "وطن ترقياتي" والحزب القومي الديمقراطي "فيدوكورلار". ويضم الحزب الجديد الذي احتفظ باسم (الحزب القومي الديمقراطي" فيدوكورلار") في صفوفه أكثر من 14 ألف عضو، وانتخب الحزب الجديد أ. تورسونوف رئيس المجلس السياسي المركزي لحزب "وطن ترقياتي"، سكرتيراً أولاً للجنة المركزية للحزب الجديد.
ونتيجة لهذا الدمج أصبحت الكتلة البرلمانية للحزب الجديد داخل البرلمان مؤلفة من 54 عضواً، أو 21,68 % من الأصوات داخل البرلمان، لتمثل القوة الثانية بين الكتل البرلمانية بعد كتلة مجالس الإدارة المحلية.
ورغم مساواة المرأة مع الرجل في حق الترشيح والانتخاب، جاءت نسبة تمثيل المرأة في البرلمان 6,9 % من أصل 14,01 % بين المرشحات، موزعين على أربع من القوى السياسية السبعة الممثلة في البرلمان، لتظهر موقف الناخب الأوزبكستاني من ترشيح المرأة وميله للرجال كممثلين له في البرلمان، أي أن المرأة الناخبة نفسها تميل لانتخاب ممثليها من بين الرجال، وهي إشارة واضحة لميول ونظرة المجتمع الأوزبكستاني المحافظ من دخول المرأة المعترك السياسي والتمثيل البرلماني.
ومن بين ممثلي 16 قومية وردت أسماءهم في قوائم المرشحين، لم يصل منهم لعضوية البرلمان سوى النصف. وهم الأوزبك وكانت نسبتهم الساحقة من بين الفائزين بعضوية البرلمان 90,76 %، والروس 3,21 %، والقره قلباق 2,81 %، والقازاق 1,2 %، والطاجيك 0,8 %، بينما حصل الأوكران والأرمن والكوريين بمقعد واحد لكل منهم أو 0,4 %.
كما وأوضحت نتائج الانتخابات ميل الناخب الأوزبكستاني الواضح والصريح للشريحة المثقفة التي تحمل مؤهلات تعليمية عالية، حيث لم يختار الناخبون أي مرشح من مستوى التعليم قبل الجامعي، وأعتقد أن السبب يكمن في تركيبة المجتمع الأوزبكستاني نفسه الذي تنعدم فيه الأمية تماماً، ويتمتع بنسبة تعليم ثانوي عالية مقارنة بدول العالم الأخرى، تصل إلى 98 % بين الذكور، و 96 % بين الإناث.
لماذا الاستفتاء الأخير: وقد أوضحت نتائج الانتخابات للبرلمان الحالي في جمهورية أوزبكستان متانة واستقرار وتماسك المجتمع داخلياً، وتكامل ووضوح القاعدة القانونية التي أصبحت تستند عليها عملية اختيار ممثلي الشعب في عالي مجلس (البرلمان)، وهي الصورة التي لم تكن واضحة بشكل كامل في الانتخابات السابقة، رغم ظهور أصوات معارضة بعد إعلان النتائج لمشاركة مرشحي أجهزة الإدارة المحلية التي تتمتع بالسلطة والشعبية في دوائرها الانتخابية وتدعو إلى ضرورة تطوير قانون الانتخابات بالشكل الذي يعزز خطوات بناء المجتمع الديمقراطي البرلماني في أوزبكستان ويضمن فرص تمثيل أكثر واقعية لكل القوى السياسية ويضمن عدم وصول أي من القائمين في السلطة التنفيذية إلى السلطة التشريعية المنتخبة. وهو الجدل الذي شارك فيه الجميع خلال الفترة الماضية حتى رئيس الجمهورية وحسم في النهاية بالتوصل خلال دورة الانعقاد العادية للبرلمان الأوزبكستاني الأخيرة إلى صيغة تعدل الدستور، وأقر عرضها على الاستفتاء العام وفق المادة التاسعة من الدستور لإقرارها بحيث تصبح مدة ولاية رئيس الجمهورية سبعة سنوات بدلاً عن خمسة، وتشكيل البرلمان من مجلسين أعلى تمثل فيه السلطة التنفيذية وتنتقل إليه بعض سلطات رئيس الجمهورية حسب اقتراح الرئيس كريموف، ويكون حلقة الوصل بينه وبين السلطة التشريعية في المجلس الأدنى دائم الانعقاد لنواب الشعب الذين ينظرون في مشاريع القوانين ويقرونها.
وجرى الاستفتاء الشعبي في موعده المحدد 27/1/2002 بمشاركة 132 مراقباً من 30 دولة من بينها مصر، وشارك في التصويت 91,58% من الناخبين المسجلين في القوائم حسبما جاء في بيان اللجنة المركزية للانتخابات في الجمهورية، والذي جاء فيه أيضاً أن 91,78% من الأصوات وافقت على تعديل الدستور بحيث تصبح ولاية رئيس الجمهورية سبع سنوات بدلاً عن خمسة، وأن 93,65% من الأصوات أيدت أن تتم الانتخابات البرلمانية القادمة على أساس انتخاب مجلسين بدلاً عن مجلس واحد كما هي الحال اليوم، وهو المجلس الذي سيبقى على عاتقه مهمة إعداد مشاريع القوانين التي سيتم بموجبها وضع الأسس القانونية لمهام وطريقة اختيار أعضاء المجلسين قبل الانتخابات البرلمانية القادمة.
وهكذا أثبتت أوزبكستان مرة أخرى أنها قوية ومستقرة، وأنها تعزز من موقعها كعامل استقرار هام وضروري للمحافظة على الأمن والهدوء والاستقرار في منطقة آسيا المركزية برمتها. وأظهرت أن الرئيس إسلام كريموف بالفعل يتمتع بتأييد واسع من القوى السياسية الشرعية ومن مختلف فئات المواطنين في أوزبكستان، وأنه نجح في تجنيب أوزبكستان خطر النزاعات العرقية والدينية التي حاولت وتحاول قوى خارجية إثارتها منذ استقلال الجمهورية قبل عشر سنوات وحتى اليوم.
وأوضحت نتائج الانتخابات، والاستفتاء الشعبي الأخير كذلك أن التأييد الكبير الذي حظي به الرئيس الحالي جاء تأكيداً من الناخب الأوزبكستاني على تأييده للخط الذي يتبعه الرئيس كريموف على الأصعدة الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والداخلية، والخارجية.
وأعتقد أنه آن الأوان لإعادة النظر بالسياسات التي تتبعها بعض الدول العربية والإسلامية بشكل ثنائي بينها وبين أوزبكستان، وبشكل جماعي من خلال جامعة الدول العربية، والاتحاد البرلماني العربي، ومجلس التعاون الخليجي، واتحاد المغرب العربي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها من المنظمات الإقليمية والدولية، وتفعيل التعاون البرلماني الثنائي لتعزيز العلاقات الودية مع أوزبكستان، وزيادة الاستثمارات الاقتصادية المشتركة في المجالات الصناعية والزراعية والتصنيع الزراعي والطاقة واستثمار الثروات الطبيعية وتصنيعها، لتوفير المزيد من فرص العمل للعاطلين عن العمل في الجمهورية، وفتح المزيد من الخطوط الجوية والبرية المباشرة وربط شبكات النقل بالسكك الحديدية التي تربط العواصم العربية والإسلامية بطشقند، ودول آسيا المركزية الأخرى، لأن أوزبكستان كغيرها من جمهوريات آسيا المركزية لا تملك منافذ على البحار المفتوحة. وإتاحة الفرصة أمام السياسة الخارجية الأوزبكستانية للتحرك من خلال بدائل تمكنها من صياغة سياسة خارجية أكثر انفتاحاً وتماسكاً وتكاملاً مع العالمين العربي والإسلامي مما هي عليه اليوم.
وآن الأوان للدول العربية والإسلامية التي لم تبادر بعد لإقامة علاقات دبلوماسية مع أوزبكستان، أن تعيد النظر بسياستها الخارجية حيال أوزبكستان، وأن تحذو حذو المملكة العربية السعودية، ومصر، والأردن، وفلسطين، والجزائر، والكويت، وتركيا، وباكستان، وماليزيا، وبنغلادش، وإندونيسيا، وإيران، التي أقامت سفارات مقيمة لها في طشقند، لتعزيز فرص التعاون الأمني والاقتصادي والتجاري والمالي والسياسي والعلمي والتشاور لما فيه مصلحة الطرفين وخير الأمتين العربية والإسلامية.
وأعتقد أن تلك الفرص تبدأ بخلق الأجواء الطبيعية للاستثمارات المشتركة التي تبدأ من توقيع الاتفاقيات الثنائية والجماعية في مجال تشجيع وحماية الاستثمار، والاتفاقيات الاقتصادية التي تحدد مجالات الاستثمار اللازم للتنمية الصناعية والزراعية التي تدخل في خطط التنمية الحكومية لكلا الطرفين وتكفل خلق فرص عمل جديدة لمن يحتاجها، واتفاقيات التبادل التجاري من ضمن القوائم التي تحدد السلع والمواد الخام ونصف المصنعة التي يمكن تبادلها بأفضلية عن غيرها من السلع لتحقيق التكامل الإنتاجي، والاتفاقيات المالية التي تمنع الازدواج الضريبي، وتضمن تمويل المشروعات المشتركة، وفتح فروع للمصارف الوطنية لكلا الجانبين لضمان تدفق الأموال، وانتقال رؤوس الأموال دون عوائق. وتشجيع التعاون الثنائي والجماعي المباشر بين الغرف التجارية والصناعية والزراعية، وأخيراً فإني أعتقد أن التعاون والاستثمار المشترك الذي لا يعتمد على دراسات علمية واقعية مصيره الفشل، وهنا تبرز الحاجة للتعاون في المجالات العلمية بين مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي لدى الطرفين، للقيام بالأبحاث والدراسات المشتركة والضرورية لدفع وتوسيع أطر التعاون المشترك في الاتجاه المطلوب والمنتظر.
طشقند في 2/2/2002

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق