نظرة
لفرص الاستثمار في أوزبكستان بين الواقع والآفاق
كتبها
أ.د. محمد البخاري: مستشار رئيس جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية في
العلاقات الدولية. في طشقند عام 2003
تتمتع
أوزبكستان بثروات طبيعية كبيرة، وهو ما تؤكده اكتشافات أنواع كثيرة من المعادن في
أراضيها، إذ تتحدث بعض المصادر عن أنه قد تم فعلاً حتى اليوم اكتشاف أكثر من 2500
موقع يحوي على أكثر من 100 معدن خام، يستخرج من بعضها ويستثمر صناعياً أكثر من 60
معدناً. ومن بين المواقع التي تم اكتشافها أكثر من 900 موقع تقدر قيمة المعادن
الخام المختزنة في باطنها بأكثر من 970 مليار دولار أمريكي، من القيمة الإجمالية
للثروة الطبيعية في الجمهورية المقدرة بأكثر من 3,3 ترليون دولار أمريكي.
ومن
الثروات الاستراتيجية الهامة في أوزبكستان النفط والغاز الطبيعي الذي تم حتى
الآونة الأخيرة اكتشاف حوالي 155 موقع في أماكن متفرقة من الأراضي الأوزبكستانية،
ومن المعادن الثمينة أكثر من 40 موقعاً، ومن المعادن النادرة والمشعة ومن بينها
اليورانيوم 40 موقعاً، ومن الخامات الكيميائية 15 موقعاً. تمت كلها بجهود كوادر
علمية وتقنية وطنية خالصة، ودخل بعضها حيز الاستثمار الفعلي. ومن بينها مواقع غنية
بالمعادن الملونة والمشعة والنادرة، إضافة لكل أنواع مصادر الطاقة كالنفط والغاز
والفحم الحجري. وهو ما سمح للخبراء الاقتصاديين المحليين بتقدير مدى المستقبل
الواعد الذي ينتظر أوزبكستان على المدى القريب، لو تم توظيف الاستثمارات المحلية
ومشاركة المستثمرين الأجانب، بالشكل الذي يضمن المصالح المشتركة للمستثمرين،
ومستقبل تطور الاقتصاد الوطني الأوزبكستاني بشكل عام.
إذ
تقدر قيمة الثروات الطبيعية التي تستخرج سنوياً من باطن الأرض الأوزبكستانية بـ
5,5 مليار دولار أمريكي (حسب المصادر الأوزبكستانية)، وهو ما شجع الدولة على
التوسع في عمليات التنقيب والاستكشاف واكتشافات المزيد منها، لزيادة احتياطي
الثروات الوطنية التي تكفل لهذه الدولة الفتية الوصول إلى مستقبل أفضل. ومن بين
الثروات الطبيعية الهامة والمكتشفة في أوزبكستان حتى اليوم الذهب، والفضة،
واليورانيوم، والتيتان، والمنغنيز، والنحاس، والزنك، والسترونتيوم، والولفرام،
والملح القلوي، والفوسفوريت، والكاولين.
ويشغل
احتياطي الذهب وحده في أوزبكستان اليوم المركز الرابع في العالم، والمركز السابع
من حيث الاستخراج. وفي احتياطي النحاس تشغل المركز 10، واحتياطي اليورانيوم المركز
7. ووفقاً لنتائج أعمال التنقيب الجارية ضمن الأراضي الأوزبكستانية، وتقديرات
الخبراء يوجد في باطن الأرض الأوزبكستانية كميات كبيرة من النفط والغاز والفحم
الحجري، وتشير تلك التقديرات إلى أن حوالي 60 % من أراضي الجمهورية صالحة لإنتاجهما.
ويوجد احتياطي من الغاز يقدر بـ 2 ترليون متر مكعب، ومن الفحم الحجري أكثر من 2
مليار طن، إضافة لأكثر من 160 موقع منتج للنفط.
ويمكننا
هنا على سبيل المثال لا الحصر، ذكر خمسة مناطق رئيسية لإنتاج النفط والغاز في
أوزبكستان، وهي: مناطق أوستي يورط، وبخارى، وخيوة، وجنوب غرب غيسارة،
وسورخانداريا، وفرغانة. حيث تبلغ قيمة احتياطي النفط والغاز حسب التقديرات الحالية
للخبراء بأكثر من ترليون دولار أمريكي. وتعتبر آبار شورتان ومبارك من أكبر المواقع
المنتجة للغاز الطبيعي في الجمهورية بالمقارنة مع آبار جنوب غرب غيسارة وبخارى وخيوة.
ويحتوي الغاز المنتج في الجمهورية على "الإيتان" و"البر وبان"
و"البوتان"، وغيرها من عناصر الغاز الطبيعي، الصالحة لإنتاج
"البولومير"، و"البولي إيتلين" و"البوليوي
نيلخلوريد" وغيرها من منتجات الصناعات البتروكيماوية. وبالإضافة إلى غاز
"البر وبان" ينتج المجمع الكيميائي في شرتان حمض "نيتريل
أكريل" الصالح لإنتاج خيوط "النيترون".
ونرى
من الخطاب السياسي للقادة الأوزبكستانيين بعد الاستقلال تركيزهم على أهمية اشتراك
رؤوس أموال أجنبية في مجال استثمار ثروات باطن الأرض، سعياً منهم للخروج من الفترة
الانتقالية لما بعد الاستقلال الذي تحقق لأوزبكستان عام 1991، وتحقيق استقرار
اقتصادي يساعدها على تحمل أعباء التنمية الشاملة في البلاد. وهو ما أشار إليه رئيس
الجمهورية إسلام كريموف في كتابه "أوزبكستان على طريق تعميق الإصلاحات
الاقتصادية"الصادر في طشقند عام 1995 بقوله: "أن أوزبكستان تتبع سياسة
الأبواب المفتوحة مع أولئك المستثمرين الأجانب الذين يقدمون للجمهورية التكنولوجيا
المتقدمة بمستوى عالمي، ويساهمون في بناء البنية الحديثة للاقتصاد الوطني".
ولم يخف القادة الأوزبكستانيون في أكثر من مناسبة تطلعهم لتحقيق تعاون استثماري
فعال مع كافة دول العالم، ومن بينها الدول العربية، وطبعاً في طليعة تلك الدول
مجموعة الدول العربية الخليجية، تلك العلاقات التي لم تزل حتى الآن بطيئة جداً،
ولم تأخذ دورها الفعال والمطلوب في تعزز استقلال وسيادة أوزبكستان، ولم تتح
البدائل المطلوبة للحكومة الأوزبكستانية لتحقيق سياسة خارجية متوازنة تضمن المصالح
المشتركة ومصالحها الوطنية، وتعزز من العلاقات العربية الأوزبكستانية.
ويلاحظ
المراقبون أن الحكومة الأوزبكستانية قد ترجمت رغبتها تلك بإرساء قاعدة قانونية
آخذة بالتكامل وملائمة لمشاركة المستثمرين الأجانب ومن بينهم المستثمرين العرب، في
استثمار وتطوير استخراج وتصنيع الثروات الطبيعية بهدف النهوض بالاقتصاد الوطني
الذي لم يزل حتى اليوم يعاني من آثار المرحلة الانتقالية بعد الاستقلال عن الاتحاد
السوفييتي السابق.
وفي
ما يتعلق بمستقبل الاستثمارات المشتركة في مجال إنتاج وتصنيع الذهب في أوزبكستان،
أود أن أشير إلى حقيقة هامة ومعروفة للجميع، في أن سوق الذهب في الدول الخليجية
العربية تتمتع بفرادة خاصة من بين الأسواق العالمية الأخرى للذهب، ويمكن أن تعتبر
من الأسواق الهامة لتسويق الذهب المكتشف والمستثمر ولو جزئياً في أوزبكستان. فمن
المعروف أن أوزبكستان كانت في التسعينات تشغل المركز الرابع في إنتاج واحتياطي
الذهب في العالم كما سبق وأشرت، وكان إنتاجها السنوي منه يبلغ 70 طناً. وكانت
أوزبكستان خلال سنوات السلطة السوفييتية تنتج ثلث الذهب المنتج في الاتحاد
السوفييتي السابق، وبعد الاستقلال استطاعت المحافظة على مركزها بين دول رابطة
الدول المستقلة، بل وشغلت المركز الثاني بعد جمهورية روسيا الاتحادية في إنتاج
الذهب، التي استناداً لصحيفة ترود الروسية الصادرة يوم 27/2/1996 استخرجت 130 طناً
من الذهب عام 1995.
والتحدث
عن الاستثمار في مجال إنتاج الذهب لا يعني ولا يجب أن يفسر بأنه دعوة لغض النظر عن
الاستثمار في إنتاج وتصنيع المعادن الأخرى المتوافرة في أوزبكستان، والتي يمكن أن
تكون مجالاً رحباً أيضاً للاستثمارات المالية الخليجية العربية، إضافة للخبرات
العلمية والتقنية للكوادر الوطنية الأوزبكستانية لو أضيفت إليها التكنولوجيا
المتقدمة في دول العالم المختلفة، خاصة وأن القواعد القانونية الملائمة لضمان
مشاركة المستثمرين الأجانب في الاستثمارات وتطوير الاقتصاد الوطني الأوزبكستاني
آخذة بالتكامل يوماً بعد يوم.
وعند
الحديث عن الثروات الباطنية من المعادن الثمينة كالذهب والفضة وغيرها، نرى أن
الاستثمارات العربية لم تزل حتى الآن بعيدة عنها، بدليل أن شركة "زر فشان
نيومونت" الأوزبكستانية-الأمريكية، وشركة "لو نرو" البريطانية،
كانتا الشركتين الاستثماريتين شبه الوحيدتين المستثمرتين في مجال استثمار واستخراج
وتصنيع الذهب في جمهورية أوزبكستان، إلى أن دخلت حلبة الاستثمار شركة "أمان
تاي تاو غولد فيلدس" الأوزبكستانية - البريطانية المشتركة لاستخراج وتصنيع
المواد الخام الحاوية على معدن الذهب.
ففي
ولاية نوائي وسط أوزبكستان أحدثت مؤخراً شركة "أمان تاي تاو غولد فيلدس"
الأوزبكستانية - البريطانية المشتركة لاستخراج وتصنيع الخامات الحاوية على معدن
الذهب. والتي شارك في تأسيسها كلا من: مؤسسة الجيولوجيا الحكومية الأوزبكستانية،
وشركة استخراج وتصنيع المعادن بولاية نوائي، وشركة "أو كسوس ريسورسيز
كاربريشين" البريطانية، بحصص متساوية.
وأشارت
معطيات الدراسات التقنية والاقتصادية للمشروع الجديد، إلى أن تنفيذه سيتم على
مرحلتين يتم خلال المرحلة الأولى منه بناء منشآت لمعالجة المواد الخام بطاقة
إنتاجية تبلغ مليون طن سنوياً، وتشمل بناء وإعداد وتجهيز مناجم الاستخراج ومعامل
التكرير بالمعدات اللازمة للعمل. وقدر الخبراء الكلفة الإجمالية للمرحلة الأولي بـ
45 مليون دولار أمريكي منها 5,8 مليون دولار لبناء منشآت البنية التحتية للمشروع
التي يتوقع الانتهاء منها خلال العام الحالي، ويتم في نفس الوقت توريد المعدات
والتكنولوجيا اللازمة للمشروع حسب تصريح الجانب الأوزبكستاني.
وفي
المرحلة الثانية سيتم بناء الأنفاق في مناجم استخراج المواد الخام، ومصنع تكرير
مادة "أوبورني سول فيد" التي لا تملك أوزبكستان حالياً التقنية اللازمة
لمعالجتها، وتشمل فصل مادتي "سول فيد" - و "مشياك" ومعالجتهما
والحد من أخطارهما الضارة، عن طريق التخمر البيولوجي المستخدم عالمياً وهي الطريقة
الجديدة التي تتبع حالياً في أوزبكستان وأعطت نتائج العمل التي تمت في المخابر
الأوزبكستانية نتائج ملموسة وجيدة لها.
كما
وأشارت الدراسات الأولية إلى أن المشروع يحتاج لإنفاق حوالي 170 مليون دولار
تستثمر في شراء المعدات التكنولوجية الحديثة، وإعداد الكوادر البشرية اللازمة
للمشروع، وتقدر بنحو 600 متخصص وطني، إلى جانب 10 خبراء أجانب يستمرون في عملهم
بعد اكتمال المشروع ودخوله مرحلة الاستثمار القصوى المخططة. واستناداً لتصريحات
الجانب الأوزبكستاني، فإن شركة "أو كسوس ريسورسيز كاربريشين" ستقوم
بتمويل المرحلة الأولى للمشروع، إضافة للقروض الممنوحة من البنوك الممولة، دون أي
إسهام مالي من الجانب الأوزبكستاني. ويتم استرداد الأموال المستثمرة في المشروع من
قيمة الذهب المستخرج لاحقاً. بينما يتم تمويل المرحلة الثانية من المشروع وتطويره
من الأرباح المحققة بعد بدء الإنتاج الفعلي للمشروع.
وأعتقد
هنا أن للمستثمرين العرب الراغبين بالمشاركة بمثل تلك المشاريع فوائد استثمارية من
خلال توظيف أموالهم فيها، أو بمنح القروض الميسرة التي تدعم وتعزز من موقف الجانب
الأوزبكستاني في المشروع وتقلل من تكاليفه. خاصة وأن الجانب الأوزبكستاني يتوقع أن
يحصل على دخل قدره 200 مليون دولار أمريكي من الضرائب وعائدات حصته خلال السنوات
العشر المقررة للمشروع. ومن المقدر أن يستمر المشروع بعد انتهاء العشر سنوات
الأولى، على ضوء النتائج الفعلية المحققة والاحتياطي المتوفر من المواد الخام، والأعمال
الاستكشافية التي تقوم بها كوادر الجانب الأوزبكستاني وترافق المشروع لمدة عشرة أو
عشرين سنة قادمة.
وكانت
شركة "نيومونت مايننغ" إحدى كبريات شركات استخراج الذهب في العالم، قد
استخرجت 152 طناً من الذهب خلال عام 2000، محققة ربحاً قدره 1,6 مليار دولار أمريكي
من استثماراتها الموزعة في العالم، قد بدأت استثماراتها في أوزبكستان عام 1995،
عندما اشتركت في إنشاء شركة "زر فشان نيومونت" الأوزبكستانية –
الأمريكية المشتركة، التي استخرجت حتى عام 2000 حسب تصريح رونالد كمبري رئيس مجلس
إدارة شركة "نيومونت مايننغ" للتلفزيون الأوزبكستاني في شباط/فبراير
الماضي، 350 طناً من الذهب قسمت عائداتها بالتساوي مابين الشريكين الأوزبكستاني
والأمريكي. وهو ما يعني تجاوز إنتاج الذهب الأوزبكستاني لمعدل السبعين طناً
السنوية كما كان في السابق، إذا أخذنا بعين الاعتبار إنتاج الشركات الأخرى العاملة
في هذا المجال في أوزبكستان. ورغم تراجع أعمال البحث والتنقيب في العالم بسبب
انخفاض أسعار الذهب العالمية في السنوات الأخيرة، توقع كمبري أن لا يؤثر ذلك على
علاقات شركته مع أوزبكستان، وتوقع أن تستمر أعمال البحث والتنقيب والإنتاج، على
ضوء التوقعات بحدوث تحسن في أسعار الذهب خلال السنوات القادمة.
وقد
ترددت أنباء بعد استقبال إسلام كريموف رئيس جمهورية أوزبكستان لرولاند كمبري رئيس
مجلس إدارة شركة "نيومونت مايننغ"، و واين ميروي المدير العام التنفيذي
للشركة، عن أن مشروع جديد لاستخراج الذهب سيبدأ في منطقة أنغرين الغنية بالمعادن
شرق العاصمة الأوزبكستانية، يقدم له بنك التعمير والتنمية الأوروبي قرضاً قيمته
500 مليون دولار أمريكي.
والدرس
المستفاد من شراكة البنوك العالمية كشريك غير متضامن في المشاريع الاستثمارية في
أوزبكستان وغيرها من دول العالم، هو الحصول على أرباح مضمونة بكفالة حكومية، من
خلال الفوائد المستحقة على القروض الممنوحة، دون التعرض لأي مسؤولية أو تبعية أو
خطورة من أخطار الاستثمار والإنتاج والتسويق. وهو الدرس الذي على ما أعتقد أنه
مفيد للمستثمرين العرب، الراغبين في تحقيق أرباح مضمونة، وتزيد من خلالها إمكانيات
التعاون والاعتماد المتبادل بين أوزبكستان والدول العربية في معادلات العلاقات
الاقتصادية والسياسية والأمنية الدولية المعقدة في عصر العولمة والانفتاح
الاقتصادي الذي نعيشه في القرن الحادي والعشرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق