حضارات اليوم هي نتاج الفكر الإنساني على مر العصور
حوار أجراه أ. د. محمد البخاري: مع المستعرب الكبير الأستاذ الدكتور نعمة الله إبراهيموف: عضو المجلس الأعلى (البرلمان) في جمهورية أوزبكستان، وعضو أكاديمية العلوم الأوزبكستانية، ورئيس معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، ورئيس المجلس الأوزبكستاني لجمعيات الصداقة والعلاقات الثقافية والتربوية مع الدول الأجنبية، ورئيس جمعية الصداقة الأوزبكستانية المصرية. في طشقند بتاريخ 29/5/2002.
س – كثر الحديث مؤخراً في وسائل الإعلام عن ضرورة تفعيل الحوار الثقافي والحضاري بين شعوب العالم، فما هي نظرتكم من ذلك ؟
ج – اسمح لي أن أقول تعميق الحوار بين الثقافات والحضارات، وليس تفعيل، لأن الحوار بين المثقفين في العالم في رأيي قائم وفاعل منذ الأزل. ولا يقف هذا الحوار عند حدود استعادة صور التفاعل الحضاري في التاريخ، بل يتصدى للاهتمام بالموضوعات الحيوية والجوهرية التي تشغل الإنسانية اليوم، وتؤرق ضميرها. من خلال تعميق البحث عن آليات جديدة وحلول للقضايا المستجدة في مواجهة الأمة الإسلامية استناداً لمبدأ الاحترام المتبادل بين الحضارات والثقافات، والحوار الموضوعي النزيه والهادف، لمد الجسور بين الحضارات والثقافات، والاعتراف بالتنوع الحضاري، والخصوصيات الثقافية لكل شعب، والتي هي من حقوق الإنسان، وتشكل مصدراً للإبداع العلمي والمعرفي، وتحمل مبادئ الحق والعدل والإنصاف، وتعزز مساعي المجتمع الدولي لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام والتعايش الثقافي والحضاري بين مختلف شعوب العالم ضمن إطار التعددية التي جاءت في الإسلام متكاملة على أسس واضحة في قوله تعالى من سورة الحجرات: {وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا.} (صدق الله العظيم)، خاصة وأن حضارتنا الإسلامية كانت السباقة في تقديرها للإنسان الذي اصطفاه الله تعالى على سائر المخلوقات.
س – تقديرها للإنسان ! ماذا تقصدون بذلك ؟
ج – أقصد أن حضارتنا الإسلامية كانت السباقة في تقديرها لوقار الإنسان. فقد اصطفى الله عز وجل الإنسان على سائر المخلوقات، وجعله خليفة في الأرض. وجعل الله الإسلام للناس جميعاً، على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم. خاصة وأن التعددية في الإسلام هي نظرية متكاملة لها أسس ونتائج. من قوله تعالى في سورة الحجرات: {يا أيها الناس! إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.} (صدق الله العظيم) وإن الثقافة الأساسية للإنسان المسلم تقوم على احترامه لإنسانيته، وتقديره لأخيه الإنسان، ومساواة الناس أمام الله عزل وجل، حيث لا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى.
س – طالما طرحتم موضوع التعددية، فما هي برأيكم النظرة من التعددية في أوزبكستان ؟ وهل لها علاقة بالموقف من حوار الحضارات والثقافات ؟
ج – أعتقد أن الكثير يوافقني بأن نظرتنا في أوزبكستان من التعددية تنطلق من استلهام روح الحضارة الإسلامية وجوهرها الحافلين بقيم الحوار والتسامح والأخوة، ونستهدف إثبات الحضور الإسلامي الحضاري والثقافي والعلمي المتميز على الساحة الدولية، ونسعى من خلال ذلك إلى جعل الحوار بين الحضارات والثقافات وسيلة فعالة لمحاربة الإرهاب بكل صوره وأشكاله وأساليبه، باقتلاع جذوره، والبحث عن أسبابه لمعالجتها، ودراسة طبيعة التحديات الثقافية المعاصرة ليكون الحوار الحضاري والثقافي دليلاً على النضج الفكري الذي أدركته البشرية، ومسؤولية إنسانية مشتركة يتحملها صانعو القرار والنخب الفكرية والثقافية بإرساء قواعد تنظم طبيعة العلاقات الاجتماعية، وهذه المنطلقات جاءت بأبعادها القانونية والثقافية في دستور جمهورية أوزبكستان: على أن المنظمات والهيئات الدينية مفصولة عن الدولة ومتساوية أمام القانون وأن الدولة لا تتدخل في شؤون الهيئات الدينية. وفي القانون الذي أقر عام 1991 حول "حرية الضمير والمنظمات الدينية" الذي غير دور المنظمات الدينية ووضعها القانوني تغييراً جذرياً، ومنح المواطنين وفقاً للقانون الحق في اعتناق دينهم وأداء شعائرهم الدينية ومناسك الحج فردياً وجماعياً. وأعيد للمنظمات الدينية حق الملكية، مثل امتلاك المنشآت والمشاريع الاجتماعية والإنتاجية والخيرية والأموال المنقولة وغير المنقولة، كما ومنحت الإدارة الدينية الحق في التمثيل القانوني للمسلمين الذين يشكلون الأكثرية الساحقة في أوزبكستان.
س - ما رأيكم من الحملة الإعلامية التي تشنها بعض وسائل الإعلام المعروفة ضد الإسلام والمسلمين ؟
ج – نعم، تتعرض سمعة المسلمين اليوم لأشد الحملات ضراوة في التاريخ الحديث، خاصة بعد الأعمال الإرهابية التي جرت في الولايات المتحدة الأمريكية في 11/9/2001، وراح ضحيتها المئات من الأبرياء. ورافقت بداية الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية. وصار ومع الأسف الشديد مجرد ذكر كلمة الإرهاب يخلق عند البعض تصوراً وكأنه ذو منشأ إسلامي وفعل يقوم به المسلمون، وهذا خطأ. وهذه الظاهرة الخطيرة تحتاج لمواجهة عملية منا بالعمل المستنير الدؤوب، والحوار الحضاري والثقافي الفعال مع ممثلي الأديان الأخرى، إذ لا يمكن لحضارتنا الإسلامية، التي تدعو للسلم والتسامح واحترام الإنسان والدفاع عن كرامته وحقوقه، أن يكون أبناؤها أدوات لقتل الأبرياء والعزل والمدنيين. كما حدث مثلاً في أوزبكستان عام 1999 وعام 2000 من أعمال تسلل عبر الحدود الدولية، وأفعال إرهابية راح ضحيتها عشرات الأبرياء، قام بها بعض المتسللين المتسترين بالدين الإسلامي الحنيف والدين منهم براء.
س – كيف تتصورون موقف الإسلام من الإرهاب ومحاربته ؟
ج – إن موقف الإسلام من الإرهاب واضح لا لبس فيه ولا غموض، ومن المؤلم أن العالم لا يدرك أن الإرهاب يقتل من المسلمين أكثر مما يقتل من غيرهم. ولهذا فنحن مطالبون اليوم جميعاً بالعمل على تقديم الصورة الأزهى والأجمل والأصدق عن الإسلام والمسلمين. وهذا يقتضي منا جميعاً أن نتبنى مواقف جماعية في مختلف منابر العالم لبناء أنظمة إنسانية وبيئية واقتصادية وتجارية معتمدة على التعددية، لتكون هذه الأنظمة محققة لآمالنا في شتى مناحي الحياة، وفي علاقات الدول والحضارات والأديان مع بعضها البعض. لأن الحكم على أي نظام اجتماعي يجب أن يكون من خلال تناوله لمسائل التنوع والتعددية. ذلك لأن التنوع والتعددية هما القاعدة في المجتمعات البشرية، إذ قال تعالى في سورة هود من كتابه الكريم {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين.} (صدق الله العظيم) فالفوارق والاختلافات بين البشر هي بإرادة الله تعالى، بل إن التنوع من آيات خلقه، إذ قال في سورة الروم: {ومن آياته خلق السماوات والأرض، واختلاف ألسنتكم وألوانكم. إن في ذلك لآيات للعالمين.} (صدق الله العظيم).
ومن هنا كان التعايش والتفاعل المثمر مع التنوع والتباين من القيم الأساسية في العقائد والمعتقدات، فالإسلام لا يقبل الإكراه في الدين، في قوله تعالى من سورة يونس: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ؟}، وفي سورة الكافرون: {قل: يا أيها الكافرون ! لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم ولي دين.} (صدق الله العظيم) وانطلاقاً من هذه المبادئ السامية، التي تأمرنا بها التعاليم الإسلامية الحنيفة. وتأمرنا بالتسامح المتبادل والتعايش مع المجتمعات البشرية. فمن واجبنا أن نفهم الآخر بكل ما في قلوبنا: بالمحبة والموضوعية والعدل والإنصاف، وكأننا نضع أنفسنا مكانه على الدوام، فالفهم يسبق التفاهم. وليس الإرهاب.
س – هناك محاولات واضحة من البعض لإلصاق تهمة الإرهاب لشعب مسلم معين، ما رأيكم بذلك ؟
ج – نعم، سمعت مثل تلك الدعوات عبر بعض وسائل الإعلام. وأعتبر هذا تحدياً جدياً آخر ظهر في الآونة الأخيرة، ينال من وحدة الصف الإسلامية، وتتطلب منا جميعاً جهداً خاصاً كبيراً. إذ يعمد البعض وهم يحاولون شق صفوف الأمة الإسلامية، إلى تصنيف المسلمين بين عرب وعجم، وهدفهم الوحيد النيل من جوامع الإسلام وتماسك أمته. ولهذا علينا أن نرسل للعالم أجمع رسالة جلية تؤكد نبذنا نحن المسلمون للإرهاب وإدانتنا له، بكل صدق وصراحة، بصرف النظر عن أشكاله وأدواته ووسائله. ونحن قادرون على ذلك، لأننا أصحاب النموذج الرائد والرائع، وأصحاب التاريخ المجيد والتجربة الإنسانية الغنية.
س – اسمحوا لي أن أعود مرة أخرى أن أعود لموضوع التعددية الدينية في أوزبكستان، بطرح السؤال عن علاقة الدين بالدولة في الواقع ؟
ج – في أيار (مايو) 1998 أقر عالي مجلس (البرلمان) نصاً جديداً لقانون "حرية الاعتقاد والمنظمات الدينية"، وجاء التأكيد فيه على أن المنظمات الدينية يمكن أن يرأسها كقاعدة مواطنون من جمهورية أوزبكستان سبق وحصلوا على تعليم ديني خاص، وهذا ينطبق على جميع الأديان دون استثناء.
وإيماناً من فخامة الرئيس إسلام كريموف، بالدور الإيجابي للأديان في حياة المجتمع، نرى أن الدولة بتشجيع منه تصون الدين وتمنحه حرية الدعوة، بينما يوفر رجال الدين للدولة فرصة العمل على تصريف شؤون البلاد في ظل من الوئام الوطني والاستقرار، فلا أحد يفرض رأيه على أحد، والجميع يعملون في ظل دستور البلاد وقوانينها الصادرة بالطرق الديمقراطية والملزمة للجميع. وأعتقد أن هذا واضح لكل من زار أوزبكستان.
س – ما موقف الدولة اليوم من الآثار الإسلامية الكثيرة التي ظلت مهملة لأكثر من سبعة عقود من الحكم السوفييتي السابق في أوزبكستان ؟
ج – قامت الدولة بدعم من الأوساط الاجتماعية والعلمية في أوزبكستان ومنذ استقلالها وحتى اليوم بترميم العديد من المواقع الأثرية الحضارية والأوابد الإسلامية، والمناطق الأثرية التي تشهد على عظمة الحضارة الإسلامية، فتم على سبيل المثال ترميم الآثار المعمارية الإسلامية التالية:
في ولاية بخارى: ضريح إسماعيل الساماني، وبرج منارة ومسجد "كالان"، وجامع مغاق عطاري، وبرج وابكنت، وجامع "نمازكاه" (القرن الثاني عشر الميلادي)، وضريح تشاشمة أيوب، وضريح بويان قولي خان (القرن الرابع عشر الميلادي)، ومدرسة أولوغ بيك، وضريح عبد الخالق غجدواني، ومجمع تشار بكر (القرن الخامس عشر)، ومجمع بهاء الدين نقشبندي، ومدرسة "مير عرب"، ومجمع قوش مدرسة، وجامع بالاند، وجامع حجة زين الدين (القرن السادس عشر)، وزاوية نادر ديوان بيكي، ومدرسة عبد العزيز خان (القرن السابع عشر).
وفي ولاية سمرقند: مجمع شاهي زيندة، وجامع بيبي خانم، وضريح روح آباد (القرن الرابع عشر الميلادي)، وضريح غوري أمير، ومجمع حجه أحرار الولي، ومدرسة ألوغ بيك، ومرصد ألوغ بيك (القرن الخامس عشر)، وضريح مخدوم أعظم (القرن السادس عشر)، ومجمع حجة عبده بيرون، ومدرسة شير دار، ومدرسة تيلا قاري (القرن السابع عشر)، وجامع حضرة الخضر (القرن الثامن عشر)، ومجمع الإمام البخاري الذي جدد بأمر شخصي من فخامة رئيس الجمهورية إسلام كريموف عام 1998، وضريح الإمام الماتردي الذي جدد أيضاً بأمر من فخامة رئيس الجمهورية عام 2000.
وفي ولاية طشقند: ضريح الشيخ زين الدين بابا (القرن الثالث عشر الميلادي)، وضريح الشيخ هاوند طهور، ومجمع زنجي آته (القرن الرابع عشر الميلادي)، وضريح أنبر بيبي (القرن الخامس عشر الميلادي)، وضريح يونس خان، وضريح محمد قفال شاشي، ومدرسة براق خان، ومدرسة كوكلداش (القرن السادس عشر)، وضريح حجة علم بردار (القرن التاسع عشر).
وفي ولاية سرخانداريا: مجمع الحكيم الترمذي (القرن العاشر الميلادي)، ومجمع السلطان سعادت (القرن الحادي عشر الميلادي)، وضريح أبي عيسى الترمذي وبرج جار قورغان (القرن الثاني عشر الميلادي).
وفي ولاية نوائي: ضريح مير سيد بهرام (القرن الحادي عشر الميلادي).
وفي ولاية قشقه داريا: قصر آق ساراي، وضريح حضرة إمام، وضريح الشيخ شمس الدين قولال، ومجمع حجة جراح، ومجمع حسام آته (القرن الرابع عشر الميلادي)، ومجمع "جومبازي سيدان"، ومجمع لان غار آته (القرن الخامس عشر الميلادي).
وفي جمهورية قره قلباقستان: ضريح نارن جان بابا (القرن الرابع عشر)، وضريح السلطان عويس بابا (القرن السابع عشر).
وفي ولاية خوارزم: ضريح يوسف الهمداني (القرن الثاني عشر الميلادي)، ضريح الشيخ مختار الولي (القرن الثالث عشر الميلادي)، وضريح السيد علاء الدين (القرن الرابع عشر الميلادي)، ومسجد الجمعة. ومدرسة شير غازي خان، وضريح بهلوان محمود (القرن الثامن عشر)، ومدرسة الله قولي، ومدرسة محمد أمين خان، ومدرسة محمد رحيم خان (القرن التاسع عشر)، ومدرسة إسلام حجة (مطلع القرن العشرين).
وفي ولاية نمنغان: ضريح حجة أمين (القرن الثامن عشر)، وضريح ملا بزار أخوند - ملا قرغيز (مطلع القرن العشرين). وكما ترون فإن أعمال الصيانة والتجديد شملت كل مناطق الجمهورية دون استثناء وفي هذا دلائل كثيرة أليس كذلك ؟
س – نعم، ولكن هل توقفت الجهود على الآثار المعمارية دون سواها، أم شملت الآثار الإسلامية المخطوطة التي تشتهر بها أوزبكستان ؟
ج – الاهتمام الكبير والرعاية التي تحظى بها الآثار الإسلامية العريقة في أوزبكستان شملت أيضاً المخطوطات الإسلامية النادرة المحفوظة في الجمهورية. وهي التي تحدث عنها الكثيرون ومن بينها النسخة الأصلية الوحيدة في العالم لمصحف عثمان بن عفان (رض) الذي يعتبر مصدر فخر واعتزاز للشعب الأوزبكستاني، والنسخة المخطوطة النادرة للقرآن الكريم (القرن الثامن الميلادي)، ونسخة القرآن الكريم، وجامع الصحيح للإمام البخاري (القرن التاسع الميلادي)، وكتاب غريب الحديث، وتأويلات أهل السنة للإمام أبي منصور الماتردي (القرن العاشر الميلادي)، و"ظهيره خوارزم شاهي" في الطب تأليف زين الدين أبو إبراهيم إسماعيل بن حسن بن محمد بن أحمد الحسيني، والكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ومقدمة في الأدب للعلامة محمود الزمخشري (القرن الثاني عشر)، وكتاب التفهيم لأوائل صناعة التنجيم لأبي ريحان البيروني، والهداية لأبي الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني الرشتاني المرغناني (القرن الثالث عشر الميلادي)، والمسند (القرن الرابع عشر الميلادي)، وكتاب المصابيح، وسنن أبي داود، والفوائد الضيائية، و"شيباني نامة" (القرن الخامس عشر الميلادي)، و"زيج كوراغاني" لألوغ بيك، وكتاب سر الأسرار لأبي بكر الرازي، وتاريخ أبي الخير خاني لمسعود بن عثمان الكوهستاني، وروضة الرضوان وحديقة الغلمان لبحر الدين الكشميري بن عبد السلام الحسيني بن سيد إبراهيم، و"ظفر نامة" لشرف الدين على يزدي، وفتاوى قاضي خان للإمام فخر الدين حسن بن منصور، ومشكاة المصابيح لأبي مسعود (القرن السادس عشر)، والقانون في الطب لابن سينا، وشرح الملخص في الهيئة لمحمود بن محمد بن التشاغميني الخوارزمي (القرن السابع عشر)، ولسان الطير، ومحبوب القلوب لعلي شير نوائي (القرن الثامن عشر)، وديوان علي شير نوائي، دلائل الخيرات، وتاريخ الطبري (القرن التاسع عشر).
وهذا غيض من فيض تحدث عنه بالتفصيل الكتاب المصور "الآثار الإسلامية في أوزبكستان"، الذي صدر مؤخراً عن دار النشر "أوزبكستان" في العاصمة الأوزبكستانية طشقند، باللغات الأوزبكية والإنكليزية والعربية. وتضمن صوراً ملونة للأوابد الإسلامية الرائعة في جمهورية أوزبكستان، ضمن 264 صفحة من القياس الكبير، وبطباعة فاخرة.
س – ما الغاية من إصداره، وهل يأتي ضمن خطة علمية معينة ؟
ج - الغرض منه، ومن غيره من الأعمال العلمية الكثيرة التي صدرت منذ الاستقلال وحتى اليوم هو تعريف العالم من ضمن الحوار الثقافي والحضاري القائم، على الأوابد الإسلامية التي نعتز بها في بلدنا. وتضمن هذا الكتاب مثلاُ مقدمة وخمسة فصول تناول المؤلفون في كل منها مرحلة من مراحل التطور التاريخي الذي عاشته منطقة ما وراء النهر، وكان لي شرف المشاركة في هيئة التحرير التي ضمت شخصيات علمية بارزة في الجمهورية، ومن بينهم مستعربون كبار أمثال: البروفيسور حميد الله كراماتوف نائب الوزير الأول ورئيس جامعة طشقند الحكومية الإسلامية، والدكتور زهر الدين حسن الدينوف مستشار رئيس الجمهورية، والبروفيسور أحد حسانوف المستشار بمكتب رئيس الجمهورية، والمتخصص بعلم الآثار البروفيسور رتفيلادزه، وآخرون.
وهذا دليل آخر لصدق السياسة التي تتبعها الحكومة الأوزبكستانية بقيادة فخامة رئيس الجمهورية إسلام كريموف الذي كان إصدار الكتاب بمبادرة منه في الذكرى العاشرة لاستقلال أوزبكستان، وهو الذي يؤكد دائماً على: "أننا نعتز بأن الدين الإسلامي هو دين آبائنا، وبأنه الأساس لإيماننا ولمعنوياتنا ولديانتنا ولمعارفنا. وملخصاً لما عاشه شعبنا خلال تاريخه الممتد عبر آلاف السنين، ولحياته الروحية اليوم. واعتناقنا لديننا وتمسكنا بديانتنا يمكننا أن نقول بأننا بالله نحيا وبالله نموت وبذكر الله تطمئن قلوبنا. لأن اعتناق الدين والتمسك به بالنسبة لنا هو قيمة لا تفنى".
س – إذا سمحتم نعود مرة أخرى لموضوع التعدد والحوار الديني القائم في أوزبكستان. فهل لكم تسليط بعض الضوء عليه ؟
ج – معروف أن أكثر من 82 % من سكان الجمهورية من المسلمين السنة على المذهب الحنفي. ونحن وبتشجيع من فخامة الرئيس إسلام كريموف نشارك جميعاً في تطوير وتشجيع الحوار بين أتباع مختلف الطوائف والأديان لقناعتنا بأن غياب الحوار واللقاء يولد سوء الفهم والخلاف بدلاً من التفاهم والوئام، منطلقين من تعاليم ديننا الحنيف الذي علمنا لغة الحوار وقواعده وآدابه. بقوله تعالى: {جادلهم بالتي هي أحسن} (صدق الله العظيم).
وكانت أوزبكستان على امتداد القرون ملتقى وأرضاً خصبة لتعايش مختلف الأديان التي حملت معها مختلف الثقافات. وعن التسامح الديني في جمهورية أوزبكستان، أورد لكم ما ذكره تقرير مكتب الأمم المتحدة UNDP عن التطور الإنساني في أوزبكستان عام 1999 من أرقام تتحدث عن عدد المنظمات الدينية المسجلة والعاملة في الجمهورية والبالغة 1671 منها 1555 إسلامية، و8 بهائية، و8 يهودية والبقية مراكز مسيحية منها 26 للكنيسة الروسية الأرثوذكسية، و44 للكنيسة البروتستانتية الكورية. بالإضافة إلى 10 مؤسسات تعليمية إسلامية تأسس 8 منها بعد الاستقلال، ويدرس فيها 994 طالباً، ويعمل فيها 169 مدرساً منهم 78 يحملون مؤهلات تعليم عالية، ومؤسسة تعليمية مسيحية واحدة تأسست عام 1998، تابعة للكنيسة الروسية الأرثوذكسية يدرس فيها 13 طالباً، ويعمل فيها 13 مدرساً يحملون جميعاً مؤهلات تعليم عالية أيضاً.
وعن الموقع الإسلامي الهام لجمهورية أوزبكستان يتحدث التقرير نفسه فيذكر المقدسات الإسلامية الـ 160، والأكثر من 2000 مسجد الموزعة في أنحاء مختلفة من الجمهورية. وعن أداء فريضة الحج أكثر من 30000 حاج مسلم، والعمرة أكثر من 50000 مسلم حتى الآن. إضافة إلى أداء مناسك فريضة الحج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة سنوياً من أوزبكستان أكثر من 4000 حاج وحاجة، والعمرة أكثر من 4000 مسلم ومسلمة.
كما ويحق لنا أن نفخر بأنه يسود بين مختلف الطوائف والأديان السماوية في أوزبكستان الوفاق والسلام اللذان تحرص عليهما الدولة بتوجيه من فخامة الرئيس إسلام كريموف. ومن الأمثلة الكثيرة التي تتحدث عن ذلك الوفاق والتفاهم، مؤتمر الحوار الإسلامي المسيحي الذي عقد في طشقند عام 1995 تحت شعار "لنتعايش تحت سماء واحدة"، وشارك فيه ممثلون عن الهيئات الدينية الإسلامية والمسيحية في العالم. والمؤتمر الدولي "أديان العالم على طريق ثقافة السلام" الذي عقد في طشقند عام 2000، وشارك فيه ممثلون عن مختلف الأديان. والاحتفالات التي جرت في أوزبكستان عام 1996 بمناسبة مرور 125 عاماً على تأسيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في طشقند. والاحتفال بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس الكنيسة اللوثرية الإنجيلية في طشقند وهي الوحيدة في آسيا المركزية.
وافتتاح كنيسة الروم الكاثوليك في سمرقند عام 1999. إلى جانب المؤتمرات والاحتفالات الكبيرة التي تقام برعاية الدولة وتشجيعها لإحياء ذكرى أئمة الإسلام وعلماء المسلمين، وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: الإمام البخاري، والإمام الترمذي، والإمام الزمخشري، وأحمد الفرغاني، والعلامة بهاء الدين نقشبندي، وبرهان الدين المرغناني، وأبو منصور الماتردي والكثيرين غيرهم.
لأننا نؤمن بأن مسؤوليتنا نحن المسلمين تتطلب منا جميعاً أن نأخذ زمام المبادرة في إقامة الحوار الحضاري والثقافي وتواصله مع مختلف شعوب العالم، ودياناته، وتجمعاته، وثقافاته. فعندنا الكثير الذي نغني به النماذج الإنسانية والثقافية والاقتصادية والبيئية والصحية على المستوى الدولي. منطلقين من قوله تعالى {ادع إلى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن.} (صدق الله العظيم).
س – ذكرتم في معرض ردكم التعليم الديني، فما هي المؤسسات التعليمية الإسلامية القائمة في أوزبكستان اليوم ؟
ج –إلى جانب أقسام تعليم اللغة العربية والدين الإسلامي في مؤسسات التعليم العالي والمتوسط ومرحلة التعليم قبل الجامعي في أوزبكستان هناك في طشقند أيضاً قسم للدراسات الإسلامية في معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، والمركز الدولي للأبحاث الإسلامية الذي تأسس عام 1995، والجامعة الإسلامية التي تأسست بمرسوم من فخامة رئيس الجمهورية إسلام كريموف وافتتحت أبوابها للدراسة عام 1999. وكل ذلك يأتي من ضمن إطار الجهود المبذولة للحفاظ على التراث الخالد لأجداد الشعب الأوزبكي المسلمين العظام، وإحيائه ودراسته وتحليله وتعريف شعوب العالم عليه، ودراسة خبرات المؤسسات التعليمية الدينية العالية في الدول الأخرى، وإقامة العلاقات معها، وإعداد الكوادر الدينية المؤهلة عالية الكفاءة وتوفير الظروف المناسبة لها. وتضم الجامعة الإسلامية في طشقند التي تتوسع بشكل دائم كليتان هما كلية التاريخ والفلسفة الإسلامية، وكلية الفقه والاقتصاد والعلوم الطبيعية.
س – من يقوم على تصريف شؤون المسلمين في أوزبكستان ؟
ج – تقوم على تصريف الشؤون الدينية للمسلمين في أوزبكستان الإدارة الدينية للمسلمين التي يرأسها سماحة المفتي، وتقوم أيضاً بتنسيق أعمال جميع المساجد، وتتبع لها مدرسة "مير عرب" الدينية الإسلامية بمدينة بخارى التي تأسست عام 1945، ومعهد الإمام البخاري الإسلامي العالي بمدينة طشقند الذي تأسس عام 1971، ودار "ما وراء النهر" للطباعة والنشر، التي تصدر مجلة "هدايت" وصحيفة "إسلام نوري". وتشرف الإدارة الدينية على أكثر من 2000 مسجد موزعة في أنحاء مختلفة من الجمهورية. وتشرف على تنظيم شؤون أداء فريضة الحج.
س – كلمة أخيرة عن حوار الحضارات والثقافات.
ج – أكرر إننا نحن في أوزبكستان نؤمن بأن مسؤوليتنا كمسلمين تتطلب منا جميعاً أن نأخذ زمام المبادرة في إقامة الحوار وتواصله مع مختلف شعوب العالم، ودياناته، وتجمعاته، وثقافاته. فعندنا الكثير الذي يمكن أن نغني به النماذج الإنسانية والثقافية والاقتصادية والبيئية والصحية على المستوى الدولي.
وما أحوجنا اليوم إلى بلورة فكر إسلامي وسطي راشد ينهل من مآثر الحضارة الإسلامية، ويعظم الجوامع مع الحضارات الأخرى، وينهل منها ما يناسب البيئة المسلمة والمسلمين. فحضارات اليوم هي نتاج الفكر الإنساني على مر العصور، منذ بزوغ فجر الإنسانية من جدنا آدم عليه السلام، وتتابعت حضارات الأمم عبر الدهور فيما يشبه سباق التتابع، الذي تسلم فيه كل أمة الراية لأمة أخرى، مضيفة إلى بنيانها الحضاري، لتسلمه بدورها إلى أمة أخرى تمضي بها وهكذا.
وما أحوجنا اليوم إلى الفكر الديني الوسط، لنبني عليه مجتمعاتنا التي تعتمد على القيم التي تغني ثقافتنا الإسلامية، وتدفع بها إلى مفهوم ثقافة المشاركة والعطاء التي تمليها متطلبات العصر، ثقافة احترام حقوق الإنسان، وتعميم مبدأ مشاركة الفرد في شؤون مجتمعه، وضمان مسيرة التنمية والنمو الاقتصادي، وعدالة التوزيع. الثقافة التي تشجع على الاستثمار من أجل التنمية التي تعزز المناخ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في البلاد الإسلامية كلها. وهي الثقافة التي نسعى إليها في أوزبكستان ضمن الإصلاحات الكبيرة، التي نسعى إليها أو التي تحققت بقيادة فخامة الرئيس إسلام كريموف وفقه الله لما فيه خير أبناء وطنه وأوطان المسلمين جميعاً.
وأختتم بقوله تعالى من سورة آل عمران {واعتصموا بحبل الله جميعاً، ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم، إذ كنتم أعداء، فألف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته إخوانا.} (صدق الله العظيم).
نبذة عن حياة الأستاذ الدكتور نعمة الله إبراهيموف
ولد الأستاذ الدكتور نعمة الله إبراهيموف بمدينة مرغيلان بوادي فرغانة عام 1945. ومن عام 1965 وحتى عام 1971 أنهى تعليمة في قسم اللغة العربية بكلية اللغات الشرقية في جامعة طشقند الحكومية. وخلال الفترة من عام 1971 وحتى عام 1975 طالب دراسات عليا بمعهد الاستشراق بأكاديمية العلوم السوفييتية بموسكو حصل بنتيجتها على درجة دكتوراه الفلسفة في اللغة والأدب. وخلال الفترة من عام 1975 وحتى عام 1991 تدرج في العمل بجامعة طشقند الحكومية من مدرس لغة عربية إلى رئيس قسم اللغة العربية إلى عميد كلية اللغات الشرقية. وخلالها حصل عام 1984 على درجة الدكتوراه في العلوم اللغوية والأدبية. ومن عام 1991 وحتى الآن هو رئيس معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية. له أكثر من 250 كتاباً ومقالة وبحث علمي منشور في تاريخ آسيا المركزية، وثقافة وآداب المشرق العربي، وعلم المخطوطات. وركزت أبحاثه العلمية على دراسة المراجع الأصلية باللغة العربية، ومنها: "ابن بطوطة ورحلاته في آسيا المركزية"، و"الروايات الشعبية العربية"، و"الأدب العربي للفترة المتأخرة من القرون الوسطى"، و"قواعد اللغة العربية". وشارك مع كبار العلماء والمستعربين الأوزبك في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأوزبكية، الذي صدر مصحوباً بالنص الأصلي باللغة العربية وبالرسم العثماني، مع ترجمة المعاني في الحواشي في طشقند عام 2002. وتم تحت إشرافه العلمي ترجمة الأجزاء الأربعة لصحيح الإمام البخاري، من اللغة العربية إلى اللغة الأوزبكية. وصدر العديد من كتبه ودراساته ومقالاته باللغات الأوزبكية والعربية والروسية والإنجليزية في طشقند، وموسكو، وبيروت، والقاهرة، ولندن. وتقديراً لأعماله في مجال الدراسات العربية حصل في عام 1990 على لقب الجدارة العلمية بجمهورية أوزبكستان. وفي عام 1994 انتخب عضواً مراسلاً، وفي عام 2000 انتخب عضواً عاملاً في أكاديمية العلوم بجمهورية أوزبكستان. واستحق عن كتابه "السير الشعبية العربية" الصادر باللغة العربية في بيروت، جائزة الإمام البخاري الدولية الكويتية. وفي عام 1995 انتخب عضواً في عالي مجلس (البرلمان) بجمهورية أوزبكستان، وأعيد انتخابه عام 1999 مرة ثانية لعضوية عالي مجلس، ويرأس فيه اللجنة المتخصصة لاسترداد الآثار التاريخية والأدبية التي تعتبر ثروة ثقافية للشعب الأوزبكي من الخارج. وكانت له خلال المدة من عام 1995 وحتى عام 1999 إسهامات كبيرة في تطوير الصلات البرلمانية الأوزبكستانية مع الدول الأجنبية وخاصة العربية. وخلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة زار الأستاذ نعمة الله إبراهيموف كلاُ من الولايات المتحدة الأمريكية، ومصر، واليابان، والصين، وكوريا الجنوبية، والجزائر، وسوريا، والكويت، والبحرين، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، وعمان، وهولندا، وبلغاريا، وفرنسا، وألمانيا وغيرها من دول العالم، وأسهم من خلالها في تدعيم العلاقات الثقافية والعلمية والدبلوماسية مع جمهورية أوزبكستان. ومنح الأستاذ الدكتور نعمة الله إبراهيموف درجة الدكتوراه الفخرية من بعض أقدم الجامعات في العالم ومن بينها جامعة "سين كيول فان" في العاصمة الكورية الجنوبية، ومنح لقب السفير الفخري "لبريفيكتوري فوكوسيما" في أوزبكستان. وفي عام 1996 أصبح الأستاذ الدكتور نعمة الله إبراهيموف عضواً عاملاً في أكاديمية العلوم والتعليم والصناعة والفنون في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 1997 أنتخب الأستاذ الدكتور نعمة الله إبراهيموف رئيساً لجمعية الصداقة الأوزبكستانية المصرية. وفي عام 2001 أنتخب الأستاذ الدكتور نعمة الله إبراهيموف رئيساً للمجلس الأوزبكستاني لجمعيات الصداقة والعلاقات الثقافية والتربوية مع الدول الأجنبية.
حوار أجراه أ. د. محمد البخاري: مع المستعرب الكبير الأستاذ الدكتور نعمة الله إبراهيموف: عضو المجلس الأعلى (البرلمان) في جمهورية أوزبكستان، وعضو أكاديمية العلوم الأوزبكستانية، ورئيس معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، ورئيس المجلس الأوزبكستاني لجمعيات الصداقة والعلاقات الثقافية والتربوية مع الدول الأجنبية، ورئيس جمعية الصداقة الأوزبكستانية المصرية. في طشقند بتاريخ 29/5/2002.
س – كثر الحديث مؤخراً في وسائل الإعلام عن ضرورة تفعيل الحوار الثقافي والحضاري بين شعوب العالم، فما هي نظرتكم من ذلك ؟
ج – اسمح لي أن أقول تعميق الحوار بين الثقافات والحضارات، وليس تفعيل، لأن الحوار بين المثقفين في العالم في رأيي قائم وفاعل منذ الأزل. ولا يقف هذا الحوار عند حدود استعادة صور التفاعل الحضاري في التاريخ، بل يتصدى للاهتمام بالموضوعات الحيوية والجوهرية التي تشغل الإنسانية اليوم، وتؤرق ضميرها. من خلال تعميق البحث عن آليات جديدة وحلول للقضايا المستجدة في مواجهة الأمة الإسلامية استناداً لمبدأ الاحترام المتبادل بين الحضارات والثقافات، والحوار الموضوعي النزيه والهادف، لمد الجسور بين الحضارات والثقافات، والاعتراف بالتنوع الحضاري، والخصوصيات الثقافية لكل شعب، والتي هي من حقوق الإنسان، وتشكل مصدراً للإبداع العلمي والمعرفي، وتحمل مبادئ الحق والعدل والإنصاف، وتعزز مساعي المجتمع الدولي لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام والتعايش الثقافي والحضاري بين مختلف شعوب العالم ضمن إطار التعددية التي جاءت في الإسلام متكاملة على أسس واضحة في قوله تعالى من سورة الحجرات: {وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا.} (صدق الله العظيم)، خاصة وأن حضارتنا الإسلامية كانت السباقة في تقديرها للإنسان الذي اصطفاه الله تعالى على سائر المخلوقات.
س – تقديرها للإنسان ! ماذا تقصدون بذلك ؟
ج – أقصد أن حضارتنا الإسلامية كانت السباقة في تقديرها لوقار الإنسان. فقد اصطفى الله عز وجل الإنسان على سائر المخلوقات، وجعله خليفة في الأرض. وجعل الله الإسلام للناس جميعاً، على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم. خاصة وأن التعددية في الإسلام هي نظرية متكاملة لها أسس ونتائج. من قوله تعالى في سورة الحجرات: {يا أيها الناس! إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم.} (صدق الله العظيم) وإن الثقافة الأساسية للإنسان المسلم تقوم على احترامه لإنسانيته، وتقديره لأخيه الإنسان، ومساواة الناس أمام الله عزل وجل، حيث لا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى.
س – طالما طرحتم موضوع التعددية، فما هي برأيكم النظرة من التعددية في أوزبكستان ؟ وهل لها علاقة بالموقف من حوار الحضارات والثقافات ؟
ج – أعتقد أن الكثير يوافقني بأن نظرتنا في أوزبكستان من التعددية تنطلق من استلهام روح الحضارة الإسلامية وجوهرها الحافلين بقيم الحوار والتسامح والأخوة، ونستهدف إثبات الحضور الإسلامي الحضاري والثقافي والعلمي المتميز على الساحة الدولية، ونسعى من خلال ذلك إلى جعل الحوار بين الحضارات والثقافات وسيلة فعالة لمحاربة الإرهاب بكل صوره وأشكاله وأساليبه، باقتلاع جذوره، والبحث عن أسبابه لمعالجتها، ودراسة طبيعة التحديات الثقافية المعاصرة ليكون الحوار الحضاري والثقافي دليلاً على النضج الفكري الذي أدركته البشرية، ومسؤولية إنسانية مشتركة يتحملها صانعو القرار والنخب الفكرية والثقافية بإرساء قواعد تنظم طبيعة العلاقات الاجتماعية، وهذه المنطلقات جاءت بأبعادها القانونية والثقافية في دستور جمهورية أوزبكستان: على أن المنظمات والهيئات الدينية مفصولة عن الدولة ومتساوية أمام القانون وأن الدولة لا تتدخل في شؤون الهيئات الدينية. وفي القانون الذي أقر عام 1991 حول "حرية الضمير والمنظمات الدينية" الذي غير دور المنظمات الدينية ووضعها القانوني تغييراً جذرياً، ومنح المواطنين وفقاً للقانون الحق في اعتناق دينهم وأداء شعائرهم الدينية ومناسك الحج فردياً وجماعياً. وأعيد للمنظمات الدينية حق الملكية، مثل امتلاك المنشآت والمشاريع الاجتماعية والإنتاجية والخيرية والأموال المنقولة وغير المنقولة، كما ومنحت الإدارة الدينية الحق في التمثيل القانوني للمسلمين الذين يشكلون الأكثرية الساحقة في أوزبكستان.
س - ما رأيكم من الحملة الإعلامية التي تشنها بعض وسائل الإعلام المعروفة ضد الإسلام والمسلمين ؟
ج – نعم، تتعرض سمعة المسلمين اليوم لأشد الحملات ضراوة في التاريخ الحديث، خاصة بعد الأعمال الإرهابية التي جرت في الولايات المتحدة الأمريكية في 11/9/2001، وراح ضحيتها المئات من الأبرياء. ورافقت بداية الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية. وصار ومع الأسف الشديد مجرد ذكر كلمة الإرهاب يخلق عند البعض تصوراً وكأنه ذو منشأ إسلامي وفعل يقوم به المسلمون، وهذا خطأ. وهذه الظاهرة الخطيرة تحتاج لمواجهة عملية منا بالعمل المستنير الدؤوب، والحوار الحضاري والثقافي الفعال مع ممثلي الأديان الأخرى، إذ لا يمكن لحضارتنا الإسلامية، التي تدعو للسلم والتسامح واحترام الإنسان والدفاع عن كرامته وحقوقه، أن يكون أبناؤها أدوات لقتل الأبرياء والعزل والمدنيين. كما حدث مثلاً في أوزبكستان عام 1999 وعام 2000 من أعمال تسلل عبر الحدود الدولية، وأفعال إرهابية راح ضحيتها عشرات الأبرياء، قام بها بعض المتسللين المتسترين بالدين الإسلامي الحنيف والدين منهم براء.
س – كيف تتصورون موقف الإسلام من الإرهاب ومحاربته ؟
ج – إن موقف الإسلام من الإرهاب واضح لا لبس فيه ولا غموض، ومن المؤلم أن العالم لا يدرك أن الإرهاب يقتل من المسلمين أكثر مما يقتل من غيرهم. ولهذا فنحن مطالبون اليوم جميعاً بالعمل على تقديم الصورة الأزهى والأجمل والأصدق عن الإسلام والمسلمين. وهذا يقتضي منا جميعاً أن نتبنى مواقف جماعية في مختلف منابر العالم لبناء أنظمة إنسانية وبيئية واقتصادية وتجارية معتمدة على التعددية، لتكون هذه الأنظمة محققة لآمالنا في شتى مناحي الحياة، وفي علاقات الدول والحضارات والأديان مع بعضها البعض. لأن الحكم على أي نظام اجتماعي يجب أن يكون من خلال تناوله لمسائل التنوع والتعددية. ذلك لأن التنوع والتعددية هما القاعدة في المجتمعات البشرية، إذ قال تعالى في سورة هود من كتابه الكريم {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين.} (صدق الله العظيم) فالفوارق والاختلافات بين البشر هي بإرادة الله تعالى، بل إن التنوع من آيات خلقه، إذ قال في سورة الروم: {ومن آياته خلق السماوات والأرض، واختلاف ألسنتكم وألوانكم. إن في ذلك لآيات للعالمين.} (صدق الله العظيم).
ومن هنا كان التعايش والتفاعل المثمر مع التنوع والتباين من القيم الأساسية في العقائد والمعتقدات، فالإسلام لا يقبل الإكراه في الدين، في قوله تعالى من سورة يونس: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ؟}، وفي سورة الكافرون: {قل: يا أيها الكافرون ! لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم ولي دين.} (صدق الله العظيم) وانطلاقاً من هذه المبادئ السامية، التي تأمرنا بها التعاليم الإسلامية الحنيفة. وتأمرنا بالتسامح المتبادل والتعايش مع المجتمعات البشرية. فمن واجبنا أن نفهم الآخر بكل ما في قلوبنا: بالمحبة والموضوعية والعدل والإنصاف، وكأننا نضع أنفسنا مكانه على الدوام، فالفهم يسبق التفاهم. وليس الإرهاب.
س – هناك محاولات واضحة من البعض لإلصاق تهمة الإرهاب لشعب مسلم معين، ما رأيكم بذلك ؟
ج – نعم، سمعت مثل تلك الدعوات عبر بعض وسائل الإعلام. وأعتبر هذا تحدياً جدياً آخر ظهر في الآونة الأخيرة، ينال من وحدة الصف الإسلامية، وتتطلب منا جميعاً جهداً خاصاً كبيراً. إذ يعمد البعض وهم يحاولون شق صفوف الأمة الإسلامية، إلى تصنيف المسلمين بين عرب وعجم، وهدفهم الوحيد النيل من جوامع الإسلام وتماسك أمته. ولهذا علينا أن نرسل للعالم أجمع رسالة جلية تؤكد نبذنا نحن المسلمون للإرهاب وإدانتنا له، بكل صدق وصراحة، بصرف النظر عن أشكاله وأدواته ووسائله. ونحن قادرون على ذلك، لأننا أصحاب النموذج الرائد والرائع، وأصحاب التاريخ المجيد والتجربة الإنسانية الغنية.
س – اسمحوا لي أن أعود مرة أخرى أن أعود لموضوع التعددية الدينية في أوزبكستان، بطرح السؤال عن علاقة الدين بالدولة في الواقع ؟
ج – في أيار (مايو) 1998 أقر عالي مجلس (البرلمان) نصاً جديداً لقانون "حرية الاعتقاد والمنظمات الدينية"، وجاء التأكيد فيه على أن المنظمات الدينية يمكن أن يرأسها كقاعدة مواطنون من جمهورية أوزبكستان سبق وحصلوا على تعليم ديني خاص، وهذا ينطبق على جميع الأديان دون استثناء.
وإيماناً من فخامة الرئيس إسلام كريموف، بالدور الإيجابي للأديان في حياة المجتمع، نرى أن الدولة بتشجيع منه تصون الدين وتمنحه حرية الدعوة، بينما يوفر رجال الدين للدولة فرصة العمل على تصريف شؤون البلاد في ظل من الوئام الوطني والاستقرار، فلا أحد يفرض رأيه على أحد، والجميع يعملون في ظل دستور البلاد وقوانينها الصادرة بالطرق الديمقراطية والملزمة للجميع. وأعتقد أن هذا واضح لكل من زار أوزبكستان.
س – ما موقف الدولة اليوم من الآثار الإسلامية الكثيرة التي ظلت مهملة لأكثر من سبعة عقود من الحكم السوفييتي السابق في أوزبكستان ؟
ج – قامت الدولة بدعم من الأوساط الاجتماعية والعلمية في أوزبكستان ومنذ استقلالها وحتى اليوم بترميم العديد من المواقع الأثرية الحضارية والأوابد الإسلامية، والمناطق الأثرية التي تشهد على عظمة الحضارة الإسلامية، فتم على سبيل المثال ترميم الآثار المعمارية الإسلامية التالية:
في ولاية بخارى: ضريح إسماعيل الساماني، وبرج منارة ومسجد "كالان"، وجامع مغاق عطاري، وبرج وابكنت، وجامع "نمازكاه" (القرن الثاني عشر الميلادي)، وضريح تشاشمة أيوب، وضريح بويان قولي خان (القرن الرابع عشر الميلادي)، ومدرسة أولوغ بيك، وضريح عبد الخالق غجدواني، ومجمع تشار بكر (القرن الخامس عشر)، ومجمع بهاء الدين نقشبندي، ومدرسة "مير عرب"، ومجمع قوش مدرسة، وجامع بالاند، وجامع حجة زين الدين (القرن السادس عشر)، وزاوية نادر ديوان بيكي، ومدرسة عبد العزيز خان (القرن السابع عشر).
وفي ولاية سمرقند: مجمع شاهي زيندة، وجامع بيبي خانم، وضريح روح آباد (القرن الرابع عشر الميلادي)، وضريح غوري أمير، ومجمع حجه أحرار الولي، ومدرسة ألوغ بيك، ومرصد ألوغ بيك (القرن الخامس عشر)، وضريح مخدوم أعظم (القرن السادس عشر)، ومجمع حجة عبده بيرون، ومدرسة شير دار، ومدرسة تيلا قاري (القرن السابع عشر)، وجامع حضرة الخضر (القرن الثامن عشر)، ومجمع الإمام البخاري الذي جدد بأمر شخصي من فخامة رئيس الجمهورية إسلام كريموف عام 1998، وضريح الإمام الماتردي الذي جدد أيضاً بأمر من فخامة رئيس الجمهورية عام 2000.
وفي ولاية طشقند: ضريح الشيخ زين الدين بابا (القرن الثالث عشر الميلادي)، وضريح الشيخ هاوند طهور، ومجمع زنجي آته (القرن الرابع عشر الميلادي)، وضريح أنبر بيبي (القرن الخامس عشر الميلادي)، وضريح يونس خان، وضريح محمد قفال شاشي، ومدرسة براق خان، ومدرسة كوكلداش (القرن السادس عشر)، وضريح حجة علم بردار (القرن التاسع عشر).
وفي ولاية سرخانداريا: مجمع الحكيم الترمذي (القرن العاشر الميلادي)، ومجمع السلطان سعادت (القرن الحادي عشر الميلادي)، وضريح أبي عيسى الترمذي وبرج جار قورغان (القرن الثاني عشر الميلادي).
وفي ولاية نوائي: ضريح مير سيد بهرام (القرن الحادي عشر الميلادي).
وفي ولاية قشقه داريا: قصر آق ساراي، وضريح حضرة إمام، وضريح الشيخ شمس الدين قولال، ومجمع حجة جراح، ومجمع حسام آته (القرن الرابع عشر الميلادي)، ومجمع "جومبازي سيدان"، ومجمع لان غار آته (القرن الخامس عشر الميلادي).
وفي جمهورية قره قلباقستان: ضريح نارن جان بابا (القرن الرابع عشر)، وضريح السلطان عويس بابا (القرن السابع عشر).
وفي ولاية خوارزم: ضريح يوسف الهمداني (القرن الثاني عشر الميلادي)، ضريح الشيخ مختار الولي (القرن الثالث عشر الميلادي)، وضريح السيد علاء الدين (القرن الرابع عشر الميلادي)، ومسجد الجمعة. ومدرسة شير غازي خان، وضريح بهلوان محمود (القرن الثامن عشر)، ومدرسة الله قولي، ومدرسة محمد أمين خان، ومدرسة محمد رحيم خان (القرن التاسع عشر)، ومدرسة إسلام حجة (مطلع القرن العشرين).
وفي ولاية نمنغان: ضريح حجة أمين (القرن الثامن عشر)، وضريح ملا بزار أخوند - ملا قرغيز (مطلع القرن العشرين). وكما ترون فإن أعمال الصيانة والتجديد شملت كل مناطق الجمهورية دون استثناء وفي هذا دلائل كثيرة أليس كذلك ؟
س – نعم، ولكن هل توقفت الجهود على الآثار المعمارية دون سواها، أم شملت الآثار الإسلامية المخطوطة التي تشتهر بها أوزبكستان ؟
ج – الاهتمام الكبير والرعاية التي تحظى بها الآثار الإسلامية العريقة في أوزبكستان شملت أيضاً المخطوطات الإسلامية النادرة المحفوظة في الجمهورية. وهي التي تحدث عنها الكثيرون ومن بينها النسخة الأصلية الوحيدة في العالم لمصحف عثمان بن عفان (رض) الذي يعتبر مصدر فخر واعتزاز للشعب الأوزبكستاني، والنسخة المخطوطة النادرة للقرآن الكريم (القرن الثامن الميلادي)، ونسخة القرآن الكريم، وجامع الصحيح للإمام البخاري (القرن التاسع الميلادي)، وكتاب غريب الحديث، وتأويلات أهل السنة للإمام أبي منصور الماتردي (القرن العاشر الميلادي)، و"ظهيره خوارزم شاهي" في الطب تأليف زين الدين أبو إبراهيم إسماعيل بن حسن بن محمد بن أحمد الحسيني، والكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، ومقدمة في الأدب للعلامة محمود الزمخشري (القرن الثاني عشر)، وكتاب التفهيم لأوائل صناعة التنجيم لأبي ريحان البيروني، والهداية لأبي الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني الرشتاني المرغناني (القرن الثالث عشر الميلادي)، والمسند (القرن الرابع عشر الميلادي)، وكتاب المصابيح، وسنن أبي داود، والفوائد الضيائية، و"شيباني نامة" (القرن الخامس عشر الميلادي)، و"زيج كوراغاني" لألوغ بيك، وكتاب سر الأسرار لأبي بكر الرازي، وتاريخ أبي الخير خاني لمسعود بن عثمان الكوهستاني، وروضة الرضوان وحديقة الغلمان لبحر الدين الكشميري بن عبد السلام الحسيني بن سيد إبراهيم، و"ظفر نامة" لشرف الدين على يزدي، وفتاوى قاضي خان للإمام فخر الدين حسن بن منصور، ومشكاة المصابيح لأبي مسعود (القرن السادس عشر)، والقانون في الطب لابن سينا، وشرح الملخص في الهيئة لمحمود بن محمد بن التشاغميني الخوارزمي (القرن السابع عشر)، ولسان الطير، ومحبوب القلوب لعلي شير نوائي (القرن الثامن عشر)، وديوان علي شير نوائي، دلائل الخيرات، وتاريخ الطبري (القرن التاسع عشر).
وهذا غيض من فيض تحدث عنه بالتفصيل الكتاب المصور "الآثار الإسلامية في أوزبكستان"، الذي صدر مؤخراً عن دار النشر "أوزبكستان" في العاصمة الأوزبكستانية طشقند، باللغات الأوزبكية والإنكليزية والعربية. وتضمن صوراً ملونة للأوابد الإسلامية الرائعة في جمهورية أوزبكستان، ضمن 264 صفحة من القياس الكبير، وبطباعة فاخرة.
س – ما الغاية من إصداره، وهل يأتي ضمن خطة علمية معينة ؟
ج - الغرض منه، ومن غيره من الأعمال العلمية الكثيرة التي صدرت منذ الاستقلال وحتى اليوم هو تعريف العالم من ضمن الحوار الثقافي والحضاري القائم، على الأوابد الإسلامية التي نعتز بها في بلدنا. وتضمن هذا الكتاب مثلاُ مقدمة وخمسة فصول تناول المؤلفون في كل منها مرحلة من مراحل التطور التاريخي الذي عاشته منطقة ما وراء النهر، وكان لي شرف المشاركة في هيئة التحرير التي ضمت شخصيات علمية بارزة في الجمهورية، ومن بينهم مستعربون كبار أمثال: البروفيسور حميد الله كراماتوف نائب الوزير الأول ورئيس جامعة طشقند الحكومية الإسلامية، والدكتور زهر الدين حسن الدينوف مستشار رئيس الجمهورية، والبروفيسور أحد حسانوف المستشار بمكتب رئيس الجمهورية، والمتخصص بعلم الآثار البروفيسور رتفيلادزه، وآخرون.
وهذا دليل آخر لصدق السياسة التي تتبعها الحكومة الأوزبكستانية بقيادة فخامة رئيس الجمهورية إسلام كريموف الذي كان إصدار الكتاب بمبادرة منه في الذكرى العاشرة لاستقلال أوزبكستان، وهو الذي يؤكد دائماً على: "أننا نعتز بأن الدين الإسلامي هو دين آبائنا، وبأنه الأساس لإيماننا ولمعنوياتنا ولديانتنا ولمعارفنا. وملخصاً لما عاشه شعبنا خلال تاريخه الممتد عبر آلاف السنين، ولحياته الروحية اليوم. واعتناقنا لديننا وتمسكنا بديانتنا يمكننا أن نقول بأننا بالله نحيا وبالله نموت وبذكر الله تطمئن قلوبنا. لأن اعتناق الدين والتمسك به بالنسبة لنا هو قيمة لا تفنى".
س – إذا سمحتم نعود مرة أخرى لموضوع التعدد والحوار الديني القائم في أوزبكستان. فهل لكم تسليط بعض الضوء عليه ؟
ج – معروف أن أكثر من 82 % من سكان الجمهورية من المسلمين السنة على المذهب الحنفي. ونحن وبتشجيع من فخامة الرئيس إسلام كريموف نشارك جميعاً في تطوير وتشجيع الحوار بين أتباع مختلف الطوائف والأديان لقناعتنا بأن غياب الحوار واللقاء يولد سوء الفهم والخلاف بدلاً من التفاهم والوئام، منطلقين من تعاليم ديننا الحنيف الذي علمنا لغة الحوار وقواعده وآدابه. بقوله تعالى: {جادلهم بالتي هي أحسن} (صدق الله العظيم).
وكانت أوزبكستان على امتداد القرون ملتقى وأرضاً خصبة لتعايش مختلف الأديان التي حملت معها مختلف الثقافات. وعن التسامح الديني في جمهورية أوزبكستان، أورد لكم ما ذكره تقرير مكتب الأمم المتحدة UNDP عن التطور الإنساني في أوزبكستان عام 1999 من أرقام تتحدث عن عدد المنظمات الدينية المسجلة والعاملة في الجمهورية والبالغة 1671 منها 1555 إسلامية، و8 بهائية، و8 يهودية والبقية مراكز مسيحية منها 26 للكنيسة الروسية الأرثوذكسية، و44 للكنيسة البروتستانتية الكورية. بالإضافة إلى 10 مؤسسات تعليمية إسلامية تأسس 8 منها بعد الاستقلال، ويدرس فيها 994 طالباً، ويعمل فيها 169 مدرساً منهم 78 يحملون مؤهلات تعليم عالية، ومؤسسة تعليمية مسيحية واحدة تأسست عام 1998، تابعة للكنيسة الروسية الأرثوذكسية يدرس فيها 13 طالباً، ويعمل فيها 13 مدرساً يحملون جميعاً مؤهلات تعليم عالية أيضاً.
وعن الموقع الإسلامي الهام لجمهورية أوزبكستان يتحدث التقرير نفسه فيذكر المقدسات الإسلامية الـ 160، والأكثر من 2000 مسجد الموزعة في أنحاء مختلفة من الجمهورية. وعن أداء فريضة الحج أكثر من 30000 حاج مسلم، والعمرة أكثر من 50000 مسلم حتى الآن. إضافة إلى أداء مناسك فريضة الحج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة سنوياً من أوزبكستان أكثر من 4000 حاج وحاجة، والعمرة أكثر من 4000 مسلم ومسلمة.
كما ويحق لنا أن نفخر بأنه يسود بين مختلف الطوائف والأديان السماوية في أوزبكستان الوفاق والسلام اللذان تحرص عليهما الدولة بتوجيه من فخامة الرئيس إسلام كريموف. ومن الأمثلة الكثيرة التي تتحدث عن ذلك الوفاق والتفاهم، مؤتمر الحوار الإسلامي المسيحي الذي عقد في طشقند عام 1995 تحت شعار "لنتعايش تحت سماء واحدة"، وشارك فيه ممثلون عن الهيئات الدينية الإسلامية والمسيحية في العالم. والمؤتمر الدولي "أديان العالم على طريق ثقافة السلام" الذي عقد في طشقند عام 2000، وشارك فيه ممثلون عن مختلف الأديان. والاحتفالات التي جرت في أوزبكستان عام 1996 بمناسبة مرور 125 عاماً على تأسيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية في طشقند. والاحتفال بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس الكنيسة اللوثرية الإنجيلية في طشقند وهي الوحيدة في آسيا المركزية.
وافتتاح كنيسة الروم الكاثوليك في سمرقند عام 1999. إلى جانب المؤتمرات والاحتفالات الكبيرة التي تقام برعاية الدولة وتشجيعها لإحياء ذكرى أئمة الإسلام وعلماء المسلمين، وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: الإمام البخاري، والإمام الترمذي، والإمام الزمخشري، وأحمد الفرغاني، والعلامة بهاء الدين نقشبندي، وبرهان الدين المرغناني، وأبو منصور الماتردي والكثيرين غيرهم.
لأننا نؤمن بأن مسؤوليتنا نحن المسلمين تتطلب منا جميعاً أن نأخذ زمام المبادرة في إقامة الحوار الحضاري والثقافي وتواصله مع مختلف شعوب العالم، ودياناته، وتجمعاته، وثقافاته. فعندنا الكثير الذي نغني به النماذج الإنسانية والثقافية والاقتصادية والبيئية والصحية على المستوى الدولي. منطلقين من قوله تعالى {ادع إلى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن.} (صدق الله العظيم).
س – ذكرتم في معرض ردكم التعليم الديني، فما هي المؤسسات التعليمية الإسلامية القائمة في أوزبكستان اليوم ؟
ج –إلى جانب أقسام تعليم اللغة العربية والدين الإسلامي في مؤسسات التعليم العالي والمتوسط ومرحلة التعليم قبل الجامعي في أوزبكستان هناك في طشقند أيضاً قسم للدراسات الإسلامية في معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، والمركز الدولي للأبحاث الإسلامية الذي تأسس عام 1995، والجامعة الإسلامية التي تأسست بمرسوم من فخامة رئيس الجمهورية إسلام كريموف وافتتحت أبوابها للدراسة عام 1999. وكل ذلك يأتي من ضمن إطار الجهود المبذولة للحفاظ على التراث الخالد لأجداد الشعب الأوزبكي المسلمين العظام، وإحيائه ودراسته وتحليله وتعريف شعوب العالم عليه، ودراسة خبرات المؤسسات التعليمية الدينية العالية في الدول الأخرى، وإقامة العلاقات معها، وإعداد الكوادر الدينية المؤهلة عالية الكفاءة وتوفير الظروف المناسبة لها. وتضم الجامعة الإسلامية في طشقند التي تتوسع بشكل دائم كليتان هما كلية التاريخ والفلسفة الإسلامية، وكلية الفقه والاقتصاد والعلوم الطبيعية.
س – من يقوم على تصريف شؤون المسلمين في أوزبكستان ؟
ج – تقوم على تصريف الشؤون الدينية للمسلمين في أوزبكستان الإدارة الدينية للمسلمين التي يرأسها سماحة المفتي، وتقوم أيضاً بتنسيق أعمال جميع المساجد، وتتبع لها مدرسة "مير عرب" الدينية الإسلامية بمدينة بخارى التي تأسست عام 1945، ومعهد الإمام البخاري الإسلامي العالي بمدينة طشقند الذي تأسس عام 1971، ودار "ما وراء النهر" للطباعة والنشر، التي تصدر مجلة "هدايت" وصحيفة "إسلام نوري". وتشرف الإدارة الدينية على أكثر من 2000 مسجد موزعة في أنحاء مختلفة من الجمهورية. وتشرف على تنظيم شؤون أداء فريضة الحج.
س – كلمة أخيرة عن حوار الحضارات والثقافات.
ج – أكرر إننا نحن في أوزبكستان نؤمن بأن مسؤوليتنا كمسلمين تتطلب منا جميعاً أن نأخذ زمام المبادرة في إقامة الحوار وتواصله مع مختلف شعوب العالم، ودياناته، وتجمعاته، وثقافاته. فعندنا الكثير الذي يمكن أن نغني به النماذج الإنسانية والثقافية والاقتصادية والبيئية والصحية على المستوى الدولي.
وما أحوجنا اليوم إلى بلورة فكر إسلامي وسطي راشد ينهل من مآثر الحضارة الإسلامية، ويعظم الجوامع مع الحضارات الأخرى، وينهل منها ما يناسب البيئة المسلمة والمسلمين. فحضارات اليوم هي نتاج الفكر الإنساني على مر العصور، منذ بزوغ فجر الإنسانية من جدنا آدم عليه السلام، وتتابعت حضارات الأمم عبر الدهور فيما يشبه سباق التتابع، الذي تسلم فيه كل أمة الراية لأمة أخرى، مضيفة إلى بنيانها الحضاري، لتسلمه بدورها إلى أمة أخرى تمضي بها وهكذا.
وما أحوجنا اليوم إلى الفكر الديني الوسط، لنبني عليه مجتمعاتنا التي تعتمد على القيم التي تغني ثقافتنا الإسلامية، وتدفع بها إلى مفهوم ثقافة المشاركة والعطاء التي تمليها متطلبات العصر، ثقافة احترام حقوق الإنسان، وتعميم مبدأ مشاركة الفرد في شؤون مجتمعه، وضمان مسيرة التنمية والنمو الاقتصادي، وعدالة التوزيع. الثقافة التي تشجع على الاستثمار من أجل التنمية التي تعزز المناخ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في البلاد الإسلامية كلها. وهي الثقافة التي نسعى إليها في أوزبكستان ضمن الإصلاحات الكبيرة، التي نسعى إليها أو التي تحققت بقيادة فخامة الرئيس إسلام كريموف وفقه الله لما فيه خير أبناء وطنه وأوطان المسلمين جميعاً.
وأختتم بقوله تعالى من سورة آل عمران {واعتصموا بحبل الله جميعاً، ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم، إذ كنتم أعداء، فألف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته إخوانا.} (صدق الله العظيم).
نبذة عن حياة الأستاذ الدكتور نعمة الله إبراهيموف
ولد الأستاذ الدكتور نعمة الله إبراهيموف بمدينة مرغيلان بوادي فرغانة عام 1945. ومن عام 1965 وحتى عام 1971 أنهى تعليمة في قسم اللغة العربية بكلية اللغات الشرقية في جامعة طشقند الحكومية. وخلال الفترة من عام 1971 وحتى عام 1975 طالب دراسات عليا بمعهد الاستشراق بأكاديمية العلوم السوفييتية بموسكو حصل بنتيجتها على درجة دكتوراه الفلسفة في اللغة والأدب. وخلال الفترة من عام 1975 وحتى عام 1991 تدرج في العمل بجامعة طشقند الحكومية من مدرس لغة عربية إلى رئيس قسم اللغة العربية إلى عميد كلية اللغات الشرقية. وخلالها حصل عام 1984 على درجة الدكتوراه في العلوم اللغوية والأدبية. ومن عام 1991 وحتى الآن هو رئيس معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية. له أكثر من 250 كتاباً ومقالة وبحث علمي منشور في تاريخ آسيا المركزية، وثقافة وآداب المشرق العربي، وعلم المخطوطات. وركزت أبحاثه العلمية على دراسة المراجع الأصلية باللغة العربية، ومنها: "ابن بطوطة ورحلاته في آسيا المركزية"، و"الروايات الشعبية العربية"، و"الأدب العربي للفترة المتأخرة من القرون الوسطى"، و"قواعد اللغة العربية". وشارك مع كبار العلماء والمستعربين الأوزبك في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأوزبكية، الذي صدر مصحوباً بالنص الأصلي باللغة العربية وبالرسم العثماني، مع ترجمة المعاني في الحواشي في طشقند عام 2002. وتم تحت إشرافه العلمي ترجمة الأجزاء الأربعة لصحيح الإمام البخاري، من اللغة العربية إلى اللغة الأوزبكية. وصدر العديد من كتبه ودراساته ومقالاته باللغات الأوزبكية والعربية والروسية والإنجليزية في طشقند، وموسكو، وبيروت، والقاهرة، ولندن. وتقديراً لأعماله في مجال الدراسات العربية حصل في عام 1990 على لقب الجدارة العلمية بجمهورية أوزبكستان. وفي عام 1994 انتخب عضواً مراسلاً، وفي عام 2000 انتخب عضواً عاملاً في أكاديمية العلوم بجمهورية أوزبكستان. واستحق عن كتابه "السير الشعبية العربية" الصادر باللغة العربية في بيروت، جائزة الإمام البخاري الدولية الكويتية. وفي عام 1995 انتخب عضواً في عالي مجلس (البرلمان) بجمهورية أوزبكستان، وأعيد انتخابه عام 1999 مرة ثانية لعضوية عالي مجلس، ويرأس فيه اللجنة المتخصصة لاسترداد الآثار التاريخية والأدبية التي تعتبر ثروة ثقافية للشعب الأوزبكي من الخارج. وكانت له خلال المدة من عام 1995 وحتى عام 1999 إسهامات كبيرة في تطوير الصلات البرلمانية الأوزبكستانية مع الدول الأجنبية وخاصة العربية. وخلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة زار الأستاذ نعمة الله إبراهيموف كلاُ من الولايات المتحدة الأمريكية، ومصر، واليابان، والصين، وكوريا الجنوبية، والجزائر، وسوريا، والكويت، والبحرين، وقطر، والإمارات العربية المتحدة، وعمان، وهولندا، وبلغاريا، وفرنسا، وألمانيا وغيرها من دول العالم، وأسهم من خلالها في تدعيم العلاقات الثقافية والعلمية والدبلوماسية مع جمهورية أوزبكستان. ومنح الأستاذ الدكتور نعمة الله إبراهيموف درجة الدكتوراه الفخرية من بعض أقدم الجامعات في العالم ومن بينها جامعة "سين كيول فان" في العاصمة الكورية الجنوبية، ومنح لقب السفير الفخري "لبريفيكتوري فوكوسيما" في أوزبكستان. وفي عام 1996 أصبح الأستاذ الدكتور نعمة الله إبراهيموف عضواً عاملاً في أكاديمية العلوم والتعليم والصناعة والفنون في كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 1997 أنتخب الأستاذ الدكتور نعمة الله إبراهيموف رئيساً لجمعية الصداقة الأوزبكستانية المصرية. وفي عام 2001 أنتخب الأستاذ الدكتور نعمة الله إبراهيموف رئيساً للمجلس الأوزبكستاني لجمعيات الصداقة والعلاقات الثقافية والتربوية مع الدول الأجنبية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق