لقاء قادة أربع من دول آسيا المركزية في طشقند
كتبها أ.د. محمد البخاري: أستاذ في كلية العلاقات الدولية والاقتصاد، معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية. بتاريخ 2/1/2002.
بدعوة من الرئيس الأوزبكستاني إسلام كريموف عقد قادة دول آسيا المركزية لقاءاً في طشقند يوم 28/12/2001، غابت عنه كما هو معتاد الجمهورية الخامسة في آسيا المركزية تركمانستان. وقد سبق اللقاء، لقاءات ثنائية بين الزعماء الأوزبكستاني من جهة، والقرغيزستاني عسكر أكاييف، والقازاقستاني نور سلطان نازارباييف، والطاجكستاني إمام علي رحمانوف من جهة ثانية، بحثت خلاله مواضيع تتعلق بسبل تطوير العلاقات الثنائية. وخلال المباحثات الموسعة التي جرت بحضور الوفود الرسمية للبلدان المشاركة جرى تبادل الآراء حول مسائل التعاون الجماعي المتعدد الجوانب، وتوفير الاستقرار والأمن لمنطقة آسيا المركزية.
وفي نهاية اللقاء عقد الرؤساء الأربعة مؤتمراً صحفياً تحدثوا فيه عن نتائج اللقاء، حيث أشار الرئيس إسلام كريموف خلاله إلى الأهمية التاريخية الخاصة لاستقلال دول آسيا المركزية، وإلى أهمية العمل المشترك الذي تم خلال العشر سنوات الأخيرة والذي بفضله أصبحت دول آسيا المركزية مشاركاً فعالاً في نظام العلاقات السياسية والاقتصادية العالمية، الأمر الذي أسهم في وضع أساس لمجتمع جديد يشمل شعوب المنطقة بأسرها. وأشاد بعلاقات الصداقة التي تربط قادة دول المنطقة والتي بفضلها تم تجنيب المنطقة الكثير من المشاكل والعقبات، والتصدي للقوى التي كانت تسعى لإعاقة التقارب بين شعوب المنطقة وتكامل دولها.
ومعروف أن اللقاء الأخير كان من ضمن اللقاءات الثنائية والجماعية العديدة التي عقدها قادة دول آسيا المركزية الأربعة منذ الاستقلال وحتى اليوم، وكان من بينها لقاء طشقند الذي عقد في نيسان/أبريل من عام 2000 وتم الاتفاق خلاله على العديد من المسائل الملحة آنذاك وفي طليعتها تحديات الأمن والاستقرار الذي هددته قوى أعلن حينها عن تسللها عبر الحدود المشتركة لأفغانستان المجاورة، وتمخض اللقاء عن التوقيع على اتفاقية للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف وتجارة المخدرات، وتهريب الأسلحة، والجريمة المنظمة وغيرها من المواضيع التي تهم أمن واستقرار دول المنطقة. وهو الشيء ذاته الذي أشار إليه البيان المشترك الذي وقعه الرئيسان الأوزبكستاني والقازاقستاني عند الاتفاق على ترسيم الحدود الدولية بين البلدين قاطعين الطريق أمام بعض القوى التي حاولت استغلال موضوع الحدود لتعكير صفو العلاقات بين الدولتين الجارتين. وهو نفسه ما أشار إليه البيان الختامي للقاء القادة الأخير عندما أشاروا إلى أهمية إنهاء عملية وضع الأسس القانونية اللازمة لرسم خط الحدود الدولية الفاصلة بين دولهم اعتماداً على قواعد ومبادئ القانون الدولي، مؤكدين على أن الحدود القائمة بين دول المنطقة كانت وستبقى حدوداً للسلام والصداقة وحسن الجوار.
ولكن اللقاء الأخير كما هو واضح جاء مختلفاً عما سبقه من لقاءات، لأنه جاء في الوقت الذي تجري فيه تغييرات جذرية وهامة في النظام العالمي الجديد، وعلى الساحة الأفغانية التي أقضت مضاجع دول الجوار الإقليمي لفترة قاربت الربع قرن، والأوضاع الجديدة التي تفرض على جميع دول العالم ضرورة تطوير تعاونها المشترك من كل الجوانب الاقتصادية والأمنية والسياسية والثقافية. ومن هذا المنطلق على ما نعتقد كان اقتراح الرئيس الأوزبكستاني إسلام كريموف على القادة المجتمعين في طشقند إنشاء رابطة للتعاون الاقتصادي فيما بينها تحمل اسم "منظمة آسيا المركزية للتعاون"، ويشمل نشاط المنظمة الجديدة تطوير العلاقات الاقتصادية بين الدول الأربعة، وتسهم في حل المسائل الأخرى المتعلقة بتوسيع التعاون والشراكة بين دول المنطقة، مع التأكيد على أن تلك المنظمة لا تحمل أية أهداف عسكرية موجهة ضد الغير كما أشار البيان الختامي للقاء.
وأشار البيان الختامي أيضاً إلى أن "قادة الدول بهدف التحرك اللاحق وتكامل الحوار السياسي، وتكامل أشكال وآليات التكامل الاقتصادي في المنطقة، وتعميق التفاهم المشترك حول مسائل تشكيل المجال الموحد للأمن، والقيام بأعمال مشتركة لدعم السلام والاستقرار في المنطقة، وتحريك التعاون الشامل في المجالات السياسية، والتجارية والاقتصادية، والعلمية والتقنية، والثقافية والإنسانية قرروا تحويل "المجلس الاقتصادي لآسيا المركزية" إلى "منظمة آسيا المركزية للتعاون".
ومن الملاحظ أيضاً أنه في كل لقاء كان يترك القادة لحكوماتهم بعض القضايا الإجرائية والتنفيذية لما توصلوا إليه من اتفاقات، وهو عين الشيء الذي تركه القادة هذه المرة أيضاً لحكوماتهم للنظر في المسائل الإجرائية المتعلقة بتحويل "المجلس الاقتصادي لآسيا المركزية" إلى "منظمة آسيا المركزية للتعاون"، بما فيها الأوضاع القانونية للمنظمة الجديدة، والأنظمة الخاصة بها والأسس القانونية والاتفاقيات اللازمة لانتقال التزامات الأطراف، استناداً للقواعد القانونية الدولية النافذة لـ"المجلس الاقتصادي لآسيا المركزية" وغيرها، وتقديم الاقتراحات اللازمة للبت فيها من قبل قادة الدول الأربعة.
ومن أجل خلق ظروف جديدة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دول المنطقة اقترح الرئيس كريموف أن تستضيف طشقند مؤتمراً لرجال الأعمال في آسيا المركزية، وبرر الرئيس كريموف اقتراحه بحقيقة أن التبادل التجاري القائم بين دول المنطقة لا يتفق والإمكانيات المتاحة لكل منها حتى اليوم، خاصة وأن مشاركة الدول المجاورة لبعضها البعض في عملية الخصخصة الجارية في كل منها ضعيف ولا يلبي حاجة تلك الدول، معبراً عن أمله في أن يكون ذلك المؤتمر نقطة تحول حاسمة في العلاقات الاقتصادية بينها. وأشار القادة في مؤتمرهم الصحفي إلى تأييدهم للاقتراح الأوزبكستاني، وأشاروا إلى أنهم اتفقوا أيضاً على تقديم المزيد من التسهيلات لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دولهم، وتقديم الدعم اللازم لرجال الأعمال القادمين من الدول الأخرى في المنطقة.
وأشارت الصحف الصادرة بعد اللقاء في طشقند، عن تقدم الجانب الأوزبكستاني بعدد من الاقتراحات التي تتعلق بإقامة اتحادات إنتاجية بين الدول المعنية، وتشجيع الشراكة بين المؤسسات الاقتصادية، واستخدام طرق النقل والمواصلات، وموارد المياه والطاقة، وحماية البيئة، ومواجهة خطر الكوارث الطبيعية. وهو ما أكده البيان الختامي الذي أشار إلى أهمية تعزيز العمل المشترك لإنشاء بنية تحتية مشتركة، وبالدرجة الأولى وضع نظم موحدة للنقل والطاقة بهدف الخروج إلى الأسواق العالمية التي تعتبر واحدة من الاتجاهات الهامة للتعاون المشترك بين الدول الأربعة. وإلى ضرورة تطبيق الاتفاقيات التي تم التوصل إليها سابقاً بين دول المنطقة في مجال النقل البري وبالسكك الحديدية الدولية، وتحديد الاتجاهات الهامة للتعاون المستقبلي من أجل رفع فاعلية وظيفة نظم النقل والمواصلات عبر الطريق التي تربط بين أوروبا والقوقاز وآسيا وتعبر أراضي الدول المشاركة. واعترف القادة في مؤتمرهم الصحفي بأهمية التشاور في مجال سياسة التعرفات على جميع وسائل النقل المتضاربة في الوقت الراهن. خاصة وأن تلك الدول تنتظر افتتاح الطريق البرية عبر الأراضي الأفغانية والباكستانية وتوصلهم إلى شواطئ بحر العرب والمحيط الهندي.
وحول مشاكل اقتسام الموارد المائية للأنهار وخزانات المياه الصناعية العابرة للحدود المشتركة بين دولهم واستخدام منشآت الري التي كانت مشتركة حتى انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، والتي تعاني دول المنطقة من آثارها ومشاكلها منذ استقلالها وحتى اليوم. اتفق القادة في بيانهم الختامي على العمل المشترك لترشيد عملية استخدام المنشآت المائية ومحطات توليد الطاقة الكهرومائية في آسيا المركزية وفقاً للقواعد الدولية المعترف بها، لاستخدام الموارد المائية والكهربائية المتوفرة في دول المنطقة من أجل رفاهية شعوبها، وأسند القادة مهمة الإسراع في عملية تطوير آلية استخدام شبكات المياه المتداخلة بينها لحكومات بلادهم، بما فيها اقتراح إقامة رابطة لمستخدمي المياه، وإدارة للنقل والطاقة.
خاصة وأنه في الوقت الحاضر وفي العديد من مناطق العالم أصبحت عملية التكامل الاقتصادي واقعاً ملموساً، لأن مثل ذلك التكامل يخدم واحدة من أهم الطرق، وهي الطريق نحو التقدم، وهي طريق المساهمة الفعالة والمشتركة في الإعدادات الجارية في جميع دول العالم لمواجهة تبعات العولمة، ولأنها توفر الاستعدادات الجماعية اللازمة لمواجهة مختلف الأزمات التي يمكن أن تنتج عن العولمة، ولابد وأن تشمل الحياة الاقتصادية على الكرة الأرضية برمتها. وقد أشار الرئيس الأوزبكستاني إلى ذلك في معرض حديثة عما تتميز به آسيا المركزية عن غيرها من مناطق العالم، وهي المنطقة التي تستطيع أن توفر لنفسها المنتجات الزراعية والصناعية، والخامات اللازمة، وأضاف: "أننا نحن يجب أن ننسق ونستخدم هذه الإمكانيات بالكامل وأن نتوجه معاً نحو التقدم".
وعند تناولهم لموضوع العلاقات الثقافية والعلمية بين دول آسيا المركزية، أشار القادة إلى ضعف مستوى العلاقات الثقافية القائمة بين دول المنطقة التي تجمع شعوبها ثقافة واحدة. وقد اقترح الرئيس القازاقستاني إقامة أيام للثقافة الأوزبكستانية في بلاده مع مطلع عام 2002. ولهذا أشار البيان الختامي إلى ضرورة توسيع وتعميق العمل المشترك في المجالات الثقافية والإنسانية، كعامل هام لتعزيز التعاون وحسن الجوار بين شعوب آسيا المركزية.
كما وأشار القادة في مؤتمرهم الصحفي إلى أنهم فد ناقشوا بعض المقترحات حول تطوير الشراكة والتعاون في المجال العسكري والتقني وتوسيع التعاون في مجال تبادل المعلومات، وأشاروا إلى أنه من الأفضل لو تم التوسع بالاتفاقية التي وقعتها خلال الفترة الأخيرة كلاً من أوزبكستان وطاجكستان حول التعاون في البث المشترك لبرامج الإذاعة المرئية لتشمل كلاً من قازاقستان، وقرغيزستان.
وحول تطور الأوضاع في أفغانستان المجاورة لمنطقة آسيا المركزية والتي لها حدوداً مشتركة مع أوزبكستان وطاجكستان، أشاد القادة ببدء عملية الحل السياسي للقضية الأفغانية، وعبروا عن تأييدهم للإدارة الحكومية المؤقتة في أفغانستان برئاسة حميد قرضاي، وجهود منظمة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الموجهة نحو حل قضايا ما بعد الحرب وإعمار ما دمرته الحرب الطويلة في أفغانستان، مؤكدين على تقاليد حسن الجوار التي كانت قائمة في العلاقات بين شعوب آسيا المركزية والشعب الأفغاني، والتاريخ والثقافة المشتركة بينهم، كما وعبر القادة عن استعدادهم لتقديم المساعدات الإنسانية وغيرها من المساعدات للشعب الأفغاني من أجل بناء وتجديد الدولة الديمقراطية، والعيش بسلام ووئام مع جيرانهم، والتكامل مع المجتمع الدولي.
وعن التوتر القائم على الحدود الهندية الباكستانية، عبر القادة عن قلقهم الشديد حيال تصاعد التوتر في العلاقات بين الهند وباكستان، واستنكروا بشدة العملية الإرهابية التي جرت في البرلمان الهندي، والتي نتج عنها ضحايا في الأرواح، ودعى القادة الأربعة قادة الهند وباكستان للتحلي بالحكمة، والامتناع عن أية إجراءات قد تدفعهما وتدفع المنطقة كلها نحو الخطر، والعمل على حل المشاكل القائمة بالوسائل السياسية وحدها. كما وعبروا عن أملهم بتطوير وتعزيز علاقات حسن الجوار بين الهند وباكستان على أسس ثابتة تلبي مصالح البلدين الجارين وتوفر الأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها.
كما وعبر القادة الأربعة في مؤتمرهم الصحفي عن أهمية توفير الأمن والاستقرار للمنطقة، مؤكدين على أنهم سيتخذون كل الإجراءات الضرورية والمشتركة في إطار اتفاقية التعاون المشترك الموقعة بين الأطراف بتاريخ 21/4/2000، وغيرها من الاتفاقيات، لتحقيق هذا الهدف والعمل على مكافحة الإرهاب، والتطرف السياسي والديني، والجريمة الدولية المنظمة، وغيرها من التهديدات التي تطال الاستقرار والأمن. والتعاون مع المجتمع الدولي من أجل إقامة نظام شامل لمكافحة الإرهاب الدولي، والتطرف، والمخدرات وغيرها من أشكال الجريمة المنظمة.
الأربعاء، 02 كانون الثاني/يناير، 2002
كتبها أ.د. محمد البخاري: أستاذ في كلية العلاقات الدولية والاقتصاد، معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية. بتاريخ 2/1/2002.
بدعوة من الرئيس الأوزبكستاني إسلام كريموف عقد قادة دول آسيا المركزية لقاءاً في طشقند يوم 28/12/2001، غابت عنه كما هو معتاد الجمهورية الخامسة في آسيا المركزية تركمانستان. وقد سبق اللقاء، لقاءات ثنائية بين الزعماء الأوزبكستاني من جهة، والقرغيزستاني عسكر أكاييف، والقازاقستاني نور سلطان نازارباييف، والطاجكستاني إمام علي رحمانوف من جهة ثانية، بحثت خلاله مواضيع تتعلق بسبل تطوير العلاقات الثنائية. وخلال المباحثات الموسعة التي جرت بحضور الوفود الرسمية للبلدان المشاركة جرى تبادل الآراء حول مسائل التعاون الجماعي المتعدد الجوانب، وتوفير الاستقرار والأمن لمنطقة آسيا المركزية.
وفي نهاية اللقاء عقد الرؤساء الأربعة مؤتمراً صحفياً تحدثوا فيه عن نتائج اللقاء، حيث أشار الرئيس إسلام كريموف خلاله إلى الأهمية التاريخية الخاصة لاستقلال دول آسيا المركزية، وإلى أهمية العمل المشترك الذي تم خلال العشر سنوات الأخيرة والذي بفضله أصبحت دول آسيا المركزية مشاركاً فعالاً في نظام العلاقات السياسية والاقتصادية العالمية، الأمر الذي أسهم في وضع أساس لمجتمع جديد يشمل شعوب المنطقة بأسرها. وأشاد بعلاقات الصداقة التي تربط قادة دول المنطقة والتي بفضلها تم تجنيب المنطقة الكثير من المشاكل والعقبات، والتصدي للقوى التي كانت تسعى لإعاقة التقارب بين شعوب المنطقة وتكامل دولها.
ومعروف أن اللقاء الأخير كان من ضمن اللقاءات الثنائية والجماعية العديدة التي عقدها قادة دول آسيا المركزية الأربعة منذ الاستقلال وحتى اليوم، وكان من بينها لقاء طشقند الذي عقد في نيسان/أبريل من عام 2000 وتم الاتفاق خلاله على العديد من المسائل الملحة آنذاك وفي طليعتها تحديات الأمن والاستقرار الذي هددته قوى أعلن حينها عن تسللها عبر الحدود المشتركة لأفغانستان المجاورة، وتمخض اللقاء عن التوقيع على اتفاقية للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف وتجارة المخدرات، وتهريب الأسلحة، والجريمة المنظمة وغيرها من المواضيع التي تهم أمن واستقرار دول المنطقة. وهو الشيء ذاته الذي أشار إليه البيان المشترك الذي وقعه الرئيسان الأوزبكستاني والقازاقستاني عند الاتفاق على ترسيم الحدود الدولية بين البلدين قاطعين الطريق أمام بعض القوى التي حاولت استغلال موضوع الحدود لتعكير صفو العلاقات بين الدولتين الجارتين. وهو نفسه ما أشار إليه البيان الختامي للقاء القادة الأخير عندما أشاروا إلى أهمية إنهاء عملية وضع الأسس القانونية اللازمة لرسم خط الحدود الدولية الفاصلة بين دولهم اعتماداً على قواعد ومبادئ القانون الدولي، مؤكدين على أن الحدود القائمة بين دول المنطقة كانت وستبقى حدوداً للسلام والصداقة وحسن الجوار.
ولكن اللقاء الأخير كما هو واضح جاء مختلفاً عما سبقه من لقاءات، لأنه جاء في الوقت الذي تجري فيه تغييرات جذرية وهامة في النظام العالمي الجديد، وعلى الساحة الأفغانية التي أقضت مضاجع دول الجوار الإقليمي لفترة قاربت الربع قرن، والأوضاع الجديدة التي تفرض على جميع دول العالم ضرورة تطوير تعاونها المشترك من كل الجوانب الاقتصادية والأمنية والسياسية والثقافية. ومن هذا المنطلق على ما نعتقد كان اقتراح الرئيس الأوزبكستاني إسلام كريموف على القادة المجتمعين في طشقند إنشاء رابطة للتعاون الاقتصادي فيما بينها تحمل اسم "منظمة آسيا المركزية للتعاون"، ويشمل نشاط المنظمة الجديدة تطوير العلاقات الاقتصادية بين الدول الأربعة، وتسهم في حل المسائل الأخرى المتعلقة بتوسيع التعاون والشراكة بين دول المنطقة، مع التأكيد على أن تلك المنظمة لا تحمل أية أهداف عسكرية موجهة ضد الغير كما أشار البيان الختامي للقاء.
وأشار البيان الختامي أيضاً إلى أن "قادة الدول بهدف التحرك اللاحق وتكامل الحوار السياسي، وتكامل أشكال وآليات التكامل الاقتصادي في المنطقة، وتعميق التفاهم المشترك حول مسائل تشكيل المجال الموحد للأمن، والقيام بأعمال مشتركة لدعم السلام والاستقرار في المنطقة، وتحريك التعاون الشامل في المجالات السياسية، والتجارية والاقتصادية، والعلمية والتقنية، والثقافية والإنسانية قرروا تحويل "المجلس الاقتصادي لآسيا المركزية" إلى "منظمة آسيا المركزية للتعاون".
ومن الملاحظ أيضاً أنه في كل لقاء كان يترك القادة لحكوماتهم بعض القضايا الإجرائية والتنفيذية لما توصلوا إليه من اتفاقات، وهو عين الشيء الذي تركه القادة هذه المرة أيضاً لحكوماتهم للنظر في المسائل الإجرائية المتعلقة بتحويل "المجلس الاقتصادي لآسيا المركزية" إلى "منظمة آسيا المركزية للتعاون"، بما فيها الأوضاع القانونية للمنظمة الجديدة، والأنظمة الخاصة بها والأسس القانونية والاتفاقيات اللازمة لانتقال التزامات الأطراف، استناداً للقواعد القانونية الدولية النافذة لـ"المجلس الاقتصادي لآسيا المركزية" وغيرها، وتقديم الاقتراحات اللازمة للبت فيها من قبل قادة الدول الأربعة.
ومن أجل خلق ظروف جديدة لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دول المنطقة اقترح الرئيس كريموف أن تستضيف طشقند مؤتمراً لرجال الأعمال في آسيا المركزية، وبرر الرئيس كريموف اقتراحه بحقيقة أن التبادل التجاري القائم بين دول المنطقة لا يتفق والإمكانيات المتاحة لكل منها حتى اليوم، خاصة وأن مشاركة الدول المجاورة لبعضها البعض في عملية الخصخصة الجارية في كل منها ضعيف ولا يلبي حاجة تلك الدول، معبراً عن أمله في أن يكون ذلك المؤتمر نقطة تحول حاسمة في العلاقات الاقتصادية بينها. وأشار القادة في مؤتمرهم الصحفي إلى تأييدهم للاقتراح الأوزبكستاني، وأشاروا إلى أنهم اتفقوا أيضاً على تقديم المزيد من التسهيلات لتعزيز التعاون الاقتصادي بين دولهم، وتقديم الدعم اللازم لرجال الأعمال القادمين من الدول الأخرى في المنطقة.
وأشارت الصحف الصادرة بعد اللقاء في طشقند، عن تقدم الجانب الأوزبكستاني بعدد من الاقتراحات التي تتعلق بإقامة اتحادات إنتاجية بين الدول المعنية، وتشجيع الشراكة بين المؤسسات الاقتصادية، واستخدام طرق النقل والمواصلات، وموارد المياه والطاقة، وحماية البيئة، ومواجهة خطر الكوارث الطبيعية. وهو ما أكده البيان الختامي الذي أشار إلى أهمية تعزيز العمل المشترك لإنشاء بنية تحتية مشتركة، وبالدرجة الأولى وضع نظم موحدة للنقل والطاقة بهدف الخروج إلى الأسواق العالمية التي تعتبر واحدة من الاتجاهات الهامة للتعاون المشترك بين الدول الأربعة. وإلى ضرورة تطبيق الاتفاقيات التي تم التوصل إليها سابقاً بين دول المنطقة في مجال النقل البري وبالسكك الحديدية الدولية، وتحديد الاتجاهات الهامة للتعاون المستقبلي من أجل رفع فاعلية وظيفة نظم النقل والمواصلات عبر الطريق التي تربط بين أوروبا والقوقاز وآسيا وتعبر أراضي الدول المشاركة. واعترف القادة في مؤتمرهم الصحفي بأهمية التشاور في مجال سياسة التعرفات على جميع وسائل النقل المتضاربة في الوقت الراهن. خاصة وأن تلك الدول تنتظر افتتاح الطريق البرية عبر الأراضي الأفغانية والباكستانية وتوصلهم إلى شواطئ بحر العرب والمحيط الهندي.
وحول مشاكل اقتسام الموارد المائية للأنهار وخزانات المياه الصناعية العابرة للحدود المشتركة بين دولهم واستخدام منشآت الري التي كانت مشتركة حتى انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، والتي تعاني دول المنطقة من آثارها ومشاكلها منذ استقلالها وحتى اليوم. اتفق القادة في بيانهم الختامي على العمل المشترك لترشيد عملية استخدام المنشآت المائية ومحطات توليد الطاقة الكهرومائية في آسيا المركزية وفقاً للقواعد الدولية المعترف بها، لاستخدام الموارد المائية والكهربائية المتوفرة في دول المنطقة من أجل رفاهية شعوبها، وأسند القادة مهمة الإسراع في عملية تطوير آلية استخدام شبكات المياه المتداخلة بينها لحكومات بلادهم، بما فيها اقتراح إقامة رابطة لمستخدمي المياه، وإدارة للنقل والطاقة.
خاصة وأنه في الوقت الحاضر وفي العديد من مناطق العالم أصبحت عملية التكامل الاقتصادي واقعاً ملموساً، لأن مثل ذلك التكامل يخدم واحدة من أهم الطرق، وهي الطريق نحو التقدم، وهي طريق المساهمة الفعالة والمشتركة في الإعدادات الجارية في جميع دول العالم لمواجهة تبعات العولمة، ولأنها توفر الاستعدادات الجماعية اللازمة لمواجهة مختلف الأزمات التي يمكن أن تنتج عن العولمة، ولابد وأن تشمل الحياة الاقتصادية على الكرة الأرضية برمتها. وقد أشار الرئيس الأوزبكستاني إلى ذلك في معرض حديثة عما تتميز به آسيا المركزية عن غيرها من مناطق العالم، وهي المنطقة التي تستطيع أن توفر لنفسها المنتجات الزراعية والصناعية، والخامات اللازمة، وأضاف: "أننا نحن يجب أن ننسق ونستخدم هذه الإمكانيات بالكامل وأن نتوجه معاً نحو التقدم".
وعند تناولهم لموضوع العلاقات الثقافية والعلمية بين دول آسيا المركزية، أشار القادة إلى ضعف مستوى العلاقات الثقافية القائمة بين دول المنطقة التي تجمع شعوبها ثقافة واحدة. وقد اقترح الرئيس القازاقستاني إقامة أيام للثقافة الأوزبكستانية في بلاده مع مطلع عام 2002. ولهذا أشار البيان الختامي إلى ضرورة توسيع وتعميق العمل المشترك في المجالات الثقافية والإنسانية، كعامل هام لتعزيز التعاون وحسن الجوار بين شعوب آسيا المركزية.
كما وأشار القادة في مؤتمرهم الصحفي إلى أنهم فد ناقشوا بعض المقترحات حول تطوير الشراكة والتعاون في المجال العسكري والتقني وتوسيع التعاون في مجال تبادل المعلومات، وأشاروا إلى أنه من الأفضل لو تم التوسع بالاتفاقية التي وقعتها خلال الفترة الأخيرة كلاً من أوزبكستان وطاجكستان حول التعاون في البث المشترك لبرامج الإذاعة المرئية لتشمل كلاً من قازاقستان، وقرغيزستان.
وحول تطور الأوضاع في أفغانستان المجاورة لمنطقة آسيا المركزية والتي لها حدوداً مشتركة مع أوزبكستان وطاجكستان، أشاد القادة ببدء عملية الحل السياسي للقضية الأفغانية، وعبروا عن تأييدهم للإدارة الحكومية المؤقتة في أفغانستان برئاسة حميد قرضاي، وجهود منظمة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي الموجهة نحو حل قضايا ما بعد الحرب وإعمار ما دمرته الحرب الطويلة في أفغانستان، مؤكدين على تقاليد حسن الجوار التي كانت قائمة في العلاقات بين شعوب آسيا المركزية والشعب الأفغاني، والتاريخ والثقافة المشتركة بينهم، كما وعبر القادة عن استعدادهم لتقديم المساعدات الإنسانية وغيرها من المساعدات للشعب الأفغاني من أجل بناء وتجديد الدولة الديمقراطية، والعيش بسلام ووئام مع جيرانهم، والتكامل مع المجتمع الدولي.
وعن التوتر القائم على الحدود الهندية الباكستانية، عبر القادة عن قلقهم الشديد حيال تصاعد التوتر في العلاقات بين الهند وباكستان، واستنكروا بشدة العملية الإرهابية التي جرت في البرلمان الهندي، والتي نتج عنها ضحايا في الأرواح، ودعى القادة الأربعة قادة الهند وباكستان للتحلي بالحكمة، والامتناع عن أية إجراءات قد تدفعهما وتدفع المنطقة كلها نحو الخطر، والعمل على حل المشاكل القائمة بالوسائل السياسية وحدها. كما وعبروا عن أملهم بتطوير وتعزيز علاقات حسن الجوار بين الهند وباكستان على أسس ثابتة تلبي مصالح البلدين الجارين وتوفر الأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها.
كما وعبر القادة الأربعة في مؤتمرهم الصحفي عن أهمية توفير الأمن والاستقرار للمنطقة، مؤكدين على أنهم سيتخذون كل الإجراءات الضرورية والمشتركة في إطار اتفاقية التعاون المشترك الموقعة بين الأطراف بتاريخ 21/4/2000، وغيرها من الاتفاقيات، لتحقيق هذا الهدف والعمل على مكافحة الإرهاب، والتطرف السياسي والديني، والجريمة الدولية المنظمة، وغيرها من التهديدات التي تطال الاستقرار والأمن. والتعاون مع المجتمع الدولي من أجل إقامة نظام شامل لمكافحة الإرهاب الدولي، والتطرف، والمخدرات وغيرها من أشكال الجريمة المنظمة.
الأربعاء، 02 كانون الثاني/يناير، 2002
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق