العلاقات الدولية في عصر العولمة
المعلوماتية
كنبها أ.د. محمد البخاري،
مستشار بجامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية. بتاريخ 7/3/2002 وأرسلت لصحيفة
الاتحاد بأبو ظبي.
المعلوماتية بين الواقع
والآفاق:
تخضع العلاقات الدولية اليوم أكثر من أي وقت مضى لحقائق العولمة الاقتصاد والسياسة
المرتبطة إلى حد كبير، وجاء هذا مع ولوج المجتمع الدولي اليوم العصر المعلوماتي
الجديد عليه. ولا أحد ينكر أن العولمة الاقتصادية لعبت دوراً هاماً في تطوير
الإنتاج السلعي والمعلوماتي على حد سواء، خاصة بعد الانفجار الكبير الذي أدخلته
التكنولوجيا الحديثة المرتبطة باستخدام أنظمة الحاسب الآلي المتقدمة وبرامجه
المتخصصة بكثرة، وما رافقها من تطور متصاعد لوسائل الاتصال المرئية والمسموعة،
والاتصال عن بعد عبر أمواج الأثير. وشبكات الحاسب الآلي العالمية المرتبطة بشبكة
"الانترنيت" العالمية وغيرها من شبكات الاتصال المتطورة كانت حقيقة سمة
من سمات عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. وتميزت تلك الحقبة التاريخية
في العلاقات الدولية بارتباطها الوثيق بعولمة الاقتصاد والسياسة العالمية وحدوث
تغييرات جذرية أدت بالضرورة إلى وضع أسس لنظام اقتصادي وسياسي عالمي جديد يتفق
وبداية مرحلة جديدة من تاريخ البشرية اصطلح على تسميتها بعصر "العولمة".
والعنصر الأهم في هذه
المرحلة الجديدة من تاريخ البشرية مثلته المعلومات الاقتصادية الجديدة التي اتسمت
بالتكامل المعلوماتي الدولي عبر شبكاته دائمة التطور، على جميع الأصعدة الاقتصادية
والاجتماعية والسياسية والثقافية، ومن المعروف أن ذلك التكامل كان حصيلة للمخطط
الذي وضعته وزارة الدفاع في الولايات المتحدة الأمريكية Advanced Research Projects Agency
(ARPA)، وكان هدفه آنذاك منع أو إعاقة الاستيلاء أو تخريب النظام
الأمريكي للاتصالات وتبادل المعلومات في حال حدوث حرب نووية. ونتيجة للجهود
الكبيرة التي بذلتها الوزارة أنفة الذكر استطاع المشتغلون في المخطط المذكور إقامة
شبكة مؤلفة من عدة آلاف من الشبكات الصغيرة للاتصال عبر شبكات الحاسب الآلي
التابعة والمرتبطة بالشبكة الأصلية، لتتمتع تلك الشبكة الكثيفة من وضع أساس ملموس
لارتباط متعدد الجوانب لانهائي بين تلك الشبكات التابعة والشبكة الأصل بعضها البعض
دون خضوعها لإدارة أي مركز كان. أما في الوقت الحاضر فقد أصبحت تلك الشبكة تتمتع
بصفة العالمية لخروجها عن إطارها المحلي داخل الولايات المتحدة وأماكن تواجدها
والأماكن التي تتواجد فيها المصالح الأمريكية في أنحاء مختلفة من العالم، وأقيمت
حول تلك الشبكة الأم صناعة معلوماتية ضخمة، شملت كل الكرة الأرضية، ولا نبالغ إن
قلنا وحتى الفضاء الكوني بعد أن سيطر عليه انفجار إدخال استخدام تكنولوجيا الاتصال
عن بعد، والحاسبات الآلية وشبكات الانترنيت التي طغت على كل مناحي النشاط الإنساني
على الأرض وفي الفضاء الكوني.
ولكن التأثير الأكبر مثلته
عناصر عولمة الاقتصاد الجديدة والمعلومات الاقتصادية في الدول المتقدمة. حيث نجد
أنه مع كل عام يمضي تحدث وتوضع في الخدمة الفعلية تقنيات متقدمة جديدة ومتجددة
لأنظمة التعامل مع المعلومات وإرسالها واستقبالها والتعامل معها، بما فيها النظم
المرئية والمسموعة عبر الهواء وغيرها من تقنيات عصر المعلوماتية. حتى كادت
تكنولوجيا الاتصال عن بعد وشبكة الانترنيت العالمية تحتل اليوم الحصة الأكبر
والأهم من سوق التجارة التي تشمل أوسع قائمة من المنتجات تشمل المواد الغذائية
وبضائع الاستهلاك وغيرها، وحتى منتجات النفط والغاز ومشتقاتهما. ليصبح عنصر رأس
مال واحد من أهم ملامح السوق المعلوماتية الاقتصادية في العالم، حيث نجد أن شركة
"مايكروسوفت" وحدها تمكنت على سبيل المثال في أواسط عام 2000 من امتلاك
رأس مال يقدر بحوالي 400 مليار دولار أمريكي، وهو ما يساوي في بعض التقديرات مجموع
رؤوس أموال كل شركات صناعة الطيران والفضاء والسيارات والتعدين في الولايات
المتحدة الأمريكية مجتمعة. وبغض النظر عن الانخفاض الحاد المفاجئ الذي سجلته في
مؤشر NASDAQ، الذي يسجل حالات تطور الاقتصاد الجديد، فإن انخفاض الاهتمام بهذا
الجزء المكون للاقتصاد العالمي، لا يتحدث عن التحول الجذري في الملامح العامة
للاقتصاد العالمي الذي يعتبر اقتصاد سوق المعلومات جزء أساسي منه. وببساطة أستطيع
القول بأن السوق المعلوماتية قد رفع شأنها بشكل مصطنع في مرحلة معينة لمصلحة البعض
لا أكثر، ولا أقل. مما يجعلنا نعتقد بأن ذلك كان من عوامل اقتراب الأزمة
الاقتصادية العالمية، التي تعرضت لها حتى الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. وتجدر
الإشارة هنا إلى أن الارتفاع المتصاعد بحدة لقطاع تكنولوجيا الاتصال عن بعد
الحديثة في عالم الاقتصاد اليوم هو عملياً من أهم عناصر التطور الاقتصادي للكثير
من الدول الصناعية المتقدمة. خاصة وأن تكنولوجيا المعلومات الحديثة قد خدمت فعلاً
الارتفاع الحاد والمفاجئ للإنتاج السلعي والمعلوماتي على حد سواء، إن لم نقتصر على
كل صنوف الاتجاهات الرئيسية للصناعة وقطاع الخدمات بكاملها. ونرى في بعض المؤشرات
تقييمات تشتمل على حسابات التجارة الإلكترونية وحسابات إدارة الكلفة الإنتاجية في الدول
المتقدمة، والتي تشير بعض المصادر إلى انخفاضها لنحو 10-12 %، إضافة لمؤشرات
العديد من الشركات العالمية العابرة للقارات التي تشير إلى ارتفاع الإنتاجية فيها
إلى نحو 30-40 % وأكثر.
وفي نفس الوقت نرى أن الدول
"المتخلفة" في مجال المعلوماتية كالدول النامية، ومن ضمنها الدول
العربية، وغيرها من دول العالم التي لا تهتم بشكل جدي بقضايا تطوير تكنولوجيا
المعلومات أصبحت تدريجياً تزداد تخلفاً في كل الحالات عن الدول
"الرائدة" في مجال صناعة واستخدام التكنولوجيا المعلوماتية الجديدة. مما
يجعلنا نتنبأ بالمصير الذي يؤدي إليه هذا الواقع المرير في المستقبل القريب على
مصير تلك الدول، إذ ليس من الصعب أن نتصور بروز استعمار من نوع جديد في العلاقات
الدولية الجديدة يمكن تسميته تجاوزاً بـ"استعمار تكنولوجيا المعلومات"
وأن هذا النوع الجديد من الاستعمار بالكامل يمكن أن يشكل على المدى المنظور بديلاً
ملائماً للتدخل العسكري والاقتصادي والسياسي المكلف للدول الكبرى في شؤون عالم
الغد، والذي يمكن أن تشمل قائمته حتى بعض الدول الكبرى المتخلفة نسبياً في مجالات
تكنولوجيا المعلومات كالاتحاد الروسي مثلاً. والبرهان على هذا يمكن أن يظهر من
خلال نظرة متفحصة في نتائج التطور الاقتصادي العالمي خلال العقود الماضية، والذي
رافقه تضييق مقصود على قضايا تلوث البيئة التقليدية، وقضايا الطاقة والصناعة
السلعية القامة فعلاً اليوم في دول "العالم الثالث"، لأن تلك الدول
النامية سعيدة طبعاً بالاستثمارات الأجنبية التي تصب في اقتصادها المتعثر، ولا
تنظر بجدية للآثار السلبية لتلك الاستثمارات الأجنبية، والتي هي مرة أخرى تشكل
أداة للتدخل في الاقتصاد والسياسة في تلك الدول، وتستخدمها الدول الكبرى المتقدمة
وبنجاح لزيادة تبعية تلك الدول اقتصاديا وسياسياً وعسكرياً بها. مما يدفعنا هنا للتساؤل
أيضاً عن مصير البدائل التي تطرحها بعض تلك الدول لحل مشاكل التطور الصناعي
والتكنولوجي في الدول "المتخلفة"، وأي مستقبل مشرق يا ترى ! ينتظر
اقتصاد المعلومات الجديد كل الجدة على تلك الدول ؟ ولا بد أن تلك الدول ستتحول
شاءت أم أبت إلى دول موردة للخامات والبضائع والمنتجات الصناعية والزراعية المنتجة
فيها باستثمارات وطنية وأجنبية، وتدفع قيمتها الدول "المتطورة" من أصل
قيمة المنتجات التكنولوجية المتطورة المنتجة في الدول المتقدمة والمصدرة للاستخدام
في الدول المتخلفة كما هو ملاحظ من أجل المتعة المكلفة لمستهلكي المعلومات
وتكنولوجيتها الحديثة دائمة التطور. وهو ما يجعلنا نجزم في الوقت الراهن بأن هذا
الوضع الذي أفرزته العولمة المعلوماتية وتمثله تكنولوجيا المعلومات والاتصال عن
بعد، وشبكة الانترنيت الآخذة بالانتشار والتوسع، قد أصبح أكثر وطأة من البداية
التكنولوجية العسكرية التي بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبحت جوهراً ليس
للتطور الاقتصادي وحسب، بل وأصبحت عاملاً مهماً ومؤثراً في العلاقات الدولية
المعاصرة، وأصبحت عاملاً من عوامل التأثير السياسي المتبادل الأكثر فاعلية على
مستوى العالم كله.
شبكة الانترنيت والعولمة الاقتصادية: ولا أحد يستطيع أن ينكر
أن شبكة الانترنيت العالمية أصبحت في عالم العلاقات الدولية اليوم الموجه الأقوى
في كل عمليات التفاعل السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي للعولمة. لأن عبارة
"الانترنيت" أصبحت تتكرر في الأمثلة الكثيرة التي يأتي بها الكثير من
الباحثين لدى تعرضهم لموضوع العولمة بكل فروعها واتجاهاتها. خاصة وأنه خلال العقود
الأخيرة فقط أصبحت العولمة مشكلة متشابكة للسياسة العالمية بعد انتهاء عصر
المواجهة الصريحة بين الدول المختلفة من حيث الأنظمة العقائدية والاجتماعية
والاقتصادية، وبعد أن أزيلت العوائق السياسية، من أمام فتح الأسواق العالمية
الضخمة التي كانت في السابق مغلقة أمام واردات الطرف الآخر، ورافق تلك العملية
تشابك العلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية مما خلق تأثيراً متصاعداً تختلف فيه
المعايير وتتفاوت من خلال تلك العلاقات وقوتها. ولكننا هنا لا يجب أن ننكر حقيقة
هامة وهي أن للعولمة نواح إيجابية متعددة، تقف في طليعتها حقيقة التقدم السريع
للعلوم والتكنولوجيا، وخاصة تكنولوجيا المعلومات والاتصال عن بعد والإدارة
الحديثة. وحقائق تطور الإنتاج الفكري والمادي عل حد سواء. وهذه العملية المتكاملة
لابد لها من حيث المبدأ أن تخدم تقدم البشرية ورفع مستوى حياة الإنسان في المجتمع
الدولي قاطبة، ولابد أن تشجع على ارتفاع مستواه الفكري والسياسي والاقتصادي
والتكنولوجي. ولكن هنا لابد أن نشير أيضاً إلى أنه ليس للعولمة نواح إيجابية فقط،
بل تحمل في طياتها مصادر تهديد فعلية للأمن القومي، ولاستقلال وسيادة بعض الدول.
خاصة بد ظهور أصوات تنادي بإنهاء "الفوضى السياسة لمصالح السياسة الخارجية
القومية" واستبدالها بـ"عولمة السياسة الخارجية لمختلف دول العالم لتصبح
سياسة داخلية للعالم بأسره". وهنا يمكننا بشيء من التأمل أن نتصور ما سيحدث
للمصالح القومية الحيوية لبعض الدول الضعيفة في عالم الغد.
ومن المعروف أنه كانت هناك
وستبقى على ما نعتقد موازنات في العلاقات الدولية المعقدة، ولكن تلك الموازنات من
الصعب أن تصمد أمام الهضم السياسي والاقتصادي الذي هيأ له التفوق العلمي
والتكنولوجي مكانة الصدارة في ظروف العولمة، وأن لذلك الهضم ملامح تنزع دائماً نحو
التوفيق الذي يرافق دائماً توسيع الهوة والخلاف بين المنتج والمستهلك، إذ أن الفرق
بين دخل 20 % من الأغنياء، و 20 % من الفقراء من سكان العالم في عام 1960 كان
30:1، أما في عام 1994 فقد أصبح 78:1. ولكننا هنا يجب أن لا ننسى الوجه الآخر لهذا
الوضع غير المتساوي، الذي أصبح في عصر العولمة الاقتصادية عالمياً، فحصة الدول
المتطورة تبلغ من الموارد الاستثمارية اليوم 70-80 % في العالم بأسره، وهي مركزة
بشكل رئيسي في الدول ذات الدخل المنخفض. ولهذا لابد أن نأخذ بعين الاعتبار مدى
تأثير العولمة الاقتصادية على تعميق حالة عدم المساواة بين دول العالم، والتهديدات
الواقعية التي يفرزها النظام الاقتصادي العالمي الجديد. وفي هذا طبعاً دوراً غير
إيجابي لشبكة الانترنيت العالمية يمكن أن تلعبه مع ازدياد الهوة بين الدول
المتقدمة والمتخلفة، لتصبح بذلك أداة تسمح لبعض الدول وبعض الاتحادات الاقتصادية
العالمية العابرة للقارات بالوصول إلى غاياتها الاقتصادية والسياسية والثقافية،
دون استخدام وسائل السيطرة العسكرية المكلفة والخطيرة.
وهنا يبدوا للبعض أنني أريد
هنا أن أطلق العنان للتشاؤم من النتائج المرتقبة للعولمة الاقتصادية الآخذة
بالاتساع، وخاصة نتائج انتشار تكنولوجيا المعلوماتية والاتصال عن بعد المتطورة، بل
على العكس فإن ما أريده هو أدعو الدول المتخلفة إلى العمل الجاد في إطار سياسات
التعاون الإقليمي والدولي من أجل حل المسائل الحيوية المعيقة لجهود ردم الهوة
المتعاظمة والفاصلة بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة، وإزالة العوائق عن طريق
ولوج الدول المتخلفة عالم إنتاج وتطوير تكنولوجيا المعلومات بشكل جماعي،
وبالاستفادة من الكوادر الوطنية وخلقها وتشجيعها. وعدم الاكتفاء باستيراد واستهلاك
تلك التكنولوجيا المتطورة فقط، حفاظاً على المصالح الحيوية لتلك الدول وحماية
لأمنها القومي الذي لابد وأن يصبح جماعياً وإنسانياً في التعامل مع الدول الرائدة
في هذا المجال الحيوي والهام والمصيري للبشرية جمعاء. ومن العدل هنا أن نشير إلى
ما قاله أحد الاقتصاديين الكبار في مجال "اقتصاد المعلوماتية" من أنه
" إلى حد كبير تحدد مصير أي مجتمع إمكانية أو عدم إمكانيته إدارة
التكنولوجيا، وخاصة التكنولوجيا الإستراتيجية"، وأي مجتمع يستطيع أن يستخدم
إمكانيات الدولة لخنق سبل تطوير التكنولوجيا الحديثة أو لازدهارها على السواء،
لأنه مع التدخل الحكومي تبدأ عملية تسريع وترشيد التقدم التكنولوجي الذي يمكن خلال
بضع سنوات من تتغير الاقتصاد الوطني، الذي ترتفع معه إمكانيات المناعة العسكرية
والأمنية والرفاهية الاجتماعية للمجتمع المحلي الذي هو جزء من المجتمع الإنساني.
ولأن اقتصاد السوق المنفتح الحالي يتمتع بمستوى رفيع أكثر من أي وقت مضى، ويرافق
التغييرات التكنولوجية سريعة التقدم، وهو السوق الذي تعود فيه رجال الأعمال أن
يستخدموا كل ما هو جديد في عالم منجزات تكنولوجيا الاتصال عن بعد والمعلوماتية
بشكل دائم وواسع وفي كل دول العالم، ضمن الإستراتيجية العامة التي وضعتها الحكومات
في الدول التي تساند الأبحاث العلمية، الهادفة إلى تطوير وتطبيق واستخدام كل السبل
الممكنة لاستخدام تكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية. وبهذا الشكل تصبح تكنولوجيا
المعلوماتية في ظروف العولمة الاقتصادية، تكنولوجيا معلومات تخدم إقامة صرح الاقتصاد
الجديد الذي يعتمد على المساواة الفعلية القائمة على التنافس المبني على أسس
التقدم العلمي والتكنولوجي، ويحتاج لتغييرات جذرية وهيكلية في البنية الاقتصادية،
تغييرات تعتمد إلى حد كبير على الفوارق الجوهرية التي تتحكم بعمليات التطور
الجارية في كل دولة من دول العالم.
خاصة وأنه لوحظ خلال العقود
الثلاثة الأخيرة ارتفاع حجم تدفق رؤوس الأموال العالمية القادمة من الدول الرائدة
في مجال اقتصاد السوق واتساع مجالات استخدامها، بشكل تغيرت معه ملامح العلاقات
الاقتصادية الدولية جذرياً، بعد أن تجاوزت حصة تلك الدول في الاقتصاد القومي للدول
الأخرى عشرات المرات عما كانت عليه قبل عقدين من الزمن. إضافة إلى حقيقة تمكين
التكنولوجيا الجديدة لرجال الأعمال من تحويل رؤوس الأموال من دولة إلى أخرى خلال
ثوان ودون عوائق تذكر، لهذا نستطيع القول بأن رأس المال في ظروف العولمة
الاقتصادية أصبح عملياً مرتبطاً بالمصالح الاقتصادية للعالم كله. وأن تدفق رؤوس
الأموال أصبح عالمياً وأكثر استقلالاً عن أي اقتصاد منفصل آخر.
إضافة لحقيقة أخرى مثيرة
للجدل تقول بأن سوق العمل الذي ينظر إليه تقليدياُ كسوق متشعبة، أصبح واقعياً
سوقاً عالمية، لأن: الشركات الكبرى أصبح بإمكانها اليوم أن توزع مواقع إنتاجها في
مختلف الأماكن في العالم وفق متطلبات السوق المنفتحة عالمياً، وتجنب الأخطار
التجارية، ووفق الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية هنا وهناك؛ والشركات
الكبرى أصبح بإمكانها استقطاب العلماء والعمال المهرة الذين تحتاجهم من أي دولة من
دول العالم، من خلال الحوافز والأجور وشروط وظروف العمل الأفضل التي توفرها لهم؛
والكثيرين من الكوادر المتخصصة في دول العالم الثالث أصبحت تبحث عن العمل الملائم
اليوم في السوق العالمية للعمل، وخاصة الكوادر الوطنية في الدول النامية التي
تعاني من مشاكل اقتصادية مستعصية، أو في تلك الدول التي تجري على أرضها الحروب
والصراعات والنزاعات المسلحة؛ والتطور العلمي، والمعلومات العلمية، والتكنولوجيا
المتطورة أيضاً أصبحت جزءاً لا يتجزأ من العولمة الاقتصادية الحديثة، التي تتطلب
ظروف المنافسة الشريفة فيها حماية صارمة لحقوق الملكية الفكرية، وتوفير ضمانات
أكيدة لتوزيع ثمارها بشكل عادل يحقق لها الأداء الأمثل لدورها الحقيقي الذي يجب أن
تلعبه، وهو ما يصعب تحقيقه ف الدول التي لا تتركز فيها مراكز البحث العلمي، ولا
تشكل مراكز البحث العلمي فيها القاعدة الصلبة للتطور العلمي على المدى الطويل في
مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصال عملياً؛ وتطور القواعد العلمية وزيادة حجم
الموارد المعلوماتية والمادية من أجل إنتاج التكنولوجيا الحديثة وإمكانيات توزيع
تلك الموارد في ظروف العولمة الاقتصادية لتصبح من أهم مصادر القدرة على التنافس في
السوق العالمية المنفتحة، هي من شروط تعويض النقص الناتج عن الإنتاج المنخفض في
بعض الدول، وتساعد على الوصول إلى الأسواق المتكاملة الكبيرة لبعض الدول ذات
الإمكانيات السياسية والإدارية المتطورة، أو حتى لمناطق جغرافية بأكملها. لأن
المعلومات أصبحت اليوم من الموارد الإستراتيجية الهامة التي يسمح استخدامها من قبل
من يملك ومن لا يملك الموارد المادية، والقوى البشرية، ورؤوس الأموال الكافية أن
تكون من حوافز المنافسة، لأن المعلوماتية أصبحت أداة رئيسية من أدوات التأثير على
مختلف مجالات الفكر الإنساني من خلال قدرتها على تشكيل الإنسان وقناعاته ومواقفه.
ومن الواضح الآن أن تطور
مختلف بلدان العالم يعيش في الظروف الراهنة ثورة معلوماتية واتصالية جديدة حقيقية،
ويقف في طليعة تلك الثورة التعاون الدولي في إطار الاتحادات العالمية لمستخدمي
ومنتجي تقنيات وبرامج الحاسب الآلي دائمة التطور، ويبقى العنصر الرئيسي حتى الآن
ودون منافس يذكر للبنية التحتية العالمية الجديدة للمعلوماتية هو شبكة الانترنيت
العالمية. وعلى ما يبدو أن ذلك لم يكن محض صدفة عندما اختارت الولايات المتحدة
الأمريكية الرائدة في هذا المجال خيار تطوير شبكة الانترنيت وعولمتها، لأنها كانت
ولم تزل تسعى من خلالها وغيرها من عناصر العولمة للبقاء الفقرة الهامة في كل
النظام العالمي، وعلى امتداد المرحلة الجديدة التي تعيشها عملية تطور العولمة
الاقتصادية. وشبكة الانترنيت العالمية اليوم على سبيل المثال هي حقيقة تمثل إحدى
ظواهر السياسة الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية من خلال علاقتها المتجددة مع
الاتحاد الروسي والمتمثلة بتحجيم تقديم المساعدات المالية إليه، في نفس الوقت الذي
تحرص فيه على استمرار التعاون معه في المجالات النووية، والمجالات المساندة
والواسعة لتعميم استخدام الحاسب الآلي ونشر شبكة الانترنيت العالمية على أراضيه
دون تمكينه من تطوير أية تقنيات حديثة قد تشكل تهديداً لطموحاتها المعلوماتية
مستقبلاً. وبغض النظر عن الأهداف المعلنة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة
الأمريكية والتي تتحدث عن الإسهام في نشر الديمقراطية المعلوماتية وتأمين الوصول إلى
المعلومات لكل أطراف معادلة العلاقات الدولية المعاصرة. فعلى ما يبدو أن الخلفية
الحقيقية وغير الظاهرة تكمن في تلك المساعدات التي تقدمها له ولغيره من الدول
العالم، أنها تضمن كحد أدنى المساهمة في تطوير كل المجالات التي ترتبط بالمصالح
الاقتصادية، ومصالح الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية وحدها.
ولكن والهدف السياسي يعتبر
عنصراً هاماً في العلاقات الدولية، وشبكة الانترنيت العالمية تعتبر الوسيلة
الفريدة للتبادل الإعلامي الدولي. ويعتبر الوصول إلى شبكة الانترنيت العالمية
واقعياً هو الوصول إلى العالم الحديث، المتحرر من أي حدود أو حواجز. لأن شبكة
الانترنيت العالمية اليوم تتيح الاتصال وتبادل المعلومات بين الأفراد والجماعات
والدول أينما كانوا في المحيطات أم في الغابات أم في الصحاري أم في الجبال أم في
الفضاء الكوني، إضافة إلى دورها المتزايد اليوم في التجارة الإلكترونية التي تسمح
بعقد الصفقات التجارية عبر بورصة نيويورك لرؤوس الأموال أو طوكيو أو غيرها في
أنحاء مختلفة ومن أي بقعة من العالم، وتسهيلها لعملية الحصول على آخر الأنباء التي
تنشرها مختلف وسائل الإعلام الجماهيرية المقروءة والمسموعة والمرئية، وإتاحتها
فرصة كتابة الأخبار والتحقيقات المصورة وتوزعها إلى مختلف أنحاء العالم دون عائق
يذكر. وهو ما يسمح لنا بإطلاق لقب عدو المجتمعات المغلقة على شبكة الانترنيت
العالمية. والانتشار الواسع لهذه الشبكة داخل الاتحاد السوفييتي السابق والدول
الدائرة في فلكه، كان من غير الممكن لولا الإصلاحات التي بدأت في الاتحاد
السوفييتي السابق خلال العقد الثامن من القرن الماضي وأدت في النهاية إلى انهياره
المفاجئ في مطلع التسعينات من القرن الماضي. والدرس المستفاد من انهيار النظام
السوفييتي السابق والمنظومة الاشتراكية، أنهم كانوا غير مهيئين لمتطلبات العولمة
الاقتصادية الجديدة التي أخذت بالتبلور آنذاك، ولا تتلاءم مع الحدود المغلقة في
المجال المعلوماتي والسياسي السائد آنذاك. وهو ما يضع الكثير من دول العالم أمام
خيارات صعبة لا تقبل التأخير أو التأجيل للولوج في عصر العولمة المعلوماتية من
أوسع أبوابها ووضع قواعد إيجابية وقانونية له قبل فوات الأوان.
السياسات القومية
وتكنولوجيا المعلوماتية:
ومع تزايد الفهم الواسع والمستمر لتفوق الولايات المتحدة الأمريكية في مجال
تكنولوجيا المعلوماتية والاتصال عن بعد وسيطرتها على أسواقها. نرى أن الاتحاد
الأوروبي قد بادر إلى اتخاذ خطوات حثيثة لتجاوز التأخر في هذا المجال الحيوي. وأنه
حتى نهاية عام 1999 تمكن من وضع إستراتيجيته الأوروبية الخاصة لتطوير "السوق
المعلوماتية الأوروبية"، وبذلت محاولات نشيطة للحاق بالولايات المتحدة
الأمريكية من قبل اليابان. وتضمنت السياسات القومية في مجال تكنولوجيا المعلوماتية
إجراءات ملموسة في الصين، والهند، والعديد من دول العالم. ولكن ما يثير للانتباه
حقاً النموذج الهندي في مجال السياسة القومية لتكنولوجيا المعلوماتية، حيث تضمنت
السياسة الحكومية الهندية خلال العقود الأخيرة خيار رعاية ومساندة الدولة لإقامة
صناعة وطنية لبرامج الحاسب الآلي المعدة للتصدير، وللتعاون مع الشركات العالمية
الكبرى العاملة في مجال الاتصالات المرئية. ووفق التقديرات المنشورة فإن رأس مال
الشركات الهندية العاملة في هذا المجال بلغت في عام 2000 أكثر من 25 مليار دولار
أمريكي، وبلغت صادراتها من البرامج المنتجة حوالي 3 مليارات دولار أمريكي. وهي
أرقام تدعو الدول النامية للتأمل والتفكير على ما أعتقد. وإذا تحدثنا عن تجربة
الاتحاد الروسي في المجال المعلوماتي الدولي فإننا نراها لم تزل متواضعة جداً، ولا
تلبي لا المصالح الوطنية ولا مصالح الاتحاد الروسي كدولة عظمى، ولا متطلبات
الإمكانيات التقنية والعلمية الروسية، ولا مستوى التطور الثقافي لشعوب الاتحاد
الروسي، وهذا الوضع تعترف به حتى السلطات الاتحادية الروسية نفسها، وهو ما أشار
إليه الرئيس فلاديمير بوتين عندما ذكر في معرض مناقشته لموضوع التكنولوجيا المتقدمة
في الاتحاد الروسي أنه "دبت الحياة فيها ولكن ومع الأسف، فإن مستوى تطور
الاقتصاد الجديد لا يتفق وأهميته من أجل البلاد". وعلى ما يبدوا أنه في
الاتحاد الروسي لم يزل هناك فاصل بين إمكانيات الدولة المتوفرة لتطوير التكنولوجيا
الجديدة واحتياجات المصالح الوطنية في هذا المجال الهام.
ومن قراءة لبيانات وزارة
الاتصالات والمعلومات في الفيدرالية الروسية، نجد أنه في الفيدرالية الروسية
حالياً حوالي 3 ملايين نسمة تستخدم خدمات شبكة الانترنيت العالمية، وهذا الرقم
يمثل حوالي 2 % من عدد السكان. وتتوقع تلك البيانات أن يزداد عددهم ليبلغ 6 ملايين
نسمة خلال السنوات الخمس القادمة، وأن يبلغ عددهم حتى عام 2010 أكثر من 26 مليون
إنسان. وحسب معطيات الوزارة المعنية فإن حجم الخدمات المعلوماتية في المجال
المعلوماتي للاتحاد الروسي لشبكة الانترنيت العالمية قد ارتفع في عام 2000 مقارنة
بعام 1999 إلى نحو مرتين تقريباً وبلغ 460 مليون دولار أمريكي. وفي عام 2000 بلغ
حجم إسهام تكنولوجيا المعلومات وخدماتها بما فيها خدمات شبكة الانترنيت العالمية
من مجموع الناتج القومي حوالي 4,7 مليار دولار أمريكي. ولكن المحللين يعتبرون ذلك
أقل بكثير عن 4 % وأكثر من الناتج القومي المميز لمؤشرات الدول المتطورة الكبرى.
ومنذ وقت قريب وضع مشروع قدم للحكومة الفيدرالية الروسية يتضمن برنامجاً فيدرالياً
يهدف إلى تطوير استخدام التجارة الإلكترونية، ويسهم في خلق الظروف الضرورية من أجل
انتشار استخدام التجارة الإلكترونية، وتطبيق إجراءات تفسح المجال أمام التجارة
الإلكترونية من أجل أن تساهم في التطور الاقتصادي للاتحاد الروسي، وزيادة عدد فرص
العمل المتاحة للكوادر الوطنية المدربة والإسهام في عملية رفع مستوى حياة
المواطنين، وخطط في المرحلة الأولى للبرنامج والتي تستمر من عام 2002 وحتى عام
2003، اتخاذ إجراءات عملية لإنشاء قاعدة قانونية توفر الظروف المثالية للاستثمار
في مجال تطوير البنية التحتية اللازمة في مجال التجارة الإلكترونية. وفي المرحلة
التالية والتي تستمر حتى عام 2006، القيام بكل ما يمكن تطبيقه من إجراءات عملية
لتطوير وتوسيع استخدام شبكات الحاسب الآلي، والارتفاع بعدد المستفيدين من خدمات
شبكة الانترنيت العالمية إلى 15 % من عدد السكان، وتحقيق انتقال الجهات الحكومية
إلى استخدام تكنولوجيا التجارة الإلكترونية الحديثة.
ومن التجربتين أنفتي الذكر
نلاحظ أن التجارة الإلكترونية أخذة بالتوسع والانتشار بالتدريج في العلاقات
الدولية، وأن ذلك الانتشار مرتبط إلى حد كبير بالوعي الذي تبديه الحكومات لأهمية
تكنولوجيا المعلوماتية وسعيها للدخول في عالم تكنولوجيا المعلوماتية وهو سعي لا
يقل أهمية عن مساعي "سباق التسلح" للدفاع عن المصالح القومية العليا.
وفي الوقت الحاضر نرى أن الآلاف من الساحات التجارية الإلكترونية الضخمة العاملة
في الدول المتطورة والأقل تطوراً على حد سواء في مجال تكنولوجيا المعلوماتية
والاتصال عن بعد، تتناول في نشاطاتها مجالات متعددة، منها تسويق الخامات والمنتجات
الزراعية والغذائية، والنفط والغاز، ومجالات الاتصال المسموع والاتصالات المرئية،
ومجالات البناء والخدمات المعلوماتية، والتأمين والنقل، والصناعات الكيماوية،
وغيرها من مجالات العلاقات الاقتصادية الدولية. ونرى أن الشركات الوطنية بما فيها
شركات النفط والغاز، آخذة أكثر فأكثر بتطوير إمكانيات مواردها المعلوماتية عبر
شبكة الانترنيت العالمية، وإدخال تكنولوجيا المعلوماتية والاتصال عن بعد في مجال
العمل والإدارة. وهناك الكثير من الأمثلة الوطنية للاستخدام الفاعل للتكنولوجيا
الجديدة، التي يؤدي استخدامها إلى تحسين الإنتاج وترشيد عملياته، وتحسين نوعية المنتجات
وتسويقها إلى حد كبير.
وبرأيي أن الاتجاه الأكثر
قابلية للتطور في مجال تطوير تكنولوجيا المعلوماتية والتجارة الإلكترونية في
العلاقات الدولية للدول النامية ومن بينها الدول العربية هو الشروع في: التوسع في
إنتاج مكونات وبرامج الحاسب الآلي، وتشجيع منتجيها على التصدير، وإقامة أنواع من
الشراكة مع الشركات العالمية الرائدة في هذا المجال؛ وتطوير إنتاج بدائل للبرامج
المستوردة، وبدائل لبعض مكونات نظم شبكات الاتصالات المرئية والمسموعة، والاتصالات
بالألياف البصرية وغيرها؛ وتشجيع مؤسسات التعليم العالي والقطاع الخاص لممارسة
أعمال البحث العلمي والاختراع في مجال تكنولوجيا المعلوماتية والاتصال عن بعد،
ومضاعفة الإسهامات الحكومية فيها؛ وتحفيز إقامة وتطوير الشركات الوطنية العربية
الكبيرة القادرة على العمل، والمتخصصة في مجال تكنولوجيا المعلوماتية والاتصال عن
بعد، و في الوقت ذاته تشجيع دخول رجال الأعمال العرب، وقطاع الأعمال الحرة عالم
تكنولوجيا المعلوماتية والاتصال عن بعد؛ وإدخال مبادئ تقنيات تصميم وإنتاج وصيانة
تكنولوجيا المعلوماتية والاتصال عن بعد في مناهج التعليم قبل الجامعي وتعريبها؛
وتشجيع التأليف والنشر وإصدار الدوريات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية المتخصصة
بقضايا تكنولوجيا المعلوماتية والاتصال عن بعد. وأخيراً فإن تطور العمل في مجالات
تكنولوجيا المعلوماتية والاتصال عن بعد لا يعتبر فقط من الحلول الناجعة لبعض مشاكل
الاقتصاد الوطني في بعض الدول العربية وحسب، بل ويوفر للأمن القومي العربي فرصة
أكبر للتكامل والمنعة والقوة تعادل مدى وحجم ارتفاع الاقتصاد القومي العربي بشكل
عام.
وهنا يجب أن نأخذ باعتبارنا
مساعي الدول العربية للتكامل الاقتصادي ليس بينها وحسب، بل ومع الاقتصاد العالمي،
الذي تشكل السياسات الحكومية العربية في مجال المعلوماتية محوره، ويجب أن تأخذ تلك
السياسات في اعتبارها خبرة السياسات المعلوماتية للدول المتطورة في العالم، والتي
يمكن أن تسهم في ردم شيء من الهوة التي تفصلها عنها. وحسب رأي الكثيرين من
المحللين، أن أهم شركاء المستقبل للدول النامية في مجال التكنولوجيا الجديدة هي
الولايات المتحدة الأمريكية، التي تعاني اليوم من عجز كبير في المبرمجين المدربين،
وتملك أضخم سوق معلوماتية دولية، منتشرة عملياً في كل أنحاء العالم. وأن الشركات
الأمريكية تستطيع أن تستوعب البرامج المنتجة في بعض الدول النامية لو رغبت ذلك،
وأنها تستطيع توفير فرص تسويق لمنتجات تلك الدول من مكونات تكنولوجيا المعلوماتية
والاتصال عن بعد وبرامجها، وتصديرها إلى الأسواق الغربية. والدول النامية ومن
بينها الدول العربية تستطيع بالكامل أن تسد العجز الذي تعاني منه الولايات المتحدة
الأمريكية، وبعض الدول المتقدمة من المبرمجين والعاملين المتخصصين الفائضين لديها،
والمتوفرين في سوق العمل العالمية. خاصة وأن بعض تلك الدول تتمتع بمستويات رفيعة
من التعليم المتخصص لدى القسم الأعظم من سكانها، إضافة إلى أنه لبعض تلك الدول
منجزات ملموسة في مجال العلوم الأساسية التي يمكن أن تكون في خدمة الاقتصاد
العالمي المعاصر.
وختاماً أقول أن الكثير
يتوقف على الحكومات وعلى الإرادة السياسية الصلبة، لإنشاء البنى التحتية اللازمة،
والقواعد القانونية الكفيلة بإقامة مؤسسات قومية تسمح للدول العربية مجتمعة بتحقيق
إمكانيات علمية وتقنية رفيعة، تستطيع أن تشغل مكانتها الملائمة في السوق العالمية
للتكنولوجيا العالمية المتقدمة. وهي خطوة أولى من المهام الكثيرة التي من دون حلها
سيزداد تخلف الدول العربية عن الدول "الرائدة" في مجال تكنولوجيا
المعلوماتية والاتصال عن بعد، وتهدد اقتصادها بالتبعية والخضوع الدائم للمستورد من
المنتجات المعلوماتية والتكنولوجية من الدول المتقدمة. ولا أعتقد أنه هناك من
يستطيع أن يسمح بأن تتخلف الدول العربية عن عملية العولمة المعلوماتية والاقتصادية
والسياسية، ولا أن يسمح بتعريض مصالح الأمن القومي العربي لأية أخطار يصعب حلها في
المستقبل. ولهذا أرى أنه لابد من الدعوة للشروع وفق الإمكانيات المتوفرة والمتاحة
وبأقرب وقت ممكن لوضع مشروع قومي وإقراره والبدء في تطبيقه من أجل تطوير تكنولوجيا
المعلوماتية في الوطن العربي، آخذين بعين الاعتبار حاجات السياسات الخارجية للدول
العربية ومسايرتها لمراحل تطور العلاقات الدولية في العالم المعاصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق