العلاقات الأوزبكستانية الأوروبية بين الشراكة والتعاون الإستراتيجي، والأمن في أوروبا وآسيا المركزية
كتبها أ. د. محمد البخاري: مستشار رئيس معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، أستاذ مساعد في قسم العلاقات الدولية بالمعهد، وقسم الإعلام الدولي بكلية الصحافة بجامعة طشقند الحكومية. ونشرت في مجلة السياسة الدولية، العدد 138/1999، أكتوبر/تشرين أول. ص 193-195.
لعل هدف إبعاد خطر "الحرب الباردة" وتوفير الأمن لأوروبا، بعد انهيار المنظومة الشيوعية. كان من وراء مساعي الدول الأوروبية منذ عام 1992 إلى ضم أكثر الدول المستقلة حديثاً عن الإتحاد السوفييتي السابق، إلى عضوية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وكان من بين تلك الدول، جمهوريات آسيا المركزية (أوزبكستان، قازاقستان، قرغزستان، تركمانستان، طاجكستان) رغم بعدها الجغرافي الكبير عن أوروبا. وقد تكون تلك الخطوة من منطلق سد الفراغ في المنطقة والحيلولة دون عودة النظام الشيوعي إلى المنطقة، وخوفاً من مفاجآت قد تحصل على الواقع السياسي في منطقة هامة وحيوية في قلب القارة الآسيوية، أكثرية سكانها المطلقة من المسلمين، وكان لأجدادهم حتى نهاية القرن الماضي تأثير يذكر على موازين العلاقات الدولية.
ولعل منطلق دول آسيا المركزية للانضمام للمنظمة الأوروبية، كان قبل كل شيء رغبة التمتع بالعضوية متساوية الحقوق في منظمة أوروبية ذات وزن عالمي، تساعد العضوية فيها على تسريع عملية اندماجها في المجتمع الدولي. بعد عزلة استمرت منذ بدايات الاحتلال الروسي للمنطقة في القرون الماضية، وازدادت حدة خلال سبعة عقود ونيف من الحكم السوفييتي الذي قسم تركستان الروسية خلال عشرينات القرن الحالي إلى ما نعرفه اليوم بجمهوريات آسيا المركزية، وتحقيق الأمن والاستقرار الذي تحتاجه تلك الدول للنهوض بخطط الإصلاحات الجذرية المستمرة فيها حتى اليوم.
ولكن الذي حدث بعد مرور سبع سنوات على انضمام تلك الدول للمنظمة الأوروبية، أن برزت تساؤلات عديدة أمام المسؤولين في تلك الدول، تحتاج لإجابات شافية، تقنع بمدى جدوى انضمام دول آسيا المركزية لهذه المنظمة الأوروبية، وعلى الخصوص ما تحقق لها بمساعدة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في مجال تعزيز الأمن والاستقرار في آسيا المركزية، والدول المجاورة لها. حيث يشير المراقبون في المنطقة إلى حقيقة هامة مفادها صعوبة إيجاد أية خطوات إيجابية قامت بها المنظمة الأوروبية في هذا المجال الحيوي لدول المنطقة.
مما دفع رئيس جمهورية أوزبكستان إسلام كريموف، أثناء استقباله للممثل الخاص للرئيس الحالي لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ويلهلم هاينك في مقره بقصر أق ساراي بطشقند، في حزيران/يونيو الماضي إلى طرح تلك التساؤلات. فأوزبكستان المتمتعة بأهمية إستراتيجية خاصة في المنطقة، بسكانها البالغ عددهم حوالي الـ 23 مليون نسمة، إضافة لثرواتها الطبيعية الكبيرة، والتقدم العلمي والتقني الذي وضعها في المركز الرابع بين جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق الـ 15، انضمت إلى عضوية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا منذ سبع سنوات مضت. واتخذت المنظمة الأوروبية من عاصمتها طشقند مقراً لمكتبها الإقليمي بآسيا المركزية. وقطعت أشواطاً كبيرة لبناء أسس الديمقراطية في الدولة والمجتمع، وسعت دائماً للتكامل مع الدول الأوروبية، والتعاون معها استراتيجياً، ضمن إطار تلك المنظمة التي توليها أوزبكستان أهمية خاصة، وضمن الإتحاد الأوروبي المتحالفة معه استراتيجياً.
وقد أشار الرئيس الأوزبكستاني خلال ذلك اللقاء إلى حقيقة هامة، مفادها غياب مشاكل المنطقة عن وثائق المنظمة الأوروبية، التي لم تتعرض أبداً لمشاكل الأمن في آسيا المركزية. رغم مرور سبع سنوات على عضوية دولها في المنظمة الأوروبية، ولمس ذلك من خلال مشاركته في العديد من اللقاءات التي دعت إليها المنظمة الأوروبية. وتساءل عن الكيفية التي تم من خلالها الدفاع عن مصالح دول آسيا المركزية خلال تلك المدة. وعبر عن أسفه الشديد ! لإراقة الدماء المستمر في أفغانستان المجاورة لدول آسيا المركزية. ولاستمرار تهريب المخدرات والأسلحة في المنطقة بشكل واسع. إضافة لاستمرار العمليات العسكرية المقلقة في طاجكستان. ودعى المنظمة الأوروبية إلى المساهمة الجدية في حل تلك المشاكل الحيوية بالنسبة لدول آسيا المركزية، وعدم الاكتفاء بالدفاع عن أمن وتقدم أوروبا فقط، بل الدفاع عن مصالح كل الدول الأعضاء في المنظمة. وإفساح المجال أمام كل الدول الأعضاء في المنظمة بما فيها دول آسيا المركزية، للمشاركة في اتخاذ القرارات، انطلاقاً من المكانة الهامة التي تشغلها فيها.
وانتقد الرئيس كريموف كذلك مبدأ حصر المناصب القيادية في المنظمة الأوروبية بممثلي الدول الأوروبية فقط، واقترح إنشاء هيئة داخل المنظمة تعنى بمصالح دول آسيا المركزية. انطلاقاً من قناعته بأن أحادية الجانب تلك، معيقة لاتخاذ القرارات العادلة في إطار المنظمة. مشيراً إلى عدم تطابق معايير الدول الغربية دائماً مع معايير الدول الشرقية. مؤكداً على أن الإجراءات التي تتخذها المنظمة انطلاقاً من وجهة نظر المعايير الأوروبية فقط، قد تلحق الضرر بمصالح آسيا المركزية، خاصة وأن "لكل شعب مقدساته، ولكل قومية معاييرها الخاصة".
ومن المعروف أن الأهداف التي قامت المنظمة الأوروبية من أجلها هي: شؤون الأمن، والاقتصاد، وحقوق الإنسان. ورغم ذلك وكما يلاحظ المراقبون، أن المنظمة ركزت اهتمامها في آسيا المركزية على حقوق الإنسان فقط، وتناست الأهداف الأخرى التي قامت من أجلها. مما دعى الرئيس كريموف مرة أخرى لانتقاد قيادة المنظمة التي تركز على حد تعبيره على حقوق الإنسان من خلال التقارير فقط، وقال: "إذا نحن أبدينا الاهتمام بالدفاع عن حقوق الإنسان، وتحسين حياة الناس، فنحن نفعل ذلك ليس من أجل تقارير المنظمة أو غيرها من المنظمات. لأن بناء المجتمع الديمقراطي العادل يعتبر هدفنا الرئيسي".
وعلى ما نعتقد أن الوضع بحاجة للتغيير، وهو ما تنتظره دول المنطقة من نتائج الاجتماع القادم للمنظمة الذي سيعقد في اسطنبول، والذي وعد ممثل الرئيس الحالي للمنظمة الأوروبية، خلال زيارته لأوزبكستان، بطرحها من خلال تقريره على قيادة المنظمة، تمهيداً لمناقشتها من كل الجوانب خلال الاجتماع المنتظر. تلك النتائج التي يمكن أن تعطي الرد الحاسم على الكثير من التساؤلات المطروحة، والتي يمكن أن تلقي الضوء على الوضع الحقيقي لعضوية دول آسيا المركزية في المنظمة، والدور الذي يمكن أن تلعبه المنظمة الأوروبية في حل العديد من المشاكل المستعصية التي تواجه تلك الدول، على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
خاصة بعد بدء سريان اتفاقية الشراكة والتعاون الإستراتيجي بين جمهورية أوزبكستان والإتحاد الأوروبي، في مطلع تموز/يوليو 1999، والتي سبق ووقعها رئيس جمهورية أوزبكستان إسلام كريموف أثناء لقاء رؤساء، ورؤساء حكومات الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي بتاريخ 21/6/1996 في فلورنسا. واحتاج سريانها لعامين من الجهود والإجراءات المعقدة اللازمة لتصديقها من قبل برلمانات الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي، ومن قبل البرلمان الأوروبي أيضاً.
ويفسر المعلق السياسي لوكالة الأنباء الأوزبكستانية "جهان"، نظرة أوزبكستان من "الإتحاد الأوروبي بأنه يشغل اليوم المرتبة الأولى في العالم من حجم التجارة العالمية، ويعتبر من أضخم المصدرين في العالم للمواد الغذائية والمنتجات الصناعية".
ومن المعروف أن للإتحاد الأوروبي علاقات دبلوماسية مع أكثر من 130 دولة من دول العالم، إضافة لكونه عضو مراقب في منظمة الأمم المتحدة، ويشارك في لقاءات القمة للدول السبع المتقدمة في العالم، ممثلاً بشخصية رئيس الإتحاد الأوروبي، وأعضاءه الأربعة الكبار فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا العظمى، وإيطاليا.
وكانت العلاقات الدبلوماسية بين أوزبكستان والإتحاد الأوروبي، قد أقيمت رسمياً في خريف عام 1994، ورافقها افتتاح الممثلية الدبلوماسية الأوزبكستانية في بروكسيل.
وكما يمكن اعتبار أوزبكستان اليوم، الشريك التجاري والاقتصادي المهم للإتحاد الأوروبي في آسيا المركزية. بعد زيادة حجم التبادل التجاري بين أوزبكستان ودول الإتحاد الأوروبي إلى نحو 1 مليار و 592.6 مليون دولار أمريكي في عام 1998 والذي من المتوقع زيادته خلال عام 1999 بعد سريان اتفاقية الشراكة والتعاون الإستراتيجي بينهما.
ومن الحلقات الهامة في التعاون بين أوزبكستان والإتحاد الأوروبي، لجنة برنامج المساعدة التقنية للإتحاد الأوروبي (تاسيس)، الذي يقدم الدعم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للإصلاحات التي تنفذها الحكومة الأوزبكستانية منذ الاستقلال، وتشمل مجالات ترشيد النظام القانوني، وتطوير شبكات الطاقة، والنقل، والاتصالات المرئية، والزراعة والتصنيع الزراعي، والقطاع الخاص، وعملية الخصخصة، وإعداد وإعادة إعداد الكوادر، وفي تدعيم نظام الإدارة الحكومية. وتم منذ بداية تطبيق برنامج (تاسيس) في أوزبكستان في عام 1992 وحتى الآن، تمويل 79 مشروعاً بمبلغ إجمالي بلغ 80 مليون دولار أمريكي.
ومن المعروف أيضاً الدور الهام الذي يلعبه برنامج الإتحاد الأوروبي "تراسيكا"، الموجه نحو تطوير ممر للنقل البري يربط غرب وشرق أوروبا، عبر البحر الأسود، والقوقاز، وبحر قزوين بآسيا المركزية. ليفتح أمامها إمكانيات كبيرة بديلة وأكثر ثباتاً لكل الدول التي يمر داخل أراضيها ولا تملك منافذ على البحر، للخروج إلى شبكات طرق النقل الأوروبية والأسيوية، ويفتح أمامها الآفاق الجديدة واسعة لتوسيع قدراتها التصديرية، وتنشيط نشاطاتها التجارية الخارجية. وهنا لابد من الإشارة إلى الدور الهام والرئيسي لأوزبكستان في تنفيذ هذا المشروع من خلال كوادرها المدربة، والذي يعتبر من مشاريع القرن القادم.
ويعتبر سريان مفعول اتفاقية الشراكة والتعاون الإستراتيجي بين أوزبكستان والإتحاد الأوروبي، قبل كل شيء ترسيخ للأساس القانوني والرسمي المنظم لعلاقات الشراكة والتعاون بين جمهورية أوزبكستان والإتحاد الأوروبي. ويعني أن العلاقات الأوزبكستانية مع الإتحاد الأوروبي قد حظيت أخيراً بقاعدة قانونية صلبة، من خلال المبادئ الواضحة والمتفق عليها والتي يترتب عنها التزامات مشتركة ومتبادلة في العلاقات الدولية.
وقد اعتبر المحللون الأوزبكستانيون دخول اتفاقية الشراكة والتعاون الإستراتيجي حيز التنفيذ الفعلي، حدث هام في تاريخ أوزبكستان المستقلة، وهي تستعد لدخول القرن الحادي والعشرين. لأن الاتفاقية تبشر بفتح مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية بين أوزبكستان والإتحاد الأوروبي، لما ستوفره تلك الشراكة من فرص لنقل الخبرة الغنية للديمقراطية وإقامة اقتصاد السوق الحر، وانتقال التكنولوجيا الأوروبية المتطورة إليها، بفاعلية أكثر من أي وقت مضى، معلقين الآمال على أن تسهم الاتفاقية في إنجاح تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والسياسية الجارية في أوزبكستان المستقلة دون المساس بسيادتها ومصالحها القومية.
ونصت الاتفاقية على التعاون الوثيق في المواضيع التي تمس احترام مبادئ الديمقراطية، والاحترام المتبادل، والدفاع عن حقوق الإنسان، وإقامة الإطارات اللازمة من أجل تطوير واستمرار الحوار السياسي، وخلق الظروف المناسبة لإقامة أجهزة جديدة للتعاون المشترك.
وبموجب الاتفاقية سيتم الحوار السياسي على مستوى الوزراء ضمن إطار مجلس التعاون القائم. والذي يدخل ضمن اختصاصاته دراسة القضايا المستجدة في إطار تنفيذ الاتفاقية، وغيرها من المسائل الثنائية والعالمية، التي تتمتع بأهمية مشتركة من وجهة نظر الجانبين حيال تطبيقها.
كما وسيتم تشكيل لجنة للتعاون المشترك، تضم ممثلين عن حكومة جمهورية أوزبكستان ومجلس الإتحاد الأوروبي، واللجنة الأوروبية (CEC)، وظيفتها متابعة تطبيق المهام الملقاة على عاتق المجلس القائم.
وأما فيما يتعلق بلجنة التعاون البرلماني، الذي نصت عليه المادة 83 من اتفاقية الشراكة والتعاون الإستراتيجي على إنشائه، فستكون عبارة عن ملتقى لتبادل الآراء بين أعضاء "عالي مجلس" (برلمان) جمهورية أوزبكستان والبرلمان الأوروبي.
وبهذا تصبح أوزبكستان أول دولة في آسيا المركزية ترتبط منذ تموز/يوليو 1999 باتفاقية شراكة وتعاون استراتيجي نافذة مع الإتحاد الأوروبي، تبشر بفتح الأفاق أمامها واسعة لدخول القرن القادم، بعلاقات متميزة مع الدول الصناعية المتقدمة الأعضاء في تلك المنظمة الهامة في الموازين الاقتصادية والسياسية الدولية.
كتبها أ. د. محمد البخاري: مستشار رئيس معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، أستاذ مساعد في قسم العلاقات الدولية بالمعهد، وقسم الإعلام الدولي بكلية الصحافة بجامعة طشقند الحكومية. ونشرت في مجلة السياسة الدولية، العدد 138/1999، أكتوبر/تشرين أول. ص 193-195.
لعل هدف إبعاد خطر "الحرب الباردة" وتوفير الأمن لأوروبا، بعد انهيار المنظومة الشيوعية. كان من وراء مساعي الدول الأوروبية منذ عام 1992 إلى ضم أكثر الدول المستقلة حديثاً عن الإتحاد السوفييتي السابق، إلى عضوية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وكان من بين تلك الدول، جمهوريات آسيا المركزية (أوزبكستان، قازاقستان، قرغزستان، تركمانستان، طاجكستان) رغم بعدها الجغرافي الكبير عن أوروبا. وقد تكون تلك الخطوة من منطلق سد الفراغ في المنطقة والحيلولة دون عودة النظام الشيوعي إلى المنطقة، وخوفاً من مفاجآت قد تحصل على الواقع السياسي في منطقة هامة وحيوية في قلب القارة الآسيوية، أكثرية سكانها المطلقة من المسلمين، وكان لأجدادهم حتى نهاية القرن الماضي تأثير يذكر على موازين العلاقات الدولية.
ولعل منطلق دول آسيا المركزية للانضمام للمنظمة الأوروبية، كان قبل كل شيء رغبة التمتع بالعضوية متساوية الحقوق في منظمة أوروبية ذات وزن عالمي، تساعد العضوية فيها على تسريع عملية اندماجها في المجتمع الدولي. بعد عزلة استمرت منذ بدايات الاحتلال الروسي للمنطقة في القرون الماضية، وازدادت حدة خلال سبعة عقود ونيف من الحكم السوفييتي الذي قسم تركستان الروسية خلال عشرينات القرن الحالي إلى ما نعرفه اليوم بجمهوريات آسيا المركزية، وتحقيق الأمن والاستقرار الذي تحتاجه تلك الدول للنهوض بخطط الإصلاحات الجذرية المستمرة فيها حتى اليوم.
ولكن الذي حدث بعد مرور سبع سنوات على انضمام تلك الدول للمنظمة الأوروبية، أن برزت تساؤلات عديدة أمام المسؤولين في تلك الدول، تحتاج لإجابات شافية، تقنع بمدى جدوى انضمام دول آسيا المركزية لهذه المنظمة الأوروبية، وعلى الخصوص ما تحقق لها بمساعدة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في مجال تعزيز الأمن والاستقرار في آسيا المركزية، والدول المجاورة لها. حيث يشير المراقبون في المنطقة إلى حقيقة هامة مفادها صعوبة إيجاد أية خطوات إيجابية قامت بها المنظمة الأوروبية في هذا المجال الحيوي لدول المنطقة.
مما دفع رئيس جمهورية أوزبكستان إسلام كريموف، أثناء استقباله للممثل الخاص للرئيس الحالي لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ويلهلم هاينك في مقره بقصر أق ساراي بطشقند، في حزيران/يونيو الماضي إلى طرح تلك التساؤلات. فأوزبكستان المتمتعة بأهمية إستراتيجية خاصة في المنطقة، بسكانها البالغ عددهم حوالي الـ 23 مليون نسمة، إضافة لثرواتها الطبيعية الكبيرة، والتقدم العلمي والتقني الذي وضعها في المركز الرابع بين جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق الـ 15، انضمت إلى عضوية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا منذ سبع سنوات مضت. واتخذت المنظمة الأوروبية من عاصمتها طشقند مقراً لمكتبها الإقليمي بآسيا المركزية. وقطعت أشواطاً كبيرة لبناء أسس الديمقراطية في الدولة والمجتمع، وسعت دائماً للتكامل مع الدول الأوروبية، والتعاون معها استراتيجياً، ضمن إطار تلك المنظمة التي توليها أوزبكستان أهمية خاصة، وضمن الإتحاد الأوروبي المتحالفة معه استراتيجياً.
وقد أشار الرئيس الأوزبكستاني خلال ذلك اللقاء إلى حقيقة هامة، مفادها غياب مشاكل المنطقة عن وثائق المنظمة الأوروبية، التي لم تتعرض أبداً لمشاكل الأمن في آسيا المركزية. رغم مرور سبع سنوات على عضوية دولها في المنظمة الأوروبية، ولمس ذلك من خلال مشاركته في العديد من اللقاءات التي دعت إليها المنظمة الأوروبية. وتساءل عن الكيفية التي تم من خلالها الدفاع عن مصالح دول آسيا المركزية خلال تلك المدة. وعبر عن أسفه الشديد ! لإراقة الدماء المستمر في أفغانستان المجاورة لدول آسيا المركزية. ولاستمرار تهريب المخدرات والأسلحة في المنطقة بشكل واسع. إضافة لاستمرار العمليات العسكرية المقلقة في طاجكستان. ودعى المنظمة الأوروبية إلى المساهمة الجدية في حل تلك المشاكل الحيوية بالنسبة لدول آسيا المركزية، وعدم الاكتفاء بالدفاع عن أمن وتقدم أوروبا فقط، بل الدفاع عن مصالح كل الدول الأعضاء في المنظمة. وإفساح المجال أمام كل الدول الأعضاء في المنظمة بما فيها دول آسيا المركزية، للمشاركة في اتخاذ القرارات، انطلاقاً من المكانة الهامة التي تشغلها فيها.
وانتقد الرئيس كريموف كذلك مبدأ حصر المناصب القيادية في المنظمة الأوروبية بممثلي الدول الأوروبية فقط، واقترح إنشاء هيئة داخل المنظمة تعنى بمصالح دول آسيا المركزية. انطلاقاً من قناعته بأن أحادية الجانب تلك، معيقة لاتخاذ القرارات العادلة في إطار المنظمة. مشيراً إلى عدم تطابق معايير الدول الغربية دائماً مع معايير الدول الشرقية. مؤكداً على أن الإجراءات التي تتخذها المنظمة انطلاقاً من وجهة نظر المعايير الأوروبية فقط، قد تلحق الضرر بمصالح آسيا المركزية، خاصة وأن "لكل شعب مقدساته، ولكل قومية معاييرها الخاصة".
ومن المعروف أن الأهداف التي قامت المنظمة الأوروبية من أجلها هي: شؤون الأمن، والاقتصاد، وحقوق الإنسان. ورغم ذلك وكما يلاحظ المراقبون، أن المنظمة ركزت اهتمامها في آسيا المركزية على حقوق الإنسان فقط، وتناست الأهداف الأخرى التي قامت من أجلها. مما دعى الرئيس كريموف مرة أخرى لانتقاد قيادة المنظمة التي تركز على حد تعبيره على حقوق الإنسان من خلال التقارير فقط، وقال: "إذا نحن أبدينا الاهتمام بالدفاع عن حقوق الإنسان، وتحسين حياة الناس، فنحن نفعل ذلك ليس من أجل تقارير المنظمة أو غيرها من المنظمات. لأن بناء المجتمع الديمقراطي العادل يعتبر هدفنا الرئيسي".
وعلى ما نعتقد أن الوضع بحاجة للتغيير، وهو ما تنتظره دول المنطقة من نتائج الاجتماع القادم للمنظمة الذي سيعقد في اسطنبول، والذي وعد ممثل الرئيس الحالي للمنظمة الأوروبية، خلال زيارته لأوزبكستان، بطرحها من خلال تقريره على قيادة المنظمة، تمهيداً لمناقشتها من كل الجوانب خلال الاجتماع المنتظر. تلك النتائج التي يمكن أن تعطي الرد الحاسم على الكثير من التساؤلات المطروحة، والتي يمكن أن تلقي الضوء على الوضع الحقيقي لعضوية دول آسيا المركزية في المنظمة، والدور الذي يمكن أن تلعبه المنظمة الأوروبية في حل العديد من المشاكل المستعصية التي تواجه تلك الدول، على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
خاصة بعد بدء سريان اتفاقية الشراكة والتعاون الإستراتيجي بين جمهورية أوزبكستان والإتحاد الأوروبي، في مطلع تموز/يوليو 1999، والتي سبق ووقعها رئيس جمهورية أوزبكستان إسلام كريموف أثناء لقاء رؤساء، ورؤساء حكومات الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي بتاريخ 21/6/1996 في فلورنسا. واحتاج سريانها لعامين من الجهود والإجراءات المعقدة اللازمة لتصديقها من قبل برلمانات الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي، ومن قبل البرلمان الأوروبي أيضاً.
ويفسر المعلق السياسي لوكالة الأنباء الأوزبكستانية "جهان"، نظرة أوزبكستان من "الإتحاد الأوروبي بأنه يشغل اليوم المرتبة الأولى في العالم من حجم التجارة العالمية، ويعتبر من أضخم المصدرين في العالم للمواد الغذائية والمنتجات الصناعية".
ومن المعروف أن للإتحاد الأوروبي علاقات دبلوماسية مع أكثر من 130 دولة من دول العالم، إضافة لكونه عضو مراقب في منظمة الأمم المتحدة، ويشارك في لقاءات القمة للدول السبع المتقدمة في العالم، ممثلاً بشخصية رئيس الإتحاد الأوروبي، وأعضاءه الأربعة الكبار فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا العظمى، وإيطاليا.
وكانت العلاقات الدبلوماسية بين أوزبكستان والإتحاد الأوروبي، قد أقيمت رسمياً في خريف عام 1994، ورافقها افتتاح الممثلية الدبلوماسية الأوزبكستانية في بروكسيل.
وكما يمكن اعتبار أوزبكستان اليوم، الشريك التجاري والاقتصادي المهم للإتحاد الأوروبي في آسيا المركزية. بعد زيادة حجم التبادل التجاري بين أوزبكستان ودول الإتحاد الأوروبي إلى نحو 1 مليار و 592.6 مليون دولار أمريكي في عام 1998 والذي من المتوقع زيادته خلال عام 1999 بعد سريان اتفاقية الشراكة والتعاون الإستراتيجي بينهما.
ومن الحلقات الهامة في التعاون بين أوزبكستان والإتحاد الأوروبي، لجنة برنامج المساعدة التقنية للإتحاد الأوروبي (تاسيس)، الذي يقدم الدعم السياسي والاجتماعي والاقتصادي للإصلاحات التي تنفذها الحكومة الأوزبكستانية منذ الاستقلال، وتشمل مجالات ترشيد النظام القانوني، وتطوير شبكات الطاقة، والنقل، والاتصالات المرئية، والزراعة والتصنيع الزراعي، والقطاع الخاص، وعملية الخصخصة، وإعداد وإعادة إعداد الكوادر، وفي تدعيم نظام الإدارة الحكومية. وتم منذ بداية تطبيق برنامج (تاسيس) في أوزبكستان في عام 1992 وحتى الآن، تمويل 79 مشروعاً بمبلغ إجمالي بلغ 80 مليون دولار أمريكي.
ومن المعروف أيضاً الدور الهام الذي يلعبه برنامج الإتحاد الأوروبي "تراسيكا"، الموجه نحو تطوير ممر للنقل البري يربط غرب وشرق أوروبا، عبر البحر الأسود، والقوقاز، وبحر قزوين بآسيا المركزية. ليفتح أمامها إمكانيات كبيرة بديلة وأكثر ثباتاً لكل الدول التي يمر داخل أراضيها ولا تملك منافذ على البحر، للخروج إلى شبكات طرق النقل الأوروبية والأسيوية، ويفتح أمامها الآفاق الجديدة واسعة لتوسيع قدراتها التصديرية، وتنشيط نشاطاتها التجارية الخارجية. وهنا لابد من الإشارة إلى الدور الهام والرئيسي لأوزبكستان في تنفيذ هذا المشروع من خلال كوادرها المدربة، والذي يعتبر من مشاريع القرن القادم.
ويعتبر سريان مفعول اتفاقية الشراكة والتعاون الإستراتيجي بين أوزبكستان والإتحاد الأوروبي، قبل كل شيء ترسيخ للأساس القانوني والرسمي المنظم لعلاقات الشراكة والتعاون بين جمهورية أوزبكستان والإتحاد الأوروبي. ويعني أن العلاقات الأوزبكستانية مع الإتحاد الأوروبي قد حظيت أخيراً بقاعدة قانونية صلبة، من خلال المبادئ الواضحة والمتفق عليها والتي يترتب عنها التزامات مشتركة ومتبادلة في العلاقات الدولية.
وقد اعتبر المحللون الأوزبكستانيون دخول اتفاقية الشراكة والتعاون الإستراتيجي حيز التنفيذ الفعلي، حدث هام في تاريخ أوزبكستان المستقلة، وهي تستعد لدخول القرن الحادي والعشرين. لأن الاتفاقية تبشر بفتح مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية بين أوزبكستان والإتحاد الأوروبي، لما ستوفره تلك الشراكة من فرص لنقل الخبرة الغنية للديمقراطية وإقامة اقتصاد السوق الحر، وانتقال التكنولوجيا الأوروبية المتطورة إليها، بفاعلية أكثر من أي وقت مضى، معلقين الآمال على أن تسهم الاتفاقية في إنجاح تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والسياسية الجارية في أوزبكستان المستقلة دون المساس بسيادتها ومصالحها القومية.
ونصت الاتفاقية على التعاون الوثيق في المواضيع التي تمس احترام مبادئ الديمقراطية، والاحترام المتبادل، والدفاع عن حقوق الإنسان، وإقامة الإطارات اللازمة من أجل تطوير واستمرار الحوار السياسي، وخلق الظروف المناسبة لإقامة أجهزة جديدة للتعاون المشترك.
وبموجب الاتفاقية سيتم الحوار السياسي على مستوى الوزراء ضمن إطار مجلس التعاون القائم. والذي يدخل ضمن اختصاصاته دراسة القضايا المستجدة في إطار تنفيذ الاتفاقية، وغيرها من المسائل الثنائية والعالمية، التي تتمتع بأهمية مشتركة من وجهة نظر الجانبين حيال تطبيقها.
كما وسيتم تشكيل لجنة للتعاون المشترك، تضم ممثلين عن حكومة جمهورية أوزبكستان ومجلس الإتحاد الأوروبي، واللجنة الأوروبية (CEC)، وظيفتها متابعة تطبيق المهام الملقاة على عاتق المجلس القائم.
وأما فيما يتعلق بلجنة التعاون البرلماني، الذي نصت عليه المادة 83 من اتفاقية الشراكة والتعاون الإستراتيجي على إنشائه، فستكون عبارة عن ملتقى لتبادل الآراء بين أعضاء "عالي مجلس" (برلمان) جمهورية أوزبكستان والبرلمان الأوروبي.
وبهذا تصبح أوزبكستان أول دولة في آسيا المركزية ترتبط منذ تموز/يوليو 1999 باتفاقية شراكة وتعاون استراتيجي نافذة مع الإتحاد الأوروبي، تبشر بفتح الأفاق أمامها واسعة لدخول القرن القادم، بعلاقات متميزة مع الدول الصناعية المتقدمة الأعضاء في تلك المنظمة الهامة في الموازين الاقتصادية والسياسية الدولية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق