الأحد، 31 يناير 2010

إنتاج الذهب في أوزبكستان الواقع والآفاق


إنتاج الذهب في أوزبكستان: الواقع والآفاق

كتبها أ.د. محمد البخاري: مستشار رئيس جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية في العلاقات الدولية بتاريخ 27/4/2001 وأرسلت إلى مجلة معلومات دولية بدمشق، وبعدها لصحيفة الاتحاد بأبو ظبي.

معروف أن أوزبكستان تتمتع بثروات طبيعية هائلة، وهو ما أكده اكتشاف كل أنواع المعادن التي يشملها جدول مندلييف للمعادن في أراضيها فعلاً، إذ تم حتى اليوم اكتشاف أكثر من 2500 موقع يحوي أكثر من 100 معدن خام، يستخرج من بعضها ويستثمر صناعياً أكثر من 60 معدناً. ومن بين المواقع التي تم اكتشافها أكثر من 900 موقع تقدر قيمة المعادن الخام المختزنة في باطنها بأكثر من 970 مليار دولار أمريكي، من القيمة الإجمالية للثروة الطبيعية في الجمهورية المقدرة بأكثر من 3,3 ترليون دولار أمريكي.

ومن الثروات الإستراتيجية الهامة كالنفط والغاز الطبيعي تم مؤخراً في أوزبكستان اكتشاف 155 موقعاً، ومن المعادن الثمينة أكثر من 40 موقعاً، ومن المعادن النادرة والمشعة 40 موقعاً، ومن الخامات الكيميائية 15 موقعاً. وبفضل المستوى العلمي والتقني للكوادر الوطنية، ومستواها التكنولوجي تم اكتشاف الكثير من مواقع الثروات الطبيعية، التي دخل بعضها حيز الاستثمار الفعلي ومن بينها مواقع غنية بالمعادن الملونة والمشعة والنادرة، إضافة لكل أنواع مصادر الطاقة كالنفط والغاز والفحم الحجري، ومواد البناء، وهو ما يسمح للخبراء الاقتصاديين بتقدير مدى المستقبل الذي ينتظر أوزبكستان على المدى القريب، لو تم توظيف الاستثمارات المحلية والأجنبية بالشكل الذي يضمن مصالحها ومستقبل تطور اقتصادها الوطني. إذ تقدر قيمة الثروات الطبيعية التي تستخرج سنوياً من باطن أرض أوزبكستان بـ 5,5 مليار دولار أمريكي، وهو ما يشجع على التوسع في عمليات التنقيب والاستكشاف واكتشافات المزيد منها لزيادة احتياطي الثروات الوطنية التي تكفل لهذه الدولة الفتية الوصول للمستقبل الذي تنشده.

ومن بين الثروات الطبيعية الهامة المكتشفة في الجمهورية الذهب، والفضة، واليورانيوم، والتيتان، والمنغنيز، والنحاس، والزنك، والسترونتيوم، والولفرام، والملح القلوي، والفوسفوريت، والكاولين. إذ يشغل احتياطي أوزبكستان اليوم من الذهب المركز الرابع في العالم، وفي الذهب المستخرج المركز السابع. وفي احتياطي النحاس المركز 10، واليورانيوم المركز 7.

ووفقاً لنتائج أعمال التنقيب الجارية، وتقديرات الأخصائيين يوجد في باطن الأرض الأوزبكستانية كميات كبيرة من النفط والغاز والفحم الحجري، وأن حوالي 60 % من أراضي الجمهورية صالحة لإنتاجهما. ويبلغ احتياطي الغاز 2 ترليون متراً مكعباً، ومن الفحم الحجري أكثر من 2 مليار طن، إضافة لأكثر من 160 موقعاً منتجاً للنفط.

ويمكننا على سبيل المثال ذكر خمسة مناطق رئيسية لإنتاج النفط والغاز في أوزبكستان، وهي: منطقة أوستي يورط، ومنطقة بخارى، ومنطقة خيوة، ومنطقة جنوب غرب غيسارة، ومنطقة سورخانداريا، ومنطقة فرغانة. حيث تبلغ قيمة احتياطي النفط والغاز حسب التقديرات الحالية للخبراء أكثر من ترليون دولار أمريكي.

وتعتبر آبار شورتان ومبارك من أكبر المواقع المنتجة للغاز الطبيعي في الجمهورية بالمقارنة مع آبار جنوب غرب غيسارة وبخارى وخيوة. ويحتوي الغاز المنتج في الجمهورية على "الإيتان" و"البر وبان" و"البوتان"، وغيرها من عناصر الغاز الطبيعي، الصالحة للحصول على مواد "البولومير"، و"البولي إيتلين" و"البوليوي نيلخلوريد" وغيرها. بالإضافة إلى غاز "البر وبان" ينتج المجمع الكيميائي في شرتان حمض "نيتريل أكريل" الصالح لإنتاج خيوط "النيترون".

ولهذا نرى أن الخطاب السياسي للقادة الأوزبكستانيين بعد الاستقلال ركز على أهمية اشتراك رؤوس الأموال الأجنبية في مجال استثمار ثروات باطن الأرض سعياً للخروج من فترة ما بعد الاستقلال الانتقالية، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي المنشود، ونلمس هذا في تصريحات رئيس الجمهورية إسلام كريموف الذي أكد أكثر من مرة على "أن أوزبكستان تتبع سياسة الأبواب المفتوحة مع أولئك المستثمرون الأجانب الذين يقدمون للجمهورية التكنولوجيا المتقدمة بمستوى عالمي، ويساهمون في بناء البنية الحديثة للاقتصاد الوطني".[1]

ولم يخف القادة الأوزبكستانيون في أكثر من مناسبة تطلعهم لتحقيق تعاون استثماري فعال مع كافة دول العالم وخاصة الدول العربية وفي طليعتها مجموعة الدول العربية الخليجية، تلك العلاقات التي تعزز من استقلال وسيادة أوزبكستان وتتيح لها البدائل المطلوبة لتحقيق سياسة خارجية متوازنة تضمن مصالحها الوطنية. وترجمت الرغبة تلك بإرساء قاعدة قانونية ملائمة لمشاركة المستثمرين الأجانب، في استثمار وتطوير استخراج وتصنيع الثروات الطبيعية بهدف النهوض بالاقتصاد الوطني الذي لم يزل يعاني من آثار المرحلة الانتقالية بعد الاستقلال.

ومعروف أن سوق الذهب في الدول الخليجية العربية يتمتع بفرادة خاصة من بين الأسواق العالمية الأخرى للذهب، إذ يعتبر من الأسواق الهامة لتسويق الذهب المكتشف والمستثمر جزئياً في أوزبكستان. فأوزبكستان شغلت في التسعينات المركز الرابع في إنتاج واحتياطي الذهب في العالم، بعد أن بلغ إنتاجها السنوي من الذهب 70 طناً. بينما كانت أوزبكستان خلال سنوات السلطة السوفييتية تنتج ثلث الذهب المنتج في الاتحاد السوفييتي السابق، واستطاعت المحافظة على مركزها بين دول رابطة الدول المستقلة بعد الاستقلال، وشغلت المركز الثاني بعد جمهورية روسيا الاتحادية في إنتاج الذهب.[2]

وهذا لا يعني ولا يجب أن يفسر بأنه دعوة لغض النظر عن الاستثمار في إنتاج وتصنيع المعادن الأخرى المتوفرة في أوزبكستان، والتي يمكن أن تكون مجالاً رحباً للاستثمارات المالية الخليجية العربية، تضاف إليها الخبرات العلمية والتقنية الأوزبكستانية وتكنولوجيا الدول المتقدمة في العالم، خاصة وأن القواعد القانونية الملائمة لضمان مشاركة المستثمرين الأجانب في الاستثمار وتطوير الاقتصاد الوطني الأوزبكستاني تتكامل يوماً بعد يوم.

وعند الحديث عن الثروات الباطنية من المعادن الثمينة كالذهب والفضة وغيرها، نرى أن الاستثمارات العربية لم تزل حتى الآن بعيدة عنها بدليل أن شركة "زر فشان نيومونت" الأوزبكستانية-الأمريكية، وشركة "لو نرو" البريطانية، كانتا الشركتين الاستثماريتين الوحيدتين المستثمرتين في مجال استثمار واستخراج وتصنيع الذهب في جمهورية أوزبكستان إلى أن دخلت حلبة الاستثمار شركة "أمان تاي تاو غولد فيلدس" الأوزبكستانية - البريطانية المشتركة لاستخراج وتصنيع المواد الخام الحاوية على معدن الذهب.

ففي ولاية نوائي أحدثت مؤخراً شركة "أمان تاي تاو غولد فيلدس" الأوزبكستانية - البريطانية المشتركة لاستخراج وتصنيع الخامات الحاوية على معدن الذهب. التي شارك في تأسيسها كلا من: مؤسسة الجيولوجيا الحكومية الأوزبكستانية، وشركة استخراج وتصنيع المعادن بولاية نوائي، وشركة "أو كسوس ريسورسيز كاربريشين" البريطانية، بحصص متساوية في رأس المال.

وأشارت معطيات الدراسات التقنية والاقتصادية للمشروع الجديد، إلى أن تنفيذه سيتم على مرحلتين يتم خلال المرحلة الأولى منه بناء منشآت معالجة المواد الخام بطاقة إنتاجية تبلغ مليون طن من المواد الخام سنوياً، وتشمل بناء وإعداد وتجهيز مناجم الاستخراج ومعامل التكرير بالمعدات اللازمة للعمل. وتبلغ الكلفة الإجمالية للمرحلة 45 مليون دولار أمريكي منها 5,8 مليون دولار لبناء منشآت البنية التحتية للمشروع التي من المتوقع الانتهاء منها خلال العام الحالي، ويتم في نفس الوقت توريد المعدات والتكنولوجيا اللازمة للمشروع حسب تصريح الجانب الأوزبكستاني في المشروع.

وفي المرحلة الثانية سيتم بناء الأنفاق في مناجم استخراج المواد الخام، ومصنع تكرير مادة "أوبورني سول فيد" التي لا تملك أوزبكستان حالياً التقنية اللازمة لمعالجتها، وتشمل فصل مادتي "سول فيد" - و "مشياك" ومعالجتهما والحد من أخطارهما الضارة، عن طريق التخمر البيولوجي المستخدم عالمياً وهي الطريقة الجديدة في أوزبكستان التي أعطت المخابر الأوزبكستانية نتائج ملموسة جيدة لها.

كما وتشير الدراسات الأولية إلى أن المشروع يحتاج لإنفاق حوالي 160-170 مليون دولار تستثمر في شراء المعدات التكنولوجية الحديثة، وإعداد الكوادر البشرية اللازمة للمشروع التي تقدر بنحو 600 متخصصاً محلياً، إلى جانب 10 خبراء أجانب يستمرون في عملهم بعد اكتمال المشروع ودخوله مرحلة الاستثمار القصوى المخططة.

واستناداً للجانب الأوزبكستاني، فإن شركة "أو كسوس ريسورسيز كاربريشين" ستقوم بتمويل المرحلة الأولى للمشروع، إضافة للقروض الممنوحة من المصارف، دون أي إسهام مالي من الجانب الأوزبكستاني. ويتم استرداد الأموال المستثمرة في المشروع من قيمة الذهب المستخرج لاحقاً. بينما يتم تمويل المرحلة الثانية من المشروع ويتم تطويره من الأرباح المحققة بعد بدء الإنتاج الفعلي للمشروع.

وأعتقد هنا أن للمستثمرين العرب الراغبين بالمشاركة بمثل هذه المشاريع فوائد استثمارية من خلال توظيف أموالهم فيها، أو بمنح القروض الميسرة التي تدعم وتعزز من موقف الجانب الأوزبكستاني في المشروع وتقلل من تكاليفه. خاصة وأن الجانب الأوزبكستاني يتوقع أن يحصل على دخل قدره 200 مليون دولار أمريكي من الضرائب وعائدات حصته خلال السنوات العشر المقررة للمشروع. وأن يستمر المشروع بعد انتهاء العشر سنوات الأولى، على ضوء النتائج الفعلية المحققة والاحتياطي المتوفر من المواد الخام، والأعمال الاستكشافية التي يقوم بها الجانب الأوزبكستاني والتي ترافق المشروع وتستمر لعشرة أو عشرين سنة قادمة.

وكانت شركة "نيومونت مايننغ" إحدى كبريات استخراج الذهب في العالم، التي استخرجت 152 طناً من الذهب خلال عام 2000، محققة ربحاً قدره 1,6 مليار دولار أمريكي، قد بدأت استثماراتها في أوزبكستان عام 1995، بالاشتراك في إنشاء شركة "زر فشان نيومونت" الأوزبكستانية – الأمريكية المشتركة، التي استخرجت حتى عام 2000 حسب تصريح رونالد كمبري رئيس مجلس إدارة شركة "نيومونت مايننغ" للتلفزيون الأوزبكستاني في شباط/فبراير الماضي، 350 طناً من الذهب قسمت عائداتها بالتساوي مابين الشريكين الأوزبكستاني والأمريكي. وهو ما يعني تجاوز إنتاج الذهب الأوزبكستاني لمعدل السبعين طناً سنوياً، إذا أخذنا بعين الاعتبار إنتاج الشركات الأخرى العاملة في هذا المجال في أوزبكستان.

ورغم تراجع أعمال البحث والتنقيب في العالم بسبب انخفاض أسعار الذهب العالمية في السنوات الأخيرة، توقع كمبري أن لا يؤثر ذلك على علاقات شركته مع أوزبكستان، وأن تستمر أعمال البحث والتنقيب والإنتاج، خاصة وأنه من المتوقع حدوث تحسن في أسعار الذهب خلال السنوات القادمة.

وقد ترددت أنباء بعد استقبال إسلام كريموف رئيس جمهورية أوزبكستان لرولاند كمبري رئيس مجلس إدارة شركة "نيومونت مايننغ"، وواين ميروي المدير العام التنفيذي للشركة، عن مشروع جديد لاستخراج الذهب في منطقة أنغرين الغنية بالمعادن شرق العاصمة الأوزبكستانية، يقدم له بنك التعمير والتنمية الأوروبي قرضاً قيمته 500 مليون دولار أمريكي.

والدرس المستفاد من شراكة البنوك العالمية كشريك غير متضامن في المشاريع الاستثمارية في أوزبكستان وغيرها من دول العالم، هو الحصول على الأرباح المضمونة بكفالة حكومية من خلال الفوائد المستحقة على القروض الممنوحة، دون التعرض لأي مسؤولية أو تبعية أو خطورة من أخطار الاستثمار والإنتاج والتسويق. وهو الدرس الذي يمكن للمستثمرين العرب الاستفادة منه، في تحقيق أرباح مضمونة، تزيد من خلالها إمكانيات الاعتماد المتبادل الأوزبكستانية العربية في معادلات العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية الدولية المعقدة في عصر العولمة والانفتاح الاقتصادي.

هوامش:

[1] انظر:إسلام كريموف: أوزبكستان على طريق تعميق الإصلاحات الاقتصادية. طشقند- أوزبكستان 1995. ص 107.

[2] تتحدث أرقام عام 1995 عن أن روسيا الاتحادية استخرجت 130 طناً من الذهب. انظر صحيفة ترود 27/2/1996.


العولمة وطريق الدول النامية إلى المجتمع المعلوماتي

العولمة وطريق الدول النامية إلى المجتمع المعلوماتي
كتبه أ. د. محمد البخاري: مستشار في العلاقات الدولية جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية. بتاريخ 28/8/2001 وأرسل إلى صحيفة الاتحاد في أبو ظبي. ونشر ضمن ستة مقالات في الأعداد الصادرة أيام 27/9 و 1/10 و 2/10 و 7/10 و 9/10 و 13/10/2001.
مخطط البحث: المجتمع المعلوماتي؛ مفهوم المجتمع المعلوماتي؛ خطوات الانتقال إلى المجتمع المعلوماتي؛ مصاعب الانتقال إلى المجتمع المعلوماتي؛ ضرورة وضع ضوابط وخطط شاملة للانتقال إلى المجتمع المعلوماتي؛ تطوير البنى التحتية اللازمة للمجتمع المعلوماتي رهن بالسياسات الحكومية؛ الثورة المعلوماتية طغت على حياة الناس وغيرت من طبيعة حياتهم اليومية؛ العولمة والتكنولوجيا والمجتمع المعلوماتي؛ حتمية الثورة الاتصالية والمعلوماتية في ظل العولمة؛ تطور تكنولوجيا ووسائل الاتصال كقاعدة أساسية لتطور المجتمع المعلوماتي؛ من الحاسب الآلي الإلكتروني الشخصي إلى شبكات الاتصال المفتوحة؛ التقنيات الرقمية بديلة للتقنيات التقليدية في المجتمع المعلوماتي؛ شبكة الانترنيت ووظائف وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية في المجتمع المعلوماتي؛ خصائص المجتمع المعلوماتي؛ متطلبات المجتمع المعلوماتي؛ وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية والدولة القومية في المجتمع المعلوماتي؛ شبكة الانترنيت العالمية والمجال الإعلامي للدول النامية؛ مشاكل قيام المجتمع المعلوماتي في الدول النامية؛ شروط بناء المجتمع المعلوماتي في الدول النامية؛ الشخصية أو الذات الفردية في المجتمع المعلوماتي؛ المجتمع المعلوماتي ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية العربية؛ أخطار المجتمع الإعلامي لا تواجه بالانغلاق، بل بالانفتاح وتحصين المتلقي لمواجه سيل المعلومات المتدفق؛ المراجع المستخدمة في البحث.
المجتمع المعلوماتي: مع بداية التسعينات من القرن العشرين ومع انهيار الاتحاد السوفييتي السابق ودول ما كان يعرف بالكتلة الشرقية التي كان يقودها الاتحاد السوفييتي السابق، وعلى ضوء التطورات الهامة التي جرت على جميع الأصعدة العلمية والتقنية والتكنولوجية في العالم، وخاصة تكنولوجيا وسائل الإعلام والاتصال والاستشعار عن بعد، انطلقت بشدة شعارات تدعو للتكامل بين المجتمعات الصناعية المتقدمة، وفتح باب المنافسة الحرة وإزالة العوائق أمام انتقال الخبرات والبضائع ورؤوس الأموال في الأسواق العالمية المفتوحة. ورافق تلك الشعارات بشائر ميلاد المجتمع المعلوماتي الذي يمكن أن تشارك في بنائه كل عناصر التركيبة الاجتماعية، في عملية تفاعل معلوماتي باتجاهين أخذاً وعطاء. واعتبر الكثيرون أن ميلاد المجتمع المعلوماتي يبشر بالتحول من تقديم الخدمات الإعلامية للمتلقي السلبي في عملية الاتصال، الذي يتلقى سيل المعلومات الموجهة إليه ولمجتمعه دون مشاركة إيجابية منه في اختيار أو إعداد أو في أساليب نشر تلك المعلومات عبر وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية التقليدية المختلفة، إلى مشاركة عناصر التركيبة الاجتماعية القادرة كلها في عملية اختيار وإعداد وتخزين وتوجيه ونشر والاستفادة من المعلومات، والمشاركة المؤثرة والفاعلة في عملية التبادل والتفاعل الإعلامي داخل المجتمع الواحد بكل عناصره وشرائحه، وبين المجتمعات المختلفة بشكل عام، بما يوفر فرص الحوار، والتفاهم، والتفاعل البناء لصالح تقدم الإنسانية جمعاء. ومعروف أن الأساليب الإعلامية المستخدمة والمنتشرة بشكل واسع حالياً، لم تكن إلا نتاجاً للتقدم العلمي في مجال وسائل الاتصال والإعلام، ونتيجة للأبحاث العلمية التامة في مجال الإعلام بفروعه المختلفة: الاقتصادية والسياسية والعلمية والزراعية والصناعية والتجارية والثقافية وغيرها من فروع المعرفة الإنسانية، التي جرت خلال النصف الأول من القرن العشرين ولم تزل مستمرة في التطور في العالم المتقدم كله حتى اليوم. وكان وكما هو معروف أيضاً نشر تلك المعلومات يتم بالطرق التقليدية عبر الكلمة المطبوعة، والمسموعة والمرئية أحادية الجانب إي من المرسل إلى المستقبل، دون أن تكون هناك أية إمكانية للتفاعل الإيجابي بين المرسل والمستقبل عبر الطرق التقليدية السائدة لنقل لتلك المادة الإعلامية التي حملتها إليه شتى وسائل نقل وتخزين وإيصال المعلومات المقروءة والمسموعة والمرئية. ولكن الثورة التي تفجرت بشدة خلال الربع الأخير من القرن العشرين في مجال تقنيات ووسائل الإعلام والاتصال والاستشعار عن بعد، وضعت البشرية أما منعطف تاريخي حاسم تشارك فيه اليوم، كل عناصر التركيبة الاجتماعية القادرة على المشاركة في عملية التأثير والتفاعل المتبادل من خلال عملية التبادل الإعلامي المستمرة داخل المجتمع المحلي والدولي، عبر وسائل الاتصال الحديثة التي أصبحت فيها تقنيات الحاسب الآلي الحديثة دائمة المتطورة تشكل العنصر الهام والفاعل في حسم القضية كلها لصالح العولمة بكل أشكالها وأبعادها. وأصبح الحاسب الآلي الشخصي المرتبط اليوم بشبكات المعلومات المحلية والإقليمية والدولية، يخزن وينقل وينشر المعرفة بكل أشكالها المقروءة والمسموعة والمرئية، ليحدث بذلك ثورة حقيقية داخل الأنظمة الإعلامية التقليدية، وأنظمة تراكم المعلومات واستعادتها. وأصبح يساهم في تطوير عملية نقل المعرفة التقليدية داخل المجتمعات بعد أن انتقلت لاستخدام تقنيات الأنظمة المعلوماتية الإلكترونية الحديثة في مجالات العلوم والبحث العلمي والتعليم إلى جانب فروع الأنشطة الإنسانية المختلفة. مما وفر فرصة كبيرة لرفع مستوى الأداء العلمي والمعرفي وأفسح المجال أمام عملية الحصول على المعارف المختلفة ودمجها وإعادة نشرها، وتسهيل استخدامها في عملية تفاعل دائمة لا تتوقف. وأصبح هذا الواقع الجديد بديلاً للطرق الإعلامية التقليدية، وبمثابة التحول من المألوف في أساليب وطرق التعليم والإعداد المهني والمسلكي المتبعة حتى الآن في بعض الدول الأقل حظاً في العالم، إلى أساليب أكثر تطوراً وأكثر فاعلية من ذي قبل. ويرتبط هذا التحول بظاهرة العولمة والتكامل المتنامية في النشاطات الإعلامية الضرورية واللازمة لتطور الثقافة والعلوم والتعليم والبحث العلمي، في إطار ما أصبح يعرف اليوم بالمجتمع المعلوماتي.
مفهوم المجتمع المعلوماتي: ومن أجل تسهيل فهم القصد من العولمة الإعلامية التي حملت لنا معها مفهوم المجتمع المعلوماتي إن جاز هذا تعبير، لابد لنا من محاولة التعريف بجوهر هذا المجتمع، فهو حسب رأي العديدين من الباحثين في شؤون الإعلام والاتصال، هي: المجتمع الذي تتاح فيه لكل فرد فرصة الحصول على معلومات موثقة من أي شكل ولون ومذهب واتجاه من أي دولة من دول العالم دون استثناء، عبر شبكات المعلومات الدولية، بغض النظر عن البعد الجغرافي وبأقصى سرعة وفي الوقت المناسب للمشارك في عملية التبادل الإعلامي؛ والمجتمع الذي تتحقق فيه إمكانية الاتصال الفوري والكامل بين أي عضو من أعضاء المجتمع، وأي عضو آخر من المجتمع نفسه أو من المجتمعات الأخرى، أو مع، أو بين مجموعات محددة من السكان، أو مع المؤسسات والأجهزة الحكومية، أو الخاصة بغض النظر عن مكان وجود القائمين بعملية الاتصال والتبادل الإعلامي داخل الكرة الأرضية أو حتى خارجها في الفضاء الكوني؛ والمجتمع الذي تتكامل فيه نشاطات وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية، وتتسع فيه إمكانيات جمع وحفظ وإعداد ونشر المعلومات المقروءة والمسموعة والمرئية، من خلال التكامل مع شبكات الاتصال والمعلومات الإلكترونية الرقمية الدولية دائمة التطور والنمو والاتساع. والتي تشكل بالنتيجة وسط إعلامي مرئي ومسموع ينشر معلوماته عبر قنواته التي تشمل حتى وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية من خلال شبكات الاتصال والمعلومات المحلية والإقليمية والدولية؛ والمجتمع الذي تختفي معه الحدود الجغرافية والسياسية للدول التي تخترقها شبكات الاتصال والمعلومات، وهو الاختراق الذي يشكل تهديداً مباشراً وخطيراً لأمن وقوانين الدول وللأعراف والتقاليد داخل المجتمعات المختلفة، وخاصة في الدول الأقل حظاً في التطور والنامية بشكل عام. ويعتبر انتقال ونشر المعلومات دون عوائق أو قيود من أساسيات تشكيل المجتمع المعلوماتي، الذي يعتمد بالكثير على المنجزات والاكتشافات العلمية في مجال تقنيات الإعلام والاتصال. وهو ما يضع الأوساط العلمية أمام واجب التصدي لمشاكل غير متوقعة، ناتجة عن تداعيات تشكل المجتمع المعلوماتي، سواء أكانت تنظيمية أم اجتماعية أم اقتصادية أم قانونية. والهدف من التصدي لتلك المشاكل هو خلق الظروف الملائمة لتلبية حاجات السوق الاستهلاكية المعلوماتية، دون الإضرار بمصالح الدول وحقوق المواطنين وأمن وسلامة أجهزة السلطات الدستورية، والمؤسسات الاقتصادية والمنظمات الشعبية والمهنية والعلمية، والهيئات العامة والخاصة، من خلال إيجاد الضوابط الكفيلة بتوفير شروط الأمن الإعلامي الشامل عند تشكيل وتداول الموارد المعلوماتية باستخدام تكنولوجيا الإعلام والاتصال المتطورة.
خطوات الانتقال إلى المجتمع المعلوماتي: وبالفعل نرى أن الكثير من دول العالم المتقدم تقوم فعلياً بإعداد أو تعد برامج لدخول المجتمع المعلوماتي، وتتخذ العديد من الخطوات العملية من أجل تحقيق مثل تلك البرامج في الواقع العملي. وتنتظر تلك الدول من تطبيق تلك البرامج الوصول إلى الأهداف التالية: رفع مستوى التكامل والحوار بين الهياكل الحكومية، والصناعية، ورجال الأعمال، والأفراد في المجتمع، بهدف تحقيق الاستخدام الأقصى لإمكانيات تقنيات الإعلام والاتصال الحديثة من أجل تطوير المجتمع اقتصادياً وتحقيق فرص العمل لكل الشرائح السكانية؛ وتحديث وتوسيع وتقوية البنية التحتية لوسائل الإعلام والاتصال التقليدية ورفع مستوى فاعلية أدائها الوظيفي؛ والدفاع عن مصالح المجتمع، وحقوق الأفراد أثناء استخدام تكنولوجيا تخزين ونقل المعلومات؛ وحماية موارد المعلومات المتوفرة في الشبكات المعلوماتية؛ وتوسيع إمكانيات استخدام تكنولوجيا الإعلام والاتصال في كافة المجالات العلمية والتطبيقية للاقتصاد الوطني؛ وتشجيع وتعميم استخدام تكنولوجيا الإعلام والاتصال وتعميم أساليب المعلوماتية الحديثة في الأجهزة الحكومية، قبل غيرها بغية تأمين حقوق المواطنين في تبادل المعلومات والحصول عليها من تلك الأجهزة؛ وتعميم استخدام تكنولوجيا الإعلام والاتصال على جميع الأنشطة الإنسانية، مثل: العمل، والمواصلات، وحماية البيئة، والصحة وغيرها من الأنشطة الإنسانية التي تهم المجتمع بأسره؛ وتوفير إمكانيات المنافسة الحرة والشريفة في إطار المجتمع الإعلامي؛ وتحسين ظروف وصول وتداول المعلومات التكنولوجية والتقنية والبيئية والاقتصادية والعلمية وغيرها من الموارد المعلوماتية عبر شبكات الإعلام والاتصال؛ وتطوير البحوث العلمية والبحوث التمهيدية في مجال تطوير تكنولوجيا وتقنيات الإعلام والاتصال؛ تنسيق الجهود الوطنية والقومية والدولية أثناء وضع سياسة الانتقال إلى المجتمع المعلوماتي بما يضمن تحقيق المصالح الوطنية من التعاون الدولي والاعتماد المتبادل بين الدول. وفي هذه الحالة يجب أن يصبح المجال الإعلامي الدولي ليس أحد أهم مجالات التعاون الدولي فقط، وإنما مجالاً للتنافس الحر والشريف بين الدول الأكثر تطوراً والتي تملك البنية التحتية الإعلامية الحديثة، من خلال وضع مقاييس تكنولوجية موحدة لمنتجاتها من تكنولوجيا وتقنيات وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية. وأن تقدمها للمستهلكين من الدول غير المصنعة لتلك الوسائل أي الدول النامية، دون فرض أية شروط على كيفية تشكيل واستثمار البنى التحتية الإعلامية في تلك الدول، وأن ينحصر تأثير الدول المتقدمة على تطوير المجالات الإعلامية للدول غير المصنعة لتكنولوجيا الإعلام والاتصال فقط، دون التأثير على مواردها المعلوماتية. بما يضمن عدم المساس بالأمن والمصالح الوطنية العليا للدول الصناعية المتطورة والدول الأقل تطوراً والدول النامية على حد سواء، أثناء وضع سياسات تطوير وتوفير وحماية أمن المجالات الإعلامية للدول الصناعية المتطورة.
مصاعب الانتقال إلى المجتمع المعلوماتي: وبغض النظر عن الوضع المالي الصعب الذي تعاني منه بعض الدول الأقل تطوراً كروسيا مثلاً، فإننا نراها قد استطاعت الحفاظ على الاتجاهات الأساسية للعلوم المرتبطة بالتطور الصناعي. من حيث تطوير شبكة المؤسسات العلمية، والحفاظ على مستوى التأهيل المهني فيها، وتطوير المدارس التقنية، وتطوير نظام إعداد الكوادر ورفع مستواها المهني عن طريق التدريب المستمر طيلة مدة الخدمة الفعلية لتلك الكوادر، واستطاعت المحافظة على كمية وتنوع المجلات العلمية المتخصصة، مستفيدة إلى أبعد الحدود من التعاون الدولي المتاح لها. ولكن المشكلة الرئيسية في روسيا وتلك الدول بقيت في مستوى توفير المعلومات العلمية المتطورة من الدول المتقدمة، وحجم ونوعية وطبيعة البنى التحتية المعلوماتية اللازمة في مجال العلوم والتعليم والبحث العلمي. لأن مشكلة إعداد نظم الاتصال الكفيلة بتوفير الموارد المعلوماتية الضرورية لتطور العلوم النظرية والتطبيقية في ظروف إصلاح النظم الإعلامية القائمة والتطور الاقتصادي تحتم على تلك الدول أن يكون التصدي لهذه المشكلة من المهام الأساسية للسياسة الحكومية وواجباتها لتلبية احتياجات نمو وتطور الاقتصاد الوطني. سيما وأن العنصر الرئيسي اللازم للأبحاث العلمية والاستفادة العملية من نتائجها، يبقى مرتبطاً بالكامل بأشكال وأساليب توفير المعلومات والحقائق العلمية الحديثة والمتطورة. أخذين بعين الاعتبار أهمية مؤشرات ونوعية الموارد المعلوماتية المتاحة لكوادر البحث العلمي في أي بلد من بلدان العالم. لأن أي قصور في تأمين حاجة الباحثين العلميين من المعلومات الضرورية لمواضيع أبحاثهم العلمية سيؤدي حتماً ومن دون أدنى شك إلى تأخير تطور البحث العلمي، وبالتالي إلى تخلف حركة التطور العلمي والاقتصادي والثقافي والمعرفي في جميع فروع الاقتصاد الوطني. وتحت تأثير مجموعة من الأسباب الموضوعية القائمة في الدول الأقل تطوراً وفي الدول النامية، لابد من إعادة النظر بكل مستويات أنظمة توفير الموارد المعلوماتية العلمية للمجتمع، بما فيها التعليم والبحث العلمي والاقتصاد الوطني بشكل عام. والتي هي عادة أقل كلفة مما هي في الدول المتطورة، خلال فترة المرحلة الانتقالية من الخدمات الإعلامية إلى المجتمع المعلوماتي المنفتح. كما ونلمس في تلك الدول مدى محدودية الإمكانيات والموارد المتاحة التي لا تكفي حتى لتزويد المكتبات الوطنية ومراكز المعلومات الوطنية بالإصدارات الدورية العلمية المتخصصة والتقنية، سواء منها المطبوعة أم الإلكترونية محلية كانت أم أجنبية. ومع ذلك فإننا نلمس تفاؤلاً كبيراً في تلك الدول يتجه نحو إمكانية حل تلك المعضلات في إطار برامج التعاون العلمي الدولي، وإطار الاعتماد المتبادل بين دول العالم من أجل تحسين أداء شبكات الموارد الإعلامية العلمية الإلكترونية الدولية، وتخفيض تكاليفها، وأجور استثمارها لمجالات البحث العلمي للدول التي تعاني من مشاكل مالية على الأقل. ومساعدة تلك الدول على إقامة شبكاتها الإعلامية العلمية وبنوك المعلومات الخاصة بها، ومكتباتها الإلكترونية ووضعها تحت تصرف المستخدمين في تلك الدول. خاصة وأننا نرى من خلال نظرة سريعة في عالم اليوم أن المؤسسات العامة والخاصة على السواء، في أكثر دول العالم تقوم اليوم باستخدام تكنولوجيا المعلومات المتقدمة والحديثة، بغض النظر عن المشاكل المالية والاقتصادية التي تعاني منها تلك الدول. وأن العديد من دول العالم تقوم اليوم بإنتاج مصنفات معلوماتية إلكترونية على الأسطوانات المضغوطة وغيرها من التقنيات الناقلة للمعلومات، إضافة لظهور آلاف النوافذ Web في شبكة الانترنيت Internet العالمية، فتحتها وتقوم بتشغيلها المؤسسات الحكومية والعامة والخاصة وحتى الأفراد في مختلف دول العالم. وتحوي تلك النوافذ على كم هائل من المعلومات المتنوعة العلمية والثقافية والتجارية وغير التجارية والاقتصادية والسياسية والترفيهية ,والثقافية وغيرها، إضافة للبرامج التعليمية والتربوية والتثقيفية بما فيها برامج التعلم عن بعد. كما ونرى سعي مؤسسات التعليم العالي والمتوسط والمكتبات العامة وحتى المتاحف ووسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية المغمورة في مختلف دول العالم لفتح نوافذها Web الخاصة في شبكة الانترنيت العالمية.
ضرورة وضع ضوابط وخطط شاملة للانتقال إلى المجتمع المعلوماتي: الوضع الذي يفرض على تلك الدول الإسراع في وضع خطط شاملة تنطلق من أسس موضوعية وواقعية وموجه في إطار برامج ومشاريع التنمية الشاملة لإنشاء بنية تحتية إعلامية وطنية تعتمد على برامج التعاون الإقليمي والدولي في هذا المجال الهام، وتوجيه تلك البرامج والمشاريع لخدمة وتطوير البحث العلمي وتأمين توزيع الموارد المعلوماتية توزيعاً سليماً وحمايتها، بما يكفل الوصول إلى المستوى العالمي المطلوب للخدمات المعلوماتية عبر الشبكات الإلكترونية في كل المجالات العلمية والتعليمية والثقافية والطبية والاقتصادية والمواصلات وغيرها من المجالات الهامة لمشاريع التنمية والاقتصاد الوطني بشكل عام. وإقامة نظام متكامل للموارد المعلوماتية وتوزيعها، يعني إقامة شبكات اتصال إلكترونية تعتمد على الحاسبات الآلية الشخصية، تستخدم مقاييس معينة متفق عليها لإدخال واسترجاع المعلومات بشكل مدروس وممنهج، وإعادة توزيع تلك المعلومات على المستخدمين محلياً وإقليمياً وعالمياً. ومشروع كهذا يمكن أن يبدأ في إطار شبكة المؤسسات الحكومية التي يمكن أن تتكامل مع شبكات الموارد الإعلامية وبنوك المعلومات الأخرى الكبرى داخل الدولة، وداخل دول الجوار الإقليمي، والشبكات العالمية، آخذين بعين الاعتبار مصالح الأمن القومي والمصالح العليا للدولة في إطار هذا التكامل، والذي يمكن أن يأخذ الشكل التالي: الشبكات الإلكترونية المرتبطة بوزارة الإعلام والمؤسسات الإعلامية أي المشروع الوطني لبنوك المعلومات؛ الشبكات الإلكترونية العلمية للمكتبات ومراكز المعلومات لمؤسسات التعليم المتوسط والعالي ومراكز البحث العلمي. والتي بدورها يمكن أن تتكامل مع الشبكات الإلكترونية الإقليمية والدولية. والإنفاق على مثل تلك الشبكات يمكن توفيره من خلال التعاون المشترك وتضافر الإسهامات المالية المحلية والإقليمية والدولية للمعنيين بتنظيم تراكم ومعالجة وتداول تلك المعلومات. والأهم من كل ذلك أن تنظيم البنية التحتية الأساسية للموارد المعلوماتية العلمية الوطنية، وتنظيم تكاملها الشبكي مع الموارد المعلوماتية الإقليمية والدولية لابد وأن يمر عبر قاعدة قانونية دقيقة تشمل حمايتها عن طريق تنظيم: الضوابط القانونية للملكية الخاصة، وحقوق الملكية الفكرية المشتركة، التي تصبح في ظلها أية مادة إعلامية أو أي مصنف معلوماتي إلكتروني في الظروف التقنية الحديثة سهل السحب والنسخ؛ والوضع القانوني للإصدارات الإعلامية الإلكترونية ونشرها؛ والضوابط القانونية لضمان عدم مخالفة مضمون المصنفات الإعلامية الإلكترونية للقوانين النافذة؛ والوضع القانوني للقائمين على تقديم وتقييم الخدمات الإعلامية عبر شبكات المعلومات الإلكترونية المسموعة والمرئية؛ والأوضاع القانونية والمالية لموزعي المعلومات، وخاصة المؤسسات الممولة من ميزانية الدولة وغيرها من المؤسسات؛ وفاعلية الرقابة على تنفيذ مشاريع تنظيم البنية التحتية للموارد الإعلامية العلمية الوطنية، وتكاملها الشبكي الإقليمي والدولي؛ وضوابط الوصول للمعلومات الإلكترونية عن نتائج الأبحاث العلمية الوطنية، وشروط الاستفادة من تلك النتائج خدمة للأوساط العلمية المحلية والإقليمية والدولية. وبقي أن نشير هنا إلى ضرورة وضع الأدلة (الفهارس) الإلكترونية والمطبوعة، ووضع أسس لنشرها في وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية الإلكترونية والتقليدية وتوزيعها، لضمان تسهيل عمليات الوصول للموارد المعلوماتية العلمية المحكمة عبر البنى التحتية للموارد الإعلامية الوطنية، وعبر شبكات المعلومات الدولية بما فيها شبكة الانترنيت العالمية. لأنه دون التعريف بعناوين وطرق الوصول لتلك الموارد الإعلامية العلمية المحكمة لا يمكن الاستفادة منها ومن الكم الهائل من المعلومات المتوفرة حتى الآن في شبكات المعلومات الوطنية والإقليمية والدولية بشكل كامل.
تطوير البنى التحتية اللازمة للمجتمع المعلوماتي رهن بالسياسات الحكومية: ولا أحد ينكر أن تطور البنى التحتية المعلوماتية العلمية الإلكترونية تحتاج لموارد مادية هائلة، وأنها تعتبر من مهام بناء المجتمع المعلوماتي الذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ من حضارة القرن الحادي والعشرين، وهي رهن بالسياسات الحكومية الرسمية، وأن عملية بناء المجتمع المعلوماتي هي عملية متكاملة، تحتاج لتكثيف جهود الجميع، ومختلف الاتجاهات العلمية، ويجب أن يؤخذ بعين الاعتبار كل التخصصات العلمية، ومصطلحاتها ومشاكلها الناشئة نتيجة لدخولها عصر المجتمع المعلوماتي، ودراسة المشاكل الفلسفية والاجتماعية والاقتصادية، وتأثيرها الناتج عن الانتشار الواسع والسريع للمعلومات وتكنولوجيا الاتصال المتقدمة، والقيام بمجموعة من الأبحاث العلمية النظرية والتطبيقية، دعماً للجهود المتواصلة لخلق الظروف المواتية للانتقال إلى المجتمع المعلوماتي سمة القرن الحادي والعشرين.
الثورة المعلوماتية طغت على حياة الناس وغيرت من طبيعة حياتهم اليومية: فعالم اليوم يعيش ثورة معلوماتية حقيقية، طغت على حياة الناس وغيرت من طبيعة حياتهم اليومية بشكل جذري، وبدلت من تطلعاتهم، وخصائص تشكلهم في شرائح داخل المجتمع المحلي حتى أنها مست علاقة الفرد بذاته. وعلى العكس من الثورات التكنولوجية السابقة التي انطلقت من المادة والطاقة، فإن هذه التغييرات الجذرية الجديدة التي نعيشها اليوم وتعرضت لمفاهيمنا عن الزمان، والمكان، والأفق، والمسافة، والمعرفة، تشكل في جوهرها الثورة المعلوماتية الناتجة عن التطور الهائل لتكنولوجيا المعلومات ووسائل الإعلام والاتصال المتنوعة، التي توصلت إليها عبقرية الإنسان خلال القرون الأخيرة. ورغم عدم كفاية واكتمال الدراسات العلمية التي تناولت مرحلة الثورة المعلوماتية التي تمر بها البشرية في الوقت الحاضر، فإننا نلمس من حيث الجوهر أنها قربت لنا مفاهيم الثورة المعلوماتية التي أضحت أكثر فهماً ووضوحاً من ذي قبل.
العولمة والتكنولوجيا والمجتمع المعلوماتي: ومع حلول عصر العولمة بتداعياته العلمية، والإعلامية، والاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، والثقافية، برزت على الساحة آراء مختلفة تتباين في تقديرها لمدى تأثير تلك العولمة وخاصة الاقتصادية على تطور بعض الدول وعلى الحضارة الإنسانية بشكل عام. خاصة وأن العولمة كانت نتاجاً واقعياً لتطور وسائل وتقنيات وتكنولوجيا المعلومات والإعلام والاتصال والاستشعار عن بعد، ووسائل نقل وتخزين والتعامل مع المعلومات واسترجاعها. الأمر الذي سمح في نفس الوقت بإحداث نقلة نوعية وتغيير في الأدوار التي أصبحت تؤديه وسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية في المجتمع بعد حلول عصر العولمة المعلوماتية، وانتقالها من دور تقديم الخدمات الإعلامية للمجتمع، إلى دور المشارك الفعال في الشبكة الكثيفة متعددة الأطراف التي تشبه اليوم إلى حد ما نسيج خيوط العنكبوت، يتصل من خلالها ويتفاعل مع غيره عبر اتصال كثيف وتبادل معلوماتي مباشر ملايين البشر على الكرة الأرضية، دون عوائق أو قيود تذكر، في مجتمع أصبح يطلق عليه تسمية "المجتمع المعلوماتي" المتشابك بواسطة شبكات الحاسبات الآلية الشخصية المنتشرة في كل أرجاء العالم المتقدم. وصناعة وتطوير وانتشار استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال والإعلام كأي تكنولوجيا أخرى توصلت إليها عبقرية الإنسان، مرتبطة بالمواقف والقرارات السياسية السليمة التي تأتي في الوقت المناسب، والمبنية على التقديرات الاقتصادية والمصالح الإستراتيجية والأمنية الوطنية العليا. وتكنولوجيا المعلومات والإعلام والاتصال كغيرها انطلقت من فكرة رفع الطاقة الإنتاجية للعمل وتحسين أداؤه في بعض المواقع المحددة، وهو ما سبب بعض الإخفاقات التي واجهتها تكنولوجيا المعلومات والاتصال والإعلام، بسبب أخذها في الاعتبار النواحي التقنية فقط، وإهمالها للنواحي الاجتماعية المترتبة عن استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال والإعلام بشكل عام. لأنها تشكل معاً نهايات ثلاثية الأبعاد في المجتمع الإعلامي، بحيث تكون مقبولة، ومدعومة اجتماعياً، وتلبي حاجة أفراد المجتمع. وفي ظل المجتمع المعلوماتي يجب أن تكون تلك الثلاثية الأرضية التي ينطلق منها لتحقيق تطور هادف في وعي وحياة الإنسان، وتدعم مواقف جميع الشرائح الاجتماعية بكل اتجاهاتها مما يزيد من لحمتها، وإسهامها في تطوير المجتمع المعلوماتي بحد ذاته. وتكنولوجيا الاتصال والإعلام تنتشر اليوم من الدول المتطورة وتنتقل منها إلى الدول الأقل حظاً والنامية، حاملة معها ثقافة جديدة، تختلف كثيراً عن تلك الثقافة التي ولدت في إطارها تلك التكنولوجيا. وتحمل في طياتها ثقافة تعميم آليات ونظم الحاسب الآلي المعقدة والمتنوعة لتلك النظم صعبة الفهم. وفي أكثر الحالات نرى أنها تتهيب الخطر الناتج عن حتمية التأثير على حياة الأفراد والمجتمعات، وهو التأثير الذي يصعب فهمه وقبوله في بعض الحالات. ومن أجل تجنب الجمود في المجتمع المعلوماتي، كان لا بد من الوصول إلى تصور واضح ودقيق عن التأثيرات العارضة لدخول تكنولوجيا الاتصال والإعلام المتطورة إلى الحياة الاجتماعية اليومية، ومنها نتائج الصدمة التكنولوجية وما يرافقها من تخريب في السلوك والآداب والأخلاق العامة، وفقدان لفرص العمل في بعض التخصصات التقليدية، إضافة لشيوع جرائم الحاسب الآلي غيرها، من تلك التي تهدد الأمن الإعلامي الوطني والدولي.
حتمية الثورة الاتصالية والمعلوماتية في ظل العولمة: ومع ذلك فإن الثورة الاتصالية والمعلوماتية التي تعمل على تغيير معالم العالم بسرعة هائلة، وحتمية هذه التغييرات تجعلها في وضع لا مفر منه وشاملة، وتزداد سرعتها بشكل دائم ومضطرد. وتختلف نتائجها الاقتصادية، لأنها تجلب معها فوائد ليست أقل أهمية وفاعلية ومؤثرة على القيم الإنسانية من فوائد الثورات الإنسانية السابقة في مختلف دول العالم ومن بينها الدول الأقل نمواً والنامية أيضاً. ومن ظواهر التفوق المعلوماتي اليوم في الدول المتقدمة أن الناس أصبحوا يتفاعلون مع الثورة المعلوماتية والاتصالية والإعلامية بالمقارنة مع غيرها من الثورات الإنسانية السابقة، في دول العالم بأشكال طالت المجتمع الإنساني بأسره. حتى أصبح مصطلح "المعلوماتية" يملك وقعاً سحرياً بالفعل، بعد أن أصبحت تكنولوجيا المعلومات والاتصال والإعلام الحديثة اليوم القوة المحركة الحقيقية والمتحكمة بالاقتصاد العالمي والتقدم التكنولوجي في العالم بأسره، وأصبحت مصدراً هاماً لمضاعفة المعارف والقيم الروحية الجديدة لدى الإنسان، خاصة بعد توسع وانتشار مجالات استخدام المنجزات العلمية والتكنولوجية للقرن العشرين. وللحكم على مدى تشكل المجتمع المعلوماتي في أية دولة من دول العالم لابد من إلقاء نظرة فاحصة تشمل واقع وآفاق تطور وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية في تلك الدول، على ضوء استيعابها لتكنولوجيا المعلومات ووسائل الإعلام والاتصال المتطورة، وعلى آفاق تطور البنية التحتية لتلك الوسائل في العالم. والنظر كذلك إلى مستوى التعليم العام والمتخصص والقاعدة القانونية التي تستند عليها عملية التطور المعلوماتي في تلك الدول بشكل عام. ومدى إمكانية الوصول إلى مصادر المعلومات المتاحة، المحلية والإقليمية والدولية من خلال شبكات الاتصال الإلكترونية وخاصة شبكة الانترنيت العالمية. ومدى تأثير الموارد المعلوماتية المفتوحة تلك على علاقات الإنتاج، والنشاطات الإنسانية والعلمية والتجارية والاقتصادية، والأهم من كل ذلك مدى تلبية تلك الوسائل للحاجات الأساسية للمواطن وللمجتمع بكل شرائحه. لأن الإنسان في المجتمع المعلوماتي يقف وجهاً لوجه أمام فضاء إعلامي واحد متنوع ومفتوح، تعتبر فيه وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية من أهم وسائل التفاعل بين المواطن والسلطة بفروعها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية. لأنها تساعد على شفافية عمل تلك السلطات، وعلنية التفاعلات السياسية في المجتمع. أما تقنيات الاتصال الحديثة في ظل "العولمة" والمجتمع المعلوماتي فقد أضافت عنصر الحوار الدولي الذي انبثق عنه "مجتمع الأربع والعشرين ساعة" (twenty-for-hour-society)، ذلك المجتمع الذي يعمل على مدار الساعة دون توقف، مضيفاً إمكانيات هائلة جديدة، منها على سبيل المثال: تكامل الدورة الاقتصادية التي أصبحت تعمل دون توقف أيضاً، بحيث تبدأ في آن معاً من أية نقطة في العالم وتعود من جديد ودون توقف من حيث أتت، مما فرض على العاملين في المجالات الاقتصادية والمالية، ضرورة إعادة النظر في جداول أعمالهم بما يتلاءم مع هذه الدورة الاقتصادية المعلوماتية. ومجتمع الأربع والعشرين ساعة هذا أصبح يمس اليوم كل نواحي الحياة الاجتماعية دون استثناء، ومنها وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية التي أصبحت تملك قنوات جديدة للحصول على المعلومات ونشرها تفوق القدرات التقليدية المعروفة لقنوات الاتصال.
تطور تكنولوجيا ووسائل الاتصال كقاعدة أساسية لتطور المجتمع المعلوماتي:
ومن نظرة سريعة في تاريخ تطور الوسائل التقنية والتكنولوجية التي أخذت تحدد موقعها كقاعدة أساسية لتطور المجتمع المعلوماتي لأنها الوسائل التي تعتبر من الأسس التي يجب أن يتطور على قاعدتها المجتمع المعلوماتي. لابد من استعراض مراحل تطور وسائل وتقنيات وبرامج الحاسب الآلي، التي جاءت في المرحلة الأولى عندما صنع "و. بيرو" في عام 1888 أول آلة حاسبة قادرة على جمع أعداد كبيرة في ذلك الوقت. وخلال عامين فقط استطاع "غ. هولريت" بناء آلة تعتمد على استخدام البطاقات المثقوبة. وفي عام 1906، اخترعت مؤسسة "آ. غ. بيلا"، أول جهاز تلفون وحصلت على براءة اختراعها، وقامت بعد ذلك بتصميم وصنع "منظم" مهمته حفظ النبضات الكهربائية في سلسلة متصلة تستمر إلى أن يستطيع جهاز التشغيل من القيام باتصال ثابت. وفي عام 1925، قام "ب. بوش" بصنع أول حاسب آلي معروف، وخلال 12 سنة صنع جهاز "التحليل الحسابي" الذي يقوم بإجراء عمليات حسابية. وما بين عامي 1937- 1942 أعد "ج. ب. أتاناسوف"، وصنع أول حاسب آلي ولكنه لم يستطع تسجيل براءة اختراعه لرفض شركة IBM تسجيله وبقي هو واختراعه مجهولاً. وفي عام 1944 صنع "إيكين" من جامعة هارفارد في الولايات المتحدة الأمريكية "حاسب آلي أتوماتيكي بإدارة مستمرة" (digital computer) يبلغ وزنه 4,5 طن وأطلق عليه اسم “MARK 1”. وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية تمكن العالمان "إيكرت ج."، و"موكلي ج." من جامعة بنسلفانيا من صنع أول كمبيوتر إلكتروني (Electronic Numerical Integrator and Computer “ENIAC”). وفي عام 1946 اقترح "ج. فون نيمان" نظام لإدارة أنظمة آلات الحساب الثنائي، وأعد مبدأً لإدخال المعلومات وحفظها آلياً، مع حفظ أوامر التشغيل. وفي عام 1951 تم صنع أول حاسب آلي تجاري في العالم UNIVAC، الذي اشترى أول جهازين منه مكتب تعداد السكان في الولايات المتحدة الأمريكية، وشركة "جنراك إليكتريك". وفي نفس الوقت تقريباً قام المهندس الألماني "ك. تسوزي" ولأول مرة في تاريخ التكنولوجيا بصنع جهاز ببرنامج مستمر لحساب الأرقام “Z 3”. وحتى بداية ستينات القرن العشرين تم وضع نظرية نظم "الكيبيرنيتيكا". وبعدها فقط بدأ العلماء والمفكرون، بالتنبه ولأول مرة للنواحي الفلسفية والنتائج الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية للعلم الجديد "الكيبيرنيتيكا". وفي عام 1971 ظهر أول حاسب آلي صغير الحجم، وفي العام 1974 ظهر في الأسواق أول حاسب آلي للاستخدام الشخصي. وحتى عام 1960 بلغ عدد الحاسبات الآلية المستخدمة في العالم حوالي السبعة آلاف جهاز. ولكن المنعطف التاريخي الكبير في استخدام الحاسبات الإلكترونية الآلية حدث في عام 1993 عندما تجاوز وللمرة الأولى حجم إنتاج الحاسبات الإلكترونية الآلية الشخصية، حجم إنتاج السيارات الخفيفة حيث بلغ 35,4 جهاز. وبعد عام واحد ارتفع حجم الإنتاج بمعدل 27 % ووصل إلى 48 مليون جهاز، وحتى عام 1995 ارتفع مرة أخرى بمعدل 25 % ووصل إلى 60 مليون جهاز تقريباً. وأصبحت أجهزة الحاسب الآلي الشخصية اليوم في بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية تنتج وتباع أكثر من أجهزة الاستقبال التلفزيونية وهو ما يؤكد ظاهرة انتشار أجهزة الحاسب الإلكترونية الآلية شعبياً في الدول المتطورة.
من الحاسب الآلي الإلكتروني الشخصي إلى شبكات الاتصال المفتوحة: ومع ارتفاع نسبة إنتاج وانتشار أجهزة الحاسب الآلي في الاستخدام الشخصي، بدأ التفكير يتجه نحو الانتقال من المجتمع الصناعي إلى المجتمع المعلوماتي. وكانت أجهزة الحاسب الآلي حينها تعمل بمعزل عن بعضها البعض، وتطلب الأمر التفكير في الوسائل التي تمكن تلك الأجهزة من العمل مع بعضها البعض في شبكة واحدة، لتحقيق عنصر التفاعل المعلوماتي بين المعلومات المختزنة في تلك الشبكة، ومن هنا انطلقت الحاجة إلى توحيد تلك المعلومات لتحقيق مبدأ التفاعل الفعلي بين المعلومات المختزنة والقائمين بعملية الاتصال، والحاجة إلى توظيف البنية التحتية للاتصالات المسموعة والمرئية التقليدية لخدمتها جنباً إلى جنب مع خطوات تطوير تلك البنى التحتية لتلبي متطلبات التكنولوجيا المتطورة. وبهذا تم الوصول لتلك القاعدة التي مكنت من الانتقال النوعي من المجتمع الزراعي الصناعي المتطور إلى المجتمع المعلوماتي في عصر العولمة. وحدث هذا التطور خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين حيث جرت تغييرات جوهرية في تكنولوجيا الحاسبات الآلية، بدلت النظرة السائدة من استخدامها. بحيث أصبحت نظم الحاسب الآلي حتى عام 1994 مفتوحة على بعضها، وأصبحت نظم إدارة المعلومات، ونظم معالجة النصوص، ونظم إدارة وتمرير المعلومات، وحتى تقنيات نقل الصور المتحركة، تستخدم كوسيلة عادية داخل آليات العمل في المؤسسات الحكومية والشركات والمؤسسات العامة والخاصة، وكوسيلة من وسائل نظم الإدارة والتنسيق والسيطرة والتوجيه والمتابعة فيها. وما أن حل عام 1995، حتى تبدل الوضع من جديد وأصبحت نظم الحاسب الآلي المنفتحة تتغير بسرعة، وشملت مختلف دول العالم المتقدمة والنامية، ولكن بوتائر وبأشكال ومستويات مختلفة. وأصبح بذلك الاتجاه العام للتطور يتجه نحو الدمج والتوحيد، وخاصة بعد أن تم الاعتراف دولياً بشبكة المعلومات الدولية "الانترنيت"، الآخذة بالتطور والتوسع السريع بمعدل 10-15% في الشهر. وهذا النظام المتنامي يومياً يربط اليوم بين عشرات الملايين من المشتركين، المشاركين في عملية التبادل الإعلامي الدولي على الساحة الوطنية والإقليمية والدولية، من خلال أكثر من 9,5 مليون حاسب آلي شخصي، وأكثر من 250 ألف محطة ارتباط WWW منتشرة في أنحاء متفرقة من العالم. ورغم التفوق الذي تتمتع به شبكة "الانترنيت" العالمية التي خضعت عملياً للاختبار أكثر من مرة. إلا أننا نلاحظ رفضاً شبه إجماعي للتسليم بها رغم المليارات الضخمة التي تم توظيفها من أجل تطوير الشبكات الوطنية للانفتاح على الشبكة العالمية وتوحيد مقاييس نظمها للتداخل عبر شبكة "الانترنيت" العالمية. وبالنتيجة نرى أن تكنولوجيا وسائل التعامل مع المعلومات أصبحت خاضعة اليوم لعملية تطور دائمة في اتجاهات متعددة، تدفعها في نفس الوقت نحو التخصص في معايير الأداء الوظيفية المحددة التي هي في النهاية لابد وأن تتكامل من حيث الوظائف ومعايير الأداء. ومع ارتفاع حجم المعلومات المختزنة إلكترونيا خلال السنوات الأربعين الماضية إلى نحو 130 مرة، كان لابد من ظهور تكنولوجيا حديثة مناسبة للتعامل مع هذا الكم الهائل من المعلومات، يتميز بسهولة الاستعمال وصغر الحجم، وفعلاً ظهرت مكونات للحاسب الآلي لا يتعدى حجمها حجم ظفر الإنسان، بإمكانها تخزين معلومات تعادل مضمون 100 كتاب كل منها يحتوي على 500 صفحة. وبعد أن كانت أجهزة الحاسب الآلي لعشر سنوات مضت بوزن يتجاوز السبعة كيلو غرامات، نرى أن أجهزة الحاسب الآلي الشخصي المحمولة الخارقة الإمكانيات والوظائف اليوم لا يتجاوز حجمها حجم دليل الهاتف. إلى جانب انتشار الحاسبات الآلية متعددة الوظائف للاستعمال الشخصي بحجم لا يتجاوز حجم كف اليد. كما ويتوقع الخبراء أن يظهر في القريب العاجل حاسب آلي محمول باليد، يمكنه إعطاء حامله المعلومات الضرورية عن آخر الأنباء، ونشرة الأحوال الجوية، والنشرة المالية، وحركة وسائل المواصلات البرية والبحرية والجوية، وأفضل السبل لتجنب الاختناقات على طرق السيارات في المدن الكبيرة، وتحديد الوقت وغيرها الكثير، الكثير من المعلومات التي يحتاجها الإنسان في حياته اليومية المعاصرة.
التقنيات الرقمية بديلة للتقنيات التقليدية في المجتمع المعلوماتي: عندما نتحدث عن تطور تكنولوجيا الحاسب الآلي محرك الثورة المعلوماتية، لابد لنا من التعرض للدور الذي لعبته التقنيات الرقمية المتطورة في عملية تطوير وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية في ظروف المجتمع الإعلامي. وهنا لابد لنا من أن نأخذ في اعتبارنا عدة حقائق تحدد ملامح انتقال وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية إلى استخدام التقنيات الرقمية، أهمها: أن الصحف أخذت بتجميع وإخراجها صفحاتها على الحاسبات الإلكترونية الآلية، وأصبحت النسخة الإلكترونية الجاهزة تنقل إلى أي مكان من العالم عبر شبكة الانترنيت العالمية ليتم طبعها في أماكن عدة متفرقة من العالم في آن معاً؛ وأصبحت برامج الإذاعتين المسموعة والمرئية تنقل عبر ترددات إذاعية رقمية تزيد من إمكانيات انتشارها ووصولها للمستهدف من عملية الاتصال بصفاء ووضوح تام. وهي البرامج نفسها التي يمكن سماعها ومشاهدتها عبر أجهزة الحاسب الآلي الشخصي، الموصولة بشبكة المعلومات الدولية "الانترنيت". مما جعل من تلك العملية سهلة جداً وميسرة، تؤمن تواصل كل وسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية مع بعضها البعض وفي نفس الوقت مع الساحة الإعلامية الواسعة جداً، بما يوحي بتوحيد خدمات وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية، واتصالها واندماجها مع بعضها البعض، ليس عير شاشات الحاسب الآلي الشخصي وحسب، بل وعبر شاشة التلفزيون بعد إضافة مستقبل إلكتروني (set-top-box) على جهاز الاستقبال التلفزيوني المنزلي، الذي يقوم بتحويله إلى ما يشبه الحاسب الآلي الشخصي الذي يمكن من خلاله متابعة البرامج التلفزيونية، وقراءة الصحف، وسماع البرامج الإذاعية، ومتابعة صفحات شبكة المعلومات الدولية "الانترنيت". وأصبح الدمج هذا ممكناً من خلال تقنيات الدمج المتوفرة حالياً بين تقنيات الحاسب الآلي الشخصي، وأجهزة الاستقبال التلفزيونية، أو على قاعدة جهاز الاستقبال التلفزيوني فقط، بعد توصيله عن طريق جهاز خاص بشبكة المعلومات الدولية "الانترنيت"، أو عن طريق الحاسب الآلي الشخصي الذي تتحول شاشته إلى ما يشبه جهاز الاستقبال التلفزيوني. وكل ذلك تحقق بفضل الدمج بين تكنولوجيا الحاسب الآلي الشخصي وتكنولوجيا أجهزة الاستقبال التلفزيونية الآخذة بالتطور يوماً بعد يوم، وهو ما فتح آفاقاً جديدة لانتشار وسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية عبر شبكة الانترنيت العالمية.
شبكة الانترنيت ووظائف وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية في المجتمع المعلوماتي: والمجتمع الإعلامي كما هو معروف هو مجتمع المعرفة Knowledge Society ولفهم دور شبكات المعلومات الدولية في تلك المجتمعات التي تلعب فيها وسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية حسب ظروفها الذاتية، الدور الهام لاجتياز الحاجز النفسي الذي يعيق من فهم المجتمع المحلي لدور شبكات المعلومات الدولية ومن بينها شبكة "الانترنيت" في الوسط الإعلامي للمجتمع المعلوماتي الجديد، الذي يبشر بالانفتاح على المعارف وخبرات ومنجزات الحضارة الإنسانية، ويفسح المجال واسعاً للوصول لأوسع المعلومات المتوفرة في شبكات المعلومات الدولية. لابد من الوقوف عند مشكلة الارتفاع المفاجئ لمستوى الخدمات الإعلامية المتوفرة للمجتمع المعلوماتي، ومدى تطور إمكانية وصول الفرد في ذلك المجتمع إلى مختلف المعلومات والمعارف الجديدة عبر وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية، ومدى محافظة تلك الوسائل التقليدية لوظائفها التقليدية كالسبق الصحفي، وجمع وحفظ وإعداد ونشر وتوثيق المعلومات، ومنها المعلومات عن آخر الأخبار التي هي دائماً في مقدمة اهتمامات ووظائف صحافة الأحداث، بعد دخول منافس جديد للساحة الإعلامية يوفر المعلومات التي يحتاجها الفرد من خلال شبكات المعلومات الدولية، التي أصبحت اليوم تمثل المؤثر الخارجي الأكثر فعالية، وأصبح لها شأناً كبيراً في تحديد مستوى الوعي الفردي والاجتماعي من خلال احتكاك الفرد بمضمون تلك الشبكات. وفي اللغة الإنكليزية هناك مفهومين اثنين للمجتمع المقصود، الأول "مجتمع المعلومات" (information society) والثاني المجتمع المعلوماتي (informational society)، أي المجتمع الذي تعتبر فيه المعلومات وسيلة للحوار، والاتصال وتؤثر في صلب المجتمع، ولهذا فضلنا أن نختار له مفهوم "المجتمع المعلوماتي". ويعتقد البعض أن الوصول للمعلومات الموثقة لا يمكن من دون وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية، التي تبقى الوسيلة الرئيسة والأهم لإعلام الرأي العام والإسهام في تطويره، وخاصة منها الوسائل المطبوعة، من خلال ما تسجله على صفحاتها من معلومات يمكن أن تحفظ وتنتشر أكثر إن كان بطرق التوزيع التقليدية، أو من خلال أجهزة الحاسب الآلي الشخصية المتصلة بشبكات المعلومات المحلية والإقليمية والدولية داخل المجتمع الواحد. نظراً للكلفة الزهيدة للحصول عليها والاستفادة منها، لأن ما يدفع ثمناً لها بالمقارنة مع تكاليف استخدام شبكات المعلومات الإلكترونية الحديثة، للحصول على مواد الصحف، والمجلات، ولقاء سماع البرامج الإذاعية المسموعة والمرئية هو زهيد جداً. بالإضافة إلى أن تكاليف سماع ومشاهدة البرامج الإذاعية المسموعة والمرئية بالطرق التقليدية خارج شبكة الانترنيت لا تكلفنا سوى قيمة استهلاك أجهزة الاستقبال الإذاعية والتلفزيونية، وقيمة الطاقة الكهربائية المستهلة، وهذا بحد ذاته من الحقائق الهامة التي تؤكد حتمية التطور اللاحق لوسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية بأشكالها المقروءة والمسموعة والمرئية. إلا أن استخدام شبكات المعلومات الإلكترونية يصبح بالتدريج حاجة ملحة بعد انتشارها وتعدد استخداماتها وقنواتها داخل المجتمعات الحديثة. لأن تلك الشبكات تصبح الناقل لصفحات الصحف والمجلات قبل وصولها للمشتركين عبر شبكات التوزيع التقليدية بزمن كبير، هذا إن لم نتحدث عن جودة وصفاء الصوت والصورة للبرامج الإذاعية والتلفزيونية المنقولة من أماكن بعيدة جداً عبر شبكات المعلومات الدولية. ومع ذلك نلاحظ في بعض الدول كالنرويج والسويد وفنلندا وحتى داخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها المتقدمة جداً في هذا المجال، أن استخدام شبكات المعلومات الإلكترونية لم يؤثر على أعداد المشتركين في الصحافة الدورية، بل على العكس كان عددهم أعلى بكثير من عدد المشتركين بشبكة الانترنيت الدولية. وهو ما يؤكد أن دور وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية وخاصة الصحافة المطبوعة في المجتمعات المتطورة سيبقى مهماً حتى في المجتمع المعلوماتي، الذي سيضيف أشكال متنوعة وجديدة وأكثر فاعلية وواقعية للخدمات الإعلامية المباشرة في ظروف الانفتاح الإعلامي. وهو ما يمكن اعتباره عنصراً هاماً من عناصر تطوير النظام التقليدي لوسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية، وخاصة وظيفة نقل المعلومات عبر العالم بحرية ودون عوائق أو قيود، تلك التي هي من خصائص المجتمع المعلوماتي.
خصائص المجتمع المعلوماتي: وقد تباينت وجهات النظر حول خصائص "المجتمع المعلوماتي"، ولهذا سنحاول هنا التقريب بين وجهات النظر تلك لنجملها بالخصائص التالية وهي أن المجتمع المعلوماتي هو: مجتمع من شكل جديد، تشكل في الدول المتقدمة نتيجة للعولمة والثورات العلمية والمعلوماتية والتقنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، التي نتجت عن التطور الهائل لتكنولوجيا وتقنيات وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية؛ ومجتمع المعرفة، الذي يتحقق فيه لكل إنسان وفي أية دولة من العالم الرفاهية والتقدم والنجاح عن طريق الوصول الحر للمعلومات التي يحتاجها دون أية حواجز أو معيقات. وكل ما يحتاجه الإنسان هنا هو إتقان مهارات استخدام وسائط ووسائل الاتصال بشبكات المعلومات الوطنية والإقليمية والدولية والتعامل مع المعلومات التي تتيحها له تلك الشبكات؛ ومجتمع العولمة الإعلامية، الذي لا يوجد فيه ما يعيق تبادل المعلومات، من وقت ومساحة، وحدود سياسية؛ وهو المجتمع الذي تتحول فيه المعلومات تدريجياً إلى وسيلة من وسائل التكامل المتبادل للثقافات المختلفة، ولا يعيق من جانب آخر خلق الإمكانيات الجديدة للتطور الذاتي لكل مجتمع. وبذلك يتحول المجتمع المعلوماتي حسب رأي البعض بالتدريج إلى "مجتمع الحكمة"، من خلال القدرة على التعامل العلمي والواعي والمدرك لأبعاد الكم الهائل من المعطيات والمعلومات المتوفرة في شبكات المعلومات المحلية والإقليمية والدولية، والقدرة على تحليل هذا الكم الهائل انطلاقا من أسس علمية سليمة تمهيداً لأخذ شيء منه تمهيداً لاتخاذ قرار هادف لتحسين ظروف ومستوى الحياة. وبذلك تصبح الحكمة أساساً لاتخاذ القرارات المبنية على المعطيات والمعلومات التي تساعد على النهوض بالمجتمع نحو الأفضل، ، المجتمع المنفتح على المجتمعات الأخرى، المجتمع الذي يأخذ في اعتباره مصالح وأمن الدول والمجتمعات وإمكانياتها الذاتية، ويشجع على مشاركة كل أعضاء المجتمع في النشاطات الفكرية والإنتاجية التي تأخذ في اعتبارها الجوانب الثقافية والاجتماعية للحياة التي هي ليست أقل أهمية من الجوانب المادية والاقتصادية. بينما يرى العلماء الألمان أن المجتمع المعلوماتي، هو المجتمع الذي تتحكم فيه في نهاية المطاف الطرق التي يتم من خلالها الحصول على المعلومات، وطرق التعامل معها وحفظها ونقلها وتداولها ونشرها، واستخدام المعارف المستمدة من خلال الكم الهائل للمعلومات المختزنة في شبكات المعلومات، التي تتيح إمكانية توفير فرص الاعتماد المتبادل بين الدول في التعامل مع المعلومات وهو ما يحتاج بدوره إلى تطوير التكنولوجيا اللازمة ورفع إمكانياتها بشكل مستمر. لأنه في المستقبل لابد وأن تبرز وتأخذ بالتشكل أشكال أخرى جديدة للمجتمع المعلوماتي، كما كانت الحال في السابق عندما تعددت نماذج وأشكال نظم الإدارة والحكم، ونماذج وأشكال المجتمع الصناعي، ونماذج وأشكال النظم الاقتصادية وهكذا. ولكن مع ذلك تبقى الملامح الرئيسية للمجتمع مع تبلور ملامح المجتمع المعلوماتي معتمدة على مستوى توفير المساواة في الحقوق لجميع المواطنين في الوصول إلى الموارد المعلوماتية الرئيسية؛ ومستوى مساهمة كل فرد في حياة المجتمع الذي هو عضو فيه، وتحقيق الذات الفردية لكل من يعاني من نقص في إمكانياته وقدراته الجسدية. ومن الخصائص الهامة للمجتمع المعلوماتي أيضاً، التركيز على الإنتاج الفكري والمادي، اعتماداً على قطاع الخدمات المعلوماتية الذي لابد وأن توفر خدماته وتخفض من الهدر في الوقت، وفي استخراج واستثمار وتصنيع المواد الخام، وتقلل من نفقات الطاقة وغيرها. ومع تطور الخدمات المعلوماتية في المجتمعات لابد أن تحدث تغييرات جوهرية من حيث تكثيف الاعتماد على النواحي العلمية وتركيزها. وهو ما نلمسه من خلال إلقاء نظرة سريعة لما يجري في هذا المجال في الدول الأوروبية الآخذة في الانتقال الحثيث نحو المجتمع المعلوماتي الآخذ بالتطور بشكل ملحوظ فيها، حيث نلاحظ أن أكثر من النصف (55%) من الموارد في الصناعة المعلوماتية خصصت لتشكيل الموارد المعلوماتية، بينما خصصت 45% فقط لإنتاج تكنولوجيا المعلومات والاتصال؛ بينما بقيت الهوة في ازدياد واتساع في صناعة وسائل الاتصال التي خصص 80% منها لقطاع خدمات الاتصالات التلفزيونية، و 20% فقط خصصت لإنتاج وسائل الاتصال. وكما هو معروف فإن كل خصائص المجتمع الإعلامي مرتبطة إلى حد ما بطبيعة "العولمة" الآخذة بالتشكل والاتساع التدريجي لتشمل العالم بأسره، من خلال إصرارها على إزالة الحدود والحواجز بين الدول والمجتمعات، لتبدل جذرياً من تركيبة الاقتصاد العالمي الذي أخذ بالتحول التدريجي إلى اقتصاد السوق المفتوحة. وهنا تبرز حاجات تحقيق الذات القومية التي تتطلب من الجميع مراعاة أمن ومصالح كل دولة من الدول في ظروف العولمة، وفي نفس الوقت إيلاء أهمية خاصة لتطور البنى التحتية الإعلامية الوطنية والقومية، لتأمين دخولها الفاعل والمتساوي إلى الساحة المعلوماتية الدولية.
متطلبات المجتمع المعلوماتي: خاصة بعد أن جاء التقدم التقني والتكنولوجي لوسائل الإعلام والاتصال والاستشعار عن بعد بأنواع جديدة تماماً من التقنيات المعلوماتية لم تكن معروفة من قبل في العالم المتقدم والنامي معاً، دمجت بين النص المكتوب، والصوت، والصورة، وبدورها أوجدت أشكالاً جديدة من الخدمات الإعلامية والمعلوماتية، تطلبت كلها ابتكار وسائل جديدة لنقل المعطيات والمعلومات، تعمل كلها بشكل متبادل يكمل بعضه بعضاً، وأدت بدورها أيضاً لظهور نزعة يساندها البعض لتوحيد تلك التقنيات في وحدة متكاملة. وهذا إن تم مع تطور تقنيات وتكنولوجيا وسائل الإعلام والاتصال التقليدية فلابد من أن يجر من وراءه تحولات جذرية ونوعية عميقة في كل مجالات حياة الأفراد والمؤسسات والمجتمعات والدول. وكل ذلك يعتبر من الملامح المميزة للمجتمع الإعلامي، من حرية انتقال ووصول المعلومات والتعامل معها ونشرها دون أية عوائق. وهذا بحد ذاته يدعوا دول العالم كلها إلى ترشيد النظم الديمقراطية والشفافية داخل مجتمعاتها، بما يؤدي إلى رفع مستوى النشاطات الاجتماعية والإنتاجية، وإلى تطور المنافسة الشريفة بما يضمن حقوق الجميع، وخاصة حقوق المستهلك في ظل اقتصاد السوق المفتوحة التي تدعوا وتصر عليها العولمة الاقتصادية. ورغم التشكيك في قدرات العولمة من قبل خصومها ومؤيديها على السواء، يرى البعض أنها يمكن أن تحد من خطر انفراد الطبقات الحاكمة بالسيطرة على الاقتصاد الوطني دون غيرها، وتفرد الاحتكارات الدولية في السيطرة على الاقتصاد العالمي بشكل عام. وتعتقد بأن العولمة يمكنها إيقاف تفشي البيروقراطية والأشكال الاحتكارية غير الفاعلة، وتحد من الانعزال الاقتصادي والفساد المستشري في بعض الدول. لأن توفير المعلومات الكاملة ووضعها في متناول الجميع، والاعتماد عليها عند إجراء الدراسات التحليلية والعلمية لابد وأن يساعد على اتخاذ قرارات صحيحة وموزونة عند وضع السياسات التنموية الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، ولتوجيه النشاطات الإنتاجية نحو رفعة وتقدم ورفاهية الأمم والشعوب المختلفة. ومن هذه النظرة التفاؤلية نرى أن المجتمع المعلوماتي قد يحمل في طياته إمكانيات كبيرة تتيح فرصة ترشيد بناء الدولة القومية والمجتمع القومي، وتتيح الظروف المثلى لاستخدام الموارد والمقدرات المحلية، وتوظيفها عملياً في خدمة كل ما يساعد على رفع فاعلية ووتائر الإنتاج. وهذا على ما نعتقد لا يمكن أن يتم دون تطوير البنى التحتية للخدمات العامة، وتطوير التعليم الوظيفي بما يتلاءم واحتياجات المجتمع المعلوماتي الآخذ بالانتشار، ومن أجل الوصول بالاقتصاد إلى مرحلة الاستثمار الأمثل للموارد الطبيعية، وحماية البيئة والمحافظة عليها سليمة معافاة للأجيال القادمة. والانتقال عبر مراحل التطور المتعاقبة بشكل سليم يضمن حماية الأمن القومي والمصالح الوطنية العليا. فاستخدام وسائل الاتصال، ونقل وتخزين واسترجاع المعلومات الإلكترونية المتطورة بشكل واسع، يفرض على جميع الدول ضرورة إعادة النظر الفورية وبشكل جذري بنظم التعليم التقليدية القائمة، وخاصة في الدول النامية والأقل حظاً من غيرها في عصر العولمة الإعلامية. لأن تلك الدول تعتبر من أكبر المجتمعات التي يستفاد فيها من فرص التعلم عن بعد أو ما يعرف بنظام التعليم عن طريق المراسلة، أو عبر البرامج التعليمية التي تنشرها وتبثها وسائل الإعلام والاتصال التقليدية، أو التي أصبحت تنقل عن طريق شبكات المعلوماتية الإلكترونية المتطورة، وكلها تصب في إطار برامج التعلم المستمر مدى الحياة الذي أخذت الحاجة إليه تزداد في ظروف العولمة أكثر من ذي قبل. وتتطلب برامج التعليم المستمر، وخاصة منها تلك التي تتم عن بعد، مهارات فردية أكثر من ذي قبل للتعامل مع السيل الهائل من المعلومات التي توفرها العولمة الإعلامية، ومن أجل تحقيق مبدأ رفع الكفاءة الذاتية تجنباً لاتساع هوة التخلف التي تهدد المجتمعات النامية والأقل تطوراً في القرن الحادي والعشرين، لا بد من تحسين إعداد الفرد المتخصص، وتحسين برامج تدريبه المستمرة، بالشكل الذي يتيح للشركات والمؤسسات العامة والخاصة آفاقاً وفرصاً جديدة تساعدها في إدارة شؤون العاملين فيها، وتدريبهم المستمر الذي يضمن رفع مستوى أدائهم وطاقاتهم الإنتاجية. وهذا يتطلب قبل كل شيء إدراك العاملين أنفسهم بأن الكفاءة الفردية وحسن الأداء الوظيفي هو الطريق الوحيدة نحو مستقبل واعد وأكثر نجاحاً، مستقبل تحدده وتتحكم به دوافع وفرص العمل وحدها. ومن الإمكانيات الأخرى التي يوفرها المجتمع المعلوماتي، إمكانية تحسين نظم الوقاية الصحية عن طريق نشر معلومات الوقاية الصحية عبر وسائل وشبكات الاتصال الإلكترونية، وإتاحة الفرصة أمام مؤسسات الوقاية الصحية لاستخدام شبكات الحاسب الآلي لتبادل المعلومات الطبية والوقائية والصيدلانية بشكل مشترك، والتوسع باستخدام الدارات التلفزيونية المغلقة، والتي تصبح تلقائياً دارات مفتوحة عبر شبكات الاتصال الإلكترونية أمام المؤسسات الطبية في العالم لتبادل المعلومات والمشاركة بالخبرات الطبية بشكل عاجل عند الضرورة. وهي الظروف نفسها التي يمكن أن تنطبق أيضاً على تبادل المعلومات الأخرى في المجالات العلمية والثقافية والتعليمية والتربوية .. إلخ. والمجتمع المعلوماتي يعتبر الوسط الملائم لتطور الطبقة المتوسطة من المجتمع، وهي الطبقة الاجتماعية الأساسية في معظم دول العالم، وهي الطبقة نفسها التي تمثل الشريحة المثقفة في جميع الدول المتقدمة والأقل تقدماً والنامية في العالم على حد سواء. ومن المعروف أن هذه الشريحة تشغل كل الوظائف التقليدية في المجتمع، من تعليم، وصحة، وبناء، وصناعة، وزراعة، ومواصلات، وخدمات، وإعلام .. إلخ. والأكثر أهمية هنا أن هذه الشريحة تتضمن الفئة المنتجة في مجالات التأليف والبحث العلمي سواء في التعليم أم في الثقافة أم في الإنتاج والتكنولوجيا. ومنه نستطيع أن نستنتج مدى مصلحة هذه الشريحة الاجتماعية من وجود المجتمع المعلوماتي الذي يتم فيه تبادل المعلومات دون حواجز أو عوائق. وكذلك مدى استعداد هذه الشريحة الدائم لخلق الظروف المواتية لتشكيل وتطوير المجتمع المعلوماتي الذي يخدم ويحمي مصالحها. ضمن ظروف دولية تسعى فيها كل الدول المتقدمة لاحتلال موقع القيادة دون غيرها في تشكيل والسيطرة على المجتمع المعلوماتي الآخذ بالانتشار. الاتجاه الذي يحتاج لدراسة علمية وتحليلية عميقة ومتأنية أكثر من غيره من اتجاهات المجتمع المعلوماتي، لأنه يتشابك مع الأمن الإعلامي الوطني، والمصالح الوطنية لكل دول العالم.
وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية والدولة القومية في المجتمع المعلوماتي: إذ يتحدث الكثيرون اليوم عن اضمحلال الدولة القومية في ظروف العولمة والمجتمع المعلوماتي. بينما يختلف معهم البعض الآخر عندما يؤكدون أن المعلوماتية تأتي في إطار الدول والقوميات، لأن المجتمع الإعلامي أساساً يحمل في طياته عناصر قومية عابرة للقوميات، تتخطى الحدود القومية عبر النشاطات العالمية للمؤسسات المالية والاقتصادية والسياسية الدولية، والاتحادات والشركات متعددة الجنسيات. ومن الأمثلة الواقعية للتطور الناجح للمجتمع المعلوماتي في إطار الدولة القومية: فيلاندا والسويد والدانمرك وغيرها من الدول الاسكندينافية التي تملك كل منها نظاماً متزناً خاصاً بها، لوسائل الإعلام الجماهيرية والاتصال الجماهيرية الوطنية كاف لحماية خصائصها القومية الخاصة بها في إطار العولمة والمجتمع المعلوماتي. أما فيما يتعلق بالشبكات العابرة للقوميات، فإن تلك الدول تشجع قيام جماعات محلية من مختلف الشرائح الاجتماعية، وطبعاً من بينها النخبة المثقفة ورجال الإعلام للحوار ومخاطبة مثيلاتها من النخب المثقفة ورجالات الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، واليابان والصين وغيرها من دول العالم، بغض النظر عن المسائل القومية الخاصة بتلك النخب. ويؤدي هذا الحوار وبشكل عفوي إلى ظهور اتحادات إعلامية عابرة للقوميات بين المتحاورين، تتطور تلقائياً وتتعزز نشاطاتها مع اتساع رقعة حوارها عبر الدول القومية. ومن هنا يرى البعض أن حوار كهذا في بعض الأحيان قد يكون صعباً بسبب التناقضات العميقة والصعبة الحل بين بعض الجماعات القومية المتشددة، وهو ما يوحي بأن العولمة ليست حلاً للمشاكل القومية المستعصية، بل هي أسلوباً متقدماً للحوار الذي قد يساعد على إزالة العقبات من طريق التفاهم بين تلك الجماعات، وبالتالي إزالة مشاكل التطور القومي بالحوار الواعي والبناء في إطار المجتمع المعلوماتي المفتوح، ولوسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية طبعاً دوراً هاماً يجب أن تلعبه فيه.
شبكة الانترنيت العالمية والمجال الإعلامي للدول النامية: ولكن من معروف أن أوضاع وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية في الدول النامية في وضع لا تحسد عليه، وحتى في بعض الدول الأقل تطوراً من الدول المتقدمة، ولا نبالغ إن قلنا أن من بين تلك الدول دولة عظمى هي الاتحاد الروسي ومعظم الدول المستقلة حديثاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق والمعسكر الشرقي الذي كان يقوده. فعدد نسخ الصحف الصادرة في تلك الدول منخفض جداً، يرافقه انخفاض مستمر في عدد قراء الصحف، بسبب ارتفاع أسعار الصحف اليومية والإصدارات الدورية الأخرى بالمقارنة مع نسبة الدخل الفردي للمواطن في تلك الدول. لتبقى الخدمات الإعلامية المقدمة للمواطنين بذلك حكراً على الإذاعتين المسموعة والمرئية دون غيرها من وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية الأخرى. ويمكننا هنا إضافة احتكار استخدام تكنولوجيا المعلومات الحديثة وشبكات الاتصال الحديثة ومنها شبكة الانترنيت العالمية لفئة محدودة جداً من القادرين على الإنفاق على مثل تلك الوسائل والتقنيات المتطورة باهظة التكاليف مقارنة بمستوى دخل الفرد المتوسط. وضمن تلك الفئة المحدودة طبعاً دور النشر وإدارات وسائل الإعلام التقليدية المطبوعة والمسموعة والمرئية القادرة على تحمل تلك النفقات، وهي الوسائل التقليدية التي ستبقى على المدى المنظور المصدر الأكثر منالاً للمعلومات، للأكثرية المطلقة من شرائح الساحة الإعلامية في تلك الدول، ومصدراً شبه مجاني للدول المتقدمة عبر نوافذ تلك الوسائل التقليدية في شبكة الانترنيت، رغم أن تلك الوسائل لم تلعب الدور المنتظر منها في مجتمعاتها بشكل كامل منذ إنشائها وحتى الآن، حسب تعبير البروفيسور ياسن زاسورسكي، عميد كلية الصحافة بجامعة موسكو. والمشكلة أن المجتمع الإعلامي آخذ بالتطور والتوسع والثبات في دول العالم المتقدم، والتأخر عنه يزيد من هوة التخلف عن الركب الحضاري الإنساني سريع التطور، إن لم تتخذ حكومات تلك الدول إجراءات عاجلة تؤدي إلى تحقيق نقلة نوعية في البنى التحتية لوسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية فيها. عن طريق إقامة البنية التحتية الأساسية الحديثة لتكنولوجيا المعلومات والاتصال، وإعداد الأجيال الناشئة وتمكينها من استخدام تقنيات وتكنولوجيا الاتصال والمعلومات الحديثة التي تكفل دخولها المتكافئ إلى المجتمع المعلوماتي الدولي الذي تفرضه العولمة وتجعله حتمياً لا مفر منه. مما يدفعنا لطرح السؤال التالي: هل يكتب لوسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية في الدول الأقل حظاً أن تعيش في ظل العولمة ؟ والجواب على هذا السؤال يكمن في أن تكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة فتحت آفاقاً جديدة تماماً للحصول على المعلومات، وهو ما غير بشكل جذري اللوحة الاتصالية التقليدية، وفتح آفاقاً جديدة أمام عملية إيصال ونشر المعلومات. وظهرت قنوات وسبل جديدة، وتشكلت قنوات جديدة عديدة للحصول على المعلومات. وباتت الوسائل التقليدية كالصحف، والإذاعتين المسموعة والمرئية، واحدة من بين الوسائل غير التقليدية عبر شبكات المعلومات الدولية وخاصة شبكة "الانترنيت" وبنوك المعلومات المرتبطة بها. حيث تشكلت حالة تمكن معها الفرد من الحصول على المعلومات غير الجماهيرية وتبادلها بصورة فورية ودون عوائق. وهو ما دفع بالبعض للتنبؤ بانحسار دور وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية، ولو جزئياً مع التركيز على استخدام وسائل نقل المعلومات الحديثة. الوضع الذي طرح للنقاش وبحدة موضوع مستقبل وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية وإمكانية احتفاظها بوجودها ودورها في المجتمع المعلوماتي. والطريقة التي يمكن أن تكيف تلك الوسائل نفسها في الظروف الجديدة الناشئة عن الانتقال من تقديم الخدمات الإعلامية للمجتمع إلى المجتمع المعلوماتي المنفتح على العالم. ولكننا نعتقد هنا أنه من الضروري النظر إلى المشكلة مثار النقاش من الناحية الموضوعية واقعياً، ومن خلال التركيز على بعض الخصائص الهامة التي يتميز بها دور وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية من خلال وظيفتها الاجتماعية التي لا بد وأن تستمر حتى بعد الانتقال إلى المجتمع الإعلامي. فلوسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية دور بارز وهام في مختلف المجتمعات، عن طريق تقديمها للخبر والتحليل عن الأحداث والنشاطات الرسمية، ونشاطات المجتمع بمنظماته وتشكيلاته المختلفة، وتسليط الضوء على النجاحات والإخفاقات الاقتصادية السياسية وغيرها، والأحداث على الساحة العالمية. وقد بدأت هذه الوظيفة بالتبلور بعد الإجراءات الدستورية والتشريعية التي ضمنت حقوق الإنسان وحرية الكلمة في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من دول العالم المتقدم منذ عدة قرون. ورافقت تلك الإجراءات الديمقراطية عملية ظهور الصحافة المقروءة في تلك الدول وساعدت تلك الإجراءات بشكل عام على تطور وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية تباعاً. أما المجتمع المعلوماتي المنفتح، فهو يتناقض مع المجتمع الشمولي الذي يقيد المجتمع بشدة، ويقيد حرية الكلمة ووسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية. ويؤمن الانفتاح الإعلامي، ويتيح الوصول إلى المعلومات بشتى السبل، بما فيها حرية الوصول إلى المعلومات الرسمية وشبه الرسمية المفتوحة. لتصبح عملية الحصول على المعلومات وعملية التبادل الإعلامي في المجتمع المعلوماتي أداة تخدم المجتمع، وحقيقة ملموسة تخدم تقدم المجتمع ومنعته لو أحسن استخدامها. ومع ذلك فإننا نرى فعلاً أن ظهور شبكات المعلومات الإلكترونية الدولية وخاصة شبكة "الانترنيت" وما رافقها من تشييد وانتشار بنى تحتية للمعلومات الإلكترونية عبر العالم، رافقه انخفاض ملحوظ لدور وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية. وأوضاعاً تهدد فعلاً بانقسام المجتمع إلى مجموعة كبيرة تحصل عل المعلومات من خلال الصحافة المطبوعة رخيصة الثمن، والإذاعتين المسموعة والمرئية. ومجموعة محدودة جداً في المجتمع تحصل على المعلومات من شبكات المعلومات والاتصال الإلكترونية الحديثة وقنوات المؤسسات الإعلامية الضخمة عبر شبكة "الانترنيت" باهظة التكاليف في الدول النامية والأقل حظاً. مما جعل الكثيرين من الباحثين يرون في ذلك خطراً يهدد الديمقراطية في العلاقات الدولية ومن بينهم بروفيسور جامعة واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية شاليني فينتوريللي الذي أشار إلى تشعب وانقسام المجتمع في الكثير بالمقارنة مع الأوضاع التي سبقت ظهور المجتمع المعلوماتي. وفي الحقيقة فإن تطور المجتمع المعلوماتي يأتي معه بأخطار اجتماعية جديدة غير متوقعة، ولا بد من البحث عن طرق لحلها، وتجاوزها قبل استفحالها واستعصاء حلها. ومن أهم تلك الأخطار الصراعات الجديدة الناتجة عن التقسيم المتسع للسكان وفق درجة اشتراكهم وفعالية مشاركتهم في الوسط المعلوماتي. وخطر ازدياد الهوة بين الأغنياء معلوماتياً، والفقراء معلوماتياً، وبين الشرائح الاجتماعية التي تشكل المجتمع الواحد، وهي الفروقات التي دفعت بالاتحاد الأوروبي للتفكير الجدي بإعداد برامج خاصة موجهة نحو الحد من تلك التناقضات داخل المجتمع الأوروبي المتقدم نفسه. وهي الفروقات نفسها التي أخذت تظهر بحدة في بعض الدول المتقدمة والغنية، وفي دول العالم الأقل حظاً والدول النامية والفقيرة. ضمن إطار ما يعرف بدول الشمال الغني ودول الجنوب الفقير. إضافة للتناقضات داخل الدول نفسها والتي تدور ضمن إطار التركيبة الاجتماعية الداخلية، ومنها التناقض بين الشرائح المثقفة القادرة على التعامل مع التقنيات الإعلامية الحديثة، والشرائح محدودة الثقافة أو شبه الأمية أو الأمية العاجزة عن التعامل مع تلك الوسائل، والتناقض بين القادرين على شراء أجهزة الاتصال الحديثة، والقادرين على ربط تلك الأجهزة بشبكات المعلومات الدولية، وأولئك الذين لديهم إمكانية الوصول إلى تلك الأجهزة واستعمالها عند الحاجة، وأولئك الذين لا يملكون تلك الإمكانية بتاتاً. إضافة للتناقضات حتى داخل الأسرة الواحدة والمتمثلة بالتناقض بين كبار السن الذين يستخدمون في بعض الأحيان خدمات الحاسب الآلي الشخصي وشبكة المعلومات الدولية "الانترنيت" دون الإلمام بالتكنولوجيا الحديثة التي يستخدمونها فعلاً، وجيل الشاب الذين يقضون معظم أوقاتهم ليلاً ونهاراً أمام شاشات الحاسب الآلي الموصولة بـ"الانترنيت". ويبدوا هذا التناقض أكثر حدة في الأوساط الطلابية وخاصة طلاب السنوات الأخيرة من الدراسة الجامعية في الدول الأقل حظاً من دول العالم، ناهيك عن طلاب الدول النامية والفقيرة الذين يجيدون نظرياً على الأقل استخدام التكنولوجيا الحديثة، والتعامل مع شبكات المعلومات الدولية ومن بينها طبعاً شبكة "الانترنيت" نتيجة لدراستهم مبادئ التعامل مع التكنولوجيا الإعلامية الحديثة في الجامعة، ويحتاجون لمعلومات شبكات المعلومات الدولية لمشاريع تخرجهم، ولكنهم لا يملكون إمكانية الوصول الكافي لتلك الشبكات. وقد أبرزت إحدى الدراسات أن نسبة ضئيلة جداً من طلاب كلية الصحافة بجامعة موسكو تملك إمكانيات الوصول لأجهزة وشبكات المعلومات والاتصال الحديثة، وأن أكثر من 70 % من طلاب السنة الأولى من طلاب الجامعات في روسيا لا يملكون مثل تلك الإمكانية عملياً، وهي من الدول التي لا تنتمي للدول الغنية في مجال تقنيات الإعلام الحديثة نوعاً ما، وتعاني من مشاكل في التعامل مع تكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة. وهذا الوضع يشمل تقريباً كل جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق ودول أوروبا الوسطى والشرقية الأقل تطوراً عن مثيلاتها الأوروبيات. وقد ظهر هذا جلياً في الأبحاث الميدانية الاستكشافية عن استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة في خمس دول من المعسكر الشرقي السابق وهي: بولونيا وبلغاريا وهنغاريا ورومانيا وروسيا. وتم من خلالها اكتشاف أن مصادر المعلومات في روسيا مثلاً موزعة بين عدة مصادر وفي أكثر الأحيان تحمل طابع الشكلية والعرضية. وظهر أن الإدارة المركزية للإحصاء في روسيا الاتحادية لا تقوم بإحصاء أجهزة الحاسب الآلي ولا أجهزة الهاتف المحمولة، ولا الأجهزة الموصولة فعلاً بشبكة المعلومات الدولية "الانترنيت". وتقوم بإعطاء معلومات سطحية تقول أنه في روسيا الاتحادية هناك حاسب آلي شخصي واحد لكل 10000 نسمة تقريباً، وطبعاً مثل هذه الإحصائيات ليست دقيقة ولا تفيد عملية البحث العلمي. وقد أثبتت نتائج الأبحاث التي جرت، أن الوضع يتفاوت من منطقة إلى أخرى، وأن من أكثر المناطق استيعابا لتكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة هي: العاصمة موسكو، وسان بطرسبرغ، إضافة لمقاطعة ناديم التي تملك كل ثالث عائلة فيها حاسب آلي شخصي نتيجة لعائدات النفط والغاز في المقاطعة. ومنه استنتج الباحثون أن روسيا وتلك الدول التي أشرنا إليها تعاني من خلل إعلامي واضح، إضافة لانعدام الجهود المخلصة لتطوير البنى التحتية الإعلامية الحديثة التي تعتبر المدخل الأساسي للانتقال إلى المجتمع المعلوماتي، وأن الرأي العام داخل روسيا الاتحادية غير مهيأ بعد لتقبل تكنولوجيا المعلومات والاتصال الحديثة. ويورد البروفيسور زاسوركي في إحدى مقالاته مثالاً آخر عن الخلل الإعلامي في الاتحاد الروسي استمده من القاموس الموسوعي الموجز الصادر في موسكو عام 1998، الذي لم يجد فيه أي ذكر أو أي تعريف أو إشارة لشبكة المعلومات الدولية "الانترنيت"، وعدم قيام الناشر في تحديث وترشيد المعلومات الواردة في القاموس، واكتفائه بالمعلومات القديمة الواردة في الطبعات السابقة فقط، وهو ما يثبت حسب رأيه واقع مصادر المعلومات التقليدية التي تسيطر على الوعي الجماهيري في روسيا. وفي نفس الوقت تعكس عدم اهتمام الأوساط العلمية والرسمية الروسية بمشاكل المجتمع المعلوماتي، التي أصبحت تشكل عنصراً هاما من العناصر التي تعيق المجتمع المعلوماتي وتعيق التطور اللاحق في مجالات الحياة الاقتصادية والمالية والتعليم والثقافة وغيرها. ومن هنا نستطيع أن نضع تصوراً للواقع الأكثر تخلفاً في الدول النامية والفقيرة على الإطلاق.
مشاكل قيام المجتمع المعلوماتي في الدول النامية: وهنا لابد أن نعترف بأن الثورة المعلوماتية والعولمة الإعلامية قد جلبتا معهما ملامح المجتمع المعلوماتي إلى الدول النامية، ذلك المجتمع الذي تتحول فيه الخدمات الإعلامية المتاحة لكل الشرائح الاجتماعية من مجرد خدمات إلى أعصاب وشرايين تتحكم بحياة المجتمع وتقدمه. ولابد أيضاً من الاعتراف بأنها جلبت معها العولمة الاقتصادية سريعة الانتشار، وجاءت بالخطر الأساسي الذي يهدد عملية تطور الإنتاج في الدول النامية والأقل نمواً في العالم، وأنها عززت من سلطة الاحتكارات والاتحادات الإنتاجية والصناعية والاقتصادية والمالية العالمية، وأصبحت تلك السلطة تهدد أمن وسلامة المجتمع والبيئة في الدول النامية والأقل تطوراً على السواء، وأصبحت تهدد بانتشار البطالة وتقليص فرص العمل التقليدية المتوفرة عالمياً. وهو وضع أشبه ما يكون بالوضع الذي رافق الثورة الصناعية في الدول الأوروبية المتقدمة. وهو وضع تستفيد منه الدول المتقدمة فقط ويصب في مصلحة اقتصاد الدول الأكثر تطوراً، والاحتكارات الدولية والشركات متعددة القوميات، إن لم تحسن الدول النامية والأقل نمواً التصرف خلال الفترة الانتقالية التي قد تمتد وقد تقصر حسب الظروف. وهذا التصرف مرتبط كما نرى بمدى تجهيز البنى التحتية لوسائل الإعلام والاتصال التقليدية والموارد الإعلامية وتحديد قنواتها ومضمونها. وتهيئة المجتمع للتعامل مع الظروف الجديدة التي أصبح لا مفر منها، ومحاولة توظيفها بالشكل الذي يخدم رفاهية المجتمع، ويعزز الديمقراطية والسلطة الوطنية والاقتصاد الوطني. ومن الطبيعي أن تظهر في ظروف استخدام شبكات المعلومات الدولية أشكالاً جديدة من التعديات وحتى حالات من العدوان الثقافي تهدد فيه الدول الأكثر تقدماً الأمن الإعلامي وثقافة الدول النامية والأقل تطوراً، بما يلوح بخطر ضياع الثقافات والخصائص والملامح القومية لمجتمعات بأكملها، وتهدد بضياع الخصائص اللغوية المميزة للأمم الضعيفة. وتنتشر عملية فرض وتعويد الإنسانية على عادات استهلاكية تتفق ومصالح مجموعة ضيقة من الاحتكارات والشركات متعددة القومية. وكلها تتطلب من الدول النامية والأقل تطوراً تحصين وإعداد مجتمعاتها المحلية لمواجهة أخطار الانفتاح الإعلامي، وتدريبها على الطرق الفاعلة لمواجهة هذه وغيرها من أخطار العولمة والانفتاح، والمشاركة الإيجابية في عملية إنشاء المجتمع الإعلامي الذي يحمي المصالح الوطنية وينفتح على المجتمعات الأخرى أخذاً وعطاء، ويجنب تلك الدول خطر الانغلاق على الذات الذي يفوق خطره أخطار العولمة نفسها. وهي الأخطار التي تجاوزت عملياً خطر الانتشار الواسع لثقافة الشاشة الفضية الصغيرة أحادية الجانب، لتقف وجهاً لوجه أمام أخطار الساحة المعلوماتية العاملة باتجاهين، والتي يلعب فيها الفرد دور المتلقي ودور المرسل في نفس الوقت، بانفتاح على العالم دون حدود، مما خلف مشاكل وأثاراً نفسية واجتماعية لا حصر لها، إن لم نضف إليها خطر الخلط بين كم المعلومات الهائل الذي يتعرض له الفرد الذي أصبح عاجزاً تقريباً عن التمييز بين الواقع والخيال في مضمون هذا الكم الهائل من المعلومات، وعاجزاً عن حماية نفسه من أخطارها. ومع إمكانية الوصول السهل للشبكات المفتوحة المليئة بالمعلومات تظهر مشاكل ضرورة الحد من إمكانية الوصول للمعلومات التي تشكل خطراً على المجتمع والثقافة والاقتصاد. إضافة إلى مشكلة انتشار المعلومات الشخصية على الشبكات الإلكترونية، ومشكلة النخبة الإعلامية، التي تحظى بإمكانية الوصول إلى تكنولوجيا وموارد المعلومات بما يحقق لها التفوق الإعلامي دون الشرائح الأخرى في المجتمع الواحد، ومشكلة احترام حقوق التأليف وحقوق منتجي المعلومات الإلكترونية. ولحل مثل تلك المشاكل وغيرها في المجتمع المعلوماتي لابد من تضافر الجهود الحقيقية للمتخصصين في كل المجالات في إطار الدول القومية، وإطار الجزء المتضرر في عالم اليوم، وبعلاقة إيجابية منفتحة على العالم المتقدم.
شروط بناء المجتمع المعلوماتي في الدول النامية: وهذا التعاون يمكن أن يتم من خلال تحقيق الشروط الأساسية لبناء المجتمع المعلوماتي والتي تتلخص في: تشكيل ساحة معلوماتية عالمية موحدة. وتعميق عمليات التكامل الإعلامي والاقتصادي للأقاليم والدول والشعوب؛ وإنشاء القاعدة المادية المعتمدة على منجزات التكنولوجية الحديثة، ومنها تكنولوجيا المعلومات، وشبكات الحاسب الآلي، وشبكات الاتصال المسموعة والمرئية عبر الأقمار الصناعية، ووضعها في خدمة الاقتصاد الوطني، الذي لا بد وأن يعتمد على استخدام تكنولوجيا المعلومات وإمكانياتها الواعدة؛ وإنشاء سوق المعلومات واعتباره أحد عوامل الإنتاج مثله مثل الموارد الطبيعية، وقوة العمل، ورأس المال، لأن الموارد المعلوماتية هي من موارد التطور الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، والعمل على تلبية الحاجات الاستهلاكية للمجتمع من المنتجات والخدمات الإعلامية؛ وتطوير البنية التحتية للاتصالات المسموعة والمرئية، والمواصلات، وتنظيمها؛ ورفع مستوى التعليم بمستوياته وتخصصاته المختلفة، وتطوير العلوم والتكنولوجيا والثقافة من خلال توسيع إمكانيات نظم تبادل المعلومات على المستوى القومي والإقليمي والعالمي، ورفع مستوى الكفاءة المهنية وتشجيع المواهب الإبداعية؛ وتوفير سبل حماية الأمن الإعلامي للفرد، والمجتمع، والدولة؛ ووضع السبل الكفيلة باحترام وحماية حقوق الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة في حرية الوصول والحصول على المعلومات وتوزيعها كشرط من شروط التطور الديمقراطي. وهنا لابد من الإشارة إلى ضرورة السعي أثناء تشكل المجتمع المعلوماتي، نحو تعميم مهارات استخدام المنجزات التقنية والتكنولوجية لوسائل الإعلام والاتصال الحديثة على جميع أفراد المجتمع، لتمكينهم من الاستفادة والتعامل مع الخدمات الإعلامية المتاحة لهم، والتي لابد أن توفر شروط التنافس الشريف بين المؤسسات الإنتاجية والخدمية قدر الإمكان. والعمل على توفير أقصى قدر ممكن من التكامل بين الشبكات المعلوماتية الوطنية والقومية والإقليمية والدولية من خلال تطوير وسائل الاتصال ونقل المعلومات المرئية والمسموعة وتحديثها بشكل دائم. وطبعاً تحقيق هذا الطلب لا يمكن أن يتم بجهود حكومية فقط، بل بتضافر جهود كل الشرائح الاجتماعية والقطاعين العام والخاص، وجهود المؤسسات العلمية والهيئات والمنظمات الشعبية ووسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية. وتطور المجتمع المعلوماتي يجر وراءه توفير فرص عمل جديدة، لم تكن معروفة من قبل وتحتاج لإعداد مهني خاص رفيع المستوى، وإلى إعادة تأهيل الكوادر المهنية القائمة على عملها بشكل دائم. وهو ما يفرض الحاجة لتنظيم حملة وطنية تعليمية شاملة ودائمة، يشترك في إعدادها وتنفيذها كافة الإدارات والمؤسسات الحكومية والعامة والخاصة والمنظمات المهنية والشعبية، ومؤسسات التعليم والبحث العلمي والهيئات الاستشارية وغيرها. ولضمان نجاح الحملة التعليمية الوطنية لابد من ضمان حصول المشاركين في الدورات القائمة على المعلومات الجديدة في هذا المجال، واستخدام أحدث المنجزات التكنولوجية في مجال الإعلام والاتصال، وإدخال الإعلام المرئي ضمن وسائل التعليم عن بعد، والتوسع في تحديث نظام تأهيل وإعادة تأهيل المعلمين والمحاضرين والمدربين القائمين على الحملة الوطنية التعليمية الدائمة والشاملة، لإعداد وتهيئة الإنسان القادر على تقبل واقع المجتمع المعلوماتي. ولابد أيضاً من تدخل الدولة من أجل وضع مستوى مقبول من الأجور والتعرفات الخاصة باستخدام، وخدمات شبكات المعلومات والاتصالات الوطنية والإقليمية والدولية. ووضع تعرفات مخفضة خاصة لمؤسسات البحث العلمي ومؤسسات التعليم العالي والجامعي وما قبل الجامعي والطلاب والمدرسين، والعاملين في وسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية. ومن الشروط الضرورية لنجاح الانتقال إلى المجتمع المعلوماتي، الاستمرار في إجراء واستكمال الأبحاث العلمية الجارية في مجالات تقنيات وتكنولوجيا ووسائل الإعلام والاتصال وتطويرها، والعمل على تطبيق نتائجها في مختلف مناحي الحياة وخاصة فروع الاقتصاد الوطني مع مراعاة حاجة ومتطلبات السوق الإعلامية المحلية. والأخذ بنتائج تلك الأبحاث لدى وضع البرامج الخاصة بتطوير عملية إدخال واستخدام المعلومات العلمية والتقنية في خدمة المجتمع الإعلامي. ومراعاة حاجة جميع الشرائح الاجتماعية من المعلومات الإلكترونية المفتوحة للاستخدام العام، ونوعية وخصائص المعلومات الإلكترونية ذات الاستعمال الخاص والمعنية بالمعلومات الرسمية، وبأسرار الأبحاث العلمية الهامة، والأسرار التجارية والمالية والاقتصادية وكل ماله علاقة بالأمن القومي والإعلامي والمصالح الوطنية العليا، وأخذها كلها بعين الاعتبار عند العمل على توحيد مقاييس الانفتاح والتكامل مع الشبكات الإعلامية الإلكترونية القومية والإقليمية والدولية في ظروف العولمة، وعدم الاكتفاء بالنوايا الطيبة وحدها فيما يتعلق بالساحة الإعلامية المنفتحة.
الشخصية أو الذات الفردية في المجتمع المعلوماتي: ويتحدث الكثيرون ممن تناولوا موضوع الانتقال إلى المجتمع المعلوماتي عن حتمية هذا الانتقال. ويعتبرون المجتمع الإعلامي، الأكثر ملائمة لتبادل ونقل المعلومات بانفتاح كامل ودون أية عوائق، بين مواطني المجتمع الواحد، والمجتمعات الأخرى. ويعتبر البعض أن المجتمع الإعلامي ينقذنا أخيراً من الاحتكار الإعلامي ! ومن استغلال الاحتكارات الإعلامية الدولية ! ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ألا يساعد ذلك على ظهور أنواعاً جديدة من الاحتكارات المسيطرة على شبكات نقل المعلومات الدولية ؟ ومنها مثلاً على سبيل المثال احتكار المتمكنين فقط لاستخدام شبكات المعلومات الإلكترونية الحديثة عالية التكاليف، بما ينبئ بتحولها إلى وسيلة للحوار بين شرائح معينة داخل كل مجتمع، وبين المجتمعات المختلفة. ومن نظرة إلى السيل الجارف للمعلومات التي تحملها شبكات المعلومات الإلكترونية، نرى أنها تحمل سيلاً جارفاً من المعلومات التجارية والمالية، ونشرات أسعار البورصات العالمية، وأسعار الأسهم، ونشرات أسعار صرف العملات الأجنبية، وخدمات شركات التأمين، والإعلانات المختلفة، وحركة وسائط النقل البري والبحري والجوي، وخدمات شركات النقل، ونشرات الأحوال الجوية، وكلها معلومات تهم أساساً رجال الأعمال، وكلها طبعاً تسرع من عملية تطور وتكامل النظم المالية في الدول المختلفة سلباً وإيجاباً في آن معاً. وهنا تظهر بحدة مشكلة الإدارة والتحكم بسيل المعلومات المتدفق إلى داخل المجتمع المعلوماتي، والمفترض أن تكون مفتوحة وحرة ولا تتعرض لأية حواجز أو عوائق. فأسلوب التحكم من الأعلى إلى الأسفل لا يصلح إذاً للمجتمع الإعلامي. لأنه من المستحيل فيه تعميم المعلومات من خلال مركز واحد، لأن شبكات المعلومات الإلكترونية هي شبكات منفتحة ومتعددة الأطراف. وشبكات المعلومات الإلكترونية تقدم المعلومات الواردة من شتى الاتجاهات والمستويات المختلفة إلى حد كبير، ويلبي هذا التنوع حاجات إقامة أساس لبنية كل خلية من خلايا شبكات تبادل المعلومات. ولكن هذه الخلايا والشبكات ليست بالضرورة بنى ديمقراطية تحترم فيها حقوق كل الأطراف المشاركة فيها. ومن الطبيعي جداً أن تطغى معلومات شرائح النخبة بإمكانياتها المادية والتقنية والتكنولوجية على المجال الإعلامي لتلك الشبكات، بحيث تصبح شبكات شرائح النخبة المسيطرة التي تحظى بمجال أكبر للحركة ونشر المعلومات داخل المجتمع المعلوماتي العالمي المنفتح.
المجتمع المعلوماتي ووسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية العربية: ولا أحد يستطيع إنكار أن تكنولوجيا الإعلام ووسائل الاتصال المتقدمة قد فتحت آفاقاً جديدة واسعة أمام وسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية: المقروءة والمسموعة والمرئية. وأن استخدام شبكات الحاسب الآلي وخاصة شبكة الانترنيت العالمية قد أتاح، من ناحية سرعة تلقي المعلومات وحفظها والتعامل معها، وأن تلك الشبكات ساعدت على انتقال ملفات كاملة تتضمن صحفاً ومجلات وكتباً بكاملها لتطبع في أماكن أخرى بعيدة جداً عن مقرات إدارة تلك الصحف والمجلات ودور النشر، وساعد على انتقال ملفات برامج إذاعية وتلفزيونية كاملة لأشهر المحطات العالمية، لتبث عبر موجات محطات بث أخذت منذ تسعينات القرن العشرين تقيد كمحطات إذاعية مرئية ومسموعة وطنية في بلدان بعيدة جداً جغرافياً عن دولة المنشأة بسرعة كبيرة ووضوح خارق. ومن ناحية أخرى أتاح سرعة الانتشار عبر صفحات WIB في شبكات المعلومات الإلكترونية الحديثة لها، وساعدها على الإسراع في تقديم مضمون صفحاتها وبرامجها اليومية عبر شبكة الانترنيت العالمية، التي تتيح للمشترك ليس مطالعة الصحف والمجلات والكتب، والاستماع لبرامج الإذاعتين المسموعة والمرئية فقط، بل وإعادة استخدم الملفات والمعلومات الواردة عبرها. وهو ما يؤكد تكامل وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية مع وسائل الإعلام والاتصال الحديثة، مما يؤكد ويعزز من دورها الفاعل داخل المجتمع المعلوماتي القائم في الدول المتقدمة، والقادم منها إلى الدول النامية والأقل نمواً في العالم. ومن الملاحظ أن تكامل الأداء بين وسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية، ووسائل الإعلام والاتصال الحديثة أدى بالضرورة إلى تحسين نوعية الأخبار المقدمة للجمهور الإعلامي، بسبب الازدحام الهائل للأخبار المنقولة عبر أطراف الاتصال في شبكة المعلومات الدولية الانترنيت، وساعد في نفس الوقت على تحسين شكل ومضمون الصحف والمجلات، وأتاح لأطراف الاتصال في الساحة الإعلامية الدولية استخدام الموارد الإعلامية والتسجيلات الإخبارية والتحليلية الفريدة التي تملكها وسائل الإعلام والاتصال التقليدية وتراكمت لديها عبر السنين. ومن مظاهر التكامل أيضاً قيام وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية بنشر مواد ترشد إلى كيفية استخدام العناوين المعلوماتية الإلكترونية المتاحة في شبكة الانترنيت الدولية. ولكننا نرى أن هذا التكامل القائم والآخذ بالتوسع يوماً بعد يوم بين شبكات الاتصال والمعلومات الدولية ووسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية لم تدرس بعد بشكل كاف حتى اليوم، وهي تحتاج لدراسة عميقة وتحليل جدي لمعرفة مدى تأثيره وفاعليته في المجتمع المعلوماتي المعاصر، والرد على التخوفات التي يطلقها البعض، والآمال التي يعقدها البعض الآخر بشكل علمي دقيق. ولعله من المناسب التذكير بما قيل عند ظهور الإذاعة المسموعة، وتنبؤ البعض بقرب نهاية الصحف، وتنبؤ البعض مع ظهور الإذاعة المرئية بتضاؤل دور الصحافة المكتوبة والمسموعة. والتذكير بأن تلك التوقعات والتنبؤات كلها لم تجد ما يبررها عبر القرن العشرين وهو ما يتيح لنا التنبؤ بأن وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية ستحافظ على وجودها وتأثيرها حتى في القرن الحادي والعشرين. وأنها ستتطور وتزدهر في ظروف التعددية الإعلامية التي يتيحها المجتمع المعلوماتي. ولابد للتجمعات القارية والإقليمية ومن بينها مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ومنظمة الوحدة الإفريقية من أن تحذو حذو الاتحاد الأوروبي والمجلس الأوروبي للاتصالات اللذان قاما بإعداد مشروعات خاصة جديد للانتقال المدروس إلى المجتمع المعلوماتي الذي تحدثنا عنه بإسهاب، والذي يحتاج إلى معدات وتقنيات غالية الثمن وباهظة التكاليف تعجز عنها دولة نامية بحد ذاتها. وظروف المجتمع المعلوماتي بالنسبة للدول العربية، لابد أن تساهم بشكل فعال في عملية التفاعل المشترك بين وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية العربية كقناة لتوصيل المعلومات، والساحة الإعلامية التي تشكل السوق الاستهلاكية الكبيرة للموارد الإعلامية التي تتيحها تلك الوسائل عبر شبكات الحاسب الآلي الآخذة في الانتشار يوماً بعد يوم. وفي ظروف الدول العربية التي تملك ساحة إعلامية ضخمة تمتد من الخليج إلى المحيط لابد من تطوير وتحسين قنوات اتصالها بشبكة الانترنيت العالمية، وتطوير البدائل اللغوية لمواردها الإعلامية لجعلها في متناول أكبر ساحة ممكنة من الساحة الإعلامية العالمية وبلغاتها القومية، أخذاً وعطاءً، ولتوضيح وجهة النظر العربية من القضايا الراهنة للعالم أجمع، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: مشكلة الضرائب التي تفرضها الدول المتقدمة (المستهلكة) على النفط ومنتجاته وآثارها السلبية على دول الخليج العربية المنتجة للنفط. والحفاظ في نفس الوقت على أمن وسلامة الساحة الإعلامية العربية وتطويرها بما يكفل الحوار الثقافي متعدد الأطراف، ويضمن انتقال المعلومات العلمية والتقنية المتطورة من العالم المتقدم إلى المستخدم العربي ليساهم بدوره في عملية تطوير المجتمع العربي اقتصادياً وعلمياً وثقافياً واجتماعياً. ويضمن للعرب وجوداً أكثر فاعلية على الساحة الإعلامية الدولية، وليكون له تأثيراً أكبر على الرأي العام العالمي الذي هو اليوم أسيرا وحكراً للإعلام الصهيوني الذي يتحكم به. وهي الصورة التي أوضحها بعفوية وصدق البابا شنودة، بابا الأقباط في مصر، وهو الإنسان غير المتخصص بتقنيات ووسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية، في واحدة من مقابلاته الصحفية، عندما قال: أن "اليهود ... لم يرجعوا إلى الأراضي المقدسة بوعد من الله وإنما رجعوا بوعد من بلفور ... فعلى الرغم من أن اليهود أعداء للعالم كله فإنهم يخططون بطريقة خطيرة ومدروسة منذ زمن طويل، فرغم قلتهم استطاعوا أخذ وعد بلفور، ثم دخول الأراضي الفلسطينية تحت الوصاية البريطانية، وفي هذا الوقت كان العرب يشجبون ويدينون، وهم استطاعوا أن يتغلغلوا داخل الإعلام الأمريكي والأوروبي، وكذلك داخل السياسة والاقتصاد حتى جاء وقت كان عمدة نيويورك يهودياً، فهم ناس يخططون ويصلون إلى تنفيذ ما يخططون له، ونحن نزعق ونشجب ولا نعمل، والمفروض أن يوجد "لوبي" عربي في البلاد الأوروبية وفي أمريكا ينشط منها ويكون له نشاط سياسي مثلما فعل اليهود .. ثم لماذا لا يقوم العرب بما لديهم من أموال ضخمة وبترول بإنشاء إذاعة وتلفزيون خاصة بهم في أوروبا وأمريكا تنطق بلغاتهم وليس بلغتنا وكذلك صحف تتحدث باللغات الأجنبية تدخل البلاد الأجنبية وتؤثر عليهم وعلى سياستهم". وأعتقد أن ما قاله لا يحتاج لأي شرح أو تعليق. ومن ناحية أخرى فإننا نرى، أن الصحافة العربية تواجه العديد من التحديات الخارجية، ويأتي في مقدمتها تحدي العولمة الإعلامية، التي أدت إلى زيادة هيمنة وسائل الإعلام الغربية، مثل: وكالات الأنباء والقنوات الفضائية والصحف والمجلات وشبكات الاتصال الإلكترونية، ومنها طبعاً شبكة الانترنيت على الصعيد العالمي. وإضعاف قدرة الصحافة ووسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية. ليس في الوطن العربي وحسب، بل وفي الدول النامية عموماً، على المنافسة في مواجهة التدفق الهائل لوسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية الغربية. وتعتمد هذه الهيمنة الإعلامية على العديد من الوسائل والآليات، في مقدمتها بطبيعة الحال واقعة التطور التكنولوجي والقدرات المادية الضخمة وطغيان النموذج الغربي، بالإضافة إلى أن وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية الغربية تستخدم كل الوسائل والتقنيات المتاحة لها، مثل حرية تدفق المعلومات، من أجل التغلغل في الدول النامية ومن بينه الدول العربية وفرض هيمنتها الإعلامية عليها، وتيسير المزيد من التدفق للأنباء والمعلومات الغربية إلى مجتمعات العالم الثالث بأسره. وخلال الآونة الأخيرة، اتخذت العولمة الإعلامية العديد من المظاهر والتجليات الجديدة، ولعل أبرزها كان اتجاه بعض وسائل الإعلام الجماهيرية وكبريات الصحف والمجلات الأمريكية والغربية نحو ترجمة بعض برامجها الإذاعية المسموعة والمرئية وإصداراتها الأسبوعية والشهرية إلى العربية، وبثها وتسويقها وتوزيعها في الدول العربية، وهو ما يمثل نموذجاً مصغراً لظاهرة يمكن أن يتسع نطاقها في المستقبل. وإذا لم يتم تطوير وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية العربية، فإن قطاعات واسعة من القراء والمستمعين والمشاهدين قد يتجهون نحو تفضيل البرامج الإذاعية المسموعة والمرئية والصحف والمجلات الغربية، وبالذات الأمريكية، سواء باللغات الأصلية أو المترجمة إلى العربية، وهو ما يمثل دافعاً إضافياً أمام الدول العربية لتطوير وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية العربية التقليدية وتحسين أدائها. فهناك فارق أساسي بين متابعة البرامج الإذاعية المسموعة والمرئية والصحف الغربية بغرض متابعة ما ينشر فيها، والتعرف على وجهات النظر الغربية الواردة فيها، وبين أن تصبح تلك البرامج والصحف مصدراً رئيسياً أو وحيداً للمتابعة والمعرفة للجمهور العربي، وهو ما نحذر منه بشدة. وبالتالي، فإن هذه التحديات تؤكد أن هناك ضرورات متنوعة داخلياً وخارجياً، للتفكير في مستقبل وسائل الإعلام التقليدية العربية، والاتجاهات الضرورية لتطويرها، فإن المطلوب هو تقوية وتعزيز وتوسيع أدوار وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية التقليدية العربية في المستقبل من خلال التطوير التكنولوجي والمؤسسي والقانوني والمهني والسياسي والتكاملي بينها. فعلى المستوى القانوني والمؤسسي، لابد من التركيز على معالجة الثغرات القانونية والمؤسسية التي تحد من انطلاق وسائل الإعلام التقليدية العربية، وذلك من خلال مواصلة الجهود لتبني مشروع جديد لقوانين الصحافة تعده الجهات المختصة بالتعاون مع الخبراء والفقهاء العرب البارزين، والتحاور بشأنه مع القيادات السياسية والمؤسسات الدستورية، تمهيداً لإصداره في الدول العربية. بالإضافة إلى ضرورة تنقية القوانين والأوامر التنفيذية الحالية من القيود غير المبررة والمعارضة للواقع الراهن الذي تفرضه العولمة والمجتمع المعلوماتي، سواء من أجل الوصول بحرية الصحافة إلى أعلى مستوياتها أو من أجل ضمان التجانس والانسجام التشريعي بين الدول العربية فيما يتعلق بالصحافة المقروءة والمسموعة والمرئية. وفي الوقت نفسه لابد من العمل على ضمان التمتع بالحق في الإعلام والمعلومات والنص على هذا الحق في المشروع القومي لقانون الإعلام، وغيره من التشريعات ذات الصلة في حالة صدورها، والعمل على تفعيل ميثاق الشرف الصحفي العربي والدفاع بحزم عن أخلاقيات المهنة، وتشجيع ارتياد مجالات الصحافة الإلكترونية والصحافة المسموعة والمرئية لتدعيم اقتصاديات المهنة، واستخدام آليات المناقشة والحوار ونبذ الخلافات وتفعيلها في حوار إيجابي بناء بين وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية العربية التقليدية، ودفعها للحوار الإيجابي والفعال مع وسائل الإعلام الأجنبية سواء أكانت في الدول المتقدمة أم في الدول الإسلامية أم في الدول النامية. أما على المستوى المهني، فإن التركيز يجب أن ينصب كما نعتقد على النهوض بوسائل الإعلام والاتصال العربية التقليدية، واستعادة ريادتها العربية، والوصول بها إلى أعلى مستويات المصداقية والتنافسية والجدارة على المستويين العربي والإسلامي والدولي، بما يمكنها من مواجهة الإعلام المضاد. وهناك العديد من المجالات التي ينبغي العمل بها، في مقدمتها التحديث التكنولوجي وزيادة كفاءة نظم الإنتاج والتوزيع، وتوسيع سوق الاستهلاك الإعلامية والإعلان على المستوى العربي وضبطها وخاصة فيما يتعلق بالمواد الأجنبية منها بالتحديد، والعمل على تحقيق التوازن المطلوب بينها، والسعي لحل وإنهاء الاختناقات التمويلية، وضرورة إسهام الدول العربية في الوفاء بمتطلبات تطوير وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية العربية التقليدية وخاصة من خلال الإعانات والهبات غير المشروطة، وإسقاط الديون وتخفيف العبء الضريبي وإعفاء المؤسسات الصغيرة منه. ولا بد من نشر الوعي في الأوساط الإعلامية العربية، بمتطلبات النهضة العلمية والتقنية لوسائل الإعلام والاتصال الحديثة بدرجة أكبر تتفق ومتطلبات الثورة الإعلامية والعولمة، ولتشجيع المؤسسات الصحفية على تنويع أنشطتها، وقيام المؤسسات الصغيرة بأنشطة تعاونية مشتركة فيما بينها، وحثها على الاندماج والتركيز في مؤسسات أو اتحادات إعلامية قوية، ولتكوين هياكل أكبر عندما يكون ذلك مناسباً، لأن الاندماج والتركيز حتمياً لبقائها واستمرارها وازدهارها في عصر العولمة والمجتمع المعلوماتي. ولا بد من قيام الأجهزة والاتحادات والمؤسسات الإعلامية على مستوى مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والجامعة العربية، وغيرها من الأجهزة والمؤسسات الإعلامية والبحث العلمي العربية بوظائف أكثر حيوية وأوسع نطاقاً في مساندة التركيز والدمج بين تلك المؤسسات، بدلاً من مساندة جميع تلك المؤسسات وخاصة الصغيرة منها. وفي الوقت نفسه، فإن النهوض بوسائل الإعلام والاتصال العربية التقليدية يتطلب أيضاً ابتكار صيغة عامة للمشاركة بين المؤسسات الإعلامية والجماعات المثقفة والعلماء والباحثين العرب في داخل الوطن العربي وخارجه، من أجل استنباط أطر جديدة ومتنوعة للتعاون. ولا بد هنا من التركيز على مسائل التمويل وتنظيم الأنشطة المكلفة التي تتطلب درجة عالية من المخاطرة، مثل التوسع في فتح المكاتب الخارجية، ونشر النشاط الصحفي والإعلامي العربي ليشمل أكبر ساحة إعلامية في العالم، وتغطية الأحداث المهمة في المناطق البعيدة والقيام بالدراسات والبحوث العلمية وعمليات الاستيراد والتصدير ذات الصلة بالنشاط الصحفي والإعلامي، وبحوث التسويق والتوزيع داخل الوطن العربي وخارجه وغيره من النشاطات المرتبطة بالتحقق من الانتشار والتوزيع. يضاف إلى ذلك، أن التعاون بين تلك الجهات سوف يساعد على النهوض بوسائل الإعلام العربية التقليدية من خلال تنمية التعاون بينها من أجل التوسع في إنشاء مراكز البحوث والدراسات الإعلامية القادرة على الأداء المثمر، وعقد ورشات للعمل، ومنح فرص أكبر للمفكرين والباحثين للإسهام بالرأي لتطوير وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية العربية التقليدية، الرأي الذي يمكن أن يساعد على تقصير الطريق نحو ولوجها السليم لعصر العولمة والمجتمع المعلوماتي الذي أصبح يطرق أبواب المجتمع العربي. وهنا تبرز مسألة التدريب الصحفي وتأخذ مكان الصدارة بين القضايا المهنية الحيوية، لأن الصحفي هو جوهر عملية نهوض وتطوير وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية وتقنياتها. لهذا لابد من الاهتمام بالوصول بالصحفي العربي إلى أعلى المستويات المتوفرة على الساحة العالمية من خلال التدريب الشامل والمستمر، بهدف زيادة المستوى المهني والتقني للمؤسسات الإعلامية وللصحفيين العرب بشكل عام. الأمر الذي يفرض الاهتمام ببرامج التدريب المستمر على مهارات استخدام تقنيات وتكنولوجيا الحاسب الآلي وبرامجه المتطورة، وتقنيات استخدام شبكات المعلومات الدولية وخاصة شبكة الانترنيت العالمية، والاهتمام بدراسة اللغات الأجنبية لأنها عصب عملية الاتصال، والتي اعتبرها بروفيسور الأكاديمية الدبلوماسية الروسية، غيورغي سيرغيفيتش خازن دليلاً للثقافة الرفيعة. وكحد أدنى اللغات الأكثر انتشاراً والمعتمدة في عمل المنظمات التابعة لمنظمة الأمم المتحدة وهي: الإنجليزية والفرنسية، والإسبانية، والصينية، والعربية، والروسية. لأن اللغات الأجنبية هي صلب ومحور عملية الاتصال والتبادل الإعلامي الدولي. ولا بد كذلك من التوسع في إرسال واستقبال البعثات الإطلاعية، وإيفاد البعثات التدريبية إلى الدول الأجنبية المتقدمة من أجل الوصول إلى أعلى مستويات الأداء الإعلامية العالمية، وزيادة الكوادر الإعلامية المهنية والتقنية من أجل تقديم خدمات حقيقية ومتطورة للساحات الإعلامية المستهدفة من عملية الإعلام والاتصال، وهو ما يمثل ضرورة قصوى في ظل الثورة المعلوماتية التي يشهدها المجتمع الدولي في مجال وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية والمعلومات.
أخطار المجتمع الإعلامي لا تواجه بالانغلاق، بل بالانفتاح وتحصين المتلقي لمواجه سيل المعلومات المتدفق: ومما سبق نرى أن الولوج في المجتمع المعلوماتي مرتبط بالعولمة الإعلامية التي تهيمن فيها وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية للدول المتقدمة، ولا يمكن مواجهة أخطارها في دول العالم الثالث، والدول العربية عن طريق الانغلاق أو منع التدفق الإعلامي الخارجي، وإنما من خلال تحصين المتلقي أينما كان في مواجهة سيل المعلومات والإعلام الجماهيري المتدفق من الدول المتقدمة، بحيث يستطيع المتلقي العربي كغيره من المتلقين في دول العالم الثالث الاستفادة من إيجابيات الإعلام الخارجي، وخاصة في مجال العلوم والتكنولوجيا والتقنيات الحديثة، وتحييد سلبياته التي تستهدف كيان الإنسان العربي ووجدانه، كما أنه من الضروري زيادة قدرة وسائل الإعلام والاتصال العربية على المنافسة على الساحة الدولية. ويأتي هذا عن طريق التركيز على كل المجالات والقضايا المهمة التي تمس وجهة النظر والمصالح العربية من مختلف القضايا العربية والعالمية، وعدم الاكتفاء بنقل المواقف ووجهات النظر العربية إلى الرأي العام العربي فقط كما هي الحال في الوقت الراهن، بل مضاعفة التركيز على الرأي العام العالمي في عملية النقل تلك دون تحريف أو تشويه بشأن تلك القضايا الهامة والملحة من وجهة النظر العربية، والتصدي للمغالطات والأكاذيب والافتراءات التي تنشرها وسائل الإعلام والاتصال للدول المتقدمة ضد المصالح العربية. وأخيراً فإنه هناك دور حقيقي ومهم ينبغي على وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية العربية أن تقوم به مجتمعة على المستوى الاقتصادي، والسياسي، والثقافي، والعلمي القومي استمراراً لدورها الرائد والطليعي في خدمة القضايا القومية والدفاع عن القيم الديمقراطية والحريات العامة وحقوق الأمة العربية، ومنها أن تخوض وسائل الإعلام والاتصال العربية التقليدية والحديثة على السواء، المعركة الإعلامية الدولية بهدف توضيح الحقائق الأساسية الناتجة عن أزمات النفط وأسعاره التي تسببها الاحتكارات والدول المتقدمة المستهلكة للنفط والتي تخلق مشاكل كثيرة للدول المنتجة للنفط وخاصة دول الخليج العربية التي يعتمد اقتصادها وخططها التنموية أساساً على الموارد النفطية. والصراعات الحدودية مع دول الجوار التي خلفها الاستعمار الأوروبي وتغذيها وتؤججها بعض القوى الخارجية التي لها مصلحة في إبقاء التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة العربية، والصراع التاريخي والظلم الذي لحق بالشعب الفلسطيني، وفضح ممارسات العدوان الإسرائيلي المستمر والمتعاظم ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية بشكل عام، جنباً إلى جنب مع خوض المعركة للمطالبة بالتطبيق الكامل لقرارات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، ومناهضة التطبيع الاقتصادي والمهني والسياسي مع إسرائيل قبل اعترافها وإعادتها للحقوق العربية المغتصبة وفقاً لقرارات الشرعية الدولية. كما أنه من الضروري الدفاع عن حقوق ومصالح جميع الشعوب العربية والإسهام في إنهاء النزاعات والصراعات العربية – العربية، والعمل على تصفية نظام العقوبات المجحد الذي تعاني منه عدة أقطار عربية منذ سنوات طويلة، ومن بينها العراق وليبيا والسودان، لرفع الظلم والمعاناة الأليمة عن شعوب تلك الدول من جراء الحصار الطويل، عن طريق الحوار البناء الدائم والإيجابي مع الساحة الإعلامية الدولية ورموزها. ويتطلب تحقيق تلك الأهداف حشد كل القدرات والإمكانيات الاقتصادية والعلمية والتقنية والمعرفية، والاستعانة بالإنجازات الحديثة لتكنولوجيا المعلومات والإعلام وتقنيات الاتصال المتطورة. ومن أجل هذا نكرر أنه لابد من إعداد الكوادر غير التقليدية المتخصصة والمدربة بشكل جيد للقيام بهذه المهمة على الصعيد الدولي، وتمكينها من التأثير على الرأي العام ليس المحلي فقط، بل والرأي العام العالمي في كل أرجاء العالم بما فيه التأثير الإيجابي على الرأي العام الإسرائيلي والمؤيد لإسرائيل. من خلال توضيح أهداف ومرامي الخيار الاستراتيجي للعرب الذين اختاروا هدف السلام العادل والحل السلمي للصراع المحتدم منذ أكثر من نصف قرن مضى. ولابد من تعزيز التعاون بين وسائل الإعلام والاتصال العربية، والمؤسسات الإعلامية مع دول الجوار للدول العربية من خلال دعم كل صور التبادل العلمي والفكري والثقافي على المستوى القومي معها، وهي مهمة تقع في رأيي على عاتق أصحاب القرار السياسي في الدول العربية، واتحاد الصحفيين العرب، ومعه كل المنظمات المعنية الإعلامية العربية للاضطلاع بالمهام القومية في المجال الإعلامي والفكري والعلمي، والعمل على تعزيز قدرة وسائل الإعلام والاتصال العربية على إرساء أسس السلام وتعزيز الأمن والاستقرار داخل الأقطار العربية وفي المنطقة وفي العالم أجمع، دون إغفال أهمية التعاون الإيجابي مع الاتحادات والمؤسسات الإعلامية العالمية المعنية بتقدم الإعلام وحرية التعبير والثقافة، وهي مسألة تأخر فيها العرب كثيراً حسب رأي الصحفي العربي المعروف إبراهيم نافع. وأرى أنه لابد من وضع برنامج منطقي وواقعي على المستوى العربي لتحقيق التعاون والتنسيق في العمل، بالشكل الذي يتعزز فيه مشاركة الصحفيين العرب من خلال نقاباتهم المهنية ومؤسساتهم الإعلامية في المنابر الإعلامية والمهنية العالمية، ومشاركتهم الفاعلة في صناعة الخبر عن أهم الأحداث العالمية الجارية هنا وهناك. وقبل ذلك بطبيعة الحال، فإنه من الضروري تنمية علاقة المشاركة والتعاون البناء بين الأوساط الصحفية العربية والدولة ومؤسساتها السياسية والدستورية في كل الأقطار العربية، على أساس من العمل المشترك لمصلحة الوطن والنهوض به قطرياً وعربياً، وفي الوقت نفسه الاضطلاع بالمهام المطلوبة على المستوى الإقليمي والعالمي. وهذا يتطلب الإسراع في وضع وتطبيق برنامج إعلامي عربي يضمن فاعلية أكبر لوسائل الإعلام العربية، ويضمن لها دوراً أكثر فاعلية يساعدها في أداء أدوارها المتنوعة في مجالات التوعية العلمية والاقتصادية والتقنية والمعرفية والتنويرية والتثقيفية والتربوية وفي التصدي لأعباء التنمية الشاملة. كما أنه سوف يساعد أيضاً على الارتقاء بوسائل الإعلام العربية إلى مصاف كبريات وسائل الإعلام العالمية، وسوف يساعد بالضرورة على تمكين وسائل الإعلام والاتصال الجماهيرية العربية من الأخذ بدورها الريادي والطليعي في كل القضايا الوطنية والقومية، في الانتقال إلى المجتمع المعلوماتي المنفتح وليد العولمة وتداعياتها الإعلامية، بشكل أكثر إيجابية وفاعلية وتأثير.
المراجع المستخدمة في البحث:
1. إبراهيم نافع: مستقبل الصحافة في مصر. // القاهرة: الأهرام، 29/6/2001، العدد 41843.
2. حسام عبد القادر: البابا شنودة في لقاء مفتوح. // القاهرة: أكتوبر، العدد 1288، 1/7/2001.
3. خازن غ.س.: فوق حاجز اللغات. موسكو: مجلة الولايات المتحدة وكندا، العدد 9/2000. ص 104. (باللغة الروسية)
4. زاسورسكي يا. ن.: المجتمع الإعلامي ووسائل الإعلام الجماهيرية. http://intra.rfbr.ru/pub/vestnik/V3_99/2_1.htm (باللغة الروسية)
5. سيونتيورينكو و.ف.: المجتمع المعلوماتي والمعلومات العلمية. http://intra.rfbr.ru/pub/vestnik/V3_99/1_1.htm (باللغة الروسية)
6. د. صابر فلحوط، د. محمد البخاري: العولمة والتبادل الإعلامي الدولي. دمشق: دار علاء الدين، 1999.
7. غ.ل. صاموليان، د.س. تشيريشكين، و.ن. فيرشينسكايا، وآخرون: طريق روسيا إلى المجتمع المعلوماتي (الأسس، المؤشرات، المشاكل، والخصائص). موسكو: معهد نظم التحليل في أكاديمية العلوم الروسية، 1997. (باللغة الروسية)
8. غاكوف ف.: الحاسب الآلي على البخار. موسكو: مودوس، 1999، العدد 2 (81). (باللغة الروسية)
9. كليمينكو س.، أورازميتوف ف.: وسط حياة المجتمع المعلوماتي // ИФВЭ، МФТИ. – Протвино: РЦФТИ، 1995. (باللغة الروسية)
10. د. محمد البخاري: الحرب الإعلامية والأمن الإعلامي الوطني. // أبو ظبي: صحيفة الاتحاد، 23/1/2001.
11. د. محمد البخاري: الأمن الإعلامي الوطني في ظل العولمة. // أبو ظبي: صحيفة الاتحاد، 22/1/2001
12. د. محمد البخاري: العلاقات العامة كهدف من أهداف التبادل الإعلامي الدولي، مقرر لطلاب الماجستير. طشقند: جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية، 2001. (باللغة الروسية)
13. د. محمد البخاري: العولمة والأمن الإعلامي الدولي. مجلة "معلومات دولية" // دمشق: العدد 65/ صيف 2000. ص 129 – 144.
14. د. محمد البخاري: وكالات الأنباء والصحافة الدولية في إطار العلاقات الدولية. طشقند: جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية، 2000. (باللغة الروسية)
15. د. محمد البخاري: مبادئ الصحافة الدولية والتبادل الإعلامي الدولي. مقرر لطلاب البكالوريوس. طشقند: جامعة طشقند الحكومية للدراسات الشرقية، 1999. (باللغة الروسية)
16. د. محمد نعمان جلال: العولمة بين الخصائص القومية والمقتضيات الدولي. // القاهرة: مجلة السياسة الدولية، عدد 145، يوليو 2001. ص 42-48.
17. ميليوخين ي. س.: تكنولوجيا المعلومات والعمل الحر. موسكو: غارانت – بارك، 1997. (باللغة الروسية)
18. وارتانوفا يي. ل.: النموذج الفنلندي على عتبة القرن الجديد. المجتمع الإعلامي ووسائل الإعلام الجماهيرية الفنلندية في الآفاق الأوروبية. – موسكو: جامعة موسكو الحكومية، 1999. (باللغة الروسية)
19. وارتانوفا يي.ل.: الاتحاد الأوروبي في البحث عن المجتمع المعلوماتي. // موسكو: فستنيك جامعة موسكو. سلسلة الصحافة. 1998، الأعداد 4 و 5. (باللغة الروسية)
20. يرشوفا ت.ف.: آفاق قضايا الانتقال إلى المجتمع المعلوماتي في القرن الحادي والعشرين. http://intra.rfbr.ru/pub/vestnik/V3_99/1_5.htm (باللغة الروسية)
21. يرشوفا ت.ف.، خوخلوف يو.يي.: المجتمع المعلوماتي ومستقبل المكتبات // المعلومات التربوية، 1997، العدد 4. (باللغة الروسية)
22. Building the European Information Society for us all: Final policy report of the high-Level expert group, April 1997 / European Commission. Directorate- General for employment, industrial relations and social affairs. Unit V/B/4. - [Brussels, manuscript completed in April 1997]
23. Castells M. The Information Age. Economy, Society and Culture. Volume I. The Rise of the Network Society. - Oxford: Blackwell Publishers, 1996.
24. Information Socity: Challenges for Politics, Economy and Society. - http://www.bmwi-info2000.de/gip/fakten/zvei e/index.html
25. Information Society: Concepts, Work Programme and Examples of Public and Private Initiatives.
26. Le Monde. Dossir et Documents. - 1997, Mai, No 254.
27. The Information Society and the Developing World: A South Africa Perspective (Draft 5, Version 5.1, April 1996).
28. The Global Information Infrastructure: Agenda For Cooperation / R. H. Brown, L. Inving, A. Prabhakar, S. Katzen. - [1994].
29. Vartanova E. National Infrastructure for the New Media in Russia // Changing Media and Communications / Ed. by Yassen N. Zassoursky and Elena Vrtanova. - Moscow: Faculty of Journalism/ICAR, 1998.
30. Venturelli S. Prospects for Human Rights in the Political and Regulatory Design of the Information Society // Media and Politics in Transition / Ed. by Jan Servaes and Rico Lie. - Leuven, 1997.
31. Wege in Informationsgesellschaft: Status quo und Perspekttiven Deutschlands im internationalen Vergleich/Fachverband Informationstechnik. - http://www.bmwi-info2000.de/gip/fakten/status/index.html