الثلاثاء، 12 يناير 2010

عشر سنوات على العلاقات الثنائية السورية الأوزبكستانية


عشر سنوات على العلاقات الثنائية السورية الأوزبكستانية



كتبها أ.د. محمد البخاري: صحفي عربي سوري مقيم في جمهورية أوزبكستان منذ 25 عاماً، ويعمل حالياً مستشاراً لرئيس معهد طشقند الحكومي العالي للدراسات الشرقية، وأستاذاً في قسم العلاقات الدولية بالمعهد. في طشقند بتاريخ 14/4/2002.

في الذكرى العاشرة لتوقيع اتفاقية التبادل الدبلوماسي بين سورية وأوزبكستان لابد أن أبدأ الحديث عن الحب والتقدير الذي يكنه المواطن الأوزبكستاني لسورية شعباً وقيادة والتي أخذت تتعزز كل يوم منذ الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الراحل حافظ الأسد لأوزبكستان عام 1972، وهو أمر معروف لدى آلاف الطلبة والمعيدين العرب السوريين الذين درسوا في مؤسسات التعليم العالي الأوزبكستانية وتخرجوا منها خلال فترة امتدت منذ أكثر من ثلاثين عاماً. وعن الموقع الجمهورية الاستراتيجي الذي تتمتع به أوزبكستان، حيث تقع جغرافياً في قلب جمهوريات آسيا المركزية، ولها حدوداً مشتركة يبلغ طولها 2203 كم مع قازاقستان من الشمال والغرب، وقرغيزستان بطول 1099 كم من الشرق، وطاجكستان بطول 1161 كم من الشرق والجنوب الشرقي، وتركمانستان بطول 1621 كم من الجنوب الغربي، ومع أفغانستان بطول 137 كم من الجنوب، ليبلغ بذلك طول حدودها الدولية مع دول الجوار 6221 كم. ولهذا نراها تحرص ومنذ اللحظة الأولى لاستقلالها على إتباع سياسة التعايش السلمي وحسن الجوار وعدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول المجاورة. حرصاً منها على سلامة حدودها الدولية مع تلك الدول. وتبلغ مساحة أوزبكستان 447,400 كم2، منها 425,400 كم2 يابسة والبقية عبارة عن مسطحات مائية مختلفة بين أنهار وسدود وبحيرات إضافة للجزء الخاص بها من بحر الأورال. وبذلك تزيد مساحتها عن مساحة كلاً من بريطانيا وبلجيكا والدانمرك وسويسرا والنمسا مجتمعة.

وأوزبكستان من الناحية الطبوغرافية تضم مناطق صحراوية منبسطة، يخترقها مجرى حوضي نهري أموداريا (جيحون)، وسيرداريا (سيحون) الخصيبين بالأراضي الزراعية الغنية، إضافة للمرتفعات الجبلية في المناطق الشرقية من الجمهورية والتي تصل أعلى قمة لها داخل الأراضي الأوزبكستانية 4663 متراً. وكلها كانت من العوامل الهامة لإيجاد مجتمع مستقر ومتحضر عبر القرون الماضية، على المساحة التي تشغلها أوزبكستان من آسيا المركزية اليوم. وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية الصالحة فيها 27,6 مليون هكتار، ويبلغ إنتاجها من القطن الخام 1,4 مليون طن، ومن الحبوب 4,1 مليون طن، ويبلغ إنتاجها من الكهرباء 47,5 مليار كيلو وات ساعي، ومن النفط 7,6 مليون طن، والغاز الطبيعي 48،6 مليار متر مكعب.

وتتألف جمهورية أوزبكستان إدارياً من جمهورية قره قلباقستان التي تتمتع بالحكم الذاتي ضمن جمهورية أوزبكستان، و12 ولاية تضم 163 منطقة ريفية و119 مدينة. أما عدد سكانها فيبلغ أكثر من 24 مليون نسمة، وتأتي بالمرتبة الثالثة بعد روسيا وأوكرانيا في رابطة الدول المستقلة. وتتوزع الفئات العمرية للسكان فيها على: 40 % حتى سن 14 عاماً، 55 % ما بين الـ 15 و 64 عاماً، 5 % فوق الـ 65 عاماً. ومن معطيات إحصاءات عام 1996 نرى أن معدل المواليد كان 29,86 بالألف ومعدل الوفيات 8,02 بالألف. ومن هذا نستنتج مدى الثروة البشرية التي تتمتع بها، لتحقيق خطط التنمية الإنتاجية الطموحة الماضية في تحقيقها منذ الاستقلال عام 1991 وحتى اليوم. إضافة لميزة هامة أخرى تتمتع بها القاعدة السكانية المتميزة بارتفاع مستوى التعليم المتوسط، الذي يبلغ مستواه 99,15 % وفق معطيات عام 1998. مما يضع أوزبكستان في مقدمة الدول الأكثر نجاحاً في القضاء على الأمية بين مواطنيها في العالم.

وأوزبكستان عكس الكثير من دول العالم الأخرى، تتميز بتركز السكان في الأرياف حيث يصل نسبتهم هناك إلى 61,6 % من عدد السكان، بينما يعيش في المناطق الحضرية 38,4 % فقط. مما يخفف من أعباء خطط التنمية القومية التي تتطلبها الحياة في المدن الكبيرة. ومن ناحية التركيبة الديموغرافية للسكان في أوزبكستان التي تضم حوالي 130 قومية، تصل نسبة الأوزبك بينهم إلى أكثر من 75 %، ومعظم الذين جاؤا إلى أوزبكستان بعد الاحتلال الروسي كانوا نتيجة لسياسة تهجير السكان القصرية لتغيير البنية الديموغرافية للمناطق المحتلة، التي اتبعتها السلطات الإمبراطورية الروسية أولاً، ومن ثم السلطات السوفييتية طيلة فترة الاحتلال التي استمرت زهاء 130 سنة.

وتتمتع أوزبكستان اليوم بثروات طبيعية هائلة، ظلت مخفية عن العالم الخارجي. وراء الستار الحديدي الذي فرضه الاتحاد السوفييتي السابق عليها، ليتمتع وحده بخيراتها. ومن المؤكد أن أوزبكستان تملك رابع أكبر احتياطي عالمي من الذهب (الإنتاج السنوي 70 طن تقريباً)، وعاشر أكبر احتياطي من النحاس. إضافة لاحتياطي ضخم من الغاز الطبيعي يصل إلى 5 ترليون متر مكعب، وإلى أكثر من 4 بليون طن من النفط، وأكثر من 2 بليون طن من الفحم الحجري. ومن حيث الثروة الزراعية تنتج جمهورية أوزبكستان سنوياً حوالي 1,3 مليون طن من القطن المحبوب، و5 مليون طن من الخضار والفواكه، وأكثر من 20 ألف طن من الحرير الطبيعي الخام.

إضافة لشبكة مواصلات عصرية تمتد ما بين أبعد نقطة شرق الجمهورية وأبعد نقطة إلى غربها والبالغ البعد بينهما 1425 كم، وما بين أبعد نقطة شمالاً وأبعد نقطة جنوباً والبالغ البعد بينهما 930 كم، ممثلة بشبكة حديثة من السكك الحديدية يبلغ مجموع طولها 6700 كم مرتبطة بشبكات السكك الحديدية لدول الجوار الإقليمي، إضافة إلى 80 ألف كم من الطرق البرية المعبدة، و261 ميناءً جوياً، ثلاثون منها مزودة بمدارج للإقلاع والهبوط يتراوح طولها ما بين 1524 إلى 3047 متراً، مما يجعلها قادرة على تلبية حاجات الانفتاح على العالم الخارجي وهبوط وإقلاع كل أنواع الطائرات الحديثة. وكل هذه الإمكانيات الاقتصادية الضخمة، إضافة للإمكانيات البشرية الماهرة والمدربة، التي سمحت لأوزبكستان رغم حداثة استقلالها بالانفتاح على العالم، وشجعت على جذب المستثمرين الأجانب، وجذب رؤوس الأموال الأجنبية التي وصل مجموع استثماراتها عام 1995 فقط إلى بليون دولار أمريكي.

وعند الحديث عن تطور العلاقات الثنائية الأوزبكستانية العربية يتحتم علينا الإشارة إلى عام 1962 عندما شهدت الأوساط الاجتماعية في أوزبكستان مولد جمعية الصداقة والعلاقات الثقافية مع الدول العربية. ومنذ ذلك الحين بدأت تلك العلاقات عبر مركز الاتحاد السوفييتي السابق "موسكو"، وكانت الإطلالة الأولى التي أخذت بالتدريج بتعزيز العلاقات المشتركة عبر الدبلوماسية الشعبية بين أوزبكستان والدول العربية. وكانت تلك العلاقات قد بدأت بالعلاقات الثنائية بين أوزبكستان ومصر في عام 1963 واستمرت بنجاح حتى برودها في عام 1977، وكان أهمها تآخي مدينة تشرتشك الأوزبكستانية في غمار بناء السد العالي في مصر مع مدينة أسوان، وتبادل الوفود الرسمية بين المدينتين المتآخيتين خلال أعوام 1965، 1972، 1975. بينما استمرت العلاقات بالتطور مع البلدان العربية الأخرى وخاصة سورية (التي تمتعت بمكانة خاصة في العلاقات مع أوزبكستان منذ الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الراحل حافظ الأسد عام 1972) وفلسطين والأردن واليمن والكويت وعمان ودولة الإمارات العربية المتحدة والمغرب وتونس والعراق، حتى عادت علاقات الدبلوماسية الشعبية مع مصر للدفء بعد الزيارة التي قام بها أ.أ. يوسوبوف مدير عام مصانع "زينيت" الأوزبكستانية لمصر ضمن وفد جمعية الصداقة مع الدول العربية في عام 1990 للمشاركة في أعمال مؤتمر "السوق الاقتصادية الدولية والتأثير الاقتصادي المتبادل". وفي نفس العام وعلى عتبة الاستقلال قام المنصف الماي (من تونس) ممثل جامعة الدول العربية في موسكو بزيارة لأوزبكستان.

وبعد استقلال أوزبكستان واعتراف الدول العربية باستقلالها، وتبادل بعض الدول العربية للتمثيل الدبلوماسي معها، فتحت أفاقاً جديدة لتعزيز التعاون الثنائي المباشر، شمل الدبلوماسية العربية في إطار العلاقات الثقافية والصداقة أيضاً. وتم إدماج جمعية الصداقة والعلاقات الثقافية مع الدول الأجنبية مع جمعية "وطن" للعلاقات الثقافية مع المهاجرين الأوزبك المقيمين في الخارج وشكلتا معاً الرابطة الأوزبكستانية للعلاقات الثقافية والتربوية مع الدول الأجنبية، وتحولت هذه الرابطة في عام 1997 إلى مجلس جمعيات الصداقة والعلاقات الثقافية مع الدول الأجنبية. وخطط المجلس لاستبدال رابطة الصداقة والعلاقات الثقافية مع الدول العربية، التي ترأسها آنذاك الدبلوماسي الأوزبكي بهادر عباسوفيتش عبد الرزاقوف بجمعيات للصداقة مع الدول العربية. وبالفعل تم تأسيس جمعيتين للصداقة الأولى مع مصر والثانية مع الأردن. ويحافظ المجلس على علاقات ودية مع المواطنين من أصل أوزبكي في المملكة العربية السعودية وسورية وفلسطين والأردن ومصر منذ أواسط السبعينات، وبرزت من خلال مشاركة ممثلين عنهم في المؤتمر الشبابي الأول للمهاجرين الأوزبك من مختلف دول العالم الذي انعقد في طشقند عام 1992.

وللوقوف على صورة واقعية عن العلاقات الثنائية السورية الأوزبكستانية التي تشهد ومع الأسف فتوراً منذ الاستقلال، والتي هي جزء لا يتجزأ من العلاقات العربية الأوزبكستانية، نذكر أن العلاقات الثنائية السورية الأوزبكستانية، المستقلة عن مركز الاتحاد السوفييتي السابق موسكو، قد بدأت فعلياً بعد اعتراف سورية باستقلال أوزبكستان في 28/12/1991، حيث قام خلال الفترة من 23-24/4/1992، وفد رسمي سوري رفيع المستوى برئاسة فاروق الشرع وزير الخارجية السوري بزيارة لأوزبكستان، استقبله خلالها رئيس الجمهورية إسلام كريموف والوفد المرافق له في مقره، وتم التوقيع على بروتوكول لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين.

وتتميز العلاقات الأوزبكستانية السورية بوضع خاص بسبب مشاركة أجيال من الخبراء الأوزبكستانيين زملائهم السوريين في بناء سد الفرات والمشاريع الملحقة به، والأبحاث العلمية المشتركة وإعداد الكوادر الوطنية السورية في مؤسسات التعليم العالي الأوزبكستانية (في أواسط الثمانينات من القرن الماضي كان عدد الطلاب السوريين في طشقند يقارب الألف)، ومشاريع الري واستصلاح الأراضي البكر في حوض الفرات وغيرها من المناطق السورية، وخاصة مزرعة مسكنة الحكومية بمساحة 4 آلاف هكتار التي جهزتها بالكامل أوزبكستان وقدمتها هدية للشعب السوري. ولو أن بعض تلك المشاريع في حلب ومسكنة وغوطة دمشق وحمص لم تزل مستمرة منذ عام 1979 وحتى اليوم وفق معطيات وزارة الزراعة والثروة المائية الأوزبكستانية، إلا أن العلاقات الثنائية بعد الاستقلال لم يتم رفعها للمستوى المطلوب لتعزيز الصداقة والتعاون بين الدولتين، حسب رأي بعض المحللين السياسيين.

وفي المجالات الاقتصادية تطالعنا المصادر الأوزبكستانية على أنه في عام 1999 بلغ ميزان التبادل التجاري بين البلدين 2 مليون دولار أمريكي، منها 0,5 مليون دولار أمريكي صادرات، و1,5 مليون دولار أمريكي واردات. إضافة لـ 11 شركة مسجلة في وزارة العلاقات الاقتصادية الخارجية الأوزبكستانية بمشاركة مستثمرين سوريين، منها 8 شركات مشتركة، و3 شركات برأس مال سوري 100%. ووفق معطيات إدارة الإحصاء المركزية الأوزبكستانية، بلغ حجم أعمال الشركات العاملة في أوزبكستان بمساهمة سورية خلال عام 1999 بما فيها تصدير البضائع والخدمات مبلغ 29,9 ألف دولار أمريكي فقط وهو مبلغ أكثر من متواضع للتبادل التجاري ببين دولتين كانتا مرتبطتين بعلاقات متميزة حتى وقت قريب.

ومن مصادر الدبلوماسية الشعبية نرى أن آخر وفد سوري زار أوزبكستان كان برئاسة عضو البرلمان السوري ورئيس الاتحاد الوطني لطلبة سورية آنذاك حسام دويني ضم عدد من الشخصيات السورية المعروفة وفرقة أمية للفنون الشعبية في وزارة الثقافة خلال المدة من 21 وحتى 26/6/1990 جرى خلالها في مدن طشقند ونمنغان وسمرقند أيام للصداقة الأوزبكستانية السورية، وهي التي لم تتكرر بعد ذلك، ماعدا المعارض الفنية التشكيلية الشخصية الأربع التي بادر لتنظيمها الفنان التشكيلي العربي السوري محمد غنوم خلال الأعوام 1991-1997 بالتعاون مع أكاديمية الفنون الجميلة بالجمهورية، ومجلس جمعيات الصداقة والعلاقات الثقافية مع الدول الأجنبية في طشقند وسمرقند وبخارى، والذي تزين اليوم بعض لوحاته مبنى البرلمان الأوزبكستاني ومتحف الفنون الجميلة في طشقند.

وعن آفاق التعاون المستقبلي لابد من الحديث عن مجال التعاون العلمي، لأن أوزبكستان تملك اليوم قاعدة علمية وتكنولوجية متطورة، تضم أكثر من ستين مؤسسة للتعليم العالي، وأكثر من أربعين مركز من مراكز البحث العلمي. شاركت كلها خلال العهد السوفييتي ولم تزل في إعداد الكوادر العلمية المدربة للعديد من الدول العربية، ومن بينها: سورية ولبنان والأردن وفلسطين واليمن ومصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا والكويت والعراق. وتشكل اليوم قاعدة صلبة لاستمرار ومتابعة التعاون العلمي المثمر مع مؤسسات التعليم والبحث العلمي العربية. والتعاون يمكن أن يشمل ليس إعداد الكوادر العلمية والتقنية وحسب، بل وفي البحوث العلمية المشتركة وفي سد احتياجات بعض الدول العربية من اليد العاملة الخبيرة والمدربة، من فائض اليد العاملة في جمهورية أوزبكستان. هذا الفائض الذي تشكل نتيجة للسياسة السوفييتية التي طبقت في آسيا المركزية بشكل عام وأوزبكستان بشكل خاص والتي يشكل سكانها الأربع والعشرون مليوناً 40 % من سكان آسيا المركزية مجتمعة.

وليس سراً على أحد أن الدول العربية المنتجة للبترول الخام والغاز الطبيعي ومن بينها سورية تملك خبرات واسعة في مجال الصناعات البترولية، والصناعات البتروكيميائية المتطورة، وتتصدر قائمة المصدرين العالميين لهذه المادة الإستراتيجية الهامة، وهو الأمر الذي سمح لبعض المحللين باعتبار هذا المجال، من المجالات الحيوية الكثيرة للشراكة والتعاون بين أوزبكستان والدول العربية المنتجة للبترول ومن بينها سورية طبعاً، في إنتاج وتصنيع البترول الخام ومشتقاته، وإنتاج الغاز الطبيعي، وفي مجال الصناعات البتروكيميائية، ومجالاً رحباً لتوظيف رؤوس الأموال العربية في المشروعات الحكومية الأوزبكستانية التي يمكن أن تدخل فيها الخبرات العربية والأوزبكستانية في الإدارة والتشييد والتدريب والاستثمار والتسويق على حد سواء.

والملاحظ أن العديد من بلدان العالم كانت سباقة للاستفادة من سياسة الانفتاح على العالم الخارجي التي تتبعتها أوزبكستان منذ استقلالها، وكان لها السبق في جني ثمار الاستثمار، والاستثمار المشترك، حيث بلغ عدد المؤسسات المشتركة المسجلة والعاملة على الأراضي الأوزبكستانية أكثر من 1300 مؤسسة في عام 1994، إضافة لتوقيع 32 اتفاقية بين الحكومة الأوزبكستانية والمؤسسات المصرفية لعشرات الدول الأجنبية، دخلت كلها حيز التطبيق منذ أواسط عام 1995، وبلغت قيمتها الإجمالية حوالـي مليـار ونصـف المليـار دولار أمريكي. وهو ما يبرز واقع التطور السريع للعلاقات الاقتصادية والسياسية والعلمية والثقافية مع البلدان الأوربية والأمريكية وبعض الدول الآسيوية والتي كانت أكبر بكثير من العلاقات المتواضعة جداً مع البلدان العربية التي تشغل اليوم في السياسة الخارجية والعلاقات الاقتصادية الأوزبكستانية مكانة لا تتناسب والوزن الهام الذي تتمتع به المجموعة العربية في العلاقات السياسية والاقتصادية في العالم المعاصر حسب رأي بعض المحللين السياسيين الأوزبك. إضافة لقلة التمثيل الدبلوماسي العربي المعتمد في أوزبكستان، حيث نرى أن مصر والأردن والجزائر وفلسطين والمملكة العربية السعودية والكويت فقط، افتتحت سفارات لها في العاصمة طشقند، بينما اكتفت اليمن والمغرب باعتماد سفيرها المقيم في موسكو سفيراً غير مقيم في أوزبكستان. وأن الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات كان الزعيم العربي الوحيد الذي زار جمهورية أوزبكستان بعد استقلالها، بينما اقتصرت الزيارات الرسمية لبعض الدول العربية على وزراء الخارجية أو السفراء المعتمدين في موسكو فقط.

ويبرز الواقع الحالي للعلاقات العربية الأوزبكستانية أن مصر انفردت وحدها بين الدول العربية، في افتتاح مركز العلوم والتعليم بطشقند لرعاية المصالح الثقافية والعلمية المصرية وتوسيع هذه العلاقات داخل أوزبكستان، واستطاع هذا المركز خلال فترة قصيرة إقامة علاقات واسعة مع المؤسسات العلمية والتعليمية والمهنية الأوزبكستانية، وعمل على توسيع التبادل العلمي بين البلدين. إضافة لنشاطات المكتب الإعلامي للسفارة المصرية بطشقند الذي يتمتع بعلاقات ممتازة مع الأوساط الصحفية الأوزبكستانية، وسعيه لتعريف المجتمع الأوزبكستاني بالثقافة العربية من خلال المسلسلات والبرامج التلفزيونية المصرية التي يبثها التلفزيون الأوزبكستاني بين الحين والآخر بعد دبلجتها باللغة الأوزبكية، ويطلع عليها إضافة للمشاهد الأوزبكي المشاهدين في دول أسيا المركزية المجاورة، وهو المركز الإعلامي العربي الوحيد في آسيا المركزية. إضافة للغياب شبه التام للمنظمات والهيئات العربية الحكومية وغير الحكومية العاملة في المجالات الإعلامية والتجارية والاقتصادية، بين المنظمات والهيئات الدولية العاملة في أوزبكستان. باستثناء هيئة الإغاثة الكويتية التي افتتحت مركزاً إقليمياً لها في طشقند.

ولا أعتقد أنه هناك أي مبرر للتأخير السوري بالمبادرة لاعتماد تمثيل دبلوماسي مقيم له في طشقند بعد التغييرات الجذرية التي جرت في أوزبكستان، والتغيرات الهامة الجارية على الساحة الدولية. خاصة وأنه من الصعب جداً التكهن بمدى استمرار تأخر السياسة الخارجية العربية ومن بينها السورية طبعاً عن غيرها من مراكز الثقل العالمي في إقامة وتوسيع العلاقات مع أوزبكستان وغيرها من جمهوريات آسيا المركزية، خاصة وأن هذا الوضع تستفيد منه وبشكل فعال وملموس بعض القوى المعادية تقليدياً للمصالح العربية في العالم. والتي هي برأيينا تشكل استمرارا لانقطاع العلاقات المباشرة بين آسيا المركزية والبلدان العربية التي فرضت منذ بدايات الاحتلال الروسي للمنطقة مع مطلع القرن التاسع عشر، وحتى مطلع العقد التاسع من القرن العشرين تلك السياسة التي أتبعتها روسيا منذ الأيام الأولى للاحتلال وهدفت من خلالها إلى قطع كل الصلات الثقافية والتجارية التي كانت تربط آسيا المركزية بالمنطقة العربية منذ عدة قرون. وكرستها الحكومة السوفييتية في سياستيها الداخلية والخارجية التي تعمدت أن لا يكون لأوزبكستان أو لغيرها من الدول التي تشكلت نتيجة للسياسة السوفييتية في المنطقة، أكثر من الحدود المسموح لها بها، والتي لا تسمح بإقامة أي نوع من العلاقات المباشرة بين آسيا المركزية والدول العربية على الإطلاق.

رغم أننا نلاحظ أنه ومع الاستقلال شعرت حتى روسيا نفسها بضرورة وحتمية فتح صفحة جديدة من علاقات التعاون الاقتصادي والسياسي والعلمي والثقافي مع دول المنطقة، لتفتح بذلك صفحة جديدة من العلاقات الروسية الأوزبكستانية المتساوية التي تتعزز كل يوم بما فيه مصلحة البلدين. بينما لم تشعر أكثرية الدول العربية بتلك الحاجة الملحة التي تمليها المصالح القومية الحيوية المشتركة. فالحاجة ماسة اليوم لإجراء تبديلات حقيقية في العلاقات العربية الأوزبكستانية وخاصة السورية تدفعها نحو الأمام، وتجدد وتطور وتوسع وتعزز العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية والعلمية التي كانت تربطها بمنطقة آسيا المركزية منذ القرون الوسطى، وتوظيف تلك العلاقات لخلق المسببات التاريخية لدفع وتنشيط العلاقات المتبادلة والمصالح المشتركة في الوقت الحاضر.

ويمكننا هنا التنبؤ بالدور الذي يمكن أن تلعبه سورية من خلال التعاون العلمي والثقافي، وتبادل الخبرات الاجتماعية والثقافية والعلمية والاقتصادية والسياسية المتكونة لديها وفي الدول العربية الأخرى، ونقل المفيد منها لبناء المجتمع الجديد في أوزبكستان. إضافة للدور الذي يمكن أن تلعبه سورية حسب رأي الخبراء الاقتصاديين في المنطقة الذين يتنبؤون بتوسع التبادل التجاري والاقتصادي معها، خاصة في مرحلة ما بعد تحقيق السلام الدائم والعادل في منطقة الشرق الأوسط، لتستعيد بلاد الشام قدراتها وتتفرغ للاستفادة من موقعها الهام في السياسة الدولية، وموقعها المتميز في السوق التجارية والسياحية الدولية، والترانزيت الذي يوصل آسيا المركزية بموانئ شرقي البحر الأبيض المتوسط عبر إيران والعراق وسورية ولبنان، والذي يمثل أقصر الطرق إلى أوروبا والشمال الإفريقي، خاصة بعد تسيير الرحلات بالسكك الحديدية بين سورية وإيران، لاسيما وأن أوزبكستان لا تملك مخرجاً على البحار المفتوحة.

وهنا لابد من الإشارة إلى أن بعض الدول العربية استطاعت أن تحافظ ومنذ مدة طويلة على العلاقات المتميزة التي كانت قائمة مع أوزبكستان عبر مركز الاتحاد السوفييتي السابق، من خلال التعاون في مجالات الري واستصلاح الأراضي، والبناء، وإعداد الكوادر العلمية اللازمة لتلك المشاريع، والتعاون في مجال تطوير زراعة القطن، وغيره من المنتجات الزراعية، ومن بينها سورية رغم عدم تبادل التمثيل الدبلوماسي مع أوزبكستان بعد الاستقلال. ويتوقع الخبراء أن تلعب سورية دوراً إيجابياً أيضاً في تعزيز التعاون بين أوزبكستان ودول شبه الجزيرة العربية، التي تملك دوراً فعالاً أكبر في تطوير التعاون العربي الأوزبكستاني من خلال مجلس التعاون الخليجي الذي تربط بعض دوله بأوزبكستان علاقات مالية واقتصادية وتجارية، يمكن أن تتوسع باستمرار. إضافة للموقع الجغرافي الهام الذي تشغله دول مجلس التعاون الخليجي وقربها من آسيا المركزية، وإطلالها على بحر العرب والمحيط الهندي وبالتالي على محيطات العالم. وتركّز مراكز الترانزيت العالمية القريبة من أوزبكستان في موانئها، وخاصة موانئ دولة الإمارات العربية المتحدة. وهو ما يعطي دول مجلس التعاون الخليجي جملة من المزايا تدفعها إلى مصاف الدول التي تتمتع بالأولوية في التجارة والاستثمار والتعاون المالي والاقتصادي ليس في أوزبكستان وحدها، بل وفي دول آسيا المركزية برمتها، مستفيدة من تشجيع الاستثمار في المنطقة ولا سيما في أوزبكستان. ويمكن أن توظف فيها الخبرة الواسعة لدول مجلس التعاون الخليجي في مجال السياسة المالية الخارجية، والاستثمار في الدول الأجنبية. ودورها الفاعل في المنظمات الإقليمية العربية ومؤسسات التنمية الاقتصادية الدولية، ودورها الهام كأكبر المتبرعين في العالم لتمويل المشاريع الإنسانية الدولية، ومشاريع التطوير الاجتماعي والاقتصادي في مختلف أنحاء العالم.

إذ يعتبر هدف أوزبكستان الأول هو جلب الاستثمارات الأجنبية، وهو ما أعلنه رئيس الجمهورية إسلام كريموف واضع أسس ومبادئ سياسة الانفتاح والتطور الاقتصادي الحر في الجمهورية، والذي هو من مبادئ السياسة الاقتصادية الخارجية لأوزبكستان بقوله: "أن أوزبكستان تتبع سياسة الأبواب المفتوحة مع المستثمرين الأجانب الذين يقدمون للجمهورية التكنولوجيا المتقدمة بمستوى عالمي، ويساهمون في بناء البنية الحديثة للاقتصاد الوطني". ولا بد أن نشير إلى حقيقة هامة أخرى وهي أن للدول العربية ومن بينها سورية مصلحة لا تقل عن مصالح دول آسيا المركزية في خلق وتطوير وتحسين العلاقات الاقتصادية والسياسية والعلمية والثقافية المشتركة بينها. وأوزبكستان التي هي في مقدمة تلك الدول تسعى لتعزيز وإيجاد وتوسيع مثل تلك العلاقات، من خلال سعيها الدائم لجذب رؤوس الأموال الأجنبية وتوظيفها في مشاريع محددة يحتاجها الاقتصاد الوطني الأوزبكستاني، ولإدخال التكنولوجيا المتطورة في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والعلمية. وخاصة في المنشآت الإنتاجية العملاقة التي تساعد أوزبكستان على تخطي صعابها الاقتصادية. وتعيد عجلة الإنتاج للعمل في بعض المصانع الضخمة القائمة فيها إلى طاقة إنتاجها الفعلية، بعد أن تأثر إنتاجها خلال الفترة الانتقالية بعد الاستقلال، ومنها مصانع الطائرات والجرارات والمعدات الزراعية وآلات الغزل والنسيج والبتروكيماويات وغيرها من المصانع الضخمة، وفي مجال تحديث الصناعات الغذائية والاستهلاكية وتصنيع المنتجات الزراعية والحيوانية والمحافظة على الثروة الحيوانية وتطويرها. بشكل يسمح لها بالاستغناء عن الاستيراد واستبداله بالتصدير الذي يعزز من مكانتها المالية ويوجد فرص العمل للفائض من قوة العمل وحل مشكلة البطالة المرتبطة ببعض المشاكل الاجتماعية التي تعاني منها الجمهورية. خاصة على ضوء التنافس الدولي الشديد الذي كان واضحاً خلال العقد الأخير من القرن العشرين والذي سعى بالأساس نحو توفير بديل للنفوذ الروسي في دول آسيا المركزية وخاصة أوزبكستان. ولكنه لم يضعف من ذلك النفوذ بشكل جوهري، ولكنه وفر لدول المنطقة بدائل استفادت منها في صياغة سياستها الخارجية ووظفتها للحصول على شروط أفضل في التعامل مع الاتحاد الروسي، وهو ما لم تستفد منه الدول العربية.

وأثبتت الوقائع بجلاء واضح، بأن آسيا المركزية لن تعود مرة أخرى إلى أي نوع من أنواع العلاقات التي كانت تربطها بروسيا القيصرية أو الاتحاد السوفييتي السابق أو بالمركز السابق (موسكو). بل على العكس اتجهت دول المنطقة المستقلة وذات السيادة وخاصة أوزبكستان نحو بناء علاقات جديدة من المنفعة المتبادلة والمتساوية مع الفيدرالية الروسية رغم عدم التطابق في وجهات النظر حيال بعض المواقف والقضايا الهامة والحساسة في المصالح الوطنية للجانبين. وبعبارة أخرى أن استعمار المنطقة راح بلا رجعة، وأن استقلال جمهوريات آسيا المركزية أمر واقعي ومهم وتدعمه بثبات مراكز القوى العالمية. ولا أحد ينكر حقيقة أن التنافس الدولي هذا قد أدى إلى تعطيل مؤقت، لقدرة دول آسيا المركزية على اختيار النموذج الملائم لها للتطور الاقتصادي والسياسي المستقل. رغم نجاح أوزبكستان في اختيار طريقها الخاص للتجديد والتقدم، ونموذجها الخاص للانتقال إلى اقتصاد السوق. الأمر الذي ساعدها على استقرار مؤسساتها الدستورية والسلطة السياسية بعد فوز رئيسها إسلام كريموف ولمرتين متتاليتين بمنصب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع الشعبي المباشر.

ولكن دخول التطرف الديني والعنف المسلح وما رافقه من ازدهار لتجارة المخدرات وتهريب الأسلحة في المنطقة كصدى للصراع الدائر على الساحة الأفغانية كطرف في المعادلة السياسية في المنطقة، تشجعه وتستغله وتدعمه جهات خارجية معروفة. وضاعف من حدة الموقف في المنطقة الأحداث الدامية التي جرت في طشقند وجنوب قرغزستان عام 1999، وأحداث جنوب أوزبكستان وقرغيزستان صيف 2000، والتي جاءت مطابقة ومؤيدة لتوقعات القيادة الأوزبكستانية، وتنبيهها الدائم إلى خطر انتقال وانتشار التطرف والعنف المسلح من أفغانستان إلى مناطق أخرى في آسيا المركزية بل وإلى أنحاء أخرى من العالم كما أثبتت أحداث 11/9/2001 في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أثر هذا العامل برأيينا على السياسة الخارجية الأوزبكستانية وأبطأ من اندفاع أوزبكستان الشديد نحو تقوية العلاقات الثنائية مع الدول العربية بعد الاستقلال، والذي واجهته معظم الدول العربية بتجاهل نعتقد أنه غير المقصود لأوزبكستان في السياسة الخارجية وأفضلياتها في تلك الدول، وتمثل بتجاهل أهمية إقامة العلاقات الدبلوماسية وتبادل السفارات واعتماد السفراء المقيمين، وهو المدخل الرسمي الوحيد لخلق قنوات من الحوار البناء وتبادل المعلومات والمصالح وخلق البدائل في السياسة الخارجية للجانبين.

ولا يجهل أحد بأن تقوية العلاقات الأوزبكستانية العربية قد تتعارض ومصالح بعض القوى العالمية التي تسعى دائماً إلى تسميم العلاقات العربية مع العالم الخارجي بشتى الطرق، وتوظيفها لهذا الهدف إضافة لقوتها الاقتصادية والعلمية والدبلوماسية، وأجهزة إعلام قوية متواجدة على الساحة الدولية ومنتشرة ومجربة تسيطر عليها لتخلق بشكل دائم رأي عام دولي مساند ومتعاطف مع تلك القوى العالمية، ورأي عام دولي جاهل إن لم نقل معاد للمصالح الوطنية العربية. والغريب في الأمر أن هذا يجري على ساحة آسيا المركزية وأوزبكستان ضمناً، في ظروف من الضعف أو الغياب شبه التام للجانب العربي في معادلة المساعي الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية والسياسية والثقافية الدائرة لتحقيق أقصى الفوائد للمصالح الحيوية في العلاقات الثنائية بين الدول العربية وأوزبكستان حتى ولو استثنينا تلك الدول العربية التي لها علاقات دبلوماسية معها أو لها سفارات مقيمة فيها.

وهنا لابد من التأكيد على حقيقة هامة أخرى وهي أن العلاقات الثنائية العربية الأوزبكستانية هي في مصلحة الطرفين على حد سواء. فهي بالنسبة للدول العربية ولأوزبكستان بديل قوي من البدائل التي يمكن أن تعتمدها وتستغلها لتساعدها على صياغة سياسة خارجية مستقلة تراعي المصالح الحيوية والوطنية. حتى وإن لم نشر إلى الحقائق الاقتصادية والثقافية والدينية التاريخية التي تتمتع بالأفضلية في العلاقات المشتركة بين أوزبكستان والدول العربية، وتمتد بجذورها عمقاً لآلاف السنين.

ولهذا فإني أرى أنه لابد من تفعيل العلاقات الثنائية السورية الأوزبكستانية الاقتصادية والأمنية خاصة، والسياسية والثقافية والعلمية بشكل عام، وهذا طبعاً يتطلب من الجانبين التعجيل قدر المستطاع بتبادل السفارات، لأنها تعتبر من أهم آليات تطوير العلاقات الثنائية وخدمة المصالح المشتركة للجانبين. ولما كانت أوزبكستان هي الدولة الأكثر ثقلاً وفاعلية في آسيا المركزية فمن المصلحة السورية أن يكون سفيرها المعتمد في طشقند سفيراً غير مقيم لها في الدول المجاورة من جمهوريات آسيا المركزية الخمس (أوزبكستان، وقازاقستان، وتركمانستان، وقرغيزستان، وطاجكستان). وهنا نعترف بأن لكل دولة إمكانياتها الخاصة، ولكن الحد الأدنى برأيينا يسمح لأية دولة بافتتاح شعبة قنصلية لها في سفارة شقيقة أو صديقة معتمدة، تكون همزة الوصل الرسمية لترعى مصالحها الوطنية العليا، وتعمل على تشجيع الصلات وتنقل الأشخاص والبضائع بينها، وتبادل المعلومات والوفود الرسمية والإطلاعية والسياحية. خاصة وأن الواقع في العلاقات الدبلوماسية يشير إلى أنه يمكن اعتماد سفير مقيم حتى في وزارة الخارجية ببلاده ويعمل من هناك على تعزيز ودفع خطوات التنسيق والتعاون بين بلده وأوزبكستان المعتمد فيها، مثال: سفراء كلاً من: فنلندا التي يقيم سفيرها المعتمد بوزارة الخارجية في هلسنكي، وبلجيكا التي يقيم سفيرها المعتمد بوزارة الخارجية في بروكسيل، والدانمرك التي يقيم سفيرها المعتمد بوزارة الخارجية في كوبنهاجن، والنمسا التي يقيم سفيرها المعتمد بوزارة الخارجية في فيينا. ومن خبرة تلك الدول التي اكتفت بسفير معتمد لها مقيم في دولة مجاورة وبقنصل فخري مقيم في طشقند ككندا وإسبانيا واليونان وجنوب إفريقيا، أو التي اكتفت بسفير معتمد مقيم في دولة مجاورة كمقدونيا واليمن والمغرب، والغاية من التمثيل أساساً كما هو معروف هو رعاية المصالح والتنسيق الضروري والحضور الفاعل على الساحة الدولية.

والأهم أن تبدأ العلاقات بزيارات رسمية يتبادلها قادة الدول العربية وأوزبكستان، وحبذا لو بادرت سورية بتبادل الزيارات بين الرئيسين بشار الأسد ونظيره إسلام كريموف، وتكرارها للتعرف على الأوضاع والإطلاع على الواقع لدى الطرفين عن كثب، واتخاذ القرارات الهامة التي تعجل في تفعيل العلاقات الثنائية ذات المنفعة المتبادلة. فكيف يمكن تعزيز العلاقات الثنائية ولم يقم أي قائد عربي باستثناء الرئيس ياسر عرفات حتى الآن بزيارة لأوزبكستان ؟ بما فيها مصر والمملكة العربية السعودية اللتان زارهما الرئيس كريموف عام 1992. وهو ما دفع بوزير خارجية أوزبكستان عبد العزيز كاميلوف في تصريح له نشرته صحيفة الاتحاد الظبيانيةً منذ وقت قريب للقول: "أستطيع التأكيد .. بأن لدينا رغبة حقيقية في تطوير علاقاتنا مع العالم العربي، ولدينا، بالفعل، علاقات دبلوماسية مع بعض الدول العربية، أبرزها مع المملكة العربية السعودية، ولكن، ومع الأسف، لم تبلغ علاقاتنا حتى الآن المستوى الذي ينبغي أن تكون عليه. وأعتقد أن هذا يعود إلى أسباب تاريخية، فإبان الحقبة السوفييتية كانت العلاقة مع العالم العربي تمر عبر موسكو .. وباستطاعتي القول أن علاقاتنا تتطور، إننا نعلم كيف أن مصر تضطلع بدور محوري في منطقتها، ونحن نرغب في تقوية علاقاتنا معها لأننا نقوم بدور مماثل في منطقتنا، كما أننا نحاول الإفادة من التجربة اللبنانية الكبيرة في مجال التصدير والتجارة الخارجية، كما أننا نفكر في فتح سفارة في دولة الإمارات العربية المتحدة لتطوير المبادلات التجارية وحركة السياحة مع العالم العربي. لكن اسمح لي أن أسجل هذه الملاحظة هنا، فأنا لا أفهم لماذا لم يزرنا أي مسؤول عربي واحد منذ الاستقلال، مع أننا وجهنا دعوات رسمية إلى المسؤولين العرب لعل أبرزها تلك التي وجهها الرئيس كريموف إلى نظيره المصري حسني مبارك، وأعتقد أن على العرب أن يغزوا أوزبكستان دبلوماسياً".

ولهذا أرى أنه لابد من تفعيل العلاقات الدبلوماسية والتعاون المشترك والتنسيق في المواقف السورية الأوزبكستانية داخل منظمة الأمم المتحدة وأجهزتها المختصة ومنظماتها المتخصصة، والمنظمات الدولية الأخرى بما يكفل المصالح الوطنية العليا للجانبين ويعزز من مواقفهم المشتركة، ومطالبهم العادلة التي لا تمس السيادة الوطنية للجانب الآخر. ولابد من الإسراع إلى عقد اتفاقيات ثنائية للتعاون وتبادل المعلومات والخبرات الأمنية لمكافحة الجريمة والتطرف والإرهاب، ومكافحة تجارة المخدرات والتهريب بكل أنواعه. لأن الأمن والاستقرار وحماية أرواح وممتلكات وراحة المواطنين هو هم مشترك وواجب يقع على عاتق الحكومات في إطار القواعد الدستورية التي تكفله لمواطني الدول أينما كانوا. والتنسيق بين وزارات الدفاع والداخلية والأجهزة الأمنية بما فيها اللجان الوطنية للشرطة الدولية (الإنتربول).

ولابد من تفعيل التعاون الاقتصادي عن طريق تشجيع التعاون الثنائي بين الوزارات المعنية، وتشجيع الغرف الصناعية والزراعية والتجارية لدى الطرفين على التعاون وافتتاح فروع لها في عواصم الطرفين، وتشجيع الاتحادات المهنية والغرف الصناعية والتجارية والزراعية ورجال الأعمال والشركات الكبرى على التعاون وإقامة المشاريع المشتركة في أوزبكستان وفي سورية في آن معاً. والعمل المشترك لدراسة جدوى الاستثمار الصناعي والزراعي واستثمار الثروة الحيوانية والبترولية واستخراج الثروات الطبيعية واستثمارها والتبادل التجاري وتبادل المعلومات والإطلاع على الإمكانيات المتاحة لدى الجانب الآخر. وتبادل المعارض الاقتصادية بشكل دائم، وحبذا لو قامت سورية في إطار عربي مشترك بافتتاح مركز تجاري عربي دائم في طشقند يكون بمثابة معرض دائم للمنتجات العربية، ومكان لعقد الصفقات المتكافئة لمصلحة الطرفين. وهذا يتطلب أيضاً الإسراع بإبرام اتفاقيات ثنائية تضمن الاستثمار والاستثمار المشترك وتنقل رجال الأعمال وتدفق الأموال والبضائع والتكنولوجيا، وتحل مشاكل الازدواج الضريبي.

ولابد من تفعيل التعاون العلمي والثقافي عن طريق التعاون في مجال إعداد الكوادر العلمية والتقنية اللازمة والمدربة تدريباً عالياً في المؤسسات العلمية للطرفين، لتستطيع تلك الكوادر إعداد الدراسات الصحيحة التي تدفع العلاقات الثنائية وتوسعها وخاصة في مجال الاستثمارات الصناعية والزراعية والثروة الحيوانية والبترولية واستثمار الثروات الباطنية وتصنيعها والتبادل التجاري. وتشجيع الجامعات ومراكز البحث العلمي لدى الجانبين على إقامة علاقات مباشرة، وتبادل المنح الدراسية وخاصة في مجال الدراسات العليا، والتدريب المستمر ورفع الكفاءة المهنية، والسعي لإنشاء مراكز معلوماتية مشتركة للبحث العلمي وإعداد البحوث العلمية والدراسات وتقديم الاستشارات التي تكفل تعزيز العلاقات الثنائية عبر الوزارات المختصة.

ولابد من تشجيع الوزارات والجهات المختصة لافتتاح المراكز الثقافية وتطوير التعاون في المجالات الثقافية والدينية والسياحية، والرياضية، وتنظيم المهرجانات والأسابيع الثقافية والسينمائية والمسرحية والسياحية واللقاءات الرياضية والمعارض الفنية، وعقد المؤتمرات واللقاءات بين المؤسسات الدينية الرسمية والمعترف بها لدى الجانبين، لأن هذا يعتبر من البديهيات الهامة لخلق وتعزيز الروابط بين الشعوب. والعمل على دعم الجهود المشتركة للدبلوماسية الشعبية وتشجيع إقامة جمعيات للصداقة السورية الأوزبكستانية في دمشق، والأوزبكستانية السورية في طشقند. لمواجهة الهجمة الشعواء التي يتعرض لها العرب والمسلمون ظلماً وبهتاناً في أنحاء مختلفة من العالم.

وتفعيل العلاقات بين وزارات التربية والتعليم لدى الجانبين في مجال تعليم اللغة العربية كلغة أجنبية، وتوفير دورات تدريبية لمعلمي اللغة العربية من أوزبكستان، والتعاون وتقديم المساعدة في مجال تطوير المناهج التعليمية وتأليف الكتب المدرسية. وتبادل الزيارات الإطلاعية والدورات التدريبية للكوادر والقيادات التعليمية على مختلف المستويات والفروع والمواد التعليمية. وإبرام الاتفاقيات الثنائية التي تكفل تسهيل ذلك، وتشجيع تعليم اللغة الأوزبكية في إحدى المدارس والجامعات السورية.

وتفعيل التعاون الإعلامي وتوسيعه عن طريق عقد اتفاقيات تعاون ثنائية بين وكالة الأنباء العربية السورية وافتتاح مكتب إقليمي لها في طشقند، ووكالة الأنباء الأوزبكستانية "جهان" التابعة لوزارة الخارجية الأوزبكستانية، ووكالة الأنباء الوطنية "أوزا" لتبادل الأخبار ونشرها، وتشجيع التعاون بين محطات الإذاعة والتلفزيون الوطنية، وتبادل البرامج الإذاعية والتلفزيونية لتعريف المستمع والمشاهد بما يجري على جميع الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية والعلمية والاجتماعية لدى الطرف الآخر، وتبادل وبث البرامج الخاصة في المناسبات الوطنية والدينية لدى الجانبين بما فيها الجسور التلفزيونية المباشرة (البث المباشر). وتشجيع العلاقات المباشرة بين الصحف والمجلات الصادرة لدى الطرفين، وتشجيع ودعم تبادل الزيارات الإطلاعية للوفود الصحفية من الجانبين. والتعاون في مجال الأمن الإعلامي الذي تفرضه العولمة الإعلامية وتقنيات الاتصال الحديثة. وتشجيع افتتاح المراكز الإعلامية واعتماد المراسلين الصحفيين في البلدين وتقديم التسهيلات اللازمة لهم عن طريق المعاملة بالمثل.

والتحرك الفعال نحو إعادة الصلات التاريخية التي كانت تربط جمهوريات آسيا المركزية وخاصة أوزبكستان بسورية والوطن العربي عن طريق إحياء طريق الحرير البرية، وإقامة شركات النقل البري والجوي والبحري المشتركة والسكك الحديدية خاصة بعد أن تم تسيير خط السكك الحديدية بين الموانئ البحرية السورية وإيران التي هي بدورها مرتبطة بشبكة الخطوط الحديدية لجمهوريات آسيا المركزية، وتسيير خطوط جوية منتظمة لنقل الأشخاص والبضائع بين طشقند التي يمكن أن تكون الركيزة للتنقل إلى جمهوريات آسيا المركزية الأخرى، والعواصم العربية عبر دمشق. إضافة للخط الجوي المنتظم الوحيد لمؤسسة الطيران الأوزبكستانية الذي يربط طشقند بالشارقة. والإسراع لعقد اتفاقيات ثنائية للنقل الجوي وتنفيذ وتفعيل القائم منها.

وتشجيع التعاون بين الجهات المختصة بمكافحة ومواجهة آثار الكوارث الطبيعية والأوبئة ومكافحة الجفاف والتصحر والتلوث البيئي، والتنسيق بين الوزارات المختصة وخاصة الصحة والزراعة والثروة المائية والحالات الطارئة وأجهزة الدفاع المدني بين الجانبين من أجل ذلك.

وهذا تصور أضعه أمام القارئ العربي في سورية، وبين أيدي أصحاب القرار في سورية والدول العربية وأوزبكستان، وأنا على ثقة تامة من أن الجميع يشاطرونني الرأي بأنه حان الأوان لتفعيل العلاقات الأوزبكستانية العربية ورفعها إلى المستوى الذي يرغبه القادة العرب والأوزبك، وتتطلع إليه شعوبهما بآمال كبيرة، بما يعود بالفائدة على شعوب آسيا المركزية، والأمة العربية. ويلبي تطلعات الرئيس القائد بشار الأسد التي تسعى لوضع سورية في مكانها الطبيعي واللائق في عالم اليوم سريع التبدل والتغير.


هناك تعليق واحد: